نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا أعدته جين فلانغان، قالت فيه إن ماكرون سحب قواته وسلّم دولة مالي إلى المرتزقة الروس، في إشارة لبدء القوات الفرنسية الانسحاب من القواعد العسكرية في شمال مالي، والذي أدى لتسمم العلاقات مع باريس، وفتح الباب أمام المرتزقة الروس للدخول إلى الدولة الإفريقية.
ورغم استمرار باريس في تقديم الدعم الجوي ضد التمرد المتزايد في غرب أفريقيا، إلا أنها ستغلق ثلاث قواعد عسكرية وستخفض عدد قواتها من 5100 جندي إلى النصف، وستحل قوات أوروبية محل الفرنسية لدعم القوات المالية.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال إيتيان دي بيرو من عملية “برخان”: “الفكرة ليست خلق فراغ، بل هي ترك مسؤولية هذه المناطق للدولة المالية. وتجنب مخاطر التورط في النزاع، ونحن بحاجة إلى رد ليس عسكريا”.
وبدأت عملية “برخان” عام 2013، بعدما سيطر الإسلاميون على شمال مالي، لكن الانتشار العسكري الفرنسي والقوة المكونة من 13000 جندي التابعة للأمم المتحدة لم تحقق إلا نجاحا محدودا، وتزايد القتال مما أدى لخروج مناطق شاسعة من البلد عن السيطرة. بل وانتقل القتال من خارج حدودها إلى بوركينا فاسو والنيجر.
وبعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تحولت منطقة الساحل -وهي منطقة كبيرة من الأراضي الجرداء- إلى ساحة جديدة لـ”المتطرفين الإسلاميين”، بحسب الصحيفة. وقامت عدة “جماعات جهادية” ببناء قواعد لها في المناطق الفوضوية بمالي، حيث يعتبر غياب الاستقرار العامل الوحيد الدافع للهجرة إلى أوروبا. وعلقت فرنسا تعاونها العسكري مع مالي في حزيران/ يونيو بعد انقلاب ثان في أقل من عام. ورحب حميدو سيسي من جماعة “وطنيو مالي” بقرار فرنسا سحب قواتها قائلا: “اعتقدنا بعد وصولهم أن السلام سيحل، ولو خرجوا فسنعاني، لكن من الأفضل المعاناة على البقاء في أيديهم وللأبد”.
ومنذ إعلان الانسحاب، توترت العلاقات بين باريس ومستعمرتها السابقة، وانتشرت أخبار عن لجوء السلطات في باماكو إلى المرتزقة الروس لملء الفراغ الذي سيخلفه الفرنسيون. وحذرت فرنسا وألمانيا مع مهمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في جهود مكافحة التمرد من أي عقد مع شركة “فاغنر” الروسية بشكل يؤثر على المهمة الدولية. وحاولت روسيا الاستفادة سريعا من الاضطرابات في دول أفريقيا الهشة، في محاولة منها لإحياء التأثير الذي فقدته بتفكك الاتحاد السوفييتي السابق.
وسُجل حضور لمرتزقة “فاغنر” في عدد من الدول الأفريقية. وزادت المشاعر المعادية لفرنسا بين الساسة والمدنيين في منطقة الساحل. وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الماضي، هاجم رئيس الوزراء الانتقالي المالي جوغل مايغا، فرنسا لتخليها عن البلاد، ودافع عن خطة بديلة للحكومة.
وتحدث ماكرون أمام قمة أفريقية- فرنسية في مونبيليه الأسبوع الماضي، أنه قرر إغلاق القواعد لأنه “ليس من مهمة فرنسا البقاء في مالي مدة أطول مما يجب”. وقال إن “فرنسا هناك لمكافحة الإرهاب وليس دعم هذا النظام”، مضيفا أن هناك معارضة متزايدة في فرنسا للانتشار في مالي بعد مقتل 53 جنديا.
لوفيغارو: بوتين يدفع بيادقه على رقعة الشطرنج الأفريقية

بعد سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيادقه على رقعة الشطرنج الافريقية، حيث تعتمد موسكو على مرتزقة مجموعة “فاغنر” للدفاع عن مصالحها، في سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ودول أخرى في إفريقيا، آخرها مالي.
“لوفيغارو”، تحدّثت عن لعبة مضطربة بين المجلس العسكري الحاكم في مالي مع مرتزقة “غانز” الروس؛ موضحة أنه منذ أن كشفت وكالة رويترز للأنباء عن المفاوضات بين المجلس العسكري، الذي استولى على السلطة في مالي في أغسطس من العام الماضي وشركة “فاغنر”، التي تعتبر امتدادًا خفيًا للكرملين، لم تتحدث باماكو عن شيء أكثر من ذلك.
وبحسب الوكالة، فإنه يتم التفاوض على اتفاق لإرسال ألف مرتزق إلى مالي، مسؤولين عن تدريب القوات المسلحة المالية وحماية السلطات وتقديم الدعم الميداني أيضًا. في المقابل، ستحصل الشركة العسكرية الخاصة، التي تأسست عام 2014 وبتمويل من أحد المقربين من الكرملين، على 9.15 مليون يورو شهريًا والوصول إلى ثلاثة مناجم، بما في ذلك اثنان من الذهب في مالي. وهو ترتيب لم يكن مفاجئًا – تقول “لوفيغارو”، إذ يبدو أنه قريب من الترتيب المستخدم في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تتواجد قوات “فاغنر” منذ عام 2018.
وفقًا لعدة مصادرحممط يدبل فإن هناك غموضاً، حيث أن الاتفاق بين فاغنر ومالي لن يكون اتفاقًا واحدًا في الواقع، بل هو مذكرة تفاهم تمهيدًا للعقد. وبحسب ما ورد تم التوقيع على النص في أوائل سبتمبر/ أيلول بعد زيارة وزير الدفاع ساديو كامارا إلى موسكو.
بعيدًا عن بانغي، حيث كان التمرد دائمًا ضعيفًا نسبيًا، اصطدم المرتزقة الروس بخصوم أكثر تصميماً وأفضل تسليحاً. في ليبيا، في عام 2019، لم يتمكنوا من معرفة الفرق في ضواحي طرابلس، حيث كانوا يدعمون قوات المشير حفتر.
انطلقت في خريف عام 2019 العملية في موزمبيق ضد الجماعات الإسلامية التي كانت تحتل آنذاك كابو ديلجادو في أقصى شمال البلاد، وانتهت بالفشل. تم استبدال “فاغنر” بشركات جنوب أفريقية ثم بالجيش الرواندي.
ومضت “لوفيغارو” إلى القول إن تأثير “فاغنر” محسوس به في مالي وقد نشر بالفعل التوترات الواضحة بين باماكو وباريس، التي تستعد لخفض قواتها في مالي. فلدى فرنسا مخاوف كثيرة في مالي من عدم إلقاء نظرة قاتمة على وصول هؤلاء المرتزقة المتهمين بارتكاب انتهاكات في كل مكان تقريبًا، من أوكرانيا إلى سوريا، ومن ليبيا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.
فبينما تسعى باريس تقليص حجم عملية “برخان” عن طريق تقليص الجنود المشاركين فيها إلى النصف بحلول عام 2023، هناك سبب لنفاد صبرها مع جمود قادة باماكو، الذين ينشغلون بالانقلابات العسكرية الشديدة أكثر من استعادة وجود الدولة في الأراضي المهجورة للجهاديين. وتؤكد فرنسا أن وجود “فاغنر” في مالي سيكون “غير متوافق” مع وجود جنودها.
وتتابع “لوفيغارو” القول إن هذا “الشجار” حول “فاغنر” يأتي في لحظة حاسمة، إذ أنه وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، يتعين على الحكومة المؤقتة في مالي، نظريا، إجراء انتخابات في فبراير المقبل. غير أن السلطات المالية لمّحت بالفعل إلى أن ذلك لن يحدث.
