رشيد خشـــانة – من يقدر على تعبئة المتظاهرين في وقت واحد وبشعارات موحدة تُدين الحكام السابقين واللاحقين، هم من يُعرفون بـ«الخُضر» وهم أنصار النظام السابق الذين ما زالت ماكينتهم التعبوية قادرة على العمل.
تفجر غضب الليبيين بعد يوم واحد من انتهاء المساومات بين الرجلين القويين عقيلة صالح وخالد المشري في جنيف. وفي سابقة غير مألوفة انطلق المتظاهرون في طرابلس إلى مقر رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، لكن لم تحدث صدامات مع الحراس، على ما يبدو. وانطلقت في الآن نفسه، أي بعد إخفاق محادثات جنيف، مظاهرات أخرى في كل من بنغازي والبيضاء ومصراتة وبعض المدن الأصغر. وما سهل التجاوب مع تلك الشعارات ضنك الأوضاع الاجتماعية، التي بات يعيش فيها الليبيون جراء الانقطاعات الكثيرة للكهرباء، وعلاقة ذلك بفساد الطبقة السياسية برمتها. ويمكن القول إن من يقدر على تعبئة كل هؤلاء المتظاهرين، في وقت واحد وبشعارات موحدة تُدين الحكام السابقين واللاحقين، هم من يُعرفون بـ«الخُضر» وهم أنصار النظام السابق الذين ما زالت ماكينتهم التعبوية قادرة على العمل، بالرغم من الضربات التي لحقتها. من هنا أتت الشعارات، التي عبرت عن رفض جميع من تصدروا المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، والتي وصلت إلى حد مهاجمة مقر مجلس النواب في طبرق، وهو ما يؤكد أن خلف المظاهرات قوة سياسية تستثمر الغضب الشعبي لتغليب مشروعها، ورمزه سيف الإسلام القذافي. وكان لافتا أن عدة مدن في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر بقبضة من حديد، أسوة ببنغازي والبيضاء وطبرق وبعض المدن الأصغر، خرجت عن طوعه وشاركت بكثافة في الاحتجاجات. وكان الوقود الذي حرك المتظاهرين هو السأم العام من استمرار الصراع على المناصب بين الطامحين إلى السلطة، وسط تدهور غير مسبوق للبنية الأساسية، وفي مقدمها شبكة الكهرباء المهترئة. ويتهم المتظاهرون الحكام الحاليين والسابقين بنهب المال العام وتهريب الأموال إلى الخارج. مع ذلك يمكن القول إن جماعة سيف الإسلام تعلموا من التجربة التونسية أن عودة المنظومة السابقة ممكنة، إذ ما بلغ سيل الغضب الزُبى، ولم يوجد بديل سياسي واضح المعالم ومقنع من بين من يُسمون بـ«الفبرايريين» نسبة إلى انتفاضة 17 فبراير 2011 التي أسقطت منظومة معمر القذافي وأبناءه.
خطاب أمريكي جديد؟
أما على الطرف الآخر من المشهد، حيث يتقاتل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فإن الأمر لم يعد متعلقا بمبارزة شخصية، مثلما يوحي بذلك بعض وسائل الإعلام، وإنما هو تعبير عن نزاع بين شبكتين من التحالفات الداخلية والخارجية، الرامية للفوز بحكم ليبيا. وهذا ما يُفسر إهدار 23 يوما في اجتماعات عقيمة بين الطرفين في القاهرة، قبل تعليقها. وبالرغم من تأكيد هذا الطرف أو ذاك أن تقدما نوعيا تم إحرازه، فإن المواد التي اتفق عليها الجانبان هي مبادئ عامة ليس هناك اختلافات جوهرية في شأنها أصلا، بينما ظل التباعد في القضايا الجوهرية قائما، وهي التي تُعتبر أساس القاعدة الدستورية للانتخابات. وما من شك بأن خيبة أمل الليبيين من مخرجات اجتماعات القاهرة/جنيف لعبت دورا مهما في إذكاء نار الغضب من السياسيين أجمعين. وهذا هو تقريبا الموقف الأمريكي أيضا، فقد أشاروا لأول مرة إلى دور اللوبيات والجماعات المسلحة في استمرار الأزمة في ليبيا. ولم يتوان مساعد المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز عن توجيه إصبع الاتهام إلى «مجموعة من الشخصيات المسلحة غير الشرعية التي أمضت الأشهر الستة الأخيرة تعقد الصفقات لتحديد من سيكون في السلطة» لكنه لم يُسمها.
لم يُفصح ميلز خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن لمناقشة تطورات الأوضاع في ليبيا، عن أسماء هؤلاء الزعماء، لكن الخطاب الأمريكي الجديد، دلل على قوة الاندفاع نحو فرض حل سياسي، معتبرا أن ملتقى الحوار السياسي الليبي «ملهاة» لأنه لا يكسر الجمود السياسي بل ويزيد من عدم الاطمئنان للوضع الراهن. وعاد ميلز ليُقرع القادة الليبيين مرة أخرى، متهما إياهم باختلاق المبررات «من أجل تأخير الانتخابات وتمديد وقت بقائهم في السلطة». وهناك عنصر آخر لا يمكن إغفاله، ويتمثل بانتهاء مهمة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في الملف الليبي ستيفاني وليامز، أواخر هذا الشهر، إذ دعا المندوب الأمريكي مجلس الأمن إلى تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة، لمدة عام كامل «كي تكون فاعلة» على ما قال.
في مقابل المعركة التي تقودها أمريكا لمزيد الامساك بخيوط الملف الليبي عبر التمديد لمواطنتها على رأس البعثة الأممية، شهرا آخر، طرح الفريق المقابل بديلا تمثل بتسمية وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم رئيسا لبعثة الأمم المتحدة بليبيا. وأعلم الأمين العام للمنظمة الأممية أنطونيو غوتيريش أعضاء مجلس الأمن بأنه قرر تعيين بوقادوم ليخلف السلوفاكي يان كوبيش، المستقيل من هذا المنصب منذ 17 كانون الأول/ديسمبر الماضي. لكن هذا الترشيح أعاد إبراز خطوط الفصل والوصل بين القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الملف الليبي. وهذا ما جعل اجتماع مجلس الأمن عاصفا، إذ اعترض بعض أعضائه على الترشيح. ومع ذلك ظل غوتيريش متمسكا بمرشحه. وبحسب تعميم للجامعة العربية على المندوبين الدائمين للدول العربية لدى الأمم المتحدة كان هناك تحرك أفريقي كبير للدفع بمرشح من القارة ليشغل هذا المنصب، لكن الغلبة كانت لأمريكا في نهاية المطاف. ويُعتبر بوقادوم، من العارفين بالملف الليبي، إذ زار عدة مناطق ومدن، وحاور غالبية الشخصيات الليبية المؤثرة، ما يجعله قادرا على المساهمة في وضع الصراع على سكة الحل السياسي. والأرجح بالنظر لتمسك الأمم المتحدة بأن يكون رئيس البعثة المقبل من القارة الأفريقية، أن الأوفر حظا هو النائب الأسبق لرئيس البعثة وزير الخارجية الموريتاني السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
حكومة منتخبة وموحدة
اللافت أن أمريكا تخلت في هذه العملية وفي سواها عن الأقنعة، وباتت تدير اللعبة في ليبيا بنفسها، بعدما انسحبت منها في 2012 إثر مصرع سفيرها في مدينة بنغازي. بهذا المعنى لم تعد واشنطن تتحرك من خلف الجدران، وإنما يطوف سفيرها وموفدها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند على الزعماء والوجهاء كي يُناقش معهم السياسة والاقتصاد. وأفاد بيان للخارجية الأمريكية أن نورلاند ركز الاجتماعات التي عقدها على دعم الولايات المتحدة «لتجاوز المرحلة الانتقالية في ليبيا إلى حكومة منتخبة وموحدة». أكثر من ذلك، تطرق الدبلوماسي الأمريكي إلى بعض الملفات الاقتصادية، التي تعتبر جزءا من الأمن القومي للبلد، إذ انتقد ما دعاها «المصالح الضيقة (التي) تستخدم قطاع النفط كسلاح وتتخذ قرارات أحادية الجانب تؤثر في إنفاق عائدات النفط الليبية» وهي إشارة واضحة إلى الجماعات التي تعطل الإنتاج في الحقول والموانئ النفطية.
وخلال هذه الزيارة، الأولى من نوعها لسفير أمريكي إلى طرابلس، منذ أكثر من عشر سنوات، لم يمض نورلاند سوى ليلة واحدة في العاصمة، اجتمع خلالها مع طيف واسع من الزعماء الليبيين، بشكل منفصل، من الدبيبة إلى المنفي إلى نجلاء المنقوش وصنع الله ورئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح. وحصد نورلاند نصرا دبلوماسيا مهما بالحصول على اتفاق بالتمديد للمستشارة وليامز، إلى شهرا آخر، ما يعني أن ملف ترشيح بوقادوم وُضع في الأدراج (مؤقتا؟). غير أن وليامز لم تعلق على مبادرة باشاغا فتح قنوات حوار مع قادة ميليشيات في طرابلس، لتمكين أعضاء حكومته من «مباشرة مهامهم من العاصمة» بدل المقر المؤقت الحالي في سرت. ويُثير هذا الموقف الكثير من الاستغراب والغضب لدى الليبيين، لأن تخليص البلد من قبضة الجماعات المسلحة يُوضع دوما في مقدم الشروط لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. ولم يكتف باشاغا بالتخلي عن هذا الهدف الأساسي، وإنما هو يطلب الدعم منها، ولا يُضيره أن يدخل طرابلس، إن وجد إليها سبيلا، محميا بحراب الميليشيات. أكثر من ذلك، اعترف باشاغا في حوار بثته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بأنه «يتفاوض مع مجموعة مسلحة أو اثنتين في طرابلس للانضمام إلى الحكومة والمشاركة (فيها)» ما يعني أنه يُمهد لتوزيرأمراء ميليشيات، وتمكينهم من وضع قدم ثابتة في أجهزة الدولة. وفي أيار/مايو الماضي غادر باشاغا طرابلس بعد اشتباكات مسلحة، إثر محاولة حكومته دخول العاصمة بالقوة لمباشرة مهامها.
