téléchargement (17)

تناولت منظمة انترناشيونال بزنس غروب” – منظمة غير حكومية مقرها بروكسال، تأسست سنة 1995-، في تقرير صدر بتاريخ 3 ديسمبر 2015، وضع القطاع النفطي في ليبيا، وبيَنت أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد قد تتجه نحو الأسوأ، في ظل تصاعد المنافسة بين الحكومتين الليبيتين المتناحرتين للسيطرة على الثروة النفطية، وقد أثَر الصراع على حقول النفط وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير، فضلا عن إدارة المؤسسات المالية الوطنية

وعلاوة على انخفاض الإنفاق بسبب الفساد وتضاؤل العائدات، ونظرا لانخفاض الصادرات النفطية وأسعار الطاقة، يواجه الوضع المالي انهيارا، في ظل أزمة سياسية عميقة، فضلا عن المواجهة بين الميليشياتوانتشار الجماعات المتطرفة، بما في ذلك تنظيم الدولة” (داعش)، وإذا لم يتم دفع الرواتب لعناصر الميليشيات، ستفقد الحكومتان الدعم، ما سيؤدي إلى المزيد من الفوضى

وتمتلك ليبيا أكبر احتياطات النفط الخام في أفريقيا وخامس أكبر احتياطات الغاز الطبيعي، ما يجعل منها إحدى أكبر الدول المنتجة للطاقة في العالم، وهي تبيع نفطا له جودة عالية، وتعتبر مصدرا هاما للنفط والغاز الطبيعي إلى أوروبا، وقد أنتجت حوالي 1.65 مليون برميل نفط يوميا و594 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنة 2013، ما يوفر حوالي 96 بالمائة من الإيرادات الحكومية و65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يسمح لليبيا بتخزين الاحتياطات النقدية وتشغيل الاقتصاد دون ديون لعدة سنوات، ويجعلها تعتمد بشكل كامل تقريبا على الواردات الغذائية واستيراد الأدوية والوقود والسلع الاستهلاكية

يذكر أنه خلال ثورة 2011 انخفض الإنتاج وتوقَفت الصادرات تقريبا، لكنها استؤنفت بعد سقوط القذافي في أكتوبر 2011، وعادت إلى مستويات قريبة من فترة ما قبل الحرب بحلول منتصف سنة 2012، وأنفقت السلطات الليبية وقتها على إعادة الإعمار بعد الحرب والرعاية الصحية  للثوار، وتم رفع الأجور ودعم القطاع العام، وارتفعت ميزانية الحكومة إلى الضعف في السنوات الثلاث الأولى من الثورة

صراعات

ولفت التقرير إلى أن التفاؤل بالانتعاش الاقتصادي بعد الثورة كان وجيزا، ففي أواخر عام 2012، بدأت الاحتجاجات والنزاعات الإدارية في التأثير على الإنتاج، وبحلول يوليو 2013، تم إغلاق بعض المنشآت النفطية والغازية، وانخفضت الصادرات إلى أقل من 200 ألف برميل نفط يوميا في أبريل 2014، مقارنة بـ1.4 مليون برميل نفط يوميا في أبريل 2013، وواجهت صادرات الغاز الطبيعي تقطعا أقل، نظرا لاستخراج معظمه من الحقول البحرية، ويتم تصديره عبر خطوط الأنابيب التي لا يمكن للجماعات المسلحة أن تصل إليها.

 وشهد الإنتاج النفطي تقلَبات منذ ذلك الحين، مع تمكن السلطات من حل بعض الاضطرابات عن طريق التفاوض أو غيره، ولكنها لم تتعاف تماما، وبحلول منتصف سنة 2015، تعطل الإنتاج بسبب الصراع الشامل والانقسامات السياسية، واستقر عند مستوى 400 ألف برميل يوميا، ما يقارب ربع الإنتاج قبل سنة 2011، وفي ظل غياب دولة متماسكة وقوات جيش وشرطة فاعلين، تعرَضت خطوط أنابيب النفط والغاز والمنشآت النفطية إلى الهجمات وأجبرت على الإغلاق، وبقيت المنشآت النفطية البحرية في الغرب لفترات طويلة تعمل دون انقطاع، وقد وفَرت خطوط الأنابيب البحرية هناك الجزء الأكبر من عائدات ليبيا، اعتبارا من منتصف 2015. 

