السبت 05 يوليو 2025 9 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

إدراج مركز مدينة بنغازي القديم ضمن قائمة المعالم المهددة بالخطر

  

 

قالت منظمة مراقبة الآثار العالمية إن مدينة بنغازي أصبحت بحاجة ماسة إلى إعادة إعمار المناطق الحضرية وتنشيطها. حيث أصبح المركز التاريخي لثاني أكبر مدينة في ليبيا مهجورًا منذ عام 2017.

وأشارت المنظمة إلى أن الصندوق العالمي للآثار عمل رفقة الجمعية الأمريكية للبحوث الخارجية وهيئة المدن التاريخية الليبية عام 2018، على إجراء تقييم للأضرار في مركز بنغازي التاريخي، بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية من خلال صندوق السفراء للحفاظ على التراث الثقافي.

وأشار التقييم إلى وجود حاجة إلى تخطيط وتمويل وتنفيذ برنامج إعادة الإعمار وإعادة التأهيل على مستوى المدينة للأحياء التاريخية في بنغازي. وهو ما يفرض على السلطات بذل جهود واسعة النطاق لإزالة الألغام، وكذلك إزالة الأنقاض، ومنع الهدم غير المصرح به، والتحكم في الوصول إلى المناطق غير الآمنة.

وقد شهدت المدينة فيما مضى معارك مطولة، أدت لتدمير مركز المدينة ونزوح ثلث سكانها من منازلهم، كما تضررت البنية التحتية للمدينة بشكل خطير.

فاينانشيال تايمز: موسكو نقلت أكثر من 1000 مرتزق سوري وروسي من ليبيا

 

قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن روسيا نقلت أكثر من 1000 من المرتزقة السوريين والروس الذين نشرتهم في ليبيا، معتبرة ذلك مؤشرا على أن الحرب على أوكرانيا تضغط على عمليات الانتشار الخارجية لموسكو.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولان غربيان لم تسمهما إن نحو 200 مرتزق روسي من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة المدعومة من الكرملين، ونحو ألف سوري نشرتهم روسيا في ليبيا، تم سحبهم في الأسابيع الأخيرة.

وأكد مسؤول إقليمي مطلع على عملية الانتشار إن حوالي 5000 مرتزق ما زالوا في ليبيا نيابة عن موسكو، فيما أكد مسؤول ليبي رفيع لم تذكر الصحيفة البريطانية اسمه أن روسيا سحبت مرتزقة من البلاد لكنه لم يقدم أرقاما.

وأشار الخبير في الشؤون الليبية والزميل البارز في مبادرة الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي “عماد الدين بادي” إلى ان الانسحاب بدأ بالسوريين ثم شمل أفراد فاغنر أنفسهم، وفي الأسبوعين الماضيين ارتفعت الأعداد.

ولفتت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إلى أن ليبيا تعتبر بوابة لنشر المرتزقة الروس في القارة الأفريقية، لكن تكاليف غزو أوكرانيا بدأت في إجهاد عمليات الانتشار مع ورود تقارير تفيد بأن حوالي 200 مقاتل من فاغنر قد غادروا جمهورية إفريقيا الوسطى.

وقال مسؤولان غربيان إن روسيا لم تكن تنوي في البداية سحب أي من مرتزقتها من ليبيا، لكن القرار جاء بعد أن فشلت في تحقيق مكاسب كبيرة في أوكرانيا، وأضافت وزارة الدفاع البريطانية أن الانتكاسات تعني أن روسيا قد أُجبرت على إعطاء الأولوية لمقاتلي فاغنر في أوكرانيا على حساب العمليات في إفريقيا وسوريا.

اجتماعات ليبية في القاهرة… ووليامز تقترح لقاء مصرياً تركياً أممياً

التقت وليامز رئيس المخابرات المصرية في القاهرة (فتحي بلعيد/فرانس برس)

 

تستقبل العاصمة المصرية القاهرة اجتماعات لجنتي مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية، بشكل يسمح بإجراء الاستحقاقات الانتخابية في أسرع وقت ممكن، وذلك بحضور البعثة الأممية، ورعاية اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي، التي يشرف على عملها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل.

في هذا الإطار، قال مصدر خاص مقرب من اللجنة المعنية بالملف الليبي، لـ”العربي الجديد”، إن المستشارة الأممية بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، التقت رئيس المخابرات العامة المصرية، عقب وصولها إلى القاهرة مساء أمس الأول الثلاثاء، لافتاً إلى أن اللقاء بحث كافة الأمور المتعلقة بالمسار الديمقراطي في ليبيا.

اعتبرت وليامز أن الفترات الانتقالية لن تحل أزمة ليبيا

وكانت مصر أعلنت استعدادها لاستضافة الاجتماعات الليبية، التي انطلقت في أحد فنادق القاهرة التابعة للمؤسسة العسكرية في الفترة من 12 إلى 20 إبريل/نيسان الحالي.

وليامز ترى الحل بانتخابات ليبية سريعة
وبحسب المصدر، فإن وليامز عرضت جهودها خلال الفترة الماضية، والرامية إلى إنهاء حالة الفوضى السياسية في ليبيا، مؤكدة أن البعثة الأممية لا تزال ترى أن الحل الوحيد للأزمة هو الذهاب للانتخابات في أسرع وقت ممكن. وأبدت عدم قناعتها بالسيناريوهات المطروحة التي تسعى إلى مد الفترة الانتقالية، سواء لحكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، أو الحكومة المكلفة أخيراً من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

وأشار المصدر إلى أن وليامز عرضت رؤيتها على رئيس المخابرات المصري، محاولة إقناعه وتعديل الموقف المصري المؤيد بشكل مطلق لمنح حكومة باشاغا فترة انتقالية جديدة، مؤكدة أن العمل من خلال الفترات الانتقالية لن يحل أزمة ليبيا، التي تسعى مصر إلى استقرارها في أسرع وقت ممكن لأسباب أمنية واقتصادية.

يأتي هذا فيما أعلن “الحراك الوطني لإعادة الشرعية” رفضه اجتماعات مجلسي النواب والدولة في مصر بشأن إعداد القاعدة الدستورية، داعياً جميع الأطراف إلى ضرورة عقد أي مشاورات على أرض ليبيا.

وساطة بين مصر وتركيا
وكشف المصدر أن وليامز عرضت وساطة بين مصر وتركيا في ما يخص الملف الليبي، بحيث يتم ترتيب اجتماع ثلاثي بين ممثلين للقاهرة وأنقرة والبعثة الأممية، لإزالة الأمور العالقة بينهما بشأن هذا الملف، معتبرة أنه في حال حدث تقارب في الموقفين المصري والتركي، فسيساهم ذلك بدرجة كبيرة في الوصول إلى حل عملي ينهي الأزمة في ليبيا.

وقال مصدر دبلوماسي آخر إن الأوضاع في ليبيا قد تشهد انفراجاً، وسط توقعات باختراق في الموقف المصري خلال الفترة المقبلة. وكشف أن وزير الخارجية سامح شكري سيلتقي بنظيره التركي مولود جاووش أوغلو في أنقرة في 21 إبريل الحالي، أي بعد يوم واحد من انتهاء جلسات الحوار الليبي المنعقد في القاهرة.

كما كشف المصدر أن أنقرة ستكون ضمن الحركة الدبلوماسية المصرية المقبلة، وتم التوافق على ذلك، مشيراً إلى أنه من المقرر أن تعلن تركيا تسمية سفير لها في القاهرة في يوليو/تموز المقبل، وسيتبع ذلك تسمية مصر سفيرا لها في سبتمبر/أيلول المقبل.

وحول دعوة وليامز إلى ترتيب لقاء ثلاثي بمشاركة مصر وتركيا بشأن ليبيا، قال المصدر إنه في ما يخص الترتيبات بشأن الملف الليبي فتتم عبر اللجنة المعنية بالملف من الجانب المصري، والتي يشرف عليها جهاز المخابرات العامة، مرجحاً أنه حال تم قبول الدعوة من الجانبين المصري والتركي، فمن المقرر أن تكون على مستوى رؤساء المخابرات.

وجددت وليامز في كتاب وجهته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الدعوة لعقد اجتماع وفدي النواب والدولة، برعاية الأمم المتحدة، بغية الاتفاق على قاعدة دستورية توافقية تفضي إلى انتخابات وطنية في أسرع وقت ممكن.

وأكدت، في كتابها، أن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات التشريعية الليبية، من حيث إبداء حسن النية والعمل بشكل بنّاء وفقاً للقواعد المعمول بها، والاتفاق السياسي الليبي لما فيه المصلحة العليا للشعب الليبي، مبينةً أن الشعب الليبي قد أعرب بشكل جلي عن رغبته في إنهاء النزاعات والانقسامات.

القاهرة متمسكة بتمكين حكومة باشاغا
ووفقاً لمصدر مصري آخر، فإن القاهرة لا تزال متمسكة برؤيتها الخاصة بتمكين الحكومة المكلفة، والتي يترأسها باشاغا، المدعوم من جانب القاهرة، مع إمكانية الحديث بشأن المدة التي تمارس خلالها أعمالها لحين التجهيز لانتخابات رئاسية.

