رشيد خشـانة – عملية السلام في ليبيا ستتأثر سلبا بما يجري في تشاد، وستُؤخر استكمال إخراج القوات الأجنبية ومن بينها الميليشيات التشادية التي حاربت إلى جانب حفتر.
أكد مقتل الرئيس التشادي ادريس ديبي إتنو (68 عاما) على أيدي مسلحين أتوا من ليبيا، أن استمرار غياب الدولة من الجنوب الليبي السائب، ينطوي على مخاطر استراتيجية كبيرة على دول الجوار. ويُعتبر مصرع الماريشال ديبي ضربة قوية للنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء، بالنظر لموقع تشاد الخاص في شبكة الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة. وتشكل تشاد الحلقة العسكرية الأقوى في «مجموعة الـ5» التي تضم كلا من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، والتي تتولى فرنسا قيادتها عمليا. وعلى الرغم من تشكيل هذا الحلف للتصدي لحركات التمرد، تدخلت فرنسا في المنطقة بواسطة عملية «برخان» التي أطلقها وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان، عندما كان وزيرا للجيوش، في عهد الرئيس السابق فرنسوا أولاند. لذا توجد في قلب السياسة الفرنسية في ليبيا ومنطقة الساحل عموما، شخصية محورية هي الوزير لودريان، الذي كان مهندس التدخل العسكري في مالي سنة 2012 على عهد أولاند.
وعلى الرغم من أن خريطة الطريق التي وضعها لودريان لحماية المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الفرنسية في ليبيا، قادت إلى الطريق الخطأ، لا تُبدي الحكومة الفرنسية حماسة كبيرة لمراجعتها وإحداث توازن في علاقاتها مع الطرفين المتصارعين في ليبيا. ويعتقد الخبير الفرنسي المتخصص في العلاقات الدولية رومان غيبار أن باريس توقفت عن إرسال السلاح إلى حفتر (كانت تدفع ثمنه الإمارات) لكنها ما زالت تحافظ على علاقات متينة مع الجنرال المتقاعد حتى وإن انزعج منها شركاؤها الأوروبيون، الذين لم تعد صدورهم تتسع لمجاملة «أمير حرب» (حفتر) بحسب غيبار.
وتحافظ فرنسا أيضا على علاقات قوية مع أنظمة استبدادية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، أسوة بحليفها ادريس ديبي، الذي سمى نفسه «ماريشال تشاد». ويرى خبراء أن بلدا غنيا بالنفط والثروات الطبيعية الأخرى والامكانات الزراعية مثل تشاد، يخضع منذ ثلاثة عقود إلى حكم ديبي وأسرته، بحماية عسكرية فرنسية.
وعلى الرغم من اكتشاف ثروة نفطية في البلد منذ عشرين عاما، ما زال الفرنسيون يتكتمون على حجمها الحقيقي، فيما تستحوذ أسرة ديبي على إيراداتها لتضعها في الملاذات الضريبية، على ما يقول خبراء فرنسيون. وأسفرت هذه السياسة عن انخرام الأمن في البلد وتعميق الانقسامات العرقية والمناطقية، وضرب الحريات، فيما وضعت مؤشرات التنمية تشاد في أسفل سلم التنمية الاقتصادية والبشرية في العالم. وعندما تطالب قوى التغيير بإصلاح الأوضاع في البلد، يأتي جواب باريس وعواصم غربية أخرى بأن ديبي يشكل «سورا على الصعيد الإقليمي أمام انتشار الجماعات الإرهابية» وأن «لا أحد سواه قادر على احتواء الهجمات الجهادية واستيعاب الصراعات الحدودية» على الرغم من المجازر الكثيرة التي أمر بها، واحترافه إرسال ميليشيات مسلحة إلى بلدان الجوار.
وتحارب القوة الفرنسية المؤلفة من 5100 عسكري، مقاتلي الحركات المسلحة، الموضوعة على قائمات الإرهاب. وقد أعلن بعضها ولاءه لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» وتتزايد المخاطر الأمنية في المنطقة، بسبب سرعة تحرك الجماعات المسلحة في مجموعات صغيرة على امتداد الحدود الليبية مع تشاد، وهي ثاني أطول حدود لها، بعد حدودها المشتركة مع مصر. لكن نادرا ما تغادر تلك القوات الفرنسية قواعدها، بالنظر لحجم الخسائر البشرية التي تتكبدها في مواجهة عناصر الجماعات المدربة، والتي تعرف التضاريس الطبيعية للمنطقة أفضل منها.
واختارت فرنسا تشاد مقرا لقوات عملية «برخان» لكونها حليفا مضمونا، فمنذ حصول هذا البلد الفقيرعلى استقلال صوري من فرنسا العام 1960 قاده رؤساء عينتهم باريس، بدءا من فرنسوا تومبولباي (1960-1975) الذي مات مقتولا، إلى غوكوني عويدي (1979-1982) إلى حسين حبري (1982-1990) الذي تم القُبض عليه، وحوكم في السنيغال، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الغنسانية، في حين استلم الرئاسة بعده ادريس ديبي، الذي تمرد عليه واستطاع أن يُطيح به، ليبقى هو في سدة الرئاسة على مدى أكثر من ثلاثين عاما.
ميتران وريغان وديبي
وأتاح الموقع الاستراتيجي لتشاد، الواقعة إلى الجنوب من ليبيا، الفرصة لرؤسائها للظهور أمام الغرب، بمظهر الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة مغامرات الزعيم الليبي معمر القذافي، وخاصة بعد غزو القوات الليبية لشمال تشاد في العام 1983. وانطلاقا من هذا الدور دعمت كل من فرنسا ميتران وأمريكا ريغان، حبري بكميات مهمة من المساعدات العسكرية. ثم أرسلت فرنسا 3000 مظليا لحماية نظام حبري من السقوط، فيما قدمت إدارة ريغان اثنتين من طائرات «أواكس» للمراقبة الإلكترونية وتأمين غطاء جوي، ما حمل القوات الليبية الغازية على الانسحاب، بحلول عام 1987. وساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي كانت في حرب مع القذافي، في إنقاذ حبري. أكثر من ذلك، استخدمت قاعدة سرية في تشاد لتدريب الجنود الليبيين الذين أُسروا في المعارك، كي ينضموا إلى قوات معارضة للقذافي بقيادة ضابط أسير يدعى خليفة حفتر، والذي كان قائدا للقوات الليبية في تشاد.
تداعيات على ليبيا
من هنا فإن تداعيات اضطراب حبل الأمن في تشاد، معطوفا على مقتل الرئيس ديبي، ستكون لهما تأثيرات كبيرة في الوضع الليبي، فإذا ما ثبت أن الجماعات التي قتلت ديبي آتية من الشمال، أي من ليبيا، وهذا مؤكد، فهو يعني مرة أخرى أن الجنوب الليبي ما زال خارجا عن السيطرة، وأنه بات مفرخة ومحضنة للمتطرفين المسلحين، ومسرحا لجميع أصناف التهريب، بما فيه تهريب السلاح. كما يدل أيضا على أن معاودة السلطات المركزية إحكام قبضتها على الجنوب عملية معقدة وصعبة المنال، في ظل التقدم الوئيد للعمليتين السياسية والعسكرية.
وتبدو السلطات الليبية مرتبكة في تعاطيها مع المستجدات الخطرة في تشاد، بالرغم من أن وزارة الخارجية أنشأت غرفة طوارئ لمتابعة الوضع هناك، كما تخاطب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي هاتفيا مع الرئيسين السوداني والنيجري، لكن الجماعات التشادية المعارضة ما زالت تتمتع داخل ليبيا بحماية الجنرال حفتر. وإذا ما بقي الوضع محتقنا في تشاد، فإن ذلك لا يساعد على التقدم في المسارين الليبيين وهما الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات في الميقات المحدد لها.
انقلاب قصر؟
وهناك من يعتقد أن الضبابية التي أحاطت بالعملية العسكرية التي قضى فيها ديبي نحبه، عززت الآراء القائلة بأن ما حدث هو انقلاب قصر، للتخلص من ديبي المتشبث بالحكم، بعد العقود الثلاثة التي أمضاها في سدة الرئاسة، وإقدامه على تنظيم انتخابات صورية للتجديد له للولاية السادسة على التوالي. وقد يكون البعض داخل الفئة الحاكمة يعتقد أن ديبي بات عبئا على حليفتيه الغربيتين فرنسا وأمريكا، ومُعطلا للتفاهم مع المعارضة المسلحة التشادية، بما لا يُسهل إعادة الاستقرار إلى البلد، وبما يحد أيضا من التداعيات السلبية للصراع في تشاد على المسار السياسي الليبي.
وكيفما كان المآل في تشاد، فإن عملية السلام في ليبيا ستتأثر سلبا بما يجري على أراضي الجار الجنوبي، لأن الحرب التي ما زالت دائرة مع المتمردين، ستُؤخر استكمال إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، ومن بينها الميليشيات التشادية التي حاربت إلى جانب الجنرال حفتر.
تركيا وفرنسا
ورجح محللون آخرون أن تركيا الداعمة للمعارضة التشادية، وفرنسا حليفة ديبي، هما اللتان تقفان خلف الصراع الدائر حاليا في ليبيا. وتعليقا على الأحداث الأخيرة، قال عضو مجلس النواب الليبي سعيد امغيب إنه كان يستبعد تخلي باريس عن حليف استراتيجي قوي، مثل إدريس ديبي، ومحاولة إزاحته عن الحكم بالقوة. وتابع أمغيب قائلا «بطل العجب عندما تبين لي أن الفرنسيين كانوا على علم بما سيحدث في تشاد، التي حكمها ديبي لأكثر من ثلاثين سنة، فأصبحت هشة مثل كل الأنظمة التي تصل إلى مثل هذه الفترة، علاوة على ان ديبي كان مريضا بالسرطان، كما أشارت إلى ذلك بعض التقارير، وبالتالي فالفرنسيون بحاجة إلى بديل قوي يحل محله». ولم يستبعد أمغيب أنهم اشترطوا توريث الحكم إلى نجله محمد (37 عاما) قائد الحرس الرئاسي «الذي توافق عليه جنرالات الجيش في وقت قياسي يثير الاستغراب في بلد مثل تشاد» على ما قال امغيب.
أمريكا غائبة حاضرة
في المقابل، بقيت أمريكا خارج هذا المشهد، فهي مكتفية، في ظل الإدارة الجديدة، بدعم الموقف الفرنسي، بناء على أن هذه المنطقة لم تعد ضمن أولوياتها، مع العلم أنها تتابع ما يجري في ليبيا بالاعتماد على وسائل المراقبة المتطورة، التي تمتلكها القيادة الأمريكية لأفريقيا المعروفة بـ»أفريكوم».
أما باريس فبعدما احترقت أوراقها مع احتراق ورقة حفتر، الذي راهن عليه قصر الإيليزيه إلى اللحظة الأخيرة، أتى انقلاب العسكر في مالي، يوم 18 آب/أغسطس الماضي، والذي أطاح بصديقها الرئيس ابراهيم أبو بكر كايتا (75 عاما) ليُزعزع الأوضاع الأمنية الهشة في منطقة الساحل والصحراء، ويُظهر عجز قوات «عملية برخان» على ضبط الأمور، وهي التي تنتشر في منطقة تزيد مساحتها على ضعف مساحة فرنسا، ما جعلها في مواجهة دائمة مع الجماعات الإرهابية، التي تتحصن في الفضاء الصحراوي الشاسع. وكانت مالي عرفت انقلابا عسكريا مماثلا لتشاد في آذار/مارس 2012 قاده ضباط ضد نظام اعتبروه عاجزا عن احتواء انتفاضات عرقية هنا وهناك، وفاشلا في وقف الصدامات مع جماعات مسلحة سيطرت على شمال البلد.
ومع أن ماكرون تعهد في 2018 بالقضاء النهائي على الجماعات المسلحة وشبكات التهريب، إلا أن الحرب في كل من مالي وتشاد صارت أطول من حرب التحرير الجزائرية (1954-1962).
