أعلن المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين والليبيين افتتاح مقر الخطوط التونسية بشارع هايتي في العاصمة طرابلس.
وقال المجلس الأعلى عبر صفحته على فيسبوك، إن افتتاح مقر الخطوط التونسية بشارع هاييتي بطرابلس جاء بعد توقف دام أكثر من7 سنوات.
وأشرف على افتتاح مقر الخطوط التونسية السفير التونسي أسعد العجيلي، والقنصل العام التونسي توفيق القاسمي، والمدير العام للشؤون التجارية للخطوط الجوية التونسية كريم قديش.
وأعرب الحاضرون عن فخرهم بهذا المولود الجديد مؤكدين ضرورة إبقاء الخط الجوي بين تونس و ليبيا و بقية الدول مستقرا.
ومن المتوقع افتتاح مقرات للخطوط بالمنطقتين بالجنوبية والشرقية، كذلك الإعلان عن افتتاح خط معيتيقة جربة اعتبارا من مطلع الشهر القادم، بحسب المدير الاقليمي لشركة الخطوط التونسية.
مع 298 ضحية خلال 3 أشهر.. تحذير أممي من استمرار خطر الألغام في ليبيا

حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة من استمرار خطر الألغام غير المتفجرة على الليبيين، والتي تصد عودة الراغبين النازحين إلى منازلهم، مشيرة إلى وقوع 298 ضحية جراء مخلفات الحرب.
وأدى الانخفاض في الأعمال العدائية داخل ليبيا إلى تراجع كبير في استخدام الأسلحة الثقيلة والذخائر المتفجرة وهو ما يعني عدم استمرار التلوث الجديد من المتفجرات الناجم عن الحرب، وفق ما أوضحت الأمم المتحدة في تقرير يرصد الوضعية الإنسانية للفترة ما بين يناير ومارس 2022.
وأشار التقرير إلى أن كميات كبيرة من التلوث بمخاطر المتفجرات لا يزال ساري المفعول، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية والأشراك الخداعية والعبوات الناسفة والذخائر المتفجرة المتروكة التي تراكمت أثناء حصار طرابلس، وكذلك خلال النزاعات السابقة.
الألغام لا تزال عائقا أمام عودة النازحين
وقالت الهيئة الأممية إن خطر الألغام لا يزال يشكل تهديدا لحياة وسبل عيش أولئك الذين يعيشون في المناطق المجاورة لها، موضحة أنها تعمل كعائق أمام عودة السكان النازحين، لا سيما في جنوب طرابلس.
– «هيومن رايتس» تدعو «الجنائية الدولية» للتحقيق في زرع «فاغنر» ألغاما بطرابلس
– «رايتس ووتش»: 130 شخصا قتلوا جراء الألغام في ليبيا خلال 11 شهرا
– «الهندسة العسكرية»: تفجير 12 طن ألغام ومفخخات ومخلفات حرب
– «الداخلية»: إزالة قواذف ومخلفات حروب من مدرسة شهداء السواني في الجفارة
وحتى نهاية ديسمبر 2021، أفاد الشركاء المتخصصون في نزع الألغام أن العدد الإجمالي للضحايا بلغ 298 منهم 278 رجلا و20 امرأة، وأصيب من هذا العدد 174 شخصا، فيما قتل 124 آخرون، حسب التقرير.
وشكل المدنيون 72% (220) من الضحايا، وكان بينهم 78 فردا (28%) متخصصين في التخلص من الذخائر المتفجرة من وزارة الدفاع والداخلية، فيما تراوحت أعمار الضحايا بين أربع سنوات و 70 عاما.
ونبهت الأمم المتحدة إلى تعرض المهاجرين واللاجئين للخطر بشكل خاص، حيث غالبا ما يواجهون حواجز في اللغة عند محاولة الوصول إلى التوعية بمخاطر الألغام.
حوادث طرابلس: وجه آخر لتعقيدات الأزمة الليبية

يطرح قرار رئيس الحكومة المكلَّف، فتحي باشاغا، بدخول العاصمة الليبية، طرابلس، يوم الاثنين 16 مايو/أيار الماضي، أكثر من سؤال، خصوصًا أنه وقع بعد أقل من أسبوع من مواجهات دامية شهدتها منطقة جنزور جنوب غربي طرابلس، وهي مواجهات مسلحة بين عناصر تابعة لكتيبة 55 ولجهاز دعم الاستقرار، وبين كتيبة فرسان جنزور، وهو ما يؤكد على أن الوضع الأمني في العاصمة غير مستقر.
وتشير العديد من التقارير الإعلامية إلى أن باشاغا لم يصل إلى طرابلس إلا بعد أن فتح قنوات اتصال مع جهات متعددة في العاصمة وخصوصا كتيبة النواصي. ويبدو أن تلك الاتصالات التمهيدية أقنعت باشاغا بأن دخول طرابلس حان وقته، وأن على حكومته ممارسة مهامها من عاصمة البلاد بدلًا من الإقامة بشرق البلاد.
لقد بات في تقدير رئيس الحكومة المكلف أن لديه مناصرين في داخل العاصمة، وأن باستطاعته أن يجد الحماية الكافية من لدن أولئك المناصرين. بل إن تفاهمات بين باشاغا وجهات في طرابلس جعلت تمركز حكومته في العاصمة بات ضروريًّا، وهو تمركز سيحرج حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها، عبد الحميد الدبيبة.
ولا شك أن دخول باشاغا لطرابلس سيكون من أهم ثماره في حالة ما إذا مر بنجاح إحراج حكومة الدبيبة والسعي إلى سحب البساط من تحت أرجلها، وإضفاء شرعية جديدة على حكومته.
دخول مفاجئ وخروج سريع
لا يبدو أن رئيس الحكومة المكلفة، باشاغا، وأعضاء حكومته عندما حطُّوا رحالهم في طرابلس، ليلة الاثنين 16 مايو/أيار الماضية، كانوا يتوقعون أنهم سيكونون أمام مواجهة عسكرية سريعة ومتواصلة، أو على الأصح أن تكون كتيبة النواصي التي تؤويهم ستتعرض لهجوم بسبب احتماء الضيوف الجدد بها، خصوصًا أن وزير الداخلية في حكومته، عصام أبو زريبة، كان قد أكد أن وصول باشاغا بات محاطًا بعملية تأمين عامة تجري بشكل جيد وفق خطة مرسومة، معطيًا تطمينات بعدم الملاحقة لأسباب سياسية للشخصيات الاعتبارية في حكومة عبد الحميد الدبيبة، وأنه بات ملحًّا على الحكومة الليبية المكلفة أن تمارس مهامها من طرابلس.
في هذه الظروف، وقبيل وصول باشاغا، تحدثت بعض وسائل الإعلام المقربة من الطرف الثاني عن أن عبد الحميد الدبيبة أعطى الأوامر للطيران المسيَّر بأن يكون في حالة استنفار، وأن يظل على أهبة الاستعداد لأية طوارئ.
مع فجر يوم الثلاثاء، 17 مايو/أيار، هزت أصوات مدافع ناتجة عن مواجهات عنيفة منطقتي المنصورة وسوق الثلاثاء بالعاصمة طرابلس، كما تردد صدى أصوات الأسلحة الثقيلة في شوارع العاصمة الليبية مذكِّرًا ساكنتها بذكريات العنف والحرب الأهلية التي عانت منها البلاد طوال سنوات. وكان حصار المقر الذي يوجد به باشاغا سببًا في خروجه من طرابلس وعودته السريعة إلى سرت. لم يمكث باشاغا سوى ساعات في طرابلس.
كانت المواجهات بين مسلحي كتيبة النواصي الموالية لباشاغا وعناصر من ميليشيا 166 وجهاز دعم الاستقرار المحسوبين على حكومة الدبيبة. وكان باشاغا قد وصل إلى مقر كتيبة النواصي بدءًا، وخرج مع بعض أعضاء حكومته تحت حماية الكتيبة 444 التابعة لوزارة دفاع حكومة الدبيبة مقابل وقف القتال.
وقد تحدث الإعلام المحسوب على حكومة الوحدة الوطنية عن أن ما وقع على أنه تعامل حازم ومهني مع مجموعة مسلحة خارجة عن القانون، قامت يوم الثلاثاء، بمحاولة التسلل داخل العاصمة، طرابلس، لإثارة الفوضى باستخدام السلاح.
ويبدو أن فتحي باشاغا وأعضاء حكومته الذين دخلوا معه إلى طرابلس قد عادوا أدراجهم إلى مدينة سرت ومنها إلى الشرق الليبي حيث سيمارسون من هناك مهامهم بعد أن فشلوا في التمركز والاستقرار في العاصمة، طرابلس.
الحكومتان الليبيَّتان: الربح والخسارة
من الملاحظ أن دخول باشاغا للعاصمة، طرابلس، وما صاحبه من مواجهات عنيفة أرغمته على العودة إلى مدينة سرت تزامنت مع محادثات في القاهرة بين ممثلين عن الحكومتين المتنافستين لإجراء جولة ثانية من المحادثات. ومن المستبعد في هذا السياق أن تكون مصر أعطت الضوء الأخضر لباشاغا للتوجه إلى طرابلس لما في ذك من تأزيم للوضع قد تكون القاهرة في غنى عنه وهي ترعى هذه المفاوضات حتى ولو ذهب بعض المراقبين إلى أن باشاغا أقرب إلى القاهرة من خصمه، الدبيبة. فمصر حريصة على طمأنة مختلف الأطراف وتريد للجنة المشتركة الليبية أن تتوج لقاءاتها بالقاهرة بالنجاح المطلوب. وهذا يعني أن دخول باشاغا لطرابلس ليس متناغمًا مع ما يريده حليفه المصري من إيجاد جوِّ تفاهم وانسجام، وسيكون له تأثير سلبي على مستقبل هذه المحادثات التي يرعاها الوسيط المصري وتقودها الأمم المتحدة.
