الخميس 25 أبريل 2024 16 شوّال 1445

كل مقالات Farouk

تحالف الثالوث «فاغنر» و«الدعم السريع» وجيش حفتر يُطيل أمد الحرب في السودان


رشيد خشــانة – لا شيء يضمن أن شرار الحريق المشتعل في السودان لن يصل إلى ليبيا ويُعطل كافة المسارات السياسية، بما فيها مغادرة القوات الأجنبية.

هرع وفدان عسكريان أمريكي وفرنسي، إلى ليبيا، في زيارتين منفصلتين، لمتابعة تطور الأوضاع العسكرية في السودان، وتقدير تداعياتها على دول المنطقة بأسرها. وتُعتبر ليبيا حاليا المكان الأفضل لمراقبة ما يجري في السودان، لاسيما في ظل التحركات المحتملة لميليشيات ليبية تدعم «قوات الدعم السريع» بالوقود والرجال، انطلاقا من الحدود الليبية التشادية. كما ناقش الوفدان العسكريان وضع خطة زمنية لمغادرة القوات الأجنبية ليبيا، ومكافحة التهريب عبر حدودها الجنوبية. أما الملف الثالث الذي تم بحثه، فيتعلق بتشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة، من المنطقتين الشرقية والغربية، بدعم من رئاستي الأركان في المنطقتين. وحسب مصادر فرنسية، فإن قوافل مُحملة بالبنزين والأسلحة تحركت باتجاه الحدود الليبية مع السودان. وتؤكد هذه التحركات وجود اتصال بين الميليشيات وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وهي مستقرة في مدينة الكفرة الليبية، الواقعة على مقربة من المثلث الحدودي السودان ليبيا تشاد.
وتثير مثل هذه التحركات قلق الحكومات الغربية، لأن الجيش النظامي الليبي لا يسيطر على هذه المنطقة، حيث ترتع عصابات التهريب وجماعات الإرهاب بلا رقيب. وتُعتبر تلك الشبكات أقوى من الجيش الليبي، الذي يملك قدرات محدودة، وتنقصه تكنولوجيا المراقبة الذكية للحدود. في هذا السياق أكدت صحيفة «ذا أوبزرفر» التابعة لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية أن القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر يعمل على إخفاء حوالي عشرة آلاف برميل من النفط يوميا، من شركة حكومية، بهدف إعادة تكريرها في «مصفاة السرير» الليبية، بجودة عالية، ثم نقلها برا إلى السودان عبر الحدود، لصالح قوات الدعم السريع. أما صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فأفادت أن قوات الدعم السريع تلقت نحو 30 ناقلة وقود وشحنة إمدادات عسكرية على الأقل، من أحد أبناء حفتر. وأوضحت الصحيفة أنها حصلت على تلك المعلومات من مسؤولين ليبيين ودبلوماسيين. وهذا الدعم غير مُستغرب، بحكم التحالف المتين بين الثالوث «فاغنر» و«الدعم السريع» وجيش حفتر. وكان حميدتي أرسل قواته إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حفتر، لدى الهجوم الفاشل على طرابلس في 2019. كما أن «فاغنر» و«الدعم السريع» نفذتا تدريبات بالذخيرة الحية في ليبيا خلال العامين 2021 و2022. وعلى الصعيد الإقليمي يتسببُ تباعد المواقف من الصراع في السودان، بين حفتر، المؤيد لحميدتي، من جهة، والحكومة المصرية، الداعمة للمؤسسة العسكرية، من جهة ثانية بأكبر أزمة في العلاقات بين الطرفين، والتي ستكون لها تداعيات واستتباعات مهمة، ليس فقط على الصعيد الثنائي، وإنما أيضا على مستقبل العلاقات بين مجمل أطراف الصراع.
ولعل هذا ما حمل واشنطن على إيفاد السفير نورلاند، مبعوثها الخاص لدى ليبيا إلى تشاد، لمحاولة ضبط الأمور، على الحدود المشتركة مع ليبيا، لضمان عدم تسلُل عناصر إرهابية بين النازحين إلى خارج السودان، فرارا من لهيب المعارك. وفي الوقت نفسه طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الطرفين إنهاء القتال، مُلوحا بـ«فرض عقوبات جديدة على الجهات المسؤولة عن إراقة الدماء».
لكن اللافت أن الوفود الأجنبية التي تأتي إلى ليبيا لمحاولة التقريب بين الفرقاء، لم تعد تقتصر على الدبلوماسيين والسياسيين، وإنما باتت تشمل العسكريين أيضا، ربما لتداخل الملفات. ولوحظ أن وفدا من وزارة الدفاع الأمريكية برئاسة العقيد بحار مارك امبلوم، وهو مُلحق الدفاع الأمريكي لدى ليبيا، زار طرابلس أخيرا واجتمع مع رئيس الأركان العامة التابع لحكومة الوحدة الوطنية الفريق محمد الحداد، بمقر رئاسة الأركان العامة بطرابلس. والأرجح أن الاجتماع تطرق للحرب الأهلية في السودان والتمدُد السريع لعناصر «فاغنر» الروسية في القارة الأفريقية، بالإضافة للتقدم الذي أحرزته أعمال اللجنة العسكرية 5+5. ولئن لم يُصرح الجانبان بمضمون المحادثات التي تمت بين الطرفين، إلا أن المعروف أن أمريكا تسعى لإخراج روسيا من المواقع التي استحوذت عليها في أفريقيا، أو في الأقل تطويقها والحد من انتشارها في القارة. لكن البيان الصحافي المشترك اكتفى بالحديث عن مساهمة الأمريكيين في «تدريب الجيش الليبي وتطويره».
ويمكن القول إن التقدم المسجل في الاجتماعات الأخيرة للجنة العسكرية 5+5 في تونس وبنغازي وطرابلس، هو الذي حفز الفرنسيين على الدعوة إلى قمة أمنية ليبية- ليبية في باريس، لم يُحدد ميقاتها بعدُ. وحسب مصادر إعلامية فرنسية، فإن مستشار الرئيس الفرنسي في شؤون ليبيا بول سولير، هو المكلف بإعداد القمة الأمنية الليبية، التي ستجمع قيادات أمنية من شرق البلاد وغربها. ويسعى الليبيون للحصول على تكنولوجيا الحدود الذكية، لاستخدامها في المعابر، إلى جانب مواكبة أحدث تقنيات المراقبة، في إطار الإدارة المتكاملة للحدود. ولا يُفوت المسؤولون الأوروبيون فرصة إلا واقتنصوها للتحذير من تداعيات افتقار حراس الحدود الليبيين للتجهيزات اللازمة لمراقبة الحدود البرية، إذ أكد رئيس وحدة إدارة الحدود في بعثة المساعدة الحدودية الأوروبية في ليبيا لويس بويغ، أن حراس الحدود الليبيين، لا يستطيعون تأمين الحدود البرية بشكل كامل، لافتقارهم للمعدات المناسبة والموظفين الكافين لتأمينها.

محاولة فرنسية ثالثة

ومن المتوقع أن يحضر المبعوث الأممي عبدالله باتيلي اجتماع باريس، إلى جانب القائد الأعلى للجيش الليبي، وهو المنصب الذي يتقاسمه كلٌ من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني. لكن من المستبعد أن يحضر الثلاثة في وقت واحد الاجتماع المرتقب في باريس. كما يُتوقع أن يحضره رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، الموالي لحكومة الوحدة، ورئيس الأركان بالمنطقة الشرقية الفريق أول عبد الرازق الناظوري، المؤيد لخليفة حفتر، بالإضافة لأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5. ويؤكد الفرنسيون أن هذه الجهود المبذولة على الصعيد الأمني ترمي إلى تأمين الاستقرار، قبل الانتخابات المُزمع إجراؤها مع نهاية العام الجاري. وتدلُ المساعي الفرنسية الحالية على رغبة باريس بالعودة إلى الملعب الليبي، بعدما أخفقت مساعيها الرامية لجمع طرفي النزاع حول مائدة الحوار، من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي.
لكن التطور الأكثر إيلاما للفرنسيين تمثل باضطرارهم لسحب قواتهم من منطقة الساحل والصحراء، حيث كانت باريس تبسط سيطرتها على مستعمراتها السابقة في غرب أفريقيا، ومن ثم إنهاء عملية «برخان» التي انطلقت في العام 2013. ويسعى القادة العسكريون الليبيون، في اجتماعهم المُقرر عقده في سبها (جنوب) إلى توحيد المواقف، قبل الذهاب إلى اجتماع باريس، الذي سيبحث إذا ما عُقد فعلا، في توحيد المؤسسة العسكرية، وتشكيل قوة مشتركة للمرة الأولى، بالإضافة إلى إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية. وتهدف الأمم المتحدة من خلال إنشاء هذه القوة، إلى التحقُق من مغادرة القوات الأجنبية، من روس وأتراك وسودانيين وتشاديين وسوريين، ليبيا، إلى جانب مكافحة التهريب عبر الحدود الجنوبية للبلد.

تراجع النفوذ العسكري والثقافي

وتُعتبر هذه المبادرة الفرنسية، الثالثة التي يقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون لجمع الفرقاء الليبين، وكانت محاولته الأخيرة في 29 مايو/أيار 2018 عندما دعا القادة الأربعة السراج وحفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي خالد المشري، إلى قمة رباعية في العاصمة الفرنسية، لم تُحقق الأهداف التي كانت منتظرة منها. وتسعى فرنسا إلى المحافظة على ما تبقى لها من حلفاء في المنطقة، بعدما خسرت كثيرا من نفوذها السياسي والعسكري والثقافي، في ظل حملات مركزة على معاقلها التاريخية في غرب أفريقيا. لكن الدعوة إلى عقد الاجتماع العسكري في باريس لا تحظى على ما يبدو بإجماع القيادات العسكرية الليبية، إذ نفى عضو لجنة «5+5» عن المنطقة الغربية مصطفى يحيى وجود مساع لعقد هكذا اجتماع في فرنسا، مؤكدا في تصريحات نقلتها بوابة «ليبيا المستقبل» أن اللجنة العسكرية المشتركة «تُفضّل عقد جميع اجتماعاتها داخل ليبيا». مع ذلك تؤكد باريس أنها «تعتزم لعب دور إيجابي في استقرار ليبيا» عبر السعي لإيجاد حل سياسي، ينتهي بإجراء انتخابات رئاسية ونيابية متزامنة، بناء على إطار دستوري توافقي.
من جهة أخرى، يُلاحظ أن زيارة الوفد الأمريكي إلى طرابلس، تزامنت مع زيارة وفد عسكري فرنسي لبنغازي، حيث اجتمع مع الفريق أول عبدالرازق الناظوري، رئيس أركان القوات الموالية لخليفة حفتر، والمسيطرة على المنطقة الشرقية. وتؤكد الزيارة انحياز باريس الواضح لأحد طرفي الصراع، وهذا ليس بالأمر الجديد، فقد عُثر عديد المرات على أسلحة فرنسية في مناطق القتال، بالإضافة إلى هروب خبراء عسكريين فرنسيين نحو تونس، من منطقة غريان (شمال غرب) لدى سيطرة قوات الحكومة عليها. وتشترك فرنسا مع مصر في دعم حفتر سياسيا وعسكريا، غير أن الموقف المصري اتسم هذه المرة بكثير من القلق، بسبب تداعيات الحرب الدائرة في السودان، وهو ما يُفسر مهمة الوفد الأمني المصري الذي زار ليبيا أخيرا واجتمع مع خليفة حفتر، أهم حليف للقاهرة في ليبيا. والأرجح أن الوفد أتى لتحذير حفتر من تقديم العون لقائد قوات الدعم السريع حميدتي، أو لعناصر «فاغنر». إلا أن حفتر أنكر مسؤوليته عن أي دعم تقدمه مجموعة «فاغنر» لحميدتي، نافيا أن تكون له أي ولاية على المقاتلين التابعين للشركة الروسية في ليبيا.
قُصارى القول إن إحراز تقدم في تشكيل القوة المشتركة المقترح إنشاؤها، ربما يُساعد في تأمين الاستقرار، تمهيدا للانتخابات، المزمع إجراؤها قبل نهاية العام الجاري، مثلما هو مخطط في خريطة طريق المبعوث الأممي عبد الله باتيلي. لكن لا شيء يضمن أن شرار الحريق المشتعل في السودان لن يصل إلى ليبيا ويُعطل كافة المسارات السياسية، بما فيها مغادرة القوات الأجنبية.

أمريكا تعلن وقوفها مع ليبيا لمقاومة التدخل الأجنبي واستعادة سيادتها كاملة


أعلنت السفارة الأمريكية لدى ليبيا أنها تقف مع الشعب الليبي في جهود مقاومة التدخل الخارجي، وتدعم مساعيه من أجل استعادة السيادة الكاملة، وذلك انطلاقاً من مبادئ الولايات المتحدة المنصوص عليها في دستورها.