وتنقل “لوفيغارو” عن معارض مالي قوله “من الواضح أنهم يتطلعون إلى التمسك بالسلطة لفترة أطول، حتى لو كان ذلك يعني التراجع عن التزاماتهم. علاوة على ذلك، فإن أحد أدوار فاغنر هو ضمان سلامة السلطات”.
السفارة الأمريكية تتعهد بدعم الجنوب الليبي
أثنت السفارة الأمريكية لدى ليبيا، على العمل الذي تقوم به منظمة المبادرة الليبية الانتقالية، شريك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقالت السفارة، عبر حسابها على موقع “تويتر” إنها ملتزمة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالعمل بالشراكة مع السلطات الوطنية والمحلية لمساعدة حكومة الوحدة الوطنية في الوفاء بولايتها لمواصلة جهود المصالحة، وتقديم الخدمات لليبيين، وضمان إجراء الانتخابات.
وأكدت السفارة، أن هذا يشمل مساعدة الليبيين في الجنوب، مشيرة إلى أن “الوحدة الوطنية والحكومية هي وحدها القادرة على استعادة سيادة ليبيا وتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا”.
وكانت شركتا خدمات النظافة والمياه بسبها، قد استلمتا عدة آليات ومعدات كمساعدات من حكومة الوحدة الوطنية، بالتعاون مع المبادرة الليبية الانتقالية، وحضر حفل توقيع التسليم والاستلام نائب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية رمضان أبوجناح، ومدراء الشركات الخدمية المستفيدة من حزمة المساعدات.
فتحي باشاغا الوزير الليبي السابق الطامح للترشح إلى الرئاسة

أكد وزير الداخلية الليبي السابق فتحي باشاغا، وهو أول شخصية بارزة تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول/ديسمبر القادم، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أن “الأمن والمصالحة الوطنية” سيكونان في أول اهتماماته في حال نجاحه بتولي رئاسة ليبيا.
ولم يحظ باشاغا المتحدّر من مدينة مصراتة شرق طرابلس، أولى المدن المنتفضة ضد معمر القذافي في 2011، ببداية عام موفق، إذ خسر مطلع شباط/فبراير في جنيف، فرصة تولي رئاسة الحكومة الموحدة الجديدة التي ذهبت لمنافسه عبد الحميد الدبيبة، بعد أن تم التداول باسمه على نطاق واسع.
ونجا قبل أيام من تسليم حكومة الوفاق السابقة السلطة للحكومة الجديدة، من محاولة اغتيال غرب العاصمة طرابلس.
وعبّر المرشح الرئاسي الذي سبق الجميع بإعلان ترشحه للرئاسة، عن التزامه بجعل “الأمن والمصالحة الوطنية والإصلاح الاقتصادي” من أولوياته إذا انتخب رئيساً للبلاد.
وأكد باشاغا أن “الأمن يسير جنبًا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يجعل من الممكن تحسين مستواه”، معبراً أيضاً عن عزمه على “تعزيز الحكم المحلي من خلال نظام لامركزي” لإدارة شؤون ليبيا الغنية بالنفط.
وتحاول ليبيا الخروج من عقد من الفوضى والانقسام الحكومي بفضل العملية السياسية التي بدأت نهاية العام الماضي برعاية الأمم المتحدة، والتي يفترض أن تتوج بانتخابات رئاسية نهاية العام الجاري.
وتشهد البلاد منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي الذي تربّع على عرش السلطة منفرداً لأكثر من أربعة عقود، صراعا على السلطة لا سيما بين الشرق والغرب، مع هيمنة الميليشيات المسلحة، وتدخلات أجنبية.
ويعاني طيف واسع من الليبيين من تردي الخدمات والبنى التحتية وانحسار فرص العمل، فيما تسبّب الانهيار الاقتصادي في تدهور كبير في سعر الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية.
وشدد فتحي باشاغا على أن هناك “حاجة ملحة لخطة إصلاح اقتصادي لتحسين قيمة الدينار مقابل الدولار ولتعزيز التجارة”، وعلى أهمية “تشجيع القطاع الخاص”.
ولم تنه مصادقة مجلس النواب الليبي على قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، الجدل السياسي مع استمرار أطراف سياسية في رفض القانونين اللذين يم يحظيا، في رأيها، على توافق وقف ما ينص عليه الاتفاق السياسي. وعلى رأس المعارضين المجلس الأعلى للدولة الذي هو بمثابة غرفة ثانية للبرلمان. ويضفي كل ذلك شكوكا على موعد الانتخابات.
ورأى الطيار العسكري المتقاعد “أن الانتخابات الرئاسية ستتم، وهو أمر لا مفر منه”.
وحذّر من أنه في حال عدم إجرائها، “سيكون هناك بالتأكيد صراع سياسي واستقطاب قوي يمكن أن يتحول إلى صراع مسلح” في فترة لاحقة.
ويعد فتحي باشاغا اللاعب الرئيسي في مجلس مصراتة العسكري الذي تأسس أثناء الثورة قبل عشرة أعوام، ولعب دورا بارزا في مفاوضات الصخيرات (المغرب) في عام 2015 التي أدت إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة.
وخلال فترة توليه منصب وزير الداخلية بين عام 2018 إلى مطلع 2021، حظي بدعم شعبي متصاعد، خصوصا بسبب مواقفه المناهضة للمجموعات المسلحة، ومحاولاته المتكررة للحد من نفوذها، ودعواته لإعادة تفكيك هذه المجموعات ودمجها.
وقبل أيام قليلة من تنصيب الحكومة الجديدة في شباط/فبراير الماضي، نجا من محاولة اغتيال “مخطط لها بشكل جيد” بحسب مقربين منه، عندما فتحت عربة مصفحة النار على موكبه غرب العاصمة طرابلس. وتلى ذلك توتر أمني كبير انتهى بعد تدخل أطراف سياسية وقادة مجموعات مسلحة نافذة.
جيش موحد
واعتبر باشاغا أن ليبيا “متخلفة أمنياً”، وهي بحاجة إلى خطة عاجلة تعيد هيكلة كامل أجهزتها الأمنية، الى جانب العمل على تأسيس “جيش موحد”.
وقال وزير الداخلية السابق “يجب أن يكون لليبيا جيش واحد، ولن يكون الأمر صعبًا في ظل وجود حكومة واحدة”.
وفي وقت تتعرض السلطات الليبية لانتقادات بعد حملة أمنية استهدفت آلاف المهاجرين غير الشرعيين في طرابلس، قال فتحي باشاغا إن ملف “الهجرة غير الشرعية” قضية مهمة تتطلب العمل على الجانب الأمني وكذلك التعاون مع الأمم المتحدة ودول أخرى.
وتابع “لدى ليبيا مشكلة كبيرة على حدودها الجنوبية، وهي خارج سيطرة الدولة”.
وطرح المرشح الرئاسي “تأمين الحدود من خلال استخدام التكنولوجيا”.
كما شدّد على أهمية الاستثمار في القوة العاملة للمهاجرين في ليبيا.
وقال “يجب الاستثمار في فئات معينة من المهاجرين، لأن ليبيا بحاجة إلى قوة عاملة ماهرة”.
ليبيا: «المصالحة الوطنية» بعد محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات
رشيد خشانة – يسعى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى تجاوز الاستقطاب السياسي، بواسطة «مشروع المصالحة الوطنية» الذي يُشبه «مشروع الوئام المدني» في الجزائر عام 1999.