طرق بديلة
وانتهت الخميس محادثات عقيلة والمشري التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف، من دون التوصل إلى اتفاق على إطار دستوري يتيح إجراء الانتخابات المقبلة، فيما أكدت وليامز في بيان عقب انتهاء الاجتماع أن المساعي الحميدة للمنظمة الدولية «ستظل متاحة لتقديم كل الدعم اللازم للتوصل إلى اتفاق متين يلبي تطلعات الشعب الليبي». وقالت وليامز للصحافيين إنها ستكتب تقريرا كاملا للأمين العام للأمم المتحدة، عن الإجراءات المتخذة وتوصياتها بشأن «الطرق البديلة» للمضي قدما في العملية السياسية. لكنها لم تُوضح ماهية «الطرق البديلة» والضمانات التي تؤكد أنها ستكون مختلفة عن المسار السابق. وفي المحصلة حدث تقدم في النقاط التي كانت محل خلاف بين وفدي المجلسين في حوارات جنيف، منها أن يكون أعضاء مجلس الشيوخ موزعين بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة، وأن يكون مقر مجلس النواب بمدينة بنغازي ومجلس الشيوخ بمدينة سبها. كما تم الاتفاق على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرسمي للتشريع، وأن تُراعى حقوق مكونات المجتمع الليبي كافة من دون تهميش، وأن يوزع الدخل بطريقة وآلية عادلتين. ويمكن القول إن العقبة التي عطلت التفاهم بين المُتحاورين لأكثر من ثلاثة أيام، تتعلق بحق حملة الجنسية الأجنبية في الترشح لرئاسة الدولة والمناصب السيادية، وتخص هذه المادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحمل الجنسيتين الليبية والأمريكية، وهو مُصرٌ على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي هذا الصدد اتفق الطرفان على إحالة الأمر للمجلسين للبت فيه. ومن المقرر استئناف الحوار في شأن النقاط العالقة بعد عيد الاضحى.
باشاغا يكشف تفاصيل المفاوضات مع المجموعات المسلحة في طرابلس

كشف رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، «اتصالات مع مجموعات مسلحة بالعاصمة طرابلس» لمباشرة حكومته مهامها من العاصمة، وأشار إلى أن الحكومة المكلفة «أتت للبناء والإصلاح والانتخابات.. وليست مسؤولة عن ملاحقة شخص، لكن المسؤول هو السلطات القضائية والنيابية».
وقال باشاغا في حوار لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «نتفاوض الآن مع مجموعة مسلحة أو مجموعتين في طرابلس للانضمام إلى الحكومة والمشاركة، وهم يعرفون أن الحكومة آتية آتية».
وأضاف رئيس الحكومة المكلف من النواب «طلبنا من قادة كتائب ونخب سياسية الانضمام لنا والمشاركة والاندماج»، واستدرك بالقول «لكن طريقنا يجب أن يكون طريق الدولة وليس طريق الميليشيات أو القوى الموازية أو الفساد».
ليبيا: مخاوف المجموعات المسلحة من الملاحقات
وبيّن باشاغا أنه «لمس لديهم مخاوف من الملاحقات»، وقال «لم نأت لتصفية حسابات، والحكومة ليست مسؤولة عن ملاحقة شخص، بل جاءت للبناء والإصلاح والانتخابات»، وأضاف «المسؤول هو السلطات القضائية والنيابية، ولا بد من المصالحة التي تشمل جبر الضرر والتعويض هو حق شخصي للأشخاص المتضررين».
وفي فبراير، منح مجلس النواب الليبي الثقة لرئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، لكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، شدد مرارا على أنه لن يسلّم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
واستبعد باشاغا دخول العاصمة طرابلس بالميليشيات المسلحة، وقال «نستخدم الطرق السلمية وفق الاتفاق السياسي الليبي، وسندخل طرابلس عندما تتهيأ الظروف الكاملة، وسلامة أهالي طرابلس أولوية».
ونوه إلى أن الحكومة المكلفة من مجلس النواب حظيت بموافقة البرلمان وأكثر من 62 عضو مجلس دولة، موضحا أن رئيس المجلس، خالد المشري، لا يؤيد حكومة الدبيبة واعتراضاته كانت على الحكومة الموسعة، وتراجع عن تأييد الحكومة المكلفة من مجلس النواب «نتيجة ضغوط داخلية وخارجية».
وفي مايو الماضي غادر باشاغا طرابلس بعد اشتباكات مسلحة إثر محاولة حكومته دخول العاصمة لمباشرة مهامها.
حوارات القاهرة عقيمة واحتمال اندلاع حرب أهلية مجددا غير مستبعد
رشيد خشـــانة – حذر مراقبون، بعد انتهاء ولاية الدبيبة، من احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا، بعد ما ظل البلد في حماية اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعود إلى العام 2020.
ترقب الليبيون يوم الحادي والعشرين من حزيران/يونيو الجاري، الذي وصلت فيه خريطة الطريق إلى نهايتها، بعدما كان «ملتقى الحوار السياسي الليبي» في تونس قد أقرها في تشرين الأول/نوفمبر من العام 2020 والتي تشكلت بناء عليها حكومة عبد الحميد الدبيبة. وهم يتطلعون إلى معرفة ما سيسفر عنه المستقبل السياسي للبلد، الذي ما زالت تلفه غلالة سميكة من الضباب. وما زاد المشهد غموضا وتعقيدا أن تلك النهاية تزامنت مع انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة الدبيبة من دون وجود بديل منتخب، فيما عجزت الحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا عن الدخول إلى العاصمة، كي يتسنى لوزرائها تسلُم حقائبهم الوزارية. وفي هذا المناخ المشحون اندلع قتال في حديقة عامة بقلب طرابلس بين جماعتين مسلحتين أسفر عن سقوط قتيل وعدة جرحى من المدنيين. ولهذا السبب حذر مراقبون، بعد انتهاء ولاية الدبيبة، من احتمال اندلاع حرب أهلية مجددا، بعدما ظل البلد في حماية اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعود إلى العام 2020. أكثر من ذلك، صُدم الليبيون بالتصريحات الأخيرة لعضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، التي كشف من خلالها النقاب عن عبثية الحوارات التي تجري في القاهرة. وقال قزيط في تصريحات صحافية إن ما أشيع ويشاع عن الوصول إلى توافق بين الأطراف الليبية، في أعقاب اجتماع في القاهرة بين رئيسي مجلس الدولة ومجلس النواب خالد المشري وعقيلة صالح هو «خداعٌ للرأي العام».
وبحسب قزيط تُشكل مسألة ترشيح العسكريين للانتخابات الرئاسية إحدى نقاط الخلاف البارزة، إضافة إلى استبعاد حاملي الجنسيات المزدوجة أيضا من الترشح. إلا أن قزيط يعتبر في الوقت نفسه، السماح بترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية اختبارا حقيقيا لمدى التوافق بين الأجسام الليبية، خصوصا أن الأطراف المتشاورة في القاهرة اتفقت على 200 مادة من مشروع الدستور، واختلفت على عدد قليل من المواد، لكنها موادٌ أساسية. ويومئ قزيط إلى الخلاف بين المشري وصالح، إذ يرفض الأول الاعتراف بحكومة باشاغا، فيما يرى الثاني في ذلك تجاهلا لدور مجلس النواب وقراراته. ومن الواضح أن إصرار عقيلة صالح على البند الذي يسمح للعسكريين بالترشح نابعٌ من رغبة حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر الجامحة بالترشح لأعلى منصب في الدولة.
وسط هذا الاضطراب، ومع تعثر الحوار في القاهرة، تحركت دول إقليمية لمحاولة التأثير المباشر في دفع المسار المُعطل، وأساسا المغرب، الذي دعا قادة أجسام عسكرية من المنطقة الغربية، إلى الاجتماع في ضاحية الصخيرات، بأمل المساعدة على الوصول إلى حل يُنهي التنازع على الشرعية بين الدبيبة وباشاغا، ويفتح الطريق لإجراء الانتخابات. والمغاربة عارفون بتفاصيل الملف الليبي ومطباته وألغامه، ولذا أقدموا على هذه المحاولة انطلاقا من تلك الخبرة، فدعوا إلى الصخيرات الوفد المؤلف من قادة التشكيلات العسكرية في العاصمة طرابلس ومدن غربية أخرى، واجتمعوا في اليوم نفسه الخميس الماضي، مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووفد عسكري من المنطقة الشرقية برئاسة أبو القاسم حفتر، أحد أبناء خليفة حفتر، وآمر جهاز الأمن المركزي عبد الغني الككلي، المشهور بلقب «غنيوة». ويعتمد المغاربة في هذه المهمة، التي تبدو عسيرة، على خبرتهم الطويلة بالملف الليبي، خصوصا بعدما لعبوا دورا رئيسا في الوصول إلى «اتفاق الصخيرات» (2015). وأنهى ذلك الاتفاق حربا أهلية استمرت سنوات، ووضع حدا للتنافس بين ثلاث حكومات على الشرعية، مع ميلاد حكومة فائز السراج، المعترف بها دوليا.
