الإثنين 14 يوليو 2025 18 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

تقرير ميونيخ للأمن يحذر من كارثة إنسانية في ليبيا

 

حذر تقرير ميونيخ للأمن من تحول ليبيا إلى ما سماها أزمة ذات أبعاد سورية، وقال إن هناك كارثة إنسانية أخرى وشيكة منذ أن شن حفتر ما وصفه بالمعركة الحاسمة للسيطرة على طرابلس في ديسمبر الماضي.

وأضاف التقرير أن الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار وتنفيذ حظر الأسلحة والعودة إلى العملية السياسية تواجه تحديات كبيرة، وأكد أن تمسك حفتر بالخيار العسكري وتدخل أطراف خارجية في الشأن الليبي أعاق الجهود المبذولة لإنهاء النزاع.

وأشار تقرير ميونيخ للأمن إلى أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى وحدة الهدف فيما يتعلق بليبيا وتنازل تدريجيا عن دوره في حل المسألة الليبية، قائلا إن السياسة التي يتبعها الاتحاد دون إيجاد إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة لن تحقق الاستقرار.

واحتضنت اليوم الأحد مدينة ميونخ الألمانية الاجتماع الأول للجنة الدولية لمتابعة اتفاق برلين بشأن ليبيا، بمشاركة دول عدة من بينها روسيا وتركيا وفرنسا وإيطاليا، وخلصت إلى التزامها بتنفيذ المخرجات المؤتمر بالكامل في ليبيا.

واعتمد الأربعاء مجلس الأمن مشروع القرار البريطاني الداعم لمخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا والداعي إلى وقف إطلاق النار بتصويت 14 دولة وامتناع روسيا عن التصويت.

ويقضي القرار بالتزام أطراف النزاع الليبي بوقف إطلاق النار وتقيد المجتمع الدول بتنفيذ الحظر المفروض على السلاح، إلى جانب استمرار اجتماعات اللجنة العسكرية خمسة زائد خمسة من أجل الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، معربا عن قلقه إزاء ما وصفها بالمشاركة المتزايدة للمرتزقة في النزاع الليبي.

ودان القرار الحصار الذي فرضه حفتر على الحقول النفطية، وأكد ضرورة المحافظة على الثروات النفطية في ليبيا وأن تظل حصرا تحت سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط.

ومدد المجلس في قراره حظر تصدير السلاح إلى ليبيا حتى 30 أبريل 2021، مؤكدا أن الحالة في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، كما مدد الثلاثاء التدابير المتعلقة بالتصدير غير المشروع للنفط الخام من البلاد.

وكشفت مصادر دبلوماسية بـ6 فبراير عن عرقلة روسيا صدور قرار من مجلس الأمن لاعتماد مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد الشهر الماضي، وأوضحت أن موسكو احتجت على كلمة مرتزقة وطلبت تعويضعها بالمقاتلين الأجانب.

ويتطلب صدور القرار موافقة 9 دول على الأقل من أعضاء المجلس الخمسة عشر، شرط ألا يستخدم حق النقض (الفتيو) من أية دولة من الدول الخمس دائمة العضوية (روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا والصين).

واختتم برلين أعماله بـ19 يناير الجاري بحث جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي أنشطة تفاقم الوضع أو تتعارض مع الحظر الأممي للأسلحة أو وقف إطلاق النار، بما في ذلك تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد المرتزقة، فضلا عن دعوة مجلس الأمن الدولي إلى “فرض عقوبات مناسبة على الذين يثبت انتهاكهم لإجراءات وقف إطلاق النار، وضمان تطبيق تلك العقوبات”.

ويعقب برلين بأيام محادثات موسكو برعاية روسيا وتركيا بعد مبادرة تبنتها الدولتان وأعلنها الرئيسان رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين لوقف النار في ليبيا بـ12 يناير الجاري واستجابت لها قوات الوفاق ومليشيات حفتر مع خروقات متفاوتة دون انهيار للتهدئة.

مسؤولة بالأمم المتحدة: حظر الأسلحة في ليبيا بات مزحة

 

قالت مسؤولة بارزة في الأمم المتحدة، الأحد، إن انتهاكات حظر الأسلحة المفروض على ليبيا حولته إلى مزحة ومن الضروري محاسبة من ينتهكونه.

وأضافت ستيفاني وليامز نائبة الممثل الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا في مؤتمر صحافي في ميونخ: “حظر الأسلحة أصبح مزحة.. نحتاج حقا أن نكثف الجهود في هذا الشأن”.

وتابعت قائلة: “الأمر معقد لأن الانتهاكات تحدث برا وبحرا وجوا لكن هناك حاجة لمراقبة ذلك وهناك حاجة للمحاسبة”. (رويترز)

روسيا تجدد تمسّكها بالتسوية السلمية في ليبيا

 

أعرب نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي يوري شفيتكين، عن تمسك روسيا بالتسوية السلمية للأزمة الليبية، والالتزام بمبادئ التفاوض الليبي.

وأضاف: “تعتبر بلادنا من المؤيدين للحل السياسي لتسوية الأزمة في تلك المنطقة، وطبعا نحن لا ننتهك بأي شكل من الأشكال المبادئ التي تحققت في عملية التفاوض. حتما لا يزال من الضروري مواصلة العمل في هذا المجال. نحن نشجب جميع الذين ينتهزون هذه الفرصة، ويحاولون توريد وتوفير الأسلحة والذخيرة”.

وذكّر شفيتكين بأن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، كانا أول من طالبوا بالتسوية السلمية في ليبيا، وأن الاجتماع الأول بين رئيس الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج تم في موسكو، ما يؤكد أن روسيا ملتزمة بالتسوية السلمية في ليبيا.

حفتر يعلن تحديه قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في ليبيا

 

أعلن خليفة حفتر، مساء اليوم الجمعة، رفضه لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار في ليبيا.

وقال في كلمة للمتظاهرين بمدينة بنغازي “نحن على تخوم قلب طرابلس، وقاب قوسين أو أدنى من تحريرها”.

وأضاف “لا مساومة على ثوابت حتى تعود طرابلس حرة آمنة مطمئنة عاصمة لكل الليبيين”.

ووجّه حفتر في كلمته رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفق ما أوردته بوابة “أفريقيا الإخبارية” قال فيها “لولا سيوف أجدادنا العرب لكنت ما زلت تعبد الأصنام والأوثان”، مؤكدا أن قواته لن تتوقف عن القتال.

والأربعاء، صادّق مجلس الأمن على مشروع قرار بريطاني، يدعو إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في ليبيا، ضمن نتائج مؤتمر برلين الدولي.

وبمبادرة تركية ـ روسية، بدأ في 12 يناير/ كانون الثاني 2019 وقف لإطلاق النار بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وقوات حفتر، الذي ينازع الحكومة على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.

وبوتيرة يومية، تخرق قوات حفتر وقف إطلاق النار بشن هجمات على طرابلس (غرب)، مقر حكومة الوفاق، ضمن عملية عسكرية مستمرة منذ 4 أبريل/ نيسان الماضي، للسيطرة على العاصمة.