وقالت السفارة، في تغريدة على صفحتها بموقع تويتر الجمعة: «ينبثق التزام الولايات المتحدة بدعم تطلعات الشعب الليبي الديمقراطية من تجربتنا الخاصة في مقاومة التدخل الخارجي، حيث استرشدنا منذ ميلاد أمتنا بالمبادئ المنصوص عليها في مقدمة دستور الولايات المتحدة».
وقال إن المبادئ التي نص عليها الدستور تتمحور في أننا «نحن شعب الولايات المتحدة ورغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالاً، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية».
وتابع: «نريد الشيء نفسه للشعب الليبي ونقف معه في دعواته لتحقيق الوحدة الوطنية، والاستعادة الكاملة للسيادة، والتنمية العادلة. لمزيد من التفاصيل، يرجى الاطلاع على استراتيجيتنا العشرية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار».
وأعادت السفارة نشر رابط لاستراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في ليبيا، المنشورة على موقع الخارجية الأمريكية في 24 آذار/مارس الماضي.
وفي 14 آذار/ مارس الماضي، أحال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خططاً جديدة إلى الكونغرس مدتها عشر سنوات لتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في عدد من البلدان التي تشهد صراعات، من بينها ليبيا.
وجاء إطلاق هذه المبادرة بعد أيام من زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي باربرا ليف، إلى ليبيا، ولقائها عدداً من المسؤولين، وذلك لدعم الانتخابات وجهود باتيلي، والتشديد على خروج فاغنر.
ومن وجهة النظر الأمريكية، فإن الخطة العشرية تهدف منع الصراع ونشر الاستقرار، والتركيز على الجهود المحلية للحد من العنف في جنوب البلاد كأساس لجهد طويل الأجل لدعم عمل الشعب الليبي لبناء نظام ديمقراطي ومستقبل مستقر، وفق حساب تابع لشؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية على موقع تويتر.
وفي هذا السياق، جاء تأكيد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أن الاستراتيجية تخص البلدان الشريكة ذات الأولوية، معتبراً في بيان نشره موقع الوزارة، أنها خطوة مهمة في دفع الجهود لتحقيق الاستقرار في المناطق المتضررة من الصراع، وهي خطوة نحو سلام عالمي أكبر.
وأضاف: «هم يقرون بأن أكثر التحديات إلحاحاً في عصرنا لا تقتصر على الحدود الوطنية. فمن خلال التعاون، يمكننا معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف وعدم الاستقرار قبل اندلاع النزاعات أو تصعيدها».
وتنطبق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على ستة بلدان أفريقية بما فيها ليبيا، هي: موزمبيق، وبنين، وكوت ديفوار، وغانا، وغينيا، وتوغو، بالإضافة إلى هاييتي من دول الكاريبي، وبابوا غينيا الجديدة من دول الأوقيانوسا.
واعتبر بيان الخارجية الأمريكية أن هذه الخطط مجتمعة تمثل التزاماً بإصلاح كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الشركاء، مضيفاً أن الاستراتيجية تستخدم البيانات والأدلة لتنوير صنع السياسات ودمج مشاركة القطاع الدبلوماسي والتنموي والأمني.
وأشار البيان إلى تنظيم الجهود الدبلوماسية جنباً إلى جنب مع المساعدات الخارجية، بما في ذلك برامج التنمية والمساعدة الأمنية لتحقيق تلك الاستراتيجية.
وفي ذلك الوقت، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، إن الخطة العشرية التي قدمتها إدارة جو بايدن إلى الكونغرس والخاصة بدول النزاع تستند إلى شراكات بنّاءة وبرامج على مستوى المجتمعات المحلية تدعم تطلعات الشعب الليبي في تحقيق الاستقرار والمساءلة والحوكمة المسؤولة.
وأضاف أن هذه المبادرة تؤكد التزام بلاده بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي ودعم التقدم نحو حكومة موحدة منتخبة ديمقراطيًا يمكنها تقديم الخدمات العامة وتعزيز النمو الاقتصادي في جميع المجالات.
وقبل يومين، حط وفد من وزارة الدفاع الأمريكية يمثله ملحق الدفاع الأمريكي لدى ليبيا مارك أمبلوم، في العاصمة طرابلس وبحث مع رئيس الأركان العامة للجيش محمد الحداد العلاقات بين الجيش الليبي والأمريكي وإمكانية تطويرها.
كما أثنى الحداد على الدور التي تقوم به قوات «الأفريكوم»، الذي يأتي في إطار عمق العلاقة بين البلدين.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أشادت بما وصفته التزام الحداد وعبد الرازق الناظوري بإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، وذلك خلال مشاركتهما في ندوة رؤساء الدفاع الأفارقة بالعاصمة الإيطالية روما باستضافة قائد قوات «أفريكوم» الأمريكية الجنرال مايكل لانجلي.
وكان الطرفان قد اجتمعا مؤخراً في كل من طرابلس وبنغازي، وناقشا سبل توحيد المؤسسة العسكرية ودعم اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5 لتنفيذ وقف إطلاق النار وإخراج القوات الأجنبية.
فيما بحث رئيس الأركان بقوات حفتر عبد الرازق الناظوري مع الملحق العسكري بسفارة فرنسا بليبيا والوفد المرافق له المواضيع المتعلقة بتطوير المؤسسة العسكرية.
وناقش في مكتبه في الرجمة بحضور رؤساء الأركان الجوية والبحرية محاور عدة، من بينها تدريب القوات التابعة لهم.
وخلال الفترة الماضية، صعدت الولايات المتحدة ضغوطها على حلفاء في الشرق الأوسط لطرد مجموعة «فاغنر» الروسية من ليبيا والسودان، حسبما أفاد مسؤولون إقليميون لوكالة «أسوشيتد برس».
وتأتي الجهود الأمريكية التي أكدها المسؤولون، بالتزامن مع خطوات واسعة النطاق اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد المجموعة، المرتبطة بالكرملين، من خلال فرض عقوبات جديدة عليها مؤخراً بسبب اتساع دورها في حرب روسيا في أوكرانيا.

نورلاند يزور تشاد لبحث التعاون الإقليمي في مجال أمن الحدود والتنمية الاقتصادية

نولاند مع السفير الليبي والسفير الأميركي في تشاد. (السفارة الأميركية لدى ليبيا)


وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند إلى العاصمة التشادية أنجامينا لإجراء مشاورات مع المسؤولين التشاديين اليوم الخميس وغدا الجمعة، حول التعاون الإقليمي في مجالي أمن الحدود والتنمية الاقتصادية.
والتقى نورلاند فور وصوله العاصمة أنجامينا مع السفير الليبي لدى تشاد محمد المدني، بحضور السفير الأميركي في تشاد أليكس لاسكاريس.

وقال نورلاند في تغريدة نشرتها السفارة الأميركية لدى ليبيا عبر حسابها على «توتير» اليوم الخميس «سعدت بلقاء سفير ليبيا إلى تشاد الدكتور محمد المدني، وسفير أميركا إلى تشاد أليكس لاسكاريس في نجامينا لبحث التعاون الإقليمي في مجال أمن الحدود، والتنمية الاقتصادية»، معربًا عن تطلعه إلى إجراء «مشاورات اليوم وغدًا مع المسؤولين التشاديين».

وتأتي زيارة نورلاند إلى تشاد ضمن جهود الولايات المتحدة الرامية لحشد الدعم الإقليمي لتعزيز التعاون الأمني وعبر الحدود بين ليبيا ودولتي تشاد والنيجر، لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة ومنها الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود.

تباعدٌ في مواقف البلدان المغاربية من عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومساهمة في تعميق الأزمة

 

رشيد خشــانة – تباعدت المواقف المغاربية من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بين مُتحمس بل مشارك في طبخ العودة (الجزائر) ورافض أو متحفظ (المغرب) علما أن هذه المواقف لم تبق جامدة، بل تطورت تفاعلا مع المبادرات الآتية من السعودية ومصر والإمارات لتسريع العودة. وكان الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، مناسبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لكسر الجليد في العلاقات الثنائية، الذي استمر أكثر من عشر سنوات، لإجراء أول اتصال هاتفي مع نظيره بشار الأسد، والتعبير عن تعازيه في ضحايا الزلزال. وكانت الجزائر من الداعين لعودة سوريا إلى المؤسسات العربية منذ فترة بعيدة، إلا أنها ما كانت قادرة على تزعُم مسار المصالحة، الذي قدرت السعودية على إطلاقه، بمعية مصر والإمارات. في هذا المناخ أتت زيارة بشار الأسد إلى كل من الإمارات وعُمان لتشكل خرقا للقرارات العربية السابقة، ولكي تضع ملف مقاطعة سوريا على الرف. وبعدما كانت رؤية وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مجتمعا مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله حدثا خارقا قبل بضعة أشهر، شاهدنا على الشاشات المقداد في الرياض، وهو يحظى بكثير من الحفاوة من السعوديين، مُعبدا الطريق من هناك للقيام بزيارات مماثلة إلى دول عربية أخرى.
وإذا كانت السعودية أضفت على المصالحة مع الأسد بُعدا إقليميا من خلال «الاتفاق التاريخي» الذي سبقه بين الرياض وطهران، والتي تعد الحليف الرئيسي لبشار الأسد، ما كان ذلك مُتاحا للجزائر، التي لا تُضمر ودا لحكام إيران. مع ذلك لم تتوان عن تنشيط العلاقات مع دمشق في الآونة الأخيرة، لا بل باتت تحُض على المصالحة مع النظام السوري. وبرز هذا المنحى الجديد بشكل جلي في دعوة الدول العربية إلى إعادة نظام الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، بعد اللغط الذي أثارته الدعوات إلى تعليق عضوية سوريا وجلوس المعارضة في مقعدها. كما اعتُبر تشكيل مجلس الأعمال السوري-الجزائري خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقات، بهدف تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، في كل المجالات التجارية والصناعية والسياحية.
ويجوز القول إن التقارب الجزائري السوري كان متوقعا، لأن المسؤولين الجزائريين يعتقدون أن رياح التمرد المسلح الذي قادته «الجبهة الاسلامية للإنقاذ» في تسعينات القرن الماضي، في الجزائر، والذي يوصف بـ«العشرية السوداء» كان المقدمة لما حدث في سوريا لاحقا، حسب الوزير فيصل المقداد، في تصريحات أدلى بها لإحدى القنوات التلفزيونية الجزائرية. وأكد في هذا الحوار أن مواقف الجزائر كانت واضحة وثابتة من الأحداث التي عرفتها سوريا طيلة العشرية الأخيرة، وأن الدولتين كانتا تُقاتلان نفس الأعداء.
كرس اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الخاص بسوريا في جدة، بمشاركة مصر والعراق والأردن، فتح باب التطبيع السوري العربي على مصراعيه، إذ كان الهدف من الاجتماع تذليل الخلافات الخليجية حول سوريا قدر الإمكان. وانعقد الاجتماع، الذي لم يحضره أكثر من عشرة أعضاء في الجامعة، قبل شهر من استضافة الرياض القمة العربية المقبلة، التي ستبتُ في مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد تعليق عضويتها منذ العام 2012.
واللافت في هذا المجال أن تونس التي كانت آنذاك خلف اعتماد قرار تعليق العضوية، بتشجيع من دول خليجية، هي اليوم من أول المبادرين إلى المصالحة مع دمشق، إذ أعادت فتح سفارتها لدى سوريا وعينت سفيرا جديدا في دمشق، واستقبلت وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في ثاني زيارة مغاربية له بعد الجزائر. ومن الواضح أن الموقف التونسي شكل استدارة بـ180 درجة في هذا الملف، إذ أن الحكومة التي كانت تقودها «حركة النهضة» في 2012 هي التي دعت إلى «مؤتمر أصدقاء سوريا» الذي مهد لفرض عقوبات على النظام السوري، وعزله عربيا ودوليا. وتُعزى استضافة المؤتمر إلى أن الحكومة التونسية «النهضوية» آنذاك، كانت منخرطة في حلف إقليمي ودولي برعاية أمريكا وفرنسا وتركيا، جعل من تنظيمات الإسلام السياسي قادة المرحلة، بعد الإطاحة ببن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا. والملاحظ أن الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي هو أول من اقترح تشكيل «مجموعة أصدقاء سوريا» لدعم الانتفاضة التي استهدفت الإطاحة ببشار الأسد.
وشارك في المؤتمر، الذي عُقد يوم 24 شباط/فبراير 2012 أكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية، وحضرته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتذاك هيلاري كلينتون، وشخصيات أخرى من بينها وزير الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. وخُتم المؤتمر بإعلان يدعو الحكومة السورية إلى إنهاء العنف ووقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لأكثر المناطق تضررا من الحرب في سوريا، وفرض مزيد من العقوبات على أركان النظام، مثل حظر السفر على المسؤولين وتجميد أرصدتهم، ووقف التعامل التجاري في مجال النفط وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي. لكن الخطوة التي أزعجت النظام السوري أكثر من سواها، هي الاعتراف بـ«المجلس الوطني السوري» المعارض ممثلا وحيدا للشعب السوري. وفي السياق قطعت تونس علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وطردت السفير السوري، وحذت حذوها عدة دول عربية، من بينها السعودية والمغرب. وبعد اعتلاء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سدة الرئاسة في تونس العام 2014 لم يكن موافقا على التعاطي بتلك الطريقة مع النظام السوري، لكنه لم يستطع تغيير الموقف التونسي، لأنه كان مُكبلا بتحالف يجمعُ بين حزبه «نداء تونس» و«حركة النهضة». وكان قائد السبسي ميالا للدول المعتدلة، التي بدأت تُظهر في السنوات الأخيرة رغبتها بمراجعة المقاطعة العربية لسوريا.