على الرغم من الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (استشاري) في شأن القانون الانتخابي، قطعت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات شوطا مهما في الإعداد المادي للاستحقاق الرئاسي، المقرر للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، بعدما أرجئت الانتخابات النيابية إلى الشهر التالي. وبالنظر لأهمية ضمان شروط الأمان للعملية الانتخابية بحث رئيس المفوضية عماد السائح مع رئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري خطة تأمين العملية الانتخابية بشكل عام، والمراكز الانتخابية بشكل خاص.
وحسب بيان للمفوضية على موقعها، سيضع الجانبان خطة أمنية مشتركة، ما يوفر مناخا مناسبا لإجراء الانتخابات في ظروف طبيعية. والظاهر أن الاستحقاق الانتخابي لن يواجه مخاطر في الجانب الفني، بالنظر لخبرة المفوضية العليا في هذا المجال، وإنما في الجانب السياسي، إذ لم يُعرف حتى الآن من هم المرشحون لرئاسة الدولة، وسط إحجام الشخصيات التي يُرجح أنها معنية بالترشيح، عن الاعلان عن قرارها بشكل واضح.
وأصدر مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح قانونا انتخابيا من دون استشارة باقي أعضاء المجلس. وأتى القانون على مقاس الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إذ نص أحد البنود على ضرورة استقالة من يتولى منصبا رفيعا في المؤسسات المدنية أو العسكرية قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع، مع تمكينه من حق العودة إلى منصبه في حال أخفق في الامتحان الانتخابي.
وينطبق هذا الشرط على عقيلة صالح أيضا، الذي استقال من منصبه شكليا ليكون مؤهلا لخوض المعركة الانتخابية، على أن يعود إلى رئاسة مجلس النواب في حال لم يفز برئاسة الدولة.
والأكيد أن هذه المنافسة بين الحليفين لن تتم، فالأرجح أن صالح، الذي لا تقف خلفه قوة عسكرية، سيتراجع في نهاية المطاف لحفتر القائد العسكري للمنطقة الشرقية. ويبدو وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا متحررا من تلك الاعتبارات، فهو يبدو مرشحا عابرا للمناطق، وإن كان ابن مدينة مصراتة، صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية الكبيرة والنفوذ السياسي الواسع، داخليا وخارجيا.
أما سيف الاسلام القذافي فما زالت شكوك كثيرة تحوم حول ترشيحه، إذ لم يُعلن عن ذلك بلسانه، وإنما تطوع مناصروه ومحاموه للتصريح بنيته الترشُح للرئاسية. هذا فضلا عن الموانع القانونية التي يُتوقع أن تقف حائلا أمام ترشيحه، بصفته مطلوبا للقضاءين المحلي والدولي.
وهناك مُرشح آخر محتمل هو رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، الذي لم يؤكد ولم ينف رغبته في الترشُح، إلا أن زياراته المتواترة وتنقلاته الكثيفة في الداخل والخارج، ومشاركته في المظاهرات وسخاء العلاوات والمنح التي أمر بها للمدرسين، توحي بأنه يخوض حملة انتخابية لا تبوح باسمها أكثر من ذلك، أكد الدبيبة للعاملين في باقي القطاعات العامة أن الزيادة في رواتبهم «هدف رئيس لحكومة الوحدة الوطنية، وعلى رأسهم العاملون بقطاعي الصحة والداخلية» وهو إجراء يعتبره الخبراء الماليون مغامرة ستُنهك اقتصادا بدأ بالكاد يتعافى.
لكن بالرغم من هذه القرارات السخية، التي يمكن وصفها بـ»الشعبوية» يحظر الاتفاق السياسي، الذي تشكلت على أساسه حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الحالي، على أعضاء المؤسستين الترشيح للانتخابات المقبلة.
وستساهم تلك التجاذبات في تسخين الأجواء السياسية مع اقتراب ميقات الانتخابات. غير أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يسعى إلى تجاوز الاستقطابات السياسية، بواسطة «مشروع المصالحة الوطنية» الذي يُشبه «مشروع الوئام المدني» في الجزائر، والذي أقره الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بعد توليه الحكم في سنة 1999.
وترمي «المصالحة الوطنية» التي تبناها المنفي، لاستعادة حالة السلم والأمن في الدولة والمجتمع على السواء، والمحافظة على الاستقرار السياسي. ووعد بالسعي لعقد مؤتمر جامع تُمثلُ فيه كافة الأطياف على تنوُعها، وينبثق منه ميثاق وطني يكون عصارة اللقاءات مع الشخصيات المشاركة في الحوار.
حوارات في القاهرة
وتنفيذا لذلك المشروع، أوفد المجلس الرئاسي نائب رئيس المجلس عبد الله اللافي إلى القاهرة مطلع الشهر الجاري، حيث يوجد أكبر تجمُع لعناصر النظام السابق، من أجل محاورتهم، في حضور وزيرة العدل الليبية حليمة عبد الرحمن. وكان المجلس الرئاسي من المُشجعين على الافراج عن مسؤولين سابقين في نظام معمر القذافي، باعتبارها خطوة مهمة في طريق تكريس المصالحة. وجرت في اجتماع القاهرة مناقشة مرتكزات المشروع، كما طرح الحضور استفسارات وأفكارا ومطالب متعلقة بإنجاز المصالحة المطلوبة.
وكان هذا المشروع انطلق مع إعلان المجلس الرئاسي، بوصفه رئيسا للدولة، عن إنشاء المفوضية العليا للمصالحة في بداية نيسان/ابريل الماضي، إيذانًا بانطلاق المشروع. ثم أعقبت ذلك الاعلان لقاءات في عدد من المدن الليبية، لمناقشة المشروع. واستفاد الليبيون بالسلب من التجربة التونسية في العدالة الانتقالية، التي استثمرها طرف سياسي واحد، معتبرين أن القضية ينبغي أن تشمل جميع الليبيين، ولا تستثني أحدا من ضحايا الاستبداد في ظل النظام السابق.
وكشف تقرير أعدته بعثة تقصي الحقائق الخاصة بليبيا، النقاب عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها الميليشيات والجماعات المسلحة وقوات الأمن منذ العام 2016 في مناخ من الإفلات من العقاب. وعرضت البعثة التقرير أمام الدورة 48 لمجلس حقوق الإنسان أخيرا، بعدما وثقت انتشار الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاغتصاب والعنف الجنسي والقتل غير المشروع، والمحاكمات الجائرة للغاية، بما في ذلك المحاكمات العسكرية.
أدلة على جرائم حرب
ورصد تقرير بعثة تقصي الحقائق وجود أدلة على حدوث ما وصفوها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيا منذ العام 2016 بعد التحقيق الذي أجروه على الأرض وفي تونس وإيطاليا.
أكثر من ذلك، طلب رئيس بعثة التقصي وزير حقوق الانسان المغربي الأسبق محمد أوجار، من السلطات الليبية تيسير زيارة أعضاء البعثة إلى بنغازي لاستكمال التحقيقات، مؤكدا أن البعثة واجهت صعوبات في الوصول إلى جنوب البلاد ومواقع أخرى لم يُحددها. وشكا أوجار من «الوجود الأمني الكبير أثناء التحقيقات»، الذي قال إنه شكّل عائقا أمام إفصاح الشهود عن الحقائق.
من هنا فإن متابعة هذا الملف ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات مقدمة ضرورية لاستعادة الثقة بالمؤسسات وتأمين إقبال المواطنين على مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية.
ويجوز القول إن أمريكا هي الطرف الدولي الأكثر دفعا في اتجاه تكريس المصالحة بين الفرقاء الليبيين، وإنجاز الانتخابات في التاريخ المحدد لها، وهو ما أكده مستشار الوفد الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير جيفري ديلورينتيس، مُشددا في الوقت ذاته على ضرورة «سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية من دون تأخير». وكان هذا الموضوع أحد محاور الاجتماع الأخير بين وزيري الخارجية الروسي لافروف والمصري شكري، في موسكو، وهما البلدان الأكثر تحفظا، مع تركيا، على إجراء انتخابات عامة في ليبيا، لأسباب مختلفة.