قوات شرق ليبيا تمنع الأمم المتحدة من استخدام مطار معيتيقة بطرابلس

مطار معيتيقة يوم 12 ديسمبر كانون الأول 2019. تصوير: إسماعيل زيتوني – رويترز

 

قال متحدث باسم قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر يوم الأربعاء إن الجيش الوطني لن يسمح للأمم المتحدة باستخدام المطار الوحيد العامل في العاصمة طرابلس التي يسعى للسيطرة عليها.

وذكر المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري لرويترز أنه سيتعين على الأمم المتحدة استخدام مطارات أخرى مثل مصراتة لأنه لا يمكن لقواته ضمان سلامة الرحلات إلى مطار معيتيقة نظرا لأن تركيا تستخدمه كقاعدة.

كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد ذكرت في وقت سابق يوم الأربعاء أن الجيش الوطني الليبي يمنع الرحلات الجوية التي تنقل موظفيها من وإلى ليبيا.

المال الفاسد يلوث حرية الإعلام في تونس

 

رشيد خشــانة – كان الإعلام إحدى الوسائل الأساسية التي بواسطتها حكم زين العابدين بن علي، على مدى 23 عاما، لكنه كان أيضا السلاح الذي عجل بإسقاط نظامه. وخلال السنوات التسع التي مضت منذ انطلاق مسار الانتقال السياسي أبصر المشهد الإعلامي تغييرات جوهرية مع ظهور عشرات القنوات والمحطات الإذاعية الخاصة والحزبية، فيما تراجعت الصحافة الورقية، واحتجب بعضها تماما. وأفادت دراسة إحصائية مولها الاتحاد الأوروبي أن 60 في المئة من الجمهور بات يعتبر أن هذه الصحافة تجاوزها الزمن، وهو ما يُفسر تراجع الإيرادات والصعوبات المالية الكثيرة التي باتت تواجهها. وعزت الدراسة تراجع الإقبال على الصحف إلى ضعف الإخراج الفني وسوء استخدام الصور، وكذلك إلى تركيز 90 في المئة من المواد الإخبارية على إقليم تونس الكبرى، أي العاصمة وضواحيها.

اختناق مالي

ويتجلى تهميش الصحافة الورقية من خلال حصتها الضئيلة من موازنات الإعلان، التي لا تتجاوز 7 في المئة، وذلك نتيجة استئثار القنوات التلفزيونية، وبدرجة أقل، المحطات الاذاعية، بالقسم الأكبر من نفقات الإعلان. وأنتج الاختناق المالي احتجاجات وأزمات اجتماعية في أكثر من صحيفة، من بينها “لابراس” (الصحافة) اليومية الناطقة بالفرنسية (قطاع عام)، وهي أعرق صحيفة في البلد. كما أن الصحيفة اليومية العريقة الأخرى “الصباح” معروضة للخصخصة منذ سنوات، لأنها مُدرجة ضمن الأملاك المصادرة من أسرة الرئيس الأسبق بن علي، إذ كان صهره صخر الماطري يمتلك 70 في المئة من أسهمها. وكثيرا ما يقوم الصحافيون في دار “لابراس” ودار “الصباح” بحركات احتجاجية لمعرفة مصير مؤسستيهم، فيما يشكو الإداريون من حجم الديون التي يتلكأ زبناء الصحيفتين في تسديدها.

مكسب وحيد

في ظل تراجع الصحف الورقية ازدهرت الصحف الالكترونية وتحول كثيرٌ من اليوميات والأسبوعيات إلى مواقع الكترونية، تبث مواد إعلامية باللغتين، أما الغالبية فاحتجبت واندثرت. مع ذلك، إذا سألت تونسيا “ماذا استفدت من الثورة” (2011)؟ يُجيبك فورا: “حرية التعبير”. ولا يختلف التونسيون على أن حرية التعبير هي المكسب الوحيد، الذي حصدوه من ثورة 2011، إذ فشلت الحكومات المتعاقبة في تشغيل الشباب، العاطل عن العمل، وأخفقت في التخفيف من عبء المديونية، وعجزت عن لجم التضخم واستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية.

ولا تقتصر حرية التعبير على المساحات الواسعة المُتاحة لوسائل الإعلام وحسب، بما فيها التقارير الجريئة التي تبثها الصحافة الاستقصائية، ومنها موقع “انكفاضة” (وليس انتفاضة)، وإنما تشمل أيضا مساحات النقد على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر). واستهدف النقد منذ 2011 جميع المسؤولين في الدولة والأحزاب والمجتمع المدني، من دون استثناء، بمن فيهم رؤساء الجمهورية المتعاقبون. وتكمن قوة هذه التجربة في أن البلد لم يعرف شخصا تعرض للاعتقال أو التعذيب أو الملاحقة القضائية، بسبب نقد لاذع أو شتيمة لمسؤول في الدولة. وهذا ما جعل كثيرا من المراقبين يعتبرون أن المسار التونسي هو تجربة الانتقال الديمقراطي الوحيدة الناجحة في “الربيع العربي”.

مسار مختلف

على أن أوضاع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية اختلفت عن مسار الصحف الورقية، إذ ازدهرت في مرحلة ما بعد الثورة بشكل واسع، وتقدمت القنوات الخاصة سريعا على الإعلام العمومي، مُستقطبة فئات كبيرة من المشاهدين. وبالرغم من تشكيل “الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري” (المعروفة بـ”هايكا”) في وقت مبكر، لم تتسن السيطرة على الانفلاتات المتعددة. ودخل المال السياسي على الخط، إذ باتت بعض القنوات بضاعة تُباع وتُشترى، وتعاقب على ملكيتها رجال أعمال مختلفون. وأدار رجل الأعمال المقيم في بريطانيا الهاشمي الحامدي، حملته الانتخابية في 2011 عبر قناته “المستقلة” التي تبث من لندن، وحل حزبه “العريضة الشعبية” في المرتبة الرابعة. وعاود استخدام القناة وسيلة لحملته الرئاسية في 2014 لكنه لم يُوفق. كما استخدم رجل الأعمال نبيل القروي، أيضا قناته “نسمة تي في” التي حصل على إجازتها في عهد بن علي (2007) لتغطية حملته الانتخابية الرئاسية في مخالفة صريحة للقوانين. وبفضل الدعاية السياسية التي كانت القناة تبثها، على مدى ثلاث سنوات، تحت عنوان أعمال خيرية، استطاع أن يحل في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فيما فاز حزبه بـ38 مقعدا في البرلمان وحلَ ثانيا أيضا. وضرب القروي عرض الحائط بالعقاب الذي قررته في شأنه “الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري” إذ استمرت القناة في البث، حتى بعد سجنه بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي.