مع أن باشاغا والدبيبة ينحدران من مصراتة إلا أن أزمة طرابلس الجديدة طرحت مرة أخرى مخاوف حول دخول البلاد من جديد في صراع مفتوح بين منطقتي الشرق والغرب، وتكريس الانقسام القائم أصلًا، وتضيف مأزقًا جديدًا أمام بعثة الأمم المتحدة التي لم تستطع إنجاز خريطة الطريق المتفق عليها سابقًا والقاضية بإجراء الانتخابات التي كانت مقررة نهاية 2021، وهي انتخابات كان الجميع يراهن على أنها قد تعيد البلاد إلى وضع دستوري يضمن اتفاقًا بين الأطراف المتنافسة.
وقد تزامنت أزمة طرابلس مع إغلاق قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الذي يدعم باشاغا، للمنشآت النفطية بشرق البلاد، وهو ما يعني مزيدًا من الخسارة للدولة الليبية، خصوصًا أن هذا الإغلاق قد أسفر عن تخفيض المصدر الرئيسي للإيرادات الأجنبية إلى النصف.
وعلى العموم، فما حدث في طرابلس قد دفع بالمشهد السياسي بليبيا إلى ورطة جديدة، وهو ما سيؤثر على المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في القاهرة لشق طريق للخروج من حالة الجمود الليبية.
ومع أن الظاهر أن الدبيبة وحكومته والميليشيات المتحالفة معه قد خرجوا منتصرين من أزمة طرابلس، بينما مُنيت كتيبة النواصي المقربة من باشاغا بخسارة ربما تفقد معها جزءًا من مجال سيطرتها على بعض أجزاء العاصمة، طرابلس.
البحث عن موقع في المشهد الليبي المستقبلي
تأتي حوادث طرابلس والجهات الداعمة للتسوية السياسية في ليبيا، وخصوصا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تسعى إلى أن تنظيم انتخابات عامة في البلاد مه نهاية يونيو/ حزيران 2022، وليس اختيار باشاغا لهذا الظرف بالمجاني. فترتيبات إجراء الانتخابات قطعت أشواطا هامة، والجهات الداعمة لمسار التسوية تراهن عليها. وتذهب بعض التقارير الإعلامية إلى أن أغلب الأوجه السياسية الليبية، ومن بينهما باشاغا والدبيبة وأعضاء الحكومتين المتصارعتين، قد تكون حظوظهم منعدمة في التقدم للاستحقاقات الانتخابية الوشيكة نظرا لملل الشارع الليبي من الصراع والانقسام الذي تعرفه الطبقة السياسية والعسكرية الليبية وضرورة ظهور وجوه جديدة غير مرتبطة بالاصطفافات القائمة. لذلك لا يمكن فصل ما قام به بشاغا عن أجواء وسياقات هذه الانتخابات الوشيكة، بل ربما كان في محاولة باشاغا دخول طرابلس سعي إلى التحكم في مسار الانتخابات القادمة، وأن يكون في موقع يسمح له بتصدر المشهد الذي سيرافق ويشرف على جانب من ترتيبات ذلك الاستحقاق.
حوادث طرابلس وتبعاتها
في ظل التوتر الجديد، ربما أسفرت المبادرة المصرية التي تسعى إلى حمل الأطراف المختلفة على اتفاق عام عن الدعوة إلى التخلي عن الحكومتين والسعي إلى تفعيل الآليات التي من شأنها تعيين حكومة جديدة، ففي ظل عجز حكومة باشاغا عن فرض نفسها والسيطرة على مقاليد الحكم، وفي ظل انتهاء عهدة حكومة الدبيبة وتمسكه هو بشرعية يرى أنها تقضي بألا يسلِّم الأمر إلا لحكومة منتخبة وصل الأمر في ليبيا إلى طريق مسدود، بات من الضروري معه التخلص من الحكومتين اللتين أصبحتا جزءًا من المشكل وليستا أساسًا للحل.
وتبقى محاولة باشاغا دخول طرابلس نوعا من إرباك المشهد السياسي الليبي، وإطالة الأزمة الليبية خصوصا وأن الانتخابات المزمع تنظيمها بعد أقل من شهرين قد تخرجه من المشهد. هذا فضلا عن أن الحرب في أوكرانيا قد ألهت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن الملف الليبي مؤقتا، وربما يكون باشاغا قد حاول الاستفادة من هذا الوضع لكسب نقاط صالحه في العاصمة طرابلس.
ليبيا: معركة كسر عظم بين الدبيبة وباشاغا تُؤخر الحل السياسي
رشيد خشـــانة – كان هدف باشاغا من التوجه إلى العاصمة طرابلس، الاستعداد لمباشرة أعمال حكومته من هناك. ويُعتبر إخفاقه في الوصول دليلا على أنه انطلق من معطيات خاطئة وخسر المعركة.
أهدر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، فرصة حشد الدعم الداخلي والدولي لتوليه رئاسة الوزراء، بعد محاولتين لاقتحام العاصمة طرابلس بالقوة. وبالرغم من تأكيده بأنه توجه لطرابلس في سيارتين مدنيتين وبلا حراسات، فإن محاولة الدخول كانت ضربة معنوية وسياسية له ولمشروعه. ولم يلبث رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن نزل إلى موقع الاشتباكات، بعد مغادرة باشاغا المكان، مُوجها رسالة إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أنه هو الأقوى على الأرض. وتعززت تلك الرسالة بنفي ما قاله الناطق باسم حكومة باشاغا من أن عمداء بلديات طرابلس الكبرى رحبوا بهذه الحكومة. بينما قال عمداء سوق الجمعة وطرابلس المركز وعين زارة وحي الأندلس إنهم يعملون تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وإشراف وزارة الحكم المحلي.
أما الضربة المعنوية الأخرى لصورة الحكومة البديلة، فأتت من اضطرار باشاغا للعمل من مدينة سرت (شمال الوسط) وهي ليست مؤهلة ولا مجهزة للقيام بهذا الدور. لا بل إن الدساتير الليبية لم تعترف سوى بطرابلس عاصمة للبلد وللحكومة التي تُديره. وأدى تبادل إطلاق النار بين الميليشيات المسلحة الموالية للطرفين في وسط المدينة والميناء، إلى إلحاق أضرار بالمباني، واحترقت سيارات، قبل أن يُعلن باشاغا ووزراؤه، بعد ساعات من القتال، أنهم غادروا طرابلس «للحفاظ على أمن المواطنين». هذا العنف لم تشهد العاصمة الليبية مثيلا له منذ عامين، فقد تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ، منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في العام 2020 بين القوات المتنافسة في الشرق والغرب، والتي أحدثت حالة خطرة من الاستقطاب، منذ سقوط نظام معمر القذافي (1969-2011).
وكان هدف باشاغا من التوجه إلى العاصمة طرابلس، برفقة عدد من وزرائه، الاستعداد لمباشرة أعمال حكومته من هناك. ويُعتبر إخفاقه في الوصول إلى ذلك الهدف دليلا على أنه انطلق من معطيات خاطئة ومُضللة، وأنه خسر المعركة العسكرية سلفا. وعلى الصعيد الدبلوماسي لم يستطع الاستنجاد بدعم خارجي، إذ اكتفت القوى الدولية والإقليمية وبعثة الأمم المتحدة، بالدعوة إلى الانضباط وتغليب منطق الحوار على لغة السلاح. ولوحظ أن تلك القوى لم تشاطر موقف باشاغا الذي اعتبر نفسه ممثلا للحكومة الشرعية. وحتى تركيا التي كانت على صلات وثيقة معه، عندما كان يتولى وزارة الداخلية في حكومة فائز السراج، استقبلت وزير خارجيته حافظ قدور بشكل غير رسمي. أما فرنسا التي سبق أن استقبلت باشاغا في باريس وربطت معه علاقات وثيقة، فانفردت صحفها بوصف محاولته دخول طرابلس عنوة بـ«محاولة الانقلاب».
وفي السياق حضت البعثات الأوروبية المعتمدة لدى ليبيا جميع الأطراف على «التصرف بمسؤولية والدخول في حوار فعلي لإيجاد طريقة توافقية يمكن من خلالها المضي قدما نحو الانتخابات» مؤكدة في هذا الإطار دعمها المحادثات الدستورية الجارية في القاهرة، برعاية الأمم المتحدة. وفي معلومات مصادر مطلعة على اجتماعات القاهرة أن المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز ساعية لإيجاد توافق على قانون الانتخابات، لا سيما في شأن معايير أهلية رئيس الجمهورية المقبل، فإذا ما تحقق هذا التوافق يمكن إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام. لكن هناك سباقا على كسب الوقت، إذ من المقرر أن تنتهي، في 22 حزيران/يونيو المقبل، خريطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي، التي أُنشئت بموجبها المؤسسات المؤقتة القائمة في طرابلس، وهي حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي.
