السبت 05 يوليو 2025 9 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

المنقوش تعلن التوصل إلى آلية لسحب المرتزقة.. والعمامرة يؤكد أن تجربة بلاده تحت تصرف ليبيا

 

قالت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، الثلاثاء، إن اجتماع الجزائر خرج بعدة تفاهمات مع دول الجوار بخصوص المرتزقة وتفعيل الاتفاقية الأمنية معهم.

وتابعت المنقوش، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الجزائري رمطان لعمامرة، في ختام اجتماع وزاري لدول الجوار الليبي بالعاصمة الجزائر، أن القمة شددت على أنه لا مناص من توحيد جهود دول الجوار، مضيفة أن الاجتماع يسعى إلى تحقيق عدة أهداف أهمها أمن الحدود والأمن الغذائي والتنمية.

مبادرة استقرار ليبيا
وعن مبادرة استقرار ليبيا، أعلنت وزيرة الخارجية أن جميع دول الجوار أبدت الموافقة على المشاركة في الاجتماع المقرر عقده نهاية شهر سبتمبر، في وقت تسعى حكومة الوحدة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها.

وقالت المنقوش إن الاجتماع التشاوري على مستوى وزراء الخارجية لدول الجوار والدول الشقيقة والصديقة لدعم استقرار ليبيا، عمل على تفعيل مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني.

وفي ردها على سؤال بشأن الالتزام بإجراء الانتخابات بموعدها أوضحت أن المساعي جارية لأن تجري في وقتها، مؤكدة انتظار موقف البرلمان من القاعدة الدستورية.

انسحاب المرتزقة
وكشفت المنقوش أن الوزراء المجتمعين في الجزائر توصلوا إلى آلية انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وأكدوا التنسيق مع لجنة (5+5) العسكرية بشأن موضوع انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا في وقت تم التوصل إلى قرار تفعيل الاتفاقية الرباعية بين ليبيا ودول الجوار لتأمين الحدود المشتركة.

وقالت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إن المصالحة الوطنية يجب أن تكون جهدا وطنيا، وأن تخرج من الأراضي الليبية، مع دعم دول الجوار والمنظمات الأممية والإقليمية للاستفادة من تجربتها.

وأوضحت المنقوش أن الدراسات أثبتت أن المصالحة الوطنية يجب أن تبنى على أساس سليم، لكنها استطردت بالقول إن ملف المصالحة الوطنية ملف خاص بالمجلس الرئاسي تم تبنيه وإعداد خطة له.

الجزائر تبدي استعدادها
بدوره، أعلن وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة، وضع تجربة بلاده تحت تصرف الأشقاء في ليبيا خلال إجراء الانتخابات.

وأضاف لعمامر أنه من المقرر أن تستقبل ليبيا مراقبين دوليين يشرفون على مراقبة الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر، لافتًا إلى أن الجزائر مهتمة بالحضور من خلال مجموعة من المراقبين والتأكد من أنها نزيهة.

واعتبر الوزير مصداقية الانتخابات وشرعية المؤسسات هو مفتاح استرجاع ليبيا لسيادتها متوقعًا أن تكون الانتخابات مفتاح عهد جديد وعودة انخراطها في المجتمع الدولي.

وانطلقت الإثنين، أعمال المؤتمر الثاني لوزراء خارجية دول جوار ليبيا بالمركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة الجزائرية، والذي سيستمر على مدار يومين.

وناقش المؤتمر آلية وضع خارطة طريق واضحة، لتنظيم الانتخابات العامة المقررة في 24 ديسمبر المقبل في موعدها المحدد دون تأجيل.

وشارك في المؤتمر كل من وزراء خارجية ليبيا، مصر، السودان، النيجر وتشاد، والكونغو الى جانب الامين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، ومفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، بانكولي أديوي، والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش .

مساعي جزائرية ليبية لعقد «مؤتمر برلين» عربي

 

رشيد خشـانة – يُسابق الليبيون الزمن للعمل على بلورة موقف مغاربي موحد يُيسر تنفيذ خريطة الطريق التي اعتمدها المشاركون في مؤتمر برلين2 مطلع العام الجاري، وفي مقدمها إجراء الانتخابات العامة.

وجهت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في مبادرة نادرة، دعوات إلى نظرائها في كل من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وتشاد والنيجر والسودان، بصفتها الرئيس الدوري لمجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، لحضور اجتماع خاص بالأزمة الليبية في الجزائر أواخر الشهر الجاري. وجال وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، على كل من القاهرة والخرطوم وتونس لنقل دعوات إلى نظرائه لحضور الاجتماع.
كما وجهت الجزائر دعوات إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحضور الاجتماع، وأفادت قناة «الشروق» الجزائرية أن المؤسستين أكدتا مشاركتهما في الاجتماع، ما يوحي بأنه سيكون، إذا ما عُقد فعلا، بمثابة «مؤتمر برلين» عربي.
ولئن كانت القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب لا تسهل توحيد الموقف المغاربي، فإن اجتماعا آخر مقررا في القاهرة، على هامش اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، في السابع من الشهر المقبل، قد يكون مناسبة لضم المغرب إلى الجهود الجارية لدعم الحل السياسي في ليبيا.
وكان لافتا أن أمريكا سارعت إلى التعبير عن دعمها للمبادرة الجزائرية، عبر حساب موقع سفارتها بالجزائر، على شبكة «تويتر» عقب لقاء جمع المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، على هامش زيارة الأخير لتونس.
وقالت السفارة إن أمريكا «ترحب بهذه المبادرة كجزء من الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في ليبيا والمنطقة، وتأمين انسحاب القوات الأجنبية، وضمن ذلك المقاتلون والمرتزقة الأجانب».
ويندرج الحراك الدبلوماسي الليبي الجزائري، في إطار محاولة لحشد الدعم السياسي من دول الجوار، وهي دول تؤثر بدرجات متفاوتة في مسارات الأزمة الليبية منذ 2011. وأتت الزيارات المكوكية لوزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إلى تونس، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، تعبيرا عن رغبة الجزائريين في رؤية موقف مغاربي موحد، يُقرب التسوية السياسية للأزمة، التي تشكل تهديدا مباشرا لأمنهم القومي.
ويميل الجزائريون إلى التسوية السلمية للصراع في ليبيا، وأكدوا مرارا وتكرارا استعدادهم للوساطة بين الفريقين المتصارعين. إلا أن توتر العلاقات مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لم يُسهل طريق التعاون بين الطرفين. أكثر من ذلك، لم يتوان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن التصريح بأن الجيش الجزائري كان سيتدخل في طرابلس لو اقتحمت قوات حفتر العاصمة الليبية. مع ذلك يُشدد الجزائريون على ضرورة إشراك جميع الأطراف الليبية في مسار التسوية، بما يضمن عدم عودتها إلى التمرد والعمل المسلح مستقبلًا.
في إطار هذه الرؤية ترى الجزائر أنّ استمرار الصراع المسلح، خاصة في ظل تدخلٍ أجنبيّ مكثف، ودعمٍ عسكري متعدد الأطراف، كما هو الحال في ليبيا، لن يؤدي إلا إلى تقويض أكبر للأمنين الليبي والإقليمي. ولذلك دعا الجزائريون رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى الجزائر، في حزيران/يونيو الماضي، واعتُبرت تلك الزيارة فتحا لحوار غير مباشر مع حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لكن الحوار لم يتواصل بشكل رسمي.

