الخميس 03 يوليو 2025 7 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

ليبيا: اتجاه لتأليف حكومة من دون مشاركة الدبيبة وباشاغا

 

رشيد خشـــانة – قد تكون الأيام الأخيرة شهدت حراكا دبلوماسيا «بعيدا عن الأضواء» للاتفاق على اسم جديد يكلف بتشكيل حكومة تحل محل حكومة الدبيبة.

صاغ مجلس الأمن ما يُشبه خريطة طريق كي يهتدي بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، عبد الله باثيلي، فيما حض المجلس الفرقاء الليبيين على الجلوس إلى مائدة الحوار لتأليف حكومة موحدة. لكن من الصعب استجابة أمراء الحرب لهذه الدعوة، فلو كانت لديهم أدنى رغبة بحل سياسي للصراع، لتوصلوا إليه منذ فترة بعيدة.
وفي المسار الليبي، الذي انطلق في أعقاب انتفاضة 17 شباط/فبراير 2011، سيطر قادة الجماعات المسلحة على غالبية المدن، بما فيها العاصمة، وحولوا ليبيا إلى أكبر مخزن أسلحة يحتوي، بحسب بعض التقديرات على ما لا يقل عن 20 مليون قطعة سلاح.
ولوحظ أن مجلس الأمن أدمج في بيانه ضرورة إيجاد آلية بقيادة ليبية، تضمن إدارة عائدات النفط والغاز «بطريقة شفافة ومنصفة وخاضعة للمساءلة». وأتى هذا الموقف صدى لتقارير من هيئات محلية وأجنبية، حذرت من الانتشار الواسع للفساد، واجتياحه لدوائر عليا في الدولة.
ولئن شدد مجلس الأمن على ضرورة نزع أسلحة الجماعات شبه العسكرية، فإن الدول الكبرى التي تدعو إلى تنفيذ ما اتفقت عليه اللجنة العسكرية 5+5 في مثل هذا الشهر من العام الماضي، تبدو عاجزة أو غير راغبة في الضغط بما يكفي لنزع سلاح أعضاء الجماعات المسلحة وتسريحهم لمعاودة إدماجهم في المؤسستين العسكرية والأمنية. فهل يمكن أن نتصور على سبيل المثال أن الأتراك أو الروس سيوافقون على إجلاء قواتهم ومرتزقتهم من ليبيا بهذه البساطة؟ وفي ظل تفكيك أجهزة الدولة الليبية، منذ عهد معمر القذافي، باتت تلك الجماعات هي من يوكل إليه ضبط الأمن، إلا أنها كانت على الأرض القبضة التي يلجأ المتخاصمون إليها لضرب الخصوم، وهو ما فعله عبد الحميد الدبيبة أكثر من مرة، بما فيها منع جسم حكومي من الاجتماع لمناقشة مضامين الحل السياسي. واعتبر المحلل السياسي يوسف الفزاني أن ما أقدمت عليه الميليشيات المسلحة من منع جلسة لجسم حكومي، يتحمل مسؤوليته تنظيم الإسلام السياسي، مؤكدا أنه المشجع الرسمي للمليشيات، والطرف الذي يقف وراء تعاظم قوتها. وأشار الفزاني إلى أن مجلس الدولة نفسه يعد مسؤولًا عما جرى، فهو طالما قدم الدعم للمليشيات المسلحة عبر مساندتها سياسيًا على مدى السنوات الماضية.

دعاوى قضائية

ويُعتبر هذا الكلام عينة من الحوار/الصراع بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، فعلى الرغم من الدعاوى القضائية التي تستهدف وجوها عدة من حُكام ليبيا الحاليين، بتهم تتعلق بالفساد، ما زالت حكومة الوحدة الوطنية تُنفق من عوائد النفط على أطراف داخلية وخارجية، لتضمن استمرارها في الحكم. وبالنظر للأهمية التي توليها الشركات الأجنبية لمسألة الشفافية، ليس مستبعدا أن تبحث الدول المؤثرة في الصراع الليبي عن شخصية سياسية تكون أقل تورطا من فريق الدبيبة في عمليات فساد.
يتصادم هذا الهاجس مع محاولات رئيس حكومة الوحدة تبرئة وزراء في حكومته من تهمة الفساد التي ألحقت بهم. لا بل إنه أمر وزير الصحة الذي حبسته النيابة ثم أفرجت عنه، باستئناف عمله على رأس الوزارة، وكأن تلك الشبهات لم تكن. وكان بيان صادر عن مكتب النائب العام أكد أن رئيس النيابة العامة بمكتب النائب العام باشر إجراءات التحقيق مع وزير الصحة ووكيل الوزارة، «في شأن عدم مراعاة لائحة العقود الإدارية في تعاقدات القطاع».

ضمانات الشفافية

ومع تزايد الاقبال من المجموعات الدولية على استئناف مشاريعها في ليبيا، باتت مسألة الشفافية والحوكمة ترتدي أهمية كبرى، على غرار ما طالبت به أخيرا مجموعة «داوو» الكورية، التي تحاول العودة إلى بنغازي وتفعيل مشروعات المجموعة في مجال البنية التحتية، المتوقفة منذ أكثر من عشرة أعوام في المدينة، وذلك بالتنسيق مع جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق.
في هذا الإطار العملي، المرتبط بمشاريع معاودة الإعمار، يمكن فهم المبادرة التي أطلقها المجلس الرئاسي، بعد غيبوبة طويلة، والمتمثلة في الدعوة إلى عقد المؤتمر الأول للمصالحة في ليبيا، بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد. وأفادت الناطقة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، في تصريحات صحافية، أن «المصالحة التي يعمل عليها المجلس هي مشروع مجتمعي وليست مصالحة سياسية أو اقتصادية فقط». وتُذَكر هذه المبادرة بالمؤتمر الوطني الجامع الذي كان مقررا عقده في مدينة غدامس (جنوب غرب) في نيسان/أبريل 2019 بمشاركة أكثر من ألف شخصية سياسية واجتماعية ليبية، وفي ضوء 22 ورقة عمل أعدها خبراء في جميع المجالات.

حفتر يُحبط المؤتمر

وحال دون عقده هجوم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس في الرابع من نيسان/أبريل، استباقا للمؤتمر. ولم توضح وهيبة ما إذا كان «المؤتمر الأول للمصالحة» امتدادا لمشروع غدامس المُجهض أم لا، لكنها أوضحت أنه «مشروع يتسم بالتكاملية والمشاركة المحلية الواسعة». والأرجح أن يسفر المؤتمر عن توصيات وقرارات يضعها المشاركون رجالا ونساء، عبر لجان مختصة تقود مسار المصالحة وتضمن المشاركة والملكية المحلية له. وسيسبقه مؤتمر تحضيري مطلع الشهر المقبل، يمهد للمؤتمر الأول للمصالحة.
وبرزت في الفترة الأخيرة مقترحات من أطراف دولية، بينها إيطاليا، لتشكيل «حكومة ثالثة» تحظى بثقة الداخل، بغية إنجاز الانتخابات. وكشف وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، عن محادثات دبلوماسية «مكثفة وسرية» ترمي لتحقيق الاستقرار، من دون إعطاء تفاصيل. وقد تكون الأيام الأخيرة شهدت حراكا دبلوماسيا «بعيدا عن الأضواء» للاتفاق على اسم جديد يكلف بتشكيل حكومة تحل محل حكومة الدبيبة. واستبق مجلس الأمن هذه الخطوة بدعوته الفرقاء الليبيين للالتقاء تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق على وضع اللمسات الأخيرة على التسوية السياسية، بما في ذلك الأساس الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات، ومن ثم اعتماد مخرجات الحوار الوطني الشامل، مع استمرار جهود المصالحة، استنادا إلى مبادئ العدالة الانتقالية.
ومن الأهمية بمكان أن يتخذ أعضاء مجلس الأمن موقفا صريحا في هذا الشأن، فقد أكدوا في بيانهم التزامهم بدعم «حوار ليبي شامل» يفضي إلى «تشكيل حكومة موحدة» قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد، وتمثيل الشعب الليبي بأكمله.
ومن شروط نجاح هذه الخطة، التزام الجميع باتفاق 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 الخاص بوقف إطلاق النار، وتنفيذه كاملا، بما في ذلك خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من دون تأخير. وحذر أعضاء مجلس الأمن من التنفيذ الجزئي للاتفاقات. فمنذ حوار الصخيرات العام 2015 وحتى اجتماعات لجنة الـ 75 الخاصة بملتقى الحوار السياسي الليبي، كانت المعضلة في التنفيذ الجزئي لأي اتفاق، والاكتفاء بتكوين جسم تنفيذي، وإهمال ترتيبات الملفين الأمني والاقتصادي، رغم أنهما العائقان الرئيسان أمام حل الأزمة، حسب بعض الخبراء.
وإذا كانت الحكومة الثالثة ستستند على المحاصصة مثلما حصل في الماضي، على أكثر من صعيد، فإن مصيرها سيكون مشابها لمصير حكومات علي زيدان وفائز السراج وعبد الحميد الدبيبة، وبالتالي فإن نتيجتها لن تكون سوى تمديد المرحلة الانتقالية الدامية وإرجاء الحل الشامل.