وطالب عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية الليبية، في بيان، المجلس الرئاسي، بإعلان حالة الطوارئ ومنح مجلسي النواب والدولة مهلة 30 يوماً، واعتبارهما في إجازة تشريعية إلى حين انتخاب مجلس النواب الجديد.

وأضاف المصدر، أن “القاهرة قلقة من الدبيبة وانحيازاته الإقليمية، بالشكل الذي قد يقر أوضاعاً تضر بمصالح مصر ويتم البناء عليها في مستقبل ليبيا”، في إشارة واضحة إلى عمليات إعادة الإعمار وحصة مصر بشأنها، في ظل اتهامات مصرية للدبيبة بانحيازه للشركات التركية على حساب المصالح المصرية.

القاهرة متمسكة برؤيتها الخاصة بتمكين حكومة باشاغا

وكانت مصادر مصرية خاصة قد أكدت، في وقت سابق، لـ”العربي الجديد”، أن اتصالات جرت بين مصر وتركيا على المستوى الأمني، تناولت تطورات الأوضاع في ليبيا، باعتبارها أحد الملفات العالقة التي تعطل تطبيع العلاقات بين البلدين.

في مقابل ذلك، رأى مصدر دبلوماسي مصري مسؤول أن القاهرة قد تتراجع عن موقفها الداعم لتمكين حكومة باشاغا في حال توفرت ضمانات حقيقية بعقد الانتخابات الرئاسية الليبية خلال مدى زمني قريب، لا يتجاوز الأربعة أشهر، والتوافق بشأن مطالب مصر السابقة المتعلقة بالوجود العسكري التركي في غرب ليبيا.

وأكد أن مصر تسعى لحسم الملف الليبي سريعاً، في ظل مخاوفها من التأثيرات العكسية عليها، جراء التقارب بين تركيا وأبوظبي في ما يخص الأزمة في ليبيا.

وكانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبية قد دعت مجلس الدولة ومفوضية الانتخابات إلى عدم التعاطي مع إجراءات البرلمان التي تمس مشروع الدستور المعد للاستفتاء، مطالبة البعثة الأممية ووليامز، باتخاذ موقف من الإجراءات التي تهدف لمنع الليبيين من الاستفتاء على مشروع الدستور. كما دعت الهيئة، المحكمة العليا إلى تفعيل الدائرة الدستورية للنظر في ما أسمته بالخروقات التي تمس المسار الدستوري.

ليبيا: إجراءات جديدة تُقيد حركة المجتمع المدني وتُرهب النشطاء

 

 

رشيد خشـــانة – مكونات المجتمع المدني تعتبر الإجراءات الجديدة قيودا تعسفية في سياق حملة واسعة تستهدف ترهيب المجتمع المدني وتكميم الأفواه.

إذا كان هناك من مُعرقل لبرامج أية حكومة ليبية في الوضع الراهن، فهو غلق الموانئ النفطية وتوقف إيرادات تصدير النفط والغاز. ولهذا السبب ركز السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في آخر تصريح له، على أن استئناف إنتاج النفط والإدارة الشفافة للعائدات هما عنصران مهمان لتحقيق الاستقرار في ليبيا، من دون الإشارة إلى المسؤولين عن الغلق.
ومن التداعيات السلبية التي تجرعها الليبيون لدى تعطيل القطاع النفطي، في أوضاع مشابهة، انقطاع التيار الكهربائي وعرقلة إمدادات المياه ونقص الوقود، وهي مشاكل تُنغص حياتهم، فضلا عن الخسائر المالية الكبيرة المترتبة عليها. وكان السفير نورلاند عبّر عن قلقه بشأن توقف إنتاج النفط في ليبيا، مشيرًا إلى أن ذلك «قد يخلق ظروفاً عصيبة على الشعب الليبي». وحسب وزير النفط محمد عون فإن إغلاق عدد من حقول النفط يُفقد ليبيا بين 50 إلى 70 مليون دولار يوميًا.
أكثر من ذلك، أكد عون أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد خفضت إنتاج النفط بنحو 400 ألف برميل يوميًا، بعد أن كان يصل إلى نحو 1.2 مليون برميل نفط خام يوميًا، ونحو 2.5 مليار برميل غاز. وأفاد عون أن وزارته شكلت لجنة لإعداد تقرير تفصيلي عن تأثيرات إغلاق حقول النفط في الاقتصاد المحلي. وفي السياق وضع عون الإصبع على مشكلة جوهرية، هي تأثير الصراع السياسي في مصائر قطاع النفط والغاز، مطالبًا بعدم الزج بالقطاع في الخصومات السياسية، «باعتباره الثروة الوحيدة للبلاد» كما قال، ومُجددًا دعوة كافة المسؤولين إلى الامتناع عن إقحام انتاج النفط في المساومات السياسية.
وكان الوزير عون كشف النقاب، في تصريحات صحافية، أن ليبيا تضخ يوميًا 250 مليون قدم مكعب من الغاز إلى إيطاليا، أي ما يعادل 91 مليار قدم مكعب سنويًا، واصفًا الكميات المصدرة إلى إيطاليا عبر الأنبوب الرابط بين مليتة (شمال غرب) وجنوب إيطاليا بأنها غير كبيرة قياسا على استهلاك البلد الذي يُعتبر ثالث قوة اقتصادية في أوروبا.
لكن لا شيء في الوضع الراهن يُطمئن على أن الأزمة السياسية لن تتفاقم، وألا يعود اللعب بورقة النفط مجددا في سوق المناكفات السياسية، التي لم تتوقف منذ العام 2014. ومن علامات التجاذب الخطر بين الحكومة التي عينها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا وحكومة الوحدة الوطنية المُعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أن الأولى عقدت أول اجتماع لها يوم الخميس الماضي في مدينة سبها عاصمة إقليم فزان (جنوب) في خطوة قد تُمهد للعودة إلى أجواء الانشطار إلى حكومتين متنافستين. ويُعزى اختيار باشاغا لعقد اجتماع حكومته الأول في سبها إلى ثلاثة أسباب، أولها أنه لم يستطع دخول طرابلس بالوسائل السلمية، وثانيها أن اختيار عقد الاجتماع في مقر البرلمان بطبرق أو في البيضاء (شرق) يُقزم الحكومة ويُظهرها في وضع العاجز. أما السبب الثالث فهو سهولة الدخول إلى سبها، لأن مؤسسات الدولة فيها مشلولة، ولا قدرة للحكومات المركزية المتعاقبة للسيطرة عليها أمنيا وسياسيا.
غير أن باشاغا عزا اختياره سبها إلى رغبة حكومته بإيصال رسالة تؤكد فيها أنها «حكومة لكل الليبيين» بالإضافة إلى أهمية الجانب الرمزي في اختيار ثالث المدن، التي هي في الوقت نفسه عاصمة أحد الأقاليم الثلاثة. والأرجح أن سبها ستبقى ملجأ لعقد اجتماعات حكومة باشاغا، لأن تغيير المكان يُقلل من القيمة والصدقية. وفي خطوة بدت ردا مباشرا على اجتماع الحكومة الموازية في سبها، اختار الدبيبة أن يدعو رئيس المجلس البلدي في سبها وأعضاء المجلس إلى اجتماع في مكتبه بديوان رئاسة الوزراء، في العاصمة، خصصه للبحث في «الصعوبات والمشاكل التي تواجه أوضاع بلدية سبها» وخاصة نقص الوقود في المدينة، وهي مشاكل قائمة منذ سنوات.

حالة القوة القاهرة

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت منذ مطلع الأسبوع حالة القوة القاهرة في عدد من الموانئ والحقول النفطية، في أعقاب دخول محتجين إليها، مطالبين بإقالة رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله، وعدم التصرف في إيرادات النفط ولا تسييلها لحكومة الوحدة (الدبيبة).
وتؤكد مصادر قريبة من المحتجين أن الدبيبة أنفق في العام 2021 نحو 86 مليار دينار (18 مليار دولار) وسط تحذيرات أصدرها مراقبون ومهتمون بالشأن الاقتصادي، من أن يؤدي الإسهاب في الإنفاق إلى ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الدينار. أما على الصعيد القانوني فتوعد صنع الله بتقديم مذكرة للنائب العام، تتضمن أسماء المحرضين الرئيسيين على إغلاق حقول النفط تمهيداً لمحاسبتهم.
وفي خط مُواز شكلت وزارة النفط والغاز برئاسة الوزير عون، الذي لا ينسجم مع صنع الله، لجنة للوقوف على مستجدات القطاع ومتابعة ملف الإغلاقات التي ينفذها محتجون في بعض الحقول والموانئ النفطية. وبحسب بيان مقتضب للوزارة، فإن اللجنة باشرت التواصل مع أعيان ووجهاء المناطق التي توجد فيها الحقول النفطية المغلقة، «بغية الخروج بحلول تناسب كافة الأطراف وما يتوافق مع المصلحة الوطنية» مبينة أن اللجنة تُعد في حالة انعقاد مستمر لمتابعة الإغلاقات الحاصلة في المواقع الصحراوية والبحرية.