مرتزقة السودان وتشاد
وبموازاة التنسيق مع الدول المغاربية، مهد الليبيون للاجتماع المنوي عقده، بحوار مع جيرانهم الجنوبيين، وبخاصة تشاد والسودان، من خلال زيارتين أداهما عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، إلى كل من نجامينا والخرطوم، حيث عقد اجتماعا مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في العاصمة التشادية، واجتماعا مماثلا مع الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني في الخرطوم.
وأفاد الكوني بعد عودته إلى طرابلس، أنه اتفق مع ديبي، على ضمان أمن الحدود، وإخراج الفصائل المسلحة التشادية من ليبيا، وذلك على خلفية التطورات الأمنية التي أدت إلى مقتل والده الرئيس المغدور إدريس ديبي، على أيدي متمردين انطلقوا من ليبيا.
أكثر من ذلك، اقترح ديبي على الكوني إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، الذي يخص تشكيل قوة عسكرية مشتركة، على الحدود مع ليبيا لمنع توغل الجماعات المتمردة عبرها.
وكانت الدول الأربع توصلت إلى اتفاق في 2018 رمى إلى تطوير التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر. لكن الاتفاق لم يحُل دون انتشار قوات شبه عسكرية في جنوب ليبيا، وتوغل متمردين تشاديين في ليبيا. وقد استخدم اللواء حفتر قسما منهم في عملياته العسكرية.
كما أكد الكوني أن الفريق البرهان، وباقي الوزراء أبدوا رغبتهم في حل ملفات الهجرة غير النظامية، وأمن الحدود ومحاربة المجموعات المسلحة الخارجة عن القانونين السوداني والليبي.
قصارى القول إن الأطراف الثلاثة اتفقت بحسب الكوني، على وضع «خريطة طريق عملية للحد من الخروقات الأمنية والأعمال الإجرامية». لكن لا توجد ضمانات مع بلدان الساحل والصحراء تؤكد استعدادها لوضع مثل تلك الخريطة فعلا لا قولا، أو للإقدام على تنفيذ أي اتفاق من هذا النوع، لأن تجفيف قنوات التهريب ومحاصرة جماعات الإتجار بالسلاح، يُضران مباشرة بمصالح الفئات الحاكمة في تلك البلدان، وهي الفئات التي ترعى الاختراقات لممارسة التجارة الموازية، بما فيها تجارة السلاح وتهريب البشر.

شبح التقسيم
ويمكن القول إن حرص الجزائر على حلحلة الأزمة الليبية وتسريع نسق المفاهمات الإقليمية والدولية على تنفيذ خريطة الطريق، المُنبثقة من مؤتمر برلين2 مردُهُما إلى مخاوف الجزائريين من تقسيم ليبيا. وهم يعتقدون أن الإخفاق في إجراء الانتخابات العامة في ميقاتها المتفق عليه، سيقود حتما إلى التقسيم، بجميع تداعياته السلبية على الأمنين الوطني والاقليمي الجزائريين.
كما أن تمركز قوات أجنبية في عدة قواعد عسكرية ليبية منذ فترة «حرب طرابلس» يثير مخاوف لدى بلدان الإقليم من انكشافها أمنيا، وخاصة عبر القواعد القريبة من حدودها، أسوة بقاعدة الوطية (جنوب غرب) التي يديرها ضباط ومدربون عسكريون أتراك، وهي القاعدة الرئيسة للطائرات المُسيرة، التي لعبت دورا محوريا في هزيمة قوات اللواء حفتر، لما وصلت إلى مشارف طرابلس. ولا تبعد قاعدة الوطية سوى بضع عشرات الكيلومترات عن الحدود الليبية المشتركة مع الجزائر وتونس، اللتين كانت لهما تجارب مريرة في خرق الجماعات المسلحة الحدود الدولية، وتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيهما.
وحرصت الدبلوماسية الليبية على إشراك المغرب في جهودها الرامية لحشد الدعم الإقليمي للحل السياسي، فأوفدت عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي إلى الرباط، بالرغم من تسمُم الأجواء بين المغرب والجزائر في هذه الفترة. وأجرى اللافي محادثات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة تعلقت بالعملية السياسية في ليبيا، وكذلك بالخلاف المغربي الجزائري بحكم تولي ليبيا حاليا الرئاسة الدورية لاتحاد المغرب العربي. وكان واضحا أن المغاربة جددوا للموفد الليبي دعمهم لجهود حكومة الوحدة الوطنية «في مجال توحيد المؤسسات وإطلاق مسار المصالحة والإعداد للانتخابات» طبقا لما أورد الإعلام الليبي.
وكان المغاربة لعبوا دورا مهما في التوصل إلى اتفاق الصخيرات (إحدى ضواحي الرباط) العام 2015 وظلوا قريبين باستمرار من تفاعلات الملف الليبي، وإن بقوا خلف الستار. لكن المخاوف الكبرى على المسار الانتخابي أتت من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يُخطط، على الأرجح، لتقويض حكومة الدبيبة، بدعوتها إلى المثول أمام المجلس في مقره الحالي بمدينة طبرق (شرق) والتلويح بسحب الثقة منها إذا لم تفعل.
ويُرجح أن الدبيبة لن يتمكن من الحضور بسبب ارتباطات رسمية سابقة، وفي هذه الحالة ستصل الأوضاع إلى نقطة حرجة، لأن سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية سيُحدث فراغا دستوريا لا سبيل لملئه، وأيضا لأن الأطراف الدولية والإقليمية الراعية للحل السياسي في ليبيا، لن تقبل بتبديد مخرجات جنيف/برلين، التي حددت ميقات الانتخابات وأفرزت حكومة ومجلسا رئاسيا.

عواصم القرار و»مبادرة» صالح
وطالما أن عواصم القرار لا ترغب بإيجاد بديل من الحكومة ولا من المجلس الرئاسي، فإن مناورة عقيلة صالح لن تُحقق الهدف المُراد من ورائها، خاصة في ظل تشبث كبار اللاعبين الإقليميين والدوليين بالمسار الانتخابي. ومن علامات ذلك التشبث تصريحُ سفير أمريكا ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، في أعقاب اجتماع مهم مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في تونس، والذي جدد فيه الموقف الأمريكي «الداعم للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، في إطار الحرص على أمن ليبيا واستقرارها».
وتؤكد العناية الأمريكية المتزايدة بالملف الليبي، أن واشنطن أنهت عمليا الوكالة التي كانت تمنحها لإيطاليا لإدارة هذا الملف، وأخذت زمام الأمر بيدها، وسط تواري الأوروبيين عن المشهد، ربما عدا ألمانيا الحاملة لمشروع برلين.
ومن المهم التذكير في هذا الصدد بأن تغييرا كبيرا آخر طرأ على الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية، منذ اللحظة التي أعلن فيها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، في جلسة رسمية لمجلس الأمن، أن «على الأطراف الخارجية، بما فيها روسيا وتركيا والإمارات، احترام السيادة الليبية والوقف الفوري للتدخلات العسكرية في ليبيا».
والأرجح بحسب مصادر مطلعة أن الدبيبة لن يستجيب لدعوة مجلس النواب للمُساءلة، ‏واستطرادا فإن المجلس لن يستطيع سحب الثقة من الحكومة، لأن ‏تلك العملية تحتاج إلى موافقة غالبية من أعضاء المجلس، وهي مازالت غير مضمونة.‎
لكن في هذه الأثناء يظل الاتصال قائما بين الحكومة وأعضاء مجلس النواب، من ذلك أن الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي اجتمعا أخيرا مع عدد من أعضاء مجلس النواب لمتابعة عمل الحكومة.
لكن تجدد الاشتباكات في الأيام الأخيرة، بين مجموعات مسلحة شرق مدينة الزاوية، القريبة من العاصمة طرابلس، يُنبه الجميع إلى خطورة استمرار تحكم الميليشيات بعدة مدن وأحياء، وسط عجز الدولة عن ضبطها وإخضاعها لسلطة وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، التي يُديرها رئيس الحكومة بنفسه. وليست اشتباكات الزاوية حدثا معزولا وإنما هي واحدة من الاختراقات المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصل إليه المتحاربون في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، ما يجعل الهدوء النسبي الحالي شديد الهشاشة.

الليبيون يتعظون من تجربة جيرانهم التونسيين ويختارون النظام الرئاسي

 

رشيد خشــانة – بحسم مسألة انتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرة، يكون الليبيون قد فضلوا النظام الرئاسي على البرلماني، بعد فترة غير طويلة من التجاذبات حول طبيعة النظام المُفضل.