وبيَن التقرير أن سوء الإدارة والفساد قادا إلى المزيد من استنزاف الموارد الماليَة، وقد تم دفع قيمة صفقات حكومية دون تقديم خدمات أو سلع، وتمكَن عشرة من رجال الأعمال النافذين من تأمين خطوط ائتمان من البنوك المحلية لاستيراد البضائع، التي غالبا لا يتم تسليمها أو تسلم كميات أقل مما هو منصوص عليه بتواطؤ من المسؤولين في الجمارك الليبية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن ذلك أدى إلى هروب رؤوس الأموال المقدَرة بحوالي 20 مليار دولار بين عامي 2012 ومنتصف عام 2015، كما تضخَمت أجور القطاع العام بسبب الغش في الرواتب، فعلى سبيل المثال، من حوالي 25 مليار دينار ليبي (18 مليار دولار) خصصت لرواتب سنة 2013، تشير التقديرات إلى أن 5 مليار دينار ليبي (3.6 مليار دولار) ذهبت إلى أشخاص متحيَلين

انقسامات

وأشار التقرير إلى أن الصراع من أجل السيطرة على المنشآت النفطية انقسم على فترتين، شهت الفترة الأولى، من أواخر عام 2012 إلى منتصف عام 2014، سيطرة بعض الجهات على المنشآت أو إغلاقها بالقوَة للضغط على الحكومة من أجل إعادة توزيع الثروة النفطية، وقد أثَر ذلك بشكل ملحوظ على الإنتاج والصادرات، ولكن عدا المواجهة في طرابلس سنة 2013، كان استخدام القوة نادرا

ولكن تغيَر ذلك مع عملية فجر ليبيافي يوليو 2014، بعد طرد ميليشياتالزنتان من مطار طرابلس الدولي، وقادت ميليشياتمصراتة الهجوم، ما أجج الانقسامات مع تمسك المؤتمر الوطني العام في طرابلس باعتبار مجلس النواب في طبرق غير شرعي، وأدى ذلك إلى تعجيل الانقسامات بين الجماعات المتنافسة من البرلمانات والحكومات والتحالفات العسكرية في أغسطس 2014، في المقابل، أصبح الصراع على المنشآت النفطية أكثر عنفا وعاملا أساسيا في الصراع.

 وقد أدت حالة الانقسام بين الحكومتين في يوليو 2014 إلى التنافس على المؤسسات المالية والنفطية، وتأثر هذا التنافس بالتطورات العسكرية، خاصة السيطرة على حقول النفط وموانئ التصدير، وفيما تواجهت الجماعات المسلحة المتحالفة معها في ميناء السدرة و جنوب البلاد، تنافست الحكومتان على مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، واندلع الصراع حول هذه المؤسسات في وقت انخفضت فيه الإيرادات وتزايد الإنفاق وتدهور الوضع الأمني، وكانت الحكومتان المتنافستان في حاجة للحصول على الأصول لتمويل أنشطتها

واعتبر مجلس النواب في طبرق شرقا أن من حقَه إدارة المؤسسات المالية، لأنه مجلس منتخب ومعترف به دوليا، ولأن المؤسسات ما تزال في طرابلس، لم يكن له أي سيطرة عليها، علاوة على أن العديد من كبار الموظفين وأعضاء مجالس الإدارة أصرَوا على أن تبقى هذه المؤسسات خارج السياسة، وأصبح هذا إجماعا أيضا بالنسبة للقوى الغربية التي دعمت الحل التفاوضي في ليبيا

ولم تسع الحكومة الليبية بطبرق في البداية، إلى تغيير رؤساء كل من المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، وتركت مصطفى صنع الله وعبد الرحمان بن يزة في منصبيهما، ولكن رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الله الثني أعاد النظر في مصرف ليبيا المركزي آخذا في الاعتبار الفدراليين الذين أصبحوا حلفاء مهمين له، والذين وعدهم بأن تتدفق عائدات الموانئ الشرقية إلى فرع المصرف في بنغازي.

وأصبحت علاقة حكومة الثني بالمصرف أكثر تعقيدا، ففي أوائل سبتمبر 2014، أعلن مجلس النواب إقالة محافظ المصرف، الصادق الكبير، واستبداله بعلي الحبري، واحتج الكبير على هذا القرار واحتفظ بأرقام الحسابات وقواعد البيانات المالية في طرابلس، فيما كان الحبري يعمل من الشرق.

