ذكر اكاتب العراقي محمد عاكف جمال في مقال نشر اليوم 8 يناير 2016، بالصحيفة الإماراتية البيان – صحيفة يومية، تهتم بالشأن السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والثقافي، تأسست في 10 مايو 2010 – أن لكل لحرب أجل معين، طوله أو قصره يعتمد على قدرات الأطراف المشاركة فيها سياسيا واقتصاديا وعسكريا على الاستمرار في خوضها، ” هكذا تعلمنا من دروس التاريخ،” إذ لم تستغرق الحرب العالمية الثانية أكثر من ست سنوات لتضع أوزارها، والحرب على الإرهاب ما تزال قائمة في منطقة الشرق الأوسط، وتزداد شدة منذ خمس عشر سنة، وذلك لأن الرؤية لتحقيق السلم، ما تزال قاصرة عن إدراك الأسس التي ينبغي أن يرسو عليها النظام الإقليمي.
توسع
وأوضح عاكف جمال أن في الوقت الذي تتوسع فيه التحالفات لمحاربة تنظيم “داعش“، يوسع التنظيم هو الآخر من نطاق عملياته، فقد أسقط طائرة روسية فوق مصر، ونفذ هجوما انتحاريا في لبنان، ونظم عمليات خطيرة في تونس وفرنسا، وتسبب في إلغاء وتقليص احتفالات رأس السنة في عدد من الدول الأوروبية، خلاصة القول إن خمسة عشرة عاما من الحرب على الإرهاب، قد فشلت في التصدي له.
وأضاف أن الحرب على “داعش” شديدة الترابط بأزمات المنطقة واحتقاناتها السياسية والمذهبية الحادة الآخذة بالتصاعد، على الرغم من أن هذه الحروب محصورة في الوقت الراهن في الساحتين العراقية والسورية، إلا أنها مرشحة للانتقال إلى ساحات أخرى في المنطقة وشمال إفريقيا، خاصة بعد أن أصبح الانتماء للمكونات أكثر وضوحا من الانتماء للأوطان.
وتمتلك الولايات المتحدة خيارات أكثر من غيرها في مواجهة تنظيم “داعش” كزيادة الموارد المالية المخصصة لهذه الحرب، أو زيادة المساعدات للقوات المقاتلة على الأرض، أو إرسال قوات برية أو تسليط الضغوطات على دول أخرى في المنطقة للحد من تدفق المقاتلين الأجانب، إلا أنه عند تقييم جدارة أي من هذه الخيارات، ينبغي ألا تؤخذ فقط هزيمة “داعش” معيارا لذلك، وإنما مدى إسهام هذا الخيار في تحقيق الاستقرار على الأمد الطويل.
ثغرات
ولفت كاتب المقال إلى أن هناك ثغرات عدة في خطط الحرب على هذا التنظيم، لعل أبرزها غياب إستراتيجية واضحة للحرب ولحقبة ما بعد الحرب، خاصة لدى الدول التي لها مشاركة فاعلة فيها، فأهداف وسيناريوهات الحرب على هذا التنظيم، لم تعد بعيدة عن مسارات الصراعات الدولية، وخصوصا بين روسيا والولايات المتحدة، بعد أن صادق الرئيس الروسي على “إستراتيجية الأمن القومي الروسي“، التي ورد فيها أن حلف “الناتو” بزعامة الولايات المتحدة أبرز تهديد لهذا الأمن.
على الجانب العملياتي، رغم كثرة عدد الدول المشاركة في الحرب على التنظيم، إلا أن هناك عاملا جوهريا ينقصها، فالنجاح في هزيمته يتطلب توفر ما يكفي من القوات البرية، لأن العمليات العسكرية ضد التنظيم حاليا تقتصر على العمليات الجوية، عدا الساحة العراقية التي يجري فيها قتال التنظيم جوا وبرا، ما حقق أخيرا انتصارات قلصت من نفوذ “داعش“، بعد تحرير سنجار من قبل قوات البشمركة، كما تم تحرير مدينة الرمادي من قبل الجيش العراقي، أما في سوريا، لا توجد عمليات برية تذكر في قتال “داعش“، سوى ما تقوم به قوات حماية الشعب الكردي في مناطق محدودة شمال سوريا.
وأفاد الكاتب العراقي أن الخطة الأمريكية لمحاربة تنظيم “داعش” –المعلن عنها من قبل الرئيس الأمريكي في نوفمبر 2014- تعد “احتواء وتدميرا“، معتمدا في إنجاح هذه الخطة على الضربات الجوية والعمليات النوعية للقوات الخاصة، التي تستهدف قيادات التنظيم، فضلا عن تقديم المساعدات العسكرية والاستخباراتية للقوات المحلية الحليفة لها في مواجهة “داعش.”
إلا أن الملاحظ أن الولايات المتحدة، الدولة الأكثر انشغالا بمحاربة “داعش“، لا تتجاوز خططها قضايا تكتيكية لإضعاف التنظيم، فلدى إدارة الرئيس أوباما خشية من وضع إستراتيجية بعيدة المدى لمحاربته، رغم أن بعض استراتيجييها يتحدثون عن حرب طويلة، فهي لا ترغب في إلزام نفسها بحرب طويلة، قد تكون بلا نهاية، وربما تقود إلى إغراقها في اشتباكات مكلفة، تنتقل فيها من مستنقع إلى آخر من غير ضمانة للنجاح، كما حدث في حربها على أفغانستان والعراق.
فلم تعد إدارة الرئيس أوباما راغبة في خوض حروب بدافع الرغبة في تحقيق رؤى وأحلام كبرى، تتعلق بنشر مبادئ الحرية والديمقراطية، بعد أن انهارت أحلام سلفه في حربي أفغانستان والعراق، هذا وقد صرح أوباما في 12 نوفمبر الماضي قبل هجمات “داعش” في باريس بتسع ساعات لمحطة أي بي سي الإخبارية قائلا : ” كان هدفنا منذ البداية الاحتواء أولا وقد تم ذلك فعلا.”
وهو تصريح جدير بالتوقف عنده، لأن الرئيس قد أسقط “التدمير” الذي تحدث عنه قبل عام كهدف للحرب على “داعش“، هذا التصريح واجه الكثير من الانتقادات والتشكيك بصحة قراءة الرئيس الأمريكي لأحداث المنطقة، فهو ينظر إليها من زاوية ضيقة، ويعتبر توقف التمدد الجغرافي لتنظيم “داعش” في العراق وسوريا احتواء للتنظيم.
والحقيقة أن سياسة الرئيس أوباما –التي تتسم بالحذر والتردد في اتخاذ قرارات حاسمة إزاء “داعش“- تلقى الكثير من النقد، ليس من قبل الجمهوريين فحسب، بل من داخل حزبه، كان آخرها النقد المستتر في تصريحات هيلاري كلينتون عقب هجمات باريس قائلة : ” لقد حان الوقت لبدء طور جديد وتكثيف جهودنا وتوسيع نطاقها لسحق ما يسمى دولة الخلافة“، وأضاف كاتب المقال أن التوقف عند الإطاحة بتنظيم “داعش“، ينبغي ألا يكون الهدف من هذه الحرب، بل بناء نظام إقليمي فيه من الضوابط ما لا يتيح الفرصة لأفكار مثل أفكار التنظيم، وهي منتشرة في المنطقة، بالانتعاش والعودة مجددا للعبث بالأمن والسلم فيها.