
استنكرت تركيا الثلاثاء اعتراض قوات المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا إحدى سفنها ودعت إلى إطلاق سراح أفراد طاقمها محذرة من “عواقب وخيمة” في حال استهداف مصالحها هناك. وكان “الجيش الوطني الليبي” أعلن في وقت سابق أن قواته اعترضت باخرة تجارية تركية في سواحل شرق ليبيا وجرتها إلى الميناء للتحقيق مع طاقمها.
أعلن “الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا وخصم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي تدعمها أنقرة، مساء الإثنين أنه اعترض الأحد سفينة ترفع العلم الجامايكي ويملكها تركي. فيما أدانت تركيا بشدة هذه الخطوة محذرة من استهداف مصالحها في ليبيا.
وقال “الجيش الوطني الليبي” إن الباخرة التجارية المسماة مبروكة دخلت “منطقة عمليات عسكرية” في رأس الهلال. ومن هناك تم سحبها إلى الميناء وبدأ التحقيق بشأنها. ويضم طاقمها 17 شخصا، بينهم تسعة بحارة أتراك.
وقالت وزارة الخارجية التركية إنها “تدين بشدة هذا الإجراء”. وأضافت في بيان أنه “يجب السماح للسفينة بمواصلة طريقها بدون تأخير”.
وواصل نفس البيان: “نكرر مرة أخرى أنه في حال استهداف المصالح التركية في ليبيا ستكون هناك عواقب وخيمة وسيعتبر مرتكبو (هذه الأفعال) أهدافا مشروعة”.
وقالت السلطات التركية إن السفينة تحمل إمدادات إنسانية وقد اعترضتها زوارق سريعة.
وتعيش ليبيا في حالة من الفوضى منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011 وهي اليوم منقسمة بين معسكرين متنافسين هما حكومة الوفاق ومقرها طرابلس والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وسلطة في الشرق يجسدها المشير حفتر.
وتدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني في حين تدعم الإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر قوات حفتر.
الهواجس الأمنية طغت على تعاطي إدارة ترامب مع المنطقة المغاربية
رشيد خشــانة – مع مجيء الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، في العشرين من الشهر المقبل، سيجد على مكتبه، بين ملفات أخرى، ملف العلاقات مع بلدان شمال أفريقيا، التي تتبوأ فيها الأزمة الليبية موقعا متقدما، بالنظر لما تعتبره واشنطن تهديدا لمصالحها الاستراتيجية، في ظل استمرار الحرب وعدم الاستقرار. وأبصرت السياسة الأمريكية على عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، تخبطات وإخفاقات، ستعمل الإدارة المقبلة على معالجتها وتصحيحها.
وإجمالا لم تحظ المنطقة المغاربية بمكانة متقدمة في سلم أولويات إدارة ترامب، خلافا لإدارة أوباما، التي اقتربت كثيرا من شمال أفريقيا، وأوفدت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون مرتين إلى المنطقة، وخاصة إلى تونس والمغرب، في سياق تفاعلها مع ما عُرف بثورات الربيع العربي.
غير أن اغتيال السفير الأمريكي لدى ليبيا كريس ستيفنس، وثلاثة من الدبلوماسيين الأمريكيين في مقر قنصلية بلدهم في بنغازي، في 11 أيلول/سبتمبر 2012 سدد ضربة قوية لمحاولات الاقتراب من المنطقة، وانتهى بدفع الوزيرة نفسها إلى الاستقالة في نهاية المطاف. والأكيد أن تلك الأجواء المُلبدة بالسحب، جعلت الإدارة اللاحقة، بزعامة ترامب، تتوخى الحذر في تعاطيها مع المنطقة، التي تراجع مكانها في سلم الأولويات الأمريكية. وليس أدل على ذلك من أن أقدام الرئيس ترامب لم تطأ المنطقة المغاربية طيلة ولايته الرئاسية، ولا خاطب هاتفيا أيا من زعمائها، من أجل البحث في حال العلاقات الثنائية وكيفية تطويرها.
أبرز مسؤول
من هنا طغت الهواجس الأمنية على تعاطي إدارة ترامب مع قيادات المنطقة، وليس صدفة أن آخر أبرز مسؤول أمريكي من الإدارة الحالية، زار المنطقة هو وزير الدفاع مارك إسبر، الذي جال على كل من تونس والجزائر والمغرب، في أيلول/سبتمبر الماضي، وكانت الأزمة الليبية النقطة الأولى في محادثاته مع قادة الدول الثلاث. ويُعتبر إسبر أول رئيس للبنتاغون يزور الجزائر منذ 15 عاما، ما يدل على عودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة. وكشف إسبر في تصريحاته أنه أتى في إطار خطة لمواجهة التوغلين الروسي والصيني في المنطقة، مع التركيز على الروس في الدرجة الأولى.
والثابت أن دخول مقاتلين من الشركة الأمنية الروسية الخاصة “فاغنر” المعروفة بقربها من الكرملين، حلبة الصراع في ليبيا، شكل انعطافا في مسار الحرب الأهلية الليبية، إذ استُقبل بامتعاض وقلق شديدين في واشنطن. وساهم انخراط هؤلاء المقاتلين، المتمرسين على الحرب، في تغيير موازين المعركة بين قوات الجنرال خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. وفي هذا السياق انتقد مسؤولون أمريكيون، على هامش جولة إسبر، ما سمَوها “الأنشطة الخبيثة للصين وروسيا في القارة الأفريقية”. كما ناقش إسبر مع زعماء البلدان الثلاثة التهديدات الأمنية التي تشكلها التنظيمات المسلحة على استقرار المنطقة، وفي مقدمتها تنظيما “داعش” و”القاعدة”.
قلق لدى الشيوخ
ويمكن القول إن الكلام الذي وجهه الوزير إسبر إلى زعماء البلدان الثلاثة التي زارها، كانت صدى لشعور القلق الذي عبر عنه أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي، بعدما سُجل من خروق لحظر إرسال الأسلحة إلى المتحاربين في ليبيا. وقال أعضاء من المجلس، في نقد غير مباشر لسياسة الإدارة في الملف الليبي، إنهم قلقون، بشكل خاص، بشأن دعم الإمارات للجنرال خليفة حفتر. واستدلوا بصور لرحلات طيران إماراتية نحو مناطق خاضعة لسيطرة الجنرال المتقاعد. واتهمت الولايات المتحدة روسيا أيضا بتزويد قوات القيادة العامة (حفتر) بأسلحة ومقاتلين، وهو ما نفاه “الكرملين”. لكن واشنطن ما زالت تغض الطرف على بواخر الأسلحة التي ترسلها تركيا، حليفتها في “حلف شمال الأطلسي” إلى كل من طرابلس ومصراتة.
وتتجلى هذه الازدواجية في حرص أمريكا على العلاقة مع حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي، بوصفهما إحدى مخرجات اتفاق الصخيرات، في مقابل برود علاقاتها في المنطقة الشرقية مع حفتر، منذ هزيمة قواته وانسحابها من المنطقة الغربية. وبالعودة إلى موقف الرئيس المنتهية ولايته ترامب، الذي كان من المؤيدين لحفتر، لدى إطلاق هجومه على طرابلس في 4 نيسان/أبريل 2019 يتجلى التباعد الصامت الذي كان قائما بين خط وزارتي الخارجية والدفاع من جهة وخط الرئاسة من جهة ثانية. ولم يتوان ترامب عن مهاتفة حفتر، بعد أيام من انطلاق الهجوم على العاصمة طرابلس، ما اعتُبر تأييدا رسميا للعملية.
ضغوط من الكونغرس
غير أن الخارجية كانت قد انتهجت طريقا آخر بسبب خشيتها من تداعيات تحالف حفتر مع موسكو، وفتح الطريق أمام توغل عناصر شركة “فاغنر” في بلد يُسيطر على ألفي كيلومتر من سواحل البحر المتوسط. وأتى هذا التعديل ثمرة لضغوط مارستها مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) على الوزارة، من أجل اتخاذ تدابير تحدُ من تدفق السلاح وتعاقب المخالفين لقرارات الحظر الأممية. وشدد الأعضاء على ضرورة التثبُت مما إذا كانت هناك أسلحة ومعدات أمريكية الصنع تستخدم في القتال بين الليبيين. ويرمي التركيز على هذه المسألة إلى كون الأمريكيين يستعدون لبيع خمسين طائرة عسكرية متطورة من طراز “أف 35” للامارات “الشريك المفضل للبنتاغون” على ما تقول صحيفة “واشنطن بوست” ما يعني أنها قد تستخدم في ليبيا.
أكثر من ذلك، انتقد ثلاثة أعضاء بارزون في الكونغرس، وهم بيرني ساندرز وكوري بوكر وجين شاهين، في رسالة إلى وزير الخارجية بومبيو، الشهر الماضي، تراخي الإدارة الحالية في مجال مراقبة تدفق السلاح إلى ليبيا، مُعتبرين أن الخطوات العملية التي اتخذتها في هذا المضمار قليلة، ومُطالبة بفرض عقوبات صارمة على منتهكي الحظر. وأشار الأعضاء الثلاثة في رسالتهم، التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن تعهدات الدول التي التزمت بتنفيذ الحظر لم يعقبها تنفيذ، وذكرت بالاسم تركيا وروسيا والامارات.
وتبلورت السياسة الأمريكية إزاء منطقة شمال أفريقيا، وبالأخص اتجاه الملف الليبي، من خلال الوثيقة الإطارية التي أطلق عليها عنوان “القانون الأمريكي لتحقيق الاستقرار في ليبيا” الذي صدق عليه الكونغرس. وتؤكد الوثيقة على أنه لا حل عسكريا للصراع في ليبيا، وأن التقسيم أرضية خصبة لانتشار الإرهاب. واعتبر مشروع القانون أن خدمة المصالح الأمريكية تتحقق عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق يشجع الأمريكيون دول الجوار على لعب دور أكبر في تجسير الفجوة بين الليبيين، والعمل على إنهاء الحرب، والاتجاه نحو انتخابات عامة، طبقا لمخرجات “الملتقى السياسي الليبي” في تونس الشهر الماضي.