تونس: الانتخابات تعمق عزلة قيس سعيد

 

رشيد خشـــانة – من طرائف الانتخابات التشريعية، التي تجري في تونس اليوم أن عشرة مرشحين فازوا بمقاعد في البرلمان الجديد قبل إجراء الاقتراع، لأنهم المرشحون الوحيدون في دوائرهم. ومن طرائفها أيضا أن المجلس الجديد لن يتمكن من الاجتماع رسميا لأداء اليمين إلا في آذار/مارس المقبل، لأن السلطات مُجبرة على تنظيم انتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة. وإذا كان المُرشحون المُحتملون من وجوه النخبة يشعرون بأن الانتخابات شأنٌ لا يعنيهم، فكيف بالمواطن الغارق في صعوبات معيشية يومية ؟ ولم يقتصر العزوف على استنكاف كثيرين من الترشح لعضوية المجلس الجديد، وإنما شمل أيضا قطاعات واسعة من المواطنين، الذين لم يولوا أدنى اهتمام إلى العملية الانتخابية، إذ استمرت الحياة عادية تماما في المدن التونسية، طيلة الأيام المخصصة للحملة الانتخابية. ويُفترض أن تسفر هذه الانتخابات عن اختيار 160 عضوا يُؤلفون البرلمان الجديد، الذي سيحلُ محل برلمان 2019 بعدما ألغاه سعيد، في إطار الاستحواذ على السلطات التشريعية، واضعا دبابة في مدخله الرئيسي.
ويجوز القول إن هذا البرلمان هو برلمان قيس سعيد، الذي قرر هذه الانتخابات من دون أن يطالب بها أحدٌ، وهيأ لها الأجهزة اللازمة التي تأتمر بأوامره وبمرجعية قانونية على المقاس. ومع أن رئيس الجمهورية لا يملك، ظاهريا، حزبا يدعمه، فإنه فصل قانونا انتخابيا يُساعد أنصاره فقط على الفوز بمقاعد في البرلمان الجديد، مع حظر تأليف قوائم حزبية أو ائتلافية. وسيكون الاقتراع على أساس الأفراد، في ظل مقاطعة هيئات مراقبة الانتخابات المحلية والدولية، ومنها «جمعية بوصلة» ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال. أما «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» التي سبق أن أشرفت على خمسة انتخابات رئاسية وتشريعية بين 2011 و2019 من دون أن يُشكك أحد في عملها، فتم قلع أظافرها على نحو جعلها رديفا للسلطة السياسية بالكامل. أكثر من ذلك، استحوذت «الهيئة المستقلة» التي لم يبق لها من الاستقلالية إلا الاسم، على مشمولات هيئة دستورية أخرى هي «الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري» التي راقبت تعاطي وسائل الإعلام مع المرشحين في انتخابات 2014 و2019.

مجلس تأسيسي منتخب

تنبني هذه المنظومة السياسية الجديدة على دستور خطه سعيد بنفسه وحبرهُ بريشته، وجعل التونسيين يُصوتون عليه في استفتاء عام، يوم 30 حزيران/يونيو الماضي، تجاوزت فيه نسبة العزوف 90 في المئة. واعتُبر اعتماد ذلك الدستور انقلابا أبيض على دستور 2014 الذي تمت صياغتُهُ تحت سقف مجلس تأسيسي منتخب، وبعد الاستماع إلى مئات الخبراء في مجالات مختلفة، فضلا عن الاطلاع على تجارب الانتقال الديمقراطي في بلدان عدة. وتقول عضو المجلس التأسيسي ناديا شعبان إن كل التونسيين الذين أرادوا المشاركة في ذلك المسار أُعطيت لهم الفرصة، بمن فيهم من تظاهروا ومن اعتصموا ضد «التأسيسي» لذلك ترك كل هؤلاء بصمتهم في مشروع الدستور. وأجبرت ضغوط المجتمع المدني لجنة الصياغة على أخذ الملاحظات والاعتراضات في الاعتبار، وهو ما حصل في البنود المتعلقة بحقوق المرأة على سبيل المثال.
على العكس من ذلك، جمع الرئيس الحالي جميع السلطات بين يديه، فهو رئيس السلطة التنفيذية، وهو المُشرع بواسطة المراسيم، كما أن صدامه مع القضاة في أعقاب حل المجلس الأعلى للقضاء ومعاودة تشكيله، مكنه من إحكام قبضته على المؤسسة القضائية. لكن في المقابل لا يسمح دستورُهُ بمراقبة أداء الرئيس أو محاسبته، مانحا إياه حصانة مطلقة مدى الحياة، أي حتى بعد انتهاء ولايته، وهي حصانة لم يتمتع بها أي رئيس من الرؤساء الأربعة السابقين.
من هنا اعتبرت غالبية المحللين السياسيين الحكم الحالي حكما فرديا استبداديا، يستند على رؤية محافظة ووصائية على المجتمع وعلى الدولة، إذ أن رئيس الحكومة في دستور سعيد هو موظف سام لدى رئيس الجمهورية. بهذا المعنى تُشكل منظومة سعيد ارتدادا إلى ما قبل ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011 التي يعتبرها هو ثورة مضادة ويُؤرخ، بدلا منها، بيوم انطلاق الانتفاضة، من مدينة سيدي بوزيد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010. وهذا سرُ اختياره الذكرى الحادية عشر لتلك الانتفاضة ميقاتا لإجراء الانتخابات التشريعية اليوم الأحد. لكنه رفض بالمقابل إجراء انتخابات رئاسية مُتزامنة معها، وقوض بمراسيمه، جميع المؤسسات الدستورية، التي أنشئت قبل صعوده إلى سدة الرئاسة، والتي اعتُبرت علامات على درب الحرية. ويتفق الخبراء السياسيون على أنه وضع بين هلالين المكاسب التي تحققت طيلة عشر سنوات، على طريق الانتقال الديمقراطي، والتي شكلت تجربة فريدة في العالم العربي.
من هنا ابتعدت النخب عن رئيس الجمهورية، الذي لم يكن بدوره متحمسا لمد جسور الحوار معها، كما تأزمت علاقاته مع الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني، ما أدى إلى تآكل القاعدة الاجتماعية للنظام.
استغنى سعيد عن النخب «التجمعية» (نسبة إلى حزب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي) وحارب الليبراليين وتهجم على اليساريين وخاصم تيار الإسلام السياسي واستعدى النساء. غير أن أنصاره يلجأون إلى نقد حصاد الحكومات السابقة لنزع الشرعية عنها، بُغية تبرير جميع الخيارات والإجراءات التي اتخذها، بما في ذلك قرار الانتخابات التشريعية المبكرة اليوم. وصحيح أن إطاحته بحكومات الأحزاب، وآخرها حكومة المشيشي، المدعومة من «حركة النهضة» لاقت ترحيبا عفويا من رجل الشارع، ولعبت بعض وسائل الإعلام دورا خفيا في إبراز سلبيات الأوضاع طيلة العشرية (2011-2019) التي كانت تنعتها بـ»عشرية الخراب» على اعتبار أن سعيد هو من سيُعيد البناء.

استثمار خيبة الأمل

والمؤكد أن أداء الأحزاب طيلة تلك الفترة غلب عليه الجشع المالي والانتهازية السياسية، وأنها عقدت تحالفات غير مبدئية جعلت الناس العاديين لا يفهمون ما يجري حولهم. وصحيح أن الفريق الذي كان حول سعيد استطاع، قبل أن ينفرط عقدهُ، أن يستثمر خيبة الأمل العامة، وما ولدته من غضب، لتعبيد الطريق أمام سعيد، نحو قصر قرطاج. غير أنه لم يستطع المحافظة على ذلك الرصيد، فأهدره بنفسه في سلسلة من الخطب والزيارات الميدانية، التي أماطت اللثام عن نقاط ضعفه وفشله القيادي.
من هنا يُبرر المؤيدون لسعيد موقفهم بقرف التونسيين من صور الاشتباكات بين النواب في البرلمان، وتعطُل عمل مكتب المجلس، بسبب وجود رئيس «حركة النهضة» راشد الغنوشي على رأسه، إذ سرعان ما تحولت جلسات البرلمان إلى فوضى عارمة جراء الصدامات بين الكتل الحزبية، ما أقنع قطاعات واسعة من المقترعين في انتخابات 2019 بترجيح سعيد على منافسه نبيل القروي الذي اقترن اسمه بشبكات الفساد. ومن ثمة حصل سعيد على المشروعية التي سمحت له بالصعود إلى سدة الرئاسة. لكن هذه المشروعية تآكلت جراء الوعود الفضفاضة التي لم يعد يصدقها التونسيون. وساهمت انتقادات الأحزاب والمجتمع المدني في خلق هوة بين النظام الجديد والقطاعات التي ساندته في البداية. ومن تجليات هذه القطيعة أن 200 شخصية عامة أصدرت بيانا حول المرسوم 54 الصادر في 13 أيلول/سبتمبر الماضي طالبت فيه بحماية الحريات، وخاصة حرية التعبير ما شكل مؤشرا على خسارة سعيد لأية حظوة بين المثقفين. كما أنه خسر مصداقيته لدى النقابيين أيضا، لاسيما بعد الجدل الذي دار بين أعضاء الحكومة واتحاد العمال حول التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إذ اعتبر النقابيون أن الحكومة تتلاعب بالمفاوضات وتعتمد الازدواجية في خطابها مع اتحاد الشغل ومع الدائنين الدوليين.