وتوصَل الطرفان إلى إرساء ترتيب للعمل: يتعامل مصرف ليبيا المركزي في طرابلس مع طلبات التمويل من قبل البرلمانين والحكومتين، فيما يتعامل الثني مع الفدراليين للإبقاء على الموانئ الشرقية مفتوحة، وكان لذلك منفعة متبادلة، فبالنسبة لمجلس النواب وحكومة الثني، مكنهم ذلك من الحصول على طلبات التمويل، وبالنسبة لمصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، مكنهم ذلك من الزيادة في العائدات النفطية من الحقول الشرقية

ولكن لم يدم هذا الترتيب طويلا، فبحلول أكتوبر 2014، ساهمت ثلاثة عوامل مترابطة في تصعيد السيطرة على المؤسسات الليبية الثلاث، أولا، رفض مصرف ليبيا المركزي صرف التمويلات المطلوبة، باستثناء الرواتب والدعم مباشرة إلى الحكومة في الشرق، ما دفع حكومة الثني إلى البحث عن طرق بديلة، شملت إنشاء إدارة جديدة لمصرف ليبيا المركزي مستقلة عن طرابلس، لكنها لم تنجح في السيطرة على أرصدة المصرف، في غضون ذلك، بدأت حكومة الثني خلال نوفمبر 2014 الاقتراض من البنوك التجارية الواقعة شرق ليبيا

ثانيا، دعت حكومة الثني إلى إجراء تغيير في إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار يوم 27 نوفمبر، وعينت عضو مجلس الإدارة حسن بوهادي ليحل محل بن يزة، ما أثار صراعا بين الطرفين، ونقل بوهادي عمليات المؤسسة إلى مالطا، واعتبرت الحكومة في طرابلس ذلك غير قانوني، وأكدت على أن بن يزة هو الرئيس الشرعي للمؤسسة، واندلع صراع مواز خلال سنة 2015 حول المؤسسة الليبية للاستثمار، أدى إلى تبادل الاتهامات وإلى معركة قانونية بين الإدارتين المتناحرتين وكل من المملكة المتحدة ومالطا وايطاليا

ثالثا، حكمت المحكمة العليا الليبية، في 6 نوفمبر 2014، بعدم دستورية انتخابات يونيو 2014 ، ما دفع المؤتمر الوطني العام إلى القول إن مجلس النواب لم يعد له الحق القانوني، وبدأ مطالباته بالسيطرة الشرعية على القطاع النفطي

وبيَن التقرير أن التطورات العسكرية أثَرت على المعركة المؤسساتية أيضا، وأدَت محاولات الحكومة الليبية في طبرق لإنشاء هياكل موازية لمصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط إلى التصعيد العسكري من قبل قوات التحالف الموالي للحكومة في طرابلس، حتى بعد أن هدأ القتال خارج بنغازي

وضع حرج

من ناحية أخرى، أبرز التقرير أن التوقعات المالية تنذر بالخطر، ففي عام 2014، كان العجز المالي في ليبيا حوالي 22.8 مليار دينار ليبيا (16.4 مليار دولار، 44 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي)، ووفقا لمسؤول بصندوق النقد الدولي، بلغ العجز المالي لسنة 2015 إلى ما بين 20 و30 مليار دينار ليبي (14 و21.6 مليار دولار)، ما يقابل 42 إلى 68 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتابع المسؤول قائلا: “لم أسمع أبدا عن بلد في العالم له عجز مالي بنسبة 68 بالمائة، لا يمكنهم المتابعة هكذا، حتى عجز بنسبة 42 بالمائة ليس مقبولا“. 

من جهته، خفَض مصرف ليبيا المركزي أجور القطاع العام وميزانية الدعم وجمَد معظم نفقات التنمية والبنية التحتية، ولكن لم يوقف هذا الأمر استنزاف احتياطات العملة الأجنبية، التي تستخدم أيضا للحفاظ على استقرار الدينار الليبي وصندوق الواردات، ففي الأشهر التسعة الأولى من 2015، انخفضت الاحتياطات بحوالي 15،4 مليار دولار، لكن ما هو أكثر مدعاة للقلق هو كيف ستتعامل ليبيا مع العجز وانخفاض احتياطي العملة الأجنبية، ومع انخفاض أسعار النفط العالمية إلى أقل من 50 دولارا للبرميل وانخفاض الإنتاج، من المحتمل أن يزداد الضغط على الاحتياطي، وحتى مع ارتفاع الإنتاج، من المرجح أن يستمر العجز لعدة سنوات أخرى