وتبنى مجلس الأمن الدولي، في جانبه أواخر نيسان/ابريل، بالإجماع قرارا قدمته بريطانيا لتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة السياسية في ليبيا لمدة ثلاثة أشهر فقط، بعدما رفضت روسيا التي تتمتع بحق النقض، منح أي فترة أطول ما لم تتم تسمية مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للسلوفاكي يان كوبتش. أما اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، فطالبت في جانبها، جميع أطراف النزاع والأطراف والكيانات السياسية في طرابلس بـ«ضبط النفس والوقف الفوري لأي تصعيد مسلح». وشددت اللجنة على ضرورة التزام جميع الأطراف بحماية السكان المدنيين، وضمان أمنهم وسلامتهم. وتوجهت اللجنة بدعوة إلى لجنة العقوبات الدولية بمجلس الأمن الدولي لتطبيق قرارات المجلس رقم 2174 ورقم 2259 من أجل «ملاحقة كل من يخطط أو يوجه أو يرتكب أفعالاً تنتهك القانون الدولي أو حقوق الإنسان في ليبيا» وكذلك حظر السفر وتجميد أموال الأفراد والكيانات الذين يقومون بأعمال أو يدعمون أعمالا تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو تعرقل أو تقوض عملية الانتقال السياسي في البلد.
في غضون ذلك يسعى الدبيبة، المُسيطر أمنيا على العاصمة، إلى الاحتفاظ برئاسة الوزراء، مؤكدا أنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة مُنبثقة من صندوق الاقتراع. لذا اعتُبرت المهمة الأساسية لحكومته، لدى تشكيلها، مُقتصرة على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، كانت مقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي. وأرجئت الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بسبب الخلافات بين الفرقاء السياسيين، لا سيما على القانون الانتخابي، فيما كان المجتمع الدولي يعلّق آمالا كبيرة على ذلك الاستحقاق الانتخابي لتحقيق الاستقرار.
غريمان سابقان
ويعكس فشل محاولة الانقلاب التي نفذها باشاغا مدى الانقسامات بين الفصائل في إقليم طرابلس، فهذه المجموعات المسلحة التي اتحدت في 2019-2020 لصد هجوم قوات اللواء خليفة حفتر على طرابلس، تتمزق اليوم. ومن أجل فرض نفسه على رأس الحكومة، تحالف باشاغا، مع غريميه السابقين في الشرق، وهما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر وأبناؤه. أما في طرابلس، فأبرم اتفاقًا مع الميليشيات، بما في ذلك كتيبة «النواصي» وهي إحدى الجماعات الرئيسة في العاصمة. وخارجيًا، كان هذا التحالف المناهض للدبيبة، مدعومًا مباشرة أو مُداورة، من دول بينها مصر وفرنسا وروسيا.
ومع استمرار حالة الجمود في المواقف الدولية والإقليمية تجاه الملف الليبي، برزت في الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية لدول الجوار، شملت مصر والجزائر بالإضافة للمغرب، غايتها تغيير المواقف الدولية المتباينة تجاه ليبيا، وخاصة في ظل الانشغال الدولي بالحرب في أوكرانيا. مع ذلك كان الملف الليبي في قلب حركة دبلوماسية دؤوبة الأسبوع الماضي، شاركت فيها المغرب والجزائر ومصر وتركيا، فبعد زيارة وزير الخارجية المصري إلى المغرب، والبيان المشترك، الذي عكس تقاربا جديدا بين الرباط والقاهرة في الملف الليبي، استقبلت أنقرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وكشف المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيسين اردوغان وتبون، عن نقاط توافق حول القضايا المشتركة بينهما. كما بدا الملف الليبي حاضرا بقوة في تلك الزيارة، مع تأكيد الجانبين على تطابق وجهات النظر في شأن حل الأزمة في ليبيا، إذ اعتبرا أن الانتخابات هي المدخل لتسوية الصراع.
الأولوية للنفط والغاز
أما العواصم الغربية المعنية بالبحث عن حل للأزمات الليبية، فنلحظ أنها تركز في الدرجة الأولى، على تأمين استمرار تدفق النفط والغاز الليبيين، ووضع حد نهائي لغلق بعض الموانئ والحقول النفطية، الذي كلف ليبيا خسائر كبيرة تُقدر بأكثر من ستين مليون دولار، بحسب وزير النفط والغاز الليبي محمد عون. وبات من الواضح أن القوى الدولية أصبحت غير قادرة على تحمل تأخير الحل السياسي في ليبيا، لأن كلفة ذلك هي التأخير في تشغيل حقول النفط.
ومع أن عائدات النفط والغاز هي المصدر الرئيس للاقتصاد الليبي الريعي، فإن جماعات مسلحة تستخدم الغلق سلاحا للضغط على الحكومات الضعيفة المتعاقبة. ويزداد الوضع مأسوية مع تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي ساهمت في إغراق ليبيا في فوضى سياسية وأمنية واقتصادية، وسط انقسام بين حكومتين متوازيتين في الشرق والغرب، مثلما أسلفنا، ما أعاد البلد إلى سنوات ماضية، كان خلالها مُقسما بين حكومة في الشرق برئاسة عبد الله الثني، خاضعة لنفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وحكومة معترف بها دوليا برئاسة فائز السراج، في المنطقة الغربية، ومقرها العاصمة طرابلس.
تعويض الغاز الروسي؟
وتعد الأجسام المسلحة، التي تقف وراء عمليات وقف الإنتاج، مقرّبة من معسكر الشرق، وهي تطالب بنقل السلطة إلى باشاغا وتوزيع عائدات النفط بشكل أفضل. وفي شباط/فبراير الماضي، دعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا إلى إبقاء قطاع النفط الليبي في منأى عن الخلافات السياسية. لكن هذه الدعوات سرعان ما تجاهلها القادة الليبيون، الذين يراهنون على ورقة النفط، بهدف تحقيق مكاسب سياسية. وفي رد على مطالبة أوروبا بزيادة الضخ النفطي والغازي إليها من ليبيا، أكد الوزير محمد عون أن ليبيا ليس لديها كميات زائدة عن الحاجة، سواء من الغاز أم من النفط الخام لتزود بها السوق الأوروبية، تعويضا عن نقص النفط والغاز الروسيين.
وأفاد عون في تصريحات صحافية أنّه أصدر توجيهات للمؤسسة الوطنية للنفط (قطاع عام) للعمل على تطوير عدة اكتشافات نفطية وغازية لم يتم تطويرها حتى اليوم. وتقدم عون بمذكرة مفصلة لحكومة الوحدة الوطنية، بخصوص إشراك القطاع الخاص في عمليات تطوير الحقول النفطية، مشترطا أن يكون لدى الخواص، ما يلزم من الكفاءة والقدرة المالية لتطوير الحقول النفطية. وكان مستوى إنتاج ليبيا من النفط قبل الاغلاقات، التي شملت قسما فقط من الموانئ والحقول، يُعادل 1.2 مليون برميل يوميا، بينما قُدر إنتاجها من الغاز الطبيعي بـ2 ملياري قدم مكعبة يوميا.
أكبر احتياطي
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ليبيا حازت على الرتبة الأولى أفريقيا من حيث احتياطاتها الأجنبية، على مدار أكثر من نصف قرن، بحسب تصنيف جديد للبنك الدولي. ووفق التصنيف بلغ حجم احتياطات ليبيا أكثر من 84 مليارا، ما بوأها المركز الاول، بينما حلت جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية وبلغت احتياطاتها 57 مليار دولار، والجزائر ثالثة بقيمة قدرها أكثر من 56 مليار دولار. من هذه الزاوية يُنظر إلى الصراع الدائر بوطيس حام بين الدبيبة وباشاغا في معركة كسر عظم، تُشجعها وتُغذيها قوى خارجية، ومن أخطر نتائجها إرجاء الحل السياسي، والإبقاء على مصير البلد مُرتهنا بين أيدي الجماعات المسلحة.
الجزائر: لا وساطة مع المغرب “لا أمس ولا اليوم وغداً”
قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، السبت، إن قطع بلاده علاقاتها مع المغرب لا يحتمل وساطات “لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً”.
وأكد في تصريحات، نقلها التلفزيون الجزائري الرسمي، أن “الموضوع (قطع العلاقات مع المغرب) لا يحتمل وساطات وليس فيه وساطة، بغض النظر عن الجهة التي ربطت بها أجهزة إعلامية هذه الفكرة”.
وأضاف: “ليست هناك أي وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً، لأن الموقف الجزائري واضح، وهو أن قطع العلاقات الدبلوماسية جاء لأسباب قوية، وليُحمّل الطرف الذي أوصل العلاقات لهذا المستوى السيء المسؤولية كاملة غير منقوصة”.
وتابع أن بلاده “لديها من المصالح المشتركة والتوافقات مع السعودية والدول الأخرى العربية أو إفريقية أو غيرها ما يجعلنا نلتقي مع زملائنا ونتحاور ونعقد الاتفاقات ونركز على مصالحنا واهتماماتنا دون أن يتدخل موضوع من هذا النوع في جدول أعمالنا”.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب ما سمّته “حملة عدائية متواصلة ضدها”، وحظرت بعدها تحليق الطيران المغربي فوق أجوائها، كما لم يتم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المار عبر أراضيها وصولاً إلى إسبانيا.