لا بل إن بعض أعضاء الكونغرس أكدوا أنه إذا ما أريد لمحادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة أن تنجح، فيجب تطبيق حظر السلاح. غير أن الأوساط الأمريكية العليمة لا تتوقع أن يُوقع ترامب على مشروع “قانون الاستقرار في ليبيا” قبل مغادرته البيت الأبيض، في العشرين من الشهر المقبل. وعزوا السبب إلى أن المشروع يقضي بمعاقبة منتهكي الحظر، وكل من يدعم الجماعات المرتزقة، وأن الإمارات ستكون من أول الأطراف التي ستلاحقها تلك العقوبات. واستدل الأمريكيون برصد رحلات طيران إماراتية وصلت إلى المناطق التي يسيطر عليها الجنرال حفتر، بالإضافة لوجود استعدادات لنقل أكثر من ألف مرتزق من السودان وتشاد إلى الشرق الليبي.
الذراع الأمريكية
ويمكن القول إن كلا من الخارجية والبنتاغون وضعا هذه التوجهات على سكة التنفيذ، إذ بات واضحا أن رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالوكالة ستيفاني وليامز هي الذراع المُنفذة لهذه السياسة المُتبلورة، مدعومة بالسفير الأمريكي لدى ليبيا نورلاند. كما بات واضحا أيضا أن واشنطن أحبطت الجهود الرامية إلى تعيين خليفة للدكتور غسان سلامة (قبل أن يتم التوافق أخيرا على مرشح بلغاري) لكي تبقى متحكمة بمسار الحوار الليبي الليبي. ويختلف هذا النهج جذريا عن السياسة التي سلكها ترامب في الفترة الأولى من ولايته الرئاسية، إذ لم يتوان عن منح وكالة لإيطاليا لتمثيل السياسة الأمريكية في ليبيا، وقال لرئيس الوزراء الايطالي السابق ماتيو رينزي، لدى استقباله في البيت الأبيض، إنه يدعم الحليف الايطالي، ما حفز الايطاليين على عقد مؤتمر في باليرمو لتسوية الأزمة في ليبيا، إلا أنه أخفق بسبب غياب حفتر.
مكافحة الجماعات الإرهابية
وعدا عن الملف الليبي ركزت إدارة ترامب في علاقاتها مع البلدان المغاربية على تطوير التعاون العسكري والتنسيق الاستخباراتي، وهو ما تجلى من خلال نوعية المسؤولين الأمريكيين الذي زاروا المنطقة في السنوات الأخيرة، وهم وزير الدفاع وقادة قوات “أفريكوم” (القيادة العسكرية لأفريقيا). ويحرص الأمريكيون على تعزيز التنسيق مع الجزائر في ملف انتشار الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، لسببين رئيسين أولهما أن الجزائريين يملكون أحد أقوى الجيوش في أفريقيا، وإن ظل الدستور طيلة عقود يمنع القيام بمهام عسكرية في الخارج، وثانيهما الخبرة التي اكتسبها الجزائريون في مكافحة الجماعات المسلحة، منذ تسعينات القرن الماضي.
أما مع المغرب، فاستطاع الأمريكيون في عهد ترامب أن يُطوروا العلاقات العسكرية ببيع طائرات حربية وعتاد عسكري، إلى جانب التنسيق الأمني الذي يعتبره الجانبان “نموذجيا”.
والأرجح أن علاقات واشنطن مع البلدان المغاربية ستتعزز في ظل رئاسة جو بايدن، بحكم مقتضيات الحرب المشتركة على الإرهاب، وأيضا التنسيق مع المغرب وتونس في الجهود الرامية لإنهاء الصراع في ليبيا، بالاضافة للسعي المستمر لاحتواء التمدد الاقتصادي للصين والتمدد العسكري لروسيا في شمال أفريقيا.
الجولة الرابعة من الحوار بين طرفي الصراع الليبي تُسمي رئيس حكومة جديدا
رشيد خشـــانة – بدأت تحوم شكوك حول انعقاد الاجتماعات التشاورية المقرر انطلاقها غدا في مدينة غدامس، بعد دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة رسمية للمجلس في بنغازي غدا، بغية إحباط مسار غدامس.
يُعاود المتحاورون الليبيون اجتماعاتهم، غدا، في مدينة غدامس جنوب غرب العاصمة طرابلس، فيما حسم التصويت عقدة آلية انتخاب رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة. وعقد الواصلون إلى غدامس اجتماعات تشاورية في انتظار التحاق بقية المشاركين بزملائهم، لعقد الجلسة الرسمية. ويُتوقع أن يصل اليوم عشرون مشاركا، بعدما اختتمت الأربعاء الجولة الرابعة من الحوار بين طرفي الصراع الليبي، في مدينة طنجة المغربية. وكشفت مصادر إعلامية مغربية أن وفدا مغربيا سيكون حاضرا في الاجتماع المرتقب لمجلس النواب في مدينة غدامس، “دعما لجهود المصالحة الوطنية” بين البرلمانيين المتصارعين، وهي خطوة لم تقم بها دول الجوار الأخرى.
وكان أكثر من 120 عضوا من مجلس النواب الليبي بشقيه في طرابلس وطبرق (شرق) شاركوا في الاجتماعات التشاورية في طنجة، للبحث في الإعداد للانتخابات العامة المقررة لكانون الأول/ديسمبر من العام المقبل، في إطار التأسيس لدولة مدنية حديثة. وأفادت أوساط البعثة الأممية أن الموفدة الأممية بالوكالة، ستيفاني ويليامز أجرت اتصالا هاتفيا مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قبل انطلاق جلسات الحوار في غدامس (التي لن يحضرها الأخير) طالبته فيه بدعم المسار السياسي واتخاذ جميع الخطوات التي تساعد في الوصول إلى حلول.
وكان المجتمعون ناقشوا على مدى يومين مسألة دقيقة تخص آلية تولي المناصب العليا في المؤسسات السيادية، ومنها المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي وهيأة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة ومنصب النائب العام. كما بحثوا مسار وضع دستور في غضون ستين يوما، علما أن “لجنة الستين” المكلفة بكتابة مسودة دستور، أنهت أعمالها منذ 2017 ولم يتقرر ما إذا كان المشروع، الذي أعدته بالتوافق بين أعضائها، سيُعرض على الاستفتاء، أم سيتم التصويت عليه من ثلثي أعضاء البرلمان.
الآلية الثانية
أما في موضوع آلية انتخاب رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي، ففازت في الأخير الصيغة الثانية من بين تسع آليات مقترحة. وهي تقضي بتسمية رئيس الحكومة عن طريق تصويت الأعضاء، وليس المجمعات الانتخابية، وذلك من خلال جولتين، على أن يكون ذلك أمام الجلسة العامة للجنة الحوار السياسي. وأجريت الخميس عملية الاقتراع الفردي على آلية اختيار رئيسي المجلس والحكومة الجديدين، بمشاركة أعضاء لجنة الحوار السياسي الخمسة والسبعون. وأفاد مشاركون في الاقتراع، أن البعثة الأممية اتصلت بكل عضو من المشاركين في الحوار، بشكل منفرد، لتسمع رأيه على أن يُصوت أيضا بورقة مكتوبة. وأدى اختيار الأعضاء للآلية الثانية، من بين تسع، إلى تضاؤل فرص وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا بالفوز بمنصب رئيس الحكومة المقبل، بعدما كان يُعتبر الأوفر حظا للفوز به. وقام باشاغا، الذي يتحدر من مدينة مصراتة ذات النفوذ السياسي والاقتصادي الكبير، والمقرب من جماعة الإخوان المسلمين، بجولات في الفترة الأخيرة، على عواصم اقليمية ودولية مُتداخلة في الصراع الليبي، وهي مبادرة اعتُبرت حملة انتخابية لضمان المقبولية لدى الأطراف الخارجية المؤثرة في الملف الليبي.
من جهة أخرى قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بمناورة قد تؤثر سلبا في اجتماعات غدامس، بدعوته أعضاء المجلس إلى اجتماع غدا الاثنين في المقر الدستوري للمجلس ببنغازي، ما اعتبره بعض النواب محاولة للتشويش على لقاء غدامس بُغية إفشاله.
وسيحدد مستوى الاستجابة للدعوة قوة الارباك التي يتمتع بها صالح، المتحالف مع الجنرال حفتر. غير أن وصول قرابة مئة نائب إلى غدامس الجمعة يُظهر أن فرص نجاح المناورة ستكون محدودة على الأرجح. ومن المفارقات أن ملتقى ليبيا- ليبيا كان مقررا أن يُعقد في غدامس بين 14 و16 نيسان/ابريل 2019 لإيجاد حلول سياسية للأزمة، وأن الجنرال حفتر قوضه بإطلاق هجومه على طرابلس، قبل عشرة أيام من الميقات المحدد له، وبعدما أمضى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم المستقيل غسان سلامة قرابة السنة في الاعداد له.
سباق أمريكي روسي
ولوحظ أن هناك سباقا أمريكيا روسيا في الفترة الأخيرة لتكثيف الحضور السياسي والاقتصادي في ليبيا، وقد تجلى من خلال الاتصالات التي أجراها نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، مع سياسيين ومسؤولين ليبيين لبحث تطورات الوضع، في ضوء جولات الحوار الأخيرة، في تونس وطنجة. ويشغل بوغدانوف منصب الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط والدول الأفريقية. وفي خط مواز رعى السفير الأمريكي لدى ليبيا رتشارد نورلاند، التوقيع على اتفاق تعاون بين وزارة المال في حكومة الوفاق الوطني والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويرمي الاتفاق إلى تقديم الدعم للسلطات الليبية من أجل تعزيز الشفافية المالية وتحسين إدارة المالية العامة، وبالأخص تمكين البلديات من لعب دور أكبر في تقديم الخدمات للجمهور الليبي، في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك الجنوب، حيث مؤسسات الدولة شبه منهارة.
