
قال عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية الجديدة اليوم الجمعة، إنه طلب من النائب العام فتح تحقيق في اكتشاف جثث في بنغازي.
وقالت وسائل إعلام محلية إنه تم العثور، أمس الخميس، على جثث أكثر من 12 شخصا قُتلوا بالرصاص في المدينة التي تقع في شرق البلاد وهي معقل لقوات خليفة حفتر الذي تم صد هجوم له على طرابلس في العام الماضي.
وفي منشور على تويتر قال رئيس الوزراء الذي اختير في عملية قادتها الأمم المتحدة وتولى مهام منصبه هذا الأسبوع إن من غير الممكن السماح بتكرار هذه الأحداث أو التستر عليها.
وقال “أعطيت تعليمات مباشرة لوزير الداخلية للتعامل مع هذه الحادثة وطلبت من النائب العام فتح تحقيق”.
وفي بادئ الأمر، نفى المقر الأمني في بنغازي، الذي يضم وحدات من الشرطة والجيش تحت سيطرة حفتر، العثور على أي جثث، لكنه قال في وقت لاحق اليوم الجمعة إنه سيصدر بيانا حول الموضوع.
وعلى مدى عقد شهدت ليبيا فوضى وأعمال عنف بعد الإطاحة بالقذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي أعقبتها سيطرة جماعات مسلحة على أحياء المدن التي انتشرت فيها أعمال الخطف والقتل.
ووافقت الفصائل الرئيسية في شرق ليبيا وغربها والتي انقسمت في عام 2014 على قبول حكومة الدبيبة التي تعتبر على نطاق واسع أمل ليبيا الوحيد في السلام منذ سنوات على الرغم من أنها تواجه تحديات كبيرة.
خمس نساء في الحكومة الليبية الجديدة: “بداية واعدة” لكن “غير كافية”

وقالت لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة إنها “خطوة كبيرة للنهوض بحقوق المرأة”. فيما اعتبر السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نولاند أنها “لحظة تاريخية للمرأة الليبية”.
ويواجه رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة الذي أدى ووزراء حكومته اليمين الدستورية أمام البرلمان الاثنين الماضي، مهاما صعبة تتمثل في إخراج البلاد من عقد من الفوضى وإنهاء الانقسام، وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وتتكون حكومته من نائبين لرئيس الوزراء و26 وزيرا وستة وزراء دولة.
وذهبت حقيبة الخارجية المرموقة إلى نجلاء منقوش، وهي المحامية والناشطة من بنغازي. وكانت المنقوش تقلّدت منصباً في المجلس الوطني الانتقالي (السلطة السياسية الرسمية للثورة الليبية عام 2011)، ونالت قبل سنوات شهادة في “إدارة الصراع والسلام” من الولايات المتحدة.
أما مبروكة طوفي عثمان توكي، الأكاديمية من جنوب ليبيا، فحاصلة على شهادة في الفيزياء النووية، وستشرف على الثقافة.
وعينت المحامية حليمة ابراهيم عبد الرحمن وزيرة للعدل، وهي تتحدّر من مدينة غريان في غرب البلاد.
ونصبت وفاء الكيلاني وزيرة للشؤون الاجتماعية وحورية خليفة ميلود الطرمال وزيرة دولة لشؤون المرأة.
وعقب سنوات من الجمود في بلد منقسم، اختار ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ضمّ ممثلين عن كل الأطراف (75 عضوا) وانعقد في جنيف برعاية الأمم المتحدة، الدبيبة (61 عاما) رئيسًا للوزراء إلى جانب مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء في 5 شباط/فبراير.
– خطوة ولكن… –
على شبكات التواصل الاجتماعي، وصف اختيار النساء في الحكومة بأنه “خطوة كبيرة” و”قفزة للمجتمع”، و”بداية واعدة”، لا سيما أن بعضهن عينن في وزارات مهمة.
لكن ردود فعل أخرى عبّرت عن امتعاض، لا سيما بين الناشطات اللواتي ناضلن لسنوات من أجل تمثيل أفضل للمرأة الليبية في السياسة وفي المجتمع.
وعبرت رئيسة جمعية “معها” لحقوق المرأة غالية ساسي لفرانس برس عن أسفها إزاء خيارات السلطة التنفيذية الجديدة، مشيرة إلى أنه لا يزال هناك “طريق طويل لنقطعه”.
وقالت “نحن فخورون بتعيين نساء ليبيات في مناصب سيادية في الحكومة الجديدة، لكننا أيضًا غير سعداء لفشل رئيس الوزراء في الالتزام بتعهده بمنح 30٪ من المناصب للنساء في حكومته”.
والتزم الدبيبة كتابياً وكذلك كل المرشحين لمنصب رئيس الوزراء قبل الانتخاب في جنيف، بأن تضم الحكومة الجديدة نساء بنسبة ثلاثين في المئة.
لكن في النهاية جاءت النسبة 15 في المئة. وأكدت غالية ساسي أن هذا لن يمر دون اتخاذ “خطوات جادة”.
وأضافت “سنضغط على الحكومة لتصحيح الوضع، كما سنضغط على السلطات التشريعية لتضمين حقوق المرأة في مسودة الدستور الجديد، وضمان حصولها على المزيد من الحقوق”.
وأسفت ليلى بن خليفة التي أطلقت حملة “ب30 نبدوها” (نبدأ بثلاثين) بدورها، لتعيين السيدات الخمس في إطار “التوزيع الجهوي” وليس حسب “الاختصاصات”.
وقالت “السيدات اللواتي اختيرن في الحكومة لا يملكن خبرة كافية للدفاع عن حقوق المرأة، لأن اختيارهن تمّ وفق نظام المحاصصة وليس وفق الكفاءة”.
وتابعت “لن نقبل بهذا الظلم والتعسف بحق النساء الليبيات (…)، سننقل رفضنا للحكومة”.
وانطلقت حملة “بـ30 نبدوها”، وهي مبادرة تطوعية تقودها عشرات الليبيات، قبل خمسة أعوام. وهي تطالب بالمساواة في منح المرأة المناصب السياسية، ووضع آليات لتمكينها في الفرص السياسية.
وكانت حكومة الوفاق الوطني السابقة تضمّ وزيرتين فقط (الشؤون الاجتماعية وشؤون المرأة) من ثلاثين حقيبة، فيما كانت الحكومة الموازية في شرق ليبيا تضم امرأة واحدة (وزيرة الشؤون الاجتماعية).
وتشهد ليبيا الغارقة في الفوضى والنزاعات منذ 2011، انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان تستهدف في جزء منها النساء.
وتعد واقعة اغتيال المحامية الليبية والناشطة في مجال حقوق الإنسان حنان البرعصي برصاص مسلحين في بنغازي “لأسباب سياسية”، الحالة الأكثر “مأساوية”، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
قبل نحو عامين، خطفت جماعة مسلحة في بنغازي النائبة في البرلمان سهام سرقيوة عقب انتقادها الهجوم الذي شنته قوات المشير حفتر على طرابلس. ولا يزال مصيرها مجهولاً، فيما طالبت الأمم المتحدة ومنظمات محلية ودولية مراراً بالكشف عن مصيرها ومحاسبة المتورطين في عملية اختفائها.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 وبالرغم من مشاركة النساء الليبيات بفاعلية في الثورة التي أطاحت به، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تمكين النساء ومنحهن دورا أكبر في الشأن السياسي.