بعد احتدام الجدل بين الفرقاء الليبيين على شروط الترشيح لرئاسة الدولة، توصل أعضاء مجلس النواب إلى صيغة اعتُبرت «توافقية» قبل أن يُحيلوا المشروع على لجنة الصياغة النهائية. وبموجب الاقتراح سيُنتخب رئيس الدولة من الشعب مباشرة، في الانتخابات المُقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. وسيُتاح لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين الترشُح لرئاسة الدولة، بشرطين أولهما أن يتوقف المُترشح عن عمله قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الاقتراع، مع إمكان العودة إلى مركزه السابق إذا ما أخفق في الحصول على ثقة الناخبين. ويتمثل الشرط الثاني في أن يكون ليبيا مسلما من أبوين مسلمين، ومتزوجاً من ليبية.
وبحسم مسألة انتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرة، يكون الليبيون قد فضلوا النظام الرئاسي على النظام البرلماني، بعد فترة غير طويلة من التجاذبات حول طبيعة النظام المُفضل.
ولدى مناقشة هذه المسألة، كان هناك تباعد في المواقف من الصلاحيات التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس، ففيما كان أنصار النظام البرلماني يدفعون نحو الحد من صلاحيات الرئيس، مخافة الانزلاق مجددا إلى الحكم الفردي والنظام الاستبدادي، كان الفريق المقابل يُصرُ على ضرورة منح الرئيس صلاحيات واسعة تجعله قادرا على حسم كثير من القضايا الشائكة. واستدل أصحاب هذا الرأي بإخفاق النظام البرلماني في تونس، في تحقيق انتقال سلس نحو الديمقراطية، ما أفسح المجال للرئيس قيس سعيد للاستئثار بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية، بعد إقالة رئيس الحكومة وتجميد مجلس النواب.
ومن المدافعين البارزين عن النظام الرئاسي النائب سليمان فقيه، الذي اعتبر أن هناك «عقلا جمعيا في ليبيا يريد انتخابات رئاسية» مع ضرورة تجاوز الصراع السياسي، من دون الوقوع في دكتاتورية أو حكم الفرد. ولوحظ لدى مناقشة مواد مشروع قانون انتخاب الرئيس أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حليف الجنرال المتقاعد حفتر، أكد أن الانتخابات ستتم في ميقاتها المقرر.
وقال صالح في تصريح لوكالة «سبوتنيك» الروسية إن المجلس مستعد لاعتماد قانون الانتخابات الرئاسية خلال أسبوع أو أسبوعين، مؤكدا أن «الشعب يريد الانتخابات، وهي المَخرج الوحيد للأزمة الليبية، كما أن إلغاءها سيؤدي إلى التقسيم والفوضى واستمرار الحرب». وجاء على لسان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة كلام مشابه، للتحذير من مساعي مَن وصفهم بـ»الفاشلين» الرامية إلى تعطيل الانتخابات، مشددًا على أن هذا الاستحقاق «هدف سامٍ لن نسمح للفاشلين بعرقلته» على ما قال الدبيبة.
على الصعيد العملي أعلنت الحكومة أنها حولت أكثر من 200 مليون دينار لصالح وزارة الداخلية، للمساهمة في تنفيذ خطة تأمين الانتخابات، كما رفعت العراقيل الإدارية عن تسييل المبالغ المالية اللازمة للمفوضية العليا للانتخابات، وقامت بإيداعها في حسابات المفوضية.

ضغوط أمريكية

الظاهر أن أمريكا تمارس ضغوطا على الفريقين الليبيين المتصارعين، لضمان إجراء الانتخابات المقبلة. وتندرج في هذا الإطار الجولة الأخيرة للموفد الأمريكي الخاص إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، على كل من مصر وتركيا والمغرب، والتي ركزها، بحسب بيان للسفارة الأمريكية، على «الضرورة الملحة» لوضع الأساس الدستوري والإطار القانوني المطلوبين لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
كما حمي في الأيام الأخيرة وطيس الحرب الكلامية حول التأخير المسجل في توحيد مؤسسات الدولة المُفككة، وخاصة المصرف المركزي ووزارات الدفاع والداخلية والمال، وهي إحدى المهمات الرئيسة التي أخذتها حكومة الوحدة الوطنية على عاتقها لدى تشكيلها في آذار/مارس الماضي، ولم يُسجل فيها تقدم يُذكر. وكان لافتا أن بوابة «الوسط» الليبية لاحظت عودة ما أسمته «مفردات لغة الحرب» مجددا مع اقتراب العد التنازلي للانتخابات.
في السياق نفسه أكد تقرير بريطاني صدر أخيرا، أن استمرار الانقسام السياسي والمواجهات المسلحة «يحدان من القدرة على مكافحة الإرهاب» على الرغم من محاولة السلطات الحد من عدد الإرهابيين في غرب البلاد وشرقها. وتطرق التقرير الذي أصدره «المركز الدولي لدراسة الراديكالية» التابع لكلية «دراسات الحرب» بجامعة «كينغز كوليدج» البريطانية، إلى موضوع «الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا» ليُؤكد أنه بالرغم من القضاء على عشرات من مقاتلي تنظيمي «داعش» و»القاعدة» ما زالت جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا غير كاملة أو منظمة. ويُشير التقرير بصورة خاصة إلى غياب حكومة يتوافق عليها الجميع أو برلمان يسنُ التشريعات اللازمة للحد من أي نشاط إجرامي. كما يُشدد على أن استمرار الانقسام السياسي وبقاء المواجهات المسلحة بين المجموعات المتصارعة يزيدان من تعقيد الموقف، ويطيلان أمد التخلص من آفة الإرهاب.
وبالرغم من الدعوات المتكررة لسحب المقاتلين الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وآخرها الدعوة الصادرة عن مؤتمر برلين الثاني، لا توجد محاولات جادة في هذا الاتجاه، إذ لم تسع حكومة الوحدة الوطنية إلى تقسيم المرتزقة بحسب جنسياتهم، كي تمارس ضغوطا حقيقية على الأطراف الأجنبية. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المرتزقة، التي تُقدر بما بين 20 و30 ألف عنصر.

أجنحة مُتكسرة

غير أن الباحث في الشأن الليبي جليل حرشاوي لا يعتبر مشكلة المقاتلين الأجانب أكبر المسائل المطروحة في ليبيا اليوم، على الرغم من أن السيادة الليبية تنتهك بشكل يومي، على ما قال. ويعتقد حرشاوي، وهو باحث في شبكة المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، ومقرها في جينيف، أن ليبيا تُجابه حاليا مشاكل أكثر إلحاحاً، واصفا الوضع الراهن بالانتكاسة، لأن وزارة المال على سبيل المثال، تتصرف بشكل مستقل في الشرق، في حين لم يتحقق حتى الآن توحيد جناحي المصرف المركزي، المُشتت بين مقره الرئيس في طرابلس والفرعي في بنغازي.
واعتبر تقرير جامعة «كينغس كوليج» أن هناك ثلاثة عناصر تؤثر في سياسة مكافحة الإرهاب بليبيا، وهي انقسام المؤسسات السياسية، والفساد الاقتصادي، وحالة الاستقطاب، علما أن البرلمان الليبي لم يسن أية تشريعات لمكافحة الإرهاب منذ انقسام المؤسسات بين الشرق والغرب في 2013 و2014 عدا القانونين رقمي 27 و53، اللذين يرميان إلى حل المليشيات غير التابعة للدولة، ودمج الجماعات المسلحة في كيان جديد يمثل الدولة. ومع أن المؤتمر الوطني العام (برلمان انتقالي) اعتمد هذين القانونين، في 2013 فإنهما لم يعرفا طريقهما للتطبيق منذ ذلك التاريخ.
وأشار التقرير إلى أن القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب متضمنة في القانون الجنائي، حيث توجد مادتان تنصان على تجريم الأعمال التي تهدد الأمن القومي، بما في ذلك الإرهاب، والترويج للأعمال الإرهابية وتمويل الإرهاب. وتابع «بينما يقوم الدبلوماسيون الليبيون بالتوقيع على الاتفاقات الدولية، فإن قدرتهم على تطبيقها في بلدهم شبه منعدمة، فمنذ إجراء أول انتخابات حرة في ليبيا في 2012 تم طرح عدة تشريعات لمكافحة الإرهاب، مثل القانونين المذكورين، اللذين يهدفان لحل الميليشيات غير التابعة للدولة، ودمج الجماعات المسلحة في كيان جديد يمثل الدولة». وفي 2013 قام المؤتمر الوطني العام بتبني هذه القوانين ولكن لم يتم تطبيقها إطلاقاً.
في هذا المناخ تشهد ليبيا تطبيقاً عشوائياً من أطراف مسلحة كثيرة، لإجراءات مكافحة الإرهاب من دون أساس قانوني. وبحسب تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في نيسان/ابريل 2021 أصدرت المحاكم العسكرية الليبية أحكاماً بحق المئات من المدنيين في شرق ليبيا، بعد محاكمات «عسكرية سرية وغير عادلة إلى حد بعيد».