هبات اجتماعية؟

ومع الارتفاع غير المسبوق لمعدل التضخم، مُتجاوزا 9 في المئة وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من 30 عاما، وغلاء الأسعار المتصاعد، لا يُستبعد أن تتحرك الجبهة الاجتماعية، وسط عجز مجلس النواب الجديد عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، باعتباره جزءا من المشكلة وليس من الحل. وفي هذا الإطار انتقد الأمين العام لاتحاد العمال نور الدين الطبوبي الحكومة «التي تعتمد المخاتلة وأفكارها مملاة عليها من الخارج … .حكومة لا تتحاور حول أي شيء إلا بعد الرجوع إلى صندوق النقد الدولي …حكومة تريد ضرب (منظومة) الدعم والقطاع العمومي» حسب ما قال الطبوبي.
وتردد أن صندوق النقد الدولي اشترط توقيع الرئيس سعيد على الاتفاق المالي، الذي توصل له الطرفان من أجل إقراض تونس 1.9 مليار دولار. لكن خبراء اقتصاديين استبعدوا أن يقبل ذلك، ورجحوا أن يُفوض لرئيسة الحكومة التوقيع على الاتفاق، ما قد يُؤدي إلى إرجاء صرف القرض. وهذا التأجيل، إن حصل، سيؤجج هبات اجتماعية على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية، أسوة بانتفاضات سابقة، أشهرها انتفاضة كانون الثاني/يناير 1984، المعروفة بـ«انتفاضة الخبز».

بعد 34 سنة على لوكربي: الولايات المتحدة تحتجز مواطنا ليبياً وتنديد محلي واسع

 

أعلن ممثلون عن مؤسسات للمجتمع المدني في ليبيا، عن خطوات تصعيدية للضغط من أجل إعادة أبوعجيلة مسعود المريمي الذي جرى تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية، في تورطه المزعوم بقضية لوكربي.

هي المرة الأولى التي تسيطر فيها قضية على أحداث أسبوع كامل وتشعل غضبا غير متوقع بين الأطراف السياسية فضلا عن الغضب الشعبي. حيث حركت قضية لوكربي التي عادت إلى الساحة بعد 34 سنة من إغلاق الملف ليبيا بالكامل، كما أيقظت المجتمع المدني من سباته وترتب عليها تحرك قضائي وحقوقي واسع.

وعادت القضية بعد هذه السنوات بسبب خبر اعتبر صادماً يفيد بأن الولايات المتحدة، أكدت الأحد، أنها تحتجز المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي الذي تشتبه في قيامه بصنع القنبلة التي استخدمت في تفجير طائرة أمريكية فوق بلدة لوكربي في أسكتلندا في كانون الأول/ديسمبر 1988 رغم الاتفاق على إغلاق القضية مسبقاً.
ورغم اعتراض المجلس الأعلى للدولة وعدد من المنظمات والمؤسسات سابقا وقبل انتشار الخبر على إعادة فتح القضية إثر زلة لسان صدرت عن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلا أن هذه الأحاديث ظلت مجرد ظنون وإشاعات حتى أعلن عنها رسميا من قبل سلطات خارجية الأمن الذي احتسب في إطار التعدي على الأمن القومي الليبي.
ونقلت مصادر إعلامية عن مصدر من عائلة المقبوض عليه أن عائلة أبوعجيلة مسعود المريمي أكدت أن عناصر من القوة المشتركة التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، هي من اعتقلت المريمي، يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وجرى احتجازه في أحد مقراتها بمدينة مصراتة.
وتابع المصدر ذاته أن المريمي الذي يناهز الـ80 عاماً من العمر، كان طريح الفراش ساعة اعتقاله، حيث يعاني من مرض مزمن.
وخاطبت العائلة مكتب النائب العام ووزارة العدل، إلى جانب المحامي العام، والمجلس الرئاسي، ولكنها لم تتحصل سوى على وعود وتطمينات بالخصوص، كما قام وفد اجتماعي مكون من حوالي 40 شخصاً، بمحاولة مقابلة رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بالخصوص لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
وقالت جريدة «الغارديان» البريطانية، الأربعاء، إن اتفاقاً جرى إبرامه قبل 3 أشهر بين الإدارة الأمريكية ومسؤولين ليبيين على تسليم المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المتهم بتفجير لوكربي إلى الولايات المتحدة، في مفاوضات بدأت منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ونقلت «الغارديان» عن مسؤول ليبي القول إن الجهود الأمريكية أعاقها عدم وجود مبرر قانوني لاحتجاز أبوعجيلة الذي كان مقيماً في منزله بمصراتة، إلى أن عرض أفراد من ذوي نفوذ داخل حكومة الوحدة الوطنية، يُعتقد أن واحداً منهم ابن شقيق رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة، احتجاز مسعود وتسليمه إلى حكومة الولايات المتحدة.
وبعد انتشار الخبر انطلقت سلسلة كبيرة من التنديدات عبر عنها ناشطون ومؤسسات وحتى منظمات المجتمع المدني النائمة والتي لم تعمل لفترة طويلة فضلا عن الأحزاب السياسية.
وطالب 88 عضواً في مجلس النواب، الإثنين، في بيان رئاسة المجلس بالدعوة لعقد جلسة طارئة لمناقشة الموضوع موضحة إن تسليم أي مواطن ليبي لدولة أجنبية خارج إطار القانون جريمة نكراء ومخالفة لكل الأعراف والمواثيق المحلية والدولية، وأن قضية لوكربي قد أقفلت بشكل قانوني كامل، مشيراً إلى أن إعادة فتحها تعد تخلياً عن المواثيق والعهود الدولية وتعدياً سافراً من الحكومة الأمريكية واستغلالاً سيئاً للظروف التي تمر بها ليبيا.
كما طالبت رئاسة مجلس النواب من النائب العام تحريك الدعوى الجنائية ضد كل من تورط في خطف المواطن أبوعجيلة وسلمه إلى جهات أجنبية، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية احتجازه في رسالة من المستشار القانوني لمكتب رئاسة مجلس النواب أشرف المبروك الدوس إلى النائب العام المستشار الصديق الصور، وقالت الرسالة إن هذه القضية جرى تسويتها نهائياً مع الحكومة الأمريكية سابقاً بموجب اتفاق رسمي، وترتب عنها عدم المسؤولية الجنائية للدولة الليبية وتعويض المتضررين على خلفية هذه الواقعة تعويضاً مادياً.
وفي ذات السياق قال رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، إنه يخشى أن تكون عملية تسليم مواطن ليبي، قد جرت خارج الأطر القانونية ودون إشراف القضاء الليبي، معتبراً ذلك خرقاً قانونياً فاضحاً ومساساً بسيادة الدولة الليبية واستقلال قضائها الوطني.
واستنكر الحزب الديمقراطي عملية خطف أبوعجيلة وتسليمه إلى دولة أجنبية، إثر اتهامه في قضية لوكربي التي جرى تسويتها باتفاق رسمي، وتحملت الدولة الليبية في سبيل ذلك تعويضات باهظة وغير مسبوقة.
كما دان أيضاً تحالف القوى الوطنية تسليم المريمي للسلطات الأمريكية، واحتجازه هناك إثر اتهامه في قضية لوكربي قائلاً إن ما حدث انتهاك لسيادة الدولة والعهود والاتفاقات، ودعا إلى بناء العلاقات الليبية الدولية على أساس احترام القوانين والمواثيق الدولية، واتفاقيات تسليم المجرمين والمشتبه به.
وأحال الرئاسي أيضاً إلى النائب العام الشكوى المقدمة من عائلة المواطن أبوعجيلة مسعود بشأن اختفائه قسرياً مطالباً إياه باتخاذ الإجراءات اللازمة وفقاً للاختصاص وفي ذات السياق، دعت لجنة العدل والمصالحة الوطنية بمجلس النواب النائب العام الصديق الصور إلى ضرورة فتح تحقيق في واقعة اختطاف المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود وتسليمه للسلطات الأمريكية، مطالبة بإحالة كل من شارك في هذه الواقعة للقضاء.
وإثر هذه الدعوات قال النائب العام المستشار الصديق الصور، الأربعاء، إن النيابة باشرت التحقيقات في واقعة تسليم المواطن أبوعجيلة مسعود المريمي بدون إجراءات قانونية، مضيفا في تصريحات بحضور وسائل إعلام ليبية أن الشكوى بهذا الخصوص عرضت علينا، والأمر محل التحقيق، وسنعلن نتائج التحقيقات في حينها.
وفي ذات الإطار، أدان عدد من الناشطين والصحافيين واقعة خطف وتسليم المواطن الليبي المريمي، مطالبين الولايات المتحدة بإعادته إلى أرض الوطن لأنها غير مخولة قانوناً بمحاكمته، التي من المفترض أن يختص بها القضاء الأسكتلندي، على فرض أن ليبيا وافقت على التسليم. وقد صدر البيان على هيئة مراسلة إلى رئيسي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والنائب العام، ورئيس جهاز المخابرات العامة، وقع عليها 120 شخصاً.
وأعلن ممثلون عن مؤسسات للمجتمع المدني في ليبيا، الأربعاء، عن خطوات تصعيدية للضغط من أجل إعادة المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي الذي جرى تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية، في تورطه المزعوم بقضية لوكربي.
وطالب البيان المشترك، المُوقع من 85 شخصية، محكمة الجنايات الدولية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومجلس النواب الليبي والمجلس الرئاسي ومكتب النائب العام، والمجلس الأعلى للقضاء وكل المؤسسات الوطنية ذات العلاقة، بالتحري السريع من أجل إعادة الرهينة المختطف أبوعجيلة مسعود لأرض الوطن بالسلامة.
ودعا البيان إلى إطلاق حملات تبرعات شعبية عامة وخاصة لجمع مبالغ مالية لتوكيل فريق محاماة دوليين للدفاع عن أبوعجيلة، والعمل على إطلاقه والدعوة لها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقال وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة المكلفة من مجلس النواب، حافظ قدور، إن الوزارة ستكلف مكتب محاماة دولياً للدفاع عن المواطن الليبي المريمي، المحتجز في الولايات المتحدة على خلفية تورطه المزعوم بقضية لوكربي.
وأضاف أن الوزارة ستطلب من المكتب توضيح الطريقة التي بموجبها جرت عملية تسليم أبوعجيلة، ومدى توافقها مع القوانين المحلية والدولية، حسب ما جاء على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الخميس. ودعا قدور، الكفاءات القانونية الليبية إلى المساهمة مع مكتب المحاماة المكلف والتنسيق معه بالخصوص فور اختياره.
ولم يصدر أي رد رسمي من الدبيبة على كل ردود الفعل والمطالبات هذه إلا مساء الخميس، فقد نشر مقطع فيديو تحدث فيه عن خلفيات وأسباب تسلميه للمواطن أبوعجيلة قائلا أنه جرى تسليمه إلى الولايات المتحدة لمحاكمته على خلفية تورطه في قضية لوكربي.
وقال الدبيبة: «أبوعجيلة أحد عناصر التنظيم الذي خطط لتفجير طائرة لوكربي وقام بصناعة القنبلة والمتفجرات ووضعها داخل الأمتعة الخاصة بالمسافرين في عملية إرهابية أودت بحياة 270 روحا بريئة» مضيفا أن «ملف لوكربي من حيث مسؤولية الدولة الليبية قد أقفل، بسبب المليارات التي دفعت من أموال ليبيا، والمتهم أبوعجيلة الذي يحمل الجنسيتين الليبية والتونسية ورد اسمه في التحقيقات منذ عامين فقط وتطور مسار التحقيق حتى قبل مجيء حكومتنا وصدرت بحقه مذكرة قبض من الإنتربول».
ومضى يقول: «صار لزاما علينا التعاون في هذا الملف لمصلحة ليبيا واستقرارها ومحو وسم الإرهاب من على جبين أبناء الشعب الليبي البريء» مردفا «أوفدت فريقا حكوميا للاطّلاع على حالة المتورط في الولايات المتحدة وباشرنا إجراءات تسفير عائلته لزيارته ووجهت بتكليف مكتب محاماة بصرف النظر عن تورطه وإرهابه».
وأضاف «لن أرضى أن تتحمل ليبيا وشعبها تبعات عمليات إرهابية ارتكبت منذ أكثر من 30 عاما ولن أرضى أن يصنف الليبيون بالإرهابيين بسبب وجود متهمين بالإرهاب على أرضها» وختم رئيس الحكومة الليبية «مصلحة الشعب الليبي تقتضي التعاون مع الدول الكبرى ولعل أولى الأولويات التعاون في قضايا مكافحة وملاحقة الإرهاب».