إقبال على القتال في سوريا

ما كان يُغضب السوريين أكثر من المقاطعة الدبلوماسية، هو تدفقُ عناصر تونسية متشددة على سوريا، عن طريق ليبيا وتركيا، لدعم الانتفاضة في الداخل بتنفيذ عمليات إرهابية. وتمركزت تلك العناصر وهي تُعد بالآلاف، في الشمال السوري، وحصلت على أسلحة متطورة من أمريكا ودول عربية، عن طريق تركيا، وأقامت ما قالت إنه «نظام الخلافة». وعُرفت تلك الميليشيات بارتكابها جرائم عدة وثقتها المنظمات الإنسانية العربية والدولية.
والثابت أن التونسيين لعبوا دورا مهما في تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) ليس فقط في المجال العسكري، وإنما أيضا في الإدارة المالية والتوجيه العقائدي. لكن حضورهم تقلص في سوريا، بعد مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في تشرين الأول/اكتوبر 2019. وعادت أسر البعض منهم إلى تونس حيث تثير طريقة التعاطي مع أفرادها جدلا مفتوحا في وسائل الإعلام المحلية. من هنا فإن المسألة السورية صارت بمثابة خط الفصل في تونس بين الداعين إلى محاكمة من سفروا الشباب إلى سوريا، ومن بينهم رئيس الجمهورية قيس سعيد، ومن يُبررون ذلك، ويُدافعون عنه.
أما المغرب فبالرغم من «الاتفاق التاريخي» على تطبيع العلاقات بين السعودية وسوريا، فإنه لم يتزحزح عن قراره بقطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق في العام 2012. والأرجح أن ذلك سيتم خلال القمة العربية المقبلة في الرياض بوساطة سعودية، باعتبار أن المصالحة بين الرباط ودمشق هي إحدى تداعيات التغييرات المتسارعة، التي طرأت على النظام الإقليمي العربي، في الآونة الأخيرة. وتوقع الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض في مراكش، أن يُعلن المغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في القمة العربية، انسجاما مع الموقف العام من هذه المسألة. إلا أن لكريني رجح أيضا في حوار أجرته معه الصحيفة الإلكترونية المغربية «هسبريس» أن يربط المغرب إقدامه على استئناف العلاقات، «بالموقف السوري من قضية الوحدة الترابية» أي قضية الصحراء. وبالنظر لحدة الخلافات بين الجزائر والمغرب، رأى بعض المحللين أن الموقف المغربي المُتباطئ في التطبيع مع دمشق، هو امتدادٌ للمناكفات المستمرة مع الجزائر، في جميع الملفات الإقليمية والدولية.
ويختلف موقف موريتانيا عن شقيقاتها المغاربيات، فهي لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في 2012 أسوة بباقي البلدان الأعضاء في الجامعة، وظل السفير السوري يعمل من نواكشوط، والعلم السوري مُرفرفا في سماء العاصمة الموريتانية. وأتى هذا الموقف استجابة لضغوط من أحزاب وجمعيات ذات منحى عروبي. أكثر من ذلك تعددت زيارات المسؤولين الموريتانيين إلى دمشق للتعبير عن دعمهم للنظام، بمن فيهم وفد برلماني موريتاني زار سوريا في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وأشاد رئيسه بـ«صمود سوريا».
ومن مفارقات السياسة الموريتانية أنها تحافظ على علاقات متينة مع سوريا الأسد، وتفتح أراضيها الشمالية في الوقت نفسه، لإجراء المناورات السنوية لقوات أربع وثلاثين دولة، بإشراف القيادة الأمريكية لأفريقيا، المعروفة بـ«أفريكوم». من هنا فالمؤكد أن موريتانيا ستؤيد دعوة القمة العربية في الرياض إلى المصالحة مع سوريا، كونها لم تلتزم أصلا الخطوة السابقة، أي القطيعة، قبل اثني عشر عاما.

سوريتان في ليبيا

في ليبيا يتعاطى السياسيون مع سوريتين، إن صحت التثنية، فهناك سوريا الأسد، التي تحظى بدعم الحكومات الليبية المعترف بها دوليا، وفي الجانب الآخر سوريا التي ترسل المرتزقة لدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولوحظ أن الأتراك، الذين أنقذوا حكومة فائز السراج من السقوط في العام 2019 اكتفوا بإرسال مدربين وخبراء عسكريين أتراك إلى طرابلس، إلى جانب ميليشيات سورية جندها حفتر للقتال في صفوف قواته. وتُقدر الباحثة الفرنسية ماري فرديي عدد المرتزقة السوريين في غرب ليبيا بـ3500 عنصر. أما في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها حفتر، فتقدر فرديي أعداد المرتزقة بـ7000 عنصر بينهم روسٌ وسوريون وسودانيون وتشاديون. وتقدر الأمم المتحدة العدد الإجمالي للمرتزقة في ليبيا بـ20000 عنصر، فيما يعتقد الباحث جلال حرشاوي أن العدد لا يتجاوز 10000 مرتزق.
على أساس هذه الخلفية بدا المغرب العربي طرفا فعالا في الصراع الإقليمي على سوريا، سلبا وإيجابا، إلا أنه ساهم في تعميق الأزمة اعتبارا من استضافة تونس مؤتمر «أصدقاء سوريا» وإرسال آلاف المقاتلين التونسيين إلى مناطق الحرب، حيث تقلص دورهم بعد مقتل أبي بكر البغدادي.

ليبيا: هل هناك حاجة لاستفتاء قبل الانتخابات؟




رشيد خشــانة – رغم اعتقاد مراقبين أنه يتم الترتيب حاليا لتسمية حكومة جديدة تشرف على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة في ليبيا، من المستبعد أن يقبل الدبيبة بالتنحي.

سواء توقفت الحرب الأهلية في السودان أم استمرت المعارك الطاحنة، فإن ليبيا ستكون في مقدم المتأثرين سلبا بتداعيات الحرب، بعدما أغلقت تشاد حدودها مع السودان بالكامل. ويؤكد وزير الإعلام الليبي الأسبق محمود شمام أن ما يجري في السودان يُلقي بظلاله على ليبيا، وخاصة على معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالنظر للدعم الذي لقيه الأخير طيلة سنوات، من محمد حميدتي دقلو، قائد قوات الدعم السريع. والأرجح أن النازحين واللاجئين السودانيين سيتجهون بالآلاف إلى جنوب شرق ليبيا، هربا من الحرب. كما أن ليبيا ستكون الملاذ الآمن، نسبيا، لقوات «الجنجويد» في حال هزيمة محمد حميدتي دقلو في الحرب. وهذا ما حمل رئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية بالجنوب الليبي العميد عبد السلام البوسيفي (المُوالي لحفتر) على دعوة رئاسة الأركان «شرقا وغربا» إلى إغلاق الحدود مع السودان، وتكليف قوات عسكرية ضاربة بحمايتها، ووضع طائرات للاستطلاع بمطار الكفرة (جنوب شرق) من أجل مراقبة ومنع أي تسلل صوب الداخل الليبي. وأكدت مصادر مقربة من حفتر، لصحيفة «الاتحاد» الإماراتية، أنه يدرس مع مساعديه إغلاق الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان، واحتواء انعكاسات الحرب في أمن دول الجوار. وأبدى وزير الداخلية الليبي السابق اللواء صالح رجب مخاوفه من انتقال عناصر سودانية إلى الداخل الليبي، واستخدامها منصة انطلاق لتنفيذ عمليات في الداخل السوداني، لافتا إلى أن «ما يحدث في السودان يرمي لتقسيمه، بدعم غربي». وتعتبر منطقة المثلث الحدودي (ليبيا، السودان، تشاد) إحدى المناطق الرئيسة، التي تشغل بال الجانب الليبي، في ظل محاولة عناصر تابعة لشبكات إرهابية، إعادة التموضع في المنطقة، خلال الفترة المقبلة. ومن المؤكد أن هذا السيناريو هو ما يُزعج الأمريكيين، الذين مارسوا ضغوطا على الطرفين المُتقاتلين عبر وزير الخارجية بلينكن، لوقف الحرب، وأقلُهُ للالتزام بالهدنة.
وما يزيد من تعقيد الأوضاع في الجنوب أن مؤسسات الدولة منهارة منذ سنوات، وأن قوات الدعم السريع تعمل بالتنسيق مع قوات «فاغنر» الروسية، المنتشرة في بلدان مجاورة للسودان. ومن أمارات التعاون بين قوات الدعم السريع وعناصر «فاغنر» الزيارة التي أداها حميدتي إلى موسكو، غداة اندلاع الحرب في أوكرانيا، والحفاوة التي حظي بها من المسؤولين الروس. أكثر من ذلك تتولى قوات «فاغنر» وقوات الدعم السريع حماية مناجم ذهب في السودان، حسب مركز الأبحاث «يوروبيان كاونسيل أون فورين ريلايشن» (المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية). ويضم باطن الأرض في السودان ثروات كبيرة، فهو ثاني أكبر منتج للمعادن الثمينة في القارة الأفريقية، والتي يُباع معظمها في الأسواق الموازية. أكثر من ذلك، تُسيطر قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، على عدد لم تُحدده المصادر، من مناجم الذهب والمعادن الثمينة في السودان.
على هذه الخلفية يبدو أن حميدتي يُخطط منذ سنتين للإرتقاء من منصب الرجل الثاني في الحكم (المجلس الرئاسي) إلى المركز الأول، وهو ما يقتضي تنحية الرئيس الحالي للمجلس عبد الفتاح البرهان. ولم تكن الطموحات الرئاسية لحميدتي خافية منذ تكاثرت زياراته إلى المناطق الداخلية وارتياده المجالس القبلية، لربط علاقات مع الزعماء المحليين، الذين كانوا يُعتبرون أركان نظام الجنرال عمر البشير، قبل أن تُطيح به ثورة شعبية في 2019. ويكمُنُ الخطر، حسب بعض الخبراء، في اتخاذ المُعرقلين للانتخابات في ليبيا، الحرب في السودان وتداعياتها الإنسانية والسياسية على الجنوب الليبي، ذريعة للمطالبة بتأجيل الانتخابات، وهو موقف يلتقي مع مواقف الرافضين، تحت الطاولة، لإجرائها، بالاعتماد على الخريطة التي أعدها الموفد الأممي عبد الله باثيلي، وحازت على موافقة مجلس الأمن. وأفاد باثيلي في إحاطته لمجلس الأمن الأربعاء الماضي أنه اتفق مع الأطراف الأمنية والعسكرية على تأمين الانتخابات ونبذ العنف وإطلاق المحتجزين وضمان مصالحة وطنية جامعة.
والغريب أن روسيا صارت تتحدث، هي أيضا عن ضرورة انسحاب «كل القوات المسلحة غير الليبية والوحدات العسكرية، بشكل متدرج ومنسق، من أجل الإبقاء على التوازن في الميدان» وهي تقصد التوازن بين قوات حفتر والقوات الموالية لحكومة الوحدة. أما القوة الأخرى الداعمة لحفتر والتي تُطالب، مع ذلك، بسحب القوات الأجنبية من ليبيا، فهي الإمارات، التي أكدت أن «تحقيق الاستقرار يتطلب سحب المرتزقة الأجانب والقوات الأجنبية بشكل مُتزن ومتزامن». كما حضت «الأطراف» من دون أن تُسميها، على تحديد أجندة واضحة لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي. واللافت أن كلاما كثيرا يُقال عن ضرورة إسراع لجنة 6-6 بإعداد القوانين الانتخابية، وهي اللجنة المؤلفة من ستة أعضاء من مجلس النواب، وستة آخرين من مجلس الدولة، غير أن حركتها ما زالت بطيئة. لكن لا أحد ناقش الأسباب التي قادت إلى إرجاء الانتخابات بعدما كانت مُقررة ليوم 24 كانون الأول/ديسمبر 2021. ومعلوم أن أبرز الأسباب تتمثل بالمعضلتين المتمثلتين في السماح للعسكريين بالترشُح للانتخابات الرئاسية، أو منعهم من الترشُح، والمعنيُ بذلك هو خاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. أما المعضلة الثانية، فتخص سيف الإسلام الإبن الثاني لمعمر القذافي، الذي كان سيُرفض ترشُحُه للانتخابات الرئاسية في 2021 بسبب صدور قرارات قضائية باتة في حقه، من هيئات قضائية خارجية وداخلية، بسبب ارتكابه جرائم حرب. ويُتداول في الكواليس مخرج مُحتمل من مصدر العطل المُتعلق بترشُح العسكريين، يتمثل في تعهُد من يرغب بالترشح، من التابعين للمؤسسة العسكرية، بالاستقالة من الجيش قبل الانتخابات، على ألا يعود إلى منصبه العسكري، إذا لم يفز في الاقتراع.