ويقول الخبير الفرنسي نيكولا باروت إن باريس تتابع الأوضاع في مالي بقلق شديد باعتباره إخفاقا استراتيجيا. وأقرَ باروت بوجود خلاف داخل القيادة الفرنسية، بين من يدعون إلى الاتعاظ من الإخفاقات السابقة وفتح قنوات الحوار مع العناصر المعتدلة في حركات التمرد، من جهة، والداعين إلى التمادي في اللجوء للغة السلاح من جهة ثانية. واعتبر أن الخلاف يعكس مقدار التردد والشك المُحيطين بمركز القرار الفرنسي، سواء في الإيليزيه أو في «المديرية العامة للاستخبارات الخارجية».
في الخلاصة ما زالت الأوضاع غير المستقرة في تشاد تلقي بظلال كثيفة على المسارات الليبية، لارتباطها بملفات شائكة، ليس أقلها صعوبة إخراج الميليشيات من الجنوب في الوقت الراهن، ما يستدعي تضافر الجهود المحلية والدولية، لإزالة الحواجز من طريق التسوية السلمية للصراع الليبي الليبي.
هل تتجه ليبيا إلى سيطرة مزدوجة روسية- تركية؟
رشيد خشــانة – الثابت أن الروس، الذين أشاروا في بياناتهم إلى التعاون مع ليبيا في المجال العسكري، سيقيسون حجم هذا التعاون ونوعيته على حجم الاتفاقات المماثلة مع تركيا.
يتجه المشهد الجغراسياسي في ليبيا نحو استقطاب ثنائي تركي-روسي، ما يُفسر تسارع الجميع في الأيام الأخيرة، نحو الاستئثار بصفقات تجارية ضخمة، في إطار انطلاق عمليات إعادة الإعمار. وحاز الأتراك على حصة من الصفقات التجارية، ربما تكون الأكبر حتى الآن، في أعقاب زيارة مهمة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة إلى أنقرة، على رأس وفد مؤلف من 14 وزيراً.
وعلى عكس التخمينات التي أطلقها البعض، عشية زيارة الوفد الليبي إلى أنقرة، لم تُطرح معاودة النظر في الاتفاقات التي وقع عليها الرئيس التركي اردوغان، ورئيس حكومة الوفاق الوطني السابقة، فائز السراج، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ويتعلق الأمر بمذكرتي تفاهم تخصان التعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، «بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي» على ما قال اردوغان. لا بل الأكيد أن الأتراك سيحصدون مزيدا من الصفقات، بعد هذه الزيارة.
ولم يترك اردوغان الفرصة تمرُ من دون تحذير المنادين بمراجعة مذكرة التفاهم البحرية واتفاق التعاون العسكري بين بلاده وليبيا، متهما أنصار الجنرال المتقاعد خليفة حفتر «الذين وقفوا إلى جانب الانقلاب والانقلابيين عوضا عن الحق والعدالة والشرعية» بكونهم شركاء في المجازر التي عرفتها ليبيا. كما توجه برسالة إلى أنصار المجلس الرئاسي مفادها التذكير بأن الدعم العسكري التركي «حال دون سقوط طرابلس ومنع ارتكاب مجازر جديدة وضمن وقف إطلاق النار» وهو تلميح إلى أحقية تركيا بالاستحواذ على قسم كبير من صفقات إعادة الإعمار. ولم يختلف دبيبة مع ما قاله الرئيس التركي، بل أكد أن بلاده تبحث عن «علاقات استراتيجية مبنية على المصالح المشتركة» مع ليبيا.
مجلس التعاون الاستراتيجي
وكان لافتا أن كل وزير في الوفد الليبي اجتمع خلال الأيام التي استغرقتها الزيارة مع نظيره التركي للبحث في تنفيذ المشاريع الكبرى التي يحتاجها الليبيون. وأكدت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، التي سبق أن زارت طرابلس على رأس وفد من رجال الأعمال ورؤساء الشركات التركية، أن بلادها مستعدة «لتولّي المسؤوليات اللازمة لإعادة إعمار ليبيا في مختلف المجالات، بدءاً من استثمارات البنية التحتية والفوقية، مروراً بمجالات الصحة والطاقة والتعليم» وذلك عقب لقائها مع وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد علي الحويج ووزير التخطيط فاخر مفتاح بوفرنة.
وفي أعقاب الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقات الثنائية، التزمت بموجبها الشركات التركية بتنفيذ مشاريع كبرى، لاسيما في مجال الطاقة وبناء محطات توليد الكهرباء، التي تنقطع خدماتها حاليا لفترات مديدة، وتأهيل العديد من المناطق والبنى التحتية، ومنها تجديد مطار طرابلس الدولي المقفل منذ 2014 بسبب الحرب.
تدريب الدبلوماسيين الليبيين
والطريف أن من بين الاتفاقات اتفاق يخص إطلاق برنامج تدريبي للدبلوماسيين الليبيين في المرحلة الأولى، وفقا لمذكرة تفاهم سابقة بين الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية التركية ومعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي في ليبيا. والأهم من ذلك أن مدربين وخبراء عسكريين أتراكا سيدربون قوات حكومة الوحدة الوطنية الليبية. ويدل هذا، عمليا، على أن تركيا لا تعبأ بنداءات الأمم المتحدة إلى جميع القوات الأجنبية بمغادرة ليبيا في أقرب وقت ممكن. كما يعني أيضا استمرار وجود قوات تركية وروسية على جانبي الطريق الفاصلة بين مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية.
إرضاء الروس والأتراك معا؟
أما في زيارة دبيبة لموسكو، فبالرغم من تركيز الروس على تجديد صفقات السلاح، التي كانوا أبرموها في عهد معمر القذافي، يمكن للمرء أن يلحظ الأهمية التي ارتدتها الزيارة، إذ ستترك بصماتها في العلاقات الثنائية. وبدت الأمور وكأن دبيبة، الذي يدرك ضخامة الورشة التي ستفتحها حكومته لإعادة إعمار البلد، يعتزم إرضاء الروس والأتراك معا. فقد وعد الروس بالعودة إلى مناقشة محاور التعاون الثنائي «بالتفصيل» على ما قال رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، لدى استقباله دبيبة في موسكو. مع ذلك لوحظ أن الروس لم يخُصُوا الزائر الليبي باستقبال يليق برئيس حكومة، إذ كان في استقباله لدى وصوله نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وهو شخصية مفتاحية، لكنه أدنى من وزير في السلم البروتوكولي. أما الرئيس فلاديمير بوتين فاقتصر على مكالمة هاتفية مع دبيبة أثناء وجوده في موسكو، وهي مكالمة كان يمكن إجراؤها خلال وجود رئيس الحكومة الليبي في طرابلس. وكان من الواضح أن دبيبة لم يحظ باستقبال من مستوى الاستقبالات التي حظي بها، في الماضي، الجنرال حفتر أثناء زياراته لموسكو.
حظوة لدى الأتراك
أما في أنقرة فاستقبله الأتراك بمراسم بروتوكولية ضخمة في المجمع الرئاسي بالعاصمة، في وجود رئيس الجمهورية اردوغان، ومع عزف النشيدين الرسميين، على الرغم من أن الزائر الليبي ليس رئيس دولة. والثابت أن الروس، الذين أشاروا في بياناتهم إلى التعاون في المجال العسكري، سيقيسون حجم هذا التعاون ونوعيته على حجم الاتفاقات المماثلة مع تركيا.
ولذلك لم يتطرق أي مسؤول روسي لموضوع إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، متظاهرين بكونهم غير معنيين بطلب الأمم المتحدة والحكومة الليبية إخراج القوات الأجنبية من البلد.
على هذه الخلفية أتت تصريحات دبيبة الأخيرة، التي أكد فيها أن حكومته حققت توحيد مؤسسات الدولة عدا المؤسسة العسكرية. غير أنه لم يقل شيئا عن استمرار وجود ميليشيات وكيانات مسلحة خارج قبضة الدولة، في الشرق كما في الغرب والجنوب، ما شكل أكبر عائق أمام تحديث الجيش المُهلهل، الموروث عن النظام السابق، وتوحيد ضباطه ومعداته وأسلحته، أو ما تبقى منها. وأعطت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والتوافقات المهمة التي توصلت إليها، أملا كبيرا لليبيين بأن فرص التوحيد ممكنة، وذلك في سياق التقدم الحاصل على المسار السياسي.
مطامع الأوروبيين
لا يقتصر هذا السباق على الروس والأتراك وحسب، فالأوروبيون وخاصة الإيطاليون والفرنسيون، مستعجلون للتوقيع على اتفاقات تجارية من أجل العودة إلى ليبيا، مع أنهم تخاصموا كثيرا في ما بينهم، طيلة السنوات العشر الأخيرة. وبدا هذا الاستعجال للفوز بأكثر ما يمكن من الصفقات في كلام نائبة وزير الخارجية الايطالي مارينا سيريني، التي أولت أهمية كبيرة للعملية الاقتصادية، وعرضت على الحكومة الليبية أن تتزامن العمليتان السياسية والاقتصادية.
ويتفاخر الإيطاليون بأن أمريكا هي الحليف الأقرب إليهم في الملف الليبي، ويسعون إلى تعزيز «الصداقة التاريخية الديناميكية» مع ليبيا، التي يعتبرونها «شريكا استراتيجيا» لهم. وإذ يحاول الاتحاد الأوروبي «تبريد» الخلافات بين أعضائه، وهي في الأساس بين مجموعتي «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية، فإن الانسجام الحالي يبقى مؤقتا. ولعل أحد عناوين الاختلاف بين الفرنسيين والإيطاليين يتمثل بالقلق الفرنسي من تداعيات اضطراب حبل الأمن في ليبيا، على مناطق النفوذ التقليدية لفرنسا، في منطقة الساحل والصحراء، وينصحها الإيطاليون بسحب قواتها من مالي والنيجر وتشاد لأن المعركة العسكرية خاسرة، ولن تستقر الأوضاع هناك، سوى بعودة السلام إلى ليبيا، وسيطرة الدولة المركزية على كافة مناطق البلد.
تفكيك شبكة دولية
وتعززت المخاوف الفرنسية في الأيام الأخيرة بعدما أعلنت السلطات الأمنية في النيجر، عن تفكيك شبكة دولية لتهريب الأسلحة من ليبيا، كانت في طريقها إلى نيجيريا، وضبط أكثر من ثمانين قطعة سلاح ومصادرة سبعة وسبعين رشاش كلاشنيكوف، مع صاروخين وقرابة خمس وثلاثين ألف طلقة من عيارات مختلفة. وهذه واحدة من الجماعات الكثيرة التي تجوب الصحراء، وتتعاطى التهريب العابر للحدود وتجارة السلاح، إلى جانب ارتكابها عمليات إرهابية تستهدف مدنيين وعسكريين في دول الساحل.
ويُبدي مراقبون مخاوفهم، في ظل ضعف قبضة السلطة المركزية، من تعزيز النزعة الانعزالية التي كانت تجعل من المدن الليبية الكبرى دولا قائمة بذاتها، أسوة بمصراتة والزنتان وسبها وبنغازي. ومن هؤلاء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي شبه الوضع الراهن في ليبيا بالوضع في سوريا. ويعتقد الباحث الفرنسي بيار رازو أن باريس بصدد البحث عن رجل قوي في ليبيا، بعدما تخلت عن حفتر، بُغية ضمان الاستقرار في الضفة الجنوبية للمتوسط، وكذلك في الجنوب الليبي المُطل على منطقة الساحل، والذي يتحفظ أهله على سياسات حفتر المناهضة للإسلاميين والمتساهلة، في الوقت نفسه، مع المتشددين الموالين للداعية السعودي ربيع المدخلي. من هنا يشكل إدماج جميع المناطق والمدن في المشروع السلمي التوحيدي، أهم هدف للحكومة الحالية تمهيدا للاستحقاقات السياسية المقبلة.
أكثر من ذلك يرى خبراء فرنسيون، ومن بينهم رازو، أن الروس والأتراك يُعاودون السيناريو السوري في ليبيا، حيث تتجاور المنافسة العسكرية مع التوافقات السياسية والدبلوماسية.