حكومة الوحدة تحث مصر على إطلاق مفاوضات حول الحدود البحرية

مقر وزارة الخارجية والتعاون الدولي في طرابلس، (أرشيفية: الإنترنت)

 

حثت وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، مصر على ترسيم الحدود البحرية من خلال اتفاق عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين وتحترم مبدأ المساواة، استنادا إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

جاء ذلك في بيان أصدرته اليوم الجمعة، رفضت فيه قرار مصر تحديد الحدود البحرية الغربية مع ليبيا، واعتبرته «ترسيما غير عادل» بموجب القانون الدولي، لأنه «معلن من جانب واحد»، ما يعد «انتهاكا للمياه الإقليمية والجرف القاري لدولة ليبيا».

الخارجية تدعو الحكومة المصرية إلى التفاوض
ودعت الوزارة، الحكومة المصرية إلى النظر في إطلاق المحادثات حول الحدود البحرية مع حكومة الوحدة، قائلة إن الخط الحدودي البحري المعلن لا يأخذ بالاعتبار تساوي المسافة بين السواحل الرئيسية لليبيا ومصر.

كما أشار البيان إلى احترام ليبيا التزاماتها وقضية الجرف القاري مع كل من تونس ومالطا، في الفترة القريبة الماضية، كما نبهت إلى إمكانية حل الأمر بالوسائل السلمية للتسوية، بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، التي سيتفق عليها بين الطرفين خلال المفاوضات.

باشاغا يدعو إلى التفاوض
كما دعا رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، الأربعاء الماضي، مصر وتركيا واليونان إلى «عدم اتخاذ خطوات أحادية» بخصوص ترسيم الحدود البحرية»، مؤكدا «استعداد حكومته للتفاوض» بما يخدم مصالح الجميع.

ويوم الثلاثاء الماضي، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا جمهوريا بتحديد الحدود البحرية لمصر، انطلاقا من نقطة رقم (1) للحدود البرية المصرية الليبية وبطول 12 ميلا بحريا، وصولًا إلى النقطة رقم (۸)، ثم يتجه الخط شمالا بالموازاة مع خط الزوال (٢٥) شرقا، وصولًا إلى النقطة رقم (۹)».

باتيلي: أبلغت الدبيبة بشأن الاجتماع المقبل لرئاستي «النواب» و«الدولة» مع «الرئاسي»

الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبدالله باتيلي، (أرشيفية: الإنترنت)

 

قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باتيلي إنه أبلغ رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة بشأن الاجتماع المقبل لرئاستي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي «للحصول على أقصى درجة ممكنة من الدعم للعملية».

وأشار باتيلي إلى أن العمل جاري مع المجلسين لتحديد مكان وزمان جديدين داخل ليبيا لإتمام هذا اللقاء، كما يتواصل مع المجلس الرئاسي الذي بادر باقتراح عقد اللقاء في الأساس، حسب إحاطته أمام جلسة مجلس الأمن حول ليبيا، اليوم الجمعة.

ولفت المبعوث الأممي إلى أنه حث المجلسين سابقا على الترفع عن المصالح الشخصية والفئوية، والعمل على نحو بناء تجاه إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات خلال أجل زمني محدد، وذلك تماشيا مع التطلعات الملحة لغالبية المواطنين الليبيين.

دعوات متكررة للقاء داخل ليبيا
وألح باتيلي على رئيسي المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري للقاء داخل ليبيا، لإظهار «استعدادهما للشروع بشكل جدي في الحوار بهدف إيجاد مخرج من الأزمة»، وبالفعل وافقا على اللقاء برعاية الأمم المتحدة في الزنتان في الرابع من ديسمبر، مكملا «كان من المؤمل أن يشكل اللقاء فرصة للإيذان باستئناف الحوار السياسي على التراب الليبي، لكن للأسف تأجّل الاجتماع لأسباب لوجستية لم تكن متوقعة بالإضافة إلى العقبات السياسية التي استجدت».

– باتيلي: يجب استقالة الراغبين في الترشح لضمان تكافؤ الفرص بالانتخابات
– الإمارات: ندعم جهود إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا.. ونتطلع إلى خارطة طريق باتيلي
– أميركا: حان الوقت لاستكمال القاعدة الدستورية وآلية عوائد النفط في ليبيا
– السني يطلب دعم مجلس الأمن للحوار الوطني داخل ليبيا.. ويحذر من المساس بالأموال المجمدة
– مندوبة بريطانيا في مجلس الأمن: «خيبة أمل» من عدم إحراز أي تقدم في الاتفاق على أساس دستوري
– باتيلي في مجلس الأمن: قاعدة دستورية متفق عليها بين النواب والأعلى للدولة.. أو «آلية بديلة»

وتابع: «صحيح أن الاجتماعات خارج ليبيا لا تزال مفيدة، إلا أنه من الواضح أن اجتماعات القادة الليبيين داخل البلاد، ستسهم في إعطاء صورة إيجابية للمواطنين عن التئام جروح المجتمع التي خلفها الانقسام، وإشارة إلى وجود إرادة سياسية للتخفيف من خطورة تقسيم البلاد».

شهادات «مروّعة» عن تعذيب ليبيين على يد ميليشيا «الكانيات»

تشييع المواطن عبد الفتاح الفقهي ببني وليد شمال غربي ليبيا الذي عُثر على رفاته بإحدى «المقابر الجماعية» بترهونة (رابطة ضحايا ترهونة)

 

أمضت 5 مدن ليبية ليلتها أمس، تواري الثّرى 12 جثماناً، تمّ التعرّف على هوياتهم بعد العثور عليهم في «المقابر الجماعية» بترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة الليبية طرابلس) مطالبين بالثأر لأبنائهم من ميليشيا «الكانيات».