والأرجح أن الرباط تدرك أن السلك الكهربائي في ليبيا يوجد بين أيدي الجماعات المسلحة، التي صارت تتنطع أحيانا، فتبدو أقوى من مموليها. ولذلك فضل المغاربة تعبيد الطريق إلى الحل السياسي، بالاستماع إلى قادة تلك الميليشيات وإيجاد حلول تضمن مصيرهم في مرحلة السلم. وربما من المتوقع أن يسعى أولئك القائمون على الجماعات المسلحة إلى نسف أي اتفاق يُعيد السلام الحقيقي إلى البلد، لكونهم الخاسرين الأوائل من انتهاء الصراع الأهلي.
تقرير سويسري
وأظهر تقرير لصحيفة «لوتون» (الزمان) السويسرية أن النخب العسكرية في ليبيا زادت ثراء في ظل الفوضى العارمة. وذكرت كاتبة التقرير الباحثة آريان لافريو أن القيادات العسكرية هي التي استفادت من الأوضاع غير المستقرة منذ 2011 بينما ازدادت نسبة الفقر لدى عموم السكان، في ظل تفاقم الفساد والبطالة وتراجع قيمة العملة الليبية. ووصفت لافريو البنية التحتية للخدمات في ليبيا بالمتداعية، خصوصا قطاع الكهرباء، الذي تعرض للإهمال على مدى عقد كامل، بالإضافة إلى وجود أزمة اقتصادية رفعت نسبة التضخم بـ4 في المئة، على الرغم من امتلاك ليبيا أكبر احتياطي من النفط في القارة الأفريقية. ويُعتقد أن غالبية تلك الأجسام العسكرية، التي تحمي رئيس الحكومة الدبيبة وأعضاءها، تتقاضى رواتبها من الحكومة. وأفاد القائد العسكري للمنطقة الغربية الرائد صلاح الدين النمروش أن ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلح يأتمرون بأوامره، مؤكدا أن أربع مواجهات عسكرية على الأقل، حدثت منذ بداية الشهر الماضي، ولم يستبعد أن يتجدد القتال. وأظهر تسجيل بواسطة الفيديو رئيس الحكومة الدبيبة وهو يعطي الأوامر بالهاتف، لقيادة السرية 444 بـ«إسكات المدافع بكل الوسائل (في العاصمة طرابلس)». وكان سكان العاصمة عاشوا ليالي طويلة من الترويع بعدما أطلق اللواء خليفة حفتر هجوما شاملا للاستيلاء على طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان العام 2019. ولولا الدعم العسكري الذي أرسل إلى الحكومة المعترف بها دوليا من الدولة التركية، والذي قلب الموازين العسكرية، لما اضطر حفتر إلى سحب قواته من ضواحي طرابلس.
مبادرة أفريقية مُجهضة
ودخل الاتحاد الأفريقي على خط الأزمة الليبية، بعد صمت مديد، من خلال الجولة التي قام بها وفد من الاتحاد بقيادة وزير خارجية جمهورية الكونغو (برازافيل) جان كلود جاكوسو. وقال الوفد إنه قدم، خلال زيارتيه لطرابلس وبنغازي، تصورا لإقامة مؤتمر جامع برعاية الاتحاد الأفريقي، يضم كافة الأطراف الليبية ويصل إلى عملية انتخابية تنبثق منها سلطات جديدة. ونقل البيان نفسه عن جاكوسو قوله إن زيارته على رأس الوفد جاءت بناء على قرار دولي وقرار أفريقي تم اتخاذهما في مؤتمر برلين، وبالاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة، يقضيان بأن المصالحة الوطنية موكلة إلى الاتحاد الأفريقي، وأن «الملف الليبي مطروح على أعلى مستوى في رئاسة التكتل».
وأكد جاكوسو أن التكتل «يعمل منذ سنوات من أجل اجتياز الشعب الليبي لهذه المحنة» معتبرا أن «المصالحة الوطنية هي الحل الوحيد للخروج من كل الأزمات التي تمر بها ليبيا». غير أن المبادرة شكلت مثارا لخلاف كبير مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، التي غضبت من زيارة الوفد الأفريقي إلى مدينة بنغازي، خصوصا بعد تصريحات منسوبة لجاكوسو يُشيد فيها بدور الجيش الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في محاربة الإرهاب، معتبرا أنه يشكل «العمود الفقري لتحقيق الأمن والاستقرار». وأتى هذا الموقف غداة بيان أصدرته لجنة الخارجية بالبرلمان الليبي (شرق) استنكرت فيه زيارة جاكوسو، للعاصمة طرابلس على رأس الوفد الأفريقي، ولقاءه أعضاء حكومة الوحدة الوطنية. وأعربت اللجنة البرلمانية في بيانها، عن بالغ استياء البرلمان من موقف تكتل القارة السمراء، معتبرة في ذلك «انتهاكا سافرا لمواثيق الاتحاد وأبرزها احترام سيادة الدول الأعضاء والأعراف الديمقراطية». وتفاعلا مع استياء البرلمان، قال جاكوسو خلال زيارته إلى مدينة بنغازي، إن «شرعية الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا لا غبار عليها» ما أعطى نتائج معاكسة لأهداف المبادرة، التي خطط لها الاتحاد الأفريقي، إلا أنها انتكست منذ بداياتها.
الأحزاب والمصالحة
من هذه الزاوية ربما يمكن اعتبار المبادرة التي أقدمت على اتخاذها مجموعة من الأحزاب الليبية، بالدعوة إلى مصالحة وطنية وجمع الفرقاء تحت مظلة المجلس الرئاسي، أقرب إلى الواقع وأوفر فرصا للنجاح، وإن كان حجم الأحزاب الليبية لا يبعد عن وزن الريشة. وأكد رؤساء عدد من الأحزاب «تأييدهم الكامل لخطوات المجلس الرئاسي لتحقيق مشروع المصالحة الوطنية وجمع الفرقاء ولمّ شمل الليبيين» معتبرين أن المجلس يمثل وحدة التراب الليبي. وأتى ذلك خلال لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعدد من رؤساء الأحزاب في طرابلس لبحث مستجدات الأوضاع السياسية في البلد، إضافة إلى مناقشة سبل حلحلة بعض الإشكالات الراهنة، وخاصة السياسية والأمنية منها، بتقديم مقترحات من شأنها أن تُساهم في السير نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.
وأكد المنفي استعداد المجلس الرئاسي لتبني كل المقترحات التي تساهم في معالجة الانسداد السياسي في ليبيا، و«تقريب وجهات النظر بين جميع أطراف العملية السياسية، للوصول إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الآجال». ولو تبنى المنفي ومعه عضوا المجلس الآخران، هذه المبادرة ستكون لها، ربما، نتائج ومخرجات تُقرب المسافة بين أطراف الأزمة، لكن من دون إشراك الأحزاب فيها مباشرة. بالمقابل يملك المجتمع المدني في ليبيا وزنا أكبر من وزن الأحزاب، بالرغم من سياسة التضييق المُمنهجة التي سلكتها الحكومات المتتالية والأجسام العسكرية في تعاطيها مع مكونات المجتمع المدني. أكثر من ذلك دفعت الجمعيات والروابط والنقابات والشخصيات المستقلة ثمنا باهظا لحماية مربعات الحرية الأخيرة قبل إسكات الأصوات المخالفة، بالخطف والسجن وحتى بالتصفية الجسدية، مثل اختطاف النائب سهام سيرغيوة من أحد الشوارع الرئيسة لبنغازي، التي يتحكم فيها أبناء اللواء حفتر.
كما يُعزى وهن مكونات المجتمع المدني في ليبيا إلى انتشار الأفكار المعادية لأي تنظيم عصري للمجتمع واللجوء في كثير من الأحيان، إلى البنى القبلية بوصفها وسيلة للحكم. وساهم تغييب الدولة سواء في خطاب القذافي أو في ممارساته (مثل إقامة خيمته الشهيرة في حديقة قصر الإيليزيه) في تهميش تلك المكونات، إلى درجة أن بعض الباحثين، أسوة بليزا أندرسون، يجزمون بأن الدولة لم توجد في ليبيا قبل 2011 وكذلك المجتمع المدني، باعتباره مرآة عاكسة للدولة على ما قالت. وعلى خلاف الانتفاضات في تونس ومصر واليمن وحتى في سوريا، فإن التمرد على السلطات في ليبيا ارتدى سريعا طابعا عسكريا قويا، وأفسح المجال للقوى الغربية والشرقية، للتدخل المباشر في الحرب الأهلية. ولم تتوفق القوى الليبية المتمسكة بما تبقى من سيادة واستقلال قرار، من إيصال صوتها والتأثير إيجابا في مسارات الحل السلمي.