لكن مراقبين استغربوا من العبارات التي استخدمها السفير الأمريكي في معرض تقديم النُصح للسلطات الليبية حول كيفية إدارة الملفات الاقتصادية، إذ بارك نورلاند الترتيبات الجديدة ، التي تم بموجبها تجميد إيرادات بيع النفط والغاز، ووضعها تحت إدارة غير سياسية، كإجراء “مؤقت واستثنائي” في انتظار أن تبت لجنة الحوار الاقتصادي، المتفرعة من مسار برلين هذا الملف. أكثر من ذلك دعا السفير إلى عقد اجتماع لكبار التكنوقراط وصناع السياسات الليبيين، لإجراء حوار حول التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد.
ومن المقرر أن يُتخذ قرار نهائي في هذه المسألة على صعيدي ملتقى الحوار الليبي ولجنة الحوار الاقتصادية، اللذين تُيسرهما الأمم المتحدة. غير أن البعثة ورئيستها الأمريكية ستيفاني وليامز كانتا محل انتقادات شديدة من أطراف سياسية ليبية، اعتبروا أنها تغض الطرف عن استمرار تدفق السلاح على ليبيا، خصوصا من تركيا. وانتقد عضو مجلس النواب سعيد امغيب تعاطي البعثة الأممية مع التدخل التركي في ليبيا، مؤكدا أنها “ترى وصول الأسلحة إلى ليبيا ولا تتخذ أي خطوات حيال الأمر” مشددا على ضرورة أن تتخذ “بعض الخطوات الجادة” لتنفيذ القرارات التي اتخذها البرلمان في هذا الشأن.
عاصفة من الانتقادات
وأثارت الكلمة التي ألقتها وليامز الأربعاء في جلسة المشاورات عاصفة من الامتعاض لدى حكومة الوفاق، بعدما أكدت رئيسة البعثة أن ليبيا تضم حاليا عشر قواعد عسكرية أجنبية في مناطق البلد المختلفة، و20 ألفا من القوات الأجنبية (المرتزقة) ما اعتبرته المبعوثة انتهاكا جسيما للسيادة الليبية. وسرعان ما أتى الرد على تلك التصريحات من حكومة الوفاق، في لهجة غير معتاد عليها بين البعثة و”الوفاق” التي قالت في بيان صحافي “كان ينبغي على رئيسة البعثة بالوكالة أن تسمي الأشياء بمُسمياتها وتوضح من بدأ بإدخال السلاح إلى ليبيا وجلب المرتزقة وهجم على العاصمة في حضرة الأمين العام للأمم المتحدة” في إشارة إلى زيارة غوتيريس للجنرال حفتر في مقره بالرجمة، قبيل إطلاق الأخير هجومه على طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان 2019. وانتقدت “الوفاق” بشكل خاص حديث وليامز عن وجود “طبقة من الفاسدين المصممين على البقاء في السلطة” من دون إيضاح الجهة التي تقصدها. وتجدر الاشارة إلى أن وليامز، التي خلفت، عمليا، الموفد الأممي السابق إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، ستغادر منصبها الحالي قريبا، بعد انتهاء فترتها القانونية.
وتتزامن هذه الانتقادات النادرة للدور الأممي، مع ما كشف عنه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مذكراته عن ملابسات مشاركته، مع كل من الفرنسي نيكولا ساركوزي، والبريطاني ديفيد كامرون، في الاطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي في 2011 تحت غطاء الحلف الأطلسي. واعتبر أوباما أنه ارتكب أسوأ خطأ عندما لم يضع خطة لمرحلة ما بعد سقوط القذافي، ومتابعة الأوضاع في أعقاب انتهاء العمليات العسكرية، ما أدى إلى حالة فوضوية.
والأرجح أن الرئيس المنتخب جو بايدن على هذا الرأي أيضا، إذ كشف أوباما أن بايدن، الذي كان نائبه في تلك الفترة، لم يكن متحمسا للتدخل العسكري في ليبيا، ما يؤشر إلى توقع تعديل في الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية في ظل الادارة الجديدة. غير أن ملامح هذا التعديل لم تتوضح بعدُ.
في هذه اللوحة الداكنة، تبرز بعض النقاط المضيئة، بينها ارتفاع إيرادات النفط والغاز والمنتجات النفطية بنسبة 204 في المئة في الشهر الماضي، بعدما كان الانتاج مُعطلا على مدى شهور، بسبب احتلال قوات تابعة للجنرال حفتر، بينها عناصر من شركة “فاغنر” الحقول والموانئ النفطية. ويُحيل ملف النفط والغاز على الموقفين الفرنسيي والايطالي من مسار السلام الليبي، كونهما تملكان أكبر مجموعتين نفطيتين تعملان في البلد، وهما “توتال” و”إيني”. ولوحظ أن باريس وروما تجاوزتا مناكفاتهما السابقة في شأن من المسؤول عن تدهور الأوضاع في ليبيا، وعادتا إلى التنسيق من خلال اجتماع لوزيري خارجيتهما خاص بالملف الليبي. كما نسق الطرفان مع مصر، التي لها القدرة للسيطرة على عقيلة صالح. وسيبقى الملف الليبي مفتوحا على جميع التداخلات الخارجية طالما لم يتم الاستفتاء على دستور، ومن ثم إجراء انتخابات عامة تأتي بسلطة قوية بشرعيتها المستمدة من صندوق الاقتراع.
ليبيا: القوى العظمى تتسابق لأخذ حصصها من “الكعكة” على وقع الخلافات بين المتحاورين
رشيد خشانة – في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا المستجد في الجسم الليبي، تتسابق القوى العظمى لانتزاع “حصصها” من سوق إعادة الإعمار، وسط تقدم وئيد للمحادثات السياسية داخل ليبيا وخارجها.
حذر مدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض الدكتور بدر الدين النجار من أن مدن طرابلس ومصراتة وزليتن تشهد انتشارا مجتمعيا للفيروس، ما تسبب في تسجيل مئات الحالات في تلك المدن، مُلوحا باللجوء إلى الإغلاق العام في حال استمرار تفاقم الوضع الوبائي. ومن آخر ضحايا الفيروس رئيس أركان الجيش الأسبق يوسف المنقوش، وقبله قائد قوات الصاعقة اللواء ونيس بوخمادة.
بموازاة ذلك، تفاقمت الهجمات المسلحة في الفترة الأخيرة على مؤسسات تمثل هياكل سيادية، في مقدمها المؤسسة الوطنية للنفط، التي هاجمت جماعة مسلحة مقرها المركزي في العاصمة طرابلس، على إثر خلاف بين رئيسها مصطفى صنع الله وحاكم مصرف ليبيا المركزي صديق الكبير. كما أعلنت الشركة العامة للكهرباء أن مجموعة خارجة عن القانون، لم تُسمها، هاجمت محطة الرويس واعتدت بالضرب على مشغليها وهددتهم بالقتل. وأوضحت أن المجموعة أجبرت مشغلي المحطة على فصل بعض الخطوط الرئيسية، وأطلقت وابلًا من الرصاص على أجهزة المحطة، ما أدى إلى تلفها وخروجها من الخدمة. وليست هذه العملية الأولى التي تتعرض فيها محطات الكهرباء في ليبيا لأعمال عنف وتعدٍ على مشغليها.
وفي معلومات مصادر ليبية مطلعة أن محاولة الاقتحام التي قام بها مسلحون للدخول عنوة إلى مبنى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، أتت على خلفية تغييرات إدارية جرت في رئاسة وعضوية لجان الإدارة في شركات نفطية تابعة للمؤسسة.
وفيما أكد وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا الخميس أن الوزارة تعمل على إحياء مشروع تركيب آلات متطورة لتحديد البصمة، بُغية ضبط الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، بالإضافة إلى تركيب منظومة متطورة للتعرف على الوجوه البايومترية، من أجل تحسين مستوى العمل الأمني، ما زالت الميليشيات هي المسيطرة على الميدان، مُمتنعة عن نقل أسلحتها إلى خارج المدن والمناطق الآهلة بالسكان. لا بل إن الاشتباكات ما زالت تندلع من وقت إلى آخر بين تلك الميليشيات، ومنها المعارك التي حدثت في الأيام الأخيرة بين فصيلين مسلحين في سبها (جنوب).
والظاهر أنه لا مجال للقضاء على الجماعات المسلحة سوى بمعاودة بناء مؤسسات الدولة، وفي مقدمها الجيش الاحترافي، الذي تتدرب قواته حاليا في إيطاليا وتركيا وفرنسا. وتتمثل العقبة الكأداء في هذا الطريق في ترجمة مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس إلى قرارات تُعيد تشكيل أجهزة الحكم. وطُرحت خلال الجلسات الافتراضية بين المشاركين ورقة تحمل عنوان “الخيارات المتاحة لآليات الاختيار” ومن ضمن ما اقترحته آلية تمكن من اختيار المجلس الرئاسي، الذي سيكون مؤلفا من ثلاث شخصيات، هي الرئيس ونائبيه، ورئيس وزراء منفصل.
وتمنح هذه الصيغة دورا محوريا للمجمعات الانتخابية، على أن يحصد المرشح ما لا يقل عن خمس تزكيات. أما بالنسبة للحكومة فتتم تسمية المرشحين من خلال جميع الأعضاء المشاركين في الملتقى، ثم يجري التصويت العام عبر جولتين. وهناك خيار آخر يتمثل في وضع قائمة بأربعة أسماء تشير بوضوح إلى المرشحين لمنصب رئيس الوزراء ورئيس المجلس الرئاسي ونائبيه، يرشحهم ما لا يقل عن خمسة عشر عضواً من المشاركين، ثم تقوم الجلسة العامة بالتصويت عبر جولتين على نحو يُمكن من اختيار القائمة الفائزة، وإذا تم تقديم قائمتين فيتم التصويت في جولة واحدة، أما إذا تم ترشيح قائمة واحدة فتعتبر فائزة تلقائيا.
وبعد محاولات من أعضاء مجلس النواب بجناحيه الشرقي (طبرق) والغربي (طرابلس) للاتفاق على آليات اختيار رؤوس السلطة التنفيذية، خلال الاجتماعات التشاورية، التي استضافتها أخيرا مدينة طنجة، بقيادة ستيفاني وليامز، تعذر الوصول إلى توافق، فأرجئ البت في الأمر إلى اجتماع سيُعقد الأسبوع المقبل في مدينة غدامس (جنوب غرب) التي تقع في نقطة تجمع بين الحدود التونسية والجزائرية مع ليبيا.