تساؤلات لدى المراقبين

ومع أن نفوذ تنظيم «داعش» في تراجع منذ العام 2016 يعتقد الخبراء الأمنيون أنه ما زال هناك احتياج لمواصلة جهود مكافحة الإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وكذلك اتساع الأراضي الليبية، وهو ما يسمح للمنظمات غير الشرعية بحرية نسبية للحركة. ولوحظ أن الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة تركزت في المناطق الخاضعة لنفوذ قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، أكثر مما كان عليه الحال في مناطق غرب ليبيا. ويُعزى ذلك إلى أن مناطق شرق ليبيا أكثر اختراقاً من قبل الجماعات السلفية الجهادية، قياسا على المنطقة الغربية. كما أن استمرار هذا النشاط الإرهابي يطرح تساؤلات لدى المراقبين بشأن مدى فاعلية الإجراءات القاسية والعشوائية التي تقوم بها قوات حفتر، في إطار ما تزعم أنه «مكافحة للإرهاب.»
وأكد تقرير منظمة العفو الدولية أن المحاكمات العسكرية شملت مدنيين تم استهدافهم فقط «بسبب انتقادهم قوات حفتر» مشيراً إلى أن أحكاما بالإعدام صدرت بحق 22 شخصاً على الأقل وتم سجن المئات، في الفترة بين كانون الثاني/يناير 2018 ونيسان/أبريل 2021.
وعادة ما تقوم الميليشيات «المستقلة» باعتقال الأفراد بناء على تُهم مزعومة بالإرهاب، ولا يتم إخطارهم بحقوقهم. وعلى الرغم من إصدار عدة تعديلات قانونية، لم يتقدم مجلس النواب ولا حكومة الوفاق السابقة بأية خطة استراتيجية لمكافحة الإرهاب. ولم تطل الملاحقات القضائية سوى أعداد قليلة ممن يستحقون الملاحقة. ولاحظ واضعو التقرير أن «الميليشيات المرتبطة بشكل غير رسمي بالدولة تتصرف على أساس أنها أجهزة أمن تنفيذية، وتقوم باعتقال المتهمين بالتورط في الإرهاب» وهي تتصرف عادة بشكل محلي، بعيداً عن أية آليات للتنسيق أو الرجوع إلى المؤسسات المركزية.
من هنا لا توجد قوة عسكرية موحدة بين الشرق والغرب، بل يزداد هذا الانقسام استفحالا مع ارتباط كل طرف بقوة إقليمية منافسة للأخرى. ففي الشرق حصلت القاهرة على دعم من مجلس النواب، في تموز/يوليو 2020 لتدخلها في الشؤون الأمنية الليبية بعد الموافقة على قرار يسمح لمصر بالتدخل عسكريا في الأراضي الليبيةً. وحصلت القاهرة على صفقات مهمة في إطار خطة معاودة الإعمار الليبية.
في الجهة المقابلة أمنت تركيا الدعم والتدريب للقوات التابعة لحكومة «الوفاق الوطني» السابقة منذ نهاية 2019 في أعقاب توقيع مذكرات تفاهم بشأن التعاون العسكري والحدود البحرية والتعاون الاقتصادي. وتوصل وزيرا الصحة الليبي علي الزناتي والتركي فخر الدين قوجة إلى مذكرة تفاهم وقع عليها أخيرا وزيرا الصحة التركي والليبي تشمل التعاون والتدريب قصير المدى للكوادر الطبية، وتطوير خدمات الرعاية الصحية ومكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد. كما شملت تجهيز وإدارة وتشغيل بعض المستشفيات ومراكز العزل في ليبيا. ولم يُكشف عن قيمة الصفقة، التي ستكون لها آثار سلبية على القطاع الاستشفائي الخاص في كل من تونس والأردن ومصر، الوجهات التقليدية لليبيين، في المجال الطبي، إلى جانب تركيا.

اللافي يدعو مجلسي النواب والدولة لتحمل مسؤولياتهما وإقرار القاعدة الدستورية


عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي يلقي كلمة خلال اجتماع مع أعيان وأهالي الزاوية. (لقطة مثبتة من تسجيل مصور).

 

عبر عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي عن أمله أن يتحمل «مجلس النواب ومجلس الدولة مسؤولياتهما، وإصدار قانون للقاعدة الدستورية، وقانون الانتخابات».

وأضاف اللافي، خلال اجتماع مع أعيان وأهالي الزاوية بمشاركة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، «المرحلة الحالية تتطلب منا الوقوف مع هذه الحكومة لدعمها، للوصول إلى انتخابات 24 ديسمبر».

وأردف عضو المجلس: «نحن كمجلس رئاسي جاديون في مشروع المصالحة الوطنية، هو صمام النجاة، لتعود ليبيا دولة»، مردفًا: «عازمون على توحيد المؤسسة العسكرية، وجيش موحد ولاؤه للوطن».

كوبيش وبوغدانوف يبحثان قضايا التسوية الليبية

بوغدانوف وكوبيش. (أرشيفية: الإنترنت)

 

ناقش نائب وزير الخارجية الروسية، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، اليوم السبت، مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش، الاستعدادات للانتخابات الليبية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل.

جاء ذلك في بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية ونقلته وكالة «سبوتنيك» الروسية، وأشار إلى أن اللقاء تطرق إلى «مجموعة من القضايا المتعلقة بالنهوض بعملية التسوية الليبية وفقًا لقرارات مؤتمر برلين والقرارين 2510 و 2570 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعتماد إطار تشريعي مناسب».

– كوبيش وبوغدانوف: تأييد (5+5) لتوحيد جميع القوات المسلحة الليبية

وبحث الطرفان أيضًا «قضايا تعزيز نظام وقف الأعمال العدائية، وإنشاء قوات مسلحة مشتركة في البلاد، بالاعتماد على عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5».

وأشار البيان إلى تأكيد الجانب الروسي، خلال اللقاء، موقفه المبدئي «الداعم لحل القضايا الرئيسية المدرجة على جدول الأعمال الوطني من قبل الليبيين أنفسهم على أساس توافقي»، مشددًا على «المساعدة الضرورية من المجتمع الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها».

وفي الثاني من أغسطس الجاري، أعرب كوبيش وبوغدانوف عن «التأييد لأنشطة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف بهدف توحيد جميع القوات المسلحة الليبية»، واتفقا خلال مكالمة هاتفية على «مواصلة التنسيق الوثيق للجهود مع الدور القيادي للأمم المتحدة للمساعدة في إقامة حوار شامل وبنّاء في ليبيا، بمشاركة جميع القوى السياسية المؤثرة في ليبيا دون استثناء؛ من أجل ضمان الوحدة».

الملف الأمني مفتاح إجراء الانتخابات في ميقاتها

 

رشيد خشـــانة – ما لم يُصبح الوضع الأمني تحت السيطرة، فإن محاولات تحقيق تقدم في جميع المجالات الأخرى ستبقى معطلة ومحفوفة بالمخاطر.

مع أن مجلس الدولة الليبي اتفق على القواعد العامة لمُقترح قانون الانتخابات وتوزيع الدوائر والمقاعد النيابية، وهي خطوة مهمة إلى الأمام، فإن العقبة الكبرى أمام انتخابات الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، ما زالت قائمة. ويمكن القول إن الجماعات المسلحة، المنتشرة في كافة أرجاء البلد، تشكل أكبر خطر على أي حل سياسي، لأنها متفوقة على الدولة وعصية على الاخضاع.
ومن المؤشرات الدالة على سطوتها اختطاف مدير مكتب النائب الأول لرئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية، رضا فرج الفريطيس، في قلب العاصمة طرابلس، وعجز الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عن معرفة مكانه، فضلا عن القدرة على تحريره من خاطفيه ومعاقبتهم.
ولا يمكن إحصاء الميليشيات، التي تضاعف عددها، مع الهجوم الذي نفذته قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس يوم الرابع من نيسان/ابريل 2019. وهذا ما أكده أخيرا الموفد السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، الذي عزا في تصريحاته الأخيرة، زيادة أعداد المقاتلين الأجانب والمرتزقة في ليبيا، إلى ذلك الهجوم العسكري، الذي كشف النقاب عن إرسال مرتزقة شركة «فاغنر» الأمنية الروسية، المُرتبطة بالكرملين، إلى ليبيا لدعم قوات حفتر.
من هنا تبدو خطورة المعضلة الأمنية المعقدة، التي لن يكون هناك سلام في المستقبل من دون إيجاد حلول لها. وما يزيد الأمر صعوبة أن أجهزة الدولة الليبية الأمنية والعسكرية، انهارت في أعقاب انتفاضة 17 شباط/فبراير 2011 ما يستدعي اليوم بناء مؤسسات جمهورية حديثة. كما أن التدفق الكبير للسلاح من الخارج وانتشار عصابات التهريب والجريمة المنظمة عبر الحدود غير المحروسة، جعل هذه الأخيرة خارج السيطرة في كثير من مناطق ليبيا.
وسارع أمراء الحرب إلى ملء الفراغ الذي أعقب انهيار النظام في 2011 بينما عجزت السلطات الجديدة، نظرا لضعفها وقلة خبرتها، عن إصلاح أسلاك الأمن والجيش والقضاء والمخابرات والادارة.