وبالرغم من الحرية التي حظيت بها النساء في إنشاء الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني التي كانت محظورة قبل الثورة، لم تصل بعد للعب أدوار فاعلة سياسيا وتقلد مناصب حكومية كبرى.
ليبيا بعد تشكيل حكومة دبيبة نهاية الاستقطاب الثنائي واستمرار عُقدة وزارة الدفاع
رشيد خشــانة – من الصعب أن تنتهي مهمة الحكومة الجديدة في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، مثلما هو مقرر، وبالتالي ستكون حكومة انتقالية أسوة بسابقاتها.
بعدما استطاعت روسيا وفرنسا أن تعطلا استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي، تُلزم الأطراف المتحاربة في ليبيا، بوقف المعارك، انهار ذلك الحاجز، وأصبح الحل السياسي مسارا مفروضا على جميع الفرقاء، لا سيما بعد منح مجلس النواب الثقة للحكومة الجديدة، برئاسة عبد الحميد دبيبة، والتزام الجميع بوقف إطلاق النار. لكن الطريق إلى الاستقرار ما زالت طويلة، ولا تخلو من المطبات، فما دمرته عشر سنوات من الحرب الأهلية، في جميع المجالات المعنوية والمادية، لا يمكن إعادة بنائه في وقت قصير.
ولاحظت الخبيرة الإيطالية في الشؤون الليبية كلاوديا غازيني، أن التصويت لمنح الثقة تركز حصرياً على رئيس الوزراء المكلف وطاقمه الوزاري، بينما لم يكن هناك أي ذكر للمجلس الرئاسي، ولا أيضا لخريطة الطريق، التي وُضعت خلال محاورات المنتدى السياسي في كل من جنيف وتونس. صحيح أن الانتقال من حكومة فائز السراج إلى حكومة الدبيبة تم نسبيا بسلاسة، بالرغم من الشبهات التي أحاطت بملابسات تشكيلها، لكن المهم أن الاستقطاب الثنائي السابق، بين الشرق والغرب، بدأ يذوب شيئا فشيئا. ومثل هذا المناخ من شأنه أن يُسهل مهمة الحكومة، وإن أصبحت التقلبات أمرا مألوفا في المشهد السياسي الليبي.
وبالنظر إلى حجم التحديات الكبرى التي تواجه حكومة دبيبة، يُرجح أنها لن تقدر على إجراء الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتخابات في ميقاتها، واستطرادا من الصعب أن تنتهي مهمتها بعد الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، مثلما هو مقرر، وبالتالي ستكون حكومة انتقالية أسوة بسابقاتها.
براغماتية حفتر
ولن يكون المُعطِلون بالضرورة من فريق خليفة حفتر، الذي تعاطى بكامل البراغماتية مع التطورات التي أعقبت إخفاق حملته العسكرية على طرابلس، وإنما ستأتي العراقيل من الخاسرين الكُثر الذين همشت التوافقات السياسية والعسكرية أدوارهم. فمن هم الخاسرون ومن هم الرابحون؟
أول الرابحين من الحرب التي هزت أرجاء ليبيا، على مدى ست سنوات، هما تركيا وروسيا، إذ استطاعت موسكو أن تكون في الوقت نفسه، طرفا في الحرب، وأحد رُعاة عملية السلام، بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن. أما الخاسر الأكبر فهو الجنرال خليفة حفتر (76 عاما) الذي يقول بعض المحللين إن المصير الذي ينتظره هو قضاء آخر أيامه في قصر بأبو ظبي.
وبعدما أفشلت القوات الموالية لـ»حكومة الوفاق الوطني» السابقة، الحملة العسكرية على طرابلس، بدعم قوي من تركيا، انهار حلم الضابط المتقاعد بالاستيلاء على العاصمة طرابلس، واستطرادا سقط الهدف البعيد المتمثل بإحكام القبضة على كامل ليبيا شرقا وغربا وجنوبا، مثلما أعلن ذلك حفتر بنفسه في أكثر من مناسبة. والثابت أن الدول الداعمة له (فرنسا، الإمارات، مصر، السعودية، روسيا، الأردن) فقدت ثقتها في مشاريعه، في أعقاب سلسلة الهزائم، التي مُني بها، بعد 14 شهرا من المعارك، خاصة في الضواحي الجنوبية لطرابلس.
ويمكن اعتبار سقوط قاعدة «الوطية» الجوية الاستراتيجية، جنوب طرابلس، في أيدي قوات «الوفاق» بداية النهاية للحملة العسكرية على العاصمة. وما كان ذلك النصر العسكري ممكنا، لولا التدخل التركي المباشر، لدعم القوات الحكومية بالطائرات المسيرة والخبراء والضباط.
أكثر من ذلك، وجد حفتر نفسه يشاهد، عاجزا، عناصر شركة «فاغنر» الأمنية الروسية، الذيين فضلوا الانسحاب عبر الصحراء، مسافة تقارب 500 كيلومتر، نحو الشرق في اتجاه قاعدة «الجُفرة»، التي لم تعد تمثل خطرا على طرابلس. وفي المقابل استحوذت قوات «الوفاق» على معدات وتجهيزات عسكرية روسية متطورة، من بينها منظومة دفاع جوي من طراز «بانتسير».
عقدة وزير الدفاع
من هنا سيكون اختيار وزير للدفاع عُقدة عويصة في تشكيل المشهد الجديد في ليبيا، فالأصل في الأشياء أن يتولى وزير الدفاع قيادة الجيش بالتعاون مع المجلس الرئاسي. ووفقًا لخريطة طريق جنيف، أصبح أعضاء المجلس الرئاسي الثلاثة القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما يُلغي كل الألقاب العسكرية التي أسبغها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على الجنرال المتقاعد حفتر. وبسبب تعقيد الموضوع فضل الدبيبة الاحتفاظ بالحقيبة لنفسه (مؤقتا؟) لكن المشهد الجديد لا يكتمل إلا بتسمية وزير للدفاع يكون مقبولا من كافة الأطراف، أو جُلها على الأقل.
معاودة انتشار
وفي الوقت نفسه يُنبه محللون إلى مخاطر استمرار تدفق السلاح والعتاد على القوات الموالية لحفتر، مُعتبرين أن ذلك حسن من أوضاع عناصر «فاغنر» التي لم تبق في ليبيا وحسب، بل صارت تستطيع الاعتماد على غطاء جوي بمطاردات روسية، بعدما أعادت انتشارها في المنطقة الوسطى، بين طرابلس والشرق الليبي. ورأى خبراء عسكريون في ذلك التموقع الجديد، رسالة إلى الطرف المقابل، مفادها أن تقدُمه المحتمل ينبغي أن يقف عند تلك المنطقة (سرت) فيما رأى آخرون أنها مجرد مناورة لتحسين شروط التفاوض.
بهذا المعنى يعتقد بعض الخبراء الاستراتيجيين أن روسيا كسبت الكثير من تدخلها غير المباشر، عن طريق «فاغنر» على عكس تدخلها العسكري المباشر في سوريا، فهي تبدو هنا مجرد «مُسدي خدمات» فقط، وبالتالي يمكنها أن تسعى لدور وساطة، أسوة بدور الأوروبيين والأمريكيين في الصراع الليبي-الليبي. ومن هنا فإن الهدف المركزي لعناصر «فاغنر» تغير من حملة عسكرية للاستحواذ على العاصمة، إلى خط دفاع عن قوات الشرق. ومن المؤكد أن الروس كانوا مُدركين أن قوات حفتر، ومعها «فاغنر» لا تستطيع فرض حصار طويل على طرابلس، بينما هي بعيدة بنحو ألف كيلومترعن قواعدها في الشرق.