شبهات تلقي رشى
في غضون ذلك، حامت حول بعض المشاركين الخمسة والسبعين في جولات الملتقى السياسي الليبي، شبهات تلقي رشى، ما حمل وكيلة رئيس بعثة الدعم الأممية ستيفاني وليامز على إحالة التقارير التي تتحدث عن تلك الشبهات على فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، وتواصلت في الآن نفسه مع القائم بأعمال النائب العام الليبي للتثبت من دقة الشبهات. وتوعدت من تثبت في حقهم التهمة بعقوبات لم تُحددها.
ظل موضوع مكافحة الفساد عنوانا بارزا ضمن التطورات الأخيرة، بعدما اعتقلت الأجهزة الأمنية مدير مطار مصراتة (غرب) بسبب سماحه بدخول علي ساسي، المدير التنفيذي السابق لشركة الكهرباء دون توقيفه، مع أن مكتب النائب العام أصدر أوامره منذ أكثر من ثلاثة شهور بضبطه ومنعه من السفر، إلى جانب 16 مسؤولا آخرين من الشركة، على رأسهم الرئيس السابق لمجلس الإدارة عبد المجيد حمزة. وأفادت بوابة “الوسط” الليبية أن مكتب النائب العام يسعى للوقوف على أسباب أزمة الكهرباء، بناءً على ما ستُسفر عنه نتائج التحقيقات، للتأكد من السلبيات التي قد تكون شابت عمل إدارة الشركة العامة للكهرباء والأضرار الناجمة عن سوء الإدارة.
أكثر من ذلك طاولت الشبهات رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، الذي نفى بشدة الاتهامات، فيما أصدر ديوان المحاسبة بيانًا، عبر منصته الرسمية، نفى فيه أيضا ما تداولته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مُكذبا (أي الديوان) أنه نشر تقريرًا يتضمن طلبًا لإحالة السراج، ومسؤولين آخرين، إلى التحقيق في قضايا فساد. واعتبر أن نشر مثل هذه التقارير، في هذا التوقيت، “ما هو إلا لتسوية حسابات سياسية معينة” من دون إيضاحات.
صفقات…صفقات
تحت جُنح انشغال الرأي العام الليبي بمجريات العملية السياسية، في أكثر من محور من المحاور والمسارات المُنبثقة من مؤتمر برلين، تحُثُ القوى العظمى الخطى للاستحواذ على “حصصها” من سوق إعادة الإعمار. وقد برز ذلك في لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح في موسكو، الثلاثاء الماضي، حيث كان في زيارة رسمية، تلبية لدعوة من مجلس الدوما. وأبى لافروف إلا أن يُعبر للمسؤول الليبي عن عزم الشركات الروسية والمستثمرين الخواص على “استئناف أنشطتهم في ليبيا، بعد تطبيع الوضعين العسكري والسياسي، على أساس المنفعة المتبادلة” حسب ما نقل عنه الإعلام الروسي. وكان متوقعا أن تسعى موسكو إلى قطف ثمار وقوفها إلى جانب صالح وحليفه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، عن طريق آلاف المرتزقة الروس، الذين أرسلتهم تحت غطاء الشركة الأمنية “الخاصة” فاغنر، ما أدى إلى تغيير الموازين العسكرية لغير صالح حكومة الوفاق الوطني.
وسعى الأتراك، غرماء الروس في ليبيا، إلى حصد مكاسب مماثلة، لكن من خلال القطاع الخاص، إذ وقع المجلس الليبي لرجال الأعمال مذكرة تفاهم مع منظمة “الموصياد” التركية (اتحاد رجال الأعمال) لمناسبة حضور وفد من المجلس الليبي لرجال الأعمال فعاليات معرض “الموصياد” التجاري في اسطنبول. وما مذكرة التفاهم هذه سوى بداية، فالمجموعات التجارية والصناعية التركية وضعت بعدُ قدما ثابتة في أسواق الغرب الليبي، مسترجعة بعض مواقع انتشارها على أيام معمر القذافي.
أما الأمريكيون فينظرون إلى ليبيا من الزاوية الاستراتيجية أكثر من نظرتهم لها من زاوية الصفقات التجارية أو مشاريع إعادة الإعمار. ومن ضمن هذه الرؤية ركز التقرير رُبع السنوي لمكتب المفتش العام بوزارة الخارجية الأمريكية، المقدم إلى الكونغرس، على تتبُع تحركات كل من “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش” في ليبيا. لكن توقعات المبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا جوناثان واينر، بأن تعتمد إدارة بلاده الجديدة، بقيادة جو بايدن، مقاربة “براغماتية في ليبيا بدل التجاهل زمن إدارة ترامب” تُعتبر نظرة بعيدة عن الواقع، لأن واشنطن عادت إلى ليبيا ما أن تبلورت مؤشرات التدخل الروسي عبر”فاغنر” في 2017. وكانت غادرتها بعد مقتل سفيرها كريستوفر ستيفانز في مدينة بنغازي يوم 11 ايلول/سبتمبر 2012 على أيدي عناصر تنظيم “أنصار الشريعة” وهي العملية التي أطاحت بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بعد بضعة شهور. والأرجح أن السياسة الأمريكية ستستمر على الخط الذي سارت عليه حتى اليوم، والذي يُناقض موقف الرئيس المنتهية ولايته ترامب، الذي هاتف حفتر، بعد إطلاق هجومه على طرابلس، ليدعمه معنويا.
بالمقابل كان الخط السياسي، الذي سلكته وزارة الخارجية مختلفا، إذ غضت واشنطن الطرف عن التدخل التركي، الذي أعاد التكافؤ إلى الميزان العسكري، في سياق استراتيجيتها الرامية لاحتواء التمدد الروسي في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا. وربما ستكون إضافة الإدارة الديمقراطية المقبلة، متمثلة بمزيد من الاهتمام بجرائم الحرب والاعتداءات على حقوق الإنسان في ليبيا، كي لا ينعم مرتكبو تلك الجرائم بالإفلات من العقاب.
من هنا يشكل تعيين أنتوني بلينكين وزيراً للخارجية تعزيزا لهذه المقاربة، لاسيما أنه سيعتمد على خبير في الشؤون الليبية على عهد الرئيس السابق أوباما، هو جاكوب سوليفان، الذي “يملك” ملفات المنطقة، وبالأخص الملف الليبي. ولذلك، فالأرجح أن أمريكا ستسلط مزيدا من الضغط على المتحاورين الليبيين، كي يقدموا تنازلات متبادلة تفتح الطريق لإجراء انتخابات عامة في الميقات المتفق عليه، أي في غضون ثلاثة عشر شهرا.
ليبيا: وضع أمني هش والتعزيزات العسكرية مستمرة رغم اتفاق وقف إطلاق النار
رشيد خشانة – رغم التقدم الذي حققته اجتماعات اللجنة العسكرية، بوصفها أحد مسارات برلين الثلاثة، فإن الأصابع لم تبتعد عن الزناد هنا وهناك.
من يعتقد أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها في ليبيا، وأن مصراعي باب الاقتتال أغلقا بإحكام، ليتركا مكانهما لتسوية سلمية، على أساس مخرجات مؤتمر برلين وملتقى تونس، فهو واهم. السلاح ما زال يتدفق، من روسيا ومصر، بتمويل إماراتي، على القوات الموالية للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، المتمركزة بكثافة في محور سرت-الجفرة، بينما تستمر تركيا بتسليح القوات المؤيدة لحكومة الوفاق وتدريب ضباطها.
وعلى الرغم من التقدم الذي حققته اجتماعات اللجنة العسكرية، بوصفها أحد مسارات برلين الثلاثة، فإن الأصابع لم تبتعد عن الزناد هنا وهناك. ومن الواضح أنه لولا الضغط القوي الذي مارسه الأمريكيون على المتحاورين في تونس، لتعذر تحقيق توافق على كثير من الخطوات البناءة التي قُطعت، وهو ما لم يكن مضمونا لو كانت الجهة الضاغطة هي فرنسا أو إيطاليا مثلا. وكان الضغط الأمريكي لافتا، سواء عبر رئيسة البعثة الأممية بالوكالة ستيفاني وليامز، أم عن طريق الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين تحركوا بكثافة في كواليس ملتقى الحوار الليبي، وقد حظرت الأمم المتحدة على الإعلاميين التواصل معهم.
ولوحظ أن الموفدة الأممية أدانت بأشد الكلمات اغتيال المحامية والناشطة الحقوقية البارزة حنان البرعصي، في بنغازي، على أيدي عناصر موالية لحفتر، معتبرة أن مقتلها “يُبين بجلاء التهديدات والمخاطر الشخصية التي تواجهها المرأة الليبية بسبب المجاهرة برأيها”. وهذه الجريمة هي واحدة من سلسلة عمليات مشابهة، أشهرها اختطاف النائبة والطبيبة النفسية سهام سرقيوة من بيتها وضرب زوجها. ولم يُعرف مصيرها إلى اليوم.
في هذه الأجواء كان مفهوما أن الجملة المفتاحية في إحاطة وليامز إلى مجلس الأمن، الخميس الماضي، كانت قولها “إن الوضع ما زال هشا وليس هناك وقت للتهاون”. ولاشك بأنها من أكثر العارفين بدقة الوضع العسكري الراهن وحساسيته، بعد إطفاء البركان، الذي يكفي عود ثقاب لكي يثور مجددا.
ومع السلاسة الظاهرية لاجتماعات اللجنة العسكرية، التي توصلت إلى اتفاقات تحمل على التفاؤل، خاصة في غدامس وسرت، لم يباشر الجانبان سحب قواتهما من الجبهات. وما زالت قوات حكومة الوفاق مرابطة في أبو قرين والوشكة، فيما رصدت الأمم المتحدة رحلات شحن عسكرية في مطاري الوطية ومصراتة. وفي الطرف المقابل تابعت القوات الموالية لحفتر والميليشيات الداعمة لها إقامة تحصينات ونقاط عسكرية مزودة بأنظمة دفاع جوي بين سرت والجفرة، وكذلك إلى الشمال من قاعدة الجفرة الجوية. كما رصدت الأمم المتحدة نشاطا مكثفا لطائرات شحن بين مطار بنينة (بنغازي) والجفرة (جنوب سرت) وقاعدة القرضابية الجوية.