وتعرض صاحب قناة “الحوار التونسي” سامي الفهري، بدوره، للاعتقال في العام الماضي، بعد اتهامه بغسيل أموال وإبرام عقود مخالفة للقانون، قبل إخلاء سبيله أواخر الشهر الماضي. وقبل ذلك تم اتهام الفهري بالتلاعب بعقود إنتاج برامج للتلفزيون العمومي، على أيام الرئيس الأسبق بن علي، الذي كان أحد أصهاره شريكا للفهري.

قوانين غير محترمة

وهناك نمط آخر من القنوات “المتمردة” وهي التي يستخدمها حزب سياسي، أسوة بقناة “الزيتونة” التي يتحكم فيها كوادر حزب “حركة النهضة” الحزب الذي لم يغادر الحكم منذ 2011. ويحظر القانون أن تكون القناة أو المحطة الإذاعية تابعة لحزب سياسي، لا بل يحظر أن يكون أحد مُسيريها قياديا في حزب من الأحزاب. ويمكن القول إن غالبية القنوات التي تبث حاليا، عدا القناتين العموميتين، لا تحترم القوانين ولا تكشف عن مصادر تمويلها.

من هنا لعبت وسائل الإعلام، وخاصة القنوات التلفزيونية، دورا سلبيا، إذ صنعت زعامات من فراغ وقزمت قامات سياسية تحظى بالاحترام. وأفضل مثال على صُنع الزعامات رئيس حزب “الاتحاد الوطني الحر”، سليم الرياحي، الذي حل الثالث في انتخابات 2014، ثم سرعان ما تفكك حزبه واندثر، خاصة بعد هروبه إلى الخارج، تفاديا لإدخاله السجن. كما أنفقت سيدة الأعمال ألفة تراس أموالا طائلة على حملتها الانتخابية التلفزيونية، في الخريف الماضي، ولم تظفر سوى بمقعد يتيم في مجلس النواب الحالي.

محكمة دستورية

أما “الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري” ذات الدور التعديلي، فتجاوزت خط النهاية المرسوم لأعمالها منذ مايو/ أيار الماضي. وانتهت ولاية البرلمان السابق، من دون أن يُناقش مشروع قانون، أعدَته الحكومة، تمهيدا لانتخاب هيئة جديدة، طبقا لأحكام الدستور. ومازال البرلمان الحالي غارقا في مناكفات شغلته عن استكمال انتخاب أعضاء اللجان الدستورية، ومن ضمنها المحكمة الدستورية.

وفي مجتمع ديمقراطي يُشكل استقلال وسائل الإعلام وتعددها ركنين من أركان الانتقال الديمقراطي. وعليه، يستعجل التونسيون إيجاد آليات تعديلية، لمجابهة التجاوزات وملاحقة أي خرق للمواثيق المهنية. وتشمل التعديلات المطلوبة سن قانون جديد للإعلام المرئي والمسموع يحل محل المرسوم الحالي، الذي يعود إلى سنة 2012. وتزداد هذه المسألة إلحاحا مع استمرار بث برامج حوارية هي أقرب لصراع الديكة منها إلى الحوار الرصين بين مسؤولين سياسيين.

أما المجال الإذاعي فأبصر تطورا مشابها، لكن بخروق أقل، إذ نجحت ثلاث محطات خاصة هي “موزاييك” و”شمس” و”إكسبرس أف أم” في استقطاب جمهور واسع على حساب الإذاعات العمومية، وتقيدت عموما بمقتضيات توزيع ساعات البث على القوائم المتنافسة في الاستحقاقات الانتخابية الستة، التي مرت فيها تونس منذ 2011. ونسجت على منوالها إذاعات خاصة جديدة، وسط تراجع الإقبال على الإذاعات العمومية التسع.

وفي إطار استعادة الصدقية ومعاودة بناء الثقة، لوحظ في الفترة الأخيرة أن غالبية وسائل الإعلام، أدركت خطورة بث أخبار كاذبة، فأنشأت منصات لتصيُد الإشاعات والأخبار الكاذبة، من أجل ضمان عدم بثها. لكن ما من شك أن سن قوانين جديدة لتصحيح الوضع الراهن وفرض احترام الضوابط المهنية، يظلان شرطين لا مندوحة عنهما لاستعادة الثقة وإبعاد المال الفاسد عن تلويث وسائل الإعلام. كما أن البرلمان مُطالبٌ بانتخاب أعضاء “الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري” في أسرع وقت لتنقية أوضاع القطاع ووضع حد للإفلات من المحاسبة والعقاب.

الجزائر تُطلق وساطة في ليبيا وفرنسا تغوص في مستنقع الساحل

 

رشيد خشــانة – يمضي الجزائريون قُدُما في البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية، التي تُرابط عند حدودهم الجنوبية الشرقية، وتُكلفهم نفقات باهظة، لمراقبة نحو ألف كلم من الحدود المشتركة مع ليبيا، إلا أنهم يخشون من استمرار الفراغ في الجنوب الليبي، بعدما تحول إلى مفرخة للإرهاب وتجارة السلاح وتهريب المخدرات. في المقابل تُرسل فرنسا بالمزيد من جنودها إلى منطقة الساحل والصحراء، حيث يتعرضون للموت في رمالها المتحركة، دفاعا عن مصالح الشركات التي تستثمر ثروات المنطقة.

وكانت الجزائر لعبت دورا حاسما في جمع الأطراف المتصارعة في مالي على مائدة الحوار، ودفعتهم إلى التوقيع على اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة. وتُجدد الدبلوماسية الجزائرية ذلك الدور في ليبيا، من خلال الزيارات المكوكية التي أداها وزير خارجيتها صبري بوقادوم، في الأيام الأخيرة، لأطراف الصراع في ليبيا، في الشرق كما في الغرب. ويرفض الجزائريون إرسال قواتهم إلى الخارج سواء إلى ليبيا أم إلى مالي، على عكس فرنسا التي ما فتئت تُعزز حضورها العسكري في المنطقة، من دون تحقيق نتائج إيجابية على الميدان. وجددت الجزائر رفضها وجود قوة أجنبية في ليبيا، أيا كانت هويتها. وقرر المجلس الأعلى للأمن، في اجتماع عقده الخميس الماضي، برئاسة عبد المجيد تبون، معاودة تفعيل دور الجزائر على الصعيد الدولي، بعد سنوات من الغياب، بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وركزت الجزائر على الملف الليبي بالنظر لتداعياته المباشرة عليها وعلى دول الجوار، وكذلك على منطقة الساحل والصحراء.

ويأتي إحياء الدور الجزائري مُتزامنا مع ارتباك فرنسا التي تغرق أكثر فأكثر في أوحال الحرب على الجماعات الارهابية، في منطقة الساحل، بعد قرار الرئيس إيمانويل ماكرون إرسال 600 جندي إضافي إلى تلك المنطقة. وسيرتفع عدد الجنود الفرنسيين، بعد هذه الخطوة الجديدة، من 4500 لدى إطلاق عملية “برخان” في 2013، إلى 5100 عسكري. وستتمركز غالبية هذه القوات في المثلث الحدودي الذي يجمع بين كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. غير أن الجماعات تتحرك في رقعة شاسعة، تمتدُ من جنوب ليبيا إلى شمال نيجيريا. ومهما زادت التعزيزات، يستبعد خبراء عسكريون أن تكسب فرنسا المعركة، بالنظر لضآلة حجم قواتها أمام سعة المنطقة المستهدفة.