واللافت أن لافروف وشكري أكدا في مؤتمر صحافي مشترك، على ضرورة سحب كل الجماعات المسلحة والوحدات العسكرية الأجنبية من ليبيا، لكن «على مراحل وبشكل متزامن وفي الوقت المناسب لتلافي مخاطر محتملة» لم يُحدداها.
وتعمل روسيا، غريمة تركيا في ليبيا، على حشد الحلفاء، ومنهم مصر، من أجل الابقاء على قواتها هناك، مع تدويرها فقط للإيهام بأنها باشرت الانسحاب. وتؤكد مصادر ليبية مختلفة أن عناصر الشركة الأمنية الروسية الخاصة «فاغنر» مازالوا في قواعدهم في ليبيا، ولم يُغادروها، بالرغم من المناشدات الدولية. وتدعم كل من روسيا ومصر الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، على عكس تركيا، التي تدعم حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الأعلى للدولة.
وكان القائم بأعمال المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، خاطب كلا من روسيا وتركيا والإمارات، داعيا إياها علنا «إلى احترام السيادة الليبية والشروع فوراً في سحب قواتها من البلد».
وتُسببُ هذه العقبة تعثُرا في تنفيذ بنود مسار برلين، ظهرت بعض ملامحه في قرار الفصل بين المسارين الانتخابيين الرئاسي والبرلماني، إذ سيجري الأول في ميقاته، فيما أرجئ الثاني إلى كانون الثاني/يناير المقبل، مثلما أسلفنا.
وأثار قرار مجلس النواب بتأجيل موعد الانتخابات النيابية جدلا كبيرا ومخاوف من تعقد الأزمة السياسية، بينما رأى فيه البعض الآخر «فرصة لتحقيق الاستقرار».
وينطوي قرار تأجيل الانتخابات على مخاطر جمة على البلد قد تؤدي به إلى التقسيم، مثلما حذر من ذلك وزير الداخلية الايطالي الأسبق ماركو مينيتي. وتوقع مينيتي في حديث أدلى به لصحيفة «دي فيلت» الألمانية، أن عدم إجراء الانتخابات في الميقات المتفق عليه قد يترتب عليه تحوُل ليبيا إلى منطقتي نفوذ روسية تركية، على غرار الواقع الحالي في سوريا. ورأى أن الوصول إلى ذلك الوضع «سيكون هزيمة ثقيلة لأوروبا و(بمثابة) أفغانستان أخرى».
وسعيا لاستقطاب الدعم الدولي لمشروع «استقرار ليبيا» تُعدُ الحكومة المؤقتة لعقد مؤتمر في نهاية الشهر الجاري، تحت هذا العنوان، للتدليل على أن البلد بات مستقرا وآمنا، واستطرادا تمكين المشاركين من تحصيل صفقات، في إطار خطط إعادة الاعمار.
وبالتوازي مع هذا المؤتمر سيُعقد في بداية الشهر المقبل «ملتقى ليبيا الدولي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة»، وهو عمل لم يكن ممكنا القيام به قبل اتفاق وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في آذار/مارس الماضي.
في السياق أظهرت دراسة أصدرتها أخيرا منظمة «الإسكوا» (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) أن إحلال السلام في ليبيا سيوفر فرصًا ومكاسب اقتصادية لشركائها التجاريين الأساسيين، بإجمالي 32 مليار دولار. وتوقعت الدراسة أن تحقق إيطاليا مكاسب بقيمة 13 مليار دولار، وألمانيا بنحو 7.5 مليار دولار، وفرنسا بنحو 6 مليارات، وتركيا بواقع 5.5 مليار حتى عام 2025.
ورجحت دراسة «الإسكوا» أن تحصد دول الجوار الليبي مكاسب اقتصادية كبرى تصل إلى 163 مليار دولار بحلول عام 2025، موزعة بين 100 مليار دولار لمصر، و23 مليارًا للسودان، و10 مليارات لتونس، و30 مليارًا للجزائر.
وتنبغي الإشارة في هذا الإطار إلى إعلان الدبيبة الأحد الماضي عن الشروع في إنشاء مصفاة نفط جنوب ليبيا، بكلفة تصل إلى 600 مليون دولار، ويستغرق إنشاؤها ثلاثة أعوام. ويعود مشروع المصفاة إلى ثمانينات القرن الماضي، لكن الفكرة لم تتجسد لأسباب غير معلومة. ويُؤمل أن تكون المصفاة قاطرة لمشاريع استراتيجية أخرى في الجنوب، الذي يشكو من إهمال استمر عقودا.
من هنا فإن عودة السلم إلى ليبيا وتركيز سلطات منتخبة سيُعيد تدوير عجلات الاقتصاد ليس فقط في مناطق البلد المختلفة، وإنما أيضا في دول الجوار، التي تضررت جراء الصراع المسلح بين الفرقاء الليبيين.
ليبيا.. إقرار خطة لإخراج المرتزقة ومجلس الدولة يبحث إجراءات ضد مجلس النواب
صور لمرتزقة أفارقة في شوارع مدينة هون بمنطقة الجفرة (الجزيرة-أرشيف)
اتفقت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، اليوم الجمعة، على إقرار خطة عمل لإخراج كل المرتزقة والقوات الأجنبية بشكل تدريجي ومتوازن ومتزامن من ليبيا، بينما يبحث المجلس الأعلى للدولة اتخاذ إجراءات قانونية بشأن تجاوز مجلس النواب في طبرق الإطار القانوني المنظم للانتخابات.
وشددت اللجنة على أهمية وجود مراقبين دوليين لعمليات الانسحاب ضمن الآلية، جاء ذلك بعد يومين من بدء أعمالها في جنيف لمناقشة وضع خطة لانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية.
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة الخاصة في ليبيا “أونسميل” يان كوبيش، قد أكد خلال اجتماعات اللجنة العسكرية في جنيف استعداد الأمم المتحدة وشركائها الدوليين لدعم اللجنة في مسعاها، بما في ذلك إرسال مراقبين أمميين لوقف إطلاق النار، والعمل تحت إشراف اللجنة من أجل مراقبة عملية الانسحاب والتحقق منها.
وأضاف كوبيش “بالطبع الموضوع معقد، فهو ليس مصدر قلق لليبيا فحسب، بل أيضا مبعث انشغال لدول المنطقة وللمجتمع الدولي”.
كوبيش: موضوع المرتزقة معقد وهو ليس مصدر قلق لليبيا فحسب (الجزيرة)
دعم وإصلاح
وذكرت البعثة أن خطة اللجنة العسكرية ستكون مرشدة للدعم المقدم من المجتمع الدولي، لتوحيد الجيش وجهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني في ليبيا.
ومن أبرز الداعمين لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر مرتزقة “فاغنر” الروسية، وقد رصد الجيش الليبي، مرارا، تحركات لهم بمدينتي سرت (شمال وسط) والجفرة (وسط)، بالإضافة إلى رصد وصول رحلات جوية تحمل مرتزقة من جنسيات مختلفة.
وتضم اللجنة العسكرية 5 أعضاء من الحكومة و5 من طرف قوات حفتر، وتعمل على تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار، موقّع في جنيف، يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ونص الاتفاق على انسحاب كل المرتزقة الأجانب من ليبيا خلال 3 أشهر من ذلك التاريخ، لكن ذلك لم يتم وفق دلائل على الأرض، رغم مطالبات دولية بانسحابهم.