مركز مؤتمرات القذافي
في الوقت نفسه، سُجلت بوادر إيجابية من بينها أن اللجنة العسكرية أنشأت مقرها الدائم في مركز واغادوغو للمؤتمرات الشهير منذ أيام حكم القذافي. واتفق أعضاء اللجنة العشرة على إعادة فتح الطريق الساحلية بين مصراتة وسرت، مع نشر قوة أمنية مشتركة، فضلاً عن استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وبنغازي، وهو ما تم فعلا.
ويمكن القول إن هذه المؤشرات هي ما يشجع على تنفيذ أهم قرار أسفرت عنه سبعة أيام من الجلسات المكثفة في “الملتقى السياسي الليبي” في تونس، وهو إجراء انتخابات عامة يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من العام المقبل. وباشر رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح الإعداد الفني للانتخابات، فيما تعهد رئيس حكومة الوفاق فائز السراج بتأمين الاعتمادات اللازمة لتنظيم العملية الانتخابية، ما جعل وليامز تعتبر أن “البيئة باتت الآن أكثر ملاءمة لإجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية.” على ما قالت في إحاطتها الأخيرة بواسطة الفيديو، أمام أعضاء مجلس الأمن.
وزيادة على تحديد موعد الانتخابات في غضون 12 شهراً تقريباً، تحدد خريطة الطريق مواقيت نهائية واضحة تستوجب من المؤسسات ذات الصلة، القيام بالتعيينات اللازمة في المناصب السيادية، والمصادقة على رموز السلطة التنفيذية الجديدة. وفي هذا الإطار، توعدت وليامز، في صورة الإخفاق في تلك العملية، أن يعود الملتقى السياسي، مرة أخرى، إلى “اتخاذ القرارات اللازمة، تماشياً مع خلاصات برلين والقرار الأممي 2510”. وأحدثت آلية غير رسمية لمراقبة مدى تنفيذ خريطة الطريق “من أجل ضمان إجراء الانتخابات في المواعيد اللازمة” على ما ذكرت. ويرمي وضع هذه الآلية إلى الاستغناء عن فترة انتقالية جديدة مفتوحة. كما عزت هذه العملية إلى “مطلب الغالبية العظمى من الشعب الليبي، المتطلعة إلى إجراء انتخابات وطنية”.
النفط ورقة ضغط
المشهد لا يختلف أيضا على المحور الاقتصادي والمالي، فمع بداية تعافي الاقتصاد، في أعقاب معاودة تدفق النفط الخام من الحقول، نحو الموانئ النفطية على الساحل المتوسطي، فإن استعادة التوازنات المالية ستستغرق وقتا. وكان حفتر يتخذ من السيطرة العسكرية على الحقول والموانئ النفطية ورقة ضغط على الجميع، وخاصة على غريمته حكومة الوفاق، باللجوء إلى طريقة تجفيف الينابيع. في أثناء ذلك، تظل مصاعب الحياة اليومية قائمة، ومنها انقطاعات الكهرباء والماء وشح السيولة في المصارف وتراكم النفايات، ما يُضاعف من غضب المدنيين، ويجعل احتمالات اندلاع حركات اجتماعية احتجاجية واردا، على غرار المظاهرات التي اندلعت في طرابلس الصيف الماضي. ويقول الخبير الفرنسي فريدريك بوبان إن إقفال الموانئ النفطية أدى إلى نزول إنتاج البلد من المحروقات، من مليون برميل يوميا في أواخر 2019 (قبل حصار طرابلس) إلى 100 ألف برميل فقط في اليوم بعد الحصار، ما استدعى اللجوء إلى الاستيراد بأسعار باهظة، أنهكت الميزان المالي للدولة. واللافت أن ليبيا ستُبصر أول مراجعة مالية لفرعي مصرف ليبيا المركزي، منذ 2008 ومن شأن هاتين المراجعتين المتزامنتين أن ترفعا مستوى الشفافية، في إدارة الأموال العامة، بشكل كبير.
وما زال التفاوض للتوصل إلى إنشاء هيئة اقتصادية دائمة، تضمن التوزيع العادل والشفاف لعائدات النفط، يعتمد على التقدم المحرز في المسار السياسي، فبموجب ترتيبات استئناف إنتاج النفط، تتحفظ المؤسسة الوطنية للنفط (قطاع عام) على العائدات، حتى يتم التوصل إلى اتفاق في شأنها. وفيما وضع الحوار الاقتصادي الليبي- الليبي خيارات تتعلق بالسياسة العامة، لتحسين إدارة الثروات، مازال التفاوض على تكوين تلك الهيئة يشكل تحدياً، نظراً للاستقطاب بين النظامين التنفيذيين في الشرق والغرب.
عودة إلى ما قبل الحصار
وعاد إنتاج النفط الآن إلى مستويات ما قبل الحصار عند 1.2 مليون برميل في اليوم. والثابت أن إحراز تقدم في إنشاء هيئة اقتصادية دائمة وشفافة، لإدارة العائدات، من شأنه أن يساعد في دعم هذا التطور الإيجابي على الصعيد المالي، بعدما كانت السلطات في الشرق تتذرع بغياب توزيع عادل للثروة، من أجل إيقاف الإنتاج في الحقول وعسكرتها. ويمكن أن نضع في هذا السياق الاجتماع الذي عقدته رئيسة البعثة الأممية بالوكالة، يوم الاثنين الماضي في مرسى البريقة، مفتاح الهلال النفطي، مع كل من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط وقادة حرس المنشآت النفطية في الشرق والغرب، لمناقشة توحيد قوة الحرس ومعاودة هيكلتها.
مع هذا التحسن الطفيف للأوضاع الاجتماعية والأمنية، يُصبح الحديث عن إجراء انتخابات عامة، أقل سريالية مما كان قبل ملتقى تونس، بالرغم من أن كوفيد-19 ما فتئ ينتشر في ليبيا بخطوات تبعث على القلق. وقرار إجراء الانتخابات يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من العام المقبل، يحتاج، بالإضافة للسيطرة على الوباء، إلى الاتفاق على مرجعيتها الدستورية أولا. ولا يمكن أن يكون الإعلان الدستوري، الذي وضعه المجلس الوطني الانتقالي في 2011 والذي أجريت على أساسه انتخابات “المؤتمر الوطني العام” (2012) أساسا للانتخابات، مثلما اقترح البعض، لأنه صار لاغيا بالتقادم.
دستور صغير
واقترح البعض الآخر وضع دستور صغير أو وثيقة دستورية خاصة بالمرحلة الانتقالية، وهذا أيضا رأي غير واقعي، لأن المناقشات حول “الدستور الصغير” ستلتهم الحيز الزمني المُتبقي لإجراء الانتخابات. لكن من غير المفهوم صمت كثيرين عن مسودة الدستور، التي أعدتها لجنة منتخبة تمثل جميع أقاليم ليبيا، والتي ضمت ستين عضوا من خيرة الخبراء في القانون الدستوري والعلوم السياسية. ويتجاهل هؤلاء أن “لجنة الستين” فرغت من عملها، بعد عدة اجتماعات في عواصم مختلفة، وتوصلت إلى مسودة جاهزة للاستفتاء عليها، وقد أجيزت منذ يوم 29 تموز/يوليو 2019 بعدما نالت الغالبية، مُستأثرة بأصوات ثلثي أعضاء اللجنة. بالإضافة إلى هذه العقبة القانونية، هناك عقبات سياسية، من ضمنها تسريع المشاورات لاختيار رئيس حكومة جديد، والفصل بين الحكومة والمجلس الرئاسي، زيادة على تسمية رئيس المجلس، وهي مسألة جدلية لأن الخمسة وسبعين مشاركا في ملتقى تونس لم يتفقوا على آلية واضحة لاختياره، بين التعيين عن طريق التوافق أو انتخابه من قبل الخمسة والسبعين، وهو خيار يلقى معارضة شديدة من أنصار رئيس البرلمان منتهي الصلاحية عقيلة صالح عيسى.
حملة انتخابية؟
وتُرجح مصادر من المشاركين في ملتقى تونس أن وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا هو أحد المرشحين الأكثر حظا للفوز بمنصب رئيس الحكومة. ومن أجل ذلك باشر منذ فترة غير قصيرة حملة علاقات عامة، ليس فقط في اتجاه المنطقة الشرقية، من خلال زيارته لبنغازي، وإنما أيضا من خلال سفره إلى العواصم المؤثرة في الملف الليبي من القاهرة إلى باريس مرورا بروما وأنقرة والدوحة وفاليتا. وأفادت مصادر أوروبية أن باشاغا حاول إقناع الأوروبيين بأن البيئة الليبية باتت جاهزة الآن لإعلان اتفاق سياسي يجمع كل الليبيين، مؤكدا أن الجميع يتطلعون إلى قيادة سياسية واحدة “تُخرج البلد إلى بر الأمان، بعيدا عن أي (نزعات) جهوية أو مناطقية”.
بموازاة التجاذبات السياسية بين المرشحين لقيادة المجلس الرئاسي والحكومة، مع الفصل بين المؤسستين، تتفاقم الأوضاع المعيشية في مناطق ليبيا المختلفة، إذ تشير التقديرات إلى أن 1.3 مليون شخص سيحتاجون إلى مساعدة إنسانية في العام المقبل، أي بزيادة تُقدر بـ40 في المئة، قياسا على عددهم في العام الماضي. لكن هناك، بالمقابل، تطورا إيجابيا تمثل في تراجع أعداد النازحين داخل ليبيا من 426 ألف نازح إلى 392 ألفا بحسب الأمم المتحدة. ويُؤخر انعدام الخدمات الأساسية، في المناطق التي كانت مسرحا للحرب، خاصة في الضواحي الجنوبية لطرابلس، عودة النازحين إلى مناطقهم، فضلا عن مخاطر الألغام والمتفجرات التي خلفتها قوات حفتر لدى انسحابها من محيط العاصمة. لكن الألغام موجودة أيضا في مسارات برلين الثلاثة، وستوضع النخب الليبية أمام امتحان كبير لنزعها، من أجل فتح طريق آمنة للتسوية السياسية المأمولة.