لذلك أرسلت موسكو 14 طائرة مقاتلة على الأقل إلى ليبيا، ونشرت القيادة الأمريكية صوراً بواسطة الأقمار الصناعية لقاعدة الجفرة الجوية في وسط البلاد، قدمت أدلة على أن الكرملين أرسل تلك الطائرات لتعزيز المليشيات التي تقاتل نيابة عن الجنرال حفتر، ضد الحكومة المعترف بها دولياً، بحسب تعليق القيادة العسكرية الأمريكية على تحريك تلك الطائرات الحربية.
طائرات مطلية
في هذا السياق سلط موقع «ذا درايف» المهتم بالشؤون الدفاعية والعسكرية، الضوء على التدخل الروسي مع تركيز خاص على الأدلة التي نشرتها القيادة الأمريكية، ليُوضح أن طائرات من نوع «سوخوي-24» ومقاتلات «ام اي 29- 29» غادرت روسيا على مدار عدة أيام في مايو الماضي، وكانت جميعها تحمل علامة سلاح الجو الروسية. وتم طلاء الطائرات في قاعدة حميميم في سوريا، لتظهر بدون علامات وطنية. وبعد ذلك تم نقلها إلى ليبيا، حيث تم تسليم طائرات روسية غير مميزة إلى قاعدة الجفرة الجوية.
أما الإمارات فأنفقت بسخاء على المغامرات العسكرية للجنرال المتقاعد، ووفرت له المرتزقة السوريين واليمنيين والسودانيين والتشاديين. واقتفت خطاها كل من فرنسا وبعض الأوروبيين الآخرين، وإن ظلت باريس تدعو شكلا إلى «حل دبلوماسي» للأزمة، وفرض حظر على إرسال السلاح إلى جميع الأطراف الليبية المتحاربة، علما أن الفرنسيين والروس يعتبرون الحضور العسكري التركي مصدر الخطر الأكبر على مصالحهم في ليبيا.
ترحيب أمريكي
أما أمريكا فرحبت بالتصويت على الثقة، بالأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس النواب، على حكومة الوحدة الوطنية. وشدد السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في بيان مشترك مع الرئيس المتخلي للمجلس الرئاسي خالد المشري، على ضرورة أن يكون تصويت مجلس النواب «خطوة لا رجعة عنها نحو التنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية». ومن الواضح أن هذا الكلام يستهدف في الدرجة الأولى الروس والأتراك، إذ أن سحب القوات والمرتزقة الأجانب، هو إحدى المهمات التي تحظى بالأولوية، والتي سيتعين على حكومة الدبيبة تحقيقها بمساندة القوى الداخلية والخارجية الداعمة لبناء مؤسسة عسكرية وأجهزة أمنية فعالة.
وبعيدا عن تلك المناكفات المستمرة بين الأطراف الدولية والإقليمية، فإن كافة مناطق ليبيا تُعاني من ويلات الحرب، التي ستترك آثارها النفسية والاجتماعية المدمرة على المدنيين، وخاصة منهم الشباب والأطفال، إذ أن 54 في المئة من أصل 000 170 نازح هم من الأطفال. كما أن ليبيا، باعتبارها أيضا بلد عبور ووجهة للمهاجرين الاقتصاديين، وغيرهم من المهاجرين المؤقتين، باتت كذلك موطنا لمئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين، الذين يُشكل الأطفال نسبة كبيرة منهم. ولهذا الغرض، تسعى منظمة «اليونيسف» إلى تجميع 20 مليون دولار لتقديم مساعدة عاجلة للأطفال، بغض النظر عن جنسيتهم أو جنسهم أو عرقهم، في جميع أنحاء البلد. وإذا كان قدر الجيلين السابقين اللذين عاشا في كنف الاستبداد، هو الحرمان من حقوق المواطنة ومن ممارسة الحريات الأساسية، فإن الذين كانوا أطفالا في 17 فبراير 2011، يستحقون أن يعيشوا في مجتمع آمن ومستقر يوفر لهم الحرية والكرامة.
ليبيا: حكومة الدبيبة تطلب الثقة وسط عراقيل متنوعة
أمام دبيبة مهلة حتى 19 آذار/مارس للحصول على ثقة مجلس النواب، قبل بدء التحدي الأصعب المتمثل بتوحيد مؤسسات الدولة وقيادة المرحلة الانتقالية حتى ميقات الانتخابات العامة.
الدبيبة: راعينا في تشكيلة الحكومة تمثيل جميع الليبيين بتنوعهم-
أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة البارحة السبت أنه راعى في تشكيلة الحكومة أن تكون ممثلة فعليًا لجميع الليبيين بتنوعهم.
وقال الدبيبة، معلقا على هيكلة تشكيلته الحكومية التي نشرها في الساعات الأخيرة من ليلة أمس الجمعة، وسلمها لهيئة رئاسة مجلس النواب: “حافظنا فيها على العدد الحالي للوزارات، مع تعديل محدود”.
وأضاف الدبيبة، في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر” اليوم، أن “تقليل الوزارات بإعادة الهيكلة وضمّها ودمج إداراتها يستغرق من الوقت ما لا يملكه خلال هذه المرحلة، ويترتب عليه نفقات إضافية غير مدروسة”.
وأشار إلى أنه “راعى في تشكيل الحكومة الموازنة ما بين الكفاءة وضمان المشاركة الواسعة لكل المناطق من خلال الدوائر الانتخابية المختلفة، حتى تكون الحكومة ممثلة فعليًا لجميع الليبيين بتنوعهم”.
وختم بالقول: “لقد وضعنا في عين الاعتبار حالة النزاع التي كانت تمر بها البلاد لسنوات وشعور فئات كثيرة بالتهميش وعدم التمثيل”.
وكان مكتب الدبيبة الإعلامي قد نشر أمس هيكلة وآلية ومعايير تشكيل حكومته التي تضمنت 27 وزارة، بالإضافة لـستة وزراء دولة، ونائبين للرئيس.
وبحسب الإعلان، فقد تم تشكيل الحكومة على أسس التنوع، والكفاءة، والتوزيع الجغرافي، واللامركزية، ومشاركة المرأة والشباب، والعدالة في إدارة الثروة.
وكان الدبيبة قد أعلن أول أمس الخميس، عبر مكتبه، تسليم تشكيلة الحكومة مرفقة بالأسماء المقترحة لتولي الحقائب الوزارية لهيئة رئاسة مجلس النواب.
ومن المنتظر أن يعقد مجلس النواب جلسة رسمية بعد غد الإثنين في مدينة سرت من أجل التصويت على منح الثقة للحكومة.
الباحث الليبي الدكتور مصطفى أبوبكر رحاب لـ”القدس العربي”: اعتماد الدستور الليبي المعدل عام 1963 أفضل من سن دستور جديد
العنصر القبلي سينتهى بمجرد اقرار النظام الاساسي القائم على دستور دائم و عناصر التشكيلات العسكرية يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة.