بالمقابل يرى الفرنسيون والإيطاليون في التمدُد التركي والروسي في شمال أفريقيا وشرق المتوسط، خطرا مشتركا لكن هذا التطابق لم يكن كافيا لوقف الصراع نهائيا بين روما وباريس. ويشير الأدميرال باسكال أوسُور، مدير «المؤسسة المتوسطية للدراسات الاستراتيجية» إلى أن كلا من روسيا وتركيا تملك وسيلة ضغط على الأخرى، وهي المعابر والمضيقات الاستراتيجية، بالإضافة إلى عضوية الحلف الأطلسي، بالنسبة لتركيا، واحتياط الغاز والتفوق العسكري في الجانب الروسي. غير أن تكهنات بعض الباحثين الغربيين بأن ليبيا ستفقد مكانتها الاستراتيجية بحكم تأثير الكماشة الروسية-التركية، تبدو بعيدة عن الواقع، لأن الاستقرار الأمني وانطلاق إعادة البناء في ليبيا، سيجعلان منها قوة إقليمية، لا بيدقا في أيدي القوى الكبرى.
الدبيبة يجدد التزامه بإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل

أعرب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عن ترحيبه بدعم واعتراف مجلس الأمن بكل من المجلس الرئاسي والحكومة الليبية بكونهما السلطة الشرعية في ليبيا.
وفي بيان أصدره السبت، طمأن رئيس الوزراء الليبي المجتمع الدولي بأن الحكومة تضع كل الإمكانيات المادية واللوجستية تحت تصرف المفوضية العليا للانتخابات لإجراء انتخابات بموعدها في 24 ديسمبر المقبل.
وأكد ما جاء في قرار مجلس الأمن من دعوة النواب والمؤسسات ذات الصلة، للمسارعة باتخاذ الإجراءات المبينة في خارطة طريق ملتقى الحوار الليبي لتيسير إجراء الانتخابات، بما في ذلك توضيح الأساس الدستوري.
كما رحب بنشر وحدات مراقبة أممية بالتعاون مع لجنة 5+5 لمراقبة وقف إطلاق النار، مبديا الاستعداد لتوفير كل الإمكانيات لتيسير عملها، داعيا مجلس الأمن إلى دعم الحكومة في عملية إخراج المرتزقة من الأراضي الليبية.
وشدد الدبيبة على ما جاء في القرار من أهمية إجراء المصالحة الوطنية كاستحقاق وطني مهم من شأنه التهيئة لإجراء الانتخابات في موعدها، مؤكدا دعم الحكومة للمجلس الرئاسي لإنجاز هذا الاستحقاق المهم.
وجدد رئيس الحكومة الليبية التزام حكومته بمهامها، وسعيها لتوفير الخدمات لكل الليبيين بكل مناطق ليبيا، مشيرا لضرورة أن يسارع النواب في عملية إقرار الميزانية لتستطيع الحكومة توفير ما يلزم لإجراء الانتخابات في موعدها.
المنفي يعيد كرّة ترسيم الحدود البحرية واليونان تسعى لاتفاق مع ليبيا

بعد أزمة امتدت شهورًا طويلة، نتجت عن توقيع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا في نوفمبر 2019، فإن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يجد نفسه في موضع للدخول في موقف شبيه، مع إعلانه الاتفاق مع اليونان على إجراء محادثات بشأن ترسيم المناطق البحرية.
رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أكد في تصريحات، الأربعاء، بعد اجتماع مع المنفي أن طرابلس وأثينا اتفقتا على إجراء محادثات بشأن ترسيم مناطق البلدين البحرية في البحر المتوسط.
وأضاف أن اليونان تسعى إلى إعادة ضبط العلاقات مع ليبيا، «التي توترت بسبب توقيع حكومة طرابلس اتفاق الحدود البحرية العام 2019 مع تركيا، التي تتنازع مع اليونان على السيادة على مناطق بالبحر المتوسط».
لجنة فنية لمراجعة ترسيم الحدود
كانت الناطقة باسم الحكومة اليونانية، أريستوتيليا بيلوني، قالت الأسبوع الماضي إن ليبيا مستعدة لمناقشة قضية ترسيم المنطقة البحرية مع اليونان، بعد يوم من زيارة ميتسوتاكيس إلى طرابلس. وأشارت بيلوني في حديث إلى إذاعة «سكاي» اليونانية، الخميس الماضي، إلى أن السلطات الانتقالية الليبية اقترحت تشكيل لجنة فنية لمراجعة القضية. وفي المقابلة نفسها، شجبت بيلوني اتفاقية 2019 التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا، ووصفتها بأنها «لا أساس لها» و«غير صالحة»، مضيفة أنها ألقت بظلالها على علاقات ليبيا مع اليونان، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي.
كما طالب ميتسوتاكيس، خلال لقاء جمعه بنظيره عبدالحميد الديببة في طرابلس، الأسبوع الماضي بضرورة إلغاء الاتفاقية البحرية مع أنقرة، معتبراً أنها «غير قانونية». وقال: «بالطبع، من المهم جداً بالنسبة لنا؛ إلغاء الوثائق غير القانونية التي يتم تقديمها على أنها اتفاقات دولية، لكن ليس لها أي أساس قانوني مثلما صرح بذلك بوضوح مجلس أوروبا»، مؤكداً في الوقت ذاته أنه حان الوقت لترك كل شيء اختبر علاقاتهم مع ليبيا في الماضي القريب.
ونوه المسؤول اليوناني إلى أن بلاده ستفتتح سفارتها في طرابلس، وقنصلية في بنغازي، لافتاً إلى أن الشرط المسبق لأي تقدم في علاقات ليبيا مع الاتحاد الأوروبي، هو خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
أما الديببة فشدد على أهمية حماية حقوق اليونان وتركيا، مشيراً إلى التوقيع على الاتفاقية مع تركيا بخصوص المنطقة الاقتصادية. وأضاف أن ليبيا مستعدة لتأسيس لجنة مشتركة مع اليونان لبدء محادثات بين جزيرة كريت وليبيا حول ترسيم حدود الاختصاصات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
وخلال زيارة الدبيبة إلى أنقرة بداية الأسبوع الجاري، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه اتفق مع الدبيبة على الالتزام باتفاق ترسيم الحدود البحرية. وسلط الاجتماع الضوء على أن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا، بالأخص البحرية منها، «تحمل أهمية للمصالح المشتركة لكلا البلدين والاستقرار والتعاون الإقليميين وصحة المبادئ الواردة بها، والتعبير عن الإرادة للمضي قدماً في تأطيرها»، وفق بيان للمكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية.
كما أكد اللقاء ضرورة عقد مؤتمر إقليمي لكل الأطراف، يدعم الحوار والتعاون في شرق البحر الأبيض المتوسط ينتهي لضمان حقوق الجميع.
طلب إيطالي لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا
وغير بعيد عن العلاقات البحرية بين ليبيا وكل من تركيا واليونان، تقدمت إيطاليا في بداية فبراير الماضي بمشروع مذكرة لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وذلك لدراستها وإبداء الرأي حولها، تمهيداً لتوقيعها من قبل الطرفين.
سفير إيطاليا لدى ليبيا، جوزيبي بوتشينو غريمالدي، قدم هذا الطلب إلى وزارة الخارجية بحكومة الوفاق خلال لقائه وكيل الوزارة للشؤون الفنية محمود التليسي.
وكان المفوض بوزارة الخارجية في حكومة الوفاق السابقة، محمد الطاهر سيالة، انتقد خلال ديسمبر الماضي ما سماه «مسارعة بعض الدول إلى توقيع اتفاقات لترسيم الحدود البحرية مماثلة للاتفاقية التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا في نوفمبر 2019».
وشدد على أن الاتفاقية مع أنقرة «جاءت في إطار التعاون لتقاسم الموارد في المياه الاقتصادية الخالصة للبلدين استناداً إلى أسس قانونية وشرعية، محلية ودولية، وتم إيداعها وقبولها كإحدى وثائق الأمم المتحدة». وقال سيالة: «لاحظنا أن بعض الدول انتقدت وشككت في شرعيتها وسارعت إلى توقيع اتفاقات مماثلة وإقامة تحالفات جيوسياسية متعددة الأطراف مثل منتدى شرق المتوسط للغاز، التي في الواقع لم تكن مبنية على أسس وقواعد قانونية».
واعتبر أن «التطورات الأخيرة في منطقة شرق المتوسط وما تشهده حالياً من توترات وخلافات حول استغلال موارد الطاقة تنذر بانجرار الأوضاع إلى صدامات واشتباكات نحن في غنى عنها، وتدق ناقوس الخطر بضرورة معالجة هذه المشاكل بأسرع وقت ممكن».
الاتفاق الأزمة
ووقعت حكومة الوفاق وتركيا في 27 نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم، الأولى تتعلق بتحديد الصلاحيات البحرية والثانية خاصة بالتعاون في مجالات التعاون الأمني والعسكري، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة النطاق على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وفي الخامس من ديسمبر 2019، أقر المجلس الرئاسي للحكومة الليبية مذكرتي التفاهم، ودخلت مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية حيز التنفيذ رسمياً في 8 ديسمبر، وفي الخامس من الشهر نفسه صادق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، وبعدها بسبعة أيام، تقدمت تركيا بطلب إلى الأمم المتحدة لتسجيل مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا. وتسببت هذه الاتفاقات في تأثر العلاقات اليونانية مع طرابلس، وعلى إثرها طردت أثينا سفير حكومة الوفاق من اليونان. واعتبرت كل من مصر واليونان وفرنسا وقبرص أن تلك الاتفاقية بين أنقرة والوفاق تهدد الاستقرار الإقليمي.
وفي 27 يناير الماضي، قضت محكمة استئناف البيضاء «الدائرة الإدارية» بانعدام قراري المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بشأن إبرام اتفاقيتي ترسيم الحدود البحرية، والتعاون الأمني والعسكري مع تركيا، وذلك في الدعوى التي رفعتها إدارة القضايا الجبل الأخضر، نيابة عن كل من رئيس مجلس النواب بصفته، ورئيس الحكومة الموقتة وقتها، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية.
ونشر مجلس النواب، عبر موقعه الإلكتروني، صورة ضوئية للحكم وحيثياته. واختصمت الدعوى كلاً من رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج بصفته، ووزيري الخارجية والداخلية في حكومة الوفاق محمد سيالة وفتحي باشاغا.
وأشارت حيثيات الحكم إلى عدم أحقية إبرام وزراء حكومة الوفاق مثل تلك الاتفاقات «لأنهم لم يحصلوا على الثقة من مجلس النواب، الذي يعد الممثل للدولة الليبية في الخارج».
من جانبه، علق مجلس النواب على الحكم، قائلاً: إنه جاء لصالحه «في انعدام اتفاقات الغرض منها انتهاك السيادة الليبية».
القذافي ، ساركوزي ، ماكرون .. وماذا الآن؟
قدر إيمانويل ماكرون أن فرنسا ، بفضل التدخل العسكري عام 2011 الذي أدى إلى سقوط القذافي ، كانت عليها “ديون معنوية” لليبيا، فهل كان ذلك وعيا تاريخيا أم ضربة سياسية موجهة لنيكولا ساركوزي؟
لم يتردد إيمانويل ماكرون أبدًا في الاعتراف بالأخطاء السياسية … للآخرين. خاصة في إفريقيا. في عام 2017، عندما كان مرشحًا لرئاسة الجمهورية الفرنسية ، كان في الجزائر العاصمة ووصف جرائم الاستعمار قبل ولادته، بأنها “جريمة ضد الإنسانية”.
في 23 آذار (مارس) 2021 ، بعد عشر سنوات من الأحداث التي أدت إلى الاطاحة بالمهووس معمر القذافي الدموي ، أطلق الرئيس الفرنسي أحد تحليلاته الجواهر التي لديه وحده سرها: “نحن مدينون لليبيا التي عرفت عقدا من الفوضى”. فليحتفظ ماكرون بأحكامه ذات الأهمية التاريخية لأولئك الذين يريدون سماعها، وقد خاطب القادة الليبيين الجدد الذين تم استقبالهم في قصر الإليزيه بهذه العقلية.