انتخابات وخلافات
وفيما يتعلق بالشأن السياسي، أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن لجنته القانونية ناقشت اتخاذ إجراءات قانونية بشأن ما صدر من مجلس النواب من تجاوز للإطار القانوني الذي ينظم العملية الانتخابية المقبلة، حسب تعبير المجلس.
وقال النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عمر أبوشاح، إن مجلس النواب يقوم بإجراءات مخالفة وأحادية، متهما المجلس بتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها.
وكان مجلس النواب قد أجرى تعديلا على الانتخابات فقرر إجراء الرئاسية في موعدها، على أن تؤجل الانتخابات التشريعية إلى نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، بعدما كان مقررا تنظيمهما معا في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وصادق مجلس النواب، الاثنين الماضي، على قانون الانتخابات التشريعية، بعد أقل من شهر من مصادقة رئيس مجلس النواب على قانون الانتخابات الرئاسية المثير للجدل دون طرحه للتصويت، ما أثار موجة استياء بين عدد من الأطراف السياسية.
وأعلن المجلس الأعلى للدولة الذي يعد بمثابة غرفة ثانية للبرلمان رفضه لقانون الانتخابات التشريعية.
ودفع الخلاف حول القوانين الانتخابية ولاسيما الرئاسية مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى عقد اجتماع تشاوري في المغرب نهاية الأسبوع الماضي لبحث التوافق بشأن إقرار القوانين الانتخابية.
انتقادات وتوقعات
كما أثارت المادة الـ12 من قانون انتخاب الرئيس انتقادات حادة كونها تنصّ على إمكان ترشح مسؤول عسكري بشرط التوقف “عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بـ3 أشهر، وإذا لم يُنتخب يعود لسابق عمله”.
وبدا أن المادة صيغت لتلائم اللواء المتقاعد حفتر الذي بادر في 23 سبتمبر/أيلول الماضي إلى “تجميد مؤقت” لمهامه العسكرية ونقل قيادة قواته إلى الفريق أول عبدالرزاق الناظوري الذي يشغل أيضا منصب رئيس الأركان.
وعلى الرغم من الخلافات، أكد رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عمر السايح أن الاستعدادات لإجراء الاستحقاق الانتخابي شارفت على الانتهاء.
وبلغ عدد المسجلين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم 2.8 مليون شخص، من إجمالي عدد سكان ليبيا الذي يناهز 7 ملايين نسمة.
وقال السايح خلال مقابلة بمقر المفوضية في طرابلس إن “المفوضية جاهزة بنسبة تتراوح بين 80 إلى 90%”، لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني المقبلين.
وتوقع “إقبالا كبيرا” على المشاركة فيها “خاصة مع إجراء الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى منذ استقلال ليبيا” في 1951.
نورلاند: الجهود مطلوبة للتقريب بين مجلس النواب الليبي والأعلى الدولة
قال المبعوث الأمريكي الخاص وسفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في تصريح له عقب يوم واحد من ختام مشاورات الرباط “إن جهودًا لا تزال مطلوبة للتقريب بين مجلسي النواب والدولة”.
وتابع نورلاند، في بيان صحافي السبت “نأمل أن يولي كل جانب الاعتبار الواجب للشواغل المشروعة التي أعرب عنها الطرف الآخر”.
وأوضح نورلاند أنه أجرى لقاءات مع المشاركين في مشاورات الرباط بشكل منفصل، مضيفا “إذا كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستجري في 24 ديسمبر من أجل تشكيل حكومة شرعية دائمة لليبيا، فيجب أن تمضي العملية قدمًا الآن حتى يمكن بدء تسجيل المرشحين والجوانب الأخرى للتنفيذ”.
وحذر نورلاند أنه “لا ينبغي أن يكون لأي فرد أو مؤسسة حق النقض (الفيتو) على التشريعات الانتخابية المهمة”، قائلة “بدلًا من ذلك، يجب على المؤسسات الليبية وقادتها أن يثقوا بالناخبين ليقرروا من يجب أن يقود البلاد”.
والجمعة دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى اغتنام الفرصة والاضطلاع بمسؤولياتهما التاريخية والمضي في استكمال الإطار التشريعي للانتخابات.
جاء ذلك في إطار انطلاق الاجتماعات التشاورية لوفدي المجلسين في الرباط المغربية، الخميس، حيث تناقش الاجتماعات قانون الانتخابات، بحضور مبعوث الولايات المتحدة الخاص وسفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند.
وتابعت البعثة في بيانها أنها تلقت دعوة للمشاركة في الاجتماع، الذي رأت أنه يتيح فرصة لمزيد من التشاور حول الإطار القانوني للانتخابات.
وأوضحت البعثة أن فريقا فنيا تابعا لها يشارك في الاجتماع لتقديم الدعم الفني والمشورة استنادا إلى مبادئ الأمم المتحدة وبما يتماشى مع ولاية البعثة لدعم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر 2021 على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2570 لسنة 2021 وخارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي.
الاجتماع الذي استضافته الرباط يشارك فيه 12 عضوا من مجلس النواب ومن المجلس الأعلى للدولة، وتستمر المشاورات على مدى يومين من أجل التوافق على قانون الانتخاب الذي سيجري على أساسه انتخاب البرلمان الجديد.
ليبيا: ملف إخراج المرتزقة بات بين أيدي أمريكا بعد تمدُد «فاغنر» جنوبا
رشيد خشــانة – لم تُجانب السفارة الأمريكية الحقيقة حين اعتبرت، في تغريدة عبر حسابها على «تويتر» أن الاجتماع المشترك للجنة العسكرية «5+5» يُعدُّ خطوة تاريخية في التقريب بين الليبيين في المجال الأمني.
خلال اجتماع ثنائي بين الدبيبة والجنرال ستيفين تاونسند كان الموضوع الرئيسي هو «ملف إخراج المرتزقة ووجود قوات أجنبية بالجنوب الليبي» بحسب ما أفادت المصادر الأمريكية. ما الذي جعل واشنطن تقوم بهذه الاستدارة اللافتة والسريعة، بعدما كانت تتعاطى مع الملف الليبي، إلى وقت قريب، من خلال وكلاء ووسطاء؟
وشكل اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة يوم 28 ايلول/سبتمبر 2021 في طرابلس، للمرة الأولى منذ تأسيسها في جنيف في صيف العام 2020 خطوة غير مسبوقة، عكست مدى الاهتمام الأمريكي المتزايد والمباشر بالمنطقة، مع تعاظم الحضور العسكري الروسي فيها، معطوفا على قرار فرنسا سحب قواتها العسكرية من عملية «برخان» مطلع العام المقبل.
ولم تُجانب السفارة الأمريكية الحقيقة حين اعتبرت، في تغريدة عبر حسابها على «تويتر» أن الاجتماع المشترك للجنة العسكرية «5+5» يُعدُّ «خطوة تاريخية» في التقريب بين الليبيين، لا سيما في المجال الأمني.
ويجوز القول إن الأمريكيين رفعوا العصا في وجوه المعرقلين للحل السياسي، إذ أكدوا لهم أن أمريكا «مازالت ملتزمة بتسهيل التنفيذ الكامل لاتفاق أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار، والانسحاب الشامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين، فضلاً عن توحيد المؤسسات العسكرية الليبية» مع إشارة خاصة إلى ضرورة إخراج المرتزقة وإنهاء وجود أية قوات أجنبية في الجنوب الليبي.
وعبر القائم بأعمال المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، عن هذا الطلب بصراحة، بدعوته كلا من روسيا وتركيا والإمارات «إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التداخلات العسكرية في البلد». وخص بالذكر تركيا وروسيا، حاثا إياهما على الشروع فوراً في سحب قواتهما من البلد، واستبعاد المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين.
