رشيد خشــانة – أحاديث تدور في الكواليس تؤكد احتمال إرجاء الانتخابات إلى فبراير المقبل لأسباب بينها رفض رئيس مجلس النواب تعديل المادة 12 من القانون الانتخابي لإجبار حفتر على الاستقالة من مناصبه.

حمِيَ وطيس السباق إلى رئاسة ليبيا، بعدما التزم المُرشحون المُحتملون صمتا كاملا حول نواياهم، طيلة أسابيع. وبرز في الأيام الأخيرة تأكيد لترشُحات كانت متوقعة، مثل فتحي باشاغا وعارف النايض، فيما ظهرت أسماء أخرى أبرزها فتحي بن شتوان وزير الصناعة في عهد معمر القذافي، وابراهيم دباشي مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا. وستظهر بالتأكيد وجوه أخرى في الفترة المقبلة، استعدادا للانتخابات التي ستُجرى في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. وسيكون هذا المسار منفصلا عن مسار الانتخابات النيابية، التي تقرر إجراؤها بعد ثلاثين يوما من الرئاسية.
تأتي بداية تشكُل المشهد الانتخابي، بعد عام على وقف إطلاق النار، الذي أنهى هجوم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر (78 عاما) على العاصمة طرابلس، وانطلاق العمل بخارطة الطريق التي صيغت في مؤتمري برلين1 وبرلين2. ولم يُعرف حتى اليوم ما إذا كان الجنرال حفتر سيشارك في المنافسة على رئاسة ليبيا أم لا، وإن كان اتخذ سلسلة من الخطوات التي تُظهر نيته خوض السباق الرئاسي.
ويلف الغموض أيضا موقف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح (77 عاما) الذي يُعتبر من حلفاء وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا (59 عاما) إذ ترشحا معا في قائمة موحدة لتشكيل الحكومة المؤقتة، في منافسة مع عبد الحميد الدبيبة، لكن الأخير هو الذي فاز في المنافسة.
مع ذلك يحتفظ باشاغا، المنحدر من مدينة مصراتة، ذات الثقل السكاني والاقتصادي والعسكري الكبير، بعلاقات متينة مع عدة عواصم مؤثرة في الصراع الليبي، وخاصة تركيا وفرنسا وأمريكا وإيطاليا. ويوصف باشاغا بالرجل القوي في مصراتة، وهو من تصدى للميليشيات في العاصمة طرابلس، ما جعلها تستهدفه في محاولة اغتيال فاشلة العام الماضي. كما يُعرف بأنه من تحدى خصومه، لدى استدعاء القضاء له للاستماع إليه، بمثوله وهو وزير للداخلية أمام القضاة، ثم انتهت الدعوى بتبرئته. ويُعرف باشاغا بأسطول السيارات المصفحة الذي يُرافق موكبه. أما برنامجه الانتخابي فيتألف من ثلاثة أعمدة هي «الأمن ووحدة الوطن والمصالحة الوطنية». لكن يمكن اعتباره الأكثر ليبرالية، إذ أنه يولي أهمية خاصة لتعزيز القطاع الخاص كي يحل محل القطاع العام. ويعتقد أن تحقيق الاستقرار سيفتح المجال أمام عودة الشركات الدولية والمستثمرين للعمل من جديد في ليبيا خصوصا في مجال البنية التحتية. وتطرق باشاغا في حوارات صحافية إلى الميليشيات مُعتبرا أن تفكيكها يتطلب إمكانات كبيرة من الدولة، وهو يقترح صيغة بديلة تتمثل في إعادة تأهيل عناصرها وإدماج تلك العناصر تحت السلطة الحصرية للدولة.