الأمم المتحدة توجه رسالة إلى القادة الليبيين بشأن تاريخ «22 يونيو»

حثت الأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، القادة الليبيين على الامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو كأداة للتلاعب السياسي، في إشارة إلى موعد انتهاء المرحلة الانتقالية الذي حدده ملتقى الحوار الوطني الليبي في جنيف.
وقال نائب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق في إحاطة رسمية «تأسف الأمم المتحدة لأن العديد من المعالم البارزة في خارطة الطريق السياسية لمنتدى الحوار السياسي الليبي، التي جرى تبنيها في تونس في نوفمبر 2020، قد ضاعت على مدار العام 2021، بما في ذلك إجراء الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021».
وأضاف «لقد حددت خارطة الطريق انتهاء المرحلة الانتقالية في 22 يونيو بشرط إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول هذا الوقت، وهو ما لم يحدث»، واستطرد قائلًا «نحث القادة الليبيين على الامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو كأداة للتلاعب السياسي. وبدلًا من ذلك، نشجعهم على مضاعفة جهودهم للحفاظ على الهدوء والاستقرار في هذا المنعطف الحرج في التحول السياسي في ليبيا».
العودة للعملية الانتخابية أولوية أممية في ليبيا
واختتم حق بالقول «تظل أولوية الأمم المتحدة في ليبيا هي تسهيل العودة إلى العملية الانتخابية، بناءً على أساس دستوري وقانوني سليم وتوافقي للانتخابات»، مضيفًا «لا تزال الأمم المتحدة على قناعة راسخة بأن الانتخابات هي السبيل الوحيد لمعالجة وتجديد الشرعية الديمقراطية لجميع المؤسسات الليبية».
ويوم الأربعاء، علقت الأمم المتحدة على نتائج اجتماعات لجنة المسار الدستوري المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، معربة عن «خيبة أملها لفشل الأطراف الليبية في التوصل إلى اتفاق من أجل شعبهم». ودعا دوغاريك، القادة الليبيين إلى وضع مصالح الشعب الليبي أولًا وقبل كل شيء على رأس جدول أعمالهم.
واختُتمت الجولة الأخيرة للجنة المسار الدستوري، يوم الإثنين الماضي، في العاصمة المصرية القاهرة، حيث أعلنت وليامز إحراز توافق في الكثير من المواد، لكن «الخلافات ظلت قائمة بشأن التدابير المنظمة للمرحلة الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات». ودعت وليامز، رئاستي المجلسين إلى اجتماع خلال عشرة أيام في مكان يتفق عليه «لتجاوز النقاط العالقة»، مشيرة إلى أن الشعب الليبي «يستحق المزيد من قيادته، وإعادة الاستقرار إلى البلاد عبر انتخابات وطنية شاملة وشفافة في أقرب تاريخ ممكن، بما يلبي تطلعات نحو ثلاثة ملايين ليبي سجلوا للتصويت في الانتخابات».
ليبيا: هل يأتي الحل السياسي على أيدي العسكر؟
رشيد خشـــانة – رئيس المفوضية العليا للانتخابات حذر من أن تأخير استلام التشريعات الانتخابية بعد تموز/يوليو المقبل يعني أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في 2022.
انتهت الاجتماعات التشاورية الثلاثة في القاهرة، من دون تحقيق اختراق نوعي في المناقشات الجارية منذ أشهر في شأن الإطار الدستوري لنقل البلاد إلى انتخابات حرة، يرضى الجميع بمخرجاتها. ولجأت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز إلى محاولة فتح طريق موازية بدعوة كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى اجتماع في القاهرة، بُغية تذليل بعض الصعوبات، التي عرقلت تقدم المشاورات في الاجتماعات الثلاثة الأخيرة. لكن الواضح أن مثل هذا الاجتماع، أسوة بسابقيه، لن يُسفر عن جديد في حل الأزمة، لأنهما ليسا الرجلين اللذين يمسكان بالسلك الكهربائي، ولذلك وُصفت اجتماعاتهما بأنها «تشاورية». وأفيد أن المناقشات فيها تمحورت حول التعاطي مع المواد الخلافية في مشروع الدستور، وخاصة منها شروط الترشح لرئاسة الدولة، بالإضافة إلى منع العسكريين من الترشح لأي موقع سياسي.
ومع ابتعاد أمريكا (مؤقتا؟) عن أزمات المنطقة، بحكم انشغالها بمضاعفات الحرب الأوكرانية، دخلت إيطاليا على خط الأزمة الليبية، لمحاولة التقريب بين الفرقاء المتصارعين. وكانت روما لا تُخفي تأييدها لأحد الشقين المتصارعين، إذ ساعد الإيطاليون مدينة مصراتة (شمال الوسط) التي قادت حرب إخراج الجماعات الإرهابية من مدينة سرت العام 2016 وفي مقدمها تنظيم «داعش». وأرسلت روما مستشفى ميدانيا مجهزا إلى مصراتة، إلى جانب قوة عسكرية لتأمين المستشفى، لا يقل عدد أفرادها عن 200 جندي، في إطار عملية «أبقراط». ولوحظ أن قائد العمليات المشتركة لأركان الدفاع الإيطالية الجنرال فرانشيسكو باولو فيليولو، أدى زيارة الخميس إلى مصراتة، للاطلاع على عمل فرقة أبقراط الطبية.
ويرى الإيطاليون، الذين خاضوا منافسة شرسة مع فرنسا على النفوذ في ليبيا، أن التسوية في هذا البلد ينبغي أن تنهض على أساس توافق سياسي واسع يضمن للبلاد حكومة يمكن أن تقود الشعب إلى التصويت في الانتخابات. وكانت أمريكا انسحبت مؤقتا من ليبيا بعد مقتل سفيرها كريس ستيفنس، وثلاثة أمريكيين آخرين، عام 2012 وصارت تعتمد على إيطاليا، التي اعتبرتها الأقرب إلى مواقفها في الملف الليبي. وربما شكلت تلك الوكالة أحد مصادر الانزعاج الفرنسي من الدور الإيطالي، إذ تعثرت عدة اجتماعات لحل الأزمة في ليبيا، جراء المناكفات العلنية بين باريس وروما. وفي مواجهة الأصوات التي ترفض إجراء «المصالحة الوطنية» في ليبيا، حضت سيريني على تشكيل «حكومة مستقرة وشرعية بالكامل» ما يمكن اعتباره استنقاصا من حكومة فتحي باشاغا المنبثقة من مجلس النواب.
ويمتد السباق الفرنسي الإيطالي إلى المجال الاقتصادي من خلال المنافسة القوية بين مجموعة «إيني» الإيطالية ومجموعة «توتال» الفرنسية، اللتين تستأثران بتشغيل عدد كبير من الحقول والموانئ النفطية في ليبيا. وانطلق الخميس أضخم مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية تنفذه «إيني» في منطقة السدادة، بقدرة إنتاجية تصل إلى 500 ميغاويت. من هنا وجد خصوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن الخاصرة الرخوة للحكومة ما زالت هي منابع النفط، ولذلك تعددت في الفترة الأخيرة عمليات غلق الحقول النفطية لإرباك الحكومة وتعجيزها بتجفيف مُحرك الاقتصاد، الذي يُؤمن أكثر من 98 في المئة من الايرادات العامة. وشكلت تصريحات وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة محمد عون صدمة لكثير من الليبيين الذين سمعوا من الوزير أن منتوج بلدهم من النفط انخفض بنحو 1.1 مليون برميل في اليوم، فبعدما كان متوسطه يبلغ 1.2 مليون برميل العام الماضي، باتت ليبيا تضخ حوالي 100 ألف برميل يوميا فقط. أكثر من ذلك كشف عون، في تصريحات لوكالة «بلومبرغ» الأمريكية، أن كل أنشطة النفط والغاز تقريبا في المنطقة الشرقية متوقفة. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن عمليات الإغلاق المستمرة تبدو ظاهريًا من عمل محتجين محليين يطالبون الدبيبة بتسليم السلطة، بناء على طلب قوات القيادة العامة (تابعة للواء خليفة حفتر). لكنهم ينفذون في الواقع خطة للسيطرة على العاصمة طرابلس إن سلما أم حربا.