مثلث حدودي

وحسب وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، سيُدمج قسم من تلك التعزيزات في قوات “مجموعة الخمس”، وهي قوة شكلتها كل من موريتانيا والنيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو، لملاحقة الجماعات في المثلث الحدودي، وخاصة منها “تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى”، أحد فروع تنظيم “الدولة” (داعش).
وعرف الجيش الفرنسي صعوبات كبيرة في إدارة الحرب في مناطق لا يملك القدرة اللازمة للسيطرة عليها، ما حمل الرئيس الفرنسي على الإعلان في 13 من الشهر الماضي، عن إقرار “إطار جديد لمكافحة الارهاب في منطقة الساحل والصحراء”. واستدعى ماكرون، رؤساء الدول الخمس إلى مدينة “بو” الفرنسية، يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهددهم بسحب قواته من المنطقة، مُعبرا عن غضبه الشديد من تنامي المشاعر المناهضة لفرنسا في بلدانهم. إلا أنه عاد وأعلن عن إرسال 220 جنديا إضافيا إلى المنطقة، قبل أن يُرفع العدد لاحقا إلى 600 عسكري، على طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء”. وكان الجيش الفرنسي خسر 13 جنديا، أواخر العام الماضي، في حادثة قدمها الإعلام الفرنسي على أنها اصطدام بين مروحيتين فرنسيتين، أثناء ملاحقة مجموعة مسلحة، في مالي، فيما أكدت مصادر أخرى أن المروحيتين أصيبتا بنيران المسلحين.

في تلك الأجواء المشحونة لفت انتباهَ المراقبين تقريعُ ماكرون للرؤساء الخمسة، الذين اشترط عليهم أن يطلبوا رسميا المساعدة من باريس، ويتحملوا مسؤولية استدعاء قوات أجنبية، أمام الرأي العام في بلدانهم. وعبر ماكرون عن ضيق فرنسا من تنامي المشاعر المناهضة لبلده، المستعمر السابق، في منطقة الساحل والصحراء، واصفا موقف الحكومات المحلية من تلك الظاهرة بـ”الغموض”، ومُلمحا إلى أن بعض الوزراء الأفارقة ضالعون في بث المشاعر المعادية لباريس. لكن في النهاية، وافق ماكرون على إنشاء قيادة موحدة بين قوات مجموعة الخمس والقوات الفرنسية، وهو ما يُعطي الأخيرة عصا القيادة، ويُضفي الشرعية على وجودها، في الوقت نفسه. وغضب الفرنسيون أخيرا من تصريحات وزير دفاع بوركينا شريف سي الذي تساءل في حوار أجرته معه صحيفة من أفريقيا الجنوبية، قائلا: “لماذا تلكأت فرنسا في القضاء على الجماعات الارهابية؟ هل لديها أجندة أخرى؟”.

جيوش ينخرها الفساد

وتوقع المحلل العسكري الفرنسي مارك أنطوان دي مونكلو أن يُخفق التدخل الفرنسي في القضاء على الجماعات المسلحة، التي تستفيد من الحدود المفتوحة بين بلدان المنطقة. وأكد أن المشكل لا يُحلُ بتعزيز القوات المنتشرة على الأرض، ولا بحجم الأسلحة المكدسة، لمجابهة جماعات سريعة الحركة، مُعتبرا أن من نقاط ضعف العملية أن الجيوش في المنطقة غير منضبطة، ومعنوياتها في الحضيض، والفساد ينخرها، والسكان لا يدعمونها، لا بل يخشون بطشها. أكثر من ذلك، يشتبه مراقبون بأن الفظاظة التي يُعامل بها المدنيون تدفعهم إلى أحضان الجماعات، التي يبحثون لديها عن حماية. من هنا يبدو المشهد بائسا، وخاصة في مالي، حيث تكرس الانقسام بين جنوب تسيطر عليه الحكومة المركزية، بمعونة فرنسا، وشمال ترتع في أرجائه الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب وتُجار السلاح، مستفيدين من غياب الدولة في جنوب ليبيا، وشمال النيجر المجاور. وكانت القوات المالية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية لدى قمعها انتفاضتين للسكان الطوارق في شمال البلد، الأولى في 2000 والثانية في 2012، ولم يتسن لها القضاء على الثانية إلا بدعم عسكري من فرنسا.

وعليه يرى محللون أن الجيوش المحلية عاجزة عن تأمين بلدانها ضد العمليات الارهابية، لا بل أصبحت مُعرضة لهجمات عقابية، من الجماعات المسلحة، وهي لا تستطيع لها ردا. وسقط في إحداها 43 قتيلا من الجيش المالي، وفي هجوم آخر 71 جنديا من النيجر، ما أثار تساؤلات كبيرة عن جدوى استمرار برامج التعاون العسكري مع البلدان الأوروبية، وخاصة مع فرنسا. وفي 2015 أوقعت هجمات إرهابية في بوركينا فاسو أكثر من 700 قتيل، وحملت 500 ألف مدني على النزوح من مناطقهم. وهذا ما يُفسر المظاهرات التي شهدتها العواصم الثلاث، نيامي وباماكو وواغادوغو، ضد الحضور العسكري الفرنسي، الذي اعتُبر ضربا من الاستعمار الجديد. وفي هذه الأجواء المحتقنة دخلت أمريكا على الخط، وأعلنت أنها ستبيع النيجر، قريبا، تجهيزات عسكرية و60 ناقلة جنود مصفحة بقيمة 21 مليون دولار.

غياب الدولة

إجمالا، يمكن القول إن نجاح الحرب على الجماعات المسلحة في الساحل والصحراء يتوقف على إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا، إذ أن وقف إطلاق النار بين الفريقين المتقاتلين، وإعادة بسط سلطة الدولة على الجنوب، سيُضيقان الخناق على الجماعات، ويضعانها بين فكي كماشة، طرفُها الجنوبي الجيش الفرنسي، والشمالي الجيش الليبي، بعد إعادة بنائه كجيش جمهوري محترف. وبسبب غياب الدولة وتفاقم الحرب الأهلية، طيلة السنوات الماضية، باتت ليبيا مركز استقطاب للجماعات المسلحة، وتبوأت مكانة محورية بين سوريا والعراق شرقا، وبلدان الساحل والصحراء غربا وجنوبا. وزادت المخاوف من تحوُلها إلى بؤرة لتلك الجماعات، مع انهيار”تنظيم الدولة” في 2017. وقد غدت ليبيا بالفعل مركز تجمُع لعناصر متشددة وعنيفة آتية من بلدان مختلفة.