تداعيات أمنية على الإقليم

أكثر من ذلك، يشكل عدم الاستقرار في ليبيا، وخاصة في الجنوب، مصدر تهديد لدول الجوار، ومن بينها الجزائر، التي تعرضت لعملية إرهابية واسعة في مطلع العام 2013 استهدفت المهندسين والعمال في أكبر مجمع لإنتاج الغاز المُسال بتيغنتورين أو عين أميناس (أم الناس) ما أدى إلى مقتل 23 رهينة و32 مسلحا. وأتى المهاجمون، الذين ينتمون إلى مجموعة تتبع تنظيم «القاعدة» من إقليم فزان المُتاخم للحدود مع الجزائر.
هذا الوضع الأمني الخارج عن السيطرة، يجعل أي اتفاق عسكري أو أمني توقع عليه السلطات الليبية، لمجابهة تهديدات إقليمية أو حتى داخلية، غير مضمون التنفيذ. ولذلك استمرأت الجماعات المسلحة تحدي ما بقي من رموز النظام، وتصرفت بوصفها أقوى من مؤسسات الدولة.
في هذا المناخ صارت ليبيا موئلا لحركات التمرد بدءا من تنظيم الدولة و»القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي» والحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة العدالة والمساواة وانتهاء بجماعة بوكو حرام. وساعد تدفق المهاجرين على ليبيا من بلدان الساحل والصحراء في زيادة أعداد المنتسبين إلى تلك الجماعات، التي تصرف رواتب شهرية للمنضمين إلى صفوفها.
ويتفق المحللون على أن اضطراب الأمن في ليبيا وشلل مؤسسات الدولة، شكلا مصدرين كبيرين لعدم الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، ولانتشار العصابات المسلحة وتُجار البشر وشبكات المخدرات ومهربي السلاح في الإقليم بأسره. وهذا ما أكده اغتيال الرئيس التشادي الراحل ادريس ديبي، في شمال البلد، غير بعيد عن الحدود المشتركة مع ليبيا، على يد إحدى حركات التمرد المسلحة.
ونتيجة لقلة انضباط أعضاء الميليشيات وعدم خضوعهم لسلطات الدولة، أو ما تبقى منها، كان من الصعب مراقبة حركة السلاح المتدفق على الأجسام شبه العسكرية المختلفة، بما في ذلك السلاح الثقيل. لهذه الاعتبارات اتخذت التحديات الأمنية في ليبيا بعدا إقليميا، وبات من غير الممكن معالجة تلك التحديات الداخلية بمعزل عن التحديات والمخاطر الإقليمية، وهو ما يُفسر وجود دول الجوار، وبخاصة مصر والجزائر في مؤتمري برلين 1 وبرلين2.

تهميش الدور الليبي

على أن دولا أخرى تعاطت مباشرة مع التحديات الأمنية في ليبيا، من دون المرور عبر سلطات طرابلس المُعترف بها من الأمم المتحدة، على غرار أمريكا التي قصفت في مناسبتين تجمعات لعناصر تنظيمي «القاعدة» و»داعش» ومعسكرات تدريب تابعة لهما في كل من أجدابيا (شرق) في حزيران/يونيو العام 2015 وصبراتة (غرب) في شباط/فبراير العام التالي.
كما لجأت بعض القوى الدولية إلى إجراءات أحادية، متذرعة بالانفلات الأمني السائد في البلد، لعل أبرزها إقدام قوات أمريكية خاصة على القبض على عنصرين ليبيين، من المصنفين في لوائح الإرهاب، وهما أبو أنس الليبي (2013) وأحمد أبو ختالة (2014) ونقلوهما إلى أمريكا بعدما وُجهت لهما تهمة الضلوع في اغتيال السفير الأمريكي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنس في مقر القنصلية الأمريكية في بنغازي العام 2012.

تزايد التدخلات الخارجية

كما نفذ الطيران الحربي المصري غارات على ما قيل إنه معسكرات تابعة لتنظيم «داعش» شرق مدينة درنة، في شباط/فبراير 2015 ردا على جريمة اغتيال 21 عاملا قبطيا مصريا في مدينة سرت (وسط). وكيفما كانت مبررات تلك الغارات، فإن إحدى نتائجها الواضحة تمثلت بتزايد التدخلات العسكرية الخارجية وتعاظم المخاطر الأمنية، ما وفر مناخات مُلائمة لتحركات الجماعات المسلحة، واستطرادا للصدام بين عناصرها.
وبسبب تدحرج الثقة بالمؤسسات الجديدة، التي أبصرت النور بعد إسقاط النظام السابق، لاحظ باحثون في العلوم الاجتماعية عودة المواطن الليبي إلى الاتكال على الحاضنات الأساسية، مثل الأسرة والمنطقة والقبيلة، لضمان أمنه، الذي لم تستطع الدولة ضمانه.
ومن شأن هذا السلوك أن يُؤخر الهيكلة الجديدة للمجتمع، القائمة على دور أكبر للمجتمع المدني وللعمل في إطار الأحزاب والنقابات. ويقول الباحث الليبي محمد الجارح في هذا المضمار «ما لم يُصبح الوضع الأمني تحت السيطرة، فإن محاولات تحقيق تقدم في جميع المجالات الأخرى، ستبقى معطلة ومحفوفة بالمخاطر». ويعتبر الجارح أن هناك الكثير من الثغرات والأخطاء في حوكمة الأزمة السياسية، من ذلك صرف الدولة رواتب لعناصر الجماعات المسلحة، ما نتجت عنه زيادة ضخمة في أعداد المسلحين، الذين ينسبون أنفسهم للثورة وينضمون إلى الجماعات المتشددة.

العدالة الانتقالية مؤجلة

ثمة عنصر آخر يعطل سلاسة الانتقال الديمقراطي في ليبيا، ويتمثل في تأخير المصالحة، إلى جانب التردد في إطلاق مسار العدالة الانتقالية. ويمكن القول إن الصراع بين الفرقاء الليبيين، على جميع الأصعدة وفي كل المواضيع تقريبا، شمل أيضا العدالة والمصالحة، فعطلهما. لا بل هناك من أخذوا ثأرهم بأيديهم، بعدما انضموا إلى جماعات مسلحة، بحثا عن الحماية أو بدافع الانتقام.
وهناك إجماع لدى الخبراء على أن السباق الضاري طيلة السنوات الماضية للسيطرة على قطاع النفط والغاز كان أحد أسباب خلخلة الأمن واندلاع صراعات دامية أنهكت الدولة والمجتمع في آن معا. وكان محور تلك الصراعات محاولة السيطرة على حقول النفط وموانئ التصدير وأنابيب نقل الغاز الطبيعي.
وسيطر رئيس ما يُدعى بـ»حراس المنشآت النفطية» ابراهيم الجظران، وهو من دعاة الفدرالية، على الموانئ الممتدة من السدرة إلى رأس الأنوف، فقطع شريان الحياة الذي يتغذى منه الاقتصاد الليبي، بالنظر إلى أن صادرات النفط والغاز تشكل المصدر الأكبر لإيرادات البلد.
كما نسجت بعض الجماعات الاثنية في الجنوب على المنوال نفسه، وخاصة التبو والطوارق، الذين أوقفوا تصدير النفط أيضا في فترات مختلفة، احتجاجا على ما اعتبروه تمييزا في حقهم وحق مناطقهم.
واستخدم سكان الزنتان (شمال غرب) السلاح نفسه في 2014 انتقاما من إخراج قواتهم من العاصمة طرابلس على أيدي ميليشيا غريمة تُدعى «فجر ليبيا» مركزها في مدينة مصراتة.
كما قاتلت قوات «فجر ليبيا» «حراس المنشآت النفطية» بُغية طردهم والسيطرة على الموانئ في شمال البلاد، وفي النهاية فر الجظران وفشل الهجوم، بعدما ألحق أضرارا بالغة بالبنية الأساسية التصديرية. وتعرضت الموانئ نفسها إلى هجوم على أيدي قوات مدينة سرت (شمال وسط)، في 2016 ولم يكن مصير الهجوم أفضل من مآل الهجمات السابقة.