وحينها رفضت الرباط الاتهامات الجزائرية واعتبرتها “مبررات زائفة وعبثية”.
وكانت وسائل إعلام مغربية، بينها موقع “مغرب انتيليجنس” (خاص)، نقلت عن مصادر، لم تسمّها، قولها: إن زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان للجزائر، يومي الأربعاء والخميس، تناولت خارطة طريق للمصالحة بين الرباط والجزائر.
يشار إلى أن زيارة الوزير السعودي جاءت بمناسبة انعقاد لجنة التشاور السياسي بين البلدين، الخميس، بالعاصمة الجزائرية، والتي ترأسها مناصفة مع لعمامرة.
وقال بن فرحان بعد استقباله من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن بلاده تدعم ترشح الجزائر لعضوية مجلس الأمن بين 2024 و2025.
حرص الجزائر على الحياد في الحرب الأوكرانية يُعزز خط موسكو الجزائر
رشيد خشانة – المُتابع للتطورات الأخيرة في شمال أفريقيا يلحظ أن الجزائر في صدد التحول إلى دولة محورية، مع توالي زيارات وزراء دول عظمى إليها للبحث في عدة ملفات، وبخاصة ملفا الأزمة الليبية وتداعيات الحرب في أوكرانيا على البلدان المغاربية. وبعد المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان العمامرة، في آذار/مارس الماضي، في العاصمة الجزائرية، زارها رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف الثلاثاء حاملا ملفات عدة، يخص بعضها تفاقم الأزمة السياسية في ليبيا، وتنسيق المواقف مع موسكو في موضوع تسويق الغاز، كي لا تخذل الجزائر الروس، بوصفها أحد مُصدري الغاز الأقرب جغرافيا للاتحاد الأوروبي.
وتستند العلاقات الروسية الجزائرية على «مُذكرة التعاون الاستراتيجي» التي توصل لها البلدان في العام 2001 ما جعل خط موسكو/الجزائر مختلفا نوعيا عن العلاقات مع سائر العواصم المغاربية، منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1978). وأعلن لافروف في ختام زيارته للجزائر عن توصُل الطرفين الى مذكرة تفاهم جديدة قال إنها ستكون إطارا للعلاقات الثنائية في المستقبل، من دون إعطاء تفاصيل عن فحواها.
هذا على الصعيد السياسي، لكن ما من شك بأن روسيا سعيدة أيضا بارتفاع حجم المبادلات التجارية بين البلدين إلى 3000 مليار دولار في العام الماضي، على ما قال لافروف. كما أنها سعيدة أيضا بإعلان الأخير أن المجموعات الروسية مهتمة بالاستثمار في الجزائر، ولاسيما في قطاع الطاقة والمناجم والتعدين والاستكشاف والصناعات الدوائية. والأرجح أن الروس يحفظون الود للجزائريين الذين اختاروا التمسك بعدم التدخل في الأزمة الأوكرانية، مع الوفاء بالتزاماتهم إزاء الحليف الروسي. وظهر مثقال ذلك الوفاء أثناء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار أدان الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ امتنع المندوب الجزائري عن التصويت على القرار. كما عارض الممثل الجزائري إخراج روسيا من عضوية مجلس حقوق الانسان، التابع للأمم المتحدة يوم 7 نيسان/ابريل الماضي.
على هذه الخلفية نقل لافروف دعوة موجهة من بوتين إلى تبون لزيارة موسكو، وهي ستكون، إذا ما تمت، الأولى في نوعها. غير أن العلاقات الثنائية ليست كلها سمنا على عسل، فأخشى ما تخشاه روسيا هو حصول بعض البلدان الغربية المناوئة لها على الغاز من الجزائر، أسوة بإيطاليا التي ارتفع حجم اعتمادها على الغاز الجزائري إلى 40 في المئة، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.
والظاهر أن زيارة لافروف أعادت ترتيب الأوراق في ملف العلاقات مع السلطات الجزائرية، سواء ما يخص التعاون بين الحكومتين في الأمم المتحدة، أم في القارة الافريقية، حيث تُنفذ موسكو استراتيجيا تمدُد عسكري واقتصادي وسياسي في منطقة جنوب الصحراء. وزاد عدم الاستقرار الأمني وتوالي الانقلابات في بلدان الساحل من تصميم الدول الأوروبية على السحب التدريجي لقواتها العاملة في إطار قوة «مينورسو» وبعثات عسكرية أخرى، ما ضاعف من الفرص المُتاحة لتعزيز الوجود الروسي في أفريقيا، على جميع الأصعدة. ويُعزى عدم الاستقرار إلى كثرة الانقلابات العسكرية في السنتين الأخيرتين، لكن لا يُعرف ما إذا كانت الجزائر مؤيدة للتمدد الروسي في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى وتشاد، وهي التي كانت تنتقد بشدة وجود قوات أوروبية في أفريقيا تحت أي مسمى. وما من شك بأن الجزائريين مُرتاحون لسحب قوة «برخان» الفرنسية من مالي وكذلك قوات «مينورسو». غير أن المخاوف مازالت قائمة من احتمال استغلال الجماعات الارهابية الفراغ الأمني من أجل الانتشار في اتجاه الشمال، وتهديد الأمن الجزائري، مثلما حدث ذلك في الهجوم المسلح على المجمع الغازي عين أم الناس (أو تيغنتورين) القريب من الحدود الجزائرية مع ليبيا في العام 2013. وقاد تلك العملية، التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى، زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مختار بلمختار، الذي قُتل لاحقا بضربة فرنسية.
ولا يمكن ألا تشعر الجزائر بالقلق إزاء توسُع الحضور العسكري الروسي في القارة الأفريقية، بعدما وصل عدد البلدان التي تتمركز فيها عناصر «فاغنر» إلى عشرة بلدان. وفي علاقة مباشرة بأوضاع المرتزقة الروس، بات الملف الليبي محور صراع غير مُعلن بين مصر والمغرب من جهة والجزائر من جهة ثانية، خصوصا بعد الزيارة التي أداها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الرباط، والتي اعتبرتها الجزائر مُوجهة ضدها.
ولاحت بمناسبة تلك الزيارة، بشكل أوضح، الفجوة العميقة بين الموقفين الجزائري والمصري من الصراع في ليبيا، بعدما أعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر لا تعترف إلا بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما أثار موجة من الانتقادات في وسائل الاعلام المصرية. ودافعت القاهرة في المقابل عن القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة المُعين من البرلمان فتحي باشاغا. ويُحيل هذا الخلاف حول الموقف من طرفي النزاع في ليبيا على خصومات سابقة بين الجزائريين والمصريين، مثل مطالبة الجزائر بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية، كي لا يبقى حكرا على الوزراء المصريين المتقاعدين، وهو اقتراح رفضته القاهرة بشدة.
مبادرة ثلاثية
مع ذلك وافق المصريون والجزائريون في 2015 على إطلاق مبادرة ثلاثية مع تونس، لإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا. ولم تصمد المبادرة طويلا، بسبب التباعد بين الموقف المصري المتحالف مع اللواء حفتر، والموقفين الجزائري والتونسي المؤيدين للحل السياسي في إطار قرارات الأمم المتحدة. غير أن زيارة شكري للرباط هذه المرة كانت مختلفة عن الزيارات السابقة، إذ تجاوز الوزير المصري ما تعتبره الجزائر خطا أحمر، وهو دعم الموقف المغربي من نزاع الصحراء الغربية. ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى شكري قوله إن القاهرة «تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية والتزامها بالحل الأممي لقضية الصحراء»، وتؤيد ما جاء في قرارات مجلس الأمن، وآخرها القرار رقم 2602 (لعام 2021) الذي رحب بالجهود المغربية «المتسمة بالجدية والمصداقية، والرامية إلى المضي قدماً نحو التسوية السياسية» على ما قال شكري.
ولم يعد مهما في نظر الجزائريين أن الوزير المصري أكد الالتزام بالحل الأممي لقضية الصحراء، طالما أن التعبير الذي سبقه هو «دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية». بهذا المعنى يجوز القول إن هناك بعثرة للأوراق جعلت خطوط تصدير الغاز ترسم ملامح العلاقات السياسية. وأفضل مثال على ذلك ما حصل مع كل من اسبانيا وإيطاليا. ففي حين تدهورت العلاقات الجزائرية الاسبانية، أساسا بسبب التقارب بين مدريد والرباط، في قضية الصحراء، تحسنت العلاقات الجزائرية الإيطالية، لأن روما بعيدة نسبيا عن تداعيات النزاع الصحراوي، وهي تدعو إلى تجاوز الخلافات بين بلدان الاقليم وتكثيف صادرات الغاز من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو الضفة الشمالية.
والمُلاحظ أن الجزائر لا تشعر بكونها معنية بالتداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وحسب، وإنما هي تسعى أيضا للمحافظة على صورة الدولة غير المنحازة في الصراع. وقد عملت منذ اندلاع الحرب، على مسك العصا من الوسط والتزام موقف الحياد قدر المستطاع، بين القطبين الروسي والغربي. كما أنها حريصة على المحافظة على نظرة الغرب لها بوصفها شريكا يحظى بالثقة والمصداقية، خصوصا في مجال التزويد بالنفط والغاز وفي مجال مكافحة الارهاب. ومع أن الجزائر استطاعت أن تبرهن على حيادها، وإن شكليا، في المجال السياسي، فإنها تواجه تحديات أكبر في المجال الاقتصادي، بحكم الطلبات، بل الضغوط التي تمارسها عليها الدول الغربية لزيادة تدفقات الغاز إليها، من أجل التعويض تدريجيا عن الغاز الروسي، وأيضا من أمريكا التي تسعى لتأمين بدائل من الغاز الروسي، كي تسحب سيف الغاز من أيدي موسكو.