حـاوره رشيـد خشـانة – اعتبر الباحث الليبي الدكتور مصطفى رحاب أن اعتماد الدستور الليبي المعدل عام 1963 أفضل من سن دستور جديد. وأكد في حوار مع “القدس الأسبوعي” أن الكثير من عناصر التشكيلات العسكرية سئموا وضعهم الحالي، وهم يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة، قادرة على حمايتهم من تبعات الماضي، وأنهم قابلون بتطبيق القانون على المخطئ منهم. وقال رحاب، وهو باحث في “مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلة” بطرابلس، “إن هذا ممكن عبر إيجاد برامج إعادة تأهيل، وإدماج افراد من هذه المجموعات واحتكار الدولة دون سواها للسلاح”. وهنا نص الحوار:
* كثيرا ما يُقال إن سبب مشاكل ليبيا يأتي من نخبتها السياسية، التي لم تُنصت إلى أعماق المجتمع، هل تشاطر هذا الرأي؟
– بلى، النخبة السياسية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما يحدث، إضافة الى التدخل الاجنبي عن طريق هذه النخب.
* هناك خلاف بين من يعتقد أن العهد السابق ترك مؤسسات دولة، لكنها تعطلت بسبب الحرب، ومن يقول إن النظام السابق لم يترك شيئا لمن جاء بعده، أيهما أقرب إلى الحقيقة برأيك؟
– الأقرب الى الحقيقة أننا لا يمكننا النظر الى الحاضر بمعزل عن الماضي، لان المؤسسات في العهد السابق مختزلة في شخص الحاكم ومريديه. وبمقتل رأس النظام تهاوت مؤسسات الدولة ولم يعد لها وجود، وعلى الخصوص المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية.
* لماذا لم تُبن أحزاب مع انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي، مثلما كان الشأن في بعض البلدان العربية والأجنبية؟
– السبب الرئيس لعدم وجود احزاب سياسية تساهم في الانتقال الديمقراطي، هو التصحر السياسي، الذي ساد الحياة السياسية في ليبيا طيلة الفترة من 1951 الى 1969 ، وكذلك المدة الفاصلة بين 1969 و2011، فكانت الاحزاب محظورة في العهد الملكي ومحرمة في عهد القذافي، إذ لم تعرف الحياة السياسية أية مشاركة للأحزاب لعدم وجودها، وبالتالي عدم تأثيرها في العمل السياسي. وحتى بعد ثورة 2011 لم يكن للأحزاب السياسية دور فعال في الانتقال الديمقراطي لانعدام الخبرة لدى القائمين عليها من جهة، اضافة الى ذلك ارتباط الاحزاب في ليبيا بشخص، وليس ببرنامج سياسي وحتى ان وجدت فإن برامجها وأفكارها لا تتماشى مع متطلبات المرحلة، وفق الواقع المعيش من جهة اخرى، ما ترك مجالا لبروز العنصر القبلي و المناطقي في إدارة شؤون الدولة.
*أيهما أفضل برأيك: تعديل دستور 1951 الملكي أم كتابة دستور جديد والاستفتاء عليه؟
– نعم الدستور الليبي المعدل عام 1963 أفضل من كتابة دستور جديد، فهو يحتاج فقط الى إعادة تعديله من قبل لجنة مختصة ليتماشى مع التغييرات الحالية. ويمكن الاعتماد عليه لإعادة تأسيس الدولة الليبية واجراء الانتخابات على اساسه، لأنه كان ومازال من أفضل الدساتير، فما تضمنه من احكام لم تتضمنها الدساتير الحديثة الا مؤخرا .
* هل تعتقد أن الوقت المتبقي إلى موعد الانتخابات العامة (24 ديسمبر المقبل) يكفي لإجراء استفتاء على الدستور ثم انتخابات عامة ذات مصداقية؟
– إذا صدقت النوايا وتوافرت الظروف الأمنية على الخصوص، وتوقفت التداخلات الخارجية، فإننا قادرون على ذلك.
* ما هو المنهج البديل برأيك؟
– لا بديل لغير التوافق بعيدا عن التدخلات والاجندات الخارجية وكما ذكرت اعلاه لدينا الاساس الدستوري يمكننا الاعتماد عليه .
الفساد ينتشر ويتوسع
* يكثر الحديث عن انتشار الفساد هذه الأيام، بماذا تفسر أن الظاهرة تفاقمت بعد الثورة ولم تتقلص؟
– الفساد منتشر منذ عقود وبشكل ممنهج، وليس وليد اللحظة. وسبب استمراره وتفاقمه يكمن في غياب اجهزة إنفاذ القانون.
* هناك تداخل يزداد رسوخا بين السياسة والمال، وهذا خطر على الديمقراطية، فكيف يمكن الفصل بينهما؟
– علاقة السياسيين بالمال الفاسد ليست بجديدة في عالم السياسة، بل الجديد فيها تغير الاساليب ووسائل التأثير. وليبيا ليست بمعزل عن هذا، إلا أنه اتخذ اسلوبا لم نعهده من قبل، وهو نشوء وسائل اعلامية في الخارج والداخل (صحف، محطات مرئية ومسموعة، ومواقع على صفحات التواصل الاجتماعي)، وبتمويل خارجي وداخلي لتمرير أجندات معينة جعلت ليبيا ميدانا للتنافس غير الشريف بُغية السيطرة على مواقع اتخاذ القرار ومختلف المؤسسات، وطالت حتى مصدر الدخل الأهم في ليبيا، وهو الحقول النفطية وموانئ تصديره، والبنوك وغيرها، وفي كثير من الاحيان استعمال المال لتسخير الكتائب المسلحة، في ظل غياب سيطرة الدولة عليها. وهذا ما يشكل تأثيرا مباشرا للمال في مجريات الاحداث السياسية. ولا يمكن فصل السياسة عن مؤثرات المال إلا اذا اعيد تفعيل الهيئات الرقابية ومؤسسات تطبيق القانون، وفرض نوع من الشفافية لمعرفة مصادر تمويل الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، وهذا في اعتقادي لن يتأتى الا بقيام دولة الحق والقانون.
خطة للامركزية الادارية والاقتصادية
* مع المداولات التي جرت في اجتماعات المنتدى السياسي الليبي برز موضوع العدل بين المناطق، وتحدث المشاركون الآتون من الجنوب عن تهميش منطقتهم وغياب الدولة عنها منذ سنوات، إلى أي مدى يُهدد هذا الشعور بالإهمال تماسك البلد ووحدة المجتمع؟
– موضوع العدل بين مختلف مناطق البلاد لا يكمن في توزيع الثروة بينها، كما يزعم البعض، ويتخذه في بعض الاحيان حتى ذريعة للتقسيم، لكن يمكن تحقيقه في المساواة بين مختلف المناطق في التنمية، وفق خطة تعتمد اللامركزية الادارية والاقتصادية، وتقسيم البلاد الى مناطق وأقطاب اقتصادية وتنموية تُراعى فيها خصوصيات كل منطقة، بحيث يتمتع المواطن، أينما كان، بنفس مستوى الخدمات والفرص المتاحة في العاصمة والمدن الكبرى، وهذا الوضع لا يؤثر في تماسك البلاد ووحدة المجتمع لان ما يجمع بيننا أكبر مما يفرق.
