حسين مجدوبي

 

يعد شمال إفريقيا في أجندة الإدارة الأمريكية منطقة مستقرة لا تتسبب في الكثير من المشاكل، لكن الأمر تغير مؤخرا نتيجة ظهور عوامل عسكرية جديدة أبرزها النفوذ الصيني وعودة النفوذ الروسي ثم سياسة تركيا العسكرية التي تثير قلق البنتاغون.

ومنذ عقود طويلة، لم يزر أي رئيس أمريكي دول شمال إفريقيا، ثم عادة ما يزور وزراء الخارجية شمال إفريقيا في مراحل متأخرة من كل إدارة أمريكية، ومن النادر جدا قيام وزير دفاع أمريكي بزيارة هذه المنطقة.

وعلى بعد شهر ونصف من الانتخابات الأمريكية والتي عادة ما تشهد جمود زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى الخارج، حل وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر الجاري بكل من تونس والجزائر والمغرب. ووقع مع هذه الدول اتفاقيات تعاون عسكري ليست بالعادية لا سيما مع المغرب وتونس، بينما في الجزائر يقتصر التعاون على محاربة الفساد بحكم ارتباط هذا البلد بموسكو. ومن المحتمل أن تكون مقدمة لتعاون أشمل خلال السنوات المقبلة تماشيا مع إيقاع تعزيز دول كبرى لنفوذها في المنطقة.

وتأتي هذه الزيارة تحسبا لسياسة الإغراء التي تقوم بها كل من الصين وروسيا ومؤخرا تركيا، وهي الدول الثلاث التي تعزز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط الذي كان حتى الأمس القريب مقتصرا على النفوذ الأوروبي والأمريكي أساسا. وتتخوف الإدارة الأمريكية من العوامل التالية:

سياسة الإغراء التي تقوم بها الصين تجاه مختلف دول العالم ومنها الدول الإفريقية، حيث تمزج بين المساعدة الاقتصادية والاستثمار المالي ثم بيع أسلحة متطورة التي تخلق توازنا بين الدول. ومن ضمن الأمثلة التي أقلقت الولايات المتحدة مؤخرا، قبول المغرب عرض الصين بإنشاء القطار السريع بين مدينتي مراكش وأكادير جنوب البلاد. ثم بيعها للرباط راجمات يتجاوز مداها 500 كلم، وهي الراجمات التي شكلت توازنا نسبيا مع كل من الجزائر وأساسا إسبانيا. وتسعى الصين الى قاعدة عسكرية ولو للدعم اللوجيستي المحدود في شمال إفريقيا أو الواجهة الأطلسية الممتدة من المغرب الى السينغال.

ومن جانب آخر، لا يرى البنتاغون بعين الرضى سياسة تركيا العسكرية من خلال محاولة الحصول على نفوذ في البحر الأبيض المتوسط. وبعدما نجحت في الحصول على تعاون استراتيجي مع ليبيا، تراهن كثيرا على تونس، وهي مثل الصين تمزج الإغراء العسكري والاقتصادي. وتشكل تركيا حالة خاصة للبنتاغون، فمنذ اقتناء هذا البلد صواريخ إس 400 الروسية وعزمه اقتناء مقاتلات سوخوي 57، يساوره شكوك حول مواقف أنقرة مستقبلا.

وبعدما استعادت نفوذها العسكري في عدد من المناطق، تسعى روسيا إلى بسط نفوذ أكثر، وتعد منطقة شمال إفريقيا استراتيجية لها. ولعل العامل الرئيسي الذي تراهن عليه موسكو هو عقيدتها العسكرية في العلاقات الدولية، توفير الحماية للدول الصديقة، وترجمت هذا مع الجزائر بعدما مدتها بأسلحة متطورة مثل إس 400 وصواريخ إسكندر التي تثير قلق أوروبا.

وكان المغرب قد بدأ الاقتراب العسكري من روسيا بعد زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو منذ ثلاث سنوات، ولكن الغرب ضغط على الرباط لتعود إلى الحظيرة الغربية، كما ضغط عليها لكي تتخلى عن القطار الصيني السريع.

وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، شهدت منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط من تونس إلى مضيق جبل طارق مناورات حربية مكثفة منها بين روسيا والصين، وكانت الأولى من نوعها ثم مناورات للقوات الغربية.

تعليقات