وهكذا يمكن لسلف سلف ماكرون أن يدق مسمارًا إضافيًا في نعش حياة ساركوزي السياسية، بالنظر إلى أن التدخل الفرنسي عام 2011 كان تحت قيادته. لقد تأثر نيكولا ساركوزي بسبب قصة احتجاز الممرضات البلغاريات في ليبيا، وكذلك بسبب الإقامة الباريسية لقائد الجماهيرية العربية الليبية.
أما بخصوص التشابك القضائي الذي يواجهه خصم ماكرون المفترض حاليًا في انتخابات 2022، فهو يتضمن لائحة اتهام بـ”الفساد السلبي” في ما يتعلق بليبيا، و “إخفاء أموال ليبية” ، و “تكوين جمعية إجرامية” و”تمويل غير قانوني” للحملة الانتخابية لمرشح اليمين عام 2007.
لغة خشبية
في هذا الوقت فإن استحضار الاستياء الشخصي من ساركوزي – القذافي أو ماكرون – ساركوزي لن يجعلنا ننسى أن عام 2011 لم يكن مجرد مأساة فرنسية ليبية. فكل من يرى طرابلس في منتصف النهار على عتبة الساحل ، وكذلك المراقبون من أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة الناطقين بالفرنسية، يتذكرون التداعيات التي أعقبت التدخل الفرنسي في الجماهيرية.
وبقدر ما افتقدت “الولايات المتحدة الإفريقية” وكذلك بعض رؤساء الدول من أصدقائه، حقيبة الأموال، خلال هذا العقد 2011-2021، فإن انتشار المقاتلين المسلحين في جميع أنحاء منطقة الساحل لم يكن بعيدًا عن زعزعة الاستقرار الأمني في منطقة الصحراء.
منذ شعور إيمانويل ماكرون بالندم، الذي يذكرنا ببراك أوباما عام 2016، كانت الصحافة في غرب إفريقيا تعج بردود أفعال تتأرجح بين “ليس الوقت مبكرًا” و “كان عليك التفكير في الأمر من قبل”. في مالي أو النيجر أو تشاد ، يأمل الخبراء أو المواطنون العاديون أن يكون هذا الوعي بمسؤولية فرنسا في تدهور الأوضاع في ليبيا المنتجة للنفط واضحا وأن يكون نقطة الانطلاق لتحقيق الاستقرار.
لكن يتفق الجميع على أن الأمر سيتطلب أكثر من مجرد كلمات في الفناء الأمامي لقصر الإليزيه.
ليبيا: بقاء المرتزقة يُهدد الحل السلمي
رشيد خشــانة – يدلُ التدفق المتواصل لزعماء من بلدان مختلفة لحجز مكان لبلدانهم في سوق إعادة الإعمار، على السياق الجديد الذي أحدثه تشكيل سلطة مركزية موحدة، تستمد شرعيتها من الأمم المتحدة.
يمضي المسار السياسي في ليبيا قُدُما، بعدما احتضنته غالبية القوى المؤثرة الإقليمية والدولية، عقب قناعة عامة بأن خيار الحرب طريق مسدود. ومن المؤشرات القوية على المُضي في طريق التوافق على حل سياسي، توصُل اللجنة القانونیة، المنبثقة من ملتقى الحوار السیاسي اللیبي، في ختام اجتماعها في تونس، الجمعة، بالاتفاق على القاعدة الدستوریة اللازمة لإجراء انتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل. وأكد أعضاء اللجنة أنهم سيقدمون هذه القاعدة الدستوریة، التي لم يُكشف عن مضمونها، مُرفقة مع تقریرھا النھائي، إلى الملتقى قريبا للنظر فيها والتصديق عليها.
على خلفية هذا التقدم يتسابق مسؤولون من دول عديدة على زيارة ليبيا سعيا إلى صفقات وتسهيلات للاستثمار. ويدلُ التدفق المتواصل لزعماء من بلدان مختلفة لحجز مكان لبلدانهم في سوق إعادة الإعمار، على السياق الجديد الذي أحدثه تشكيل سلطة مركزية موحدة، تستمد شرعيتها من الأمم المتحدة.
ومن المؤشرات الرمزية على الصورة الجديدة لليبيا أن اليونان الذي انتابه غضب شديد من الاتفاق الليبي التركي على ترسيم الحدود البحرية أواخر 2019 والذي قطع العلاقات مع ليبيا، وطرد السفير محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي حاليا، من أثينا، أرسل رئيس وزرائه كيرياكوس ميتسوتاكيس، على عجل، إلى طرابلس، ليُحاور رؤوس السلطة التنفيذية الجديدة، ليس فقط عن معاودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارتين، وإنما أيضا لطلب نصيب من صفقات إعادة الإعمار.
وأبعد من اليونان، تسعى السلطات الجديدة في ليبيا إلى استثمار التأييد الدولي الذي حصلت عليه لترسيخ دورها المحوري في الإعداد للانتخابات العامة، المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، وفرض التعاطي معها بوصفها الممثل الشرعي الوحيد لليبيين. وهذا ما يُفسر الجولة الخليجية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي حمل رسالة إلى العواصم التي كانت تدعم هذا الفريق أو ذاك، مفادها أن القناة الوحيدة للاتصال والحوار في المستقبل هي عبر السلطات الشرعية. واستطرادا، يُرجح أنه طلب التوقف عن إرسال السلاح إلى ليبيا أو تمويل جماعات عنيفة من قبيل المداخلة (أنصار رجل الدين السعودي المتشدد ربيع المدخلي) التي كانت تشكل العامود الفقري لجيش الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
اعتراف بالسلطات التنفيذية الجديدة
وبدل الثناء السابق على حفتر، أكد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أن الامارات «تقف إلى جانب الأشقاء الليبيين في هذه المرحلة المفصلية، التي تمر بها بلادهم» مُضيفا «ثقتنا كبيرة في قدرتهم على تجاوز كل التحديات». وهذا خطاب لم يكن رئيس الحكومة السابق فائز السراج يسمع مثيلا له، في زياراته النادرة إلى الإمارات. وفيما أكد الدبيبة أنه أطلع محمد بن زايد على «الجهود المبذولة لقيادة المرحلة الانتقالية، خاصة في ما يتعلق باستعادة الأمن والاستقرار وتهيئة مؤسسات الدولة لانطلاق عملية التنمية والبناء والتحضير للانتخابات» ركز محمد بن زايد كلامه على «المحافظة على سيادة البلد ووحدته وحظر التدخل في شؤونه الداخلية».
وتزامنت جولة الدبيبة الخليجية مع أول جولة تقوم بها وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش، وقد بدأتها من تونس لحل المشاكل المتصلة بالمعبر البري وتيسير إجراءات دخول الليبيين إلى تونس، وتسوية فواتير علاج الجرحى في المصحات التونسية. ويتوقع مراقبون أن تعطي الوزيرة المنقوش دفعة قوية للدبلوماسية الليبية، بعد غياب طويل عن الساحة الدولية.
العودة إلى الحرب على الإرهاب
بالرغم من أن أمريكا مشغولة بالملف الليبي، وهي تتابعه ميدانيا بواسطة سفيرها لدى ليبيا، المقيم في تونس، فإنها تعول أكثر على التنسيق مع إيطاليا، مثلما أظهر ذلك وزيرا الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والإيطالي لويجي دي مايو، في مقال مشترك نشراه أخيرا على موقع وزارة الخارجية الإيطالية. ويتفق الأمريكيون والإيطاليون على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة ليبيا، تمهيدا لإجراء الانتخابات العامة، في الميقات المحدد لها. ويُدرج الأمريكيون والإيطاليون هذا المطلب في إطار تعزيز الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، واستكمال الحرب على الإرهاب بقيادة التحالف الدولي.
ويسعى الإيطاليون إلى مسابقة منافسيهم الأوروبيين والآسيويين للظفر بأكبر عدد ممكن من عقود إعادة الإعمار والصفقات التجارية. وفي هذا السياق استخدموا اتفاقات تفضيلية سابقة مع ليبيا، أسوة بمعاهدة الصداقة الليبية – الإيطالية الموقعة عام 2008 التي طلب رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، من المسؤولين الليبيين، تفعيلها خلال زيارته لطرابلس أخيرا، مرفوقا بوزير الخارجية لويجي دي مايو. وشدد دراغي على ضرورة تفعيل عمل اللجنة المشتركة وفتح المجالين البحري والجوي بينهما، وتطوير التعاون الثنائي في مجال البنية التحتية والنفط والكهرباء.
منافسة أوروبية حامية
والظاهر أن رؤساء الشركات الإيطالية يُخططون للعودة إلى الاستثمار في ليبيا، بعدما تراجع عدد الشركات الإيطالية بحسب رئيس غرفة التجارة الإيطالية الليبية جان فرانكو داميانو، من 200 شركة إلى 12 فقط.
وبالإضافة لمناخ الحرب الأهلية، عزا داميانو تراجع عدد الشركات الإيطالية العاملة في ليبيا، إلى وجود منافسة أوروبية شديدة، مستدلا بزيارة رئيس الوزراء اليوناني الذي سبقه إلى طرابلس بيوم واحد، ونظيره المالطي الذي حل بها في اليوم نفسه، وهو دليل على الاهتمام الدولي المتزايد بليبيا بعد تولي الحكومة الحالية مقاليد الأمور.
أما زيارة رئيس الحكومة اليونانية إلى ليبيا فارتدت بعدا خاصا، بالنظر لإصرار الجانب اليوناني على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ما يعني معاودة النظر في اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي توصل له رجب طيب اردوغان وفائز السراج في 2019. وكان رد عبد الحميد الدبيبة على المسؤول اليوناني لافتا، إذ أعلن استعداد الجانب الليبي «لاستئناف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، بُغية تحديد المنطقة الخاصة بكل بلد، من أجل علاقات أساسها حسن الجوار ومد جسور التعاون بين ضفتي المتوسط» على ما قال.
المفتاح هو الانتخابات
يجوز القول إن جميع البلدان المتابعة للوضع الليبي تعتبر أن إجراء الانتخابات العامة هو مفتاح الاستقرار في البلد، الذي مزقته الصراعات والحروب بالوكالة على مدى عشر سنوات. أما مفتاح الانتخابات فهو المرجعية الدستورية التي لم يتحقق حولها التوافق المطلوب حتى اليوم. ويرى الأمريكيون، الذين يولون أهمية قصوى لهذه المسألة، بحسب سفيرهم لدى ليبيا نورلاند، أن حسم هذه المسألة يتمُ بالاتفاق على قاعدة دستورية قابلة للتطبيق، وكذلك على قانون خاص بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، ينبغي أن يُستكمل بحلول الأول من تموز/يوليو المقبل.
اللجنة القانونية إلى تونس
أكثر من ذلك، يدعو الأمريكيون، في حال أخفق مجلس النواب الليبي في تنفيذ تلك الخطوات، إلى العودة إلى منتدى الحوار السياسي للاضطلاع بدوره وفقًا لخريطة الطريق، «حتى يُمكن إجراء الانتخابات وفقًا للموعد الذي حدده المنتدى». ونقل السفير نورلاند هذا الموقف لرئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، خلال لقاء جمعهما أخيرا في تونس.
وأفيد أنهما ناقشا أهمية تأمين الانتخابات، و»إتاحة مساحة للمجتمع المدني للمشاركة في أنشطة توعية الناخبين، وتمكين المرشحين من القيام بحملاتهم الانتخابية بحريّة».
أما عن وضع مرجعية دستورية للانتخابات فالحل، مثلما اختار أهل المطبخ السياسي الليبي، تمثل بعقد اجتماعات اللجنة القانونية خارج ليبيا، وتحديدا في تونس، حيث نوقش الإطار النهائي للقاعدة الدستورية. وستقدم اللجنة هذه القاعدة الدستوریة، مرفقة مع تقریرھا النھائي، إلى الملتقى قريبا للنظر فيها وربما تعديلها..