أوباما يسرد في كتابه التدخل العسكري في ليبيا.. ورأيه بالقذافي
(الأرض الموعودة أو أرض الميعاد)، عنوان الكتاب الذي وضع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بين دفتيه بعض أسرار ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2008 و2016، ولأن هذه الفترة شهدت الكثير الكثير من التغيرات في منطقتنا، خاصة تزامنها مع ثورات الربيع العربي وما رافقها من تغيرات جذرية في بلداننا، كان لا بد أن تكون الأحداث التي شهدتها حاضرة في هذا الكتاب.
وفي حديثه عن التدخل العسكري في ليبيا، أكّد أوباما أنه كان هو صاحب القرار في ذلك، لا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقال إن بعض القادة العرب، اقتنعوا بضرورة سحق التظاهرات بصورة منظمة وبلا شفقة، مستخدمين العنف الضروري، ضاربين بعرض الحائط ما سيقوله المجتمع الدولي. وأعرب الرئيس أوباما عن استغرابه من موقف جامعة الدول العربية التي فاجأت الجميع بإعلانها الموافقة على تدخل دولي في ليبيا، وهو ما وصفه بالنفاق الذي شعر تجاهه بالاحتقار، وعزا السبب إلى رغبة بعض الدول بتحويل الأنظار عن خرق الحقوق الأساسية التي تمارسها بحق شعوبها.
القذافي في كتاب أوباما
وكان معمر القذافي حاضرا في كتاب أوباما وقد وصفه بأنه أبرز عرّابي الإرهاب العالمي، مستذكرا حادثة إسقاط الطائرة الأميركية بانام فوق لوكربي والتي أودت بحياة 189 أميركياً، إضافة لضحايا من 21 دولة أخرى، ولفت إلى محاولة القذافي ارتداء ما وصفها بثياب محترمة، عبر التخلي عن تمويل الإرهاب الدولي، والتخلص من برنامجه النووي الوليد، أملا باستئناف الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع نظامه، في حين لم يطرأ أي تغيير يذكر على سياساته في الداخل الليبي.
تطور الأحداث في ليبيا
ومضى أوباما باستعراض تطور الأحداث في ليبيا، وكيف أطلقت قوات أمن القذافي النار على مجموعة من المدنيين قبل أن تنتشر الاحتجاجات ويقتل فيها أكثر من 100 شخص ولم يمضِ إلا أسبوع حتى دخلت البلاد في حالة عصيان مفتوح، وسيطرت المعارضة على مدينة بنغازي، وبدأ الدبلوماسيون المؤيدون للقذافي بالانشقاق وتقديم استقالاتهم وبينهم السفير الليبي في الأمم المتحدة الذي دعا الأمم المتحدة للتدخل ومساعدة الشعب الليبي، وفي المقابل قرر القذافي إحراق كل شيء. وهكذا، ارتفعت حصيلة القتلى بحلول مارس إلى أكثر من 1000. الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية، بحسب أوباما، إلى التفكير بتوقيف القذافي ودعوته للانسحاب من السلطة بذريعة أنه ما عاد يتمتع بأي شعبية، لكن اللجوء لعمل عسكري كان مستبعدا، فتم تجميد مليارات الدولارات التابعة له ولعائلته، والضغط على مجلس الأمن لحصار ليبيا وتقديم القذافي وآخرين أمام المحكمة الجنائية الدولية، لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، وفي المقابل استمر بطش القذافي، واتجهت قواته نحو بنغازي، حيث أشارت تقارير إلى احتمال وقوع مجازر بالآلاف في حال وصل إليها.
وبدأت أصوات المطالبين بتدخل أميركي ترتفع شيئا فشيئا، بدءا بإعلاميين وبعض المنظمات غير الحكومية، وصولا إلى الكونغرس، وذلك ما اعتبره أوباما تقدما أخلاقيا بعد أن كانت فكرة إرسال قوات لمنع حكومة من قتل شعبها مستبعدة لأن عنف الدول كان أمرا دارجا. وأشار أوباما في هذه المرحلة إلى شعوره بالتردد في إعطاء الأمر بعمل عسكري في ليبيا، رغم أن غريزته كانت تدفعه لإنقاذ الأبرياء المهددين من قبل المستبدين.
دور ساركوزي
قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وبعد تعرضه إلى انتقادات سيئة لدعمه الرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي، فجأة دعم الشعب الليبي وتحالف لتحقيق ذلك مع رئيس وزراء بريطانيا دايفيد كاميرون، إذ كانا يبحثان عن تلميع صورتيهما في بلديهما، بهذه العبارات لخص أوباما الموقف الفرنسي البريطاني مما يجري في ليبيا، وأضاف أن الرجلين قررا تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن يسمح للتحالف الدولي بإقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا، غير أنها فكرة لم تكن ذات جدوى، إذ إن القذافي يستخدم بشكل شبه دائم القوات البرية، وبالتالي فإن الوسيلة الوحيدة لمنعه من الهجوم على بنغازي كانت تقتضي استهداف قواته مباشرة من خلال الضربات الجوية. وهو أمر رفضه رئيس هيئة الأركان مايك مولين ووزير الدفاع روبرت غيتس، منعا لزيادة الضغوط على القوات الأميركية في العراق وأفغانستان
التدخل العسكري
وذكر الكتاب أن مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس هي من أقنعت أوباما بضرورة التدخل العسكري، وتم بعدها عرض مشروع قرار على مجلس الأمن بتوجيه الضربات وتعطيل أنظمة القذافي، وهو ما حصل بموافقة 10 أعضاء وامتناع خمسة بينهم روسيا. ووصف أوباما رد فعل ساركوزي وماكرون بعد أن أبلغهما بقرار التدخل كمن تلقى للتوّ خشبة الخلاص التي أنقذتهما من مأزقيهما أمام الرأي العام الداخلي في بلديهما. وبعدها بأيام تم تشكيل التحالف واكتملت أركانه تحت لواء حلف الأطلسي.
أوباما هو من أعطى أمر البدء بالعملية العسكرية، من البرازيل حيث كان يقوم بزيارة رسمية حينها، وبالتالي فإن أميركا هي من اقترحت العملية العسكرية وليس بريطانيا وفرنسا، ويروي أوباما كيف تعطل جهاز اللاسلكي المخصص لاتصاله مع قيادة الأركان ما اضطره للاتصال من خلال هاتف عادي ربما استخدم لطلب البيتزا أكثر من مرة، مع أحد مستشاريه العسكريين مانحا الإذن ببدء العمليات، وكانت تلك المرة الأولى التي يسمح فيها بعملية عسكرية، منذ تولى الرئاسة
غدا اختتام “منتدى الحوار السياسي الليبي” في تونس
رشيد خشــانة – طغى على الحوارات الجدل على المحاصصات في هيئات السلطة المقبلة. ولا يبدو أن المشاركين يشعرون بتطلع الرأي العام في ليبيا إلى حل سياسي سريع.
أسفر منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس، بعد أسبوع من المفاوضات، عن اتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في ذكرى الاستقلال يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من السنة المقبلة. وأتى القرار في ضوء عرض كان قدمه رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، للمتحاورين، في اليوم الأول، مؤكدا أن المفوضية يمكن أن تكون جاهزة للاشراف على انتخابات عامة، في غضون تسعين يوما، إذا ما تم تأمين الامكانات المادية اللازمة للقيام بهذه المهمة. وبتعبير آخر فإن حوارات تونس وضعت البلد، من جديد، على طريق مرحلة انتقالية إضافية، قد تطول أكثر من الشهور الأحد عشرة المحدَدة لها.
مخاوف من استمرار تدفق الأسلحة
وبذلك طغى على الحوارات الجدل على المحاصصات في هيئات السلطة المقبلة. ولا يبدو أن المشاركين يشعرون بتطلع الرأي العام في ليبيا إلى حل سياسي سريع، يمكن النازحين من العودة إلى بيوتهم، ويقضي نهائيا على مخاوف أهالي المدن والأحياء السكنية، من عودة القصف بالصواريخ والمدافع الثقيلة والطائرات المسيرة. وبينما كانت تدور الحوارات في ضاحية قمرت، المطلة على البحر المتوسط، شمال العاصمة تونس، كانت الأسلحة ما تزال تتدفق على قواعد الطرفين المتصارعين. وأبدى أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي لدى مناقشة صفقة بيع خمسين طائرة من طراز “أف 35″ للإمارات، مخاوفهم من تحويل السلاح إلى الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، مُستدلين برحلات سابقة لطائرات من إلامارات، الشريك المفضل لـ”البنتاغون” حسب تصنيف “واشنطن بوست” نحو المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة حفتر. كما انتقد الأمريكيون استمرار روسيا بإرسال أسلحة ومحاربين إلى ليبيا، وهو ما نفته موسكو.
اغتيال حنان البرعصي
وبموازاة حوارات تونس، ظلت العصابات المسلحة تعيث فسادا في الأرض، شرقا وغربا، مُطلقة النار على المحامية البارزة حنان البرعصي (47 عاما) في شارع رئيسي من شوارع بنغازي، بعدما اغتالت العام الماضي، زميلتها النائبة سهام سيرقيوة، إثر خطفها من بيتها. ويعكس هذا الواقع المتشح بالسواد، الفجوة القائمة بين المتحاورين وجحيم الداخل الليبي، فهناك بين هؤلاء من ذاع صيته في كبريات الصحف الغربية على أنه من أقطاب الفساد.