معسكرات تدريب

إلى ذلك شكلت ليبيا مصدر أخطار أمنية على دول الجوار من خلال مراكز التدريب التي تديرها جماعات مسلحة خارجة عن القانون وعن الدولة. ومن أولئك «المتدربين» شباب من تونس ومصر والسودان وغيرها، يُرسل بعضهم إلى بلدانهم لتنفيذ عمليات إرهابية، على غرار العملية التي استهدفت مدينة بنقردان الجنوبية التونسية لإقامة إمارة فيها.
وأدت هذه الصراعات المستمرة حتى اليوم إلى تسييس جميع الملفات الاقتصادية والعسكرية والادارية، وبات التعيين في المناصب المهمة خاضعا للصفقات والمقايضات، ما أدى إلى شللها بعدما تم التخلي عن مبدأ اختيار الأجدر والأكفأ. وانتشر في ذلك المناخ الفساد والرشوة اللذين سببا خسائر كبيرة لاقتصاد هش، ما زال لم يتعاف من هزة 2011.

القبائل حارسة المنظومة؟

ولم تستطع القبائل، بما هي حارسة المنظومة الأخلاقية للمجتمع، فرملة تدحرج الدولة نحو هوة الفساد، إذ انضمت القبائل الكبرى إلى المعسكرين المتقابلين في الحرب الأهلية، المستمرة منذ 2014 وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها تلك القبائل سواء في الشرق أم في الجنوب. ويجوز القول إن قبائل الشرق لعبت دورا محوريا في تشكيل ما دعاه الجنرال خليفة حفتر بـ»الجيش الوطني الليبي»، غير أن هذا الجيش، المُعتمد أساسا على مرتزقة شركة «فاغنر» الروسية، مُني بهزيمة ثقيلة عند أسوار العاصمة طرابلس، ما جعله يوافق على وقف إطلاق النار.
بهذا المعنى يتصدر الملف الأمني سائر الملفات الليبية المفتوحة حاليا، فهو المفتاح وهو المدخل لإيجاد مناخ مناسب لإجراء الانتخابات في ميقاتها المُتفق عليه في برلين وجنيف، أما غياب الأمن فسيُحبط مسار معاودة البناء وإقرار السلم الأهلي.

 

عدد جديد من “شؤون ليبية”

 

تقرأون في العدد الجديد الحادي والعشرين (جويلية / أوت 2021 ) ، من مجلة “شؤون ليبية” المواضيع التالية:

في إشارة لحفتر.. الرئاسي الليبي يؤكد أن الترقيات من اختصاصه وأي قرار مخالف “باطل”

من صفحة المكتب الإعلامي للرئاسي الليبي- (فيسبوك)

 

طالب المجلس الرئاسي، في بيان السبت، جميع الوحدات العسكرية بالتقيد بتعليماته كقائد أعلى للقوات المسلحة، فيما يخص الترقيات وتشكيل الوحدات العسكرية وتعيين آمري المناطق العسكرية وغيرها من اختصاصاته.

وأشار المجلس إلى الاختصاصات المسندة له، وفقا لمخرجات الحوار السياسي، في 9 نوفمبر 2020، والتي تشمل القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، قائلا “ووفقا لذلك لا يجوز مخالفتها مهما كانت الظروف والأسباب”.

وأضاف أن أي مخالفة لهذه الاختصاصات يترتب عليها عدم مشروعية أي قرار صدر خلافا لذلك، كما يعد تعديا على صلاحيات القائد الأعلى للجيش الليبي.

وذكر المجلس أنه من ضمن اختصاصات القائد الأعلى للجيش الليبي، بحكم التشريعات النافذة ترقية الضباط العادية والاستثنائية ومنحهم القدم الممتاز، وتشكيل وإنشاء الوحدات العسكرية، وتعيين آمري المناطق العسكرية ومعاونيهم .

وتابع “وبالتالي فهي اختصاص أصيل للمجلس الرئاسي قانونا بصفته القائد الأعلى مجتمعًا، وأي قرار يصدر بالمخالفة لذلك من أي جهة أو منصب يعتبر باطلًا وجب إلغاؤه لصدوره من جهة غير مختصة”.

وختم المجلس بيانه بالقول إن هذا البلاغ يوضع موضع التنفيذ الفوري، وعلى كافه الوحدات العسركية التقيد بما ورد فيه.

جاء ذلك على إثر قيام خليفة حفتر بترقية مجموعة من الضباط العسكريين بالمخالفة لصلاحيته، ومن ضمنهم أعضاء اللجنة العسكرية 5+5، الأمر الذي صنف بمثابة الرشوة والابتزاز.

ليبيا: خلافات حول استيعاب الميليشيات والسماح للعسكريين بالترشُح للرئاسة

 

رشيد خشــانة – إذا كانت الطريق الرابطة بين شرق ليبيا وغربها قد فُتحت، فإن طريق الانتخابات ما زالت غير سالكة. وأول العوائق يتمثل في صعوبة إخراج المرتزقة والعسكريين الأجانب من البلد.

طلبت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي تضم ضباطا سامين من الفريقين المتصارعين، إيجاد مراقبين محليين في هذه المرحلة. كما طلبت اللجنة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التعجيل باتخاذ الإجراءات الكفيلة باللجوء إلى مراقبين دوليين على الأرض، للمساهمة في دعم آلية المراقبة الليبية. وعليه تُصرُ اللجنة العسكرية على البدء في تنفيذ مخرجات مؤتمري برلين1 وبرلين2 الخاصة بسحب المرتزقة.
غير أن شرطا أساسيا لم يتحقق حتى الآن، وهو عودة الأمن إلى المدن الليبية، فتجدُد الاغتيالات في الشرق، كما في الغرب، يُلقي بظلال كثيفة على مسار معاودة بناء مؤسسات الدولة. ففي المنطقة الشرقية تم اغتيال محمد الكاني، أحد عُتاة المجرمين، الذي كان يتولى قيادة اللواء التاسع مشاة التابع لمدينة ترهونة، والمسؤول عن ارتكاب مجازر عدة. وكان واضحا أن تصفيته ترمي إلى محو آثار المقابر الجماعية، وإسكاته كي لا يكشف أسماء كثير من شركائه المسؤولين عن تلك المجازر.
وهذا ما رجحته «رابطة ضحايا ترهونة» التي عزت إعدامه خارج نطاق القانون، إلى كونه «يحمل معلومات وأسرارًا عن المقابر الجماعية ومرتكبيها وعديد الجرائم الجنائية» مثلما قالت الرابطة في بيان لها نشرته «بوابة الوسط» الليبية. كما طلبت الرابطة بناء على ذلك فتح تحقيق عاجل في مقتل محمد الكاني، المطلوب من النائب العام بتهمة ارتكاب جرائم قتل.
وأتى اغتيال الكاني بعد عمليات مماثلة في بنغازي، طاولت ضباطا من الجيش الليبي وشخصيات عامة آخرها خطف النائبة سهام سيرقيوة، والأرجح أنها قُتلت. وفي المنطقة الغربية أيضا، ما زال الأمن غير مضمون وإن بدرجة أقل، وخاصة في بعض أحيائها وضواحيها. وتجلى ذلك في خطف مدير مكتب النائب الأول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، رضا فرج الفريطيس، في منطقة الظهرة بطرابلس، على يد مجهولين. وهذا مظهر من مظاهر تصفية الحسابات خارج الدولة. وسيكون من الصعب في ظروف مثل هذه استتباب الأمن، الذي هو الشرط الأساسي لإجراء انتخابات عامة.