* ينفي كثير من الباحثين الليبيين أن يكون للمعطى القبلي تأثير اليوم في مجريات الأحداث السياسية في بلدهم، هل تشاطر هذا الرأي؟
نظام أساسي قائم على دستور دائم
التأثير القبلي، بالرغم من أثره المحدود، إلا أنه كان وسيلة لتوطيد انظمة الحكم المتعاقبة على ليبيا، منذ العهد التركي الى عام 2011 ، وفي نهاية عهد القذافي بالغ في الاعتماد على المعطى القبلي، بل وصل به الأمر الى تسليح الكثير من القبائل لمؤازرته ضد الثوار. وبتخليه عن تأمين الحراسة الكافية لمخازن السلاح جعلها غنيمة لهذه القبائل، وشُكلت بها كتائب مسلحة كان لها أثر في تحرير العاصمة ومختلف المدن، التي كانت تحت سيطرة كتائب النظام. ولذلك بقي هذا التأثير القبلي على مجريات الاحداث، وان بصورة مختلفة، تعتمد على المحاصصة بين الاقاليم الليبية الثلاثة. لكنني أري ان أثره يبقى محدودا، وسينتهى بمجرد اقرار النظام الاساسي للدولة، القائم على الدستور الدائم.
* حديثك عن المحاصصات يُذكرني بأن الاتفاقات السياسية الليبية سواء في الصخيرات أم في جنيف لاحقا، خضعت لمنطق المحاصصة، ألا ترى في ذلك تهديدا للمسار الديمقراطي؟
– فُرض علينا اللجوء إلى المحاصصة، التي أراها فعلا تهدد المسار الديمقراطي، من أجل الخروج من الوضع الحالي، الذي وصل بنا الى حالة من التشظي، على مختلف الأصعدة، أملا في أن تتم الانتخابات، لتنبثق منها سلطات موحدة، بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، القائمة على الفصل بين السلطات، لكي تضع قطار الدولة الديمقراطية المنشودة على سكته، وكي نلتفت أيضا الى بناء ما تبقى من وطن اسمه ليبيا، ليكون وطنا يسع الجميع. وأنا متفائل جدا بقدرتنا على تحقيق ذلك، بعيدا عن التداخلات العابرة للحدود.
* ألا ترى أن انتشار السلاح يشكل اليوم عقبة في طريق العملية السياسية، كيف يمكن التعاطي مع الظاهرة برأيك؟
نعم وجود السلاح ظاهريا يعتبر عقبة في طريق نجاح العملية السياسية، لكنني، وبحكم مشاركتي في الكثير من اللقاءات المخصصة للنظر في كيفية التعامل مع التشكيلات المسلحة وانتشار السلاح، والتي تمت بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلة الذي اسسناه رفقة زملائي في أواخر 2011، والتي تمت برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والعديد من المنظمات الدولية ذات العلاقة، أرى أن الكثير من عناصر تلك التشكيلات سئموا وضعهم الحالي، وهم يريدون تسليم اسلحتهم الى حكومة موحدة، قادرة على حمايتهم من تبعات الماضي، وقبولهم بتطبيق القانون على المخطئ منهم، وهذا ممكن عبر إيجادد برامج إعادة تأهيل، وإدماج افراد هذه المجموعات، واحتكار الدولة دون سواها للسلاح.
* بحسب منظمة اليونيسف هناك 378.000 طفلا في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في ليبيا، كيف يمكن تأمين تلك المساعدات؟ وهل الدولة قادرة على ذلك في ضوء الأوضاع الراهنة؟
– ليبيا بما حباها الله من موارد وأموال مجمدة قادرة على تأمين تلك المساعدات، اذا توافرت لها فرص نهوض الدولة، كما أشرت سلفا، وطبعا بمساعدة المنظمات الدولية والدول الصديقة.
* كانت للحرب آثارٌ مدمرة على الشباب، كيف تصف كباحث مفاعيل الحرب على الجيل الحالي من الأطفال؟
نعم للحرب في ليبيا آثار مدمرة، كما في غيرها من مناطق العالم الأخرى التي مرت بنفس الظروف و لها آثار سلبية على الشباب والأطفال من الجيل الحالي وقد يمتد الى الاجيال القادمة ولو بطريق غير مباشر نأمل ان نتمكن من تجاوزها عبر منظومة تربوية وتعليمية تركز على نسيان الماضي وتأهيل الجيل الحالي للنظر الى المستقبل وجعل الشباب عنصر من عناصر انتاج الثروة الوطنية بدلا من الدولة الريعية السائدة الآن وتسخير الثروات المتوفرة لدينا لبرامج تنموية مع الاحتفاظ بجزء يدخر للأجيال القادمة .
ليبيا: الترشيح لعضوية الحكومة الجديدة «ستار أكاديمي» سياسي
رشيد خشـانة – بات الإخوة الأعداء أكثر انفتاحا على الحوار وأقل ميلا إلى الاحتراب، الذي أنهك المعسكرين على مدى سبعة أعوام.
مع اقتراب نهاية الفسحة القانونية الممنوحة لرئيس الحكومة الليبي الجديد عبد الحميد دبيبة، تحضه أطراف عدة على الاسراع بعرض تشكيلته على البرلمان. ودعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى جلسة رسمية للمجلس، الإثنين المقبل، في مدينة سرت (وسط) مُشترطا أن تتكفل لجنة التنسيق العسكري 5+5 بتأمين الاجتماع. وأوضح صالح أن الجلسة ستُعقد في مدينة طبرق (أقصى الشرق) وهو المقر المؤقت للبرلمان، في حال تعذر عقدها في سرت.
ويسبق هذه الجلسة التاريخية خلطٌ كبير لأوراق الملف الليبي، إذ بات الإخوة الأعداء أكثر انفتاحا على الحوار وأقل ميلا إلى الاحتراب، الذي أنهك المعسكرين على مدى سبعة أعوام.
المنفي – حفتر
في هذا السياق الجديد اجتمع الرئيس المنتخب للمجلس الرئاسي (مقره في الغرب) محمد المنفي مع القائد العسكري للمنطقة الشرقية الجنرال خليفة حفتر، كما اجتمع بشكل منفصل مع عقيلة صالح في بنغازي (شرق). ولم يكن ممكنا تصوُرُ مثل هذه الاجتماعات بين الرئيس السابق للمجلس الرئاسي فائز السراج وكل من صالح وحفتر.
والأرجح أن تلويح أمريكا بإنزال عقوبات بالأطراف الليبية والخارجية التي تعرقل تنفيذ خريطة الطريق، المُنبثقة من مؤتمر برلين، مطلع العام الماضي، شكل الدافع الأساسي لتخلي المعترضين عن تحفظاتهم. ولا يُخفي الأمريكيون رغبتهم بخروج المستشارين والمرتزقة الروس والأتراك من ليبيا نهائيا. وفي هذا الإطار سنت واشنطن «قانون استقرار ليبيا»، الذي أعدته اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، في الكونغرس الأمريكي، والذي رمى «لتعزيز الدبلوماسية ودعم الانتخابات ومعاقبة أولئك الذين يؤججون الصراع». وأتى القانون بحسب مصادر أمريكية، تأكيدا لاهتمام الكونغرس «بتحقيق الاستقرار في ليبيا وإحلال السلام لجميع الليبيين» على ما قال رئيس اللجنة الفرعية تاد دويتش، وهو ديمقراطي مؤيد لحكومة الوفاق الليبية.