أخطاء القيادة
غير أن أداء السلطات الجديدة ينمُ أحيانا عن بعض الأخطاء التي تُعكر السير الطبيعي لمسار الحل السياسي، من ذلك حضور رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة، رفقة نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، مراسم حفل تخريج دفعة من المقاتلين، الذين يوالون أحد الأطراف السياسية، ما يشكك بإرادة تجاوز أجواء الحرب الأهلية، وينفخ مجددا في نار الصراعات الأيديولوجية والمناطقية. وأطلق على تلك الدفعة اسم «دفعة بركان الغضب» وهو اسم المعارك التي خاضتها القوات الموالية لحكومة الوفاق، لإخراج عناصر «داعش» من مدينة سرت، وهي إشارة أثارت حفيظة أطراف أخرى، منها رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، طلال الميهوب. كما أن التعيينات التي قام بها حاكم مصرف ليبيا المركزي صديق الكبير على رأس المصرف الليبي الخارجي أثارت هي أيضا ردود فعل غاضبة على ما اعتُبر محاباة للمقربين.
تدفق السلاح وبقاء المرتزقة
والأخطر من ذلك استمرار تدفق السلاح والمرتزقة على ليبيا، بحسب مصادر متقاطعة، إذ أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن دفعة جديدة قوامها 380 مرتزقا من الفصائل السورية الموالية لتركيا وصلت إلى ليبيا أخيرا. كما كشف المرصد السوري أيضا، عن وجود مرتزقة سوريين، ممن انتدبتهم مجموعة «فاغنر» بذريعة حماية المناطق النفطية في ليبيا، والذين لا توجد حاليا خطط لترحيلهم منها. وبحسب المطلعين على هذا الملف فإن آخر ترحيل لمرتزقة سوريين من ليبيا يعود إلى 29 آذار/مارس الماضي.
ويؤكد هذا التعاطي التركي مع الأزمة الليبية إصرار الرئيس اردوغان على البقاء في ليبيا واستثمار الامتيازات التي حصلت عليها تركيا، وهو ما أغضب دول الاتحاد الأوروبي. ومن هنا فإن لعبة شد الحبل بين أنقرة وبروكسيل ستنعكس في الفترة المقبلة في الساحة الليبية، وستفسح في المجال أمام الروس للمناورة، خاصة أن مرتزقة «فاغنر» ما زالوا مقيمين في ليبيا، وهي ورقة مهمة في الأزمة الليبية، تضمن لموسكو بطاقة المشاركة في أي قرارات دولية تخص مستقبل ليبيا.
ليبيا: موسم عودة السفارات إلى طرابلس
رشيد خشـــانة – تعهد الدبيبة بإخراج المرتزقة من خلال الاتصال مع الدول التي أرسلتهم. إلا أن استمرار هذا الوضع يؤثر تأثيرا مباشرا في أمن دول الجوار.
فيما منحت حكومة عبد الحميد الدبيبة الأولوية لفرض الأمن وإعادة الاستقرار إلى المناطق التي عانت من المعارك وسيطرة الميليشيات، قدمت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 تقريرها كاملًا، تمهيدًا لفتح الطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، وهي خطوة رمزية وعملية في اتجاه محو آثار الحرب الأهلية المدمرة، التي استمرت سبع سنوات. وأكد هذا التقدم عضو اللجنة الفرعية باللجنة العسكرية المشتركة العميد محمد الترجمان، ما يعكس مناخا جديدا في العلاقات بين العسكريين في الجانبين. ولا ينبغي فصل هذه الأجواء عن التقارب المصري التركي، الذي لا يمكن أن تكون انعكاساته إلا إيجابية في حلحلة الأزمة الليبية.
سحب المرتزقة
تتزامن هذه الجهود مع بداية الاستجابة لدعوة الأمم المتحدة في 25 اذار/مارس، المقاتلين والمرتزقة الأجانب لمغادرة البلاد على الفور. وفي سياق هذا التقدم شدد وزير الداخلية القوي في حكومة السراج فتحي باشاغا على ضرورة قبول الدول الأجنبية بالخروج من القواعد العسكرية والخضوع لقرار مجلس الأمن، الذي يرمي إلى نشر مراقبين دوليين لمراقبة وقف إطلاق النار.
من هنا تعكف حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي على تجاوز العقبات، من أجل توحيد المؤسسات والمناصب السيادية وسحب المرتزقة والقوات الأجنبية وتأمين الحدود ونشر السيادة على كامل التراب الليبي، وهي أهداف ما زالت بعيدة المنال، لأن الدولة الليبية ما زالت بلا شوكة، واستطرادا لا قدرة لها على فرض الأمن في كل ربوع ليبيا. أما الدول الأوروبية التي كان لها دور حاسم في إطلاق المسار السلمي الحالي، في مؤتمر برلين، مطلع العام الماضي، فتعهدت علنا بالتوقف عن إرسال الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة، لكن السلاح ظل يتدفق على ليبيا.
مدافع من الحلف الأطلسي
وأفادت مصادر إعلامية روسية أن خبراء أتراكا يقومون بتدريب جنود من قوات حكومة الوفاق الوطني السابقة، على تشغيل منظومات المدفعية الحديثة ذاتية الحركة «فرتيناتي» عيار 155. وتعتبر هذه المدافع ذاتية الحركة حاليا واحدة من أحدث الأسلحة في دول حلف شمال الأطلسي، وتم إنشاؤها بمساعدة كوريا الجنوبية على أساس مدافع «ثاندر- كي 9» ذاتية الحركة، وفقا لما نقلته صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية. لكن لم ترشح معلومات عن مصير قوات «فاغنر» الروسية العاملة في ليبيا.
وينتقد الروس في شدة الدور الأمريكي في ليبيا، بالرغم من أنه غير بارز للعيان، مُعتبرين أن ليبيا «تحولت إلى ثقب أسود تتوجه منها إلى الشمال حشود من اللاجئين يعاني منها الاتحاد الأوروبي، وإلى الجنوب سيل غير مشروع من الأسلحة والإرهابيين الذين تعاني منهم منطقة الصحراء» بحسب تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف أدلى بها لقنوات روسية.
مخاوف دول الجوار
وكان الدبيبة تعهد بإخراج المرتزقة «من خلال الاتصال مع الدول التي أرسلتهم». إلا أن استمرار هذا الوضع يؤثر تأثيرا مباشرا في أمن دول الجوار، ما استوجب من الحكومة الجزائرية التواصل مع الحكومة الليبية على لسان وزير الخارجية صبري بوقدوم لاستيعاب الرؤية الليبية للوضع الإقليمي. كما باشر التونسيون اتصالات مماثلة مع الحكومة الليبية في مستوى وزيري الخارجية، لتقدير الوضع الجديد، بالنظر للانعكاسات السياسية والاقتصادية والأمنية المباشرة للأوضاع في ليبيا على تونس. وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد تكون السلطات التركية أعطت تعليمات للمرتزقة السوريين في ليبيا بالعودة إلى سوريا، فيما نقلت مصادر إعلامية، عن عناصر في تلك المجموعات، قولها إن المسؤولين عنها طلبوا منها «تجهيز أنفسهم للعودة».
موسم العودة إلى طرابلس
ومع تحسن الوضع الأمني وتزايد مؤشرات الاستقرار، سارعت دول عديدة إلى إعادة فتح سفاراتها المقفلة منذ سبع سنوات. وبعدما كانت السفارات الوحيدة التي ظلت مفتوحة هما سفارتا إيطاليا وتركيا، بينما سحبت السفارات الأخرى طواقمها إلى تونس، تلاحقت هذه الأيام السفارات العائدة، ومن بينها سفارات فرنسا وتونس واليونان ومالطا ومصر والجزائر. وكان وزير الخارجية الليبي السابق طاهر سيالة أعلن أن حكومة السراج أجرت حوارا مع الخارجية الأمريكية، من أجل الاتفاق على إجراءات طلبها الأمريكيون، قبل معاودة فتح سفارتهم في ليبيا، ومن تلك الشروط، بحسب سيالة، توفير الأمن وضرورة امتلاك المواطن الليبي جواز سفر إلكتروني للحصول على تأشيرة لأمريكا. كما أعلن سيالة أن وفدا رفيع المستوى من الخارجية الأمريكية سيزور طرابلس «قريبا» للإطلاع على مقر السفارة من ناحية المبنى والموقع. لكن لم يُعرف ما إذا كان الوفد زار ليبيا فعلا أم لا. كما يُتوقع أن تعاود كل من روسيا وألمانيا وكوريا والصين فتح سفاراتها في طرابلس.
أساس دستوري للانتخابات
على الصعيد الداخلي تجد حكومة الوحدة الوطنية نفسها في مواجهة ملف معقد يتعلق بإيجاد الأساس الدستوري للانتخابات العامة المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. وكان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، يان كوبيش دعا، في كلمة إلى أعضاء «الملتقى السياسي الليبي» إلى الاتفاق على «قاعدة دستورية واضحة وإطار قانوني للانتخابات بحلول الأول من شهر تموز/يوليو المقبل» وذلك لضمان القيام بالتحضيرات اللازمة وإجراء الانتخابات في ميقاتها.
وفي خطوة مكملة لهذا المسار، فتح رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حوارا مع أعضاء المجلس، حول آفاق إنشاء مفوضية للمصالحة الوطنية. غير أن الموضوع لم يبق بين جدران المجلس، وإنما هو في سبيله ليصبح قضية رأي عام. وطبقا لما جاء في بيان للمجلس فإن عمل المفوضية «يجب أن يشمل خططًا دقيقة لتحقيق مصالحة في جميع المدن والمناطق، وصولًا إلى كل فرد في ليبيا». واعتُبرت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه التقليل من حدة المناكفات الإعلامية والتركيز على كل ما يجمع بين الليبيين. غير أن تجاوز الأحقاد ونبذ الخلافات وطي صفحة الماضي أمور معقدة في الحالة الليبية، بالنظر لعنف الصراع الذي دار في شرق البلد وغربه. ويعتقد المنفي أن إنشاء المفوضية سيتيح «وضع أسس وركائز لتحقيق مصالحة وطنية شاملة تجمع كل الليبيين» على ما قال.
حرب على الفساد؟
وفي خط مُواز أعطى رئيس الحكومة الدبيبة مؤشرات على اعتزامه ملاحقة المورطين في الفساد، لتعزيز صدقية فريقه الحكومي. ونسبت له مجلة «جون أفريك» الفرنسية أنه يُخطط للإطاحة برئيس المؤسسة الليبية للاستثمار علي محمود حسن. وتعرضت قيادة المؤسسة، التي يصل حجم أموالها إلى 67 مليار دولار، إلى انتقادات عدة، على مدى السنوات الماضية، تتعلق بـ»غياب الشفافية وتنفيذ استثمارات مشبوهة». وتم القبض على حسن عام 2019 للاشتباه في تورطه في قضايا رشى مع شركة أجنبية. غير أن الفترة المتبقية من عمر الحكومة المؤقتة، حسب خريطة الطريق، لا تمكنها من فتح ملفات ثقيلة ومعقدة من هذا القبيل، وربما تكون الحكومة المقبلة، التي تحظى بشرعية انتخابية أقدر على مكافحة حيتان الفساد وضبط شبكاتها.
إغواء رفع الدعم
ومن الناحية العملية يشكل تدهور الظروف الحياتية مبعثا على الشكوى والانتقاد اللاذع للسلطات، وخاصة في ظل الانقطاعات المديدة للكهرباء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، ما حمل تلك السلطات على اتخاذ إجراءات اجتماعية عاجلة، على الرغم من أن مهمتها الأولى هي الاعداد لإجراء الانتخابات في التاريخ المحدد لها. وقرر أخيرا مجلس الوزراء تخصيص أكثر من 970 مليون دينار ليبي لمساعدة شركة الكهرباء على تنفيذ خطة لصيانة الشبكة وإصلاح الأعطال، قبل حلول الصيف. كما اتخذت الحكومة إجراءات أخرى لكسب ود الشارع، بينها زيادة مرتبات ذوي الدخل المحدود، وخاصة الأسر المدرجة في صندوق التضامن الاجتماعي، إضافة إلى صرف منح أخرى. غير أن تنفيذ هذه القرارات يتوقف على عقد اجتماع لمجلس النواب لاعتماد الموازنة.