أجسام عسكرية مُتحكمة

وأثار خطف مدير مكتب النائب الأول لرئيس الحكومة، مخاوف عميقة لدى الرأي العام، إذ أظهرت تلك العملية وعمليات مشابهة سابقة، أن الأجسام العسكرية هي المُتحكمة على الأرض، لا بل إن الحكومة نفسها تعتمد عليها لضمان أمن أعضائها.
لذا ينبغي أخذ قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بدمج الميليشيات في مؤسسات الدولة، بكثير من الحذر والشك. وكان الدبيبة وجه تعليماته إلى خمس وزارات بـ»استيعاب القوات المساندة (الميليشيات) في مؤسسات الدولة وفقا لرغباتهم». والوزارات المعنية هي الداخلية والاقتصاد والتجارة والعمل والتأهيل والتعليم العالي والشباب.
وتنفيذا لتلك القرارات ستباشر الدوائر المعنية اجتماعات مع «لجنة تنظيم واستيعاب ودمج القوة المساندة» للبناء على مخرجات عملها واستيعاب الفئات المستهدفة في مؤسسات الدولة، «بما يتوافق مع قدراتها ورغباتها».
لكن هذا الدمج محفوف بالمخاطر، إذ أن الميليشيات باتت كيانات ذات تراتبية داخلية، وهي تملك شبكة علاقات في الداخل والخارج، جعلت منها دويلات مسلحة داخل الدولة. ويشير مراقبون إلى أن بعض الميليشيات يملك أسلحة أكثر تطورا من أسلحة الدولة، وهي لا تستطيع التفكير إلا بذهنية اختراق أجهزة الدولة، بما فيها الأجهزة الأمنية (وزارة الداخلية). في المقابل يمكن القول إن أعلى وسيلة للضغط على أمراء تلك الميليشيات هي فرض عقوبات دولية على المتمردين منهم. غير أنهم صاروا يُحسنون التكيف مع تلك الأوضاع. لا بل الأرجح أنهم لن يتخلوا عن أعمال الخطف والبلطجة والتهريب وتجارة السلاح، حتى بعد دمجهم في هياكل الدولة.
أما القوات الأجنبية، وفي مقدمها عناصر مجموعة «فاغنر» الأمنية الروسية الخاصة، فيُرجح الباحث في «المجلس الأطلسي» في نيويورك مارك كاتز، ألا تسحبها موسكو بالرغم من إعلانها أنها تدعم الخطوات التي تقوم بها «جميع الأطراف» لتفكيك الجماعات المسلحة. والآرجح أن الروس سيتحججون بأن تركيا تملك قوات على الأرض في ليبيا ولم يُطلب منها سحبها. وإذا قيل لهم إن القوات التركية موجودة بمقتضى اتفاق رسمي مع حكومة معترف بها من الأمم المتحدة (حكومة السراج) يُرجح الباحث كاتز أن يرد الروس بما يُفيد استعدادهم لإبرام معاهدة مماثلة مع الحكومة الحالية برئاسة الدبيبة. ويُشير كاتز إلى أن روسيا تتخذ مواقف مزدوجة تدعم الفريقين المتصارعين في عدة نزاعات أخرى، ومنها سوريا واليمن وأفغانستان.
هكذا ينظر الروس إلى الصراع في ليبيا برؤية مختلفة عن الغربيين. وتطرق أخيرا تقرير بثه موقع «مودرن ديبلوماسي» الإخباري القريب من موسكو، إلى الأزمة الليبية، مُعترفا بأن روسيا قللت من اهتمامها بالملف الليبي في السنوات الماضية. وعزا التقرير ذلك إلى أسباب عملية، أولها أنها (ليبيا) تمثل إخفاقًا غربيًا، ما يعني أن الغرب هو المعني بمعالجة إخفاقاته والتعامل معها. مع ذلك يؤكد التقرير أن هذه النظرة من الممكن أن تتغير بعدما حققت موسكو بعض النجاحات في الملف السوري، ما قد يحفزها على التدخل في ليبيا.
من هنا يتقاطع فحوى تقرير «مودرن ديبلوماسي» مع تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري الذي أكد أن أعداد مرتزقة شركة «فاغنر» في ليبيا تضاعفت منذ بدء تنفيذ خارطة الطريق الحالية، على عكس ما تنص عليه الخارطة من إخراج للمرتزقة والقوات الأجنبية.
وكشف المشري في مؤتمر صحافي عقده في أعقاب فوزه بولاية رابعة على رأس المجلس الأعلى للدولة، تستمر سنة واحدة، أن ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف تعرض لضغوط دولية من عواصم لم يُسمها، وأخرى من البعثة الأممية للقبول بقاعدة دستورية تسمح بترشيح العسكريين للانتخابات. ومن المؤكد أن الغاية من تلك الضغوط هي إفساح الطريق أمام الجنرال خليفة حفتر لترشيح نفسه للرئاسة. واتهم المشري بعض الأطراف الليبية في اجتماعات جنيف، بأنها حاولت «تفصيل قاعدة انتخابية على مقاس اللواء المتقاعد خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي».

من يحتكر السلاح؟

من هنا تأتي أهمية توحيد المؤسسة العسكرية، التي خطف حفتر قسما منها، وضرورة استحواذها على قيادة الكيانات المسلحة، إلى جانب احتكارها السلاح، لكي تتولى فرض الأمن والاستقرار، باعتباره حجر الركن في نجاح الانتخابات.
إلى هذا الشرط الأمني، لابد من تأمين شرط سياسي/ قانوني، يتعلق بإيجاد مرجعية دستورية للانتخابات. والإصرارُ على إيجاد تلك المرجعية ليس مطلبا ليبيا فحسب، وإنما تُلح عليه الأطراف الخارجية أيضا، وربما أكثر من إلحاح الليبيين أنفسهم. وقد تجلى ذلك في محادثات السفير الألماني الجديد لدى ليبيا، ميخائيل أونماخت، مع المسؤولين الليبيين الذين زارهم، علما أن ألمانيا هي التي تولت قيادة الموقف الأوروبي، بعدما أخفق الفرنسيون والايطاليون في وضع خارطة طريق تتفق عليها القوى الدولية والفرقاء المحليون في آن معا.
ويتفق الموقف الأوروبي مع الموقف الأمريكي في هذه الرؤية، طبقا لما صرح به أخيرا السفير الأمريكي المبعوث الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، إذ اعتبر أن ليبيا هي في الطريق نحو حل النزاع، من دون إعطاء إيضاحات لأسباب تفاؤله المُفرط.
بيد أن الخلافات بين الليبيين ما زالت قائمة في شأن مشروع قانون الانتخابات، خاصة بين أنصار النظام الرئاسي والمؤيدين للنظام البرلماني. وما زالت المناقشات متعثرة حول صلاحيات رئيس الدولة، بسبب مخاوف البعض من أن منح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية، قد يُعيد البلد إلى الاستبداد، فتُهيمن الرئاسة الأولى على باقي السلطات، إذا لم توضع لها ضوابط وكوابح تحول دون العودة إلى الوراء.
أما أنصار النظام الرئاسي فيستدلون بالتجارب السلبية، ومنها تجربة تونس المجاورة، للتحذير من ثغرات النظام البرلماني وما يُرافقه من صراع بين السلطات الثلاث، بما يؤدي إلى عدم الاستقرار. وفي هذا الاطار يؤكدون أيضا أن ليبيا الخارجة من حرب أهلية، تحتاج إلى رجل قوي يكون قادرا على بسط سلطة الدولة، بالقانون، على الجميع.
مع ذلك، هناك دائما مُشككون في قابلية المجتمع الليبي لإرساء دولة مركزية، من ذلك أن النائب سليمان الحراري، اعتبر في حديثه خلال جلسة مجلس النواب الأسبوع الماضي، أن المنطقة الغربية لن تقبل بمرشح من الشرق والمنطقة الشرقية لن تقبل بمرشح من الغرب. وهذا تقدير فيه كثير من المبالغة، إذ أن التوصل إلى صيغة واقعية لتوزيع الثروات بين مختلف المناطق، سيكون سندا لتركيز منظومة انتخابية تستجيب لتطلعات جميع الليبيين اينما وُجدوا.