وهذا أحد أسباب قلق الجزائر وباقي جيران ليبيا، من تداعيات الفوضى السائدة على أوضاعهم الداخلية، ففي خطوة تبدو منافسة للمبادرة الأوروبية، التي تقودها ألمانيا، أطلقت الجزائر مبادرتها الخاصة، فاستقبلت رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب إردوغان والتونسي قيس سعيد، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا ومصر وإيطاليا. ثم أرسل الرئيس عبد المجيد تبون وزير الخارجية صبري بوقادوم ليجول على الفرقاء داخل ليبيا، في الشرق كما في الغرب، ويعرض عليهم الخطوط الكبرى للمبادرة الجزائرية. وتُركز المبادرة على فكرة محورية ملخصها أن “لا حل في ليبيا إلا من خلال الحوار الليبي الليبي داخل الأراضي الليبية”.

مكونات سياسية واجتماعية

وتسعى الجزائر إلى إشراك المكونات الاجتماعية في هذه المبادرة، بالإضافة إلى المجلس الرئاسي ومجلس النواب، والحكومة المعترف بها دوليا، وأيضا الحكومة المنبثقة من البرلمان في الشرق. وليست هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها الجزائريون عن رؤيتهم لإطار الحل السياسي، إذ قام وزير الخارجية السابق عبد القادر مساهل بجولة مماثلة داخل ليبيا في 2017، إلا أن الأوضاع الداخلية المعقدة، التي سبقت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جعلت الملف الليبي يتراجع في سلم الأولويات. ويضع الجزائريون شرطا لأي تسوية سياسية في ليبيا يتمثل في خروج جميع المسلحين الأجانب من البلد، وتجميع السلاح الثقيل، وإخراجه من المدن والمناطق المأهولة بالمدنيين. والظاهر أن روسيا تدعم الدور الجزائري في الأزمة الليبية، إذ أكد رئيسها فلاديمير بوتين دعم موسكو “للخط المتوازن الذي تتبعه الجزائر”.

وأوضح بوتين، خلال تسلمه أوراق اعتماد السفير الجزائري الجديد لدى موسكو، محمد شريف كورتا، أن روسيا “تدعم الخط المتوازن الذي تتبعه الجزائر في الشؤون الدولية والإقليمية، ونحن نرى آفاقا جيدة لتطوير التعاون والتنسيق الاقتصادي والعسكري- التقني، من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في شمال إفريقيا، ومنطقة الصحراء والساحل”. ويقول الجزائريون إنهم ملتزمون بالمسارات الثلاثة التي أفرزها مؤتمر برلين الشهر الماضي، ومن ضمنها المسار العسكري، الذي عُقد في إطاره اجتماع الاثنين الماضي، بمشاركة خمسة من كبار الضباط ممثلين عن حكومة الوفاق، وخمسة آخرين ممثلين عن “الجيش الليبي” (حفتر)، برعاية الأمم المتحدة، في مقرها في جنيف.

سحب الملف من أوروبا

على أن الجزائر تعمل في الوقت نفسه على سحب الملف الليبي من أوروبا، ووضعه في الدائرة الأفريقية. وفي هذا الإطار بذل الجزائريون جهودا كبيرة لعقد اجتماع رفيع المستوى، برعاية مفوضية السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، حول ليبيا والساحل، التأم أمس السبت في العاصمة الإثيوبية “لكي تتحدث افريقيا بصوت واحد” على ما قال مفوض السلم والامن في الاتحاد الافريقي إسماعيل شرقي (جزائري). وشكا شرقي من “استبعاد أفريقيا من مسارات تسوية الأزمة الليبية”، والأرجح أن الجزائر ستتجاذب الملف الليبي من ألمانيا، التي تستعد لاستضافة الاجتماع الأول للجنة متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين الخاصة بليبيا، يوم 16 الجاري في مدينة ميونيخ الألمانية.

ومن أهم الأفكار المتداولة قبل الاجتماع إيجاد آليات لمراقبة وقف إطلاق النار بمشاركة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ويحتاج هذا الإجراء إلى تفويض مسبق من مجلس الأمن، إلا أن الأمم المتحدة مازالت تستبعد حتى الآن إرسال قوات حفظ سلام إلى ليبيا.

الطائرات المسيرة والمرتزقة يُعطلون الحل السياسي في ليبيا

 

رشيد خشانة – في بلد تتولى فيه الحكومة تأمين الدخل الشهري لغالبية المواطنين، يُشكل تراجع مصادر الدخل الوطني عنصر إرباك إضافي، للحكومة المعترف بها دوليا، برئاسة فائز السراج. وقدرت “مؤسسة النفط الوطنية” الخسارة التي انجرت عن غلق الحقول والموانئ النفطية بـ502 مليوني دولار إلى الإثنين الماضي، فيما قدرها الموفد الأممي غسان سلامة بـ 622 مليون دولار. وقدرت “مؤسسة النفط الوطنية” نسبة انخفاض إنتاج النفط بـ75 في المئة، وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس/ آب 2011. وتوقف الإنتاج في أكبر حقل، وهو الشرارة، الذي ينتج 300 ألف برميل يوميا، كما أعلنت حالة القوة القاهرة في موانئ الحريقة والبريقة والزويتينة والسدرة وراس لانوف، بعد إصدار تعليمات بإيقاف التصدير. واعتبر رئيس “مؤسسة النفط الوطنية” مصطفى صنع الله أن غلق الحقول والموانئ، على أيدي جماعات قبلية مؤيدة للقائد العسكري للمنطقة الشرقية، اللواء خليفة حفتر، “عمل انتحاري لأنه يحرم الدولة من أهم مواردها”، ويُعيق إنعاش الاقتصاد المُعطل منذ عشر سنوات، علما أن الايرادات تُحول إلى مصرف ليبيا المركزي، ثم تُوزع على السلطات في المنطقتين الشرقية والغربية.

مُداهنة في برلين

اضطرت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا لانتقاد الدول المشاركة في مؤتمر برلين، التي تمادت في إرسال مرتزقة وأسلحة إلى أطراف الصراع، من دون أن تُسميها. وأكدت أن مطارات المنطقتين الشرقية والغربية تستقبل طائرات مُحملة بأسلحة متطورة وآليات مصفحة ومستشارين عسكريين ومقاتلين. وكشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية النقاب عن دور سعودي في تمويل إرسال مرتزقة، عبر شركة “فاغنر” الروسية الخاصة، إلى جنوب طرابلس لدعم قوات حفتر. وأوضحت الصحيفة أن عدد هؤلاء يراوح بين 300 وألفي عنصر، وقد لعبوا دورا كبيرا في الهجمات التي شنها حفتر على طرابلس، وقُتل منهم ثلاثون في المعارك بحسب الصحيفة. وعلى الرغم من أن الجزائر وتركيا حضتا على إيجاد آلية لمراقبة مدى الالتزام بوقف إطلاق النار، لم يستجب أيٌ من الطرفين لتلك المناشدة، ما دلَ على استخفافهما بالقرارات الأممية، طالما أن هناك فسحة للإفلات من العقاب.