نزيف مالي كبير

لكن هناك نزيفا كبيرا آخر لا يتحدث عنه إلا القليلون، وهو حجم التهريب المتزايد للثروة النفطية، عبر السواحل والحدود البرية، التي لا تسيطر عليها أجهزة الدولة، ويتحكم فيها أباطرة التهريب، وهي تجارة غير شرعية تُكلف خسائر كبيرة لمؤسسة النفط، بالرغم من كل ما تُنفقه على أسلاك حراس الموانئ والحقول النفطية. ويعتقد الخبراء أن هذا النزيف لا يمكن أن يتوقف على أيدي حكومات ضعيفة لا تتعدى دائرة سلطتها حدود المدينة التي توجد فيها.
من هنا يعود الحل السياسي إلى الواجهة للتعجيل بإجراء الانتخابات وتأمين مرجعية دستورية لها تحظى بأوسع توافق ممكن بين الليبيين من مشارب ومناطق مختلفة. ويعتقد المتابعون للملف الليبي أن التجربة أثبتت أن الطرف الوحيد القادر على لعب دور الحكم بين الفرقاء الليبيين هي المنظمة الأممية. وعليه تحضُ أطراف دولية وإقليمية عدة على الإسراع بتسمية مبعوث دائم للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، للبناء على ما حققه المبعوثون السابقون، وخاصة غسان سلامة وستيفاني وليامز.
وربما من أعلى الأصوات الداعية إلى استئناف المسار الحواري من أجل الوصول إلى حلول لمسألتي الانتخابات والدستور، صوتُ الأمريكيين، على لسان سفيرهم نورلاند، الذي عبّر عن قلقه بشأن توقف إنتاج النفط في ليبيا، مشيرًا إلى أن ذلك قد يخلق ظروفاً عصيبة على الشعب الليبي، بما في ذلك انقطاع التيار الكهربائي وتعطُل إمدادات المياه. وفي السياق أكدت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس -غرينفيلد، أن أمريكا مستمرة بالاشتغال على الملف الليبي، مشيرة إلى ضرورة تعيين مبعوث خاص، على أن يكون مستعدا للذهاب إلى ليبيا، وأن يتمكن من القيام بمهامه.
والأمريكيون كما يبدو يرغبون بالاستثمار في ليبيا رغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وهو ما أعرب عنه أعضاء جمعية رجال الأعمال الأمريكية – الليبية الذين شاركوا في مائدة مستديرة بواشنطن، لمناقشة التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة، التي تؤثر على العلاقات الأمريكية – الليبية، في حضور السفير نورلاند. وعبر رجال الأعمال عن قلقهم بشأن حالة عدم اليقين السياسي وتحشيد الميليشيات واضطرابات إنتاج النفط والغاز، «التي تلقي بظلالها على بيئة الأعمال في ليبيا، وتضر بنوعية حياة الشعب الليبي» وفق بيان صادر عن السفارة الأمريكية لدى ليبيا. وأبدى أعضاء الجمعية اهتمامهم بـ«إمكانات ليبيا الهائلة للنمو الاقتصادي» في إشارة إلى مخزون البلد من النفط والغاز، الذي يُعد الأكبر في القارة الأفريقية. ويمكن القول إن تلك الثروة هي أبرز ما يهم الأمريكيين في ليبيا.
وفي خطوة موازية اجتمع حاكم مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير مع نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي إريك ماير، عبر الفيديو، الذي أكد على ضرورة المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط وتوفير الموارد المالية لزيادة مستوى إنتاج النفط الخام.

استفاقة المجتمع المدني

غير أن الجديد في الفترة الأخيرة تمثل بعودة المجتمع المدني الليبي إلى مسرح الأحداث، بعدما انكفأت مكوناته على نفسها طيلة أعوام، بسبب سطوة الجماعات المسلحة والعنف، إلى جانب استهداف كثير من النشطاء والناشطات في المناطق الشرقية والغربية على السواء، بالخطف والقتل والاعتداءات الجسدية. وحضت عشرات الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإعلامية و57 شخصية مستقلة، السلطات الليبية على ضمان الحقوق الدستورية، و«رفع القيود التعسفية على حرية التنظيم وتكوين الجمعيات الأهلية، والوفاء بالالتزامات الدولية». وخصُوا بالنقد مفوضية المجتمع المدني، على إثر إصدارها مؤخرا تعميما حظرت بموجبه على المنظمات والأفراد المنتمين لها المشاركة في أي أنشطة خارج ليبيا، بما فيها التدريبات وورش العمل أو التعاون مع المنظمات الدولية أو تلقي الدعم منها.
واعتبرت مكونات المجتمع المدني تلك الإجراءات «قيودا تعسفية» مفروضة عليها، في سياق «حملة واسعة تستهدف ترهيب المجتمع المدني وتكميم أفواه المدافعين عن حقوق الإنسان» مشيرة إلى أن المجتمع المدني الليبي واجه مؤخرا «حملة ممنهجة تشنها بعض الأجهزة الأمنية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان» من دون تحديد الأجهزة المقصودة. كما حضت المنظمات والشخصيات الموقعة على البيان مجلسَ النواب على إقرار مشروع قانون سبق أن أحالته إليه منظمات حقوقية وشخصيات عامة في تشرين الأول/اكتوبر 2021.
ومثل هذا الجدل لا ينفصل عن التأخير في إقرار دستور ديمقراطي يكون ثمرة من ثمار انتفاضة 2011 ضد الاستبداد. ومن غير المفهوم استمرار الخلاف على مسودة الدستور، التي أعدتها لجنة منتخبة تمثل جميع أقاليم ليبيا، والتي ضمت ستين عضوا من خيرة الخبراء في القانون الدستوري والعلوم السياسية. ويتجاهل هؤلاء أن «لجنة الستين» أنهت عملها، بعد عدة اجتماعات في عواصم مختلفة، وتوصلت إلى مسودة جاهزة للاستفتاء عليها. وقد أجيزت منذ يوم 29 تموز/يوليو 2019 بعدما حصلت على الغالبية، وحصدت أصوات ثلثي أعضاء اللجنة.
وفيما يتصارع الزعماء الليبيون على مواقع السلطة، يستسلم الشباب للإحباط ويُخطط لمغادرة البلد، فقد أظهر استطلاع حديث أن ليبيا تتصدر قائمة الشباب العرب الراغبين في الهجرة، بعد لبنان. وتوقع 86 في المئة من الليبيين المستجوبين اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة، وانتقد 63 في المئة من أولئك الشباب تفشي الفساد الحكومي بشكل واسع في بلدهم. ويُلقي هذا الوضع الاجتماعي بظلاله على المسار السياسي، إذ سيكون من العسير على «الزعماء» كسب ثقة الشباب وإقناعهم بالانخراط في العمل السياسي والتخلي عن السلاح.

عالم الاجتماع الليبي الدكتور مصطفى عمر التير: من تولوا الأمور بعد 2011 تخرجوا من مدرسة القذافي

 

حاوره: رشيد خشـــانة – اعتبر عالم الاجتماع الليبي الدكتور مصطفى عمر التير أن الليبيين لم يستطيعوا إرساء نظام سياسي يعتمد على معيار الكفاءة. وحذر في حوار مع «القدس العربي» من انتشار الفساد حاليا في ليبيا على نطاق أوسع من الماضي. والدكتور التير باحث نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة مينيسوتا الأمريكية (1971) ودرّس في جامعات ليبية وأمريكية مختلفة، وكان مديرًا لمعهد الإنماء العربي. كما أصدر عدة مؤلفات في علم الاجتماع، من أشهرها كتابه «صراع الخيمة والقصر: رؤية نقدية للمشروع الحداثي الليبي».

 

وهنا نص الحوار.
تدخل أخيرا وجهاء مدينة مصراتة لمنع اندلاع قتال بين أنصار عبد الحميد الدبيبة والموالين لفتحي باشاغا في مداخل طرابلس، فهل ما زال لهذه القيادات التقليدية دور في حياة المجتمع السياسية؟
• دورٌ ضعيف جدا، لكن فعلا في طرابلس يبدو أن هؤلاء هم من منع الصدام، وأن الطرف الذي انسحب كان يعلم أنه لا يملك نفس المثقال من القوة.
والخطير في الموضوع أن الطرفين من مصراتة (شمال وسط) وهذا يدلُ على انقسام في المدينة التي هي ثالث المدن الليبية. وهناك من يقول إذا ما حدث ذلك الانقسام الكبير بين زعامتين، ستغدو الطريق سالكة أمام اللواء خليفة حفتر ليغزو العاصمة، وهذه مشكلة عويصة.