ووفقا لمسؤولين ليبيين على اتصال بالكبير، يمكن أن تنفد احتياطيات العملة مع بداية 2016، وقد يكون هذا الاستنتاج مبالغا فيه، ولكن الوضع مثير للقلق، حسب التقرير، حيث قدَم عضو في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ومسؤول في صندوق النقد الدولي تقديرات أقل تشاؤما، معتبرين أن الاحتياطي سينفد خلال سنتين أو ثلاث سنوات، وأشار التقرير إلى أن استنزاف الاحتياطي سيكون له أثر مدمر على متوسط الليبيين : عدم دفع الأجور، انهيار قيمة الدينار، وندرة الموارد الغذائية والأدوية والوقود، وهناك احتمال حقيقي لتدفقات جديدة من اللاجئين الليبيين إلى أوروبا أو مصر وتونس

كما سيؤدي الصراع على الموارد إلى المزيد من الانقسامات، وقد يكون الحل على المدى القصير لتحقيق الاستقرار المالي في الاتفاق بين الطرفين المتنافسين على مسألتين أساسيتين: اتخاذ تدابير لرفع إنتاج النفط والغاز لتجديد الموارد المالية للدولة، والتوصل إلى طريقة للحفاظ على نظام مالي موَحد ومتماسك، مثاليا، يمكن لهذا أن يتحقق عبر حكومة وحدة وطنية، ولكن في ظل غيابها، هناك بعض الخطوات التي يمكن اتَباعها، حسب التقرير

وتتمثل هذه الخطوات في اتفاق مؤقت بين الحكومات المتنافسة وميليشياتهالدعم استقلالية عمل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، ويجب إيقاف مساعي إنشاء مؤسسات موازية للمؤسسات الرسمية في طرابلس، وقد يؤدي ذلك إلى توفير فرصة أخرى، لمسؤولي مصرف ليبيا المركزي، على سبيل المثال، للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتقييم الموارد المالية الوطنية، وفتح الطريق نحو تشكيل حكومة وحدة، والدعوة إلى مشاورات وفقا للمادة الرابعة لاستشارة صندوق النقد الدولي، تركز على تجنب أزمة اقتصادية وتضع الأولويات في الإستراتيجية المقبلة

 كما يمكن القيام بجهود أكبر في المناطق التي لم تتضرر، ولكن توقف الإنتاج فيها، وعلى الأطراف الليبية والإقليمية والدولية أن تسعى للتوسط في وقف إطلاق النار بين الأطراف المتناحرة، وإعادة فتح حقول النفط وخطوط الأنابيب، ويمكن لهذا أن يساعد على رفع عائدات التصدير، ففي المناطق التي شهدت أضرارا كبيرة، مثل ميناء السدرة، أين تم تدمير ثلاثة صهاريج نفط رئيسية خلال سنة 2014، ينبغي التفاوض حول الضمانات الأمنية للسماح بإصلاحها واستعادة قدرتها على التصدير،  ويجب على حرس المنشآت النفطية وغيرها من الجماعات المسلحة أن تعطي الأولوية للمسار الأمني في محادثات الأمم المتحدة.

واعتبر التقرير أن السلام الدائم بين الجماعات المسلحة لا يرتكز أساسا على الاتفاق بين الجماعات الرئيسية المعتدلة، وبيَن أن حرس المنشآت النفطية يسيطر على مناطق هامة وله ترسانة وحلفاء لا يمكن تجاهلهم

وعلى المدى الطويل، يمكن لحكومة وحدة وطنية أن تعالج القضايا الأساسية، التي يمكن أن تؤدَي إلى صراعات جديدة، تشمل التحقيق في قضايا الفساد وإرساء ممارسات إدارية أفضل ومؤسسات مالية وتعديلية، فضلا عن عدم تسييس قطاع النفط والغاز للمزيد من الشفافية ، وبين التقرير أن من المهم إعادة تقييم الإخلالات في توزيع الثروة النفطية والخدمات وإعادة النظر في البدائل لاقتصاد مرتكز على النفط، ويمكن لليبيا أن تستوحي ذلك من نماذج النرويج و ألاسكا

وأضاف التقرير يجب إرساء إستراتيجية لنزع السلاح وإعادة الإدماج لمقاتلي الميليشياتوإصلاح القطاع الأمني، كما ينبغي تحديد مهمة قوات حماية المنشآت النفطية بشكل واضح، ما يمكن النظر في سبل إدماجها في القطاع الأمني الرسمي

تعليقات