ولا تزال قصّة «المقابر الجماعية» التي أُعلن عنها للمرة الأولى مطلع يونيو (حزيران) 2020، تكشف عديداً من الأسرار عمّا حدث في هذه المدينة التي سيطرت عليها عائلة «الكانيات» (بقيادة محمد الكاني)، قبل نحو عامين، سواء من شهادات الفارين من التعذيب، أو أسر الضحايا.
ففي مدن طرابلس وترهونة وقصر بن غشير وسوق الخميس وبني وليد، تجمّع آلاف المواطنين لدفن الجثث الـ12 التي أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين، التأكّد من هويّتها.
وأطلع شقيق أحد الفارين من سجون «الكانيات» صحيفة «الشرق الأوسط» على ما ألمّ بشقيقه طول فترة اعتقاله التي تجاوزت عاماً ونصف عام. وقال «أبو سلام» وهو الاسم الذي رمز به لنفسه: «بحثنا عن أخي طويلاً، وعند انتهاء الحرب على طرابلس، عثرنا عليه ومعه آخرون في معقل ميليشيات (الكانيات)، وكانوا عبارة عن بقايا أجساد بشرية، من التعذيب والحرمان من الطعام، فظَهْره تقوّس، وأصبح لا يقوى على الحركة». وطالب المواطن الليبي النائب العام، بسرعة إنجاز التحقيق في تعذيب وقتل أبنائهم، وتقديم الجناة للعدالة.
ما ذكره «أبو سلام»، أكّد عليه مسؤول بـ«هيئة البحث عن المفقودين»؛ مشيراً إلى أنّهم جمعوا شهادات مؤلمة لأُسَرِ المفقودين، وبعض الذين أفلتوا من سجون «الكانيات».
ومن وقت لآخر، يستخرج فريق الهيئة بعض الجثث من «المقابر الجماعية» في صحراء ترهونة أو ما حولها، بجانب ما تمّ انتشاله من جثث متحلّلة أو مقطوعة الرؤوس.
ونقلت منظّمة «هيومن رايتس ووتش» مساء أمس، عن 4 أشخاص، قالت إن باحثيها التقوهم في مارس (آذار) الماضي بليبيا: «إنهم وأقارب لهم كانوا محتجزين في 4 مراكز بترهونة خلال الحرب على طرابلس عام 2019»، كما التقوا أيضاً «بقريب لعشرة أشخاص عُثر على جثثهم في (مقابر جماعية) بعد أن اعتقلتهم ميليشيا (الكانيات) مع رفاقهم».
وقالت المنظّمة إنّ فريقها زار جميع أماكن الاحتجاز الأربعة، ومواقع «المقابر الجماعية» في ترهونة. كما التقى السلطات البلدية هناك، و«الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين»، و«جهاز المباحث الجنائية»، التابع لوزارة الداخلية.
وقالت حنان صلاح، المديرة المشارِكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»: «إن كانت السلطات الليبية عاجزة عن إجراء مساءلة محلّية عن الفظائع ضد أهالي ترهونة، فينبغي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، التحقيق في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. أقارب المئات الذين اعتُقلوا تعسفاً وعُذّبوا، أو أُخفُوا ووُجِدوا فيما بعد في مقابر جماعية، ما زالوا ينتظرون العدالة».
واعتبرت المنظمة أنّ زيارة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، الشهر الماضي، إلى ليبيا «أعادت الأمل في تحقيق العدالة التي طال انتظارها لضحايا ميليشيا محلية سيطرت على بلدة، خلال معركة السيطرة على العاصمة طرابلس».
وقالت «هيومن رايتس ووتش»، إنّها قرّرت حجب أسماء من قابلتهم لحمايتهم من الانتقام بسبب حديثهم علناً، من بينهم سمير (32 عاماً)، وهو مهندس، ورَوَى أنّ «(الكانيات) كانت تستهدف عائلته منذ 2014، وأنّه قرّر مغادرة ترهونة إلى طرابلس في 2016 بعد بدء القتل».
وأضاف سمير أنّه في أبريل (نيسان) 2021، خطفه شخصان، تعرّف عليهما على أنّهما مرتبطان بـ«الكانيات»، أثناء تسوّقه في سوق بترهونة. واقتاداه إلى ما أصبح يُعرَف بـ«سجن الصناديق»، وهو موقع تابع لوزارة الزراعة بحكومة الدبيبة. وقال إنهما «وضعاه في واحدة من 8 زنازين خرسانية مستحدَثة تشبه الصندوق، مرتّبة على شكل زاوية قائمة (L)، ويبلغ ارتفاعها نحو متر واحد، وعرضها 80 سنتيمتراً مع أبواب معدنية سوداء».
واستولت الميليشيا على هاتفيْه، وأكثر من ألف دينار ليبي (200 دولار أميركي)، وبطاقته الشخصية، ورخصة قيادته. وقال سمير إنّه احتُجز في «سجن الصناديق» لشهر ونصف، ولم يعطِه أحدٌ أي سبب لاعتقاله. قال له الحرّاس فقط: «مشكلتك مع الحاج»، أي: «مع الكاني». وقال إنه لم يرَ أياً من الإخوة «الكاني» مطلقاً أثناء احتجازه؛ لكنه تعرّف على أصواتهم عند زيارتهم. وأثناء احتجازه، لم يكن على اتصال بأسرته، أو بأي شخص غير الحرّاس.
ولفت إلى أنّه خلال فترة إقامته كلها، مُنح فرصة واحدة لتغيير ملابسه وغسل جسده: «سُمح لي بالذهاب إلى المرحاض مرة واحدة في اليوم. كانوا أحياناً يعتبرون أنّني أبطأ مما يجب، فكان أحدهم يضربني. كان لدي زجاجة صغيرة واستخدمتها للتبوّل. كان عليَّ أن أستخدمها بحذر لأنّني لا أتمكّن من إفراغها إلا عندما كان يُسمح لي بمغادرة الزنزانة».
ونوّه إلى أنّه كان يسمع في السجن كل يوم إطلاق نار، بما يشمل طلقات بنادق «كلاشنيكوف»، ويفترض أنّ الناس يُقتلون: «كلّ يوم، كلّ مرة تُفتح البوابة الرئيسية، كنت أعتقد أنّهم سيقتلونني. كانت أبواب الزنازين تُفتح يومياً، وبعد ثوانٍ فقط كُنت أسمع طلقات نارية».
وعُثر لاحقاً على جثث بعض الذين اعتقلتهم ميليشيا «الكانيات»، في «مقابر جماعية» لا تحمل علامات حول ترهونة. ومن بين 261 جثة استُخرِجت منذ يونيو 2020 من هذه المقابر، تمّ التعرف على 160 جثة من قبل «الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين»، التابعة لحكومة «الوحدة» المؤقّتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وسمّى الأشخاص الذين قابلتهم «هيومن رايتس ووتش» شخصيات على صلة بهذه الجرائم، منهم محمد الكاني الذي قُتل في يوليو (تموز) 2021، على أيدي مسلّحين مجهولين في بنغازي، وشقيقه محسن الذي قُتل خلال اشتباكات جنوب طرابلس في سبتمبر (أيلول) 2019. سمّى المحتجزون السابقون أيضاً عدداً من شركائهم، منهم كبار مسؤولي السجون.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 عقوبات على محمد الكاني وميليشياته، بموجب «قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة بشأن حقوق الإنسان» بسبب «قتل المدنيين والتعذيب والإخفاء القسري وتهجير المدنيين».
وفي اليوم الذي انتهت فيه الحرب على طرابلس في 5 يونيو 2020، فتح رجل أبواب الزنازين فجراً؛ لكنه أبقى الباب الرئيسي مغلقاً، وسرعان ما جاءت الشرطة إلى المكان. وحسب الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين، أُبلغ عن فقدان 400 شخص، بينهم نساء وأطفال، في ترهونة، منذ عام 2012.
وأعلن النائب العام الليبي الصديق الصور، في أغسطس (آب) 2022، أنّ لجنة التحقيق القضائي المكلّفة بالتحقيق في جرائم «الكانيات» فتحت 280 قضية جنائية، أُحيلت عشر منها على القضاء.

ثلاث قمم في قمة: الصين تتوغل في العالم العربي على بساط من الحرير

 

رشيد خشــانة – أمريكا لا تنظر بعين الرضا إلى التقارب الصيني مع حليفتها السعودية، إلا أنها لا ترغب بفتح أزمة مع الرياض في الظرف الراهن.

عندما يصل الزائر إلى مدخل ميناء المياه العميقة بشرشال (غرب الجزائر) يُلاحظ لوحة كبيرة كُتبت عليها بين الرايتين الجزائرية والصينية، هذه العبارة: «رباط الصداقة يجمعنا دائما… معا نُحقق طريق الحرير» باللغة العربية والصينية والفرنسية. ويدلُ إنجاز هذا المشروع العملاق، الذي ينافس ميناء طنجة المغربي، على أهمية الدور الذي باتت تقوم به الصين في الجزائر، وهي أكبر دولة مغاربية، حيث أزاحت فرنسا من موقع الشريك الاقتصادي الأول للجزائريين. ومشروع ميناء شرشال، الذي تقدر كلفته بستة مليارات دولار، سيُستكمل إنشاؤه العام المقبل، ويعدُ الأكبر متوسطيا والخامس عالميا.
ومع التطور السريع للعلاقات الثنائية، انضمت الجزائر إلى طريق الحرير الصيني، وما تضمنه من مشاريع استراتيجية. وفي خط مُواز تفاقم غزو المنتجات الصينية للجزائر وبلدان الجوار، فصارت المصدر الرئيس لتموين الأسواق المغاربية الموازية، مُحطمة السلع الأوروبية، العاجزة عن منافسة منتجات ذات أسعار زهيدة، تُناسب إمكانات الفئات الفقيرة وحتى المتوسطة. بالمقابل تحتاج الصين لاستقطاب استثمارات طاقية، تقليدية وغير تقليدية وأخرى متجددة، وهي تجد مثل تلك التمويلات لدى دول الخليج.