وتجلى ذلك على سبيل المثال في مناقشات السفير الأمريكي لدى ليبيا نورلاند مع كل من عقيلة صالح والمشري في القاهرة، والتي ركزها على أزمة إغلاق موانئ النفط وإدارة عائداته. ويُرجح خبراء أن موسكو مستفيدة من وضع إغلاق النفط في ليبيا، لأنها تسعى إلى إحداث نقص حقيقي في سوق الطاقة.
زيارات متلاحقة
ويقول الايطاليون من جهتهم، إنهم من المنخرطين الأوائل في هذا المشروع وإنهم جسدوه على الصعيد الاقليمي بين ضفتي المتوسط، منذ مد أنبوب الغاز «ترانسميد» في العام 1985 الرابط بين الجزائر وإيطاليا، عبر تونس والبحر المتوسط. وهو ما أكدته الزيارات المتوالية لوزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو ورئيس مجلس الوزراء ماريو دراغي خلال زيارتيهما الأخيرتين إلى الجزائر. وتُقدر طاقة الأنبوب، الذي أطلق عليه اسم رجل الدولة الايطالي الراحل أنريكو ماتيي، بـ32 مليار متر مكعب، لكنه لا ينقل حاليا أكثر من 22 مليار متر مكعب فقط. وبناء على اتفاق جديد بين مجموعتي «سوناتراك» الجزائرية و«إيني» الايطالية، ارتفع حجم الصادرات بـ3 مليارات متر مكعب إضافية، مع تعهد الجزائريين بعدم الترفيع في الأسعار.
وبموازاة الترتيبات المتعلقة بفرص توريد الغاز المغاربي إلى أوروبا، عادت الوساطات الدولية إلى البحث عن مخرج سياسي من الجمود الراهن في ليبيا، إذ انطلقت منذ الخميس جولة جديدة من المشاورات بمقر الجمعية السويسرية «مركز الحوار الإنساني» في مدينة مونترو، وهي الجمعية التي تابعت جميع التطورات في الأزمة الليبية منذ2011 وأبقت على جهودها طي الكتمان. وكان للمركز دور حاسم في الوصول إلى اتفاقية «خريطة الطريق» التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي، والتي من المقرر أن تنتهي في حزيران/يونيو المقبل.
وهذا الاجتماع هو الأول الذي تستضيفه سويسرا بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة لشهر ديسمبر الماضي. وأكدت مصادر مطلعة أن ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي يشاركون في الاجتماعات، إلى جانب قادة التشكيلات المسلحة في الشرق والغرب، فيما لوحظ غيابٌ (أو تغييبٌ) لممثلي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وحكومة الاستقرار برئاسة باشاغا. لكن لا شيء يضمن أن أي اتفاق جديد لن يُخرق ويتخلى عنه الموقعون عليه.
في السياق نفسه تتجه الأنظار أيضا إلى الاجتماعات المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التي يُفترض أن تنطلق اليوم الأحد في القاهرة، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي ستُركز على بحث القضايا الخلافية المتعلقة ببعض مواد مشروع الدستور.
وأفيد أن هناك مقترحين مطروحين على مائدة البحث، الأول إعلان دستوري جديد ذي طبيعة موقتة، يبدأ عمليا من الصفر، أو الموافقة على مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، المعروفة بـ«لجنة الستين» في العام 2017. والأرجح أن الجزائر ستلعب دورا في دعم هذا المسار ليس بالضرورة من خلال اتصالات بالطرفين المعنيين (وهي في قطيعة مع أحدهما)، وإنما من خلال مقاربة اقليمية تستثمر فيها رئاستها القمة العربية المقبلة.
ليبيا: غياب التوافق وتضارب الأقوال حول استئناف تصدير النفط من عدمه… ونورلاند يدعو إلى إنهاء الإقفال
لازال وضع المنشآت النفطية في ليبيا مجهولا مع تضارب البيانات المحلية والصحفية حول استئناف تصدير النفط وانتاجه من عدمه بعد اعلان رئيس حكومة الاستقرار المعين من البرلمان عن استئناف العمل واستئناف التصدير ، ونفي المعلنين عن الاغلاق لهذا الخبر .
حيق مجموعة من القبائل بمنطقة الهلال النفطي في ليبيا الأربعاء، استمرار غلقها لمنشآت النفط ومنع التصدير المفروض منذ نحو شهر، رغم إعلان رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا انتهاء أزمة النفط وإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية. واكدت المكونات من امام ميناء الزويتينة النفطي تواصل إغلاق كل من حقلي النافورة، و59 جالوا، ووقف التصدير من مينائي البريقة، والزويتينة، مع التشديد على الاستمرار في إغلاق الموانئ والحقول النفطية إلى حين تلبية جميع مطالبهم .
جاء ذلك بعد يومين اعلان رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، إعادة فتح فتح الحقول والموانئ النفطية، بعد جهود مجلس النواب والحكومة الليبية حسب قوله . وقال باشاغا في بيانه وقت الاعلان إن القرار جاء بعد إعلان تكتل الهلال النفطي موافقته على رفع الحصار المفروض على المنشآت النفطية موضحا أن قرار التكتل جاء بناء على تعليمات رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح. ونشر باشاغا تسجيلا مصورا أعلن فيه تكتل الهلال النفطي عنإعادة فتح الحقول والمواني النفطية، اعتبارا من هذه اللحظة . وأوضح البيان أن قرار التكتل جاء بناء على تعليمات رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح.
فيما قالت وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية عقب اعلان باشاغا إنّ عملية استئناف الإنتاج سيكون لها مردود إيجابي على الاقتصاد الليبي إضافة إلى البنية التحتية لقطاع النفط. وطالبت الوزارة في بيان لها الجميع بتحييد قطاع النفط والغاز عن التجاذبات السياسية ووضع مصلحة دولة ليبيا فوق كل اعتبار وهذا ما طالبت به وزارة النفط والغاز في العديد من المناسبات. وذكرت الوزارة أنّه تبيّن لا علاقة لأي مكون أو تكتل مدني بعملية الإقفال وأن من قام بقفل الحقول والموانئ النفطية هم من أعطوا الأذن بالفتح حسب ما جاء في بيان تكتل الهلال النفطي.
وأضافت الوزارة أنّها شكلت لجنة للتواصل مع الحكماء والأعيان وشرائح المجتمع الأخرى في جنوب وغرب وشرق البلاد للوقوف على حقيقية دوافع عملية الإقفال وبرغم من وجود أسباب ومطالبات لأهل المناطق المجاورة للمواقع النفطية البعض منها المشروع، ولكن لم يقوموا بالمشاركة في عملية الإقفال الأخيرة ولا بالموافقة عليها.
وفي تصريح جديد للسفير الامريكي ريتشارد نورلاند في مقابلة له مع قناة الوسط قال إن ليبيا تفقد وتضيّع فرصة الحصول على 60 مليون دولار في اليوم، وذلك على خلفية أزمة إغلاقات حقول وموانئ نفطية. وتابع نورلاند، في مقابلة أن ما يحدث ليس من مصلحة ليبيا فقط بل ليس من مصلحة سوق الطاقة العالمي مضيفا “لا أصف ما يحدث كأزمة، وإنما فرصة ضائعة على ليبيا، كان عليها أن تستفيد من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية .
ولم يشر نورلاند الى اعلان استئناف بل دعا إلى ضرورة أن يعود إنتاج النفط إلى سابق عهده، ثُم يجب علينا إيجاد طريقة بشكل سريع للاحتفاظ بعائدات النفط في المصرف الليبي الخارجي إلى حين وضع آلية لتوزيع العائدات. وقال نورلاند “أؤكد أن هذا الأمر يعود إلى الليبيين أنفسهم هم من يقررون، والولايات المتحدة مع مجموعة العمل الاقتصادي يمكننا المساعدة في هذا الصدد”.
وعن تحويل ايرادات النفط بعد تجميدها والذي كان سببا في ايقاف النفط قال نورلاند إن مجموعة العمل الاقتصادية كانت تسعى لإيجاد آلية لإدارة عائدات النفط، لكن تفاجئنا بأن مصطفى صنع الله وقع تحت ضغوط كبيرة وتم تحويل أكثر من 2.6 مليار دولار. وتابع “كنا نفضل التأني ولا يتم التحويل حتى تجرى مناقشة هذه الآلية، وحتى نعيد الثقة لدى الشعب الليبي بأن هذه الأموال ستذهب إلى المكان المناسب” .