في السياق حذر خبراء اقتصاديون من خطر نشوب صراع أوسع نطاقا، قد يُعيد البلد سنوات إلى الوراء. ورأى كبير الاقتصاديين في «أكسفورد إيكونوميكس أفريكا» فرانسوا كونرادي أنه حتى لو لم يكن هناك تصعيد للصراع، فإن صناعة النفط ستظل فريسة لتدخل رجال أقوياء. وأشار التقرير إلى أن حصار المنشآت النفطية يعود إلى التنافس السياسي، إذ يسعى رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا للسيطرة على السلطة، في وقت رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة التسليم، مُعتبرا أن المنشآت النفطية باتت منذ العام 2011 أوراقا للمساومات السياسية. ويمكن القول إن العلاقات الإيطالية الفرنسية تحسنت في الفترة الأخيرة، لكن أحد الاختلافات الكبرى بين الدبلوماسيتين يتمثل بتمسُك روما بالأمم المتحدة إطارا ضامنا لأي اتفاق سياسي في ليبيا. ولذلك أسمع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في روما قبل أيام أن إيطاليا تؤكد الحاجة إلى تسوية على أساس توافق سياسي واسع، يضمن للبلاد حكومة يمكن أن تقود الشعب الليبي إلى التصويت. ويرى الإيطاليون أن هذا الحل يقوم على إجراء مصالحة وطنية وتوحيد المؤسسات وإيجاد سلطة تنفيذية ومستقرة ومُكتملة الشرعية. وعلى العكس من ذلك يلعب الفرنسيون في مسارات موازية تلتف على الأمم المتحدة ومؤسساتها، بدعوة الزعماء الليبيين إلى باريس لعقد مصالحات سرعان ما يتبخر مدادها. ومن رحم هذا الخلاف، الذي نزل أحيانا إلى مستوى تبادل الشتائم، برزت المبادرة الألمانية في مؤتمري برلين 1 وبرلين2 التي وضعت روزنامة دقيقة للحل السياسي. غير أن استفحال الخلافات بين الليبيين، خصوصا بعد تشكيل الحكومة الموازية، برئاسة فتحي باشاغا، الذي لا تربطه وشائج متينة بروما،عطل تنفيذ الروزنامة. والأرجح أن أحد عناصر التقارب بين روما وباريس في الملف الليبي، يتمثل بالتمدد الروسي في غرب أفريقيا ومنطقة الصحراء. ويُردد دبلوماسيون إيطاليون أن الوجود الروسي في ليبيا وسوريا والساحل الأفريقي هو أحد مصادر عدم استقرار الأوضاع في ليبيا والاقليم بشكل عام.
صدى الحرب الأوكرانية
وزاد تنامي المخاطر الأمنية من تعقيد الوضع الاقتصادي الذي تأثر إلى درجة كبيرة من ارتفاع أسعار القمح، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب تأثير الإغلاق الذي فرض منذ نيسان/ابريل الماضي على عدد من مصانع النفط، مثلما أسلفنا، ما جعلها غير قادرة على الاستفادة من الارتفاع العالمي لأسعار النفط، بحسب ما قال تقرير للموقع الإعلامي «ألمونيتور» المتابع للتطورات بمنطقة الشرق الأوسط. واستنادا إلى تقرير حديث للبنك الدولي، أدت ارتدادات الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا، بعدما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وخاصة أسعار الدقيق، بشكل ملحوظ. وتستورد ليبيا أكثر من نصف استهلاكها من الحبوب من أوكرانيا وروسيا. وفي تقدير سياسيين ليبيين لا يمكن علاج هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية إلا بإنهاء المراحل الانتقالية والوصول إلى الاستقرار. وشدد المجلس الرئاسي (مقره في العاصمة طرابلس) على أن الحل يكمن في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قاعدة دستورية، من أجل تحقيق السلام في البلد. لكن لسائل أن يسأل: هل أن العائق في طريق إجراء الانتخابات الموعودة فني أم سياسي؟
أجاب رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح على هذا السؤال المركزي، أثناء الإحاطة التي قدمها للنائبين بالمجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي، والتي شرح فيها عمل المفوضية، والتحديات التي واجهتها طيلة الأشهر الماضية، أثناء الإعداد للانتخابات. ويؤيد المجلس الرئاسي التعجيل بإنهاء المراحل الانتقالية، التي استمرت أكثر من اللزوم، مع دعمه للجهود التي بذلتها المفوضية في هذا الإطار، والوصول بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار، تحقيقًا لرغبة أكثر من مليونين وثمنمئة ألف ناخب سجلوا أسماءهم في سجلات المفوضية. واستطرادا فإن العائق ليس فنيا، بالنظر إلى أن المفوضية جاهزة وأن المجلس الرئاسي جدد ثقته بها، والتزامه بإجراء الانتخابات وفق قاعدة دستورية يتفق عليها الجميع. لكن رئيس المفوضية العليا للانتخابات حذر، في اجتماعه مع عضوي الرئاسي، من أن تأخير استلام التشريعات الانتخابية بعد تموز/يوليو المقبل يعني أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في 2022. وربط السايح في مقابلة صحافية بين الانتهاء من الاتفاق على المرجعية الدستورية، في الآجال المحددة وبين إجراء الاقتراع العام، مؤكدا أن المفوضية ستكون قادرة على تحديد موعد يوم الاقتراع في كانون الأول/ديسمبر، شريطة استلامها التشريعات الانتخابية التي تقرها القاعدة الدستورية، في الشهر المقبل.
في هذه الأثناء تم اجتماعٌ مهم جدا ذو طابع عسكري، في القاهرة، في إطار لجنة 5+5 التي تضم عسكريين من الجانبين، بمشاركة كل من رئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد، ورئيس الأركان العامة في المنطقة الشرقية الفريق عبد الرازق الناظوري. وأتى الاجتماع في سياق اختبار مهم تمثل في محاولتي رئيس الحكومة المعينة من مجلس النواب فتحي باشاغا اقتحام طرابلس، ثم تخليه عن ذلك المشروع، حرصا على عدم سفك الدم الليبي، على ما قال. وإذا ما تصرف العسكريون بهذه الذهنية اليوم، فمعنى ذلك أن هناك قرارا سياسيا في الاتجاه نفسه، خاصة عندما يتعرض العسكريون إلى مسائل سياسية من قبيل ضرورة عودة النازحين إلى مناطقهم ومدنهم. أكثر من ذلك، أكد الناظوري في اجتماع القاهرة على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج المرتزقة من ليبيا ودمج أعضاء المجموعات المسلحة، بحسب رغبتهم، في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية، «من أجل قيام دولة مدنية لا يُقصى فيها أحد». ولوحظ أن الطرفين اتفقا على عدم تسييس المؤسسة العسكرية ودعم الجهود لقيام الدولة المدنية، وبناء جيش قوي بعيدا عن كل التجاذبات السياسية. فهل تكون هذه المؤشرات أمارة على اقتراب الحل السياسي، بعدما أخفقت الحلول الأخرى؟
من روما.. المنقوش ونظيرها الإيطالي يدعمان جهود وليامز
أكدت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة نجلاء المنقوش ونظيرها الإيطالي لويجي دي مايو دعمهما لجهود المستشارة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز ومشاورات القاهرة للوصول إلى قاعدة دستورية، وإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن
وبحسب المكتب الإعلامي للخارجية فقد أعرب دي مايو عن دعم بلاده الكامل لاستقرار ليبيا، وذلك في لقاء ثنائي بالعاصمة الإيطالية في روما بحثا خلاله آخر التطورات السياسية في ليبيا والمنطقة، والتعاون المشترك بين البلدين في ملف مكافحة الهجرة وعدد من القضايا الأخرى.
ليبيا: طرابلس تحت وطأة التوتر والتعبئة العسكرية من أطراف مختلفة
رشيد خشــانة – الأجواء الأمنية على الميدان لا تبشر بخير، فالعاصمة طرابلس وعدة مدن أخرى تعيش تحت وطأة التوتر والتعبئة العسكرية من أطراف مختلفة.
كثفت كل من مصر والمغرب جهودهما، للوساطة بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب فتحي باشاغا. وأفادت مصادر مطلعة أن المغرب استضاف في الأيام الأخيرة اجتماعا مشتركا بين قادة عسكريين وسياسيين من المنطقتين الغربية والشرقية، شارك فيها بلقاسم وصدام نجلا خليفة حفتر، بالإضافة لمسؤولين أمنيين وعسكريين من طرابلس ومصراتة والزاوية، وهي المدن الرئيسة الثلاث في الغرب الليبي. وهذا هو الاجتماع الثاني بعد الأول الذي عقد بمدينة مونترو السويسرية يومي 13 و14 أيار/مايو الماضي، بترتيب من «مركز الحوار الإنساني في جنيف» لبحث مستقبل العملية السياسية في ليبيا. إلا أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قال إنه لم يكلف أحدا بالحضور نيابة عنه في اجتماع «مركز الحوار الإنساني» وهو جمعية أهلية سويسرية متخصصة بالوساطة السياسية.
وفي خطوة متزامنة بحثت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، مع عقيلة صالح خطط الجولة المقبلة والأخيرة من محادثات اللجنة المشتركة لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في القاهرة الأسبوع المقبل، والرامية إلى الانتهاء من «وضع الإطار الدستوري اللازم لنقل البلاد إلى انتخابات وطنية شاملة، في أقرب وقت ممكن». وقالت وليامز إن اللقاء كان فرصة لإطلاع صالح على سلسلة الاجتماعات التي عُقدت أخيرا في تونس، بما في ذلك اجتماعات مجموعة العمل الأمنية الدولية بشأن ليبيا. وكان المشاركون في اجتماع مونترو قبل نحو شهر، اتفقوا على عقد اجتماع في المغرب، فيما يُرجح عقد جولة ثانية موسعة من اجتماع مونترو، في حضور الأحزاب السياسية وليس «الأحزاب العسكرية» فقط، بعد الاجتماع الأخير في المغرب. غير أن الأجواء الأمنية على الميدان لا تبشر بخير، فالعاصمة طرابلس وعدة مدن أخرى تعيش تحت وطأة التوتر والتعبئة العسكرية من أطراف مختلفة. وأبصرت شوارع طرابلس وضواحيها، ليل الخميس الماضي، انتشارًا لدوريات تابعة لإدارة إنفاذ القانون، بالإدارة العامة للعمليات الأمنية. وبثت صفحة إدارة إنفاذ القانون على «فيسبوك» صورًا أظهرت انتشارا للدوريات الأمنية في بعض شوارع طرابلس، وإنشاء تمركزات وبوابات أمنية، من أجل «فرض الأمن والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة» على ما قالت مصادر أمنية.