إلا أن دويتش لم يفسر مضمون العقوبات، وإن كان مجرد التلويح بها أعطى نتائجه السريعة، بتليين مواقف زعماء كانوا ضد التحاور مع المعسكر المقابل، فضلا عن الوصول إلى اتفاقات معه. ويُركز الأمريكيون ضغوطهم على الفرقاء الليبيين، في الجانبين، على ضرورة السير نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية، أواخر العام الجاري. وكان مفاجئا إعلان عقيلة صالح دعمه للسلطة الجديدة واحترامه لإرادة لجنة الحوار السياسي، بعد فوز قائمة المنفي في انتخابات جنيف لاختيار السلطات التنفيذية الجديدة. غير أن عقيلة توجس من تواصل نواب من المنطقة الشرقية مع السلطات في طرابلس ومصراتة، من دون العودة إليه. وهذا تحولٌ مهم في سلوك النخب السياسية في المنطقة الشرقية، الواقعة تحت نفوذ حفتر. وليس من المبالغة القول بأن الجنرال المتقاعد انهزم عسكريا، بعد فشل الهجوم الأخير على طرابلس، فيما مُني صالح بهزيمة سياسية مماثلة، نتيجة لارتباطه الوثيق بالجنرال.
تفاعلات داخلية وخارجية
والظاهر أنه بات يُخطط للانفصال عن حفتر بمشاركته في منتدى جينيف وتزعُمه إحدى القائمات المتنافسة. وفي الجانب الآخر ارتفعت أصوات تنتقد ما اعتبرته تدخلا من أعضاء المنتدى، الذين صوتوا لقائمة المنفي-دبيبة، في تشكيل الحكومة. واعتبر النائب عبد السلام نصِية أن تسمية أعضاء الحكومة، بات يتم عن طريقهم «في عملية ابتزاز لا يمكن السكوت عنها» طبقا لما كتب نصية في تدوينة على حسابه الرسمي على «فيسبوك».
هذا عن التفاعلات الداخلية لمسار تشكيل الحكومة الجديدة، أما اقليميا ودوليا، فلوحظ اهتمام شديد بالمساهمة في تشكيل المرحلة المقبلة، سواء من الأمريكيين، أم من القوى الإقليمية، في غياب شبه كامل للأوروبيين. وبدت مصر وفي درجة أقل المغرب، أكثر العرب حضورا في المشهد الليبي، وتأثيرا في مجرياته، إذ أن القاهرة كانت الوجهة الأولى لغالبية أعضاء الطاقم الجديد، المُنبثق من اجتماعات المنتدى الليبي في جنيف. والتقى عقيلة صالح أيضا وفداً مصرياً رفيع المستوى، في مدينة القبة، وناقش معه الاستعدادات الجارية لتشكيل الحكومة، بحسب بلاغ لمجلس النواب لم يُفصح عن أسماء أعضاء الوفد المصري.
تحركات بوريطة
ثم طار رئيس مجلس النواب إلى الرباط حيث أجرى محادثات مع وزير الخارجية ناصر بوريطة، المُكلف بالملف الليبي، وفي اليوم نفسه أجرى بوريطة اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، جدد فيه التعبير عن الموقف المغربي المعروف من الحل السلمي للأزمة.
وأفيد أن المغاربة شجعوا صالح على تيسير العملية السياسية، كي تكون الحكومة الجديدة «عنصر توحيد للمؤسسات والرؤى في ليبيا، لا أن تكون مرحلة لتزكية الانقسامات والتجاذبات» على ما قال الوزير بوريطة، بعد محادثاته مع صالح. وأكد المغاربة لصالح أيضا حاجة الليبيين إلى حكومة «تحظى بتزكية من البرلمان الليبي، وممثلة لجميع الأقاليم والتوجهات، من أجل إدارة المرحلة الانتقالية».
بهذا المعنى ظلت بعض دول الجوار منشغلة بأزماتها الداخلية، وخاصة الجزائر، فيما استطاع المصريون والمغاربة امتلاك بعض مفاتيح الحل الليبي، ما ستكون له تداعياته في فترة التمهيد للانتخابات العامة وما بعدها. وحجز الأتراك أيضا مقعدا في قطار الحل السياسي الليبي، من خلال العلاقات الوثيقة بينهم وبين عبد الحميد دبيبة وأوساط المال والأعمال التركية في المنطقة الغربية، وخاصة مدينة مصراتة، التي ينحدر منها رئيس الحكومة الجديد.
حضور تجاري وعسكري
وتُعتبر تركيا حاليا من أقوى المؤثرين في الأزمة الليبية، ليس فقط لكونها باتت شريكا اقتصاديا رئيسا للبلد، وبحجم أكبر مما كانت عليه في عهد معمر القذافي، وإنما أيضا لحضورها العسكري القوي، الذي مازال يتعزز بالسلاح المتدفق من القواعد التركية إلى ليبيا، والذي لم يتوقف منذ عامين، فضلا عن وجود الخبراء والمستشارين العسكريين الأتراك في قواعد ليبية مختلفة في المنطقة الغربية.
وتشكل التجاذبات بين هذه الأطراف الإقليمية والدولية ضغوطا على الطاقم الجديد، وخاصة في اختيار أعضاء الحكومة. وكشفت عضو هيأة صياغة الدستور نادية عمران وجود مثل تلك الضغوط الخارجية «القوية» على الحكومة، والتي ظهرت تجلياتها في العدد الضخم من السير الذاتية التي أرسلها أصحابها إلى رئيس الحكومة المكلف، في حركة باتت تُشبه الترشيح للمشاركة في برنامج «ستار أكاديمي». وشكلت مراعاة المحاصصات عنصر تعطيل آخر لمسار تشكيل الحكومة، التي يُفضل كثيرون أن تكون مصغرة ومعتمدة أساسا على كفاءات من التكنوقراط. لكن الثابت أن دبيبة لن يكون طليقا في اختيار من يشاء لعضوية تلك الحكومة.
إصلاحات ليبية ضرورية
يبدو أن حالة النواب في ليبيا ستتحول إلى ظاهرة تستحق الدراسة، والبحث عن حلول جذرية لها، قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وذلك استدراكاً للوضع، وحتى لا تتم إعادة إنتاج الحالة ذاتها. تلك الجهة، أي مجلس النواب، المنوط بها التشريع ومحاسبة الحكّام ومراجعة عملهم، تحولت إلى عكس مهمتها. فالنواب الليبيون هم رهن مواقف حكّام الأمر الواقع، من عسكريين ومسلحين و”بارونات” المال العام، ومَن ذهب إلى حلّ للأزمة المتراكمة، طلب منه كلّ فريق أن يكون الحلّ موافقاً لرغبات ومصالح حليفه، وإلا فلن تتم شرعنته والمصادقة عليه.
من مظاهر غرابة الحياة البرلمانية الليبية، إصرار أعضائها على البقاء في المشهد بأي شكل. فمقابل ذهاب النواب المنتخبين عام 2014 إلى الاجتماع في مدينة طبرق، شرق البلاد، للحفاظ على مكسب انتخابهم والبقاء في المشهد، رغم حكم القضاء بعدم دستورية اجتماعاتهم في تلك المدينة، عاد النواب في البرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام)، رغم انتهاء ولايتهم، للتموضع في المشهد السياسي مجدداً، ضمن مسارات الحلّ التي انتهت في الصخيرات المغربية، نهاية عام 2015. وجاء ذلك في شكلٍ برلماني جديد، ضمن المجلس الأعلى للدولة، استنساخاً لتجارب دول تعيش حالة استقرار تام، في مظهرٍ آخر من مظاهر الإصرار على البقاء.