حاجز ازدواج الجنسية

أما الحل المُقترح لحاجز ازدواج الجنسية فهو اشتراط التخلي عن الجنسية الأجنبية نهائيا، قبل الاقتراع. ولا يُعرف ما إذا كان حفتر سيقبل بهذه الصيغة أم لا، لكن طالما لم يوجد حلٌ سياسيٌ وقانونيٌ لمعضلة ازدواج الجنسية، بالنسبة لحفتر، الحامل للجنسية الأمريكية، إلى جانب جنسيته الليبية، فإن أعمال لجنة 6-6 لن تكون لها فعالية ونجاعة في تعبيد الطريق للانتخابات. والظاهر أن صعوبات ترشيح حفتر قد تُبرر اللجوء إلى بديل يتمثل بحليفه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
لا يقتصر الساعون البارزون إلى الرئاسة على الثلاثة خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعقيلة صالح، فهناك شخصيات نافذة لا تُخفي أيضا عزمها على الترشح للانتخابات المقبلة، ومن بينها رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا، لكنهما ليسا في أوج قوتهما هذه الأيام، إذ أن الأول غير مقتنع بإجراء الانتخابات، على أمل تمديد بقائه في السلطة، على طريقة «المؤقت الدائم» بحجة «استكمال المرحلة الانتقالية الثالثة». أما الثاني (باشاغا) فعليه أن يُواجه تآكل شعبيته، حتى في مدينته مصراتة، لأنه أطلق وعودا لم يف بها، فضلا عن عجزه على الاستقرار في العاصمة، وعن تحصيل اعترافات دولية وإقليمية، بوصفه رئيسا للحكومة المنبثقة من مجلس النواب. ومن الواضح في هذا المشهد أن القضية الليبية تم تدويلها بالكامل، وأن الليبيين لن يكونوا أصحاب الكلمة الأخيرة في حسم الصراع. من ذلك أن روسيا أصبحت تُشددُ على ضرورة انسحاب كل القوات المسلحة غير الليبية والوحدات العسكرية من ليبيا، بشكل متدرج ومنسق، من أجل الإبقاء على التوازن في الميدان. وفي هذا الإطار يحرص الروس على البقاء بعيدين عن الأضواء في هذه المرحلة، لضمان مصالح شركتهم «أس أم بي» التي أسسها إفغيني بريكوجين صديق بوتين الحميم، وهي الذراع الاقتصادية لروسيا في أفريقيا. أما الإمارات فرحبت بالتعديل الدستوري الـ13 داعية الأطراف إلى جدول زمني واضح وجاد، لتحقيق الاستحقاق الانتخابي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن تحقيق الاستقرار يتطلب سحب المرتزقة الأجانب والقوات الأجنبية بشكل متزن ومتزامن.
على الصعيد الإقليمي، يبدو أن الجولة التي قام بها الموفد الأممي باثيلي، أواخر الشهر الماضي، على ثلاث من دول الجوار، هي السودان وتشاد والنيجر، والتي تركزت على إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية، كأنها لم تُحقق الآمال المعقودة عليها. مع ذلك لا يُخفي الأمريكيون، سواء في الأمم المتحدة أم في لقاءاتهم مع الليبيين، قناعتهم بأن عودة الاستقرار إلى البلد الغني بمصادر الطاقة، ستجعل من الممكن إحداث زيادة كبيرة في صادرات النفط والغاز، وبالتالي ستعزز الصادرات الليبية الإمكانات المُتاحة لشركاء واشنطن الأوروبيين للحصول على المحروقات، وتُؤمن قدرا من الاستقرار الإقليمي، في مواجهة محاولات زعزعة الأمن التي تقوم بها روسيا من جهة، والجماعات المسلحة في المناطق الصحراوية المجاورة لليبيا، وخاصة «الجنجويد» من جهة ثانية. وقد اعتاد «الجنجويد» على حرية الحركة في منطقة المثلث الشاسعة بين ليبيا والنيجر وتشاد، وبالتالي فهم مصدر خطر كبير على الجهود الرامية لإجراء الانتخابات قبل نهاية العام.

استفتاء شعبي على الدستور؟

هناك سؤال لم يُطرح بوضوح حتى اليوم، وهو يتعلق بالاستفتاء على مشروع الدستور، الذي يُفترض أنه يسبق الانتخابات. لكن الفسحة الزمنية الباقية إلى نهاية العام، لا تُتيح إجراء اقتراعين متوالين، خاصة مع صعوبة المسارات الانتخابية في الجنوب الليبي. وكان مجلس النواب أصدر قانون الاستفتاء على الدستور، غير أن مفوضية الانتخابات لم تُجر بعدُ الاستفتاء على الإعلان الدستوري. وتتمسك شخصيات عدة، بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بضرورة عرض الوثيقة الدستورية، الخاصة بتنظيم عملية الانتخابات، على استفتاء شعبي قبل اعتمادها، معتبرا أن التدخل الخارجي هو «سبب عدم الاستقرار السياسي في ليبيا» مُتناسيا الدور السلبي للمجلس في التغاضي عن وجود قوات أجنبية في البلد، وسكوته على تزويد معظم الأجسام العسكرية الليبية بالمال والسلاح، من دول إقليمية.
وعلى الرغم من اعتقاد مراقبين عدة أنه يتم الترتيب حاليا لتسمية حكومة جديدة تشرف على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة في ليبيا، من المستبعد أن يقبل الدبيبة بالتنحي، وهو الذي وعد بألا يُسلم السلطات إلا لحكومة منتخبة. وقد يُعطل هذا الجدل التقدم نحو الانتخابات، ذلك أن شخصيات سياسية وقيادات قبلية عقدت أخيرا اجتماعات في مصراتة أسفرت عن جملة من التوصيات، من بينها إيجاد سلطة تنفيذية موحدة، تمهد المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويكون لخليفة حفتر دور في تكوينها. وهذا طريق غير مضمون، لأن هذه السلطة التنفيذية قد تتشبث بالحكم، بوسائل مختلفة، مثلما فعلت الحكومات السابقة، فيعود البلد إلى المربع الأول.

روسيا: زعزعة الاستقرار في الساحل تأثر بمغامرة غربية متهورة في ليبيا

مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا

 

رد مندوب البعثة الدائمة لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، على انتقادات المسؤولين الغربيين الذين قال إنهم «يتحدثون بشكل سلبي عن تعزيز التعاون العسكري بين موسكو وباماكو»، مذكرا بتأثر مالي ومنطقة الساحل بتدخلهم العسكري في ليبيا.

ونقل موقع البعثة الدائمة لروسيا لدى الأمم المتحدة كلمة رئيسها فاسيلي نيبينزيا خلال جلسة إحاطة بمجلس الأمن الدولي حول دولة مالي عقدت الأسبوع الماضي. وأحال الدبلوماسي الروسي ما يحدث في المنطقة إلى 2011، قائلا «لا يخفى على أحد أن زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل، لا سيما مالي، قد تأثرت بمغامرة غربية متهورة في ليبيا». كما اعتبر أن الوجود الغربي الطويل في هذا الجزء من أفريقيا لم يسفر عن نتائج ملموسة. وفي هذا الصدد دعا فاسيلي نيبينزيا «زملاءه في مجلس الأمن إلى الاعتراف بأخطائهم والتخلي عن السرد الاستعماري الجديد».

روسيا تتعهد بمتابعة التطبيع في مالي
ودافع عن اختيار الماليين ودول المنطقة الأخرى شركاءهم الذين يختارونهم، مستطردا «ستواصل روسيا متابعة التطبيع في مالي من خلال جهودنا في مجلس الأمن»، متعهدا بمواصلة موسكو تقديم الدعم لباماكو حيث تدرس تقديم مساعدات غذائية وطاقة إضافية لمالي.

وتتهم فرنسا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، روسيا بارتكاب جرائم إنسانية في مالي، بتنفيذ من مجموعة «فاغنر» العسكرية التي باتت منتشرة في عدة مواقع حساسة في البلاد مع تعزيز السلطات الانتقالية سيطرتها على السلطة عن طريق توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية زودت بموجبها موسكو الطرف المالي بعتاد حربي.

وقال قائد أفريكوم مايكل لانجلي، على هامش مؤتمر رؤساء الدفاع في أفريقيا المنعقد في روما شهر مارس إنّ أنشطة «فاغنر» الروسية في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى مزعزعة للاستقرار، عبر تكتيكات وحشية وانتهاكات حقوق الإنسان. وذكر لانجلي أنّ رد الولايات المتحدة على اختراق مجموعة «فاغنر» الروسية يكمن في دعم الدول الأفريقية من خلال نهج شامل. وتابع قائد أفريكوم أنّهم يعتقدون أنّه بشكل جماعي عبر كل هذه العمليات والاستثمارات والأنشطة، يمكن تحقيق أهداف طويلة الأجل لهذه البلدان.

ليبيا: والآن هل سيجري إخراج المقاتلين الأجانب؟




رشيد خشـــانة – على الرغم من وجود ميل دولي وإقليمي إلى تسوية الصراع في ليبيا عبر الانتخابات، التي تأخر إجراؤها سنتين، ما زالت فصائل سياسية تعمل على إفشال المسار.