وأضاف أن الآلية التي جرى مناقشتها بشأن إيرادات النفط هي “آلية بقيادة ليبية يشارك فيها القادة الليبيون، وعندما اجتمعت مجموعة العمل الاقتصادية في تونس أول أبريل كان هناك ممثلون عن حكومة الوحدة وعن الشرق ومؤسسة النفط والمصرف المركزي”. وقال أن الاجتماع ناقش إمكانية التوافق بين الأطراف الليبية حول الأولويات، من حيث الإنفاق خاصة باب الرواتب والدعم والمشروعات الاستثمارية والواردات الضرورية كالسلع الغذائية . وختم نورلاند أنه ليس هناك بديل للانتخابات لحل الأزمة في ليبيا مشيرا إلى المناقشات الجارية بشأن القاعدة الدستورية، والتي تسمح بالمضي قدما لإجراء الانتخابات مؤكدا أن هناك علاقة وترابط بين إيجاد آلية لإدارة إيرادات النفط وتوفير الاستقرار لإجراء تلك الانتخابات.
منافسة مصرية جزائرية على الإمساك بأوراق الملف الليبي
رشيد خشــانة – وصف بلينكن الجزائر بعد لقائه الرئيس تبون، بكونها «الصوت الحاسم» في الجهود الدولية لدفع العملية السياسية، التي تقودها الأمم المتحدة، في ليبيا.
تتضافر الأزمة الطاقية التي تضرب أوروبا، مع تفاقم الصراع الليبي الليبي، ليُمهدا لتغيير في المعطيات الاستراتيجية في الإقليم بأسره. فالعملاق النفطي والغازي النيجيري دخل على الخط بقوة ليؤمن للمغرب ما خسره جراء إقفال الأنبوب الغازي «ميدغاز» الرابط بين إسبانيا والجزائر، عبر الأراضي المغربية، ما يُعدُ نصرا دبلوماسيا للمغاربة في «حرب الغاز» مع الجزائر، إذا ما انطلق فعلا تنفيذ المشروع. وفي المنطقة نفسها تعرضت المصالح الفرنسية إلى «خضة» قوية، بعد قرار المجلس العسكري الحاكم في مالي إلغاء الاتفاقات «الدفاعية» مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. وعزا المجلس هذا القرار إلى ما اعتبره «انتهاكات صارخة لسيادة البلد» من قبل القوات الفرنسية المقيمة، إلى جانب «الخروق الكثيرة للمجال الجوي المالي». وتُحدد الاتفاقات المعروفة بـ«اتفاقات صوفا» الإطار القانوني لوجود قوة «برخان» العسكرية الفرنسية في مالي، وهي اتفاقات تعود إلى 2014.
أما روسيا فأقرت بوجود مدربين عسكريين روس «غير مسلحين» في أفريقيا الوسطى. غير أن منظمة «هيومان رايتس ووتش» أكدت في تقرير جديد، أنها تشتبه بكونهم مرتزقة روس من المجموعة العسكرية الخاصة «فاغنر». وورد في التقرير أن تلك العناصر «تتكلم الروسية وتمتطي سيارات روسية وتلبس الأزياء العسكرية الروسية». بل إن فوستان أرشانج تواديرا رئيس أفريقيا الوسطى اعترف، هو نفسه، باستنجاده بالروس لصد هجوم من المعارضة المسلحة على العاصمة بانغي في أواخر 2020.
وكشفت تحقيقات أجرتها «هيومان رايتس ووتش» عن وقائع جرت بين شباط/فبراير 2019 وتشرين الثاني/نوفمبر 2021 وتتعلق بانتهاكات خطرة وجماعية لمدنيين أفارقة غير مسلحين، بينها الاعتقالات والتعذيب والاعدامات، التي يُعتقد أن من نفذوها هم جنود روس.
وإلى جانب القوات الفرنسية المُغادرة، طلب العسكر الماليون، الذين استحوذوا على الحكم بواسطة انقلاب في آب/اغسطس 2020 من القوات الأوروبية المعروفة بـ«تكوبا» الرحيل من البلد أيضا، ما قد يُفسح المجال أمام تعويض الجنود الغربيين بجنود روس. ولا يُعرف ما إذا كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيصل إلى اتفاقات جديدة مع السلطات الجزائرية، خلال زيارته المرتقبة للجزائر في الأيام المقبلة، تخص التعاون بين الحكومتين، سواء في الأمم المتحدة، أم في القارة الأفريقية. وتعتبر الجزائر حليفا بارزا لروسيا في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، ومن بينها منظمة الدول المصدرة للنفط.
غير أن الموقف الجزائري من الصراع في ليبيا أحدث فجوة في العلاقات المصرية الجزائرية، بعد إعلان الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر لا تعترف إلا بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما أثار موجة من الانتقادات العنيفة في وسائل الإعلام المصرية. ويُحيل هذا الخلاف حول الموقف من طرفي النزاع في ليبيا، إلى خصومات سابقة بين الجزائريين والمصريين قد تكون شرارتها أحيانا مباراة كرة قدم. لكنها اكتست في بعض الأحيان بُعدا سياسيا مثل مطالبة الجزائر بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية، كي لا يبقى حكرا على الوزراء المصريين المتقاعدين، وهو اقتراح رفضته القاهرة بشدة.
وتندرج المحادثات التي أجراها مستشار الخارجية الأمريكية ديريك شوليت، مع سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة أحمد بوطاش، في إطار التشاور حول الأزمتين الليبية والأوكرانية. وقد تطرقت المشاورات إلى تطورات الملف الليبي، وخاصة مسار تنظيم الانتخابات. وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي زار الجزائر والمغرب، أفاد أن واشنطن والجزائر «تعملان على دفع الانتقال الديمقراطي في ليبيا إلى الأمام». واللافت أن بلينكن وصف الجزائر بعد لقائه الرئيس عبد المجيد تبون، بكونها «الصوت الحاسم في الجهود الدولية لدفع العملية السياسية، التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا، ودعم إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن» على ما قال.
زيارة لا تسُرُ
في السياق كتب الإعلامي الفرنسي بينوة دلماس أن دول شمال أفريقيا، المتعادية أصلا، سيتعين عليها حسم موقفها بعد حرب أوكرانيا، بالاختيار بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وأفاد دلماس أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيزور دولة صديقة هي الجزائر في أواسط هذا الشهر، وهي زيارة لا تسرُ بعض الأوروبيين، وخاصة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. والواضح أن كلا من المغرب وليبيا وتونس وموريتانيا تنفست الصعداء، عندما تطابقت مواقفها لدى التصويت الذي جرى في الأمم المتحدة، للتجديد لبعثتها في ليبيا، فيما أمسكت الجزائر عن التصويت.
والمُلاحظ أن استضافة القاهرة لاجتماع أعضاء اللجنة المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على مدى عدة أيام، أثار حفيظة الجزائريين الذين يؤكدون أن الحلول ينبغي أن تأتي في إطار المهمة الأممية، في إشارة إلى محاولة المخابرات المصرية التأثير في أعمال اللجنة. أكثر من ذلك يشعر الجزائريون بانزعاج مصري من عودتهم إلى الملف الليبي، خاصة أنهم أقاموا مؤتمرا ناجحا لوزراء خارجية دول الجوار الليبي العام الماضي، وكان له دور في تهدئة الأجواء بين الفرقاء الليبيين. والأرجح أن الجزائر ستستضيف مؤتمرا اقليميا آخر حول ليبيا، استجابة لطلب من حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي تعتبرها الجزائر الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا.
ومن التحولات الاستراتيجية البارزة التي ستجرُها الحرب الأوكرانية، وأزمة النفط والغاز المُترتبة عليها، مشروع الأنبوب العملاق، الذي سينقل الغاز الطبيعي من نيجريا إلى المغرب. ويبذل الطرفان حاليا جهودا كبيرة لتحصيل الاستثمارات اللازمة للمشروع. ومن الواضح أن احتياطات النفط والغاز في أفريقيا باتت تستقطب أنظار الزبائن، الذين كانوا يعتمدون على الغاز الروسي، ويبحثون حاليا عن بدائل، وفي مقدمهم الدول الأوروبية.
وكان العاهل المغربي محمد السادس والرئيس النيجري محمد بوخاري وقعا في العام 2016 على اتفاق لنقل الغاز على مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر، عبر ساحل المحيط الأطلسي. وسيكون الأنبوب استكمالا للأنبوب الحالي الذي ينقل الغاز النيجيري إلى بنين وغانا والتوغو منذ 2010. وكشف وزير النفط النيجيري قبل أيام أن الروس زاروه، وأبدوا له رغبتهم بالاستثمار في الأنبوب الجديد. والجدير بالذكر أن الجزائر أجرت أيضا اتصالات مع نيجيريا في العام 2002 لإقامة أنبوب مماثل يعبر منطقة الساحل والصحراء نحو سواحل المتوسط. وتملك نيجيريا العضو في منظمة «أوبك» أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في أفريقيا، كما تأتي في الرتبة السابعة عالميا.