ويستند هذا الموقف الأمريكي الصارم على تقارير تؤكد استعانة مالي بمجموعة «فاغنر» الروسية، بدعوى تعويض الفراغ الأمني الناجم عن انسحاب القوات الفرنسية. كما يستند أيضا على التنامي الكبير للأعمال الإرهابية في المنطقة، إذ قدر وزير خارجية جمهورية التوغو روبير دوساي، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عدد العمليات التي نفذتها جماعات إرهابية في الفترة من كانون الثاني/يناير 2020 إلى أيار/مايو 2021، بـ1547 عملية في غرب أفريقيا، أسفرت عن مقتل 4222 شخصا. ومن ثم باتت تلك البلدان، التي كانت بعيدة عن قوس الإرهاب، في قلب الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة الممتدة من الساحل إلى غرب أفريقيا، وصولا إلى خليج غينيا.
وهذا هو فحوى الرسالة التي أبلغها أيضا رئيس بوركينا فاسو، روش كابوري، الذي عزا، في كلمته خلال الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، «انهيار الأمن» في منطقة الحدود الثلاثية بين بلاده ومالي والنيجر، إلى «انهيار الدولة» في ليبيا منذ عشر سنوات، وتداول الأسلحة في الساحل بشكل واسع.
أما الطلب الذي يبدو أن رؤساء دول الساحل والصحراء متفقون عليه، لكن أمريكا ترفضه، هو تكوين قوة عسكرية مشتركة ووضعها تحت مظلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (احتمال استخدام القوة) واستفادتها من تمويل مستمر، وهي الرؤية المدعومة فرنسيا، فيما ترفض الولايات المتحدة تكوين القوة العسكرية، كما تُعارض طلب إنشاء مكتب دعم تابع للأمم المتحدة مسؤول عن تزويد هذه الوحدة متعددة الجنسيات بالدعم اللوجستي والتكتيكي والاستراتيجي.
تمدُد «فاغنر» جنوبا
من ثُقب المخاطر الأمنية ولج الروس إلى منطقة الساحل، عبر الجنوب الليبي، ما استدعى خططا أمريكية لاحتواء هذا التمدد، من دون تكرار أخطاء الفرنسيين، الذين اختاروا، اعتبارا من 2013 التدخل المباشر.
وينطلق الأمريكيون، كما الأوروبيين، من قناعة راسخة مفادها أن ليبيا أصبحت نقطة الضعف لكل البلدان المحيطة بها، وهو ما أكده ماثياس هونكبي، مدير مكتب مالي لمبادرة المجتمع المفتوح في غرب إفريقيا. وتُعتبر مالي والنيجر وتشاد أكبر الدول التي عانت ومازالت من انخرام الأمن الاقليمي وتداعياته المُدمرة على أمنها الخاص.
وتتقاطع تلك التطورات مع تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري الذي أكد أن أعداد مرتزقة شركة «فاغنر» في ليبيا تضاعفت منذ بدء تنفيذ خارطة الطريق الحالية، على عكس ما تنص عليه الخارطة من إخراج للمرتزقة والقوات الأجنبية من البلد.
وتشير أخبار غير مؤكدة إلى أن حكومة مالي أجرت اتصالات مع الحكومة الروسية للبحث في احتمال الاستعانة بمقاتلي «فاغنر». إلا أن الروس كذبوا أن تكون جرت اتصالات بين الجانبين في هذا الشأن، وهو تكذيب مُتوقع.
على أساس هذه الخلفية صادق مجلس النواب الأمريكي أخيرا على «قانون دعم الاستقرار في ليبيا» وتعديلاته، المقدم من لجنة الشؤون الخارجية في المجلس، إذ صادق عليه 385 عضوًا في مقابل 35 صوتًا معارضا، وامتنع 12 عضوًا عن التصويت، بحسب بيان نشره المجلس عبر حسابه على تويتر. وأبرز ما في القانون، أنه يُمكن السلطات الأمريكية من ملاحقة الجهات المعرقلة لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
وتأتي هذه الخطوة لتؤكد التركيز الواضح للإدارة الأمريكية على الأزمة الليبية، وآلية المساهمة في حلها، بدءاً من دعم جهود التسوية إلى دعم الانتخابات، والاستقرار الأمني والعسكري.
ولكي يصبح هذا القانون نافذاً يتعين أن يصادق عليه الرئيس الأمريكي، بعد موافقة مجلس الشيوخ في واشنطن. وشكلت تلك الخطوة دعما قويا لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.
وجدد القانون فرض الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا، إضافة إلى دعم سيادة البلد واستقلاله وسلامته الإقليمية ووحدته الوطنية.
ويتضمن مشروع القانون مجموعة من البنود أبرزها «إيجاد حل سلمي للصراع في ليبيا من خلال عملية سياسية كأفضل طريقة لتأمين مصالح الولايات المتحدة، وضمان ليبيا مستقرة وموحدة، والحد من خطر الإرهاب، وتوفير السلام والفرص للشعب الليبي».
كما يشمل القانون بنداً ينص على تعليق دخول الأشخاص، الذين يساهمون في تفاقم الوضع في ليبيا، إلى الولايات المتحدة، ومنعهم من التملك، وهو بند مصمم لاستهداف الأفراد أو الكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في ليبيا. وحض القانون الأطراف الليبية على طرد القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب من البلد.
ومن أهم المواقف التي أتى بها هذا القانون تبني «الاتفاق السياسي الليبي»، الذي وصفه بند في القانون بـ»الإطار القابل للتطبيق للحل السياسي في ليبيا». وتضمن القانون أيضا في المادة نفسها، حضا لجميع الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية الشاملة «بملكية وقيادة ليبية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا». وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أعقاب آخر اجتماع عقدته مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في برلين، قبل مغادرتها المستشارية.
تحديات حقيقية
وسعيا لاستقطاب مزيد من الدعم الدولي السياسي والاقتصادي لـ»قانون دعم الاستقرار في ليبيا» أعلن المنفي أنه سيدعو إلى مؤتمر دولي، خلال الشهر الجاري، لحشد الدعم لاستقرار البلاد، محذرا من أنها تواجه «تحديات حقيقية» يمكن أن تقوض الانتخابات المقررة في كانون الأول/ديسمبر.
ويرمي المؤتمر بحسب المنفي، إلى ضمان دعم دولي «بصورة موحدة ومتسقة» واستعادة الشعور بأهمية القيادة والملكية الليبية في تحديد مستقبل البلاد.
ولم يشرح المنفي طبيعة «التحديات الحقيقية» التي قال إن ليبيا ستُواجهها، إلا أن فتحي بن شتوان، وزير النفط في عهد القذافي، أوضح جانبا منها، حين أكد أن إنتاج النفط ما زال أقل من المستوى الذي كان عليه قبل العام 2011 في حين زاد حجم الاستهلاك والطلبات. واعتبر بن شتوان أن ليبيا تعيش أزمة اقتصادية خانقة، بسبب انهيار منظومة الخدمات الأساسية وتدهور مستوى المعيشة بأكثر من خمسة أضعاف منذ 2010.
أكثر من ذلك، لا تملك ليبيا حاليا ما يكفي لحل مشاكل الكهرباء والمياه، أو تحسين مستوى المعيشة. وفي المقابل تُصر الحكومة على رفض إجراء أي تخفيض في مشروع الموازنة، بل تُجري زيادة فيها من 93 إلى 111 مليار دينار، بالرغم من مطالبة مجلس النواب المستمرة بتخفيضها، على مدار الأشهر الماضية، وتحذيره للحكومة من تداعيات موازنة بهذا الحجم على معدلات التضخم والقدرة الشرائية للدينار ورواتب المواطنين، وعلى الاقتصاد بشكل عام.