ورغم قراءة المراقبين لوجود مجلس الدولة، كآلية لموازنة قرارات مجلس النواب، وعدم احتكار الأخير للقرار في حالة الصراع، كون مجلس النواب غرفة استشارية، إلا أن السنوات التي تلت هذا الحلّ أثبتت أن البرلمانات الليبية شديدة الانشطار، وساهمت في عرقلة أي حل، بل أي مبادرة تذهب إلى إنتاج تسوية أو مقاربة للحل.
وفي الحالة الراهنة، ورغم مشاركة البرلمانيين في طرابلس وطبرق، ومجلس الدولة أيضاً، في ملتقى الحوار السياسي، عبر ممثلين لهم شاركوا في إنتاج أول سلطة موحدة بعد ست سنوات من الانقسام، لا تزال مخرجات ملتقى الحوار وسلطته الموحدة تواجه تحدي البرلمانيين مجدداً. ويأتي ذلك في شكل جديد من أشكال إعاقة الحياة السياسية، وتحديداً الصراع على رئاسة مجلس النواب، ضمن تداعيات الصراع السياسي والعسكري السابق.
وتكشف تدوينة لأحد النواب عن عسر أزمة مجلس النواب، بعدما أكد النائب عبد السلام نصية أن الحكومة الجديدة تتعرض للابتزاز من قِبل طيفٍ نيابي، طلب من رئيس الحكومة الجديدة عبد الحميد الدبيبة، القبول ببعض المقربين من طيف سياسي مُعيّن في الحقائب الوزارية الجديدة، مقابل منح حكومته الثقة.
قد يطرح خيار ذهاب رئيس الحكومة الليبية الجديدة إلى ملتقى الحوار السياسي لتقديم تشكيلته الوزارية بهدف منحها الثقة، حلاً، لكنه لن يكون أكثر من حل مؤقت سيُمكّن الحكومة من العمل، كما مكّن تفويض 100 نائب من مجلس النواب، في العام 2016، حكومة الوفاق من العمل، لكنها تحولت مع الوقت إلى طرف أساسي في الصراع الدامي.
من مهام السلطة الجديدة، مع مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء، معالجة ظاهرة الحياة البرلمانية في ليبيا، قبل الوصول إلى الانتخابات المقبلة، تلافياً لتكرار الحالة.
رئيس الحكومة الليبية المكلف يؤجل زيارته إلى المغرب
أجّل رئيس الحكومة الليبية المكلف عبد الحميد دبيبة، زيارة مرتقبة للمغرب الجمعة، بسبب انشغالاته الداخلية، بحسب مسؤول مغربي.
وقال مسؤول بالخارجية المغربية مفضلا عدم ذكر اسمه، إنه ” تم تأجيل زيارة عبد الحميد دبيبة رئيس الوزراء الليبي نظرا لانشغالاته الداخلية”.
وأضاف المسؤول أن “وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، سيستقبل رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح في وقت لاحق اليوم”. بدون ذكر تفاصيل أخرى.
والخميس، أعلنت وزارة الخارجية المغربية، أن بوريطة، سيلتقي الجمعة، عبد الحميد دبيبة، وعقيلة صالح.
وفي 5 فبراير/ شباط الجاري، انتخب ملتقى الحوار السياسي الليبي (75 سياسيا يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة) سلطة تنفيذية موحدة، على رأسها دبيبة لرئاسة الحكومة، ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي، مهمتها الأساسية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
ليبيا: مجيء السلطات الجديدة يكسر الجليد مع دول الجوار
رشيد خشـانة – مع أن رئيس الحكومة الجديد عبد الحميد دبيبة تعهد، بإجراء الانتخابات العامة في ميقاتها، ووعد بدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ماديا ومعنويا فالأمر ليس محسوما.
يتقدم مسار الحل السلمي في ليبيا بخطى وئيدة وسط إحباطات وعراقيل متعددة. ويتأكد يوما بعد آخر أن هذا المسار يحظى بدعم قوي من اللاعبين الكبار، وخاصة أمريكا وألمانيا بصفة الأخيرة قائدة للموقف الأوروبي، منذ أن وضع مؤتمر برلين، في مطلع العام الماضي، خريطة الحل السياسي في ليبيا.
في هذا الإطار أكد السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفتشا، لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، دعم بلاده المجلس الرئاسي الجديد، من أجل استكمال مراحل الحل السياسي، وفي مقدمها الانتخابات العامة المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل. وعبرت أمريكا عن الموقف نفسه على لسان سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، بعد اللبس الذي طغى على الموقف الأمريكي في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وفي السياق سارع المنفي إلى إعطاء تطمينات للدول الكبرى في شأن تنظيم الانتخابات، قبل أن يتسلم مهامه الجديدة، بينما يحتاج الأمر إلى شيء من التريث، لأن إجراء الانتخابات العامة في الميقات المحدد لها، ليس مضمونا في الأوضاع الراهنة. ومع أن رئيس الحكومة الجديد عبد الحميد دبيبة تعهد، في جانبه، بإجراء الانتخابات العامة في ميقاتها، ووعد بدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات «ماديا ومعنويا» فالأمر ليس محسوما. والأرجح أن المفوضية العليا الليبية ستلجأ إلى المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، للحصول على دعم لوجيستي لإجراء الاقتراع، وإشراكها أيضا في مراقبة سير العملية العملية وضمان سلامة النتائج.
لكن استمرار وجود قوات أجنبية وجماعات مسلحة يشكل عقبة بارزة أمام تحريك المسار السياسي، ولذلك أطلق مجلس الأمن الدولي مبادرة لإرسال مراقبين لوقف إطلاق النار في ليبيا. ولم يلبث أن أرسل الطلائع الأولى من هؤلاء المراقبين. وأتى قرار الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في هذا الشأن، تجاوبا مع رسالة وجهها إليه مجلس الأمن، أي الكبار، تضمنت توجيها بهذا المعنى. وربما يتم إدخال تعديل على تفويض الأمم المتحدة في الفترة المقبلة، لكي يستوعب هذا البعد الجديد.
من هنا فإن الأولوية ستكون في المستقبل لتثبيت هذه المقاربة التوافقية، التي جسدتها خريطة برلين، بعد مرحلة دامية من الاقتتال وغياب الأمن والاستقرار. ومن ضمن تلك المعالجة التوافقية، سيتعين على حكومة دبيبة ترتيب عودة المُهجرين والنازحين إلى مدنهم ومناطقهم الأصلية، وهي عملية معقدة وطويلة من الصعب استكمالها قبل حلول ميقات الانتخابات. وتتمثل المهمة الصعبة الأخرى بتوحيد المؤسسات الموزعة بين المنطقتين الشرقية والغربية، وفي مقدمها توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، التي يعتبر الجنرال خليفة حفتر العقبة الأكبر في طريق اجتراحها.
مبعوث جديد
ولهذا السبب وضع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم، يان كوبيش، على رأس أولوياته الاجتماع مع العسكريين في الجانبين، وقد التقى وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، وكبار المسؤولين في وزارة الدفاع في طرابلس، للبحث عن سبل تسريع تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ودعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي حققت نجاحا لم يكن متوقعا بالنظر لحساسية الموضوع. وأفيد أن الاجتماع تطرق إلى دعم الأمم المتحدة للجهود المبذولة منذ مؤتمر برلين لتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وإصلاح قطاع الأمن ونزع سلاح الأجسام المسلحة، وتسريح عناصرها أو إدماجها في المؤسستين الأمنية والعسكرية.