وكيف تصف الوضع في طرابلس؟
• سيءٌ للغاية. ونحن نسمع عن حكومة وطنية قيل إنها ستدخل إلى طرابلس، لكن العاصمة ليست كل ليبيا، فالبلد فسيح، وهذه الحكومة قامت على محاصصة فكل مسؤول يضع أتباعه في وظائف هامة. وبالرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين لم نستطع أن نُرسي نظاما سياسيا يعتمد على معيار الكفاءة، لذلك ليست هناك مؤسسات. والنتيجة أن كل فرد يجتهد من ناحيته، والاجتهاد موجهٌ في غالب الأحيان إلى المصلحة الشخصية.
ومن الأمثلة على ذلك أن الدولة اشترت أخيرا مصحة في بنغازي من أحد رجال الأعمال، بينما هي تمتلك شبكة كبيرة من المستشفيات، وكان الأحرى بها أن تُرممها وتُجددها. من هنا نُدرك أن أكبر نجاح حققه معمر القذافي هو خلخلة القيم ومسح مفهوم الوطن واختزاله في شخصه. وعندما غاب الشخص لم يعد هناك وطن، فأنت لا تشعر لدى المسؤولين بالحرص على الحفاظ على ذاك الوطن. صحيح أن هناك مشاريع تُنجز لكن فتش دوما عن الفساد الذي يُحيل تلك المشاريع إلى المصالح الخاصة.

عدا الفساد ما هي مشاكل ليبيا الأخرى؟
• المشكل الثاني في ليبيا اليوم إلى جانب الفساد الإداري وضعف الحوكمة، هو ارتفاع منسوب الكراهية بين أبناء البلد الواحد، فهي منتشرة في برامج القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف وأيضا في مواقع التواصل الاجتماعي. ونلاحظ أن تلك المواقع لعبت دورا كبيرا في نشر «ثقافة الكراهية» إذا ما اعتبرناها ثقافة، ففي مجتمعنا لم يكن مثل هذه الانحرافات موجودا. كانت منتشرة في المجتمعات الغربية بين السود والبيض على سبيل المثال، وبين الوافدين والسكان الأصليين. هذا لا يعني أن القبائل الليبية ليست بينها خلافات ولكنها ليست بهذا الحجم، ربما لأنها كانت تدور حول مسائل بسيطة. وخلال تلك الخلافات يتدخل رؤساء القبائل بالصلح. لكن عندما يصل شخص إلى السلطة يُصبح أهم من شيخ القبيلة في نظر قبيلته، لأنه هو من يستطيع توزيع العطاءات على أعيان القبيلة.

من الذي أوصل ليبيا إلى هذا المأزق؟
• الليبيون أنفسهم…

○ هل تقصد النخب؟
• لا ليست في ليبيا نُخبٌ بالمعنى الدقيق، لأن نظام معمر القذافي لم يُنتج نُخبا سياسية، وفكك الدولة ودمر المجتمع. والذين تولوا الأمور بعد 2011 هم المتخرجون من المدرسة نفسها طيلة أكثر من أربعة عقود. ومن يحكم اليوم هي الميليشيات. حتى النظام التعليمي تم إفراغه وتدميره. ففي ظل الملكية كان المتفوقون يُبتعثون إلى الخارج، للدراسة في أكبر الجامعات العالمية، وخاصة إلى الجامعات الأمريكية والبريطانية، ويُشترط فيهم أن يكونوا من الصف الأول حتى يُوافق على ابتعاثهم.
لذلك عند الاستقلال (1951) كان هناك حكام يؤمنون بمشروع اسمه الوطن، لكن لم يسمح النظام السابق لهذه الفئة بأن تشاركه في الحكم. والذين استولوا على السلطة بعد الانقلاب العسكري في 1969 كانوا ضباطا صغارا لم يُؤتوا من العلم إلا قليلا، فقد تعلموا في مدرسة محلية لمدة سنتين فقط بعد الثانوية، ومع ذلك اعتبروا أنفسهم الصفوة. واعتبر القذافي نفسه مفكرا ومُنظرا ومعلما، وأزاح المثقفين الحقيقيين، في مقابل إبراز عناصر اللجان الثورية. ولما أرسلت عناصر من تلك اللجان للدراسة في الخارج لم يستطيعوا مسايرة المستوى الأكاديمي فراحوا يدرسون في جامعات المعسكر الشرقي وكان مستواهم ضعيفا. لهذا عندما يُعلق البعض كل شيء على مشجب التدخل الخارجي أقول صحيحٌ هناك تدخل لكن الليبيين هم المسؤولون عما يحدث لبلدهم.

في كتابك «صراع الخيمة والقصر: رؤية نقدية للمشروع الحداثي الليبي» ركزت على إبراز تأثير الحكم الاستبدادي في خلخلة المجتمع وضرب قيمه، كيف وصلت إلى هذه الاستنتاجات؟
• هذا الكتاب يتطرق إلى مسيرة تحديث المجتمع الليبي، وهي مسيرة أدعي أنها بدأت على نطاق ضيق منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واقتُطعت منها حقبة معينة، وهي الحقبة التي بدأت بالانقلاب العسكري في اليوم الأول من أيلول/سبتمبر 1969 والذي أطلق عليه من قاموا به اسم «ثورة الفاتح». وقد نفذ الانقلاب حفنة من صغار ضباط الجيش بقيادة ملازم ثان اسمه معمر محمد عبد السلام أبو منيار. تربع معمر على المسرح السياسي الليبي، وكان اللاعب الرئيس في جميع الأحداث التي مر بها هذا المجتمع.

هناك كتب كثيرة صدرت حول القذافي بعد وفاته، ما الجديد في كتابك؟
• هذا الكتاب يختلف عن الكتب التي صدرت حتى الآن حول القذافي، لأنه كتاب في علم الاجتماع، وبالتالي فهو يبين كيف نظرتُ كمتخصص في علم الاجتماع إلى مسيرة مجتمع خضع لحكم دكتاتور طيلة حقبة طويلة. وطبعا التاريخ يعج بالمستبدين، ولن ينتهوا، لكن الحقبة التاريخية التي حكم فيها القذافي والظروف التي صاحبتها، وخصوصا المرتبطة بثروة النفط، ساعدت على أن يكون تأثيره على مجرى الأحداث في ليبيا قويا ومن نوع خاص. فعندما يتوافر المال وتغيب القوانين ويقرر حاكم متعجرف أن له هو وحده الحق في استخدام المال العام كيفما شاء، تحدُثُ أشياء كثيرة، وأهمها القدرة على شراء كم هائل من الذمم، لاستخدامها لصالح الحاكم وليس المجتمع.

واليوم كيف يمكن إدخال إصلاحات جذرية على الاقتصاد للحد من التبذير ومن تبديد المال العام؟
• أحد مشاكل ليبيا الكبرى أن اقتصادها ريعي، والمُتسبب في ذلك هو معمر القذافي الذي ألغى القطاع الخاص بالكامل وحول الجميع إلى موظفين لدى الدولة، وصارت الدولة أكبر مُشغل، بل وباتت تُشغل حتى من ليس لديهم عملٌ محدد. اكتشفنا لاحقا أن هناك من يتقاضى خمسة رواتب في الشهر، وهناك أطفال موظفون ويتقاضون رواتب، وموتى تُخصص لهم رواتب أيضا.

○ ألم يتغير الوضع بعد 2011؟
• تطرقتُ لهذه الظواهر في كتاباتي بناء على ملفات، وأملك ملفات أخرى، لكني لا أستطيع نشرها الآن خوفا على سلامتي. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن الفساد بدأ ينتشر في الفترة الأخيرة من حكم القذافي، وقد تضاعف اليوم عشر مرات عما كان عليه في ظل النظام السابق. ولهذا السبب تُصنف ليبيا في أسفل سلم النماء وجودة الحياة في العالم، وفي مقدم تصنيفات الدول الفاشلة، لأنها فعلا دولة فاشلة.

تتخاصم حاليا حكومتان على حكم البلاد، ألا ترى أن الأزمة السياسية في ليبيا هي بالأساس أزمة شرعية، لأن الجميع يفتقر إليها؟
• هناك دوما مبررات شرعية لأية حكومة، لكننا لا نملك أية قطعة من الشرع لأننا نستمد شرعيتنا من الخارج ونبحث عن اعتراف الأمم المتحدة بنا. ولو سلم القذافي الأب الحكم لابنه بطريقة سلسة لاحتاج الأخير أيضا لتلك الشرعية الخارجية.

○ ماذا تعرف عن سيف الإسلام القذافي؟
• هو مختلف عن والده تعليما وثقافة. لكن الأب لم يكن يسمح لأحد بأن يكون مُتميزا حتى لو كان نجله. لذلك فتح أمامه الأبواب للالتحاق بالجامعة، لكن لما أصبحت له شعبية بين الشباب أزاحه بطريقة مُهينة. وهذا هو الأسلوب الذي يتعاطى به مع أبنائه، فهم يُنادونه سيدي وليس بابا كباقي الأطفال.