وتُعزى هذه الفجوة إلى طبيعة الأشخاص الذين تم انتقاؤهم للمشاركة في الحوارات، والذين يجرُ بعضهم ملفات سوء إدارة، وحتى شبهات فساد خلفهم، عندما تقلدوا مسؤوليات في الدولة بعد 2011. وليس سرا أن رئيسة البعثة الأممية بالنيابة ستيفاني وليامز لعبت الدور المحوري في انتقاء المشاركين فردا فردا، بعدما سمى كل من مجلس النواب (شرق) والمجلس الأعلى للدولة (غرب) ممثليهم الستة والعشرين في الحوارات. والواضح أن وليامز، التي كانت قائمة بالأعمال في السفارة الأمريكية لدى ليبيا، قبل تولي منصبها الحالي، والتي تعرف دقائق الملفات والأشخاص، هي من استأثر بإدارة الحوارات، حتى يصحُ فيها القول إنها حوارات ليبية- أمريكية- ليبية. ولا يمكن أن يتصور المرء أنه لا يوجد في ليبيا اليوم ثلاثة حكماء (من مناطق ليبيا الجغرافية الثلاث) لا اعتراض عليهم من أحد، قادرين على تشكيل مكتب رئاسة للحوار، يتألف من رئيس ونائبه ومقرر. ألم يكن ذلك كفيلا بإنقاذ ماء الوجه، بدلا من ترك القرار الليبي المستقل خلف بوابات قاعة الاجتماعات؟
استئثار أمريكي
الجميع يعلم أن أمريكا عادت بقوة إلى الملعب الليبي، بعد انسحاب غير طويل، لما لاحظت أن موسكو أدخلت أصابعها إلى الكيس، تحت مُسمَى “فاغنر” وأن الوساطات الفرنسية والإيطالية والعربية فشلت في المصالحة بين الإخوة الأعداء، فأخذ الأمريكيون الأمور بأيديهم، سواء من خلال حراكهم الدبلوماسي المباشر أم من خلال البعثة الأممية، خاصة بعد استقالة رئيسها السابق الدكتور غسان سلامة. لكن لا شيء من ذلك يُمكن أن يُبرر الاستئثار الأمريكي بالكبيرة والصغيرة في الحوارات، علما أن مهام ويليامز في بعثة الأمم المتحدة انتهت منذ أواخر الشهر الماضي، ولم يُعلن عن أي تجديد لها.
وتمحورت القضايا الخلافية في حوارات منتدى تونس على آلية تجديد الهيئات السياسية، وخاصة المجلس الرئاسي، فهناك من اقترح انتخاب رئيس جديد للمجلس الرئاسي ورئيس للحكومة من بين الحضور، وهو ما أغضب أنصار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي كان يأمل بترؤس المجلس الرئاسي، إلى حد التهديد بمغادرة المنتدى، كونهم لا يتمتعون بالغالبية. وأتى الاقتراح الثاني بأن يعرض كل مرشح لائحة متكاملة بثلاثة أعضاء (رئيس وعضوان) لكن المعترضين نبهوا إلى صعوبة الحسم، إذا ما تم التوافق على الرئيس ورفضُ العضوين أو أحدهما. ومن أقوى المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة فتحي باشاغا وزير الداخلية المكلف في حكومة السراج، وهما من مدينة مصراتة (وسط). ويُعتبر أحمد معيتيق (من مصراتة) نائب رئيس المجلس الرئاسي حاليا، أقل حظوظا، بالنظر للعلاقات الواسعة التي ربطها منافسُه باشاغا مع العواصم المؤثرة في الملف الليبي.
عودة السراج
ولم يستبعد أحد المشاركين التجديد للسراج، مؤكدا أن اسمه مطروح على مائدة الحوار، فيما ذهب آخرون إلى القول إن ويليامز تستعد لإعلان تشكيلتها، في ختام المنتدى غدا الاثنين، في حال لم يتوصل المتحاورون إلى اختيار المسؤولين عن المؤسسات التنفيذية. وتم تأجيل الاختتام مرتين، بسبب عمق الخلافات بين المتحاورين حول هذه المسائل، على أن يختتم أعماله مبدئيا غدا.
والجدير بالإشارة أن الأمم المتحدة منعت المشاركين من تولي أي منصب في السلطة التنفيذية المقبلة، ووجهت لهم تعهدا كتابيا بعدم الترشح أو قبول أي منصب في الحكومة أو المجلس الرئاسي، خلال الفترة التمهيدية التي تسبق الانتخابات “لضمان عدم تضارب المصالح وترسيخا لمبدأ التداول السلمي على السلطة” على ما ورد في نص التعهد.
جدل حول مكانة المرأة
وشكل موقع المرأة الليبية في الهيئات السيادية مثارا لخلاف من نوع آخر، إذ تقدمت إحدى المشاركات باقتراح لتولي سيدة وجوبا منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي، الذي سيتألف من ثلاثة أعضاء، بدل تسعة حاليا. وتحمس أحد المشاركين متسائلا “لم لا تترأس سيدة ليبية المجلس الرئاسي؟” فيما رأى آخر أن على كل مُرشح لرئاسة المجلس أن يختار نائبيه بشرط أن تكون إحداهما سيدة. لكن أجواء المنتدى اتسمت بالمحافظة، ولم تكن مواتية لهذه الخيارات. وربما تغير الوضع في الانتخابات المقررة للعام المقبل، خاصة أن كثيرا من النساء الليبيات قدمن حياتهن ثمنا لسيادة القانون واحترام الحريات، أسوة بالمحاميات حنان البرعصي وسهام سرغيوة وسلوى بوقعيقيس وانتصار الحصائري.
صلاحيات جديدة
في السياق كانت إحدى القضايا التي أثارت جدلا في جلسات الحوار، مذكرة صلاحيات المجلس الرئاسي الجديد، التي تم عرضها على المتحاورين، والتي تضمنت بندا يرمي لتحصين اتفاقات اردوغان مع السراج خلال المرحلة الانتقالية، بما يستثني الوجود العسكري التركي في ليبيا من الاتفاقات العسكرية المطلوب تجميدها أو إلغاؤها. واستند المدافعون عن الاستثناء على أن تلك الاتفاقات تمت “بين حكومتين شرعيتين” على رأيهم. ونصت الفقرة العاشرة من المادة السادسة في مذكرة صلاحيات المجلس الرئاسي، على “ألا تنظر السلطة التنفيذية الجديدة خلال المرحلة التمهيدية في اتفاقات أو قرارات جديدة أو سابقة، بما يضر باستقرار العلاقات الخارجية لدولة ليبيا، أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد”.
ويتناقض فحوى هذه الفقرة مع مخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 التي اتفق أعضاؤها يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على إخراج القوات الأجنبية من ليبيا وسحب المرتزقة ووقف الاتفاقات المبرمة بين الحكومتين الليبية والتركية، في المجالات العسكرية والأمنية والبحرية، وحظر المجموعات والكيانات المسلحة “بجميع مسمياتها” على كامل التراب الليبي وتفكيكها، وفقا لمخرجات مؤتمر برلين، وقرار مجلس الأمن رقم 2510. وكانت تلك الخطوة محل ترحيب من أعضاء مجلس الأمن، الذين أوصوا في 26 من الشهر الماضي بالالتزام بالاتفاق لحل الأزمة في ليبيا.
وجيش ليبي جديد؟
بموازاة حوارات المنتدى السياسي الليبي في تونس، كثف وزير الدفاع المكلف في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش من زياراته الخارجية، في إطار معاودة بناء الجيش الليبي، متجاهلا ما يدور من جدل فوق ربوة قمرت، على مقربة من العاصمة التونسية. وبعدما زار النمروش القاعدة التي تتدرب فيها قوات الطلائع الليبية في تركيا، اجتمع مع نظيره الإيطالي للبحث في دعم القوات البحرية الليبية. كما زار الدوحة حيث وقع مع نظيره القطري خالد العطية، على بروتوكول للتعاون في مجال التدريب وبناء القدرات، والذي يُؤمل الليبيون أن “يساهم في دعم بناء القدرات والاستفادة من الخبرات القطرية” بحسب حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
نجاحٌ على المسار الاقتصادي
مع الأجواء الملفوفة بالغموض، في “المنتدى السياسي الليبي” الذي لم يُسمح للإعلاميين باجتياز عتباته الُمُعتمة، تلوح بعض بوارق الأمل، التي منها المخرجات التي توصل إليها المشاركون في المسار الاقتصادي والمالي، المنبثق من مؤتمر برلين، والذي لا يتحدث عنه الإعلام كثيرا، على خلاف المسارين السياسي والعسكري، إذ قطع المشاركون في هذا المسار خطوات مهمة لإخراج المسلحين من الحقول والموانئ النفطية، وتأمين استمرار تدفق النفط والغاز، شريان الحياة للدولة الليبية، خاصة بعدما عاد الانتاج إلى مستواه الطبيعي متجاوزا 1 مليون برميل في اليوم. والليبيون موعودون باجتماع مصيري يوم 26 من الشهر الجاري، في ميناء البريقة النفطي (شرق) لحسم بعض الأمور الدقيقة، ومنها توزيع إيرادات النفط بين مختلف مناطق ليبيا، والمعايير التي ستُعتمد لذلك التوزيع، وتسمية كبار المسؤولين في هذا القطاع، ومن بينهم حاكم مصرف ليبيا المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط..
نورلاند: ما زلنا قلقين بشأن الوجود المتزايد للقوات الأجنبية في ليبيا.. ونستهدف خلق وضع أكثر استقرارا وأقل خطرا
جدد سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، تأكيد بلاده على رفض أي تصعيد عسكري في ليبيا، محذرًا من خطر إطالة الصراع وانتشاره حال عدم التقيد برفض التصعيد، معتبرًا الحوار الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة بمثابة الطريق الوحيد الذي يفضي إلى «حل ذات سيادة ليبية».
كما جدد نورلاند خلال حواره مع جريدة «الأخبار» المصرية المنشور على موقعها الإلكتروني، أمس الأربعاء، على التأكيد على استخدام واشنطن جميع أدواتها الدبلوماسية لـ«خلق وضع مستقر أكثر، وأقل خطرًا، وعملية سياسية تقود إلى حل في ليبيا»، مشددًا على أن «واشنطن تشارك على أعلى المستويات جميع أطراف الصراع المنقسمين سواء الليبي أو الدولي للحث على ضبط النفس، ودفع العملية السياسية التي تحافظ على سيادة الشعب الليبي وحماية المصالح المشتركة للولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا».