أكبر مستهلك للنفط
على هذه الخلفية ما فتئ الحضور الصيني يتوسع ويتمدد في كافة أرجاء العالم العربي، ويمنح مساعدات وقروضا مُيسرة، ويبني شراكات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع دول المنطقة، على حساب القوى التقليدية الغربية. من هنا استطاع السعوديون إدماج ثلاث قمم في واحدة، بين السابع والتاسع من الشهر الجاري، الأولى ثنائية سعودية صينية والثانية عربية صينية والثالثة خليجية صينية. وأتت «القمة العربية الصينية الأولى للتعاون والتنمية» لتُضفي بعدا سياسيا واستراتيجيا على العلاقات الاقتصادية بين بكين والعالم العربي. وتُعزى مبادرة السعودية بإقامة القمم الثلاث في الرياض، إلى حجم الروابط الاقتصادية العميقة بينهما، إذ تعتبر الصين أكبر مستهلك للنفط السعودي.
وأعلنت «شركة الزيت العربية السعودية» (أرامكو) إحدى كبرى الشركات العالمية في مجال الطاقة، ومجموعة شاندونغ الصينية للطاقة، عن استكشاف فرص للتعاون في مجال التكرير والصناعات البتروكيميائية في الصين. وتوصلت الشركتان إلى التوقيع على مذكرتي تفاهم تتضمن الأولى اتفاقية لتوريد النفط الخام، واتفاقية ثانية لشراء منتجات كيميائية، ما يُعزز دور «أرامكو» السعودية في بناء قطاع مزدهر للتكرير والبتروكيميائيات في مقاطعة شاندونغ الصينية. ويمتد نطاق مذكرة التفاهم ليشمل التعاون عبر التقنيات المتعلقة بالهيدروجين، ومصادر الطاقة المتجددة، واحتجاز الكربون وتخزينه.

تموقع جديد

ويسعى السعوديون من خلال «أرامكو» إلى التموقع في أعماق قطاع الطاقة الصيني، من أجل خلق مسارات جديدة للنّمو، في بلد يقود التكامل المتزايد لعمليات التكرير والبتروكيميائيات وسبر مصادر الطاقة المتجددة، وهي مجالات رئيسية «ستشكل المستقبل المشترك للقطاع» حسب محمد القحطاني نائب رئيس «أرامكو». وتُعزز هذه الاتفاقيةُ جهود الشركة السعودية لتلبية الطلبات الصينية على الطاقة والبتروكيميائيات والمواد اللامعدنية، مع سعيها لتوسيع طاقتها في مجال تحويل السوائل إلى مواد كيميائية لتبلغ 4 ملايين برميل في اليوم بحلول العام 2030. أكثر من ذلك شكلت القمة السعودية الصينية وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض مناسبة للتوقيع على شراكة إستراتيجية للتعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي. وأفصح الصينيون في القمة عن رغبتهم بتدفق الاستثمارات من السعودية والجزائر بالأساس، لتطوير صناعة النفط الصينية.
وتدلُ كثافة الزيارات المتبادلة بين زعيمي الصين والسعودية، في السنوات الأخيرة، على الأهمية التي يوليها كل طرف للعلاقات مع الطرف الثاني، إذ زار الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية في كانون الثاني/يناير 2016 قبل أن يزور الملك سلمان الصين في آذار/مارس 2017 وهو قليل الزيارات للخارج. ولعل الزيارة الأهم هي تلك التي أداها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، للصين في شباط/فبراير 2019 باعتبارها مهدت للتوصل إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الحالية. لكن الطريف أن السعودية ذكرت الحزب الشيوعي الصيني بخير في البيان المشترك، الصادر في أعقاب القمة السعودية الصينية، إذ ورد فيه أن الجانب السعودي «هنأ الصين بنجاح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني» وهو موقف جديد من نظام سياسي يرفض التعددية الحزبية، خصوصا أن الأمر يتعلق بحزب يعتنق الشيوعية.

المغرب نقطة محورية؟

وكانت الصين وعدت في الدورة الثالثة للمنتدى الصيني العربي في أيلول/سبتمبر الماضي، بتطوير تعاون متين وأخضر ودائم مع العالم العربي بوصفه مجالا حيويا يستوعب توسعها الاقتصادي والاستراتيجي. وفي شمال أفريقيا تحديدا يأمل الصينيون أن يشكل المغرب نقطة انطلاق محورية لتحقيق أهداف مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني في العام 2013 على صعيد المنطقة المغاربية. وبمناسبة الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لبكين العام 2016 تم التوقيع على الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، التي شكلت محطة جديدة في مسار العلاقات الثنائية.
وتقوم مبادرة «الحزام والطريق» التي تعرف أيضا باسم طريق الحرير الجديد، أو طريق الحرير للقرن الحادي والعشرين، على ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، بُغية ربط أكثر من سبعين دولة في ما بينها. وكان الرئيس الصيني أطلق هذه المبادرة في العام 2013 وهي ترمي إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار. وبتعبير آخر فإن الصين التي توصف بكونها مصنع العالم، ستستفيد من هذا الانجاز في تسييل الطرق المؤدية إلى الأسواق العالمية، واستطرادا تعزيز ولوج صادراتها إلى مختلف دول العالم.

دول البريكس

كما تنص اتفاقية 2017 بين المغرب والصين ‏على تعهد الشركات الصينية الكبرى بالاستثمار في المغرب، خصوصا في صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والبنية التحتية والتجارة الإلكترونية والصناعة الزراعية والنسيج. ومما لاريب فيه أن أمريكا لا تنظر بعين الرضا إلى التقارب الصيني مع حليفتها السعودية، إلا أن واشنطن لا ترغب أيضا بفتح أزمة مع الرياض في الظرف الراهن، لأن الجانب الاقتصادي هو الطاغي في نتائج القمم الثلاث التي استضافتها السعودية، ولأن الملفات المفتوحة مع روسيا وإيران ودول أخرى لا تُتيح للأمريكيين المناخ الملائم لإجراء جردة حساب مع بكين. أكثر من ذلك، بدا وكأن الأمريكيين متضايقون من رغبة السعوديين الالتحاق بتجمُع «بريكس» الذي يضم قوى صناعية صاعدة بينها الصين والهند والبرازيل.
والدولة العربية الأخرى التي تقدمت بطلب انضمام إلى مجموعة «بريكس» هي الجزائر التي تحظى بدعم كامل من الصين، ما يدلُ على الاتجاه نحو تشكُل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهو عنصر مهم يفرض بناء شراكات إستراتيجية بين الدول المعنية هنا وهناك. واللافت أن العرب ما زالوا، على الرغم من المستوى المتقدم للتعاون العربي الصيني، يسعون إلى فهم أكبر وأعمق للظاهرة الصينية الفريدة، أسوة بالباحث المغربي الدكتور نزار لفراوي، وهو صحافي بوكالة المغرب العربي للأنباء، الذي أصدر كتابا عنوانه «الصين… زعامة القرن». كما أصدر مواطنُه الشاعر عبد الحميد جماهري أخيرا أيضا كتابا جديدا عن زياراته للصين بعنوان «ذهبنا إلى الصين وعُدنا من المستقبل». والمستقبل العربي لن يكون بالتأكيد متماهيا مع المستقبل الصيني، الذي قطع سنوات ضوئية من النمو، منذ رحيل الرئيس ماوتسي تونغ، وزعيم المصلحين تنغ هسيو بينغ، الذي وضع علامات الانتقال إلى اقتصاد السوق. وربما الأهم من الاستثمارات وصفقات النفط أن يأخذ العرب عن الصينيين ذهنيتهم وبراغماتيتهم، وخاصة تقديسهم للعمل.

جريدة «الوسط»: عقيلة والمشري يتبادلان رمي الكرة على ملعب القضاء

جلسة مجلس النواب في بنغازي، الثلاثاء 6 ديسمبر 2022. (مجلس النواب)


مرة أخرى يلجأ مجلسا النواب والدولة إلى لعبة الشد والجذب، فيتفقان ثم لا يتفقان، وهذه المرة اختارا ساحة القضاء لتدخل الأزمة في البلاد طورا جديدا من التعقيد، فقد قرر مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية مقرها بنغازي، وهو سرعان ما رد عليه مجلس الدولة بالرفض، والطعن فيه من الناحية الدستورية.

جاءت هذه الخطوة بعد إلغاء اجتماع كان مقررا أن يحضره ممثلون عن المجلسين في مدينة الزنتان، عزز القناعة لدى الشارع الليبي بأن هذه الأجسام القائمة سواء التنفيذية منها أو التشريعية لا تعمل باتجاه تحقيق آماله في حلحلة الأزمة، وتقريب موعد الاستحقاق الانتخابي، بل كثيرا ما شكلت حجر عثرة في مسار العملية السياسية، وبالتالي عرقلة الوصول إلى صناديق الاقتراع بافتعال الخلافات والمناكفات السياسية.