وعلى الرغم من أن حكومة الوحدة هي حكومة مؤقتة وأقرب إلى حكومة تصريف أعمال، قررت عقد مؤتمر نفطي دولي الشهر المقبل، تحت مُسمى «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد». وكانت فرنسا أول من أعلن عن دعمه القمة، على أمل أن تحصد شركاتها صفقات جديدة. ويُعتبر هذا القطاع الحساس عالما تلفه المضاربات والرشى والفساد. وكان لافتا في هذا السياق أن رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك طلب من وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج سحب قرار منح الإذن بتنفيذ مشروع استثماري، للتنقيب عن الذهب والمعادن الثمينة، في سبها (جنوب) لمدة 50 سنة لصالح إحدى الشركات الفرنسية.
وحض شكشك الحويج على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لسحب القرار وإزالة كافة أثاره، والتقيد بأحكام التشريعات النافذة بهذا الخصوص.
حملات سابقة لأوانها
في غضون ذلك انطلقت حملة انتخابية سابقة لأوانها، بالتوازي مع اقتراب استحقاق كانون الأول/ديسمبر المقبل، فبعد خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وربما عقيلة صالح، بدت تنقلات وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، ترسل مؤشرات على أنه عازم على خوض السباق الانتخابي مع هؤلاء.
واستقبل باشاغا المُنحدر من مدينة مصراتة، بمقر إقامته في العاصمة طرابلس، وفدا من أعيان وحكماء المنطقة الشرقية. وشرح في تغريدة له عبر تويتر، أنه ناقش مع الوفد العديد من القضايا أبرزها المصالحة الوطنية وإطلاق كافة المحتجزين ووحدة ليبيا وسيادتها، وتهيئة الظروف لإجراء الاستحقاق الانتخابي المقبل. والأرجح أن وطيس الحملة سيحمى في الأسابيع المقبلة، خاصة إذا ما تم حل الاشكالات القانونية والسياسية المتصلة بالعملية الانتخابية.
ليبيا.. القبض على المسؤولين عن تسمم عشرات المواطنين في بنغازي
أكدت مديرية أمن بنغازي أن قسم التحريات العامة تمكن من القبض على الأشخاص المتهمين بتسرب غاز الكلور السام الذي تسبب في تسمم العشرات من المواطنين في منطقة القوارشة غرب بنغازي.
وأوضحت المديرية في بيان لها، أن “أحد المتهمين ليبي الجنسية والآخر مصري، وقالت إن التحقيق معهما كشف أنهما قاما بالخطأ بتسريب غاز الكلور من إحدى الأنابيب بعد تعريضها لدرجات حرارة عالية، والتي تم شراؤها من أحد بائعي الخردة في المدينة دون إدراك خطورتها”.
وأشارت مديرية أمن بنغازي إلى أن “الأنبوبة مسروقة من داخل مصنع البيارة الكيميائي بمنطقة المشروع وتم بيعها للمتهم المصري لاستخدامها في مصنع الخردة الذي يعمل فيه”.
وقالت مديرة مركز بنغازي الطبي فتحية العريبي في تصريح لـ”ليبيا الأحرار”: “استقبلنا 30 حالة اختناق وغثيان نتيجة لاستنشاقهم غاز الكلور السام أجريت لهم الإسعافات الأولية اللازمة وبعضهم غادر المستشفى”.
ليبيا: بقايا النظام تسعى لاستعادة الحكم من خلال صندوق الاقتراع

رشيد خشانة – حفتر يريد أن يضمن بقاءه في موقعه الراهن، إذا ما أخفق في السباق الانتخابي. وفي هذه الحالة سيكون كرة حديدية في ساق السلطة المُنبثقة من صندوق الاقتراع.
قطع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الشك باليقين، عندما فوض لرئيس أركانه عبد الرازق الناظوري مهام «القائد العام للجيش» لمدة ثلاثة أشهر، كي يتسنى للأول الترشُح للانتخابات الرئاسية، المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. ولا يملك حفتر، الذي استمد شرعيته من برلمان مُنتهي الصلاحية وخاضع للسلاح، صلاحيات تسمح له بأن يُسمي ويعزل المسؤولين في المناصب الرئيسية في الدولة، فهذا اختصاص حصري للسلطة التشريعية. كما لا يحق له أن يُفوض «الصلاحيات» المُسندة إليه إلى شخص آخر.
من الواضح أن الضابط المُثير للجدل، بات يسعى اليوم إلى الصعود على سدة الرئاسة، بالوسائل السياسية، بعدما عجز عن غزو طرابلس عسكريا، ومن ثم إعلان نفسه حاكما عاما لليبيا، مثلما صرح بذلك في مناسبات عدة.
قانون على المقاس
لم يكن القانون يُجيز للعسكريين الترشُح للانتخابات، قبل أن يسن البرلمان، الذي يُديره عقيلة صالح، قانونا انتخابيا على مقاس حفتر، يخول له الترشح للرئاسيات. وألزم هذا القانون العسكريين الراغبين في الترشح بترك مهامهم العسكرية، قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع. غير أن حفتر يريد أن يضمن بقاءه في موقعه الراهن، إذا ما أخفق في السباق الانتخابي. وفي هذه الحالة سيكون كرة حديدية في ساق السلطة المُنبثقة من صندوق الاقتراع، وسيحافظ على انقسام المؤسسات الحالي بين الشرق والغرب.
لذلك أبدى 22 نائبا، في بيان خاص، استغرابهم من عدم إحالة مشروع قانون انتخاب رئيس الدولة على التصويت، وخاصة البند المتعلق بالسماح للعسكر بالترشح. ورد المجلس الأعلى للدولة على مجلس النواب بقانون موازٍ، داعيا إلى تأجيل سباق الرئاسة والاكتفاء بانتخاب نواب البرلمان.
وفيما انتقدت عناصر من النخب الليبية الطريقة التي تم بها سن القانون الانتخابي، في معزل عن أي حوار أو تشاور، أتى موقف المجتمع الدولي مائعا ومثيرا للاستغراب لقبوله بالقانون، وإن على مضض. وعزا مراقبون ذلك الموقف «لحسابات سياسية تستعجل مسألة اختيار رئيس ليبيا». وفي الوقت نفسه طالب 27 عضواً من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الـ75 بعثة الأمم المتحدة للدعم، بعدم تبني ما وصفوه بـ»الحلول التلفيقية».
واللافت أن عقيلة صالح يبدو في طريقه إلى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية هو الآخر، إذ قرر الدخول في إجازة، إلى أن يحل موعد الاستحقاق الانتخابي، واستطرادا سيتوقف عن ممارسة مهامه طيلة الأشهر الثلاثة المقبلة، التي تتزامن مع نهاية الولاية الحالية للبرلمان وانتخاب مجلس نواب جديد.
أما أنصار حفتر، الذين يُديرون حملة دعائية واسعة، فيعملون حاليا على إعطاء الانطباع بأن اللواء المتقاعد يُمثل المنطقة الشرقية. إلا أن ترشح صالح المُحتمل سيجعل الرأي العام في الشرق موزعا بين قطبين متنافسين.
كما سعى حفتر دوما إلى الإيهام بأن قبائل الشرق تدعمه، لكن مواقف المكونات القبلية هناك لا تؤكد ذلك. لا بل إن وفدا من الهيئة الوطنية لأعيان ومشايخ المنطقة الشرقية، برئاسة الشيخ إدريس يحيى البرعصي رئيس الهيئة، زار أخيرا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وعبر له عن دعمه للجهود التي تبذلها الحكومة في طريق المصالحة، و»ايجاد ميثاق وطني للصلح بين أبناء ليبيا».