وعبر عن «تفاؤله» لأن «ليبيا تتحرك في الاتجاه الصحيح من خلال الحوار السياسي»، وأشار إلى أن التفاف الليبيين حول هذا المنتدى، «سيمكننا من رؤية تقدم كبير بسرعة»، لكنه لفت إلى أن «التجربة أثبتت أنه يمكن أن تكون هناك دائمًا عوامل معقدة».
الحل السياسي في ليبيا يتحسن
وحث نورلاند الليبيين على رفض النزاع المسلح، وبناء حوار سياسي، وإظهار الشجاعة السياسية، مشيدًا في هذا الإطار بدعوة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في بيانين منفصلين نهاية أغسطس الماضي، إلى «وقف إطلاق النار، واستئناف عمليات الضخ بقطاع النفط، والعودة إلى المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة».
وفي وقت رأى السفير الأميركي أن «الحل السياسي في ليبيا يتحسن»، بعد التقدم «الكبير» في الحوار الذي تجريه الأمم المتحدة في مونترو، واستئناف منتدى الحوار السياسي الليبي، لكنه أشار إلى استمرار معاناة المواطنين الليبيين من مشكلات مثل انقطاع الكهرباء، وندرة المياه، والسيولة المالية المحدودة، كل ذلك مع انتشار جائحة «كورونا»، معتبرًا إعادة افتتاح قطاع النفط وتحقيق تقدم على الصعيد السياسي «خطوات مهمة» لحل هذه المشكلات وتحسين مستويات المعيشة لليبيين.
محادثات الغردقة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح
وبخصوص الوضع الأمني في ليبيا، اعتبر السفير الأميركي المحادثات الأخيرة التي جرت بمدينة الغردقة المصرية «خطوة مهمة جدًا» في الاتجاه الصحيح نحو عدم التصعيد والتهدئة في هذا الملف، مشيدًا في هذا السياق بدور مصر في تيسير تلك المحادثات «المهمة».
ونوه بدور مصر في «توسيع الحوار السياسي بين الغرب والشرق في ليبيا»، وقال:«لهذا السبب أزور القاهرة للتشاور حول أفضل السبل لدعم منتدى الحوار السياسي الليبي والخطوات التالية نحو تسوية سياسية دائمة للحرب والصراع في ليبيا».
– نورلاند يلتقي عقيلة صالح بالقاهرة ويشيد بالليبيين الداعمين الحوار السياسي
– نورلاند يجري مشاورات بالقاهرة.. ويشكر مصر لاستضافة محادثات الغردقة حول الأمن في ليبيا
– بومبيو يعد باستخدام «ترسانة» الدبلوماسية الأميركية.. ونورلاند يجري مشاورات حول ليبيا في باريس
– السفير الأميركي: المحادثات العسكرية بين الفرقاء الليبيين في مصر دليل على نجاح الأمم المتحدة
وقال نورلاند: «بشكل عام، النزاع المسلح في ليبيا حاليًا أقل بكثير مما كان عليه منذ عدة أشهر ولكننا ما زلنا قلقين بشأن الوجود المتزايد للقوات الأجنبية، بما في ذلك المرتزقة والمجموعات المسلحة والمفسدين الذين يمكن أن يهددوا التقدم الحالي نحو حل سلمي في ليبيا»، لكنه عبر عن تفاؤله بعدما بدأ «القادة السياسيون الليبيون حوارًا بناء وإرادتهم متزايدة لكتابة مستقبل أفضل لليبيا خال من التدخلات العسكرية الأجنبية».
التخلص من الميليشيات والمرتزقة
واعتبر السفير أن «التخلص من الميليشيات والمرتزقة والجماعات الإرهابية من أهم المهام لضمان مستقبل مستقر في ليبيا»، لافتًا إلى أن «الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين الميليشيات تؤكد ضرورة العمل باستمرار دون توقف لإنشاء جيش واحد تحت سلطة مدنية». ولفت إلى الحاجة إلى «دعم الجهود التي يقودها الليبيون لجمع الميليشيات من جميع أنحاء البلاد وتسريحهم»، مؤكدًا أنه من «الصعب الوصول إلى ذلك إلا من خلال قوات أمن ليبية موحدة وقوية».
وقال إن القادة في جميع أنحاء ليبيا يدركون «الحاجة إلى إصلاح القطاع الأمني، وأعتقد أنه يمكن تحقيق ذلك، وسيكون من الأسهل تحقيق ذلك إذا تمكن القادة الليبيون من التوصل إلى سلطة تنفيذية تعمل للمستقبل»، مؤكدًا أن حل النزاع الليبي يقضي نهائيًا على أي تبرير «لاستمرار وجود المرتزقة الأجانب».
أزمة الكهرباء
وبخصوص أزمة الكهرباء في ليبيا، قال نورلاند إن هذه الأزمة تأتي جراء الصراع المسلح والفساد والإغلاق القسري لقطاع النفط، لافتًا إلى عمل بلاده مع الليبيين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتشجيع الإصلاحات الاقتصادية الهادفة، وزيادة الشفافية والمساءلة، وتعزيز المؤسسات الموحدة والمستقلة التي تعمل لصالح جميع الليبيين.
وأشار إلى أن ذلك يشمل برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعمل على دعم توصيل الكهرباء لجميع أنحاء ليبيا، منبهًا إلى المشاركة في رئاسة مجموعة العمل الاقتصادية التي تم إنشاؤها في إطار مؤتمر برلين، والعمل مع شركاء دوليين مثل مصر.
ويتطلب حل انقطاع الكهرباء، حسب السفير، استعادة عائدات النفط، وإجراء تحسينات في قطاع الكهرباء سواء في الإدارة أو في البنية التحتية، وأيضًا الاستثمار في العملية السياسية التي سيناقشها منتدى الحوار السياسي الليبي.
ملف إعادة إنتائج وتصدير النفط
ورأى السفير الأميركي أن إعادة بدء إنتاج النفط في جميع أنحاء البلاد بـ«طريقة تحترم السيادة الليبية» أمر «مهم جدًا» لاستقرار الوضع الاقتصادي، ولكنه حض جميع الأطراف على «رفض محاولات عسكرة أو تسييس قطاع الطاقة».
وقال: «طالبنا بإعادة فتح قطاع النفط بالكامل وإخراج القوات العسكرية من جميع المنشآت النفطية، لأنه بهذه الطريقة ستتمكن المؤسسة الوطنية للنفط من مواصلة عملها ككيان غير سياسي لصالح الليبيين»، وأضاف: «يعد الاستئناف الجزئي لإنتاج النفط وتصديره أخيرًا إشارة جيدة، إلا أنه لا يزال هناك مزيد التقدم الذي يتعين إحرازه في إعادة الموارد الطبيعية الليبية والمنشآت إلى السيطرة الليبية».
أول مرة.. التقاء أطراف عسكرية ليبية للتباحث داخل أراضي البلاد
بدأت اللجنة العسكرية الليبية المعروفة بـ (5+5) مباحثاتها بمدينة غدامس الليبية. وهذه المرة الأولى التي تعقد الأطراف مباحثات عسكرية داخل البلاد منذ اندلاع الأزمة.
القفز على المراحل.. هل يلجأ الليبيون للانتخابات لإنهاء المرحلة الانتقالية؟
قال الخبير في شؤون الأمم المتحدة عبد الحميد صيام إن مقترح الانتخابات في لبيبا ليس عمليا الآن، مشددا على أنه قبل الإقدام على هذه الخطوة يجب أن يتم وقف شامل لإطلاق النار والالتزام به.
كما أكد على وجوب الالتزام بتطبيق مخرجات اتفاق جنيف بشأن ليبيا الخاصة بفتح المعابر والطيران المدني، والعمل على حل المشاكل الإنسانية وكذلك التوجه نحو الحل السياسي من خلال الحوار، وذلك في تصريحاته لحلقة “ما وراء الخبر” (2020/11/2).
وبحسب قناعة صيام، فإن الانتخابات تكون في نهاية المرحلة الانتقالية وليس في بدايتها، ولذلك لا يمكن أن يتم القفز على المراحل، مشيرا إلى أنه لا مجال لإجراء الانتخابات دون أن يكون هناك توافق ليبي وحل لمشكلة المرتزقة، وكذلك التزام من كافة الدول بعدم مد أطراف النزاع بالسلاح.
وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج قال إنه من الأنسب إنهاء المرحلة الانتقالية في البلاد دون تأخير، معتبرا أن الانتخابات هي أقصر الحلول لإنهاء الأزمة.
يأتي ذلك في وقت تجتمع فيه اللجنة العسكرية المشتركة في مدينة غدامس برعاية الأمم المتحدة.
انتخابات غير ممكنة
وبخصوص مدى عملية مقترح الانتخابات، ذهب المحلل السياسي فيصل الشريف إلى أن السراج سبق أن طرح مبادرته التي يطلب فيها إجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية بحلول مارس/آذار 2021، ولكن يجب استحضار أن كل الجهود المبذولة في الأعوام الماضية تسعى إلى البحث عن حلول ممكنة للأزمة الليبية.
وأشار إلى أن مخرجات برلين لا تتحدث عن انتخابات، بل إنشاء مجلس رئاسي جديد وحكومة موحدة منفصلة، كما أن قرار مجلس الأمن أكد على هذه المخرجات، ودعا الليبيين إلى السير في هذه العملية، وبالتالي فإن الحديث عن انتخابات غير ممكن، خاصة أن كل الجهود المبذولة اتجهت نحو محاولة خلق تسوية سياسية لخلق مرحلة تمهيدية يمكن من خلالها إجراء انتخابات برلمانية وسياسية.
أما عن مسار التسوية الليبية فقال الكاتب والباحث السياسي إبراهيم بلقاسم إن السراج قدم مقترحا بتمديد المجلس الرئاسي قبيل إجراء التسوية السياسية، ولكن لم يؤخذ المطلب بشكل جدي، وعلى ما يبدو أن التسوية السياسية تسير إلى إعادة ترتيب ما تم الاتفاق عليه في المسارات الماضية.
وأضاف أن أميركا طلبت من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة عبر سفيرها أن يبقى رئيس المجلس الرئاسي في منصبه إلى أن تتم التسوية، مشيرا إلى أن التسوية يبدو أنها تسير نحو تغيير المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على الالتزام بمتطلبات المرحلة القادمة.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.