«الدستورية» تفجر الخلاف بين عقيلة والمشر
وفي آخر جولات الخلاف خلط رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الأوراق على خلفية دفاع الأول عن قانون إنشاء المحكمة الدستورية، في حين أعلن خصمه تعليق التواصل معه إلى حين إلغاء القانون.

ولا يمكن لمتابعي الشأن الليبي الفصل بين تسريع قرار إنشاء المحكمة، وإلغاء اجتماع الزنتان، وما جرت عليه الأمور في محادثات القاهرة قبل أسبوع، التي جمعت رأسي المجلسين، وفشلا فيها في التوصل إلى اتفاق عملي على تشكيل مجلس رئاسي جديد، وسلطة تنفيذية فيما كانت مطالب كثيرين تنصب على ضرورة أن تكون الأولوية للتفاوض حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات.

وتبدو أهمية قرار إنشاء محكمة دستورية في التوجه نحو التعامل مع ملف الطعون الدستورية، لاسيما أنه سبق أن عين مجلس النواب 45 قاضيًا جديدًا في المحكمة العليا، إضافة إلى تغيير رئيسها السابق. ويوم الثلاثاء، أقر البرلمان بالغالبية مشروع القانون الذي قدّمه صالح لتشكيل محكمة دستورية في بنغازي تتكون من 13 عضواً يعيّنهم المجلس في أول تشكيل لها.

المشري يعلق التواصل مع عقيلة
ولدى رده على المعارضين اعتبر مجلس النواب، الأربعاء أن «القانون يُحقق العدالة ولا تأثير له على المسار الدستوري الذي عندما يصدر من خلاله الدستور ستلغى كافة القوانين المخالفة لنصوصه»، وفق بيان لعقيلة صالح نشره المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق عبر صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، مضيفا أن إصدار القانون «تأكيد على حماية الحريات والحقوق وإضافة قضاء متخصص في الشأن الدستوري».

وكان الرد موجها تحديدا إلى المشري الذي أعلن تعليق التواصل مع صالح، وكذلك تعليق أعمال اللجان المشتركة بينهما إلى حين إلغاء قانون إنشاء المحكمة ببنغازي، بدلاً من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس، ويبرر المشري موقفه بقوله: «لا نعتبر قانون إنشاء محكمة دستورية من ضمن الصلاحيات التشريعية، بل هو شأن دستوري»، بل يرى أن «إجراء مجلس النواب يزعزع الثقة التي نحاول أن نبنيها بين مجلسي الدولة والنواب ويهدم جهود الوصول إلى توافق حول المسار الدستوري ويعمق الانقسام المؤسسي في البلاد».

وذهب المشري في رسالة بالخصوص حد دعوة رئيس ومستشاري المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء وأعضاء الهيئات القضائية إلى عدم الاعتداد أو العمل بقرار مجلس النواب، ولم تكن الدائرة الدستورية في طرابلس تعمل منذ العام 2016، قبل أن يصدر قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بعودتها إلى العمل، استجابة لمطالبات بتفعيلها للفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية سببت أزمات سياسية في البلاد.

المشري يتوعد الدبيبة.. وحفتر يظهر في أجدابيا
يأتي كل هذا فيما تستمر فصول الصراع على السلطة بين متصدري المشهد، إذ توعد رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة بإخراجه من السلطة، قائلاً عبر «تويتر» إن «من جاء بالانتخابات يخرج بالانتخابات، ومن جاء باتفاق سياسي يخرج باتفاق سياسي».

وليس بعيدا عن هذه المستجدات في خريطة الأزمة الليبية، خرج قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر أمام جموع كبيرة من المواطنين في أجدابيا مهاجما مركز السلطة التنفيذية العليا في طرابلس التي اعتبرها تقع تحت سيطرة المجموعات المسلحة منذ سنوات، مؤكدا أن الوضع هناك هو من أبرز العراقيل التي أدت إلى فشل المساعي نحو الحل الشامل، ولدى تطرقه إلى الوضع السياسي في البلاد رأى حفتر أن الحلول التلفيقية أثبتت عدم جدواها، وبقاء هذه الحلول إضاعة للوقت والجهد وتفاقم للأزمات. كما أعلن رفضه مطالب منع العسكريين من المشاركة في العملية الانتخابية.

ويرى معظم الليبيين على مستوى النخب والشارع أن ما يجري بين من يسمون بأطراف الأزمة هو دليل جديد على السعي لإجهاض العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، بما فيها تقريب موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد، طمعا في حفاظ تلك الأطراف على مواقعهم في صدارة المشهد الليبي، كل يستند إلى حليفه الخارجي، في ظل نظرة هؤلاء الليبيين بشيء من التفاؤل للتقارب الذي يحدث بين الأطراف الإقليمية المؤثرة في الحالة الليبية، أملا في انعكاس هذا التقارب على حل الأزمة في ليبيا.

كأس العالم فلسطين عنوانُ رسالة مغاربية من الدوحة إلى العالم

 

رشيد خشـــانة – أربعة أحداث بارزة تختزل الموقف المغاربي من القضية الفلسطينية، أولها إجبار القيادة الفلسطينية على الخروج من بيروت إلى تونس في العام 1982 وثانيها الغارات الإسرائيلية على ضاحية حمام الشط، جنوب العاصمة تونس في خريف العام 1985 ثم إعلان قيام الدولة الفلسطينية، بعد ثلاث سنوات، من قصر الصنوبر، في ضاحية العاصمة الجزائرية، وأخيرا تحقيق المصالحة الفلسطينية المؤجلة منذ سنوات، في خاتمة «مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية» بالجزائر، في تشرين الأول/اكتوبر الماضي.

وطأت أقدام القيادات الفلسطينية أرض المغرب الكبير في وقت مبكر ومن بوابة الجزائر، بعد نيل استقلالها (1962) إذ أفسحت المجال أمام حركات المقاومة لكي تقيم معسكرات تدريب على أراضيها، وأشرف على إدارة هذه العملية الدقيقة، خليل الوزير (أبو جهاد) القائد العسكري لحركة «فتح» وأحد مؤسسيها البارزين، خصوصا بعد انطلاق الكفاح المسلح، مطلع العام 1965. ومن مفارقات الزمن أن مخالب جهاز «الموساد» الإسرائيلي وصلت إلى أبو جهاد واغتالته في العام 1988 في الفيلا التي كان يُقيم فيها في ضاحية سيدي بوسعيد، غير بعيد عن قصر قرطاج، مقر إقامة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي. لم يُكشف الشيء الكثير عن تفاصيل تلك العملية، إلا أن المظاهرات عمت وقتها شوارع تونس، واتهمت النظام الحاكم بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن الاغتيال، لاسيما أن أبو جهاد كان يقود الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وهو ما جعل «الموساد» يستهدفه من دون باقي القيادات الفلسطينية المقيمة في تونس آنئذ. ويمكن القول إن حلول تلك القيادات بتونس في العام 1982، بعد صفقة أشرف عليها نائب وزير الخارجية الأمريكي فيليب حبيب، غير ملامح العلاقات التونسية الفلسطينية تغييرا جوهريا.
ففي أعقاب محاصرة الجيش الإسرائيلي لبيروت، تمكن حبيب من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين منظمة التحرير والدولة العبرية، والسماح للقيادات الفلسطينية بمغادرة لبنان إلى تونس وسوريا. وتحامل الرئيس العجوز حبيب بورقيبة على نفسه وسافر إلى مدينة بنزرت ليستقبل في مينائها القيادات والكوادر الفلسطينية الآتية من لبنان، وعلى رأسها ياسر عرفات. لكن الجمهور استقبل القادمين على طريقته فزحف صوب ميناء بنزرت في مظاهرات عارمة تأييدا لاستمرار المقاومة. مزج ذلك الاستقبال التونسيين مع الفلسطينيين، ففتح أهل البلد قلوبهم وبيوتهم للأسر الفلسطينية. وسرعان ما انتقلت دوائر منظمة التحرير ومركز التخطيط الفلسطيني إلى تونس، وصار الفلسطينيون يقطنون أحياء المنزه والمنار والمرسى والزهراء، ما ساعد على بناء نسيج واسع من العلاقات الاجتماعية كُلل بكثير من الزيجات المشتركة. وفي غزة ما زال الغزاويون يُطلقون على الحي الذي تقطنه أسر العائدين من تونس بعد اتفاقات أوسلو «حي التوانسة».
هذا الدور الذي لعبته تونس استدعى اهتمام الأجهزة الإسرائيلية، فخططت لتوجيه ضربة جوية إلى القيادات العسكرية الفلسطينية وياسر عرفات، خلال الاجتماع المقرر للأول من تشرين الأول/اكتوبر 1985. وفيما كانت القاذفات الإسرائيلية تُحلق باتجاه تونس، تقرر إرجاء الاجتماع لأسباب لا علاقة لها بالغارة، لكن تنفيذ العملية استمر، إذ أُطلقت في الساعة العاشرة صباحا، وهو الميقات الذي كان مقررا لعقد الاجتماع، ستة صواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية، التي كانت تستأجر منزلاً في منطقة حمام الشط، فأزالته تماماً من الوجود. كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر ياسر عرفات ومكتبه والمقر الخاص بحراساته، ليسقط في هذه الغارة 68 قتيلا وأكثر من 100 جريح من الفلسطينيين والتونسيين.
عاد المغرب العربي ليضبط ساعته على ساعة فلسطين، عندما أعلن الرئيس الراحل عرفات، في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 عن «قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر، وعاصمتها القدس الشريف» في حضور الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وكافة فصائل منظمة التحرير. كان ذلك في ختام اجتماعات الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني (برلمان المهجر). وبالرغم من أن الوثيقة عُرفت بـ«وثيقة الاستقلال» إلا أن الاستقلال لم يُبصر النور بعدُ. كما أتى إعلان الدولة في ذروة الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في كانون الثاني/يناير 1987 والتي عُرفت بـ«انتفاضة الحجارة». وكانت إحدى ميزات هذه الانتفاضة الشعبية أنها أجبرت الدول العربية، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال، على تجميد العلاقات وسحب رؤساء مكاتب الاتصال من تل أبيب. وكانت تونس والمغرب البلدين المغاربيين المعنيين بتنفيذ قرار القمة العربية هذا.