يأتي ذلك وسط تعدُد المبادرات من قوى دولية وإقليمية تسعى لأن يكون لها دور في الصف الأمامي في المرحلة المقبلة، ومنها المغرب الذي جمع فرقاء سياسيين وعسكريين من المنطقتين الغربية (خالد المشري) والشرقية (عقيلة صالح) ثلاث مرات منذ ايار/مايو الماضي، في خط مُواز لمسار برلين. ومن تلك القوى أيضا فرنسا التي استقبلت وفدًا ليبيًا مؤلفا من 11 شخصًا، لحضهم على إقامة مؤتمر موضوعه الرئيس اقتراح اتحاد فدرالي يضم أقاليم طرابلس وبرقة وفزان. وزعم التقرير الذي أورد الخبر أن هذه المبادرة يقودها سفير ليبيا السابق في باريس منصور سيف النصر ورئيس الوزراء الأسبق علي زيدان. غير أن الأخير نفى بشدة تلك المعلومات، التي نشرها موقع «موند أفريك» الاستخباري الفرنسي، مؤكدا تمسكه بوحدة ليبيا بأقاليمها الثلاثة، ومُعتبرا أنها «ليست موضوعًا للمساومة أو الصفقات السياسية».
حكومة الاستمرار؟
والأرجح أن الوضع سيبقى قابلا للانفجار في أية لحظة، وسط تعثر المسار السياسي والحرب الكلامية الدائرة بين الحكومتين الغريمتين. وطالما أن ملامح الروزنامة الانتخابية لم تتبلور بعدُ، بالرغم من كثافة المشاورات في هذا الشأن، سيستمرُ عبد الحميد الدبيبة بالجلوس على سدة رئاسة الحكومة، وتتحول حكومته الانتقالية إلى «حكومة الاستمرار». لكن رئيس «معهد البحث والأمن في أوروبا» إيمانويل دوبوي، يرى أنه يمكن أن يتكرر سيناريو استحواذ فائز السراج على السلطة، بدعم من المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز. ويُعتبر الدبيبة أحد الأرقام الأساسية في معادلة الحرب والسلم الليبية حاليا، فهو مدعوم من تركيا ومن أجسام مسلحة في مصراتة، كما أنه يحظى ببعض الشعبية لدى الطرابلسيين. وتُعتبر الاجتماعات التي عقدت في تونس الثلاثاء الماضي مهمة إذ حضرها دبلوماسيون من ثلاثة بلدان غربية أعضاء في مجلس الأمن، وهي فرنسا وبريطانيا وأمريكا، إضافة إلى إيطاليا وألمانيا اللتين تعتبران من الدول الأكثر تأثيرا في الملف الليبي. ومن جانب الدول الإقليمية لوحظت مشاركة كل من تركيا ومصر، وهما الدولتان الرئيسيتان اللتان تقودان الجبهتين المتعارضتين في ليبيا، إذ تدعم أنقرة والجزائر حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة الدبيبة، فيما تدعم القاهرة وموسكو باشاغا، الذي كلفه مجلس النواب بتشكيل حكومة في فبراير/شباط الماضي، واختارت مقرا مؤقتا لها في مدينة سرت (شمال).
وتحضيرا لإنجاح الاجتماع المُقرر للأسبوع المقبل في القاهرة، من أجل وضع الاطار الدستوري اللازم لإجراء انتخابات حرة وشفافة، في أقرب وقت ممكن، اجتمعت المستشارة وليامز مع عدة شخصيات من أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وممثلين عن المجتمع الدولي، ممن أعربوا عن دعمهم لاستكمال العمل على المسار الدستوري. وحسب مصادر مطلعة تحقق توافق مبدئي على 137 مادة من مسودة الدستور، وهو ما يُشكل قرابة 70 في المئة من مواد الوثيقة. وكانت وليامز أعلنت الشهر الماضي، تحقيق توافق على الباب الثاني من المسودة، المعني بالحقوق والحريات، إضافة إلى البابين الخاصين بالسلطتين التشريعية والقضائية، «عدا عدد قليل من المواد لا يتعدّى أصابع اليد الواحدة» حسب ما صرحت به وليامز. غير أن التوافق على مواد الدستور لا يُحتسب بعدد البنود التي حظيت بالاتفاق عليها، وإنما بمدى الالتقاء في المسائل الحساسة، التي من ضمنها الدين والدولة وطبيعة النظام السياسي واللغة الوطنية وشروط الترشيح للرئاسة. ولذا فإن الاتفاق على 137 مادة لا يعني أنه لا توجد خلافات على مسائل جوهرية خارج المواد المُتفق عليها.
تضليل إعلامي
وفي السياق أكد رئيس لجنة التواصل بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المحامي ضو المنصوري عون، أنه يرفض محاولات سن دستور جديد، مُشككا بنوايا مجلس النواب، ومُلوحا باللجوء إلى القضاء الدولي. وانتقد المنصوري في تصريح لـ«بوابة الوسط» الليبية، اجتماعات المسار الدستوري، التي تجري في القاهرة، عبر لجنة مشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مُعتبرا أن أعضاء مجلس الدولة لا يريدون سوى إقرار القاعدة الدستورية للانتخابات، بينما مجلس النواب يسعى إلى إنقاذ التعديل الدستوري الثاني عشر، ونسف إرادة الشعب الليبي الذي انتخب هيئة تأسيسية لصياغة مشروع الدستور، واستكملت اللجنة إنجازه في 29 تموز/يوليو 2017. كما اتهم المنصوري لجنة مجلسي النواب والدولة بـ«تزوير الحقائق والتضليل الإعلامي للتغطية على الهدف الرئيس لهما، وهو إطالة عمرهما في منصات التسلط على رقاب الليبيين». ويُعتبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من أشد المدافعين عن إعداد دستور جديد، ومن ثم الاستفتاء عليه. واستطاعت مصر، باستضافتها اجتماعات لجنة المجلسين في القاهرة، التأثير في أعمالها، خاصة أن المنصوري كشف تلك الأجواء، مؤكدا أن أعضاء مجلس الدولة يشاركون في صياغة مشروع الدستور مادة مادة، متجاهلين حصاد العمل الذي أنجزته الهيأة التأسيسية. ولوح المنصوري في حواره باللجوء إلى القضاء الدولي، من خلال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أو محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، من أجل «إظهار الزيف الذي تزعمُهُ بعثة الأمم المتحدة والحكومات التي تسيطر على المشهد السياسي».
ومنذ العام 2017 استكملت لجنة كتابة الدستور أعمالها، استعدادا للاستفتاء على الوثيقة التي أعدتها «لجنة الستين» نسبة لعدد أعضائها. وقاطع ممثلو الأقليات مداولاتها، وهم الطوارق والتبو والأمازيغ، وقد أسند لكل مُكون منهم مقعدان في اللجنة. غير أن المشروع أثار صراعا بين المحافظين والمُجددين، مثلما أحدثت الدساتير السابقة شروخا في أجساد النخب، اعتبارا من الدستور الأول، وهو دستور الجمهورية الطرابلسية في العام 1920 وكذلك القانون الأساسي لإقليم برقة (شرق) في الفترة نفسها، قبل صدور دستور ليبيا الموحدة في العام 1952. ويُلفت الباحث في الشأن الدستوري الليبي الدكتور عبد المجيد الجمل الانتباه إلى خصوصيات التطور الدستوري في ليبيا، والدور المهم للقوى الدولية في سن تلك الدساتير، مُستدلا بالقرار الصادر عن الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 1949 إذ تم انجاز الدستور تطبيقا له في ديسمبر/كانون الأول العام 1952 أي بعد قرابة ثلاث سنوات.