رفع الدعم عن المحروقات
ويندرج في هذا الإطار أيضا تريث الحكومة في حسم موقفها من رفع الدعم عن المحروقات. وقد شكل الدبيبة لجنة متخصصة لدرس الخيارات المتاحة في هذا المجال. والأرجح أن الحكومة لن تتخذ أية خطوة في هذا الاتجاه خشية من مضاعفاتها الاجتماعية، وإن كان استمرار الوضع الحالي يُسبب نزيفا دائما للاقتصاد الليبي، بسبب تهريب البنزين المدعوم إلى الدول المجاورة من خلال شبكات تشتغل على الحدود.
أكثر من ذلك، ما زالت الحدود وخاصة إقليم فزان (الجنوب) مصدرا لمخاطر أمنية، وسط تدفق المهاجرين غير النظاميين على ليبيا، واتخاذ جماعات إرهابية من الجنوب الليبي، المُتاخم لبلدان الساحل، ملجأ وقاعدة خلفية. وآخر مثال على ذلك إحباط محاولة انقلاب عسكري في النيجر، ليل الثلاثاء الأربعاء الماضيين، قبل يومين من حفل تنصيب الرئيس الجديد محمد بازوم على رأس بلد يتعرض دوما لهجمات إرهابية.
من هنا ستبقى ليبيا إبرة الميزان في المشهد الإقليمي بوصفها الجسر بين المتوسط ومنطقة الساحل، وهمزة الوصل أيضا بين المنطقة المغاربية والمشرق، ما يُغوي الطامعين في ثرواتها وموقعها الاستراتيجي، ويُؤجج الصراعات بينهم.
ليبيا: هل قُتل الورفلي بنيران صديقة؟
رشيد خشانة –
أتى مقتل الورفلي، الذي بات عبئا على معسكره، بعد يوم واحد من تسليم الحكومة الموازية في شرق ليبيا سلطاتها لحكومة دبيبة.
لم يأت وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى طرابلس، من أجل دعم العملية السياسية، بقدر ما جاؤوا للاستحواذ على أكثر ما يمكن من عقود إعادة الاعمار من حصتي الغريمتين تركيا وروسيا. وبعد سنوات من الصراع الأوروبي-الأوروبي، وتحديدا الفرنسي-الايطالي، الذي زاد المشهد الليبي تعقيدا ودرامية، يتجه الثلاثة إلى العمل سوية في الملف الليبي. غير أن ذلك التقارب لا يعني أن الخلافات والمنافسات انتهت، والدليل على ذلك مُسارعة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى دعوة كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبه موسى الكوني إلى قصر الإيليزي، في خطوة ترمي للتغطية على الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها فرنسا في السنوات الأخيرة من جهة، وبناء علاقات جديدة مع السلطات التنفيذية الليبية من جهة ثانية. أما وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو فزار طرابلس مرتين في أقل من أسبوع.
وحدد بيان صادر عن الحكومة الألمانية الخطوات الثلاث التي يتحتم إنجازها بعد تثبيت وقف إطلاق النار، وهي أولا إسعاف الليبيين في جميع المناطق بالطبابة والتلاقيح من وباء كوفيد-19 وثانيا الإعداد للانتخابات العامة في كانون الأول/ديسمبر المقبل، أما الخطوة الثالثة فهي الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا. لكن المتمعن في تصريحات وزير الخارجية الألماني هيغو ماس في طرابلس، يدرك أن برلين، التي استقبلت ورعت مؤتمرا دوليا حول ليبيا مطلع 2020 تعتبر إخراج الميليشيات «شرطا أساسا» لإجراء الانتخابات في الخريف. وتلعب ألمانيا دورا محوريا في الجهود الرامية لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا، فخلافا للرئيس الفرنسي ماكرون الذي أخفق مرتين في رعاية مصالحة بين الغريمين السابقين فائز السراج وخليفة حفتر، استطاعت المستشارة الألمانية ميركل جمع الفرقاء الدوليين والاقليميين المعنيين بالحرب في ليبيا، وجعلتهم يوافقون على خارطة طريق، كان من آخر مخرجاتها منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة عبد الحميد دبيبة وتسلم الأخيرة السلطات من الحكومة السابقة.
دعم المصالحة
ولم يتوان الألمان عن تذكير جميع الدول التي تمارس نفوذًا في ليبيا بأن وفودها التزمت في برلين لأول مرة بدعم المصالحة الليبية واحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، بوصفهما ركيزتين مهمتين لجهود السلام، واستطرادا لاستعادة الاستقرار وتثبيت السيادة الليبية.
مع ذلك ليست ألمانيا الرابح الأكبر من الانتقال إلى السلام في ليبيا، إذ يمكن القول إن تركيا هي المستفيد الأول من العملية السلمية، بعد الدور الحاسم الذي لعبته في إيقاف تقدم قوات «فاغنر» الروسية نحو أسوار طرابلس. وحصد الأتراك حتى الآن اتفاقيتين جوهريتين مع السلطات الليبية (بغض الطرف عن تبدل الأشخاص) وهما اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وضعت في كف تركيا ورقة مهمة في الصراع على مصادر الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، والثانية تتعلق باستثمارات أنقرة في قطاع إعادة الإعمار، إلى جانب تكثيف المبادلات التجارية مع تركيا، التي تقدمت إلى المراتب الأولى بين شركاء ليبيا التجاريين. وكانت وزيرة التجارة التركية أعلنت خلال زيارة لليبيا مطلع العام الجاري، أن بلادها تعتزم استعادة مركزها المتقدم بين شركاء ليبيا التجاريين، مثلما كان قبل 2011.
ما بعد السراج
دبلوماسيا كسبت أنقرة إذ أن ذهاب حليفها فائز السراج لم يُغير من فرصها العريضة في ليبيا، والحكام الجدد حرصوا على التواصل معها منذ البداية وسعوا إلى التوفيق بينها وبين مصر في الطرف الآخر. ولوحظ أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبه عبد الله اللافي بدآ الأربعاء زيارة رسمية لتركيا، تلبية لدعوة من الرئيس اردوغان، بعد زيارتهما مصر حيث أجريا محادثات مع الرئيس السيسي، في شأن مستقبل العلاقات الثنائية. وأجرى المنفي محادثات مماثلة مع الرئيس التركي اردوغان في أنقرة. وهذا الجمع بين غريمين كبيرين في ليبيا يعكس قدرا من التخفيف من حدة الاستقطاب السابق بين معسكرين اقليميين يتنازعان على النفوذ في ليبيا. وفي هذا الإطار حمل المنفي في حقيبته ملف القوات التركية في ليبيا، وضرورة سحبها في وقت قريب، في إطار إنضاج ظروف إجراء الانتخابات العامة، من دون ضغوط، قد تأتي من الدول التي لديها قوات مرابطة في ليبيا.
أكثر من ذلك، أثبت رئيس الحكومة الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي المنفي أنهما عابران للمناطق والقبائل والمجموعات السياسية من خلال تنقلهما بين المناطق وحوارهما مع جميع الفرقاء شرقا وغربا.
لكن هناك متضررين من السلام في ليبيا، ومن بين هؤلاء حلفاء الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي مُني بهزيمة عسكرية أنهت دوره السياسي والعسكري. وشكلت العناصر المتشددة التي ما زالت تعتقد أن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا عسكريا، مصدر خطر على المسار السلمي لكونها تعمل على تقويض ما حققه «ملتقى الحوار السياسي الليبي» باعتباره غير شرعي.
نيران صديقة؟
بهذه الخلفية يمكن أن يكون اغتيال محمود الورفلي، أحد القادة البارزين لقوات الجنرال حفتر، ضربة بنيران صديقة، ممن لا يرغبون باتهامهم بعرقلة الحل السياسي. وأتى مقتل الورفلي، الذي بات عبئا على معسكره، بعد يوم واحد من تسليم الحكومة الموازية في شرق ليبيا سلطاتها لحكومة دبيبة. ولا يمكن أن يتجاسر أحد على تنفيذ مثل تلك العملية الدقيقة، في وضح النهار، وفي وسط بنغازي، سوى جهاز محترف وقريب جدا من الورفلي. وكانت السلطات في شرق ليبيا وجدت نفسها في حرج كبير بعدما بات الورفلي مطلوبا من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية اتهامه بتنفيذ جرائم قتل خارج القانون صنفت على أنها «جرائم حرب». وحاولت ذر الرماد في العيون بالتظاهر بسجنه ومحاكمته، غير أنها سرعان ما اضطرت لإخلاء سبيله.
تأكيدات المنقوش
وفي سياق إحداث البلبلة في المنطقة الشرقية لإرباك حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، تعرضت حنين البرعصي نجلة الناشطة المغدورة حنان البرعصي، للاختطاف بشكل عنيف في وسط بنغازي أيضا. ومن الواضح أن الرسالة التي تحملها هذه العمليات هي التأكيد أن الأمن غير مستتب وأن حكومة الدبيبة غير قادرة على ضبط الوضع الأمني، خصوصا في الشرق. لكن وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة نجلاء المنقوش، أكدت في حضور وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، في طرابلس، ضرورة خروج «كل المرتزقة» من الأراضي الليبية، و»بشكل فوري». وفي رسالة تأتي ردا على محاولات زعزعة الاستقرار وإثبات أن الأمن مستتب في العاصمة طرابلس، وافقت البلدان الأوروبية الثلاث على معاودة فتح سفاراتها ومنح التأشيرات مستقبلا «من داخل ليبيا وليس من خارجها» على ما أكدت المنقوش.
قصارى القول إن القرار الدولي الدافع باتجاه ترسيخ العملية السياسية، لإنهاء الحرب في ليبيا، يتعزز يوما بعد آخر، بشكل ملحوظ، وأن السلطات الحكومية المؤقتة جسدت وحدة البلد والشعب، بعد انقسامات دموية مريرة. إلا أن دور الحكومة في كسر الحواجز بين المناطق وإنعاش الوضع الاقتصادي والصحي المتدهورين، يتطلبان إذعان الفرقاء الدوليين لمقتضيات الانخراط في الحل السياسي، طبقا لمخرجات مؤتمر برلين، والامتناع عن اتخاذ أية إجراءات قد تسمم الوضع من جديد، وتعود به إلى مربع الاقتتال والاحتراب.
السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند: أمريكا ودول أخرى ستدعم دعوة الدبيبة لرحيل فوري للعناصر المسلحة من ليبيا
حاوره: رشيد خشانة –
*كيف تنظر الولايات المتحدة إلى التشكيلة الحكومية الجديدة في ليبيا؟ وماذا قلتم لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال لقائكم معه؟
**كما قال وزير الخارجية بلينكن لرئيس الوزراء الدبيبة، في مكالمته الهاتفية يوم 22 آذار/مارس، ترحب الولايات المتحدة بتشكيل حكومة الوحدة المؤقتة الجديدة، والتي توفر فرصة تاريخية لليبيين لوضع بلادهم على طريق دائم نحو الاستقرار والديمقراطية. ونعتزم دعم هذه العملية من خلال نهج «مزدوج المسار» من المشاركة الدبلوماسية المعززة، داخليا مع حكومة وشعب ليبيا، وخارجيا مع الجهات الفاعلة الدولية، التي تلعب دورا في مستقبل ليبيا. وقمت بنقل هذه الرسالة نفسها إلى رئيس المجلس الرئاسي المنفي عندما التقينا في طبرق، مع الاشارة إلى أنّ المجلس الرئاسي سيلعب دورا مهما بالتنسيق مع الوزارات في ضمان أن تحظى جميع أجزاء ليبيا باهتمام الحكومة.