وأفاد مصدر ليبي يقيم في مدينة تقع في الشرق “القدس العربي” أن المرتزقة الروس يتلقون 850 دولارا في اليوم للفرد الواحد، وفي حال الوفاة تحصل أسرته على تعويض بـ1.5 مليون دولار. وكتب الصحافي ديفيد كيرباتريك في “نيويورك تايمز” مُشيرا إلى أن بصمات القناصة الروس باتت واضحة، من خلال نوع الإصابات التي يتعرض لها المدنيون والمسلحون المدافعون عن حكومة الوفاق، إذ لوحظ أن الجرحى والقتلى الذين يُنقلون إلى مستشفى العزيزية، جنوب طرابلس، مصابون برصاص يضرب الرأس ويقتل مباشرة ولا يغادر الجسد، مع بقاء الجراح مفتوحة والأطراف مُهشمة في غالب الأحيان.

ثلاثة آلاف سوداني

في الطرف المقابل، أفادت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية الأربعاء الماضي، أن حوالي ألفي مقاتل سوري، موالين لتركيا، وصلوا إلى ليبيا، وتمركز بعضهم في شرق طرابلس. وقالت إنهم يتقاضون من حكومة الوفاق ألفي دولار للمقاتل الواحد. وكانت الصحيفة نفسها أشارت إلى وصول حوالي ثلاثة آلاف سوداني، إلى المنطقة الشرقية، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، للمشاركة في القتال، إلى جانب قوات حفتر. وتظاهرت أول من أمس أسر سودانية في الخرطوم، احتجاجا على إرسال شركة أمن إماراتية أبناءها للقتال في ليبيا واليمن. وكان غسان سلامة انتقد اللجوء إلى المقاتلين الأجانب، وطلب إجلاءهم خارج ليبيا. وأوضح في إحاطته إلى مجلس الأمن الخميس الماضي، أن القوات الموالية لحفتر عززت أسلحتها بعد وصول عدة طائرات إلى قاعدة “الخادم” الجوية، شرقي ليبيا، خلال فترة الهدنة، مُضيفا أن “قوات حكومة الوفاق عززت أنظمتها الدفاعية، وركبت منظومات للدفاع الجوي متطورة قدمتها دولة أجنبية” لم يُسمها، لكن من الواضح أنها تركيا.

في هذا الإطار، يمكن القول إن دخول الروس غيَر مسار الحرب في ليبيا، فبحلول العام 2015 أنشأوا قاعدة عسكرية في غرب مصر، لتأمين الدعم اللوجيستي والفني وإصلاح المعدات. وفي العام 2018 أرسلوا مجموعة من المستشارين العسكريين إلى بنغازي. وقبل ذلك، التقطت صور لحفتر مع وزير الدفاع الروسي ومدير شركة “فاغنر” يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس بوتين. وحرصا على الظهور في مظهر القوة المحايدة، أقام الروس علاقات مع الحكومة المعترف بها دوليا في غرب ليبيا، بموازاة علاقاتهم مع حفتر في الشرق. وقاموا بطبع عملات ليبية بمليارات الدولارات وشحنوها إلى بنغازي. وبالرغم من أن حفتر التجأ إلى دعم موسكو منذ العام 2015 في مقابل وعود ببيع النفط، ومنح مشاريع السكك الحديدية إلى شركات روسية، لم يحصل على الدعم الفعلي إلا اعتبارا من 2017، وصولا إلى إرسال مرتزقة “فاغنر” الذين عززوا صفوفه في الهجوم على طرابلس.

مجلس الأمن مُعطل

وفي الوقت الذي ظلت فيه الدول الغربية مترددة في توفير الحماية لحكومة طرابلس، ألقى الروس بكل ثقلهم إلى جانب قوات الشرق. وتُعتبر موسكو من المُعطلين البارزين، إلى جانب باريس، لإصدار مجلس الأمن الدولي قرارات تُلزم الأطراف المتحاربة في ليبيا بوقف المعارك، وتُعاقب من يخرق الهدنة. ولهذا السبب لم تتوقف الانتهاكات بعد تعهدات برلين، بل كثفت الامارات ومصر وروسيا من دعمها لحفتر، فيما أرسلت تركيا مقاتلين من المعارضة السورية وطائرات مُسيرة وآليات مصفحة إلى قوات “الوفاق”.

ويتمثل الهدف الأساسي من تأليف اللجنة العسكرية، التي قرر المجتمعون في برلين تشكيلها، من ضباط قوات حفتر وحكومة الوفاق، في العمل على “مغادرة جميع المقاتلين غير الليبيين البلد في أسرع وقت”. وأثبت تقرير فريق الخبراء، التابع للجنة الجزاءات المعنية بليبيا في مجلس الأمن، أن كلا من طرفي النزاع “تلقى أسلحة ومعدات عسكرية ودعما تقنيا وجلب مقاتلين غير ليبيين”. ولفت الفريق الدولي في تقريره عن الفترة بين 5 أيلول/سبتمبر 2018 إلى 20 تشرين الأول/أكتوبر2019 إلى استعانة الطرفين بمسلحين من تشاد والسودان، مضيفا أن كلا من الأردن والإمارات وتركيا قدمت الأسلحة بـ”صورة منتظمة، وأحيانا بصورة شديدة الوضوح للطرفين”.

ولمواجهة خطر الطائرات المُسيرة التي منحتها الإمارات لقوات حفتر، بدأت حكومة الوفاق بشرائها من تركيا، في أيار/مايو الماضي. وتباع الطائرة الواحدة من طراز “بيرقتار تي بي 2” بخمسة ملايين دولار. وقال وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا تعليقا على وصولها إلى ليبيا “لقد أنقذتنا تركيا”، مُعترفا بأن الطائرات المسيرة ساعدت قوات الحكومة على استعادة مدينة غريان في حزيران/يونيو الماضي. ومنذ ذلك الوقت لم تتغير خطوط المواجهة كثيرا، بالرغم من محاولات قوات الشرق المتكررة استعادة مدينة غريان والتقدم نحو وسط طرابلس. وفي السياق أعلن المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب” التابع لحكومة “الوفاق” أول من أمس، عن إسقاط طائرة إماراتية مسيرة، جنوبي طرابلس من طراز “أورلان” روسية الصنع. وهذه هي المرة الثانية التي تُعلن فيها قوات “الوفاق” عن إسقاط طائرة مسيرة، في أقل من أسبوع.

نصف خيبة

بهذا المعنى كان مؤتمر برلين نصف خيبة، إذ لم يستطع وقف الانزلاق مجددا إلى الحرب الجوية. كما أخفق الوسطاء في إقناع حفتر بالجلوس إلى جانب السراج على مائدة واحدة، والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي غادر موسكو من دون أن يوقع عليه، استجابة لـ”نصيحة” الدول الداعمة له. ورأت الباحثة ماري فتزجيرالد، المتخصصة بالشأن الليبي، أن مستقبل الصراع في ليبيا يتوقف على مدى تجاوب مجلس الأمن الدولي مع البيان الختامي لمؤتمر برلين، خاصة بعدما ناشد الأمين العام أنتونيو غوتيريش، أعضاء المجلس أن يتحملوا مسؤولياتهم. وهناك من المراقبين من يعتقد أنه إذا لم يُترجم ذلك البيان الختامي إلى قرارات مُلزمة، فإن الحرب في ليبيا ستستمر، مع الأضرار البشرية والمادية الكبيرة المترتبة على استمرارها. ويُقدر عدد ضحايا “معركة طرابلس” على مدى عشرة شهور، بأكثر من ألفي قتيل من المسلحين و280 من المدنيين، بالإضافة إلى نزوح 150 ألف ليبي من مناطقهم. وبحسب آخر الاحصاءات تمكن سبعون ألفا من أولئك النازحين من العثور على سكن في وسط طرابلس، التي اختنقت بالسكان، فيما توجه الباقون إلى مدن قريبة لا تدور فيها معارك.