احتل موضوع إخراج القوات الأجنبية من ليبيا موقعا مركزيا في الاجتماعين اللذين جمعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها إلى ليبيا، عبد الله باثيلي إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بشكل منفصل. والمهم أن الاجتماعين جاءا في أعقاب جولة قام بها باثيلي على كل من السودان وتشاد، للوصول إلى اتفاق معهما على استعادة مرتزقتهما من ليبيا. لكن لم يُعرف ما إذا كان هناك التزامٌ جديٌ من الحكومتين للمساعدة في إجلاء مواطنيهما المسلحين من ليبيا. كما لا يُعرف مدى قدرة الدول المعنية على السيطرة على مرتزقتها وفرض الانضباط عليهم، بما في ذلك إجبارهم على مغادرة ليبيا. والمُلاحظ أن باثيلي اجتمع في السودان وتشاد مع رئيسي الدولتين ووزيري دفاعهما للخوض في الموضوع مع من «يملكون» هذا الملف، لدى الطرف المقابل. ويندرج هذا المسعى الأممي في إطار المبادرة التي أعلن عنها باثيلي الشهر الماضي، والتي قد تُفضي إلى إجراء انتخابات عامة، قبل نهاية العام الجاري، وفق تنسيق دولي.
ويتوافق مسعى باثيلي هذا مع نتائج اللقاء الذي جمع أخيرا، كافة عمداء ليبيا، بمشاركة 140 عميدا، من جميع المناطق، تحت رعاية حكومة الدبيبة، ما اعتبره المراقبون تأكيداً على وحدة ليبيا واستقرارها. كما يتوافق المسعى الأممي أيضا مع الزيارة التي أداها باثيلي أخيرا، إلى مدينة سبها كبرى مدن الجنوب، والذي فقدت الحكومات المتتالية السيطرة عليه، بعد انهيار غالبية مؤسسات الدولة هناك في 2011. وتعزيزا لهذا الاتجاه كانت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 مُركزة على مسألة «إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا». واجتمعت اللجنة العسكرية في مدينة بنغازي، على مدى يومين، وبمشاركة القيادات العسكرية والأمنية والميدانية من شرقي ليبيا وغربيها، بحضور باثيلي. والمُلاحظ أن هذا الاجتماع هو الثالث بعد اجتماع أول في تونس في مارس/آذار، وثان في طرابلس. واتفق الحضور خلاله على توحيد الصف لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة خلال العام الجاري. كما أكدت القيادات العسكرية والأمنية المشاركة (أكثر من 20 من الضباط السامين) التزامها بما نتج عن الاجتماعين الماضيين. وتعزز هذا المسار باجتماع القيادات العسكرية من الجانبين الخميس في بنغازي، برئاسة الفريق محمد الحداد والفريق عبد الرازق الناظوري.
وكانت تصريحات الناظوري لافتة، إذ أكد أن أبناء المؤسسة العسكرية لديهم القدرة على تجاوز الخلافات والدفاع عن سيادة وسلامة أراضيهم، ومشددًا في الآن نفسه على أن «الجيش الليبي شرقًا وغربًا وجنوبًا، بعيدٌ كل البعد عن التجاذبات السياسية، ولن يكون أداة لأي طرف سياسي». أما الفريق الحداد فتطرق إلى وحدة المؤسسة العسكرية ومشاركتها الفعالة في الانتخابات المقبلة، مُتعهدا خلال الاجتماع نفسه، بـ«المحافظة على وحدة التراب وحرمة الدم ومدنية الدولة» مُضيفا «سنكون مساندين لشعبنا واختياراته في إنجاز انتخابات نزيهة، وحامين لها، عندما يتفق الليبيون». ويجوز القول إن هذا المسار يلتقي مع الطرح الأمريكي للحل السياسي في ليبيا، باعتبار واشنطن صاحبة القرار الفعلي في الملف الليبي، فالمبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا جوناثان واينر، يعتبر أن الجهود الأمريكية لتحقيق الاستقرار في ليبيا، ينبغي أن «تشمل توحيد المؤسسات واستخدام الموارد الطبيعية والثروات لصالح الشعب الليبي». أما مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ماك، فأكد أن أمريكا تحض القادة الليبيين على التعاون مع جهود الأمم المتحدة، لتحقيق عملية سياسية موحدة، تؤدي إلى انتخابات بحلول نهاية العام، و«تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن لليبيين وشركائهم الاقتصاديين الغربيين».
في هذا السياق يُعتبر الهاجس الأكبر للأمريكيين حاليا ليس ليبيا، وإنما احتواء التمدد الروسي في القارة الأفريقية عموما، وفي منطقة الساحل والصحراء خصوصا، المُتاخمة للحدود الليبية الجنوبية. ويرى واينر في هذا المضمار، أن إيجاد نظام وطني لمراقبة الحدود، وقوات شرطة محلية، خاضعة للحكم المدني، جميعُها عناصر طبيعية في أي حكومة وبلد عاديين. واستطرادا يعتبر الأمريكيون، مع عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر، أن على الدولة في ليبيا أن تستعيد احتكارها للسلاح الشرعي، وتنزعُهُ من أيدي الميليشيات، في إطار جيش موحد. ومن الواضح أن الروس سجلوا نقطة جديدة، خلال مناكفتهم مع أمريكا في الملعب الليبي، إذ استقبلت موسكو أخيرا النائب الثاني لرئيس مجلس النواب الليبي عبد الهادي الصغير، والنائب جلال الشويهدي، اللذين اجتمعا في موسكو مع رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الدوما، رئيس «الحزب الديمقراطي الليبرالي» ليونيد سلوتسكي، وتباحثا في الأوضاع السياسية في ليبيا، بحضور السفير الروسي لدى طرابلس، من دون إعطاء تفاصيل أكثر عن فحوى الاجتماع. غير أن استقبال الوفد في ظل الوضع الراهن يُعطي مؤشرات عن بعض تداعيات حرب أوكرانيا على بلدان مثل ليبيا.
لكن هناك من أكد أن زيارة الوفد الليبي إلى روسيا رمت لقطع الطريق أمام مبادرة باثيلي، من أجل إبقاء وسائل الحل التفاوضي حصريا في أيدي مجلس النواب وقسم من المجلس الأعلى للدولة. وينبني هذا الخيار على اشتراط المجلسين تنحية عبد الحميد الدبيبة من رئاسة حكومة الوحدة الوطنية. إلا أن خصوم هذا الأخير سبق أن حاولوا إزاحته من رئاسة الحكومة، ومنح الثقة لحكومة موازية برئاسة فتحي باشاغا، لكنهم أخفقوا. ومعلوم أن مندوب روسيا في مجلس الأمن الدولي، سارع فور تقديم باثيلي إحاطته في جلسة مجلس الأمن، المخصصة لليبيا، إلى التحذير من «أي تسرّع في إجراء الانتخابات المنتظرة».
وكان المقاتلون القدامى ضد نظام معمر القذافي تشكلوا إبان نهاية الحرب الأهلية الأولى (2011-2014) في كتائب، أطلقوا عليها اسم «كتائب الثوار» وقُدر عددها آنذاك، أي في ظل المؤتمر الوطني العام (2012-2014) بما بين 100 و300 كتيبة تضم 125 ألف مسلح. ثم ارتفع العدد بعد ثلاث سنوات إلى قرابة 1600 ميليشيا/كتيبة، تضم جميعا ما بين 200 و250 ألف عنصر. واندلعت مواجهات عنيفة، بعد انتخابات 2014 التي فاز فيها حزب «تحالف القوى الوطنية» برئاسة الراحل محمود جبريل، بين القوى الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، التي سماها «عملية الكرامة» من جهة، وميليشيات مصراتة (ثاني أكبر مدينة) التي تضم جماعات الإسلام السياسي، من جهة ثانية. وخاضت الأخيرة معارك عنيفة في إطار عملية «فجر ليبيا» لإجلاء القوات المتحالفة مع اللواء حفتر عن منطقة الزنتان (غرب). وأجبرت ضراوة المعارك البرلمان الذي انتُخب في 2012 على اتخاذ مقر مؤقت له في مدينة طبرق (شمال شرق) وما زال فيه إلى اليوم. وأنشئ في مصراتة مجلس عسكري للتنسيق مع غالبية الأجسام المسلحة ذات الاتجاه الإسلاموي. كما أنشئ مجلس مماثل في بنغازي، ثم في طرابلس. وباتت المجالس العسكرية في المدن الكبرى، تملك دبابات ومدافع ثقيلة ومدرعات، كما لو أنها جيش مواز. ولوحظ أنه كلما تعمقت الخلافات وتوسع الشقاق بين الفصائل الليبية، تزايد الاستقواء بقوى خارجية.

لكُل مُسلحوه

بهذا المعنى يبقى جلاء القوات الأجنبية عن كافة الأراضي الليبية قبل الانتخابات، شرطا يُعلن الجميع تبنيهم له، غير أن كثيرين يعملون على خرقه، بعد أن أصبحت لكل لاعب مسلحوه المدافعون عنه. وعليه، يؤكد متابعو الملف الليبي أنه لو كان المجتمع الدولي جادا في وضع البلد على سكة الاستقرار، لوجب عليه إظهار عصا العقوبات الصارمة والبدء بتجميد الأرصدة والمنع من السفر وإصدار مذكرات دولية لكل من يعرقل المسيرة نحو الانتخابات، خاصة أن جميع الأطراف باتت غير شرعية، بعدما استنفدت مُددها منذ سنوات، وحان الوقت لكي يسترد الشعب صاحب السيادة، حقه في الانتخاب، ويجدد الشرعية ويُنهي حكم السلطات المؤقتة. وهذا يعني على الصعيد العسكري إخراج نحو ألفي عنصر من مرتزقة «فاغنر» الروس، إلى جانب مئات من المرتزقة السودانيين والتشاديين، من البلد. وستكون هذه المهمة في فزان (جنوب) أعسر منها في المناطق الأخرى، إذ استطاعت القوات الموالية لحفتر السيطرة على قسم شاسع من الاقليم، حيث تنتشر كثير من الحقول النفطية. وباسم مكافحة الإرهاب، اقتنع كثيرون بأن الخيار العسكري، الذي ينتهجه حفتر، يمكن أن يكون وسيلة مثلى للقضاء على الجماعات الإرهابية. كما استعانت قوات حفتر بقوى محلية، وخاصة قبائل التبو، المتخاصمة مع الطوارق لإخضاع شبكات التهريب والمنشآت النفطية لنفوذها. ويتعلق الأمر اليوم أيضا بسحب 13 ألف سوري من مقاتلي جيش سوريا الحر. ويوجد بين هؤلاء أعضاء سابقون في «هيئة تحرير الشام» وهي جماعة سورية قريبة من تنظيم «القاعدة». وفيما تبدو الأمور، على صعيد الخطاب والمواقف المبدئية، وكأن ثمة توافقا بين القوى الدولية والإقليمية، على السير بجد نحو الانتخابات، ما زالت هذه التسوية غير مكتملة، على ما يبدو من مئات الاجتماعات، التي عقدها الرؤساء والوزراء والمبعوثون الخاصون إلى ليبيا. ويُمثل المبعوثون الخاصون كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات. والملاحظ أن تونس والجزائر والمغرب ليست بينها، على الرغم من الأدوار الظاهرة والخفية التي لعبتها في تحقيق التقارب بين الإخوة الأعداء.
وعلى الرغم من وجود ميل دولي وإقليمي إلى تسوية الصراع في ليبيا عبر الانتخابات، التي تأخر إجراؤها سنتين، ما زالت فصائل سياسية تعمل على إفشال المسار، ومن بينها تيار الإسلام السياسي، الذي يُعرف بـ«تيار المفتي» (صادق الغرياني). وكان التيار (اتحاد ثوار ليبيا) عقد مؤتمرا بمدينة الزنتان، منذ أسابيع، أعلن خلاله أنه يعترض على التوافقات الجارية، بدعوى أنه مُؤتمن على مصير الثورة (2011). ويرى أكاديميون ونشطاء أن هذه السباحة ضد التيار، لن تُجدي نفعا بحسب الكاتب ميلاد المزوغي، في ظل التوافق الإقليمي والدولي، و«تيقُن الأطراف الداخلية من انه كفى عبثا بمقدرات الدولة والضحك على الشعب المغلوب على أمره». أما الكاتب عبد الله الغرياني فاعتبر أن الأجسام المسلحة كانت، طوال العقد الماضي، أدوات للتخريب والدمار، ولديها سجلات ضخمة من الانتهاكات والقتل والتعذيب والإخفاء القسري، ولذلك لا يمكنها صناعة السلام أو العمل من أجل تأمين الانتخابات وقيادة البلاد إلى مرحلة الاستقرار، على ما يقول عبد الله الغرياني، مُضيفا «فقط يُمكنها تمثيل ذلك دون عمل حقيقي»… وهو مُحقٌ في ذلك.

إحلال السلام في ليبيا سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة






رشيد خشـــانة – حُكمُ الميليشيات في ليبيا جعلها تتجرأ على إغلاق حقول نفطية وتعطيل موانئ تصدير، ما شكل صدى للأزمة السياسية المستمرة منذ 2014. ويرى خبراء نفطيون أن الصراعات الداخلية، معطوفة على تعذُر حصول القطاع على التمويل اللازم لإصلاح الآبار، تُكبدان البلد خسائر كبيرة. ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة «أوبك» يُكلفُ كل إقفال خسائر للقطاع تُقدر بما بين 50 إلى 60 مليون دولار يوميا عن كل يوم إقفال.

لكن على الرغم من الصعوبات التي يجابهها قطاع النفط والغاز الليبي، جراء تآكل البنية الأساسية للإنتاج، توصلت «المؤسسة الوطنية للنفط» ومجموعة «إيني» الإيطالية، إلى اتفاق لإنتاج ما قيمته 8 مليارات دولار من الغاز الطبيعي. وتُعتبر هذه الصفقة، التي عقدها الجانبان بمناسبة زيارة وفد إيطالي إلى طرابلس، بقيادة رئيسة مجلس الوزراء جورجيا ميلوني، أضخم مشروع استثماري في ليبيا منذ ربع قرن. وتدلُ الصفقة على حرص روما على تنويع شركائها في مجال الطاقة، للتحرُر من قبضة الغاز الروسي. وفي هذا الإطار اتجه الإيطاليون إلى ليبيا، بالإضافة للجزائر. غير أن بعض الخبراء يشكك في قدرة ليبيا على الوفاء بالتزاماتها، ويحذر من تداعيات عدم الاستقرار السياسي على الأوضاع الاقتصادية، ومن هؤلاء وزيرالنفط الليبي محمد عون، الذي وصف الصفقة بكونها «غير شرعية».
في المقابل تبدو الجزائر شريكا يحظى بالصدقية والثقة لدى الزبائن الأوروبيين، إذ أنها تُزود إيطاليا بحوالي 24 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، بينما لن تستطيع ليبيا تصدير أكثر من 3 مليارات متر مكعب، لأن بنية الإنتاج والتصدير لم تتجدد، منذ أكثر من عقدين من الزمن. واستطرادا فإن إيطاليا باتت تلعب دورا أساسيا في معاودة تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، في الوقت الذي يسعى فيه الأوروبيون لايجاد بدائل من الغاز الروسي. لكن في جميع الأحوال سيساعد الاتفاق مع المجموعة الإيطالية على زيادة حصة السوق المحلية (الليبية) من الغاز، بالاضافة للتصدير، وذلك اعتمادا على بئرين بحريتين جديدتين، سينطلق فيهما الإنتاج في 2026 إذا لم تحدث تعقيدات أمنية أو عطلٌ سياسي يُهدد الاستقرار.
ويأمل الليبيون أن يُتيح الاتفاق مع الإيطاليين استقطاب استثمارات كبيرة إلى قطاع الطاقة، وإيجاد فرص عمل جديدة، ما حمل رئيس مجموعة «إيني» كلاوديو ديسكالزي على القول إن مجموعته باتت تحتل الرتبة الأولى بين الشركات العاملة في ليبيا، مؤكدا أن الشراكة النفطية والغازية القائمة بين البلدين تنهض على تعاون راسخ، يُجسده أنبوب «غرين ستريم» الرابط بين الحقول الغازية في غرب ليبيا، وسواحل جزيرة صقلية. وتقدر طاقة الأنبوب، الذي دخل مرحلة الإنتاج في العام 2004، بما لا يقل عن 11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. غير أن الفوضى التي أعقبت الاطاحة بالنظام السابق، في العام 2011 تسببت بتراجع كميات الغاز الموجهة للسوق الإيطالية. ويتفق المحللون على أن إرجاء الانتخابات الرئاسية، التي كان مقررا إجراؤها في كانون الثاني/ديسمبر 2021 وجه ضربة قاسية لقطاع النفط والغاز، بسبب ضعف الدولة وهشاشة الأوضاع الأمنية.