استبعاد مرتكبي الانتهاكات

ويُعتبر إعلان فتحي بن شتوان (70عاما) ترشُحه للرئاسة مفاجأة، لكثرة ما تم تداوله من فرضيات حول ترشيح سيف الإسلام، النجل الثاني لمعمر القذافي، للرئاسة وهو أمر غير ممكن التحقيق بالنظر لكونه مطلوبا للقضاءين الدولي والمحلي. وشكل اختيار بن شتوان ليكون مرشح رجال النظام السابق، تعبيرا عن الحرص على النأي بالأشخاص المورطين في جرائم مالية أو الملطخة أياديهم بدماء الليبيين، عن الحزب الجديد الذي أسسه تحت اسم حزب «تيار المشروع الوطني». وكان بن شتوان، المنحدر من أسرة مصراتية خرجت سياسيين بارزين، شغل منصبي وزير الصناعة ووزير النفط (2004-2006) ويُعتبر خبيرا في هذا القطاع. وقد انشق عن النظام السابق، لدى اندلاع انتفاضة 2011 مع وزراء آخرين، ولجأ إلى مالطا، ثم فرنسا. وهو يعتزم خوض الحملة الانتخابية تحت شعار «بالعلم والعزم نبنيها» (ليبيا). ومن المستبعد أن يكون بن شتوان مرشح سيف الإسلام بعدما اتهمه في تصريحات صحافية سابقة، بكونه المسؤول عن تهريب ما بين مئتين ومئتين وخمـسين مليار دولار إلى الخارج في شكل استثمارات وغيرها من الأشكال.

ثلاثة محاور

أما مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا ابراهيم الدباشي (71 عاما) المنحدر من مدينة صبراتة (غرب) فأعلن هو الآخر ترشُحه للرئاسة، مؤكدا أنه سينشر قريبا برنامجه الانتخابي، مُستبقا بذلك المواقيت القانونية لاطلاق الحملة الانتخابية وانتهائها. وركز الدباشي، الذي انشق على النظام السابق في 2011 برنامجه الانتخابي على ثلاثة محاور، وهي استعادة هيبة الدولة، ومكافحة الفساد واسترجاع الثقة، واستعادة السيادة الوطنية. وعُرف المندوب الدائم السابق بعدائه للحركات المتشددة، وحذر لدى سيطرة عناصر من تنظيم «داعش» على مدينته صبراتة، في العام 2016 من أنه سيناريو مصغر لما سيحدث في طرابلس، «إذا لم يستيقظ مسؤولوها» مُحذرا من أن التنظيم الإرهابي الآتي من رحم «الجماعة الليبية المقاتلة» (المُتفرعة من تنظيم القاعدة) سيُسيطر على العاصمة طرابلس وبقية المدن الليبية إذا لم يُجهض في وقت مبكر.

دولة مدنية

ومن الترشُحات الأولى، التي كانت منتظرة، إعلان السفير الليبي السابق لدى الإمارات الأكاديمي عارف النايض (59 عاما) ترشُحه للرئاسة دفاعا عن برنامجه «إحياء ليبيا». ويرتبط الدكتور النايض، المنتمي لقبيلة ورفلة ذات الثقل السكاني الكبير، بعلاقات متينة مع الجنرال المتقاعد حفتر. وهو مولود في بنغازي، لكنه نشأ وترعرع في طرابلس، ويرأس حاليا مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة. ويعتبر النايض أن ثلاثة بلدان «تُهدد الأمن الوطني الليبي وتُشكل خطرا على المنطقة بأسرها» هي تركيا وإيران وقطر على ما قال. كما أكد في تصريحات صحافية أنه «في صراع مع تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات الأخرى المسلحة» في ليبيا، وأن «معركته الحقيقية تستهدف بناء دولة مدنية تحترم الأصول الإسلامية».
يبقى الغائب الأكبر حتى الآن هو حزب «تحالف القوى الوطنية» الذي فقد زعيمه الراحل محمود جبريل، متأثرا بجائحة كوفيدـ19. ويُعتبر الحزب أكبر تجمع للأحزاب الليبرالية في ليبيا، إذ فاز بغالبية الأصوات، في الانتخابات العامة التي جرت في 7 تموز/يوليو 2012 إلا أنه لم يحصد غالبية المقاعد المخصصة للأحزاب، واقتصرت حصته على 39 مقعدا من أصل 200 مقعد. ويُعتبر «التحالف» المؤلف من عدة أحزاب صغيرة وشخصيات عامة، أهم حزب ليبرالي، في مقابل غريمه «حزب العدالة والبناء» الذي ينتمي إلى الفكر الاخواني. ويدعو «التحالف» إلى مجتمع وسط، وينادي بـ»إسلام معتدل ودولة مدنية ديمقراطية».