في ظل هذه التحولات المرتقبة، سيبقى الحضور التركي في ليبيا يُشكل رقما مهما في الحاضر والمستقبل، لاسيما بعد كسر الجليد بين قادة المنطقة الشرقية وأنقرة، من خلال زيارة وفد من رجال الأعمال والدبلوماسيين الأتراك إلى بنغازي، والوعود التي تلقوها من الليبيين بإشراكهم في صفقات إعادة الإعمار ومشاريع البناء وإصلاح البنية الأساسية في المنطقة الشرقية. ومثل هذا الاتجاه لا يُفرح مصر التي تعتبر أن من حقها أن تحظى بالأولوية في تلك الصفقات. ويعتمد الأتراك، الذين استحوذوا على قطاعات عدة من السوق الليبية، خاصة في الغرب، على الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية، التي توصلوا لها مع حكومة فائز السراج، في خريف 2019 في حضور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
قادة جدد
مع ذلك يعتبر العارفون بالملف الليبي أن ما يمكن أن يُعيد الأمل لليبيين، المُرهقين من الحروب وأعمال الخطف والقتل، هو الانتخابات الشفافة والمدعومة دوليا. أكثر من ذلك يرى مُطلعون على خلفيات الصراع أن هناك حاجة لقيادات شابة وكفوءة، تتجاوز العداوات والشقاق القائم بين الزعماء الحاليين، وتُعيد بناء ليبيا جديدة. ويُشدد الممثل الخاص الأسبق للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الألماني إيان مارتن، في هذا السياق، على ضرورة توحيد الموقف الدولي القائم حاليا على التنافس والصراع.
ويشترك مارتن، الذي تحدث إلى موقع «عرب نيوز» مع متابعي الملف الليبي، في التأكيد على أن الحاجة للانتخابات ملحة. ويقول إن ذلك هو ما لاحظه، من خلال الإقبال الواسع للمواطنين على التسجيل، لافتًا إلى أن «السكان يبحثون عن التغيير». ونحا باللائمة على نهج المجتمع الدولي «المفكك» ودوره في إفشال الانتخابات في ليبيا، مؤكدا أن الاستقرار لا يعني الاعتراف بشرعية الفائز، وإنما يعني إشراك الجميع في العملية الانتخابية.
لكن مؤشرات كثيرة تدل على أن المسار الانتخابي ما زال متعثرا، لأن هناك من ليست لهم مصلحة في إجراء الانتخابات، لذا فهم مع استمرار الأوضاع الراهنة كما هي. وتُلقى المسؤولية ههنا على مجلس النواب، الذي يبدو أنه يُماطل في اعتماد قانون للانتخابات. وكانت «لجنة الستين» (الهيئة التأسيسية) المكلفة وضع مسودة دستور، انتهت من إعداد مشروعها منذ تموز/يوليو 2017 وأبلغته إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. وكثيرا ما نسمع من الليبيين أن الأجسام الانتقالية مُنتهية الصلاحية، تبذل قصارى الجهد للبقاء في المشهد أطول وقت ممكن.
أما رئيس مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح فيُشدد على ضرورة أن يتم الاعداد للانتخابات في مناخ من التفاهم على قواعد اللعبة والالتزام بها. وهنا بيت القصيد لأن الأطراف المتحاربة في ليبيا تعمل على إلغاء بعضها البعض، ولا تؤمن بمقايضة سياسية تسمح بالاتفاق على منافسة شفافة ونظيفة ومسؤولة.
بيد أن المناخ السياسي يتسم حاليا بنوع من الجمود المسلح، لأن الطريق إلى الانتخابات الموعودة ما زالت مفروشة بالحجر ومليئة بالألغام. ودلت الإجراءات التصعيدية المُتخذة أخيرا، ومنها تعطيل الانتاج في الحقول النفطية، على رغبة الجيش، الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الخروج من المُختنق الحالي، ولعب دور أكثر تأثيرا في الأحداث. ويُكلف غلق الموانئ النفطية الموازنة خسارة تُقدر بـ60 مليون دولار يوميا. ويمكن اعتبار الدعوة إلى اجتماع لأعضاء مجلس النواب غدا الاثنين في طبرق (شرق) محاولة لإزالة العقبات السياسية والقانونية من طريق الانتخابات. وجرى التمهيد للجلسة باجتماع بين النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز. وأفيد أنهما بحثا «كيفية الدفع بالعملية السياسية نحو إيجاد تسوية توصل للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في أقرب الآجال». والأرجح أن المجلس سيناقش ما توصلت له اللجنة المشتركة، المُشكلة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، خلال اجتماعاتها في القاهرة، في إطار إعداد القاعدة الدستورية للانتخابات.
لكن في انتظار انتخابات قد تأتي وقد لا تأتي، يتفاقم الانقسام السياسي في البلد، بوجود حكومتين متنافستين، كما تتعدد مؤشرات عدم الاستقرار، بعد الاشتباكات التي جرت في مدينة الزاوية ومناطق أخرى، خلال الأيام الماضية. وتعزو بعض الأطراف هذا الوضع إلى عجز مجلس الأمن، سواء في القضية الأوكرانية أم في الأزمة الليبية، بحسب ما قال وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو.
صدور العدد 24 من “شؤون ليبية”
صدر العدد الجديد (الرابع والعشرون) من مجلة “شؤون ليبية” حافلا بالمقالات والدراسات بالعربية والانكليزية والفرنسية. وكتبت في هذا العدد مجموعة من الخبراء والباحثين الليبيين والعرب والأجانب، من بينهم نور الدين النمر ورشيد خشانة ونسرين سليمان وعبد الحميد صيام وتامر هنداوي وعبد الدايم الورفلي وعلي الوندي ورافد علي وماري فيتزجيرالد وبيل ترو وجوزي أرمندجت وعُبادة الحاسي وسالم العوكلي، بالاضافة إلى حوار مطول مع الدكتور غسان سلامة حول تجربته في قيادة بعثة الأمم المتحدة بليبيا.
ومن أهم المواضيع التي تطرق لها العدد الانتخابات والرهانات الدولية على ليبيا وعوائق إنهاء المرحلة الانتقالية والزواج حلم الشباب الليبي وأسباب انهيار الجيوش العربية و”هل تراجعت مكانة ليبيا في سلم الاهتمامات الأمريكية؟” وقراءة في كتاب “دولة الخيمة” والصراع على القاعدة الدستورية للانتخابات: الآليات والمآلات.
سباقٌ بين الدبيبة وباشاغا لتحصيل دعم إقليمي ودولي لحكومتيهما
رشيد خشـــانة – الفترة المقبلة لن تشهد تقدما في حل الأزمة الدستورية والسياسية في ليبيا، لأن القوى الوحيدة التي وتستطيع جمع الفرقاء الليبيين على مائدة الحوار هما أمريكا وأوروبا.
انطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب فتحي باشاغا، في سباق شديد على جمع الاعترافات من القوى الإقليمية والدولية بحكومتيهما. وفي أعقاب فشل اجتماعات القاهرة بين وفدين يمثلان الحكومتين، بإشراف رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، أخذ الدبيبة وباشاغا عصا الترحال وشرعا يطوفان على العواصم العربية، فاتجه الدبيبة إلى الجزائر، حيث حظي بحفاوة كبيرة من الرئيس عبد المجيد تبون، الذي كان أول زعيم عربي يُجدد دعمه لحكومة الوحدة الليبية، ويُعلن أن الجزائر لا تعترف بسواها.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن الجزائر لم تعترف سابقا بالحكومة الموازية برئاسة عبد الله الثني، وتمسكت بحكومة فائز السراج المعترف بها دوليا. أكثر من ذلك تتهم الأوساط القريبة من اللواء حفتر الجزائر بكونها هي التي شجعت الدبيبة على رفض التخلي عن الحكم، مُستدلة بأنه أعلن عن هذا الموقف غداة زيارته للجزائر يوم 19 آذار/مارس الماضي. وقبل ذلك كان تبون قد أكد علنا أن دخول قوات حفتر إلى طرابلس أثناء الحرب التي شنها الأخير على العاصمة، يُعتبر خطا أحمر ويستوجب التدخل.
ويُقابل هذا الموقف إعلانُ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «من يعتقد أن بوسعه تجاوز خط مدينة سرت (شمال وسط) فهذا الخط بالنسبة لمصر، خطٌ أحمرُ». واعتبرت وسائل إعلام جزائرية مؤخرا أن تطور الخلاف بين الدبيبة وباشاغا هو من نتائج مسعى بعض البلدان العربية، وخاصة مصر، «لإقصاء الجزائر من المساهمة في مسار العودة إلى الأوضاع الطبيعية في ليبيا». وأوضح تبون في معرض حديثه عن المبادرات السلمية، وتحديدا ما راج من أن الجزائريين يعتزمون الدعوة إلى مؤتمر دولي حول ليبيا، أن الجزائر لا ترغب بالانخراط في عملية محكومة بالفشل، وأنها تنتظر ظهور مؤشرات إيجابية، وليست مؤشرات انقسام بين الدول العربية، مثلما هي الحال الآن.
وكانت الجزائر استضافت مؤتمرا لدول جوار ليبيا في آب/اغسطس الماضي بمشاركة وزراء خارجية الدول المؤثرة في الملف الليبي، إلا أن جهودها الدبلوماسية لم تُثمر بسبب تباين المصالح بين أولئك الفرقاء.
ومن الجزائر انتقل الدبيبة إلى الإمارات في زيارة رسمية غير مألوفة، لأنها تُؤشر إلى تغيير في المواقف، بعدما كانت أبو ظبي تدعم علنا اللواء حفتر. وقد لعبت دورا أساسيا في تسليح قواته أثناء «معركة طرابلس» 2019- 2020. بهذا المعنى تكون زيارة الدبيبة للإمارات ضربة دبلوماسية لباشاغا أتت من أهم حلفائه، بالرغم من تأكيد الإماراتيين أنهم سعوا إلى رأب الصدع بين المُتنازعين على رئاسة الحكومة.