الجزائر في المركز الأول

في المقابل، تقدمت الجزائر إلى المركز الأول بين شركاء إيطاليا المغاربيين والمُزود الرئيس لها بالغاز. ويُراهن الإيطاليون أيضا على إمكانات استيراد الغاز من مصر وجمهورية الكونغو وأنغولا والموزنبيق. أما إيطاليا التي كان اقتصادها مُرتهنا للواردات النفطية والغازية من روسيا، فخفضت من تلك المستوردات بنسبة الثلثين، أي أنها نزلت بها إلى 11 مليار متر مكعب في السنة، لتلتفت بعد ذلك إلى منتجين جُدُد. أكثر من ذلك، يُخطط الإيطاليون لإلغاء روسيا من باقة مستورداتهم من منتجات الطاقة في العام المقبل. ويقول ديسكالزي في هذا المضمار إن الجزائر، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 36 مليار متر مكعب، عوضت قسما مهما من حصة روسيا. وعبر ديسكالزي عن أمله بأن تُعوض ليبيا أيضا قسما آخر، وإن بحجم أقل، من المستوردات الإيطالية من روسيا. أكثر من ذلك تتطلع روما إلى لعب دور الجسر بين منتجي الغاز في شمال أفريقيا ودول شمال أوروبا، وهي تأمل بإقامة معبر طاقي يوصل الغاز المغاربي إلى كل من ألمانيا والنمسا وسويسرا.
وأظهرت البلدان الأوروبية عموما رغبة قوية بتطوير قطاع الغاز في الحقول البحرية، وخاصة الغاز المُسيل، مُتخلية عن المشاريع التقليدية المُتمثلة في استخراج الخام من حقولها في القارة الأفريقية. وهي تعتبر تلك الحقول البحرية أقل عرضة للمخاطر الأمنية. وفي هذا الإطار تخلت شركات كبرى أسوة بـ«إكسن موبيل» و«إيني» و«شال» و«شفرن» عن حقولها التقليدية في نيجيريا وأنغولا وغينيا الاستوائية، العام الماضي.

منتجون جددٌ

ويلتفت أصحاب الاستثمارات النفطية حاليا إلى بلدان يُعتقد أنها غنية بموارد الغاز، ومنها موزنبيق وموريتانيا والسينغال وتنزانيا، على أمل أن تُعوض العجز الغازي الأوروبي. ويمكن لليبيا أن تكون ضمن هذه المجموعة، لولا عدم الاستقرار السائد وندرة الاستثمارات التي يستقطبها البلد في وضعه الراهن، وتزايد الطلب الداخلي على الغاز، ففي العام الماضي لم تتجاوز صادراتها لإيطاليا 2.63 مليار متر مكعب، فيما بلغت قبل 2011 ما لا يقل عن 8 مليارات متر مكعب في السنة.
وشكل الإعلان عن قيام حكومة موازية برئاسة فتحي باشاغا، في شباط/فبراير الماضي، بتزكية من مجلس النواب، تعميقا للانقسام بين الشرق والغرب، والذي أسفر عن وجهه بوضوح لدى التوصل إلى الاتفاق بين مجموعة «إيني» والحكومة الليبية، إذ عارض الاتفاق وزير النفط والغاز محمد عون، الذي لم يحضر حفلة التوقيع على الاتفاق، مُعتبرا أن الوزارة هي المعنية بالتوقيع عليه، وليست مؤسسة النفط الوطنية. كما أن مجلس النواب رفض تسمية فرحات بن غدارة على رأس «مؤسسة النفط» في مكان مصطفى صنع الله، وتردد أن ذلك تم بموجب صفقة بين رئيس حكومة الوحدة الدبيبة والقائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء خليفة حفتر.
أبعد من ذلك، أفاد خبراء نفطيون أن التنافس بين حكومتين واحدة مقرها في العاصمة طرابلس والثانية في مدينة سرت (شمال وسط)، أدى إلى إقفال بعض المنشآت النفطية والغازية، ما أعاق نمو القطاع. وحسب تقديرات البنك الدولي كلف تراجع الإيرادات النفطية بسبب إقفال بعض المنشآت خسارة قُدرت بحوالي 4 مليارات دولار.

احتياطي ضخم؟

مع ذلك يعتقد الخبراء أن ليبيا تستطيع تعزيز مكانتها في السوق الدولية كمنتج مهم للغاز، غير أن ذلك يحتاج إلى خطة لتطوير بنيتها التحتية وفتح الباب لمزيد من أعمال التفتيش والاستكشاف. وحسب معلومات من إدارة الإنتاج في «شركة الخليج للنفط» (قطاع عام) فإن لدى ليبيا احتياطيا ضخما من الغاز الطبيعي غير مستكشف حتى اليوم. وأماطت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرا اللثام عن استراتيجيا تتضمن زيادة في إنتاج الغاز ليصل إلى 3.5 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2024 وبكلفة في حدود 60 مليار دولار من الموازنة الحكومية، والباقي يوفره مستثمرون من المجموعات النفطية العالمية. واستبقت مجموعات دولية نتائج الحرب الروسية الأوكرانية لتبدأ مفاوضات مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، للبحث في إمكان الرفع من الامدادات الليبية من الغاز إلى الدول الأوروبية.
وفي هذا الإطار تم الاتفاق بين الرئيس السابق للمؤسسة مصطفى صنع الله ونائب الرئيس التنفيذي لمجموعة «بريتش بتروليوم» غوردون بيرل على استئناف أعمال الاستكشاف في ليبيا، طبقا لاتفاق توصل له الطرفان في 2018. كما بحث صنع الله هذا الأمر مع الرئيس التنفيذي لمجموعة «توتال» باتريك بواني في آذار/مارس الماضي، إذ تطرقا لتطوير الإنتاج والترفيع من حجمه من خلال الاستكشافات الغازية والنفطية. وتطرق صنع الله للموضوع أيضا مع مجموعة «إيني» الإيطالية، من أجل ضمان مساهمتها في الرفع من الإنتاج بُغية الاستجابة لزيادة الطلب على الغاز في السوق الدولية. ويحتاج تحقيق هذا الهدف إلى استتباب الأمن وترسيخ الاستقرار في كامل ربوع البلد، ليس فقط للترفيع من مستويات الإنتاج، وإنما أيضا لضمان ديمومة التدفق. وفي هذا الاتجاه قدم صندوق النقد الدولي في آذار/مارس الماضي صورة عن نمو القطاع، مفادها توقُع نمو الهيدروكربونات بقرابة 15 في المئة، خلال العام الجاري. وأظهرت دراسة جديدة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» أن إحلال السلام في ليبيا سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، ليس فقط لليبيين، وإنما أيضا لبلدان الجوار، تصل قيمتها الاجمالية إلى 162 مليار دولار حتى العام 2025. وشددت الدراسة التي تحمل عنوان «السلام في ليبيا: فوائد للبلدان المجاورة والعالم» على أهمية التطورات الإيجابية الأخيرة التي شهدتها ليبيا، والتي ستُترجم إلى ارتفاع في معدلات النمو الاقتصادي وزيادة في الاستثمارات، وتأمين فرص عمل داخل ليبيا وفي بلدان الجوار، وخاصة مصر وتونس والسودان. كما أن إحلال السلام سيُطلق بحسب الدراسة جهود معاودة الإعمار، ما سيعطي دفعة للاقتصاد الليبي واقتصادات الجوار. وسبق أن أصدرت «الإسكوا» دراسة بعنوان «الكلفة الاقتصادية للصراع في ليبيا»، حذرت فيها من تفاقم الخسائر الاقتصادية التي سببتها الحرب على مدى 12 عاما، بعد الإطاحة بمعمر القذافي (1969-2011) وتفكيك نظامه. فهل سيتعالى الزعماء الليبيون على خصوماتهم ويفتحوا الطريق لمشاريع إصلاح البنية الأساسية والنقل والاتصالات، على نحو يطوي صفحة الحرب الأهلية التي ضعضعت البلد و أنهكت شعبه على مدى سنوات؟

العلاقات الليبية الأميركية بـيـن مآسي الماضي وطموحات المستقبل (الجزء الثاني)


المحطة الثالثة

عقم السياسة
وبانتهاء النظام الملكي فى غرة سبتمبر 1969 وسيطرة صغار الضباط على مقاليد الأمور تغيرت معايير العلاقة بين البلدين، وناصب النظام الجديد العداء للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بما يتناغم مع تنامي المطالب الشعبية للتخلص من الاستعمار الذي سيطر على مقاليد الأمور فى ليبيا منذ استقلالها، وقد اعتبرت الامتيازات التى منحها النظام الملكي لأميركا وبريطانيا عنوانا له وطريقا لإثبات صدق توجهاته.
انطلقت المفاوضات بين البلدين لإجلاء القواعد الأميركية والبريطانية عن ليبيا.
وقد أسفرت المفاوضات فيها عن رحيل جميع الجنود والمعدات العسكرية الأميركية عن ليبيا فى نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين، سيكون لها ما بعدها بين الاحتواء والعداء.

يبدو من الوهلة الأولى أن النظام الثوري الجديد فى ليبيا لن يكون حليفا مأمونا للولايات المتحدة الأميركية، وكان ذلك واضحا من خلال أول ظهور لقادته على شاشات التلفاز التى تظهر دون شك العداء لأميركا وبريطانيا، وانحياز قادته إلى قضايا التحرر من النفوذ الغربي على مقدرات الوطن، وقد برهن القادة الجدد على جدية مطالبهم ومشروعيتها من خلال السياسات التى تم اتباعها فى هذا السياق بقرارات عملية برهنت على التوجه العام للنظام الجديد.

لم تكن توجهات القادة الجدد موضع غرابة من كل المتابعين للشأن السياسي، فنزعة التحرر من النفوذ والتخلص من مظاهر السيطرة الاستعمارية تمثل رأي أغلبية شعوب المنطقة العربية، والنظام الجديد ليس بعيدا عن هذه الموجة التحررية السائدة، لكن السياسات التى تم انتهاجها لم تكن ملائمة وبعيدة عن الرؤى الواعية لإدارة السياسات الدولية التى تعتمد التفاهم وتبادل المصالح واحترام سيادة الدول وضمان عدم التدخل فى شئونها، وأن تكون هذه السياسات من الملاءمة التى تضمن قبولها من الطرف الآخر بسلاسة خالية من سوء الظن الذى يكمن بين سطورها.

لم يستطع النظام السابق التعامل بروية مع المستجدات الجديدة التى كانت عصب سياساته الواضحة المعادية للغرب وفتح أبوب التعاون مع العدو التقليدي لهم (روسيا) وكانت خطواته للتسليح من روسيا غير خافية على أحد، بل تجاوز ذلك إلى ممارسة سياسة الانشطار الثوري من خلال دعمه حركات التحرر الوطني فى أنحاء متعددة من العالم فى آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهو أمر مقلق للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهو ما أثار حفيظة أميركا التي أيقنت بضرورة محاربة هذا النظام والعمل على إسقاطه، وذلك باستخدام الوسائط كافة المتاحة لها.