هشاشة الدولة
تعيش ليبيا في ظل الإعلان الدستوري، الذي أعده المجلس الوطني الانتقالي، بعد الثورة، بدعم من الأمم المتحدة. لكنها ما فتئت تتوغل في أوحال أخطر أزمة عرفتها منذ الاستقلال، جراء انقسامها إلى منطقتين شرقية وغربية، تتنازع السلطات فيهما حكومتان، تعتبر كل واحدة منهما نفسها الشرعية. وترافقت هذه الأزمة الشاملة مع تصدُع مؤسسات الدولة، لا بل وانهيارها في إقليم فزان (جنوب). وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريحات جديدة، أن الإرهاب أدى إلى تصعيد العنف في البلدان المتضررة من الصراعات، مثل ليبيا، وتقويض جهود السلام وإعاقة أهداف التنمية، وسط مزيد من عدم الاستقرار، مُحذرا من أن الجماعات الإرهابية، مثل تنظيمي القاعدة والدولة والجماعات التابعة لهما، تواصل التوسع في منطقة الساحل، وتشق طريقها في وسط وجنوب أفريقيا، مستغلة فراغ السلطة وهشاشة الدول. وشدد غوتيريش على أن المؤسسات الضعيفة وعدم المساواة والفقر والجوع والظلم توفر كلها أرضا خصبة لتجنيد الإرهابيين والتطرف العنيف. وقد تكون هذه الأوضاع التي تزداد تعقيدا كل يوم، هي التي تدفع غوتيريش إلى ترشيح السفير الألماني الأسبق لدى ليبيا كريستيان بوك، لتولي منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للسلوفاكي المستقيل يان كوبتش. وسبق لبوك أن عمل مديرا لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الألمانية اعتبارا من 22 أيار/مايو العام الماضي، قبل تعيينه مبعوثًا خاصًا لألمانيا إلى ليبيا من قبل وزيرة الخارجية أنالينا بربوك. وتُعتبر موافقة واشنطن على المرشح الألماني، خطوة حاسمة بعدما سبق أن اعترض الأمريكيون على عدة مرشحين أفارقة، بينهم وزير الخارجية الجزائري الحالي رمطان العمامرة. والأرجح أن وليامز ستغادر منصبها في أواخر الشهر الجاري، بعدما لم تُثمر مبادرتها بتشكيل لجنة مشتركة من أعضاء المجلسين، لإزالة العقبات من طريق التسوية السلمية للصراع، ما استوجب التعجيل بتسمية مبعوث أممي خاص بالملف الليبي، للحيلولة دون انهيار الحل السياسي والعودة إلى الصراع المسلح. وإذا كان ستة موفدين أمميين خاصين إلى ليبيا أخفقوا في الوصول إلى حل مقبول من الجميع، فالأرجح أن نصيب الموفد السابع سيكون مثل أسلافه، لأن الحل الحقيقي يوجد بين أيادي الليبيين وليس بيد الأمم المتحدة.
مفاوضات في النيجر برعاية فرنسية تبحث رحيل المقاتلين السودانيين عن ليبيا
قالت صحيفة أخبار السودان، إن منظمة فرنسية تدعى Promediation تعقد مفاوضات في النيجر لبحث رحيل المقاتلين السودانيين التابعين لعدد من الفصائل السودانية عن ليبيا وإعادة إدماجهم.
ووأضافت الصحيفة أن منظمة Promediation نظمت بالتعاون مع مركز 4S ورشة العمل بالعاصمة النيجرية ميامي تحت عنوان “تحديات منطقة تمر بمرحلة انتقالية” لإعادة التشكيل الإقليمي لمنطقة شرق الساحل (ليبيا وتشاد والسودان والنيجر).
ووفق الصحيفة فقد شارك وفد حكومي من السودان برئاسة مدير الاستخبارات العسكرية اللواء محمد أحمد صبير في المفاوضات؛ حيث وافقت 7 فصائل من دارفور موجودة في الأراضي الليبية على الاندماج في تحالف واحد تحت اسم (المسار الديمقراطي)، بينما تحفظت الحركة التي يقودها عبد الله بنده على المشاركة بسبب خلافات داخلية ووجودها في ليبيا بمناطق تمركز مجموعات موقعة على اتفاق جوبا، بحسب الصحيفة.
وبحسب صحيفة أخبار السودانية، فإن انسحاب المقاتلين الأجانب جزئيا يعتمد على التقدم في عملية السلام والعملية السياسية في تشاد والسودان، وإذا لم يتم عملية إدارة عودة هؤلاء المقاتلين بعناية فقد يكون لهذه العملية تداعيات أمنية سلبية على هذين البلدين.
وأضاف مصدر بالمنظمة للصحيفة أن هذه الورش تهدف إلى إيجاد استراتيجية شاملة لمعالجة رحيل المقاتلين الأجانب من ليبيا والتي ستشمل مختلف السلطات الليبية والحكومات المجاورة والجماعات المسلحة والجهات الراعية من المجتمع الدولي.
القسم الأكبر من ليبيا ما زال تحت سيطرة جماعات مسلحة
رشيد خشــانة – أمريكا مهتمة ليس فقط بمحاولة تطهير مناطق الجنوب الليبي من المسلحين وشبكات الإرهاب، وإنما أيضا بتقديم الدعم المباشر للقوات الليبية من أجل تطوير قدرتها على ضمان أمن الحدود.
أعطى التقرير السنوي لخبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، صورة قاتمة عن الأوضاع الأمنية والعسكرية في الجنوب الليبي. وأظهر التقرير الذي تم تقديمه مؤخرًا إلى مجلس الأمن، كثافة شحنات السلاح المتدفقة على الجماعات المسلحة، على الرغم من حظر الأسلحة الأممي المفروض على ليبيا منذ العام 2011. وشكل انهيار مؤسسات الدولة في الجنوب، في أعقاب الإطاحة بنظام معمر القذافي، فرصة للجماعات المسلحة لكي تسيطر على الحدود المشتركة مع كل من تشاد والنيجر. وأفاد التقرير السنوي في هذا المضمار، أن دولا أعضاء في الأمم المتحدة لم يُسمها تواصل انتهاك الحظر، مع إفلات تام من العقاب، بإرسالها أسلحة إلى ليبيا. والأخطر من ذلك أن التقرير يُؤكد أن القسم الأكبر من الأراضي الليبية ما زال تحت سيطرة جماعات مسلحة.
ويُعتبر استمرار وجود مقاتلين تشاديين وسودانيين وسوريين وشركات عسكرية خاصة تهديدا خطرا لأمن ليبيا والمنطقة. ويُشير التقرير الأممي لدى حديثه عن الشركات الخاصة، إلى المجموعة الأمنية الروسية الخاصة «فاغنر» المُقربة من الكرملين، والمتهمة بزرع ألغام في مناطق ليبية مدنية، من دون الاشارة إلى مواقعها.
وفي مبادرة نادرة أعلن مدير إدارة التوجيه المعنوي لقوات القيادة العامة، اللواء خالد المحجوب، الإثنين الماضي، عن عملية عسكرية برية، مدعومة بغطاء جوي، في جميع مناطق الجنوب الليبي، بعدما تحدث في وقت سابق عن فرار عناصر من تنظيم «داعش» في اتجاه حدود تشاد والنيجر، عقب استهدافهم من قبل قوات القيادة. كما أعلن المحجوب عن تنفيذ قوات القيادة العامة عملية عسكرية خاطفة، في اليوم التالي، قال إنها استهدفت عددا من عناصر تنظيم «داعش» لم يُحدده.
ومع أن المحجوب اعتبر ان العملية حققت الأهداف المرسومة لها، بفرار العناصر الإرهابية نحو تشاد والنيجر، لا توجد حتى الآن مؤشرات إلى احتمال انفراج الأزمة، واستطرادا لا شيء يضمن إحجام تلك الجماعات عن العودة إلى المنطقة، حيث تُدير أصنافا مختلفة من التهريب والتجارة غير الشرعية، من تجارة السلاح إلى المخدرات وانتهاء بالاتجار بالبشر. واللافت أن أمريكا مهتمة ليس فقط بمحاولة تطهير مناطق الجنوب الليبي من المسلحين وشبكات الإرهاب، وإنما أيضا بتقديم الدعم المباشر للقوات الليبية من أجل تطوير قدرتها على ضمان أمن الحدود، بحسب ما قال سفير الولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند. وأتى كلام نورلاند عن التعاون في تطوير أمن الحدود، بعد انتهاء ورشة تدريب على مكافحة التهريب جرت في تونس العاصمة، بمشاركة مجموعة تتألف من عشرين ضابطا ليبيا، من سلك الجمارك والجوازات ومكافحة الإرهاب، شاركوا في أعمال الورشة. ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه وزير الدفاع التشادي داود يحيى إبراهيم، أن نحو 100 شخص قتلوا في اشتباكات بين عمال مناجم الذهب جرت أخيرا في شمالي تشاد، قرب الحدود مع ليبيا، يومي 23 و24 الشهر الماضي.
وليست أمريكا هي الوحيدة التي تخشى من التداعيات السلبية للأزمة الليبية، في انتشار الجماعات المسلحة، على الحدود المشتركة مع كل من النيجر وتشاد، إذ يشكل هذا الانتشار مصدر انشغال كبير أيضا للدول الأوروبية والأمم المتحدة، التي أعدت قوة «مينوسما» بغية مطاردة عناصر الجماعات الإرهابية في المنطقة. ولئن اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سحب قواته، المرابطة في منطقة الساحل، منذ 2015، في إطار عملية «برخان»، فإن المستشار الألماني أولاف شولتز حرص، بعد فترة قصيرة من توليه المستشارية، على زيارة قواته المشاركة في «مينوسما» في إطار جولة قصيرة شملت النيجر والسينغال. وتتعرض النيجر إلى موجات كبيرة من النازحين من مالي المجاورة، كما أنها عرضة لضربات عسكرية من الارهابيين الآتين من بوركينا فاسو. لذا يرى خبراء أن انسحاب بعض مسلحي فاغنر من أفريقيا الوسطى ومن مالي لن يكون إلا مؤقتًا، ولا يعني أن روسيا تخلَّت عن تمددها في غرب إفريفيا وغيرها من المناطق الإفريقية، فالواقع أن روسيا وجدت لها موطئ قدم في العديد من الدول الإفريقية. وفي السياق رفضت محكمة تابعة للاتحاد الأوروبي مسعى من الثري الروسي المقرب من الكرملين يفغيني بريغوجين، الممول المفترض لشركة الأمن الروسية «فاغنر» لإلغاء عقوبات فرضت عليه على خلفية النزاع في ليبيا.