ومما يُعرقل التقدم نحو حل سياسي، سيطرة حفتر بالقوة، على حقول النفط في الهلال النفطي، منذ أيلول/سبتمبر 2016 بعدما كان سيطر على موانئ التصدير، وقبلها على حقول النفط في اقليم فزان (جنوب) ما أدى إلى وقف تصدير النفط. وتعتقد الباحثة فتزجيرالد أن اللواء حفتر بات في وضع حرج بعدما مضت عشرة شهور على إطلاقه الحملة العسكرية على طرابلس، من دون تحقيق الهدف المُعلن منها. ولن يتحقق الهدف من دون دعم خارجي أقوى من الذي يتلقاه حاليا. ولمواجهة هذا السيناريو، يؤكد بعض الأطراف أن اجتراح وقف إطلاق النار يعتمد على إرسال قوات أممية للفصل بين المتحاربين، غير أن الجغرافيا المتداخلة للمناطق الواقعة تحت سيطرة كل فريق، تجعل هذه المهمة من الصعوبة بمكان.

تطهير ليبيا من المسلحين؟

عمليا لم يُسفر مؤتمر برلين عن نتائج ملموسة، عدا تشكيل اللجنة العسكرية الأمنية، التي تتألف من خمسة ضباط نظاميين من كل طرف، وهي تندرج في إطار المسارات الثلاثة التي أقرها مؤتمر برلين لحل الأزمة في ليبيا. وكان المبعوث الأممي، غسان سلامة، كشف عن نيته دعوة أعضاء اللجنة إلى الاجتماع خلال أيام بعد تسلمه أسماء أعضائها، مبرزا أنه سيكون على رأس أهدافها “تطهير ليبيا من المسلحين”. غير أن الليبيين لا يثقون في مخرجات مؤتمر برلين، وأظهر تحقيق صحفي أنه لا أحد في طرابلس يبني آمالا على تنفيذ تلك المخرجات. ويعتقد كثير من المحللين أن سيطرة قوات حفتر على طرابلس ستؤدي لإحياء منظومة استبدادية تُعاود إنتاج نظام معمر القذافي، الذي حكم ليبيا بالقمع على مدى 42 عاما. أما إذا أخفقت في تحقيق ذلك الهدف، فستضع الجماعات المسلحة طرابلس في قبضتها، على غرار الوضع الذي كان سائدا في الفترة بين 2011 و2014.

 

 

 

المسألة الليبية: هل يتغلب التدويل على خيار المصالحة؟

 

قبل أربعة عقود كان الحد الممكن من التضامن والتماسك واللقاء في منتصف الطريق سبيل التسويات ومواجهة الأزمات الصعبة وتخفيف حدة الخلافات والصراعات، والحال الذي تغير إلى العكس تماما يعود لأسباب أشرنا لبعضها في مقال السبت الماضي، وأكدت نجاح مخططات التحريض واعتماد الفتن، حتى أضحى الاقتتال الأهلي والبيني هو الخيار الأول والأخير، وما زال غياب مصر؛ برصيدها ودورها التاريخي، وثقلها الحضاري مؤثرا داخليا وخارجيا، ويأتي عدم إدراك «المشير السيسي» لدور مصر المحوري، ليخل بموازين القوى الداخلية والإقليمية والقارية والدولية، وها هو يتأكد يوم الثلاثاء الماضي (28/ 01/ 2020) بإعلان «مؤامرة القرن»؛ من دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو.
وهناك إصرار غريب على السير في «طريق الندامة»، منذ أن وطأت قدم السادات أرض مطار بن غوريون في فلسطين المحتلة، وخطابه في «الكنيست» الصهيوني، وما تلاه من توقيعه على معاهدات إذعان مالت بالموازين، وفتِحت طريق التبعية، حتى وصولة لمحطة «الصهينة»، فطَبَعَت السياسة الرسمية، وتدنت بها إلى حضيض ما تحت الصفر، وتوالت تراجعاتها وانكساراتها وتنازلاتها. وصار منفذو هذه السياسة مثار سخرية العدو والصديق، وهناك إصرار غريب على الهروب من تبعات أي دور وطني وقومي؛ سياسي وإنساني وأخلاقي، وصب ذلك الهروب في قناة المشروع الصهيوني ومخططاته، واستهدافها الوجود العربي برمته، وليس الوجود الفلسطيني وحده.
وفي هذا المناخ برز الموقف من الصراع على ليبيا واضحا، وشواهده ما يجري لقواها الوطنية والداخلية من تهميش، وإبعادها عن المشاركة الفعلية فيما هو مطروح من مشروعات ومقترحات وتسويات، وتُرِك ذلك للقوى الخارجية، بأطماعها وانحيازاتها الاستعمارية والصهيونية، وهي التي لعبت دورا سلبيا انحرف بمسار الحراك الشعبي، واتجهت به صوب العنف المسلح، وهو ما وضع الغالبية العظمى من القوى الوطنية في مأزق شديد التعقيد.
وكشفت القوى الخارجية الغربية عن وجهها الاستعماري العنصري، وأحيت تراث العُبودية، والإبادة الجماعية، وكان العالم قد تصور أن ذلك زمن ولى، وكشرت القوى المقصودة عن أنيابها فور انهيار الاتحاد السوفييتي، واتجهت لوسط أوروبا، صوب يوغوسلافيا؛ بالتفتيت والتقسيم والمحو؛ وتدخل مباشر من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وانفجار براكين النار والدم، التي لم تهمد أو تهدأ بعد، واتسعت مجالات الحروب، وظلت كل حرب تلد أخرى؛ بعد تقطيع أوصال الاتحاد اليوغوسلافي وتفتيته؛ تحت غطاء أممي جاهز بقرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأضحى ما جرى ليوغوسلافيا هو المَعْلَم الأبرز لعودة «القرصنة الدولية»، ودورها في تفكيك دولة اتحادية غير منحازة؛ ناهضة ومؤثرة، ومن مؤسِّسي حركة «عدم الانحياز»، فاختفت من خريطة أوروبا والعالم، وانشطرت لثمانية كيانات ودويلات هي: صربيا، وكرواتيا، وسلوفينيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، وجمهورية مقدونيا. وهكذا قُسِّمت أهم الدول الاتحادية بوسط أوروبا، وعلى نفس المنوال يتم تقسيم المُقَسَّم وتفتيت المُفتَّت من الأقطار العربية!.
و«القرصنة الدولية» تتحرك على مستويات ثلاثة؛ 1) صهيو غربية، 2) أنكلو أمريكية، 3) صهيو أمريكية. وبرعت في تفكيك الدول الموحدة وتقسيمها ومحوها، وبدا ذلك مبكرا منذ نهاية القرن الثامن عشر مع وصول الحملة الفرنسية لمصر والشام، أي قبل تفكيك يوغوسلافيا، وانهيار الاتحاد السوفييتي بزمن؛ استعادت دورها بإشعال الحرب الإيرانية العراقية، وسيستمر ذلك ما استمر العرب على حالهم الراهن.