غضب بني وليد

في هذه الأجواء أتت غضبة نُخب بني وليد (شمال وسط) من محتوى مشروع القانون الانتخابي، الذي خصص للبلدية أربعة مقاعد، وهو عدد مُساو للعدد الذي خصص لها في 2006، بالرغم من ارتفاع عدد سكانها إلى أكثر من 124 ألف ساكن حاليا، بحسب عميد بلديتها يونس عزوزي. وزار وفد من المدينة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مكتبه، لإبلاغه برفض أهالي البلدية التوزيع المُقترح للمقاعد النيابية في المجلس التشريعي المقبل، مُطالبين بـ»توزيع عادل للمقاعد بين مختلف المدن الليبية». وأكد أعضاء الوفد أنهم تلقوا وعودا من عقيلة صالح بامتناع مجلس النواب عن اعتماد أي قانون «ينطوي على تمييز ولا يقوم على معيار موحد يسري على الجميع».
وأمام هذه التعقيدات تقررت إحالة مشروع «القاعدة الدستورية» إلى ملتقى الحوار السياسي، لكن لا شيء يضمن ألا تتواصل الخلافات نفسها هناك من دون حل.

ليبيا.. تهديدات بتقديم “الاستقالة” من البرلمان عقب “تغول رئيسه” وانتقادات “صريحة” للبعثة الأممية

 

انسداد تشهده معظم المسارات الخاصة بالحلول السياسية في ليبيا، بعد تقدم أدى إلى تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تتمثل في حكومة ومجلس رئاسي، وإيقاف للحرب وتوحيد للبرلمان، إلا أن استمرار تغول بعض المؤسسات القديمة والموجودة على الساحة ساهم في صنع وتعزيز هذا الانسداد.

أول هذه المسارات وأبرزها هو المسار السياسي، الذي توقف عن المضي قدماً منذ فشل ملتقى الحوار السياسي في إيجاد قاعدة دستورية، وقد ساهم في صنع هذا الانسداد إصرار مجلس النواب أيضاً على الانفراد بالقرار ووضع قوانين بشكل أحادي ودعمه من قبل أطراف دولية في اجتماعات روما التي ستختتم الخميس .

ونبهت عضوة ملتقى الحوار السياسي زهراء لنقي، في تدوينة نشرتها الأربعاء، إلى أن العملية السياسية بمساراتها الثلاثة السياسية والعسكرية والاقتصادية، تعاني تأزماً بنيوياً وتحتاج إلى وقفة جادة للتقييم الشامل، داعية إلى إعادة هيكلة العملية السياسية بربط مساراتها الثلاثة واستحداث طاولة جديدة تشمل أعضاء من المسارات الثلاثة، بالإضافة إلى أعضاء جدد من مسار المجتمع المدني غير الرسمي.

المسار السياسي
وإشارة إلى توقف المسار السياسي مع فشل ملتقى الحوار السياسي، قالت لنقي، خلال حديثها، إن ملتقى الحوار السياسي اليوم ليس بحال أفضل مما عليه هذه الأجسام، ولن يستطيع أن يلبي آمال الأمة الليبية في استعادة مكانتها بكونها مصدر السلطات، مشيرة إلى استغلال البعض هذا الجدل الدستوري للتسويف وإطالة العملية لعرقلة الانتخابات لاستدامة الأمر الواقع الذي تستفيد منه قوى سياسية عدة استولت على مقدرات الدولة.

وقالت لنقي، إن جولة الملتقى الأخيرة في جنيف شهدت طرح مقترحات مخالفة لخارطة الطريق ولقرار مجلس الأمن 2570 ، معبرة عن استغرابها من سماح قيادة بعثة الأمم المتحدة بتداول ومناقشة هذه المقترحات رغم الاعتراضات عليها من داخل الملتقى وخارجه، منتقدة إصرار البعثة على نهجها في تأليف لجان فرعية تدور في حلقات مفرغة.

وحذرت لنقي من خروج قاعدة دستورية عن الملتقى في هذا الوقت بعد هذه الإخفاقات والاختراقات، مشيرة إلى أن خروجها ستكون له دواعٍ وخيمة، وسيسبب انشقاقات أكبر مما لو انبثقت القاعدة الدستورية عن الأجسام المتهاوية شرعيتها، مطالبة بالتوقف عن هذا الجهد الذي لا طائل منه.

وبدل حل المشاكل الموجودة في ملتقى الحوار السياسي، أطلق مسار آخر بمباركة من بعثة الأمم المتحدة، وهو مسار روما الذي لاقى من الانتقادات ما لم يلقها أي مسار آخر، وحصد فيه البرلمان عدداً هائلاً من الاتهامات.

خروج عن المسار
انتقد العديد من المتتبعين، إجراءات وتصرفات برلمان طبرق التي مثلت خروجاً عن المسار المتفق عليه وخرقاً لبنود الاتفاق السياسي، وخاصة من خلال إصراره على صياغة القوانين الانتخابية بنفسه ووحده، ودون قبول لمشاركة المجلس الأعلى للدولة، وقد وصلت هذه الانتقادات حد التهديد بسحب العضوية .
وصرح عضو مجلس النواب سالم قنيدي، أن نواب المنطقة الغربية سيدرسون، ‏الخميس في طرابلس، تقييم الموقف إزاء تغول ‏رئيس المجلس عقيلة صالح على سلطات البرلمان، لافتاً إلى أن ضمن هذه الخيارات تقديم الاستقالة أو تعليق العضوية.
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن عقيلة شكل لجنة برلمانية من الدائرة التي حوله وأرسلها إلى إيطاليا لمناقشة قوانين الانتخابات دون علم المجلس، متسائلاً عن سبب مشاركة البعثة الأممية في شأن خاص بالبرلمان، مضيفاً أن مقترح المفوضية العليا للانتخابات بشأن توزيع الدوائر لا يستند إلى أي أساس جغرافي أو سكاني.

المسار العسكري
وفي الوقت ذاته الذي تجمد فيه المسار السياسي، لم يختلف الأمر كثيراً في المسار العسكري الذي مضى في اتجاه فتح الطريق الساحلي وسحب كافة المرتزقة الأجانب، إلا أن العكس كان صحيحاً، واتهم القائمون على المسار بالدخول في إطار الصراع السياسي وبخدمة أطراف بعينها، أبرزها وأولها حفتر.

فرغم الوعود بفتح الطريق الساحلي ونشر اللجنة لتصريحات متتالية تفيد بجاهيزيته، إلا أنه لم يفتح حتى الآن، بلا تقديم أي أسباب منطقية، الأمر الذي دفع غرفة عمليات سرت والجفرة للتحرك.

وقال الناطق باسم الغرفة الهادي دراه، في تصريح لـ “القدس العربي”، إنهم أمهلوا اللجنة العسكرية “5+5” حتى السبت، للتواصل مع خليفة حفتر، لفتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها.

وقال دراه: “أرسلنا رسالة للجنة العسكرية 5+5 نمهلهم فيها حتى السبت لفتح الطريق الساحلي، وفي حالة عدم فتح الطريق من الطرف الآخر سنغلقه (من طرف الجيش) مرة أخرى”.

وحمل دراه، لجنة “5+5” مسؤولية كل ما يحدث، وطالبها “بتقديم أسماء المعرقلين لفتح الطريق ورفع المعاناة عن المواطن الليبي”، موضحاً أن اللجنة العسكرية لم تنجح في إخراج المرتزقة من البلاد حتى الآن.

وعقب مراسلة الغرفة للجنة العسكرية ووزارة الدفاع والمجلس الرئاسي الذي يمثل القائد الأعلى للجيش الليبي، أعلنت اللجنة العسكرية عن جولة جديدة من اجتماعاتها تنطلق الخميس، دون توضيح لبنود الاجتماع الذي يمثل جولة سادسة.

ولم يكن حال المسار الاقتصادي بأفضل من ذلك، فعقب تقديم تقرير المراجعة الدولية لحسابات المصرفين لم يحرز أي تقدم آخر، رغم احتجاج المؤسسة المصرفية بانتظار التقرير للتوحيد، حتى انطلقت دعوات لمظاهرات أمام المركزي للتنديد بالأوضاع الاقتصادية السيئة، وباستمرار قفل المقاصة، وبعدم حل أزمة السيولة .