○ كيف سلمه إذا مشروع «ليبيا الغد» وائتمنه على الحوار مع المتشددين الدينيين في السجون إذا كان لا يثق فيه كما ذكرت؟
• هذه قصة أخرى فقد أقام معهم علاقة مهدت للإفراج عنهم، لكن لما قرر القذافي الأب إنهاء العملية انتهت بسرعة. وأعتقد أن سيف ظن في فترة من الفترات أنه سيكون الوريث، ومن أجل ذلك يجب أن يكون مقبولا من الغرب، والغرب كان قابلا أيضا بهذا البديل.
○ هل تعرفت إلى المجموعة التي كانت تُدير الدولة مع القذافي؟
• بلى، عرفتهم مُذ كانوا في الثانوية، ومنهم القذافي وعبد السلام جلود، ولم تنشأ بيني وبينهم صداقة لأنهم كانوا ينتمون للمجموعة التي صنفتنا في خانة «الرجعيين». وكان معروفا أني مع بعض أصدقائي نحمل رأيا مخالفا، وأجرينا مناقشات مع القذافي ومع الآخرين ولم نتفق. بعد ذلك انضم بعضنا إلى النظام وصاروا وزراء، أما أنا والآخرون فبقينا خارج الحكم، لأننا لم نكن نحمل تطلعات أخرى.

○ هل تعرضت لمضايقات لكونك حافظت على استقلالك؟
• في إحدى المناسبات كنت ألقي محاضرة في «مركز الجهاد الليبي» فاستفزني أحدهم وصاح «العظمة… العظمة» وكان يقصد الجماهيرية العظمى، فأجبتُهُ بأنني لم أر هذه العظمة إلا في ثلاثة أشياء هي الفوضى وكثرة الكلام والكناسة. وبعد تلك الجلسة خاطبني بالهاتف وزير الداخلة محمد المصراتي، مستفسرا، وكان طالبا في القانون لما كنت رئيسا للجامعة. لكن عموما لم يظلمني أحد، وبطبعي لم يكن لدي طموح أن أصبح وزيرا أو مسؤولا في الدولة، إذ رفضت المناصب مع عدد من زملائي، ولم تُقطع معاشاتنا بل بقينا محترمين. كان هناك أفراد مثل حالتي لديهم هامش صغير يلعبون فيه، بشرط ألا ينضموا إلى مجموعات، فالقذافي كان يخشى المجموعات، مثل جماعات التشدد الديني، الذين كان يخاف منهم كثيرا وقد أدخلهم السجون، وكذلك قليل من جماعة اليسار الذين سجنهم أيضا، فقد كان هناك ظلمٌ في الحبس وقمع شديد.

○ في المجال الأكاديمي كنت من مؤسسي الجمعية العربية للعلوم الاجتماعية في 1985 التي ترأسها الباحث الراحل عبد الباسط عبد المعطي (1943-2010) فماذا أنجزت الجمعية على صعيد مُراكمة الخبرات البحثية؟
• أنا توليتُ رئاستها بعد المرحوم عبد الباسط، وبقيتُ على رأسها عشر سنوات، قبل أن يتسلمها مني الدكتور خلدون النقيب. وبصراحة لم يكن للجمعية دورٌ في تطوير البحث في العلوم الاجتماعية، بقدر ما كان لها دور في التقريب بين علماء الاجتماع العرب والتعريف بأعمالهم، بالإضافة لدورها الهام في تأطير الطلاب الجدد لدى إعداد أطروحاتهم. ومن تقاليدنا في الجمعية أن نلتقي سنويا في إطار أطلقنا عليه اسم «لقاء الأجيال» وكان يجمع طلابا وطالبات مع أساتذة من مختلف البلاد العربية، لكي يُقدموا مشاريعهم البحثية ويستمعوا إلى مناقشات الأساتذة لمضامينها. وساهم هذا الإطار في تقريب الشقة خاصة بين الجزائريين والتونسيين والليبيين والمغاربة، فأصبحنا أصدقاء، لكننا لم ننجح كثيرا في جلب زملائنا المشارقة.

من الفنانة أنيسة لطفي إلى الطبيبة توحيدة بالشيخ: صورة المرأة منقوشة في الذاكرة وعلى النقود التونسية

 

إن تفتخر بعض البلدان بأنها صاحبة أجمل ورقات نقدية هي أشبه بلوحات فنية على غرار سويسرا وكندا… فإنه يحق لتونس أن تفتخر بكونها صاحبة الريادة في تكريم المرأة بوضع صورتها على العملة منذ فجر الاستقلال.

في المقابل، لم تقرّر الولايات المتحدة التي عرفت رئيسا بقيمة أبراهام لينكون وضع صورة المرأة على نقودها إلا سنة 2016. وقد ظهرت المناضلة صاحبة البشرة السوداء هارييت تابمان على ورقة العشرين دولارا أمريكيا بدلا من الرئيس الأمريكي السابع آندرو جاكسون، لتكون بذلك أوّل امرأة تظهر صورتها على العملة الأمريكية منذ أكثر من قرن.

في تحية تقدير واعتراف بالجميل للأطباء وأعوان الصحة بصفتهم أبطال المرحلة في مجابهة وباء كورونا، أصدر البنك المركزي التونسي ورقة نقدية جديدة تحمل صورة توحيدة بالشيخ، أول طبيبة تونسية في تونس والعالم العربي.

توحيدة بالشيخ وتكريم للأطباء في زمن الكورنا
في بادرة لطيفة وطريفة، اختار البنك المركزي التونسي أن يصدر ورقة نقدية جديدة من فئة عشرة دنانير تحمل صورة الطبيبة توحيدة بالشيخ تكريما لقطاع الصحة وتحية لجنود الرداء الأبيض الذين يبذلون كثيرا من الجهد والتضحية في سبيل إنقاذ حياة المصابين بفيروس كورونا. كما تتنزل هذه الحركة الجميلة في سياق رفع التحية إلى المرأة التونسية حيث كانت توحيدة بالشيخ أوّل طبيبة في تاريخ البلاد التونسية.

من هي الطبيبة الشهيرة التي حفظ اسمها التاريخ والطب توحيدة بالشيخ؟ أورد الكاتب منصف بن مراد في كتابه «مادام في الثورة التونسية نساء…» تعريفا لتوحيدة بالشيخ جاء فيه: «ولدت توحيدة بن الشيخ يوم 2 جانفي 1909 بتونس، وقد كانت أول طبيبة في العالم العربي حيث مارست طب الأطفال ثم طب النساء… وهي من عائلة ميسورة من رأس الجبل. درست لدى الراهبات وكانت من أوائل التلاميذ في معهد نهج روسيا. وبعد أن نجحت في البكالوريا بأفضل معدل سنة 1928 سافرت إلى فرنسا مصحوبة بليليا زوجة الطبيب والباحث الفرنسي الدكتور «بيورني» والذي أضحى لاحقا مديرا لمعهد باستور. ولم. في عام 1936 عادت إلى تونس ومعها شهادة الطب. وقد كرمتها بشيرة بن مراد مؤسسة الاتحاد النسائي الإسلامي. عُرّفت الدكتورة توحيدة بالشيخ بنضالها من أجل حقوق المرأة. كما شاركت منذ سنة 1937 في أنشطة نادي الفتاة والاتحاد النسائي الإسلامي. باشرت الطب الخاص إذ كانت المستشفيات العمومية مراقبة من قبل سلطة الاحتلال ثم ساهمت في إرساء سياسة التنظيم العائلي عبر إحداث أول قسم له بمستشفى شارل نيكول سنة 1963. توفيت توحيدة بالشيخ في 6 ديسمبر 2010 عن سن تناهز 101 سنة».

وكانت توحيدة بالشيخ محل احتفاء تونسي كبير خاصة في السنوات الأخيرة من خلال إنتاج فيلم وثائقي يحكي سيرتها بعنوان «نضال حكيمة» عام 2013 وإصدار البريد التونسي لطوابع بريدية تحمل صورتها.
كما يجب ألا نغفل أن الوجه الخلفي لورقة 10 دنانير الجديد احتفى بطريقة غير مباشرة بالمرأة التونسية وتحديدا بنساء سجنان، المبدعات على الفطرة والفنانات المتتلمذات على يد الطبيعة. وقد حملت الورقة النقدية الجديدة صورة لفخار سجنان الذي تم تسجيله في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

أنيسة لطفي أول امرأة توضع صورتها على العملة
إن حظي إصدار ورقة نقدية تحمل صورة الطبيبة توحيدة بالشيخ بالإعجاب والإطراء، فقد غاب عن ذاكرة البعض أن هذه الطبيبة ليست أول امرأة تظهر ملامحها على العملة التونسية. بل كانت الفنانة أنيسة لطفي هي صاحبة لقب أوّل امرأة توضع صورتها على النقود.
فمنذ الاستقلال، قرر الزعيم بورقيبة تكريم المرأة عبر وضع صورتها على عملة البلاد التونسية. ولعل ما يجهله الكثيرون هو أن صورة الممثلة أنيسة لطفي مرسومة على العملة التونسية وذلك بعد أن رشحها الرئيس الحبيب بورقيبة لهذا الشرف على إثر مشاهدته لها على المسرح لتكون صورتها مطبوعة على الورقة المالية «الدينار» التي توقف التعامل بها وكذلك القطعة الحديدية من قيمة الدينار والتي لا يزال التعامل بها متواصلا إلى حد اليوم.