مع ذلك لوحظت أخيرا اختراقات غير مألوفة في الملف الليبي، فإلى جانب زيارة الدبيبة إلى الإمارات، التي لم يكن ممكنا تصوُرها غداة تشكيله الحكومة العام الماضي، حقق الأتراك في المعسكر الآخر، اختراقا مهما بزيارة وفد رفيع المستوى، مؤلف من دبلوماسيين ورجال أعمال، إلى بنغازي. وتوصل الجانبان إلى نتائج مهمة، من بينها معاودة فتح القنصلية التركية في بنغازي واستئناف خط الطيران المباشر بين بنغازي واسطنبول، إضافة إلى عودة الشركات التركية للعمل في المنطقة الشرقية.
وفي خط مواز فتح الأتراك قناة اتصال مع باشاغا من خلال اجتماع عُقد أخيرا بين مسؤول تركي لم يُكشف عن هويته وممثلين عن رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب في 22 آذار/مارس الماضي، بقيادة الرجل الثاني السابق في المجلس الرئاسي أحمد معيتيق. يأتي ذلك بينما باتت أنقرة تحظى بمركز قوي في ليبيا، إذ عزز الرئيس رجب طيب اردوغان التعاون الاقتصادي معها، على حساب الشركات التونسية والمصرية، زيادة على الحضور العسكري الإستراتيجي الذي تتمتع به في البلد. ويؤكد خبراء أنه لا يمكن لباشاغا أن يدخل العاصمة والجنود الأتراك ما يزالون في قواعد عسكرية في طرابلس ومصراتة.
بعد أبو ظبي زار الدبيبة تونس، التي مكث فيها قبله باشاغا، مع بعض وزرائه، أسبوعا في انتظار صيغة تُتيح لهم الدخول إلى طرابلس سلما. لكنهم لم يُفلحوا، فاختار باشاغا عقد الاجتماع الأول لحكومته في مدينة سبها لأن قوات الحكومة المركزية لا تسيطر عليها، وإلا لكانت منعته من ذلك، بأمر من رئاسة الحكومة في طرابلس.
عودة «داعش» إلى الجنوب
على خلفية هذا الانقسام داخل النخبة الحاكمة (كان باشاغا وزيرا للداخلية في حكومة فائز السراج) وارتخاء قبضة الدولة، عاودت عناصر تنظيم «داعش» الظهور مجددا في الجنوب الليبي، بعد أربع سنوات من إخراجها من مدينة سرت (وسط) على أيدي قوات «البنيان المرصوص» الآتية من مصراتة. كما تمكنت عدة مجموعات من الميليشيات التشادية والسودانية من الاستفادة من الفراغ الأمني في إقليم فزان (جنوب) لتُوسع انتشارها في المنطقة، على الحدود المشتركة مع كل من تشاد والنيجر والسودان. وقد أطلقت أخيرا هجوما على منطقة غدوة التابعة لسبها، مُحدثة خسائر مادية وبشرية.
وسعيا لاحتواء هذا الوضع وإبعاد عناصر الجماعات من الجنوب، أطلق الجيش الليبي الأسبوع الماضي عملية واسعة في الجنوب، لكن المساحة الشاسعة للحدود على مدى أكثر من ألف كيلومتر، بالإضافة لصعوبة التضاريس الجبلية والصحراوية، تجعلان تلك المهمة عسيرة ومُحاطة بمخاطر عدة.
والأرجح أن الفترة المقبلة لن تشهد تقدما نوعيا في حل الأزمة الدستورية والسياسية في ليبيا، لأن القوى الوحيدة التي تملك أوراق الضغط وتستطيع جمع الفرقاء الليبيين على مائدة الحوار هما أمريكا وأوروبا، وكلاهما مشغول بمضاعفات الحرب في أوكرانيا. وفي هذا الإطار يرى المحلل السياسي الإيطالي ليوناردو بيلودي، أن الحرب الروسية على أوكرانيا، وجّهت أنظار الغرب، في الشهرين الأخيرين، نحو الشمال الشرقي للقارة الأوروبية، مع تناسي أن المشاكل في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط لم تنتهِ.
وركز بيلودي رصدهُ على ليبيا ومصر وتونس والمغرب والجزائر في شمال أفريقيا، ودول الخليج ولبنان وإسرائيل في الشرق الأوسط، موضحاً أن البعض اتخذ مواقف متباينة في مختلف المنتديات الدولية، بشأن الصراع الأوكراني، في ما يتعلق بالاعتماد على استيراد النفط والغاز والقمح. وحذر من تداعيات الأزمة بقوله إن كل الحكومات في دول شمال أفريقيا، ومنها ليبيا، ودول الشرق الأوسط، تتوخى سياسة الدعم بشكل كبير، وخاصة للحبوب والبنزين. إلا أن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار القمح والمحروقات، يجعلان من الحفاظ على الدعم المالي، الذي اعتاد عليه أفراد الطبقة الفقيرة، يصبح أكثر كلفة للدولة.
واعتبر المحلل الإيطالي في شأن ليبيا، أن وضعها ليس الأفضل، بل هو من باب المفارقات، فليبيا ليس لديها ما يكفي من النفط والغاز لتلبية الطلب الداخلي. وقد خسرت في الأسابيع الأخيرة نحو 70 مليون دولار و400 ألف برميل من الإنتاج يومياً على خلفية إغلاق الموانئ النفطية. وبالرغم من الضغط الأمريكي من خلال إعراب واشنطن عن قلقها من استمرار غلق موانئ النفط، لم تبدُ حتى الآن مؤشرات على احتمال فتح وشيك للحقول المغلقة. وحتى عندما صوت مجلس الأمن أخيرا بالاجماع على تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حتى 31 تموز/يوليو المقبل، تحاشت أمريكا تضمين فقرة في القرار تُحدد اختيار قائد جديد للفريق الأممي في ليبيا. والأرجح أن أمريكا تتعمد المحافظة على الوضع الراهن لأنها مستفيدة من بقاء السفيرة ستيفاني وليامز مستشارة خاصة للأمين العام، كي تكون واشنطن على معرفة كاملة بما يدور في الاجتماعات، وقادرة على التأثير فيها. ولوحظ أن وليامز جالت على القيادات السياسية من الفريقين لإطلاعها على ما دار في اجتماعات «لجنة المسار الدستوري الليبي» وهذه القيادات هي رئيس الحكومة الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح. وسبق أن وضع مجلس النواب سقفاً لمفاوضيه في الاجتماعات، بضرورة العودة إليه ثانية بنتائج النقاشات، إذا خرجت بعيداً عن الإطار المحدد لهم. ووضع أعضاء المجلس الأعلى للدولة السقف نفسه لمفاوضيهم.
وأتت محادثات القاهرة تجاوبا مع مقترح المستشارة الأممية، بتشكيل لجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للعمل على وضع قاعدة دستورية توافقية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. وكانت تونس قد احتضنت جلسات تشاورية لأعضاء المجلس الأعلى للدولة برعاية أممية، وفي ظل غياب أعضاء البرلمان. كما أن ما دار في اجتماعات القاهرة لا يمكن البناء عليه أيضا، بسبب تباعد المواقف بين الجانبين. وقد أوصى المجلس الأعلى للدولة، لجنة التوافق على المسار الدستوري التابعة له بتقديم تقرير تفصيلي حول اجتماعات القاهرة والتباينات التي برزت في المواقف.
فالخيار الذي يُفضله الدبيبة على ما يبدو هو الاستعانة بمشروع الدستور الذي أعدته «لجنة الستين» في العام 2017 وهي مؤلفة من عشرين عضوا من أقاليم البلد الثلاثة بالتساوي. أما الخط الذي يميل إليه مجلس النواب والبعثة الأممية بشأن المسار الدستوري، فهو وضع مشروع دستور جديد وعرضه على الاستفتاء العام. والأرجح أن الأوضاع السياسية والأمنية ستزداد توترا وتعفُنا بعد إعلان ممثلي اللواء خليفة حفتر، في لجنة «5+5» تعليق جميع أعمالهم في اللجنة اعتبارا من التاسع من الشهر الماضي. وهاجم المُنسحبون رئيس الحكومة الدبيبة مُحملين إياه مسؤولية الإحجام عن تعيين وزير للدفاع، واحتفاظه بهذه الحقيبة لنفسه، بالاضافة لاتهامه بالتسبب في إيقاف صرف مرتبات القوات الموالية لحفتر أكثر من مرة، وآخرها عدم صرف أربعة أشهر على التوالي حتى الآن (الأربعاء) بحسب ما ورد في البيان. غير أن أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم قوات اللواء حفتر، قال إن ديوان المحاسبة أرسل كتابا لمصرف ليبيا المركزي بالموافقة على صرف رواتب عناصر القوات المسلحة، وذلك في اليوم التالي لصدور بيان ممثلي القيادة العامة للجيش في المنطقة الشرقية في لجنة «5+5». ومع استمرار الحرب الأوكرانية تبدو عواصم القرار الغربية غير مُستعجلة للحل السياسي في ليبيا، وقد أرجأت الاهتمام بهذا الملف بالنظر لانشغالها بالصراع في شمال شرق أوروبا، فيما تعجز القوى الإقليمية عن إرجاع قطار الحوار بين الحكومتين إلى سكة الحل السياسي، لأنها تدعم هذا الفريق أو ذاك، ولا تستطيع أن تكون حكما بينهما.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.