أدلة دقيقة
وكان بريغوجين، الذي يبلغ من العمر 61 عاما، طعن في قرار صدر في العام 2020 يقضي بتجميد أصوله في الاتحاد الأوروبي ومنعه من الحصول على تأشيرات دخول، على خلفية نشر مقاتلين من «فاغنر» في ليبيا. وقال بريغوجين إنه «لم يكن على علم بكيان يعرف بمجموعة فاغنر» واعتبر أن الاتحاد الأوروبي أخفق في تبرير القرار. غير أن «المحكمة العامة» التابعة للاتحاد الأوروبي رفضت طلبه وأكدت العقوبات المفروضة عليه. وقالت إن الكتلة قدمت «أدلة محددة ودقيقة ومتطابقة تظهر الروابط الوثيقة العديدة بين بريغوجين ومجموعة فاغنر».
كما فرض الاتحاد الأوروبي في نيسان/ابريل 2022 عقوبات على بريغوجين، المعروف بأنه من أكبر حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خلفية الحرب في أوكرانيا، وأدرجته الولايات المتحدة على قائمة سوداء لتدخُله في الانتخابات الأميركية. ويقول الاتحاد الأوروبي إن المجموعة انتهكت حظر أسلحة دولي على ليبيا وأن مقاتليها ينخرطون في عمليات عسكرية ضد السلطات المدعومة من الأمم المتحدة.
فراغ على الحدود
في السياق استطاعت عدة مجموعات من الميليشيات التشادية والسودانية، الاستفادة من الفراغ الأمني في إقليم فزان (جنوب) لتُوسع انتشارها في المنطقة، على الحدود المشتركة مع كل من تشاد والنيجر والسودان. وأطلقت أخيرا هجوما على منطقة غدوة التابعة لسبها، مُحدثة خسائر مادية وبشرية كبيرة.
وكانت فرصة للعسكر في مالي، بعد تدهور علاقة باماكو بباريس، للاستنجاد بمجموعة فاغنر الروسية، كي تحل محل الجيش الفرنسي. وكان لافتا أن انتهاك الحريات وحقوق الإنسان تزايد في أعقاب توسُع حضور عناصر «فاغنر». لكن لم تكن تلك العناصر هي المصدر الوحيد للتضييق على الحريات، فالنفوذ المتزايد للأجسام المسلحة في طرابلس جعلها تحل محل الدولة في التعاطي مع المبادرات الأهلية، فقد حذرت إحدى الميليشيات التابعة لرئيس الحكومة الدبيبة، من تنظيم الوقفات الاحتجاجية أو التظاهرات في طرابلس لمدة ثلاثين يوما قابلة للتمديد.
واستهدف هذا الإجراء التظاهرات الأهلية المُطالبة بالكهرباء والماء ومعالجة الجرحى وصرف الرواتب. والأخطر من ذلك أن تبرير تلك الإجراءات تم بتعلة «الخوف من زعزعة أمن العاصمة، واستخدام التظاهرات من قبل «المخربين لدغدغة مشاعر الناس».
التظاهر صار ممنوعا
أكثر من ذلك قالت الميليشيا إنها قامت بالتنسيق مع مديرية أمن طرابلس لمنع إعطاء أي تصاريح، مُتوعدة المخالفين بتعريض أنفسهم للمساءلة القانونية. بهذا المعنى تخلت الدولة عن إحدى وظائفها الأساسية، وهي حفظ النظام العام، لفائدة قوة غير نظامية لا تتقيد بالقانون، وهي غير مؤهلة أصلا لتطبيقه أو إعطاء الأوامر والتوجيهات.
في هذا الخضم المُتلاطم، حيث تلُفُ غلالة من الضباب مستقبل البلد، حاول رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب، الالتحاف برداء الشرعية، فعقد الاجتماع الأول لحكومته في مدينة سرت (شمال الوسط) بعد محاولتين فاشلتين للدخول إلى العاصمة. وحضر الاجتماع كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الحكومة باشاغا ووزير التخطيط والمالية أسامة حماد، ورئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عمر تنتوش، بالإضافة لوفد من مصرف ليبيا المركزي والأجهزة السيادية الأخرى. لكن شخصيتين أساسيتين لم تحضرا الاجتماع، وهما حاكم مصرف ليبيا المركزي صديق الكبير ورئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله.
غير أن مخرجات الاجتماع كانت هزيلة، إذ أن أقصى ما تستطيعه الأطراف المشاركة هو مطالبة المؤسسات القضائية والمالية والرقابية، التابعة لمجلس النواب، بالانضواء تحت جناح حكومة باشاغا، وإعلان ولائها لهذه الأخيرة.
ورأى مراقبون أن غياب صنع الله والكبير عن اجتماع سرت يبعث برسالة واضحة، مفادها عدم قبول الأخير تمويل الموازنة المقترحة، واستطرادا فتح الباب أمام فرضية إحداث انقسام في المؤسسة المالية، يعود بها إلى سنة 2014 لما كان المصرف المركزي منقسما إلى مؤسستين ماليتين واحدة في الشرق والثانية في الغرب. وفي النتيجة تعطل تصدير الخام من الموانئ والحقول النفطية، وسط تدهور البنية التحتية للقطاع، نتيجة تأخُر صرف الميزانية المخصصة للمؤسسة الوطنية للنفط.
وبعد إغلاق استمر منذ 17 نيسان/ابريل الماضي، تم الإعلان في أواخر ايار/مايو عن استئناف إنتاج النفط في الحقول الليبية التي تعرضت للحصار، علّها تعوض ما خسرته من نفط قُدر بـ 500 ألف برميل يومياً أو حوالى نصف ما كانت تنتجه. ومعلوم أن النفط هو مصدر الإيرادات الوحيد للدولة الريعية، ومع ذلك تكرر مشهد إغلاق الحقول ليكون صدى للأزمة السياسية المستمرة. وربما العنصر الإيجابي الوحيد في هذا المجال هو ارتفاع أسعار النفط، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إلى 120 دولارا للبرميل الواحد. ورأى خبراء نفطيون أن الصراعات الداخلية في ليبيا، معطوفة على تعذُر حصول القطاع على التمويل اللازم لإصلاح الآبار، تُكبدان البلد خسائر كبيرة. ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة أوبك لشهر مايو، بلغ إنتاج ليبيا قرابة 900 ألف برميل يوميا في نيسان/ابريل مقارنة بمليون برميل يوميا تقريباً في آذار/مارس. ويُكلفُ كل إقفال خسائر للقطاع تُقدر بما بين 50 إلى 60 مليون دولار يوميا عن كل يوم إقفال، بحسب خبراء «بلومبرغ».
ويزيد هذا الأمر من تفاقم الأوضاع المعيشية في شرق البلد وغربه على السواء. وأظهر استطلاع دولي أن نحو نصف السكان في ليبيا (45 في المئة) يعتمدون على المياه المعدنية بشكل أساسي، فيما تقتصر نسبة السكان الموصولين بشبكة الأنابيب العامة، التي تديرها الدولة، على ثلث السكان إذ أن 30 في المئة فقط من السكان موصولون بشبكة المياه.
وأظهر استطلاع أجرته منظمة «اليونسيف» و«منظمة العمل ضد الجوع» الفرنسية غير الحكومية، أن نصف المدارس في ليبيا لا يوجد فيها ماء، بينما بات الوصول إلى الصرف الصحي في المدارس «أمرًا مقلقًا للغاية». وجاء في الاستطلاع أن قرابة نصف العينة قالوا إنهم ينفقون نحو 69 دينارًا شهريًا على المياه المعبأة للشرب، في حين رأوا أن الشركة العامة للمياه والصرف الصحي مؤسسة «لا يمكن الوثوق بها في إدارة الصعوبات التي تعترض الأسر». بهذا المعنى يمكن إدراك المخاطر المترتبة على هشاشة أجهزة الدولة وتآكل ثقة الناس في السلطات الحاكمة.
والأرجح أن ليبيا ستبقى عالقة بين المنادين إلى وضع دستور جديد والداعين إلى الاشتغال على المشروع الذي أعدته «لجنة الستين» بإدخال التعديلات اللازمة عليه. ومن الواضح أن الليبيين سيبقون يدورون في حلقة مفرغة، من دون حسم، مع أن الأوضاع الأمنية سائرة نحو التدهور، وهو ما يستوجب مُغالبة عجلة الزمن، من أجل إنقاذ البلد من حرب أهلية جديدة.
صنع الله: مستمرون في التعاون مع “إيني” لزيادة معدلات إنتاج النفط
أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، استمرارهم في التعاون مع شركة إيني الإيطالية باعتبارها الشريك الإستراتيجي مع المؤسسة، لتحقيق خططها وتطلعاتها المستقبلية لتطوير قطاع النفط الليبي وزيادة معدلات الإنتاج.
جاء ذلك أثناء لقاء صنع الله مع مدير عام شركة إيني أنطونيو بولساري، بحثا خلاله تطوير الحقول النفطية والغازية المكتشفة وغير المطورة، ومتابعة سير الأعمال للمشغل شركة مليته.
وبحسب المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط، أوضح بولساري أن ّ إيني عازمة على الاستمرار في نشاطاتها الاستكشافية والتطويرية وفتح آفاق جديدة للاستثمار وبناء القدرات والتدريب، في ليبيا.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.