وجود العديد من القوات على مقربة من بعضها البعض يشكل خطرا كبيرا
* صادق الكونغرس على «قانون الاستقرار في ليبيا» كيف سيتجسد هذا القانون على الأرض؟
**تم تقديم قانون الاستقرار الليبي في كل من مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ؛ ولم يتم اعتماده بعد. وقد شاركتُ في مؤتمر عبر الهاتف بتاريخ 19 آذار/مارس مع النائب تيد دويتش، رئيس اللجنة الفرعية لمجلس النواب الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب أعضاء آخرين في تلك اللجنة وموظفيهم، للإجابة على الأسئلة حول الكيفية التي يمكن أن يدعم بها هذا التشريع الانتقال السياسي في ليبيا بأكثر فعالية. وإذا ما تمّ سنّ هذا التشريع ليصبح قانونا، فإنّه سيعيد التأكيد على اهتمام الكونغرس بدعم الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر، ومساعدة الحكومة على تقديم خدمات أفضل للشعب الليبي، ويساعد في معالجة محنة المهاجرين وإخراج القوات الأجنبية، وفي مجالات اقتصادية وإنسانية أخرى.
* لكن مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بورال اعتبر أن إخراج المرتزقة من ليبيا أمر غير سهل، ومن المعروف أن الحكومة الليبية لا تملك القوة اللازمة لإبعاد تلك المجموعات، فهل تفكرون في عقوبات أو أي إجراءات رادعة لحملها على مغادرة البلد؟
**الأداة الأكثر فاعلية لتحقيق رحيل المرتزقة الأجانب هي حكومة ليبية منتخبة ديمقراطيا تتمتع بالسلطات الكاملة مع تفويض لاستعادة سيادة البلاد. وستكون هذه الحكومة نتيجة انتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر. وفي غضون ذلك، تحدث رئيس الوزراء الدبيبة بقوة ضدّ وجود القوات الأجنبية، وستستخدم الولايات المتحدة ودول أخرى في المجتمع الدولي نفوذها الدبلوماسي لدعم دعوته للرحيل الفوري لهذه العناصر المسلحة. وتظل العقوبات أداة تحت تصرف المجتمع الدولي ضدّ أولئك الذين يواصلون انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
* هل هناك خشية من تجاوز الحكومة الجديدة السقف الزمني المحدد لها، مثلما حدث مع حكومة السراج، خاصة أن معضلة المرجعية الدستورية لم تحل؟
**هناك عوامل قوية تدعو إلى إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، على النحو الذي دعت إليه خريطة الطريق المنبثقة من منتدى الحوار السياسي الليبي. والشعب الليبي يطالب بذلك. وهي الأدوات الرئيسية لتأمين مغادرة المرتزقة الأجانب والقوات العسكرية. ونحن واثقون من أن الليبيين مستعدون للاتفاق على أساس دستوري لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وأن الحكومة المؤقتة ستوجد البيئة اللازمة المواتية لإجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر.
نشهد تأكيدا متجددا على الحل السياسي من جانب العديد من الشركاء الدوليين
* ما زال اتفاق وقف إطلاق النار ساريا على عكس اتفاقات سابقة اُنتُهكت بسرعة، هل ثمة احتمال لتفجير الوضع العسكري من جديد، وهو ما تكرر في السابق، خاصة أن السلاح ما زال يتدفق على الفريقين المتخاصمين؟ وكيف يمكن للأمم المتحدة أن تفرض حظرا حقيقيا على السلاح؟
**هذا هو أحد أكثر جوانب الوضع الليبي تحديا. فقد دأبت العديد من الأطراف على انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة والالتزامات التي تعهدت بها في قمة برلين في كانون الثاني/يناير 2020. وذكر سفيرنا لدى الأمم المتحدة روسيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا في ملاحظاته أمام مجلس الأمن، ويشجعني أن غالبية الأطراف الخارجية المهتمة تدرك، كما يبدو، أن الخيار العسكري سيقوض نفوذها لدى الشعب الليبي، ولن يخدم مصالحها الوطنية.
إننا نشهد تأكيدا متجددا على الحل السياسي من جانب العديد من الشركاء الدوليين، وهذه هي الديناميكية التي نريد تعزيزها. وبالطبع، تحتفظ الأمم المتحدة أيضا ببعض العقوبات والجزاءات التي يمكن تطبيقها على أولئك الذين ينتهكون حظر الأسلحة. ويجب ألا ننسى أنّ هناك ميليشيات محلية قد تخضع أيضا لهذه العقوبات؛ من المهم أن تتم عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للجهات المسلحة التي تم فحصها على النحو المناسب من دون تأخير.
* انسحبت قوات «فاغنر» إلى مسافة 500 كلم شرق طرابلس في قاعدة الجفرة الجوية، كما أن طائرات ميغ وسوخوي رابضة في قواعد ليبية، فهل يمكن تحقيق تقدم على المسار السلمي، في ظل هذا الحضور الأجنبي؟
**كما قلت، يشجعني ما يبدو أنه اهتمام متزايد من جانب معظم الفاعلين الدوليين بدعم حل سياسي وتجنب التصعيد العسكري. بعض القوات الأجنبية بدأت في الانسحاب. وقد مكّن الجمود العسكري غير المستقر في وسط ليبيا من تنشيط العملية السياسية، لكن وجود العديد من القوات على مقربة من بعضها البعض يخلق خطرا كبيرا لوجود سوء التقدير، لذا سيكون الجميع أفضل حالا عندما تغادر هذه القوات.
* وماذا تقولون لبقية الدول التي أرسلت قوات وأقامت قواعد عسكرية في ليبيا؟
**أعتقد أن ليبيا ستكون في وضع أفضل إذا ما احترم جميع أولئك الذين لديهم قوات عسكرية على الأرض، دعوة اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5» ورئيس الوزراء الدبيبة جميع القوات العسكرية الأجنبية للرحيل. ويمكن أن يبدأ هذا بخطوات تدريجية، تبدأ بالمرتزقة والمقاتلين الأجانب، مما يؤدي إلى تخفيضات متبادلة ومتوازنة في القوة تُتوج بالتثبت من مغادرة جميع القوات الأجنبية. والليبيون أنفسهم مستعدون لصنع السلام مع بعضهم البعض، لذلك لا حاجة لهذه القوات العسكرية الخارجية.
* التحضير للاستفتاء هو أقرب الاستحقاقات المُترتبة على الحكومة الجديدة، هل تتوقعون أن الوقت كاف لإجراء الاستفتاء؟ وهل سيكون رئيس مجلس النواب قادرا على عقد جلسة للمجلس؟
**إجراء استفتاء من عدمه هو أمر سيقرره الليبيون. أعلم أن ثمة من يعتقد أن هناك أساسا دستوريا مناسبا بالفعل للانتخابات. وأعلم أيضا أن هناك من يريد استخدام الاستفتاء وسيلة لتأجيل الانتخابات، لكن كيفية حل هذا الأمر لا تعود في النهاية إلى المجتمع الدولي ليبت فيه. إنه قرار ليبي. والمؤسسات الليبية، من مجلس نواب ومجلس دولة ومنتدى حوار سياسي ليبي، عليها مسؤولية الحفاظ على تقدّم العملية السياسية لمصلحة الشعب الليبي.
* قال رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح في ملتقى جنيف إنه يحتاج إلى 50 مليون دينار ليبي لتنظيم الانتخابات، واجتمع لهذا الغرض مع بعثات الدول الديمقراطية، التي ساعدت ليبيا في الماضي، هل تتوقعون الاستجابة لمساعيه؟
**يشجعني أنّ الحكومة في طرابلس قد خصصت بالفعل تمويلا كبيرا للمفوضية لإجراء الانتخابات. ومع تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، والتحرك باتجاه موازنة موحدة، أتوقع أن يتمكن السياسيون الليبيون من الاتفاق على تخصيص موارد مناسبة من الاحتياطات المالية الحالية لليبيا لتمويل الانتخابات، التي تمثل أولوية قصوى لتأمين مستقبل البلاد.
جزءَ كبير من القتال في السنوات الأخيرة عبارة عن معركة للسيطرة على موارد ليبيا
* أكد السائح أيضا في الغردقة أن المفوضية تحتاج إلى ثلاثة أشهر لتجهيز البطاقة الانتخابية، وأربعة أشهر لإنجاز الاستفتاء على الدستور، هل تعتقدون أن هذه التقديرات واقعية؟
**تشير تعاملاتنا مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى أنها منظمة ذات كفاءة عالية وأنا واثق من أن إرشادات الدكتور عماد السايح مستنيرة. كما أنني على ثقة من أنّ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستكون قادرة على اتخاذ الترتيبات اللازمة للخطوة الأكثر أهمية، وهي إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر. كما أننا مستعدون من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للعمل مع الشركاء الدوليين لتوفير الموارد والدعم لهذه العملية المهمة للغاية. أريد فقط أن أشير إلى أهمية الدور غير السياسي للمفوضية، وإلى أن دعمنا سيسعى إلى تسهيل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحتسب أصوات جميع الليبيين.
* رصدت أجهزة المراقبة الأمريكية انتقال 14 طائرة من روسيا إلى مطار حميميم في سوريا حيث تم طلاؤها قبل أن تنتقل إلى قاعدة الجفرة في ليبيا، هل ما زالت تلك الطائرات هناك؟ وما موقفكم من وجود خبراء ومرتزقة روس في ليبيا؟
**أولا أود أن أذكر بالمواد التي نشرتها «أفريكوم» علنا بشأن نقل تلك الطائرات، والتي اعتبرناها تصعيدا خطيرا للوضع. وما زلنا ندعو إلى رحيل جميع المرتزقة الأجانب والقوات العسكرية. ونحن نفهم أن بعض قوات «فاغنر» قد انسحبت للسماح بانعقاد اجتماع مجلس النواب في سرت، ونعتقد أنّ هذا يوضح بالضبط أهمية استبعاد جميع القوى الخارجية للسماح للعملية السياسية بالتوسع بشكل طبيعي. وبمجرد مغادرة القوات الأجنبية للمنطقة، من المهم ألاّ تعود. ويجب اعتبار سحب القوات الأجنبية من سرت خطوة أولى في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. وأية عودة للقوات ستكون خطوة إلى الوراء.
الليبيون أنفسهم مستعدون لصنع السلام
* يوجد في ليبيا اليوم عشرات الآلاف من النازحين من مدنهم، كما أن أعدادا كبيرة من الأكاديميين والنخب الاقتصادية غادروا البلاد بعد أن عادوا إليها للمشاركة في مشاريع الإعمار، كيف يمكن إعادة الأمل من جديد لليبيين نُخبا ومواطنين؟
**ليبيا محظوظة لأنها ليست دولة فقيرة، وأنا على ثقة من أنه بمجرد استعادة الاستقرار السياسي، ستنهض بسرعة على قدميها وتوفر الفرصة لمواطنيها الموهوبين. على سبيل المثال، ليبيا تحظى بتموقع جغرافي مناسب لتكون بوابة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي توفر موارد ضخمة من حيث الطاقة الشمسية، ويمكن أن تكون رائدة في الاتصالات الإقليمية، لذلك أرى مستقبلا مشرقا لهذا البلد الضخم.
*أعلنت الإدارة الأمريكية تمديد حالة الطوارئ الوطنية في ما يتعلق بليبيا لمدة عام واحد بدءا من 25 شباط/فبراير الماضي، وأرجع الرئيس بايدن هذا القرار إلى تهديد الوضع الليبي للأمن القومي، هل يمكنكم تفسير ذلك؟
**كانت هذه خطوة فنية في الأساس تهدف إلى الإبقاء على العقوبات الأمريكية التي يمكن تطبيقها على أولئك الذين يعرقلون السلام والعملية السياسية في ليبيا.