وقد جلبت الممثلة أنيسة لطفي اهتمام الرئيس بورقيبة بفضل حسها المرهف على الركح وملامحها الهادئة والمسالمة … فأمر بوضع صورتها على الدينار المعدني والورقي.
وكانت الفنانة القديرة منى نورالدين صاحبة الفضل في تقديم أنيسة لطفي إلى المسرحي علي بن عيّاد مدير فرقة مدينة تونس. ومن هناك كانت انطلاقتها للمشاركة في عديد الأعمال العربية والأجنبية. كما كان لها لقاء مع الممثل المصري الكبير جميل راتب على ركح مسرحية «عطيل» لفرقة مدينة تونس سنة 1966.

وتحتل الممثلة أنيسة لطفي مكانة هامة في قلوب جمهور الدراما من خلال أدائها اللافت في عديد المسلسلات الرمضانية على غرار «قمرة سيدي المحروس» و»يا زهرة في خيالي» و »صيد الريم»…

وقد كرّمت الدورة 19 من أيام قرطاج المسرحية سنة 2017 الفنانة أنيسة لطفي صحبة الفنان المصري محمد صبحي تكريما لمسيرتها كواحدة من أبرز الممثلات في المسرح والتلفزيون والسينما…
ومن الفنانة أنيسة لطفي إلى الطبيبة توحيدة بالشيخ، لاشك أن التاريخ التونسي يحفل بسير النساء الرائدات والرائدات ممن هن جديرات عن استحقاق بأن تكون صورهن على الورقات النقدية وأن تحتل أسمائهن قلب الأحداث والحياة.

 

 

اجتماعات ليبية في القاهرة… ووليامز تقترح لقاء مصرياً تركياً أممياً

 

التقت وليامز رئيس المخابرات المصرية في القاهرة (فتحي بلعيد/فرانس برس)

 

تستقبل العاصمة المصرية القاهرة اجتماعات لجنتي مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية، بشكل يسمح بإجراء الاستحقاقات الانتخابية في أسرع وقت ممكن، وذلك بحضور البعثة الأممية، ورعاية اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي، التي يشرف على عملها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل.

في هذا الإطار، قال مصدر خاص مقرب من اللجنة المعنية بالملف الليبي، لـ”العربي الجديد”، إن المستشارة الأممية بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، التقت رئيس المخابرات العامة المصرية، عقب وصولها إلى القاهرة مساء أمس الأول الثلاثاء، لافتاً إلى أن اللقاء بحث كافة الأمور المتعلقة بالمسار الديمقراطي في ليبيا.

مساع أوروبية وأمريكية للاستعاضة عن الغاز الروسي بالغاز الجزائري والليبي

 

رشيد خشــانة – إذا كان هناك من مستفيد من الحرب الروسية الأوكرانية فهُما رئيس مجلس إدارة مجموعة «سوناتراك» الجزائرية توفيق حكار ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله. ويتضح من الزيارات المتواترة لمسؤولين في الشركات النفطية والغازية العالمية إلى كل من الجزائر وليبيا في الفترة الأخيرة، أن هناك قرارا للاستعاضة، جزئيا على الأقل، عن الغاز الروسي بالغاز الليبي، والجزائري في المرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار تعتزم المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا استئناف العمل في تهيئة ثلاثة آبار غازية تقع في منطقة حمادة وعطشان وعروس البحر، في محيط مدينة سرت (شمال الوسط). وستكون معاودة التهيئة مُتاحة بعد العودة المرتقبة للمستثمرين الأجانب إلى ليبيا. وأفاد زوار تحدثوا أخيرا مع صنع الله أن من أبرز أولوياته استقطاب مستثمرين أجانب وتطوير الإنتاج في الآبار ذات المخزون المؤكد، والتي ظلت متوقفة، بسبب اضطراب حبل الأمن في البلد، طيلة السنوات الماضية.
واللافت أن من أوائل المجموعات النفطية التي استأنفت مؤخرا أعمال التفتيش والتهيئة، الشركة النفطية الروسية «تاتنيف» التي تقوم بأعمال الاستكشاف في منطقة الحمادة الواقعة في حوض غدامس (شمال غرب) على الحدود التونسية الليبية. وكانت هذه المجموعة الروسية توصلت في 2007 إلى اتفاق مع السلطات الليبية للاستكشاف والإنتاج، ما يجعل عودتها إلى ليبيا اليوم ترتدي طابعا سياسيا، ليس فقط على صعيد العلاقات الاقتصادية الليبية الروسية، وإنما أيضا على الصعيد الداخلي، إذ أن روسيا تدعم القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء خليفة حفتر. وعلى بُعد 100 كيلومتر من سرت بدأ العمل في تهيئة حقل «مبروك» الذي عُهد بتطويره إلى مجموعة «توتال إنرجيز» الفرنسية، وتُقدر طاقته الإنتاجية بـ40 ألف برميل في اليوم، إلا أنه لم يصل إليها بسبب الوضع الأمني غير المستقر.
ويستعد الليبيون لتطوير إنتاج الغاز في حقول بحرية وحقول أخرى على اليابسة. وكان هذا الموضوع محور بحث بين مصطفى صنع الله والمدير الإقليمي لمجموعة «توتال إنرجيز» الذي زار ليبيا مؤخرا. ويأمل الليبيون الرفع من معدلات الإنتاج، واستئناف المجموعة الفرنسية عمليات التفتيش في بعض المواقع. وأفاد موقع «المؤسسة الوطنية للنفط» على شبكة «فيسبوك» أن الجانبين ناقشا سبل التعاون المشترك لتنفيذ حزمة من الأهداف، أبرزُها استئناف «توتال» عمليات الاستكشاف في بعض المواقع والرفع من معدلات الإنتاج، بالإضافة لمساعدة الليبيين على التقليل من الانبعاثات الكربونية، ومساهمة المجموعة الفرنسية في إدخال تقنيات الطاقات المتجددة في جميع العمليات بقطاع النفط والغاز الليبي. وأخرج مصطفى صنع الله من دفاتره خلال الاجتماع مع الوفد الفرنسي، مشروعا مُهما لدى الليبيين، يتمثل في إنشاء مصفاة للنفط والغاز في الجنوب الليبي. وكان النظام السابق أعلن عن المشروع في ثمانينات القرن الماضي، وتُقدر كلفته بـ500 مليون دولار، ثم تخلى عنه. وإذا ما نُفذ المشروع في المستقبل سيُؤمن حاجات الجنوب من المحروقات، إذ تقدر طاقة إنتاج المصفاة بـ3 ملايين لتر في اليوم.

أيام برلوسكوني

وفي استمرار للمنافسة التقليدية الفرنسية الإيطالية زار ليبيا أيضا الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيني» الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي، واجتمع مع صنع الله في السياق نفسه. وأوضح ديسكالزي أن «الحرب في أوكرانيا تجبرنا على رؤية العالم بشكل مختلف عما كنا نعرفه» مُضيفا أن «هذه مأساة إنسانية ولدت تهديدات جديدة لأمن الطاقة التي يجب أن نواجهها من دون التخلي عن طموحاتنا في انتقال عادل للطاقة». وفي هذا الإطار يسعى الجزائريون والليبيون لتنفيذ مشاريع نفطية وغازية جديدة، مثل المشروع الذي انطلق الشهر الماضي في منطقة بركين الجنوبية. وكانت إيطاليا حصلت على أيام رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني على امتيازات خاصة في قطاع النفط والغاز الليبي، بموجب اتفاقات وقعت عليها ليبيا مع مجموعات إيطالية. وتستورد إيطاليا حاليا 17 في المئة من حاجاتها النفطية و23 في المئة من حاجاتها الغازية من ليبيا، فيما تسعى فرنسا التي قادت الحملة الأطلسية على النظام السابق في 2011 إلى تحصيل تسهيلات مماثلة، لفائدة مجموعة «توتال» فضلا عن رغبتها باستعادة نفوذها في منطقة فزان (جنوب) التي وضعتها الأمم المتحدة تحت الإدارة الفرنسية، بُعيد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية.
ولوحظ أن رؤساء المجموعات النفطية الكبرى المُستثمرة في ليبيا أو المتعاملة معها زاروا طرابلس في الفترة الأخيرة وناقشوا مع رئيس «المؤسسة الوطنية للنفط» صنع الله وسائل تطوير التعاون بين الجانبين.
ويمكن اعتبار زيادة صادرات الغاز إلى البلدان الأوروبية مطلبا أمريكيا، بالإضافة لكونه مطلبا أوروبيا، وقد أبلغته واشنطن رسميا إلى كل من الجزائر وليبيا، فقد أفيد أن هذا الموضوع شكل أحد المحاور المهمة في الزيارة التي أداها أخيرا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للجزائر ومحادثاته مع الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان العمامرة.
أما صنع الله فأكد لمخاطبيه أن القطاع النفطي في ليبيا يواجه صعوبات وتحديات كبيرة سببُها قلة التمويل وشُح الموازنات المخصصة للقطاع، ما جعله عاجزا عن التوسع وزيادة الإنتاج وصرف رواتب عماله وتنفيذ مشاريعه، ومن بينها إقامة مصنع جديد للغاز.
وتأخير المشاريع هذا هو السبب في مختنق نقص الوقود بالجنوب. وكان مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية أعطى الشهر الماضي موافقته للمؤسسة الوطنية للنفط على التعاقد لتنفيذ مشروع إنشاء مصفاة لتكرير النفط واستخلاص غاز الطهي من الغازات المحروقة، في حقل الشرارة النفطي جنوب غرب ليبيا، وذلك بقيمة تعادل 600 مليون يورو.