مصير الاتفاقات السابقة
على هذه الخلفية يتساءل مراقبون أيضا عن مصير الاتفاقات التي توصلت إليها حكومة الوفاق المنتهية ولايتها، مع عدة دول من بينها الاتفاقات العسكرية والاقتصادية مع تركيا، التي أثارت في حينه اعتراضات من أطراف ليبية طالبت بالتخلي عنها، وإن كان هذا الطلب غير واقعي.
ويشكل تهميش الجنوب وتغييب الدولة منه، وهو الذي يمثل ثلث البلاد، وقسما كبيرا من ثرواتها، تحديا كبيرا لحكومة دبيبة، بسبب خروجه عن سيطرة الدولة وحرية التحرك التي تتمتع بها الجماعات المسلحة وعصابات التهريب، فضلا عن المرتزقة الآتين من تشاد والسودان وغيرهما.
ولا تقل الملفات الاقتصادية أهمية ودقة عن الملفين السياسي والعسكري، إذ أن الانقطاعات المديدة لتصدير النفط في العام الماضي، والفوضى السائدة في الحياة اليومية، جراء شح السيولة في المصارف، زادت من قسوة العيش على المواطنين المعوزين.
وعزا محافظ المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير، في حوار نشرته صحيفة «إنديبندنت» البريطانية أخيرا، تدهور الأوضاع المعيشية إلى تراجع احتياطات ليبيا من العملات الأجنبية وتداعيات الصراع الأهلي. وبحسب الكبير فإن خريطة الطريق الرامية لانعاش المصرف المركزي، ترمي في الدرجة الأولى إلى «إنشاء أساس اقتصادي متين للحكومة الموحدة، حتى تتحسن حياة الليبيين العاديين، وتكون البلاد في موقع قوي لإجراء الانتخابات» فضلا عن مقتضيات مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتداعياتها الصحية والاقتصادية. ويؤكد الكبير أن خريطة الطريق لانعاش المصرف المركزي، ترمي إلى إنشاء «أساس اقتصادي متين للحكومة، حتى تتحسن حياة الليبيين العاديين، وتكون البلاد في موقع قوي قدر الإمكان لإجراء انتخابات كبرى».
التوزيع العادل للثروة
أما كيفية إيجاد الأساس الاقتصادي المتين فيراها الكبير من خلال ثلاث خطوات ضرورية، أولاها حل القضية السياسية لما يسمى بـ»التوزيع العادل للثروة» بين الشرق والغرب والجنوب، وهي قضية يمكن حلها عبر الإدارة السليمة للموارد، والوصول إلى مستويات أعلى من الشفافية والحوكمة.
وتتمثل الخطوة الثانية في التوحيد الكامل والنهائي للمصرف المركزي، المقسم حاليا بين مقر مركزي في طرابلس، وآخر فرعي في مدينة البيضاء (شرق). أما الخطوة الثالثة، بحسب الكبير، فهي البدء بإجراء إصلاح اقتصادي واسع من أجل تحسين مالية الدولة. وهنا يشدد الكبير، ومعه كثير من الخبراء الليبيين، على ضرورة خفض الدعم الحكومي، وزيادة حصة القطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، بدل الاعتماد شبه الكامل على إيرادات النفط والغاز.
انفراج في العلاقات مع دول الجوار
يتزامن التقدم في معالجة هذه الملفات، وإن كان نسبيا، مع تحسُن في الوضع الإقليمي، بما عزز العلاقات مع دول الجوار وخاصة الجزائر ومصر. ومن المؤشرات البارزة على ذلك موافقة الحكومة الجزائرية على معاودة فتح معبر «الدبداب-غدامس» الحدودي مع ليبيا، مع السماح بعبور السلع المصدرة إلى ليبيا. وكان رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز جراد وجه رسالة إلى وزير التجارة تقضي بفتح مركزين حدوديين مع كل من ليبيا وتونس. وأقفلت السلطات الجزائرية في أيار/مايو 2014 حدودها مع ليبيا، ما عرقل المبادلات التجارية بين البلدين، ودفع المصدرين إلى اللجوء لدولة ثالثة، وهي تونس، لإدخال السلع. وفي المقابل، عزا الجزائريون اتخاذ قرار غلق الحدود آنذاك إلى منع تسلل السلاح والإرهابيين إلى أراضيهم. غير أن تونس لم تستثمر التطورات الأخيرة في الملف الليبي، بالرغم من أنها الأقرب جغرافيا واجتماعيا، بسبب انغماس نخبها في حروب صغيرة.
أما على صعيد العلاقات المصرية الليبية فسُجل تحسن مماثل للجزائر، بعد القطيعة التي كانت قائمة بين القاهرة وحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي في طرابلس. وشكل كسر الجليد بين الجارين انعطافا مهما أعطى نتائجه باستضافة مصر اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في الغردقة، والتي أسفرت عن نتائج إيجابية، لتحصين اتفاق وقف إطلاق النار.
أتى هذا التقارب ثمرة لمسار المُلتقى السياسي الليبي في كل من تونس وجنيف، فبالرغم من دعم القاهرة لمعسكر الجنرال حفتر، أيدت نتائج الاقتراع الذي أوصل المسؤولين الجدد على رأس المؤسسات التنفيذية العليا، خاصة أنه مسار أممي انخرطت فيه جميع الأطراف الدولية والاقليمية المعنية بالملف الليبي. ولوحظ أن وزير الخارجية المصري سامح شكري اعتبر أن الوضع في ليبيا أدى إلى عبور عناصر إرهابية إلى منطقة الساحل والصحراء، ومناطق عدة أخرى من بينها ليبيا. وبحسب شكري، فإن «قدرة التنظيمات المسلحة على الحركة والتنقل وتبادل الاتصالات في ما بينها، يقتضي التنسيق الأمني وتبادل المعلومات ورفع الكفاءات والاستفادة من الخبرات المتبادلة».
ومن الامارات البارزة على مناخ التقارب الجديد بين القاهرة وطرابلس الزيارة المرتقبة لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى القاهرة، وهو الذي يتحدر من مدينة طبرق على الحدود الليبية مع مصر، وهي زيارة لم يكن أحد ليتخيلها على أيام رئاسة خالد المشري، الذي تُصنفه القاهرة في خانة «الإخوان المسلمين» لمجلس الدولة. واعتبرت مصادر ليبية هذه الخطوة «تأسيسا لمرحلة جديدة ستكون فيها شراكة في جميع الملفات» على ما أفادت بوابة «الوسط» الليبية.
والجدير بالإشارة أيضا أن أول زيارة رسمية أداها رئيس حكومة الوفاق عبد الحميد دبيبة كانت للقاهرة، ما يحمل دلالات كبيرة على إعادة رسم التحالفات وتغيير المواقع بين الأطراف الدولية والاقليمية المتداخلة في الملف الليبي. لكن الجميع يتحركون، أقلُهُ ظاهريا، تحت سقف الانجازات التي حققتها الأمم المتحدة في طريق اجتراح الحل السياسي للأزمة في ليبيا.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.