مصالحة في الجزائر

ومع اندلاع الحرب الأهلية في الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي، غاص البلد في الصراعات الداخلية، التي ألهته عن دعم الفلسطينيين، عدا مؤازرتهم معنويا في المحافل الدولية، إلى أن استقرت الأوضاع أخيرا، وبدأت العودة إلى الاهتمام بالملف الفلسطيني، نزولا عند ضغوط المجتمع المدني والنخب الجزائرية المؤيدة للقضية. وأهم خطوة في إطار هذا الحب العائد، كما يقول الكاتب بهاء رحال، دعوة الرئيس عبد المجيد تبون جميع الفصائل الفلسطينية، أي الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير، بالإضافة إلى حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» إلى اجتماع مصالحة في الجزائر، أواخر تموز/يوليو الماضي، وهي الدعوة التي لاقت استجابة من الجميع. وبالرغم من صعوبة المهمة التي آل الجزائريون على أنفسهم تحقيقها، استطاع تبون الجمع بين محمود عباس واسماعيل هنية، في 13 تشرين الأول/اكتوبر بعدما وقعا على وثيقة منبثقة من «مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية» بحسب التسمية الرسمية للمبادرة. ودعت حركتا «فتح» و«حماس» القادة والزعماء العرب، الذين كانوا مجتمعين في الدورة الحادية والثلاثين للقمة العربية بالجزائر، الى إقرار إعلان الجزائر للم الشمل الفلسطيني، واعتباره جزءا من مقررات القمة العربية، وتشكيل فريق عمل جزائري-عربي لتنفيذ بنوده.
في السياق اتخذ الجزائريون مبادرات أخرى على الصعيد الدولي لدعم الفلسطينيين، من ذلك تأييدهم على لسان وزير الخارجية رمطان العمامرة، للطلب الذي تقدم به الرئيس الفلسطيني للأمين العام للأمم المتحدة لحصول فلسطين على صفة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وفي ظل تصاعد القمع الإسرائيلي للفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة، ما زالت الجزائر، بوصفها قوة إقليمية، تقدم الدعم السياسي والدبلوماسي للسلطة الفلسطينية، فيما يستمر بعض العرب بالهرولة لاستكمال خطوات التطبيع العسكري والأمني والسياحي والثقافي مع الدولة العبرية.
أما في موريتانيا فوحّدت المظاهرات الداعمة لفلسطين، جميع الأطياف السياسية والحركات الفكرية في البلد، ففي العام الماضي وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، اندفع الموريتانيون إلى الشارع للتعبير عن استنكارهم للعدوان، وشارك في مسيرات التضامن عددٌ من العلماء ورؤساء الأحزاب السياسية ونوابٌ في البرلمان الموريتاني والمسؤولون السياسيون في البلد. وتزامنت المظاهرات في العاصمة مع مسيرات احتجاجية في مدن ومقاطعات داخلية، بما فيها البعيدة عن العاصمة. وجرت حملة واسعة لجمع التبرعات لفائدة الفلسطينيين.

موريتانيا و«الحلف الإبراهيمي»

ولاحظ المحللون تعديلا في سياسة موريتانيا العربية، إذ اقتربت أخيرا من المواقف المغاربية الأخرى، مُبتعدة عن «الحلف الإبراهيمي» الذي اندرج فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. وحسب المحللين السياسيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، أتى موقف موريتانيا تعبيرا عن نهج جديد، يتعارض مع رؤية الدول العربية المُطبعة مع الاحتلال بزعامة الإمارات. وبذلك صارت موريتانيا البلد العربي الوحيد تقريبا، الذي تجسدت فيه وحدة الموقفين الرسمي والشعبي، خلف القضية الفلسطينية.
على العكس من وحدة الموقفين الرسمي والشعبي في موريتانيا، تُباعد القضية الفلسطينية منذ سنوات بين موقف الدولة والموقف الشعبي في المغرب، فالأول يقوم على الانضمام إلى «الحلف الإبراهيمي» مع ما استتبع ذلك من فتح سفارة إسرائيلية في الرباط، بينما تدعو غالبية مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية إلى القطيعة مع الدولة العبرية، بسبب استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، وقمع شعب أعزل لمجرد كونه يطالب بحقوقه غير القابلة للتصرف. واللافت أن اللجان المغربية لمناهضة التطبيع باتت منتشرة في كافة المدن المغربية، وأنها تجمع بين اليمين واليسار، وبين التنظيمات النقابية والتشكيلات السياسية، وبين القواعد والقيادات، لمجابهة محاولات اختراق الجسم المغربي. واستُخدم اليهود المغاربة غطاء لحملات التطبيع الثقافي والسياسي والعسكري والسياحي، بتوجيه تهمة معاداة السامية إلى النشطاء البارزين في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. أكثر من ذلك، رد مناهضو التطبيع على حملات التشويه تلك، بدعوة البرلمان المغربي إلى سن قانون لتجريم التطبيع مع دولة الاحتلال، والحؤول دون جعل المغرب بوابة للتطبيع مع باقي البلدان العربية والإسلامية. مع العلم أن ملك المغرب محمد السادس هو رئيس لجنة القدس، التي لم تجتمع منذ عقود، بالرغم من حجم الاعتداءات اليومية لجنود الاحتلال على المسجد الأقصى والمقدسيين العُزل من السلاح.

مرصد للتطبيع

يجوز القول إن المغاربة هم أول من بادر بتأسيس مرصد للتطبيع، في ظل الحرص على إشراك كافة المكونات في أعماله. واستطاع المرصد في وقت وجيز أن يساهم بشكل كبير في الكشف عن مخططات ومبادرات وأعمال تطبيعية مع دولة الاحتلال ومع حركات صهيونية. وهذا ما أذكى حركات الاحتجاج، ليس فقط في جانب النُخب، وإنما أيضا لدى فئات واسعة من المجتمع. ومع إمعان السلطات في تنويع مجالات التطبيع، بما فيها العسكرية والأمنية، اعتبرت «ميدل إيست مونيتور» أن تل أبيب حققت مكاسب كبيرة، واستغلت المبادرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الخاصة بـ«اتفاقات إبراهام» لمساعدة إسرائيل على تطبيع العلاقات مع جيرانها العرب. ولا يُخفي الجزائريون غضبهم من التنامي السريع للحضور الإسرائيلي في شمال أفريقيا والمنطقة الجنوبية للبحر المتوسط، معتبرين أنه يشكل تهديدا لأمنهم القومي ومصالحهم الحيوية.
وفي السياق كانت مناسبةُ الاحتفاء باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الثلاثاء الماضي، مناسبة للتظاهر أمام مقر مجلس النواب المغربي بالرباط، للمطالبة بسن قانون لتجريم التطبيع. ويكفي استطلاع الشعارات التي رفعها المغاربة في مظاهراتهم واعتصاماتهم ليُدرك المرءُ عمق الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، ومن تلك الشعارات «فلسطين أمانة والتطبيع خيانة» و«المغرب أرضي حرة والصهيوني يطلع برا» و«المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين» و«متحدون لإسقاط التطبيع». أما مباريات كأس العالم فكانت استفتاء من الجماهير الغفيرة، المُحبة للسلم والعدل، مفادها أنها ثابتة على التزامها بدعم الكفاح الفلسطيني، في جميع المحافل الرياضية وغير الرياضية. وتميزت المنتخبات المغاربية الثلاثة (تونس والجزائر والمغرب) برفع علم فلسطين والطواف به أمام المدرجات، وكأنما أراد المشجعون التونسيون والجزائريون والمغاربة، الحاضرون في الدوحة، التذكير بمكانة فلسطين في أفئدتهم، فرفعوا علمها، وقد كُتب عليه «فلسطين حرة» ( Free palestine) فهل وصلت الرسالةُ إلى من يهمه الأمر؟

تشاوش أوغلو: نأمل العمل مع مصر والإمارات لتحقيق المصالحة والأمن في ليبيا

مولود تشاوش أوغلو متحدثا في منتدى حوارات المتوسط في روما، الجمعة 2 ديسمبر 2022. (الخارجية التركية)

 

قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، إن أنقرة تتطلع إلى العمل مع كل من مصر والإمارات لتحقيق المصالح والأمن في ليبيا وإعادة الاستقرار هناك.

وقال تشاوش أوغلو، في كلمته أمام منتدى حوارات المتوسط في روما، اليوم الجمعة، إن ليبيا «البلد بحاجة إلى المصالحة والسلام، ونأمل أن نعمل مع الإمارات ومصر في ليبيا أيضًا» لتحقيق هذا الهدف.