تحالفات راسخة

لكن كلاوديو ديسكالزي الذي شرح أخيرا «الخطة الاستراتيجية للمجموعة حتى 2025» أكد أن هذه الاستراتيجيا مكنت من الاستعداد لمواجهة التحديات الراهنة، وخاصة تداعيات الحرب في أوكرانيا. وأوضح أن الاستجابة الفورية للأزمة الحالية تمثلت «في استخدام تحالفاتنا الراسخة مع الدول المنتجة لإيجاد مصادر بديلة للطاقة لتلبية الاحتياجات الأوروبية».
وتكريسا لهذا الانعطاف تكثفت زيارات كبار المسؤولين الإيطاليين إلى الجزائر، بدءا من الرئيس سيرجو متاريلا، إلى رئيس الوزراء ماريو دراغي، ثم وزير الخارجية لويجي دي مايو، الذي كان مرفوقا برئيس مجموعة «إيني» ديسكالزي. وناقش الوفد مع رئيس مجموعة «سوناتراك» توفيق حكار الملف نفسه، أي الترفيع من كميات الغاز المصدرة إلى البلدان الأوروبية. وتعتمد إيطاليا على الغاز الروسي لتأمين 45 في المئة من حاجاتها، لكن الايطاليين يبحثون عن مُصدرين آخرين انسجاما مع المواقف الأوروبية التي قررت مقاطعة الغاز الروسي.
ويأمل الإيطاليون والجزائريون بزيادة تدفق الغاز عبر الأنبوب الحالي المعروف باسم «ترانسميد ـ أنريكو ماتيي» للمحافظة على ما يُسمونه «الأمن القومي الطاقي». وينقل الأنبوب الغاز الطبيعي من الصحراء الجزائرية إلى جزيرة صقلية عبر الأراضي التونسية منذ سنة 1983. وارتفعت صادرات الغاز من الجزائر إلى إيطاليا العام الماضي بنسبة 76 في المئة إلى 21 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل 28 بالمئة من مجمل الاستهلاك، غير بعيدة عن حجم الإمدادات الروسية لإيطاليا التي بلغت 29 مليار متر مكعب. وتبلغ طاقة نقل أنبوب الغاز «ترانسميد» 32 مليار متر مكعب سنويا، أي أربعة أضعاف حجم أنبوب «ميدغاز» الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري.
لكن ما زالت سعة الأنبوب الجزائري قادرة على استيعاب المزيد من كميات الغاز. وأفيد أن الجانبين ناقشا هذا الموضوع في مداه القريب والمتوسط. وتملك الجزائر مخزونا كبيرا من الغاز الطبيعي يُقدر بـ150 تريليون قدم مكعب، وهي تحتل الرتبة 11 عالميا بفضل ذلك المخزون.
كما أنها تخطط لاستثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في استكشافات النفط والإنتاج والتكرير، وكذلك استكشاف الغاز واستخراجه. وبالنظر لقرب المسافة بين جنوب أوروبا والسواحل الجزائرية، يمكن أن تُصبح الجزائر شريكا استراتيجيا لأوروبا، خاصة أنها تُؤمن لها حاليا 42 مليار متر مكعب من الغاز، أي 11 في المئة من حاجاتها إلى الغاز.

عقبتان

لكن هذه البدائل غير ممكنة في الوقت الراهن، إذ هناك عقبتان تُؤخران تدفق الغاز الجزائري بكميات أكبر على أوروبا، والأولى هي أن الغاز الروسي يُنقل إلى البلدان الأوروبية عبر أنابيب، بينما ستحتاج الجزائر إلى محطات تسييل قبل شحن الغاز. أما العقبة الثانية فهي أن إجمالي المعروض الجزائري الحالي لا يمكن أن يُعوض الصادرات الروسية من الغاز، فموسكو تُؤمن حاليا 55 في المئة من المستوردات الغازية لأوروبا. أما الجزائر فيُقدر الخبراء أن يتضاعف حجم منتوجها في غضون أربع سنوات إذا ما بدأ الإنتاج فعلا في الآبار الجديدة.
ويُنقل الغاز الجزائري حاليا إلى إسبانيا بواسطة أنبوب «ميدغاز» الذي ينطلق من السواحل الجزائرية إلى مدينة المرية على الساحل الجنوبي لإسبانيا. غير أن الأزمة الحادة التي اندلعت يوم 18 آذار/مارس الماضي بين الجزائر وإسبانيا، في أعقاب إعلان مدريد دعمها للحل الذي تُريده الرباط لتسوية النزاع على الصحراء الغربية، سمم العلاقات الثنائية وحمل الجزائريين على رد الفعل بالترفيع من سعر الغاز المُصدر لاسبانيا.
وعلى الرغم من أن الجزائر لن تقبل بسهولة الحلول محل حليفتها روسيا في تأمين الغاز لأوروبا، فإن زيادة العرض في الأسواق، ستُعزز مكانتها بوصفها لاعبا إقليميا قويا قادرا على لعب أدوار أهم من الأدوار السابقة.
مع ذلك، يمكن القول إن الفرصة التي تُتيحها للبلدان المغاربية مقاطعةُ أوروبا للغاز الروسي، ستكون فرصة أخرى ضائعة، فقد كان بالامكان أن يُعالج هذا الملف في إطار جماعي، وبرؤية تكاملية، أسوة بمد أنبوب «ترانسميد» نحو إيطاليا وأنبوب «ميدغاز» العابر للأراضي المغربية إلى إسبانيا، في ثمانينات القرن الماضي، وكان ذلك في ظل تقارب أدى إلى قيام الاتحاد المغاربي (تأسس في 1989 بمراكش). واليوم بات إطلاق مثل هذه المشاريع الإقليمية حلما مضى، منذ آخر قمة مغاربية في 1994 التي توقف فيها مُحرك السيارة، ويبدو أن الغاز غير مُفيد لمعاودة تشغيله.

«طيح سعدك» و«صباح الخير».. إبحار في طرابلس ولهجتها

كتابا «طيح سعدك وأخواتها» لفريدة الحجاجي و«صباح الخير طرابلس» لجمعونة مادي في ضيافة منتدى أصدقاء المسرح (بوابة الوسط)

 

احتضن منتدى أصدقاء المسرح بزنقة باكير، اليومين الماضيين، ندوة نقدية نظمتها الجمعية الليبية للآداب والفنون، حول كتابي «طيح سعدك وأخواتها» للكاتبة فريدة الحجاجي، «صباح الخير طرابلس» للكاتبة جمعونة مادي الصادرين عن دار الرواد، قدمت خلالها ورقات بحثية من جانب الكتاب يوسف الغزال وأسماء الأسطى وأحلام الكميشي، وإدارة الأستاذة أمل ساسي.

وأشارت الباحثة أسماء الأسطى في سياق حديثها عن كتاب «صباح الخير طرابلس» إلى أن سنة 1987 شهدت إصدار القرار 290 الذي يحظر كتابة اللهجة العامية في الصحف الليبية، وهو أحد الأسباب التي جعلت الأمثال وأغاني العلم والتراث بتنوعه تغيب عن الصحف بحكم منع نشر اللهجة العامية، وتمكنت الكاتبة جمعونة بحكم إقامتها بطرابلس من جمع الكثير من الصور عن محيطها ونفائس الأمثال وتكملتها بأزجال من تأليفها موثقاً في كتابها المشار إليه.

عادات وتقاليد
وذكرت الأسطى جزءاً مما أوردته الكاتبة في إصدارها بالقول «المدينة القديمة ضيقة الشوارع واسعة القلوب، تفتح الذاكرة أقفال أبوابها والتي هي على حافة النسيان» وفي وصف آخر لأحد التجار تقول «نهض الشائب يرتعش ببذلته الصفراء باحثاً عن نظارته.. وتستطرد: ثم فتح باب دكانه الضيق الذي لا يحتمل وجود اثنين معاً».