* تقول الولايات المتحدة إنها حريصة على حماية أصول الدولة الليبية، كي لا يتم اختلاسها من الأطراف المصممة على تقويض عملية السلام الجارية، وخاصة من أتباع القذافي، فما مدى جدية هذا التهديد في رأيكم؟
**كان جزءَ كبير من القتال في السنوات الأخيرة عبارة عن معركة للسيطرة على موارد ليبيا، أي النفط والعائدات التي تتحقق من مبيعاته. وسيكون من الخطأ الفادح الإفراج عن الأصول الليبية المجمدة دوليّا، قبل وضع ترتيب سياسي مستقر، لأن هذا قد يؤدي إلى تجدد القتال من أجل السيطرة على تلك الأصول. وستدعم الولايات المتحدة استمرار إشراف الأمم المتحدة على هذه الأصول، طالما كان ذلك ضروريا، للتأكد من أنه بمجرد الإفراج عنها، بموجب الضمانات المناسبة، وبالتشاور مع الحكومة الليبية المنتخبة، يتم استخدامها لصالح جميع الليبيين ولا تصبح سببا للصراع.
ليبيا: الحرس القديم والنخب الجديدة يتعايشان في حكومة الدبيبة
رشيد خشــانة – يبدو أن الدبيبة، المهندس المتخصص بالبناء، يعتزم تحويل ليبيا إلى ورشة إعمار كبيرة لاستئناف المشاريع المعطلة منذ عشر سنوات أو لإطلاق مشاريع جديدة.
سيقود الدبيبة الحكومة الجدبدة إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة 14 كانون الأول/ديسمبر المقبل. لكن إجراءها في ذلك الميقات يبدو شديد الصعوبة بسبب الحاجة إلى مرجعية دستورية، وهو ما يقتضي إجراء استفتاء على مشروع الدستور الذي أعدته «لجنة الستين» وأشركت في صياغته تيارات وشخصيات مختلفة.
بالمقابل يبدو أن الدبيبة، المهندس المتخصص بالبناء، يعتزم تحويل ليبيا إلى ورشة إعمار كبيرة لاستئناف المشاريع المعطلة منذ عشر سنوات أو لإطلاق مشاريع جديدة. والدبيبة، المنحدر من مدينة مصراتة ثالث المدن الليبية، حاصل على شهادة الماجستير في التخطيط وتقنيات البناء من جامعة تورونتو الكندية. وبعد عودته إلى ليبيا شغل عدة مناصب من أهمها مدير المشروعات والدراسات في «جهاز تنمية المراكز الإدارية» الحكومي في فترة حكم معمر القذافي. ولم يبرز كشخصية عامة إلا لدى توليه رئاسة «نادي الاتحاد لكرة القدم» أحد النوادي الرياضية الرئيسة في ليبيا، بعد الثورة. لكن ولعه بكرة القدم لم يستمر طويلا.
وعلى الرغم من وجود أعضاء في الحكومة برزوا بعد انتفاضة 17 شباط /فبراير 2011 من بينهم وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي عملت مع «المجلس الوطني الانتقالي» بعد الإطاحة بالقذافي، طغت على التشكيلة الحكومية أسماء وزراء وموظفين سامين في النظام السابق، من بينهم نائبا رئيس الحكومة حسين القطراني، وهو مرشح رئيس البرلمان عقيلة صالح لهذا المنصب، ورمضان أبو جناح. وقد تولى الأول حقيبة المالية والثاني حقيبة التعليم في وزارات القذافي. أما محمد الحويج الذي تسلم حقيبة الاقتصاد والتجارة فكان وزيرا للمالية في العهد السابق.
كما تولت وزيرة العدل حليمة البوسيفي مناصب مختلفة في الجهاز القضائي، في ظل النظام السابق، بينما كان وزير الداخلية الجديد، خالد مازن، أحد ضباط جهاز الأمن الداخلي. والوزيرة البوسيفي هي واحدة من خمس سيدات تسلمن حقائب في الوزارة الجديدة، إلى جانب وفاء الكيلاني، وزيرة الشؤون الاجتماعية ومبروكة عثمان أوكي، وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية. ويُعتبر إسناد خمس وزارات لسيدات من بينها وزارتان سياديتان هما العدل والخارجية، علامة شجاعة في مجتمع محافظ مثل المجتمع الليبي. والبوسيفي هي أول امرأة عربية تتسلم وزارة العدل، أما نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الجديدة، فهي أول سيدة تتولى هذا المنصب، فهي حاصلة على درجة الدكتوراه في إدارة الصراع والسلم من جامعة «جورج مايسون» الأمريكية العريقة في فرجينيا، وهي من سكان بنغازي إلا أن أصولها من مصراتة. وسيتعين على الوزيرة الجديدة قيادة الدبلوماسية الليبية وسط الاستقطاب الشديد بين القوى الدولية الطامعة بثروات البلد.
عقدة وزارة الدفاع
أما وزارة الدفاع التي تتسم بحساسية كبيرة نتيجة تداخل عناصر عدة، من بينها الأجسام المسلحة الليبية، الخارجة عن سلطة الدولة، والمرتزقة الأجانب و»الجيش الوطني» في المنطقة الشرقية، الذي يدين بالولاء للجنرال المتقاعد خليفة حفتر (74 عاما) إضافة إلى نواة الجيش النظامي، التي أشرف رئيس الحكومة السابق فائز السراج على تدريب طلائعها الأولى، اعتبارا من السنة الماضية، فقرر الدبيبة الاحتفاظ بها لنفسه (مؤقتا؟). وسيكون من الصعب تحصيل توافق للأقاليم الثلاثة على مرشح موحد لهذا المنصب. وهذا ليس جديدا، ففي الجزائر احتفظ الرئيس بوتفليقة بوزارة الدفاع لنفسه إلى يوم الإطاحة به، واقتفى خطاه خلفه عبد المجيد تبون. وفي المغرب لا يوجد وزير للدفاع. وسيتعين على وزير الدفاع المقبل معالجة ملف القواعد الأجنبية في ليبيا، والتي أعلنت نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا سابقا، ستيفاني وليامز أن عددها يبلغ عشر قواعد في أنحاء مختلفة من البلد.
مشاريع معطلة
من هنا ستنطلق حكومة الدبيبة في تجربة مُساكنة تتعايش فيها عناصر النظام القديم مع النخب الصاعدة، وخاصة النسائية منها، ما يفترض تذويب الخلافات الأيديولوجية، أو إرجاءها، والتركيز على معاودة بناء ما هدمته الحرب الأهلية. وأفاد خبراء «القدس العربي» أن هناك عشرات المشاريع الاستراتيجية في قطاعات مختلفة، بعضها توقف تنفيذه إبان اندلاع انتفاضة 2011 وبعضها الآخر ما زال في مستوى الدراسات. وفي هذا الإطار أكدت هناء سالم عضو لجنة المراقبة بديوان المحاسبة أن المشاريع التي انطلقت قبل 2011 ثم توقفت، تحتاج اليوم إلى دراسة لمعرفة المسافة التي تم قطعها والمراحل المتبقية. ومن المشاريع الكبرى شبكة الطرقات الحديدية، بطول 3170 كيلومترا، من رأس جدير على الحدود المشتركة مع تونس إلى طبرق على الحدود مع مصر. ولم يتحقق من هذا المشروع، الذي سيتم ربطه بالشبكات الحديدية لدول الجوار، سوى 11 في المئة، قبل أن يتوقف العمل فيه في 2011.
إلى هذا المشروع هناك في قطاع النقل الجوي ثمانية مشاريع مطارات توقف تنفيذها أيضا، وسيتعين على حكومة الدبيبة الاشراف على استئناف إنجازها، في إطار «استراتيجيا النقل الشامل» التي ستعالج ظاهرة التدهور المستمر لخدمات النقل العام. واستطرادا ستجابه حكومة الدبيبة مسألة دقيقة تتعلق بدخول القطاع العام في شراكة مع القطاع الخاص، والتي باتت ممرا إجباريا، على ما يقول الخبراء، بالرغم من الاعتراضات والانتقادات. لذلك اشترط المهندس أحمد ابراهيم، وهو موظف سام في وزارة المواصلات، إثبات الجدوى من تلك المشاريع المشتركة قبل إطلاقها.
ومن المفروض أن تشمل مشاريع التنمية المستدامة في ليبيا القطاع الزراعي، إذ أن مساحة الأراضي القابلة للزراعة تُقدر بـ8.8 في المئة من التراب الليبي، لكن الخبراء يؤكدون أن البلد لم يُحقق الأمن الغذائي، بل لا توجد فيه منطقة واحدة ضمنت أمنها الغذائي. ويُعزى هذا الوضع لأسباب عدة من بينها عجز في الموارد المائية يُقدر بحوالي ملياري متر مكعب. أكثر من ذلك، لا يوفر قطاع الزراعة والصيد البحري سوى 2 في المئة من إيرادات ليبيا، ويُشغل 22 في المئة من العمال، فيما يُشغل قطاع النفط عددا أقل من العمال ويوفر 75 في المئة من إيرادات البلد.
غياب التقنيات العصرية
ومن القضايا الشائكة الأخرى التي كانت محورا من محاور «المؤتمر المغاربي الأول حول التنمية المستدامة» الذي أقامته في تونس كل من جامعة الزاوية الليبية وجامعة كوالالامبور الماليزية، الأسبوع الماضي، البطء في استخدام التقنيات الحديثة للزراعة وتناقص الخبرات الفنية، بالإضافة لتفتُت الملكية الزراعية. مع ذلك أكد عبد الفتاح الشيباني عضو هيئة أبحاث العلوم الطبيعية والتكنولوجيا بطرابلس، أن مردود الزراعة يمكن أن يزيد كثيرا في المساحات نفسها وبكميات الماء ذاتها، إذا ما استُخدمت الاسمدة والوسائل التقنية العصرية.
مشاريع كبرى
وبما أن مباشرة تنفيذ تلك المشاريع، واستكمال الأخرى المتوقفة، يحتاجان إلى اعتمادات ضخمة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بمدى استقرار إيرادات النفط، التي تراجعت بشكل مهول، أيام الحملة العسكرية التي قادها الجنرال حفتر، للاستيلاء على طرابلس. وتجاوز حجم الإنتاج، بعد فشل الحملة وصمود اتفاق وقف إطلاق النار حاجز 1 مليون برميل في اليوم، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.6 مليون برميل في الأمد المتوسط. ويخطط الليبيون لتنفيذ عشرة مشاريع في محافظات مختلفة في قطاع النفط، بالإضافة إلى إنشاء منظومة للطاقة الشمسية، سيتم تركيزها في المرحلة الأولى، في المؤسسات العمومية، وهذا تحوُلٌ مهم في ليبيا نحو الاستثمار في الطاقات البديلة.
والمحور الآخر الذي طلب المشاركون في «المؤتمر المغاربي الأول حول التنمية المستدامة» من حكومة الدبيبة الاشتغال عليه، هو العمل على وقف النزيف المتمثل بهجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج. وأدى اضطراب حبل الأمن وغطرسة الميليشيات وتراجع الانتاج العلمي إلى خروج أعداد كبيرة من الطلاب، والشباب عموما، إلى دول الجوار أو أوروبا وأمريكا، بحثا عن مناخ أكاديمي أفضل وظروف عيش آمنة. وبسبب هذه الهجرة تراجعت مؤسسات البحث العلمي، إذ أفاد أسامة كشادة أحد المسؤولين في وزارة التعليم العالي، أن «الهيئة الليبية للبحث العلمي، التي يمولها الاتحاد الأوروبي، متوقفة حاليا عن العمل، كما توقف بالنتيجة إشراك الكفاءات الليبية في الخارج في مشاريعها البحثية.»
وأمام حكومة الدبيبة أيضا فرصة أخرى يمكن استثمارها بعدما بدأت الأوضاع الأمنية تستقر، وهي السياحة وخاصة منها السياحة الثقافية. وقال المهندس أسامة الخولي مدير عام الهيئة العامة للسياحة، في مؤتمر التنمية المستدامة، إن ليبيا كانت مرتبة في المركز السادس بين الوجهات السياحية في العام 2010 غير أن القطاع انهار بعد اندلاع الحرب الأهلية في 2014 فتراجع عدد الأسرة من 100 ألف سرير إلى 30 ألفا فقط. وحذر الخولي من أن المواقع الأثرية الخمسة المسجلة ضمن التراث العالمي مهددة بسحبها من السجل بسبب كثرة التعديات عليها.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.