1- فى فبراير 1973 بدأت حشود عسكرية أميركية قرب المياه الإقليمية الليبية ووجود الأسطول السادس الأميركي قرب الشواطئ الليبية.
2- وفى 13/1/1986 أعلن جورج شولتز، وزير خارجية أميركا، أن إدارة ريغان سوف ترسل مبعوثا أميركيا كبيرا فى زيارة لأوروبا، فى محاولة لحث الحكومات الأوروبية على فرض العقوبات الاقتصادية ضد ليبيا بالمفهوم الدقيق لكلمة (العقوبات)، والمبعوث الأميركي هو الجنرال فيرنون وولترس، سفيرها لدى الأمم المتحدة وصديق إسرائيل فى إدارة ريغان.
3- فى يوم 26/1/1986 واصلت قطع البحرية الأميركية التابعة للأسطول السادس الأميركي وسفن حربية أميركية أخرى مناوراتها العسكرية البحرية والجوية قبالة الساحل الليبي فى البحر المتوسط لليوم الخامس على التوالي، فقد بدأت هذه المناورات الاستفزازية فى منتصف ليلة الجمعة 21/1/1986 حتى يوم 24/1/1986.
4- وفى يوم 8/2/1986 أعلنت وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) عن عودة مناوراتها العسكرية التى تشارك فيها القوات البحرية والجوية أمام الشواطئ العربية الليبية، وقد شاركت أيضا حاملات الطائرات الأميركية، مثل (كوال سي وساراتوجا).
5- وابتداء من 13/4/1986 توالى وصول الطائرات الحربية الأميركية إلى قاعدة سيغونيلا العسكرية في الجنوب الإيطالي، كما أن ميناء (أكزيفونو) فى جزيرة صقلية قد شهد تجمعا كبيرا للسفن الحربية الأميركية، كما أن الولايات المتحدة نقلت المزيد من الطائرات والعتاد العسكري إلى قواعدها فى بريطانيا، استعدادا لشن هجوم عدواني على ليبيا فى أي وقت.
وكشفت جريدة «صنداي تايمز» البريطانية بتاريخ 13/4/1986 أن وزارة الحرب الأميركية قامت بنقل عشر طائرات من طراز «سي» التى تقوم بتزويد الطائرات بالوقود فى الجو إلى بريطانيا «إف- 111» القاذفة المقاتلة فى قيامها بعدوان مقترب على ليبيا.
6- كان يوم 15/4/1986 أبرز لحظات الصراع والتوتر بين الولايات المتحدة وليبيا، ففي ليلة هذا اليوم قامت القوات الأميركية بعدوان مفاجئ على منزل العقيد القذافي، وقد أصيب عدد من عائلته بجروح، وواصل الطيران الأميركي منذ الصباح قصفه المركز بالطائرات على الأحياء السكنية والمدنية بمدينة طرابلس، وقد نتج عن القصف سقوط العشرات من المواطنين المدنيين، وقد تم إسقاط ثلاث طائرات أمريكية وفقا للبيانات الليبية.
(كان الاتحاد السوفيتي قد سحب قواته من أمام الشواطئ الليبية قبل العدوان بساعات فى تواطؤ واضح مع الولايات المتحدة).
لم يكتف النظام السابق بهذه التوجهات المقلقة لأميركا، بل أظهرت المخابرات الإسرائيلية أن النظام الليبي يسعى للتسليح النووي بالتعاون مع أبو القنبلة النووية الباكستانية عبدالقادر خان، وهو ما تأكدت أميركا منه وتم تفكيكه وتسليمه للولايات المتحدة الأميركية فى أول رضوخ من النظام الثوري الجديد لمطالب القوة الأكبر فى العالم، وهو ما يعتبر دليلا إضافيا على أن نظام القذافي يعد مصدرا للقلق، وقد تجلى ذلك باتهام ليبيا بتفجير ملهى برلين، وحادثة الشرطية البريطانية أمام السفارة الليبية فى لندن وحادثة تفجير طائرة بانام فوق لوكربي، والتى رضخ فيها نظام معمر القدافي للإملاءات الأميركية، وقام بتسليم المتهمين إلى القضاء الاسكتلندي لمحاكمتهم، وأرغمت ليبيا على إجراء تسوية لهذا الملف، وفقا للشروط الأميركية، بعد دفع التعويض الجائر عن ضحايا لوكربي، رغم هشاشة الأدلة على مسئولية ليبيا عن هذه الواقعة، ووقع الطرفان الأميركي والليبي على اتفاق تسوية بتاريخ 4/8/2008، والتأكيد على ما جاء بها بموجب الأمر الرئاسي من الرئيس (جورج بوش رقم 13477 الصادر فى 31/10/2008 لطي هذا الملف)، إلا أن الولايات المتحدة عادت من جديد لفتح الملف وإرغام ليبيا على تسليم مواطنين ليبيين لمحاكمتهم على الوقائع ذاتها، وكان أولهم المواطن (أبوعجيلة مسعود) الذى يحاكم الآن فى أميركا بالمخالفة لبنود الاتفاق المبرم بين البلدين، وهو ما يؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن حلمها القديم فى السيطرة على الشواطئ الليبية الذى تأخر مدة تزيد على 200 سنة، وما هي إلا مقدمات لتنفيذ سياسة السيطرة على ليبيا وتحقيق الحلم الذى تأخر لمدة تزيد على قرنين، بوسائل مختلفة عن السابق تتخذ من السياسة عنوانا لها.

المحطة الرابعة
لم تكن ثورة 17 فبراير 2011 إلا مزيجا بين معاناة الشعب على مدى 42 سنة من التجارب السياسية العقيمة التى تعتمد على كبت الحريات وغياب سيادة القانون والمغالاة فى كتم جميع الأصوات المنادية بالحرية أو الديمقراطية فى الداخل والخارج، ولعل مذبحة سجناء أبوسليم واغتيال المعارضين السياسيين فى الخارج وتكميم الأفواه التى تحلم بالتطور الحياتي أسوة ببقية دول العالم وسط أجواء من الرعب السياسي وصوت القائد الواحد الذي لا يشاركه فى الحكم أحد، رغم الإمكانيات الهائلة للدولة الليبية من النفط والغاز، التى تم صرفها فى غير موضعها فى الداخل والخارج، مما حرم الليبيين من التنمية والتطوير والاندماج مع الدول التى تتطور كل يوم دون إدراك أن البشرية تتطور فى جميع المتطلبات الحياتية القائمة على زرع مناخ الحرية والديمقراطية. ووفق وثائق دستورية حاكمة تضمن التداول السلمي على السلطة، وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون والتوزيع العادل للتنمية البشرية، خاصة أن الفترات الأخيرة من حكم النظام السابق قد اتسمت باتساع دائرة الفساد المالي، والإداري، والسياسي وهو ما أضحى رافدا جوهريا للتفكير فى أي تغيير للنظام السياسي، وإن كان القمع الفاضح لأصحاب الرأي أصبح عنوانا للتغيير الذي تقوده فى محدداته العامة قوى دولية زرعت نفوذها فى أركان النظام من المتعاونين معها وأفرغت المؤيدين للنظام السابق من الوسائل كافة التى تكفل لهم قيادة مقاومة ناجعة تمتزج فيها القوة مع السياسة، يضاف إلى ذلك حجم التحشيد الدولي المؤيد للإطاحة بالسلطة القائمة آنذاك بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي التى بدأت بفرض حظر جوي على الأجواء الليبية، وكذلك تدريب وإمداد ثوار 17 فبراير 2011 باحتياجاتهم من السلاح والأدوات اللوجستية التى تكفل لهم الرصد والتواصل مع الأجنحة السياسية والعسكرية من قوات الدول المتدخلة فى الصراع على الأراضي الليبية لإسقاط النظام.

وقد أثبت ثوار 17 فبراير شجاعة نادرة لتحقيق أهداف الثورة، ولم يثنهم على ذلك قوة النظام السابق وأسلحته المدمرة التى أسهم التدخل الدولي فى الحد من قدرتها التدميرية، وهو ما خلق مناخا ملائما للولايات المتحدة الأميركية بأن تجعل من ثورة 17 فبراير 2011 عنوانا لها يتحقق من خلالها الحلم الأميركي منذ 1801 وما بعدها، الذى يهدف إلى تأمين الوجود الأميركي فى الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، الذى تستحوذ فيه ليبيا على ما يقارب من ألفي كيلومتر، يضاف إلى ذلك أن ليبيا العذراء تعد دولة بكر لم تشهد تنمية حقيقية على مدى ما يقارب نصف القرن.

وبالتالي بات واضحا أن الولايات المتحدة وجدت ضالتها فى هذا التغيير السياسي الذى أنهي النظام السابق الذي عملت عليه جميع أجهزتها الاستخبارية والعسكرية من أجل تهيئة الظروف اللازمة للتغيير تحت عباءة المجتمع الدولي من خلال الالتحاف بقرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي لتحقيق أطماعها الدفينة التى تناغمت مع التدخل الدولي فى ليبيا الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية المحتشمة على مدى نصف القرن، كذلك إنهاء الدولة من خلال تدمير مكوناتها الأمنية والعسكرية، وهي نتائج محسوبة لدى الولايات المتحدة وحلفائها، وقد تحقق من خلالها إعطاء الولايات المتحدة موقعا ودورا فى محيطها الإقليمي من خلال وجودها العسكري واللوجستي على الأراضي الليبية.

ورغم أهمية الاستقرار السياسي لليبيا، فإن جميع الدول المتدخلة فى الشأن الليبي لم تكف عن انتهاج جميع الوسائل الكفيلة باستمرار حالة الفوضى والتسلح والانقسام السياسي تحت غطاء المندوبين الدوليين الذين تقاطروا على ليبيا على مدى اثنتى عشرة سنة وعرقلة أي بادرة للحل السياسي بين الليبيين، وكان أهمهم المرتبطون بالسياسات الأميركية، أو الذين تفرزهم السفارة الأميركية فى ليبيا، وعلى رأسهم إستيفاني وليامز التى استخدمت جميع البدائل كي لا يحقق الشعب الليبي إرادته ويمارس حقه الدستوري فى الاستفتاء على مشروع الدستور الذى تمت صياغته بعد انتخاب هيئة صياغة الدستور بموجب القانون رقم (17 لسنة 2013) ومباشرة عملها فى 14/4/2014 واستقبالها لأكثر من ستة عشر ألف مشاركة من مكونات المجتمع المدني والمكونات الثقافية واللغوية ونجاحها فى نسج أهم توافق دستوري بمعونة العديد من المنظمات الدولية، على رأسها «منظمة المحامين الأميركية» و«DRI الألمانية» و«صناع السلام» بالتعاون مع الجامعة الأوروبية وتمكنها من التصديق على مشروع الدستور فى 29/7/2017 بنسبة تتجاوز 97% من الحاضرين جلسة التصويت (44) عضوا امتنع صوت واحد عن التصديق، وصوت لصالح مشروع الدستور، و(43) صوتا تجاوزا للمطلوب دستوريا، و(41) صوتا من (58) العدد الكلي لأعضاء الهيئة، وهو ما لم تستسيغه بعثة الأمم المتحدة والمندوبون الأميركيون الذين عملوا على خلق بدائل عن الشعب الليبي بحجة عدم ملاءمة مضمونه لأنه تضمن شروطا لتولي الرئاسة لم ترق لهم دون عرضه على الاستفتاء الشعبي.

الأمر الذي أبقي ليبيا إلى اليوم فى حالة انقسام، مما أدى إلى تفشى الفساد والفوضى وانتهاك حقوق الإنسان، وهو أمر طبيعي لما أدت إليه السياسات الأميركية فى ليبيا عندما غضت السياسات الأميركية الطرف عن حق الشعب الليبي فى تحقيق الانتقال الديمقراطي عن طريق صندوق الاقتراع، وليس بناء على نزوات المندوبين أو وشايات المغامرين السياسيين الذين استمروا يمارسون أعمالهم إلى اليوم فى مجلس النواب والدولة بمباركة دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

إن الولايات المتحدة الأميركية تحديداً وما يليها من متدخلين فى الشأن الليبي والدول التى تدور فى فلكها تحت مسميات مختلفة فى حاجة إلى إعادة النظر فى سياساتهم حول ليبيا والعمل على إرساء الديمقراطية وتمكين الشعب الليبي من تحقيق إرادته والعمل على إرساء علاقات استراتيجية مع هذا البلد الصاعد، خدمة للأمن والسلم الدوليين وتحقيقا لتعاون بناء يقوم على إرساء الأمن والسلم والتعاون المشترك ومحاربة الإرهاب واحترام سيادة الدول على حدودها الإقليمية.

 

 

 

العلاقات الليبية الأمريكية: بـيـن مآسي الماضي وطموحات المستقبل (الجزء الأول)


اتسمت العلاقات الليبية الأمريكية بطابع عدائي بين البلدين منذ السنوات الأولى لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية رغم بعد المسافة وعدم وجود أية بؤر للتنازع سواء جغرافية أو سياسية منذ القرن الثامن عشر الذي ظهرت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كدولة صاعدة على المسرح الدولي بإمكانيات اقتصادية وعسكرية لا حدود لها بعد أن خرجت من حروب طاحنة داخلية وخارجية من أجل استقلالها فى (4.يوليو.1776م) .

المحطة الأولى
لم تخف القوة الصاعدة فى المشهد الدولي اهتمامها بالشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط وبالأخص شواطئ دول المغرب والجزائر – وتونس وليبيا فلم تمض ثماني سنوات على استقلالها حتى اتخذ الكونغرس الأمريكي سنة 1784م قراراً بتكليف لجنة خاصة للمفاوضات من أجل عقد اتفاقات خاصة مع دول شمال إفريقيا تتكون من (بنجامين فرانكلين – جون آدمس – توماس جيفرسون) ((وقد أصبح جميعهم رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية )) وتوصلت هذه اللجنة إلى اتفاق مع المغرب فى عام 1786م وفشلت فى ليبيا والجزائر رغم اقتراح (آدمس) زيادة الرسوم التى التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بدفعها الى دول الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ((إلا أن جيفرسون اقترح إنشاء قوة عسكرية بالمبالغ التى سيتم دفعها لحماية السفن الأمريكية فى البحر الأبيض المتوسط وفى سنة 1791م أقرت لجنة الكونغرس اقتراح جيفرسون الذى كان يشغل وزير خارجية آنذاك وصادقت على المقترح الذى تم تنفيذه سنة 1794م بإنشاء ست سفن حربية لاستعمالها ضد ليبيا والجزائر والتى اعتبرت فيما بعد أساس بناء الأسطول السادس الأمريكي لأن عدد سفنه ست سفن )) وفى 1787م اتفقت الولايات المتحدة مع تونس لدفع مبلغ 107 ألف دولار كرسم مقابل عدم التعرض للسفن الأمريكية فى البحر المتوسط وفى 4/نوفمبر/1796م تم التوصل إلى اتفاق مع ليبيا تدفع بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية (56000) ألف دولار .