العسكر والرئاسيات
ويُرجح مراقبون أن المنافس الرئيس لحفتر، بالاضافة لعقيلة صالح، سيكون سيف الاسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي. والظاهر أن القوى الاجتماعية والسياسية المتضررة من انتفاضة 2011 ضد القذافي وأبنائه، هي التي تسعى إلى استعادة مقاليد الحكم من خلال صندوق الاقتراع. وقد انطلقت في إعداد العُدة لخوض الانتخابات، من خلال ترتيبات تنظيمية ومالية وسياسية، تُوحد رجال النظام السابق حول مرشح توافقي.
ومن ضمن عناصر الحملة الانتخابية المبكرة، إطلاق أنصار القذافي أخيرا قناة تليفزيونية تبث من تونس، يبدو أنها ستكون أداة مهمة في حملته الرئاسية. وسيستفيد سيف الاسلام من الافراج أخيرا على عدد من أركان النظام السابق، لكي يشاركوا في حملته الانتخابية بالمال والرجال.
غير أن تحقيق كل هذه الحسابات والخطط يعتمد على الموقف الدولي، الذي يعرف أن سيف الاسلام مطلوب إلى العدالتين الدولية والمحلية. لكن يبدو أن بعض القوى العظمى لا ترى من حل في ليبيا سوى بعودة نظام صارم على شاكلة نظام القذافي الأب.
والظاهر أن وجود منافسة بين مرشحين ينتميان إلى النظام القديم (حفتر وسيف الاسلام) سيُشتت الأصوات ويُقلل من فرص فوز أحدهما بالرئاسة.
وسعيا للتميُز، يُقدم أنصار النظام السابق سيف الاسلام على أنه يرمز لتيار ثالث بين جماعات الاسلام السياسي في المنطقة الغربية، المُتحالفة مع تركيا، ومؤيدي اللواء المتقاعد حفتر، المدعوم من الامارات ومصر وروسيا وفرنسا.
كما أطلق أنصار حفتر أيضا حملة انتخابية مكثفة، خارج الاطار القانوني المُنظم للدعاية الانتخابية، من ضمنها توزيع استبيانات لجمع معلومات عن المواطنين وأرقام مراكزهم الانتخابية لحضهم على التصويت لحفتر، ما يعتبر مخالفة صريحة للقوانين. والأخطر من ذلك، الخطاباتُ التي يُلقيها على الضباط والجنود في الثكنات التي توجد تحت سيطرته. والأرجح أنه مُصمم على الفوز في الانتخابات بفضل أصوات العسكريين، وقد حرص رئيس مجلس النواب على تضمين القانون الانتخابي حق العسكر في التصويت، من دون أن يُخضع القانون للتصويت.
من هو الشرعي؟
وكانت تلك المبادرة مثارا لأزمة بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة. وحاول المجلس سحب الثقة من الحكومة، غير أن الأمم المتحدة أكدت أن «الشرعية مازالت مع حكومة الوحدة الوطنية». كما أن الدول الكبرى المؤثرة في الصراع الليبي جددت التمسك بتلك الحكومة المؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات العامة في ميقاتها.
وحض وزراء خارجية كل من أمريكا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في أعقاب اجتماع مشترك بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على إجراء الانتخابات في موعدها.
ويبدو من تصريحات الوزير الألماني هايكو ماس أن الأربعة اتفقوا، في خصوص الوضع الليبي، على ثلاث قضايا كبرى أولها ضرورة إجراء الانتخابات في ميقاتها، والثانية سحب المرتزقة من البلاد، والثالثة التمديد لولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. والأرجح أن الدبيبة أراد إخراج الجدل من بوتقة السياسيين والاستنجاد بالشارع في خلافه مع رئيس مجلس النواب، إذ دعا إلى المشاركة بكثافة في «التظاهرة» التي تمت في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، وخاطب خلالها تجمعا لمتظاهرين رافضين القانون الانتخابي، ومعارضين لإفساح المجال أمام العسكر للترشُح للانتخابات الرئاسية.
أكثر من ذلك، لوحظ أن الحكومة الوقتية، (التي لا يُسمح لرئيسها وأعضائها بالترشُح للانتخابات المقبلة) بدأت تستقطب بعض الدعم من الشارع، بعد استقرار الوضع العسكري وتحسُن حالة الأمن، وحل مشكلة الكهرباء، وإن جزئيا. وأكد الصحافي محمد الصريط لـ»القدس العربي» أنه لاحظ أثناء سفره على الطريق الساحلي الرابط بين مصراتة وسرت (200 كيلومتر) أن المظاهر العسكرية بدأت تختفي، وأن العسكريين في الحولجز والمفترقات على كامل الطريق، هم من التابعين إلى لجنة 5+5، بالاضافة لبعض العناصر من المخابرات. كما لاحظ أيضا أن هناك إشارات إلى مدافن الألغام لتفاديها.
وشكلت إعادة فتح الطريق الساحلي أخيرا إحدى علامات نهاية الحرب الأهلية، حتى أن البعض بات يقول إن الدبيبة استعاض عن خيام المآتم والعزاء بخيام الأعراس وحفلات الزفاف.
وفي إطار هذه السياسة أمر الدبيبة بإنشاء صندوق دعم الزواج، لكي يقوم بصرف مبالغ مهمة للشباب الراغبين بالزواج، بعدما كان يستحيل على غالبيتهم تأمين الكلفة اللازمة لعقد القران. وهي وسيلة عملية للتقليل من نسبة العنوسة المرتفعة في المجتمع الليبي. كما أمر بوضع 1.5 مليار دولار في «المصرف العقاري» الذي كان مٌهمشا في الماضي، لتيسير الحصول على قروض موجهة لشراء بيت أو شقة. وآخر إجراء اتخذه في هذا السياق تمثل في الترفيع من رواتب المعلمين اعتبارا من الشهر الجاري. واستند الترفيع على القانون الرقم 4 الصادر عن مجلس النواب في 2018.
وما ساعد على هذا «الكرم» أن ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، استعادت مستوى الانتاج السابق، المُقدر بحوالي 1.2 مليون برميل في اليوم، منذ وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
والظاهر أن المغرب، المُتابع عن قرب للملف الليبي، لم ييأس من تجسير الفجوة بين الإخوة الأعداء، وهو يسعى لجمع رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، المعارض لانفراد البرلمان بإصدار قانون الانتخابات، في محاولة من الرباط لتقريب وجهات النظر بين المجلسين.
ومع أن الوضع في ليبيا عرف بعض الاستقرار والتحسُن النسبي، وسط صمود اتفاق وقف إطلاق النار، فإن البنك الدولي وضعها ضمن البلدان التي تعاني من أوضاع هشة متأثرة بالصراع، وقد صنفها البنك الدولي في خانة «الصراع عالي الشدة»،إلى جانب دول مثل أفغانستان وأفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان وسوريا واليمن. كما أظهرت الاحصاءات أن من بين 7 ملايين ليبي، هناك قرابة 400 ألف نازح، زيادة على 1 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة. وتوفي أكثر من 2100 ليبي حتى الآن، بعد إصابتهم بـ»كوفيد19» في بلد يعاني نظامه الصحي من اختلالات بنيوية، وسكانه من انقطاعات الماء والكهرباء المديدة.
من هنا تأتي أهمية الاستحقاق الانتخابي المقبل، الذي سيضع البلد على سكة التنمية الشاملة والديمقراطية، إذا ما قبل جميع الفرقاء نتائج الاقتراع، أو يعود بالبلد إلى أجواء الحرب مجددا، إذا ما رفضت بعض الفئات الاحتكام إلى نتائج الصندوق. وهذا هو التحذير الذي حمله رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى نيويورك، لدى مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكد للعالم أن البديل من القبول بنتائج انتخابات حرة وشفافة، هو «العودة إلى مربع الانقسام والصراع المسلح».
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.