(الأرض الموعودة أو أرض الميعاد)، عنوان الكتاب الذي وضع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بين دفتيه بعض أسرار ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2008 و2016، ولأن هذه الفترة شهدت الكثير الكثير من التغيرات في منطقتنا، خاصة تزامنها مع ثورات الربيع العربي وما رافقها من تغيرات جذرية في بلداننا، كان لا بد أن تكون الأحداث التي شهدتها حاضرة في هذا الكتاب.
وفي حديثه عن التدخل العسكري في ليبيا، أكّد أوباما أنه كان هو صاحب القرار في ذلك، لا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقال إن بعض القادة العرب، اقتنعوا بضرورة سحق التظاهرات بصورة منظمة وبلا شفقة، مستخدمين العنف الضروري، ضاربين بعرض الحائط ما سيقوله المجتمع الدولي. وأعرب الرئيس أوباما عن استغرابه من موقف جامعة الدول العربية التي فاجأت الجميع بإعلانها الموافقة على تدخل دولي في ليبيا، وهو ما وصفه بالنفاق الذي شعر تجاهه بالاحتقار، وعزا السبب إلى رغبة بعض الدول بتحويل الأنظار عن خرق الحقوق الأساسية التي تمارسها بحق شعوبها.
القذافي في كتاب أوباما
وكان معمر القذافي حاضرا في كتاب أوباما وقد وصفه بأنه أبرز عرّابي الإرهاب العالمي، مستذكرا حادثة إسقاط الطائرة الأميركية بانام فوق لوكربي والتي أودت بحياة 189 أميركياً، إضافة لضحايا من 21 دولة أخرى، ولفت إلى محاولة القذافي ارتداء ما وصفها بثياب محترمة، عبر التخلي عن تمويل الإرهاب الدولي، والتخلص من برنامجه النووي الوليد، أملا باستئناف الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع نظامه، في حين لم يطرأ أي تغيير يذكر على سياساته في الداخل الليبي.
تطور الأحداث في ليبيا
ومضى أوباما باستعراض تطور الأحداث في ليبيا، وكيف أطلقت قوات أمن القذافي النار على مجموعة من المدنيين قبل أن تنتشر الاحتجاجات ويقتل فيها أكثر من 100 شخص ولم يمضِ إلا أسبوع حتى دخلت البلاد في حالة عصيان مفتوح، وسيطرت المعارضة على مدينة بنغازي، وبدأ الدبلوماسيون المؤيدون للقذافي بالانشقاق وتقديم استقالاتهم وبينهم السفير الليبي في الأمم المتحدة الذي دعا الأمم المتحدة للتدخل ومساعدة الشعب الليبي، وفي المقابل قرر القذافي إحراق كل شيء. وهكذا، ارتفعت حصيلة القتلى بحلول مارس إلى أكثر من 1000. الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية، بحسب أوباما، إلى التفكير بتوقيف القذافي ودعوته للانسحاب من السلطة بذريعة أنه ما عاد يتمتع بأي شعبية، لكن اللجوء لعمل عسكري كان مستبعدا، فتم تجميد مليارات الدولارات التابعة له ولعائلته، والضغط على مجلس الأمن لحصار ليبيا وتقديم القذافي وآخرين أمام المحكمة الجنائية الدولية، لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، وفي المقابل استمر بطش القذافي، واتجهت قواته نحو بنغازي، حيث أشارت تقارير إلى احتمال وقوع مجازر بالآلاف في حال وصل إليها.
وبدأت أصوات المطالبين بتدخل أميركي ترتفع شيئا فشيئا، بدءا بإعلاميين وبعض المنظمات غير الحكومية، وصولا إلى الكونغرس، وذلك ما اعتبره أوباما تقدما أخلاقيا بعد أن كانت فكرة إرسال قوات لمنع حكومة من قتل شعبها مستبعدة لأن عنف الدول كان أمرا دارجا. وأشار أوباما في هذه المرحلة إلى شعوره بالتردد في إعطاء الأمر بعمل عسكري في ليبيا، رغم أن غريزته كانت تدفعه لإنقاذ الأبرياء المهددين من قبل المستبدين.
دور ساركوزي
قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وبعد تعرضه إلى انتقادات سيئة لدعمه الرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي، فجأة دعم الشعب الليبي وتحالف لتحقيق ذلك مع رئيس وزراء بريطانيا دايفيد كاميرون، إذ كانا يبحثان عن تلميع صورتيهما في بلديهما، بهذه العبارات لخص أوباما الموقف الفرنسي البريطاني مما يجري في ليبيا، وأضاف أن الرجلين قررا تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن يسمح للتحالف الدولي بإقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا، غير أنها فكرة لم تكن ذات جدوى، إذ إن القذافي يستخدم بشكل شبه دائم القوات البرية، وبالتالي فإن الوسيلة الوحيدة لمنعه من الهجوم على بنغازي كانت تقتضي استهداف قواته مباشرة من خلال الضربات الجوية. وهو أمر رفضه رئيس هيئة الأركان مايك مولين ووزير الدفاع روبرت غيتس، منعا لزيادة الضغوط على القوات الأميركية في العراق وأفغانستان
التدخل العسكري
وذكر الكتاب أن مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس هي من أقنعت أوباما بضرورة التدخل العسكري، وتم بعدها عرض مشروع قرار على مجلس الأمن بتوجيه الضربات وتعطيل أنظمة القذافي، وهو ما حصل بموافقة 10 أعضاء وامتناع خمسة بينهم روسيا. ووصف أوباما رد فعل ساركوزي وماكرون بعد أن أبلغهما بقرار التدخل كمن تلقى للتوّ خشبة الخلاص التي أنقذتهما من مأزقيهما أمام الرأي العام الداخلي في بلديهما. وبعدها بأيام تم تشكيل التحالف واكتملت أركانه تحت لواء حلف الأطلسي.
أوباما هو من أعطى أمر البدء بالعملية العسكرية، من البرازيل حيث كان يقوم بزيارة رسمية حينها، وبالتالي فإن أميركا هي من اقترحت العملية العسكرية وليس بريطانيا وفرنسا، ويروي أوباما كيف تعطل جهاز اللاسلكي المخصص لاتصاله مع قيادة الأركان ما اضطره للاتصال من خلال هاتف عادي ربما استخدم لطلب البيتزا أكثر من مرة، مع أحد مستشاريه العسكريين مانحا الإذن ببدء العمليات، وكانت تلك المرة الأولى التي يسمح فيها بعملية عسكرية، منذ تولى الرئاسة