وبعد أن اكتمل بناء الأسطول الأمريكي نكثت الولايات المتحدة الأمريكية بوعودها فاعترضت دول شمال إفريقيا على هذا النكوص إلا أن الولايات المتحدة أصرت على عدم دفع الإتاوات المتفق عليها وفى 1801م أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على ليبيا وهو أول إعلان حرب تعلنه على دولة أجنبية بعد استقلالها عن بريطانيا .

وتنفيذا لهذا الإعلان أرسلت أربع سفن حربية إلى البحر الأبيض المتوسط بقيادة (الكومندار ريشارد وال) الذي كان أول قائد أسطول أمريكي في البحر الأبيض المتوسط الذي فشل فى هجومه على طرابلس وهو ما يعد أول فشل أمريكي فى المتوسط اضطر على أثره إلى التراجع إلى جبل طارق الذي اضطر لمغادرته بعد هجوم القوات المغربية والجزائرية واستبداله بالكومندار ريتشارد موريس الذى حاصر طرابلس فى 1802م. لكن القوات الجزائرية والمغربية البحرية تحركتاً ضده فاضطر إلى الانسحاب. ثم جدد حصاره لشواطئ طرابلس فى مايو 1803م وكذلك فى سبتمبر من العام نفسه رغم استبدال قيادة الأسطول بقيادة الكومندار (إدوار برييل) ثم (الكومندار صمؤيل بارون) فى إصرار من الولايات المتحدة على أن تضع يدها على هذه الشواطئ الدافئة التي لم تنجح فيها إلا أنها جعلت من هذه المعارك على شواطئ طرابلس عنوانا لنشيد بحريتها يتغنى به جنودها إلى اليوم (1) (من قاعات منتزوما، إلى شواطئ طرابلس، نخوض معارك بلادنا، في الجو والبر والبحر، نحارب لأجل الحق والحرية أولا، ونذود عن شرفنا الرفيع، ونفخر بأننا جديرون باسم جنود بحرية الولايات المتحدة
From the Halls Montezuma To the shores of Tripoli, We fight our country`s battles ln the air, on land, and sea, First to fight for right and freedom, And to Keep our honor clean, We are proud to claim the title of UNITED STATES MARINE) (2)

وقاعات منتزوما هي القصر الوطني فى العاصمة المكسيك التى سقطت في أيدي القوات الأمريكية وكان (جنود البحر) فى طليعة قوات الاحتلال التى استولت على القصر الوطني – مقر رئيس جمهورية المكسيسك – وعرف فيما بعد بـ (قاعات منتزوما) نسبة إلى منتزوما الثاني آخر إمبراطور أزتكي قبل الحملة الاستعمارية الاسبانية عام 1521، ونجم عن الحرب استيلاء الولايات المتحدة على أراض مكسيكية واسعة ، وضمتها إلى أراضيها، وهي المعروفة اليوم بـ (كاليفورنيا – واوتاوه – ومعظم أراضي كولورادو ونيفادا – وكل أراضي تكساس) ، وقد لعب هذا النشيد دوراً تاريخياً يؤسس لتذكر ملاحم الحرب الشرسة على شواطئ طرابلس ومازال نغما يعزف من حين إلى آخر بترنيمات موسيقية مختلفة تتناغم مع تشعبات السياسة وقواعد التحالف الدولي الذى يختار دائما أوقاتا مناسبة للإيقاع بضحاياه .

كان لأسر السفينة المقاتلة (فيلادلفيا) كنواة لقوة بحرية صاعدة فى 2/مايو/1803م أثر بالغ فى الرأي العام الأمريكي خاصة وأن عدد الأسرى من البحارة على متنها قد بلغ 308 بحار من عسكريين ورماة وطاقم إداري وأطباء وفنيين وغيرها من التخصصات اللازمة لأداء الحملة البحرية، وقد أثار ذلك حفيظة الكثير من الكتاب والصحفيين الأمريكيين الذين أبدوا آراءهم حول هذه الحملة وأحوال السجناء من البحارة، كما أبدى كثير من القادة الأروبين رغبتهم في التوسط ، وعلى رأسهم نابليون بونابرت، إلا أن يوسف القرمالي رفض كل الوساطات الأوربية لإطلاق سراح الأسرى إلا فى 6.يونيو.1805م بعد أن طلبت الولايات المتحدة وقف الحرب ودفع غرامة مالية لليبيا وتبادل الأسرى بين البلدين وتم تسفير الأسرى على متن السفينة (الدستور) إلى مالطا (3).
وقد دون عدد من الأسرى الأمريكيين الذين كانوا على متن السفينة فيلادلفيا شهاداتهم على هذه الواقعة تفصيلاً فى العديد من المؤلفات والصحف والمقابلات بعد إطلاق سراحهم .

هذه الوقائع التاريخية لم تغادر أذهان صانعي السياسة الأمريكية الذين يهدفون منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيلاء اهتمام مبالغ فيه بليبيا تحت أنماط وأشكال تدخلات مختلفة بدأت عسكرية في بداية القرن الثامن عشر ثم سياسية في منتصف القرن التاسع عشر. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإصرار (آيزنهاورا الرئيس الأمريكي على رفض طلب (ستالين) بأن تكون ليبيا من حصة روسيا في محادثات الولايات المتحدة الأمريكية مع (روسيا – وبريطانيا) بعد الانتصار فى الحرب العالمية الثانية كما ساهمت الدبلوماسية الأمريكية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى إفشال مشروع (بيفن سيفورزا ) بتقسيم ليبيا ودافع دبلوماسيها نحو التصديق على استقلال ليبيا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصبح ليبيا منذ استقلالها فى24.ديسمبر.1951م حقلا خصبا لنجاح الأطماع الأمريكية فى ليبيا التىي فشلت فى تحقيقها منذ (1801م وما بعدها) وتحجيم الدور البريطاني والفرنسي المنافسين لها .

المحطة الثانية
2- دولة الاستقلال
لم تستطع دولة الاستقلال الهشة الصمود أمام مطالب بناء الدولة وتحقيق حاجات المواطنين فى ظل شح الموارد وامتناع العديد من الدول عن إقراضها للوفاء بالتزاماتها الوظيفية فاضطرت إلى تحقيق الحلم الأمريكي الذي بدأ فى (1801) (4) وتأجير مساحات من أراضي طرابلس لإنشاء قاعدة أمريكية بين طرابلس وتاجوراء (هويلس) لتكون عنوانا للسيطرة على مقدرات البلاد وتوجيه سياساتها المحلية والإقليمية بمقابل مادي إضافة الى السماح للأمريكيين باستخدام الأراضي الليبية لتدخلاتهم الإقليمية والتكتيكية، حيث تم منحهم مساحات شاسعة لتدريب جنودهم أو جنود الدول المتحالفة معهم في غرب ليبيا جنوبي زواره فى منطقة الوطية كقاعدة رماية وتدريب، ومواقع أخرى على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وهو ما مكن الولايات المتحدة من تطوير توسعها الاقتصادي فى ليبيا وتكبيل الدولة الناشئة بمساعدة مالية عن طريق برنامج النقطة الرابعة من (مشروع مارشال المتفرع عن مبدأ ترومان) فعلى أساس هذا البرنامج عقدت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية عامة فى 15 من يونيو سنة 1951 مع حكومات بريطانيا العظمى وفرنسا كدولتي إدارة ومع حكومة ليبيا المؤقتة فى 21 من يناير سنة 1952، وعلى أساس هذه الاتفاقيات صارت الولايات المتحدة الأمريكية تقدم مليون دولار لليبيا من أجل تطوير الزراعة واستغلال موارد المياه ومن أجل تطوير التعليم والخدمات الصحية أيضا، ولتنفيذ هذه الاتفاقية شكلت الدائرة الليبية – الأمريكية للمساعدة التقنية والتى كانت ذات صلات مع خبراء منظمة الأمم المتحدة وكانت ((المساعدة)) الأمريكية فى الواقع أجراً لاستخدام القواعد العسكرية في أرض ليبيا .
قد أضفت الاتفاقية الليبية – الأمريكية شأن المعاهدة مع انجلترا صفة القانون على وجود القوات الأمريكية فى البلاد على مجرى 20 سنة، ومنحت الاتفاقيات الولايات المتحدة الأمريكية حقوقا غير محدودة فى استخدام الأراضي الليبية فى الأهداف العسكرية (بما فى ذلك إجراء الأعمال الطوبوغرافية وعمليات المسح الجوي فى أية منطقة من البلاد) وإقامة سارية إذاعة فى منطقة مصراته، ورادارات فى منطقة طرابلس ودرنه وطبرق وأقامت بالإضافة الى ذلك محطة تليفزيون فى قاعدة هويلس – فيلد وتمت الموافقة رسميا على هذه الاتفاقية فى 30/10/1954.
غير أنه، خلافا للمعاهدة الموقعة مع انجلترا التى كانت لا تعطي الحق فى ملكية الأراضي المستأجرة واستخدامها إلا لإنجلترا، فإن الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع فى الحسبان الملكية المشتركة للأراضي التى تستأجرها الولايات المتحدة الأمريكية والاستخدام المشترك لها من قبل كل من ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل طرف ثالث تعقد معه ليبيا معاهدة صداقة وتحالف، وتحصل الأمريكيون على حق استخدام الأراضي المشتراة من أجل تدريب قطع عسكرية صغيرة لبلدان أخرى، وقد استخدم الأمريكيون هذا الحق بصورة واسعة فيما بعد من أجل إعداد طواقم الطيران للقواعد العسكرية الجوية لبعض دول حلف شمال الأطلسي فوق قاعدة هويلس – فيلد (وهو الاسم الذي صار يطلق بصورة رسمية على مطار الملاحة منذ سنة 1964) وبالإضافة إلى ذلك فإذا كانت المعاهدة المبرمة مع انجلترا تطرح إمكانية إعادة النظر فيها بعد مرور عشر سنوات، فإن الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تنص على مثل هذه الإمكانية، والتزمت الولايات المتحدة الأمريكية بدفع مليون دولار لقاء استئجار الأراضي الليبية، ونتيجة للاتفاقية حددت الولايات المتحدة إقامة جيوشها فى قاعدة هويلس – فيلد العسكرية، وتحصلت على حق إقامة مطار للقصف فى الوطية (60 كم جنوب زوارة) .
وفى خطاب العرش الذى ألقاه الملك إدريس (فى 9 من نوفمبر سنة 1954) وصف الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية بأنها انتصار عظيم لليبيين، وهي فى الواقع كانت انتصارا للولايات المتحدة الأمريكية التي ظفرت بحق الاحتفاظ فى ليبيا بأي عدد من الجيوش وبأي نوع من التقنية الحربية وبحق استخدام الأراضي الليبية في أهدافها العدوانية، وعلاوة على ذلك كان سمح لها بتأهيل وتدريب عسكريي بلدان الناتو في محطات وميادين تجريب الأسلحة .
وفى البيان الذي نشر فى مارس سنة 1957 بمناسبة وصول نائب رئيس الجمهورية ومستشاره إلى ليبيا تم التعبير عن موافقة ليبيا على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية (دفاعا ضد أي اعتداء مسلح قد توجهه قوى الشيوعية الدولية ضد أي بلد من بلدان الشرق الأوسط) إلا أن دراسة البيان تؤكد على أن ليبيا كانت تعول على (مساعدة) أمريكية إضافية .
وكان قبول ليبيا (مبدأ ايزنهاور) يعني أن تقوم الحكومة بتطبيق سياسة مكشوفة موالية لأمريكا، وهو ما يمكن التسليم به رغم الأصوات الوطنية المعارضة لهذه السياسات الرعناء التي مهدت الطريق أمام صغار الضباط للانقضاض على مقاليد الحكم بدون مقاومة ووسط تأييد شعبي عارم فى 1/9/1969م.

(1) رضوان ابوشويشه (عند باب البحر هوامش مجهولة من تاريخ – طرابلس)
(2) يوميات الطبيب جوناثان كودري فى قلعة طرابلس الغرب (1803-1805) ترجمة وتعليق عبد الكريم أبوشويرب. منشورات مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الايطالي (طرابلس 1982م)
(3) مدخل مجلة مركز دراسات لعالم الاسلامي سلسلة الدراسات الياسية والاستراتيجية ص9 وما بعدها.
(4) رفعت السيد احمد مجلة مركز دراسات العام الإسلامي سلسلة الدراسات السياسية والاسترايجية ص79 وما بعدها.