إقبال مُتوقع يوم الاقتراع

ويتطلع الليبيون إلى الانتخابات المقبلة، على أمل أن تؤدي إلى طي صفحة القتال، وتُبعد عن بلدهم شبح التقسيم. وهم لا يُخفون سأمهم من استمرار الصراعات، وسعيهم لتكريس الأمان والاستقرار في بلدهم، ما يشكل حافزا على الاقبال على مراكز الاقتراع، بحسب توقعات المراقبين. وأجازت أخيرا لجنة شؤون الأحزاب، التابعة لوزارة العدل، ثمانية أحزاب جديدة، من بينها «تكتل إحياء ليبيا» بزعامة عارف النايض، ورفضت الموافقة على ملفات خمسة أحزاب أخرى، لعدم مراعاتها الشروط المنصوص عليها في القانون، بحسب الوزارة.
لكن الأحزاب الليبية، التي ما زال بعضها جنينيا وبعضها الآخر ضعيف الخبرة بالانتخابات، لن تقدر على تحفيز الناخبين وعلى تنظيم الحملات الدعائية، مثلما هو الشأن في الأنظمة الديمقراطية، وذلك لسببين أولهما أن التقاليد الانتخابية ضعيفة أصلا، وثانيا لأن المناخ الذي ستُجرى فيه الانتخابات ما زال متوترا، جراء بقاء قوات أجنبية في البلد، واستمرار تدفق الأسلحة على ليبيا، بالرغم من القرارات الأممية في هذا المضمار.

بين الولاء للمدينة والانتماء للقبيلة

ويُرجح محللون أن يُفضي ضمور الكيانات الحزبية إلى بروز الانتماءات القبلية والمناطقية، بوصفها درعا لمنافسة المنافسين. ولمزيد من التدقيق، يتوقع بعض الخبراء أن تظهر هذه الولاءات الجماعية في المنطقة الشرقية أكثر منها في الغربية، حيث تفككت عُرى الانتماء القبلي، وذابت بدرجة كبيرة العصبيات ما قبل الوطنية.
ولذلك تسعى أطراف داخلية وخارجية عدة إلى تقريب الشقة بين الفرقاء الليبيين، خصوصا في مسائل دقيقة تتعلق بدعم العملية السياسية والانتخابية. وإلى جانب بعثة الأمم المتحدة، تعمل جمعيات غير حكومية من بينها «مركز الحوار الإنساني» (مقره في جنيف) على تحقيق تلك الأهداف. وكان المركز ساهم، بعيدا عن أضواء الإعلام، وباتفاق مع البعثة الأممية، في الدعوة لاجتماعات بوزنيقة (في المغرب) وتونس وجنيف، لتيسير الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية، تُمهد لإجراء الانتخابات. ولوحظ أن نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، أكد لدى استقباله وفدا من المركز، الأربعاء، أن المجلس متمسك بإجراء الانتخابات في ميقاتها، فيما أكد المركز، من جانبه، أنه ماض في الوساطة وفض النزاعات عبر الحوار والدبلوماسية.
لكن بعض الأحاديث التي تدور في الكواليس تؤكد احتمال إرجاء الانتخابات الرئاسية أو النيابية إلى شباط/فبراير المقبل، لأسباب عدة بينها رفض رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تعديل المادة 12 من القانون الانتخابي لإجبار الجنرال حفتر على الاستقالة من مناصبه وليس تعليقها، إذا ما كان متمسكا بالترشُح للانتخابات الرئاسية، وهذا صعب التحقيق بالرغم من الجهود التي يبذلها الموفد الأممي يان كوبيش، عن طريق مصر، في هذا الاتجاه.
يبقى موضوع القوات الأجنبية، الذي يشكل تهديدا للعملية الانتخابية، حتى لو تم إبعاد هؤلاء المسلحين عن المدن والمناطق المأهولة بالسكان، وكذلك ملف المصالحة الوطنية، الذي دافع عنه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لكنه لم يُحرز أي تقدم حتى اليوم.
وكان هذا المشروع انطلق مع إعلان المجلس الرئاسي، بوصفه رئيسا للدولة، عن إنشاء المفوضية العليا للمصالحة في بداية نيسان/ابريل الماضي، إيذانًا بانطلاق المشروع. ثم أعقبت ذلك الإعلان لقاءات في عدد من المدن الليبية، لمناقشة المشروع. واستفاد الليبيون بالسلب من التجربة التونسية في العدالة الانتقالية، التي استثمرها طرف سياسي واحد، معتبرين أن القضية ينبغي أن تشمل جميع الليبيين، ولا تستثني أحدا من ضحايا الاستبداد في ظل النظام السابق.

تعليقات