وأردفت أن جمعونة استطاعت توثيق جزء من عادات وتقاليد المدينة القديمة كذلك تفاصيل الأبواب ومقابضها، إضافة إلى سردها عن عالم البنات ومهارتهن في إتقان بعض الأشغال اليدوية كالتطريز..الخ.

كما توقفت في كتابها عن رائدات ورواد المدينة القديمة، وأوائل المعلمات اللاتي قمن بتعليمها فن الخياطة كالسيدة كميلة القره مانللي، نيرمين بن ارحومة، ولا يفوتها التدقيق في الاختلاف بين أردية النساء اليهوديات والعربيات، حيث يتميز الأول بوجود رسم المربعات بينما الثاني مميز بالخطوط.

وبينت قدرة الباحثة على تتبع تطور التاريخ الاجتماعي للمدينة ورصدها لملامحه في المناسبات والحفلات موثقاً بأسماء شخصيات معروفة كالطاهر زقلوط كأشهر مزين للعرائس في طرابلس، كذلك توثيقها للعرف الموسيقي السائد في كل فترة وأسماء فنانيه مع تنوع ذائقة المتلقي وموضة استخدام الأجهزة الإلكترونية المتاحة في كل زمن العاكس لروح وثقافة ذلك الزمن.

ذاكرة فنية
وأضافت أن الكاتبة جمعونة نمت ذاكرتها على أغاني الفنانين سلام قدري، محمد الجزيري، عبداللطيف حويل، خالد سعيد، علي القبرون، وعلاوة على ذكرها لأسماء الممثلين أيضا فهي تقف عند شخصية سعيد النالوتي وهو والد الرسام علي قانة، وصاحب مقهى معروف بمقهى سعيد الواقع أسفل برج الساعة، ولا يفوتها ربط الأدباء والكتاب بأماكن سكناهم مثل الكاتب علي فهمي خشيم القاطن بزنقة «شلاكة» والشاعر علي صدقي عبدالقادر بزنقة «أشمل».

وانتقلت الباحثة أسماء الأسطى في ورقتها للحديث عن كتاب «طيح سعدك وأخواتها» معلقة على جملة «مفردات من اللهجة الليبية» بأنها لهجة طرابلسية وليست ليبية لأن الأخيرة تعني جامعة لكل مفردات مدن ومناطق البلاد وهو ما لا ينطبق على فحوى مادة الكتاب، إضافة إلى سرد بعض الأمثال دون الإشارة إلى المصدر، كما أشادت بقدرة الحجاجي على وصف جماليات «الحوش الطرابلسي» بتفاصيله.

رؤية ذاتية
وقالت الكاتبة الصحفية أحلام الكميشي في ورقتها أن الكتابين يمثلان نموذجاً للتوثيق برؤية ذاتية حيث يرصد الأول وهو «طيح سعدك وأخواتها» اللهجة المتداولة في مدينة طرابلس فيما يعاين الثاني وهو كتاب «صباح الخير طرابلس» أماكن وأعلاماً وطقوساً اجتماعية سائدة آنذاك.

وبتوقفها عند مؤلف «طيح سعدك» تشير إلى جمال عبارة مقدمته التي تقول فيها الحجاجي «إلى ليبيا التي غادرتها يوماً ولم تغادرني لحظة»، كشعور وجداني يمزج بين اليوم واللحظة، ولا تخفي الكميشي ملاحظاتها حول عنوان الكتاب إذ مثل لها محط استغراب، فالجملة تحيد عن النمط المعتاد أو المتعارف عليه، فهي عبارة تستخدم لانتقاد شخص ما في حضوره وتوجيه الخطاب له بأسلوب جاف، وهو يختزل أيضا مضمون الدعاء عليه بقلة الحظ.

وأضافت أن سياق المادة الاجتماعية الموثقة يتماهى مع لوحة الغلاف للفنان الراحل محمد الزواوي لامرأة تجلس أمام المرآة ممسكة بالمبرد الذي تمرره على لسانها ما يعني أن جلستها ستكون حافلة بالغيبة والنميمة، فالكتاب يشكل كشفاً لواقع دلالة الألفاظ واستخداماتها خاصة ما يتعلق بعالم المرأة أو ما يحدث في الجلسات النسائية.

وعرضت الكميشي جملة من المقارنات والاستشهادات والمقابلات التي شملها الكتاب بين المفردة ومعناها ومراحل تطورها في الحقل الاجتماعي.

كتاب لا يمل
ويصف الكاتب يوسف الغزال إصدار «صباح الخير طرابلس» بأنه كتاب لا يمل إذ وثقت فيه الكاتبة مظاهر الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وكذا يمكن تصنيفه فيما يشبه أدب السيرة الذاتية الشاملة حيث تجعل من الزمان والمكان موضوعاً في الكتاب فهو يتناول حياة الناس وذاكرة المكان، وتستعرض جمعونة على لسان الراوي بضمير المتكلم مراحل حياتها وتفاصيل البيئة التي عايشتها في المدينة القديمة.

وأورد الغزال مقاطع من نصوص زجلية تتغنى بها الكاتبة في حب طرابلس معبرة عن اشتياقها وحنينها إلى مسقط رأسها، وبذكرها لبعض الأغاني الجميلة من الستينيات يعلق بقوله: «إن الأغنية تعد المخزون الطبيعي للتعابير وهو تكمن مهمة الكاتب في جعل المفردة حية مع تتابع الزمن»، إضافة إلى تطور دلالة الكلمات يفرض علينا مواكبة معانيها وفهمها وإدراك خلفيات المسميات الحاملة لها.

وعرض جانباً مما وثقته الكاتبة لمظاهر انقرضت والباعة المتجولين مثل «بائع السحلب والفول والورد والسفنز، والتين الهندي» إضافة لتطرقها لأغاني الأطفال مثل «هذا قنديل وقنديل»، «ياقمر علالي سافري وتعالي»، وهي أغان شكلت وجدان الفنانين محمد صدقي

وأحمد سامي وغيرهم وجسد فيها الفنانون حالة التمثل بين واقعهم وثقافتهم.

ويرى الغزال بتطرقه إلى كتاب «طيح سعدك» أن الكاتبة أرادت من العنوان بث الخصوصية الليبية وأن مادته تتحدث عن ليبيا تحديداً، وهي تنسف في مضمونها المألوف السائد، كما تقربنا من مسألة تباين المفردات فيما بينها على المستوى المحلي من جهة وترسم مقارنة ذهنية مع نظيراتها على المستوى العربي.

 

 

إعادة تماثيل رخامية مسلوبة إلى ليبيا

 

 

 

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في أحدث تقاريرها عن إعادة بعض الآثار المسلوبة إلى ليبيا من قبل مكتب المدعي العام في مانهاتن.

وأضافت الصحيفة أن الآثار المسلوبة عبارة عن تماثيل نصفية رخامية، من ضمنها تمثال يجسد امرأة محجبة، تمت سرقته من معبد قورينا، الذي كان جزءًا من الحضارة اليونانية القديمة.

ويرجع تاريخ التمثال إلى متحف متروبوليتان للفنون إلى عام 350 قبل الميلاد، وأن قيمته تقدر بنحو 470 ألف دولار، كما أكد المحققون على أن التمثال الذي تم الاستيلاء عليه من المتحف تم تهريبه من ليبيا إلى مصر من قبل “إميل سعد” الذي حكم عليه في العام 2000 في مصر بتهمة تهريب الآثار، وتوفي منذ ذلك الحين.

ويضيف أحد المحققين أن التمثال ظهر في سوق الفن الدولي في عام 1997 وتظهر عليه علامات النهب مثل التراب على السطح ورقائق جديدة في القاعدة وفي الحجاب.

وكانت وزارة الأمن الداخلي قد صادرت قبل فترة تمثالًا جنائزيًا لأنثى محجبة من معرض في مانهاتن كان قد أدرج للبيع عبر الإنترنت بأكثر من 500 ألف دولار إلى ليبيا تمثال نصفي آخر لسيدة محجبة تم الاستيلاء عليه من تاجر في العام 2008 كما أعيدت إلى ليبيا قطعة ثانية لتمثال “رجل ملتح” تقدر قيمتها بنحو 300 ألف دولار وتم تداولها في السوق الفنية لعقود وصودرت هذا الشهر، في حين يصف المدعي العام لمقاطعة مانهاتن تلك القطع الأثرية بأنها تمثل نوافذ على آلاف السنين من الثقافة والحضارة وتستحق أن تُعاد إلى بلدها الأصلي.

ويرى مراقبون أن السبب في سرقة الآثار الليبية وبيعها يعود إلى الإهمال الحكومي وضعف الحس الشعبي بقيمتها، رغم حرص منظمة اليونسكو على إدراج بعض المواقع الليبية ضمن مناطق التراث العالمي الجدير بالحماية، وكان آخر هذه المواقع مقبرة قورينا في المنطقة الشرقية، والتي تعانى من النهب المستمر، وتوقف العمل العلمي الذي كان يتم إجراؤه في المقبرة في التسعينيات جراء عدم الاستقرار الحكومي والوضع الأمني في البلاد.