تصريحات ومبارزات كلامية تجعل اللقاء والتفاهم والتنسيق بين الطرفين اللدودين صعبا إن لم يكن مستحيلا، وقد تعني الملاسنات بين الأطراف الليبية والخارجية مدخلا لوضع «المسألة الليبية» قيد التدويل

ونلاحظ أن جميع الاتصالات ممكنة، وكل الحوارات مقبولة، ومجمل الصفقات معروضة ما دامت لحساب «القرصنة الدولية»، وأتباعها؛ أعداء الحق والعدل والسلام. وبدأت مرحلة جديدة في التعامل مع «المسألة الليبية» بانعقاد «مؤتمر برلين» في كانون الثاني/يناير الماضي (2020)، وأشادت بنتائجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقالت: «المؤتمر قدم إسهامًا كبيرًا في دعم جهود الأمم المتحدة في عملية السلام، وحلفاء لخريطة الطريق، التي أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا؛ حلفاء من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والأطراف ذات العلاقة بـ«المسألة الليبية»؛ الصين، وفرنسا، وروسيا، وأمريكا، وبريطانيا، ومصر، والإمارات، والكونغو، وإيطاليا، والجزائر، ومنظمات إقليمية؛ الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي، وجامعة الدول العربية؛ اتفقوا على حل سياسي، وشددوا على عدم وجود فرصة لحل عسكري!!، وأضافت ميركل: «اتفقنا على خريطة سياسية شاملة بخطوات مستقبلية»، ووافق الجميع على احترام حظر الأسلحة، والإشراف عليه بشكل جدي، وإلا يبقى الحل العسكري مطروحا دائمًا» وأدركت أطراف أن طريق الحل ليس عسكريا، أما مراقبة وقف اطلاق النار تبقى مسؤولية الأمم المتحدة.
ذلك فحوى كلام رئيسة المؤتمر ميركل، لم يخرج عن النص المتبع في مثل هذه المؤتمرات من أطراف قوية ونافذة، وأخرى باهتة ومهمشة؛ أُغرِقت في تفاصيل تكرر «السيناريو السوري»، رغم الفارق بين طبيعتين؛ واحدة صحراوية قبلية في ليبيا، والثانية مدنية تجارية زراعية في سوريا، وجاء حضور «المشير» خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي»، وفايز السراج رئيس «حكومة الوفاق الوطني»؛ جاء شكليا!!. وأكدت ميركل، أنهما «لم يلتقيا في المؤتمر ولم يكونا جزءا منه». وأضافت: «تحدثنا معهما بشكل منفرد، فالخلافات بينهما لا زالت كبيرة». و«لم يكونا جزءا من المؤتمر ولم يتواجدا في قاعة المحادثات»، ومكنهما حضورهما من الإطلاع على المشاورات مباشرة، و«كل منهما توقع من الآخر تطبيق الالتزامات»!!.
ونظرت ميركل وهي تعلن الخطة الشاملة للتسوية إلى «النقطة الأهم» كانت موافقة السراج وحفتر على اتخاذ خطوات لاحقة بينها «تشكيل لجنة عسكرية لمراقبة الهدنة»، من 5 ممثلين لكل طرف.. وبذلك يعد المسرح ليلائم التسويات والتنازلات؛ قسرا أو طوعا، فالمطلوب هو نفط ليبيا وغازها وموقعها؛ كمنطقة عازلة بين إفريقيا وأوروبا؛ تصد الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، ونأتي لنقطة العمل العسكري، فمسموح به للأقوياء والمتنفذين، وتملكه جماعات الإسلام السياسي، خصوصا الجماعات الطائفية والمذهبية والقبلية والانعزالية، ولديها ما يزيد عن حاجتها، بجانب أساطيل، وقواعد، وطائرات مقاتلة ومُسَيَّرة، من أجل الاستحواذ على ثروات وخيرات وأراضي ليبيا.
تُرك للمهمشين؛ التشدد والاختلاف والاقتتال، أما الأقوياء والمتنفذون، فلهم الاجتماعات والمفاوضات، وتحديد حصص الأصول السائلة والمنقولة؛ الموجودة على السطح، وفي عمق الماء، وتحت السح، وجوف الأرض؛ يتشدد السراج وحفتر؛ يختلفان، ويتناوشان. ففي منتصف كانون الثاني/يناير (2020) صرح مصدر عسكري بأن «المشير خليفة حفتر لا يقبل التفاوض مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، بحضور الأتراك والأجسام غير الشرعية». وللتذكرة زار حفتر السعودية قبل تحرك قواته صوب طرابلس واجتمع بالملك سلمان.
وجاء رد السراج سريعا، فوجه دعوة لـ«قوة حماية دولية»؛ «إذا لم يُنه خليفة حفتر هجومه، سيتعيَّن على المجتمع الدولي التدخّل عبر قوّة دوليّة لحماية السكّان الليبيّين». وبعد أربع وعشرين ساعة (19/ 01/ 2020) صرح الرئيس التركي أردوغان بأن بلاده «أصبحت مفتاح السلام في ليبيا»؛ أي أصبحت مستعدة للتدخل. وأعلن الرئيس الفرنسي «ماكرون» الأربعاء الماضي (29/ 01/ 2020)؛ حسب موقع RT العربي بأن أردوغان، أخل بتعهدات اتفاق برلين، وأشار لرصد باريس لسفن تركية تنقل «مرتزقة» لداخل ليبيا. وحَمَّل المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي فرنسا «المسئولية عن المشاكل التي عمت ليبيا منذ بداية أزمة 2011»، وأضاف «لم يعد سرا تقديم فرنسا دعم غير مشروط لـ«قائد الجيش الوطني الليبي المشير حفتر، لتكون صاحبة الكلمة في موضوع الموارد الطبيعية الليبية».
تصريحات ومبارزات كلامية تجعل اللقاء والتفاهم والتنسيق بين الطرفين اللدودين صعبا إن لم يكن مستحيلا، وقد تعني الملاسنات بين الأطراف الليبية والخارجية مدخلا لوضع «المسألة الليبية» قيد التدويل؛ قي ظل تصريحات ماكرون وأردوغان، بجانب طلب السراج لـ«قوة حماية دولية»، ويبدو أن الليبيين، والمتعاطفين معهم من العرب وغير العرب خارج الصورة؛ «لم يتعلموا الحكمة من رأس الذئب الطائر»!.

شركة “سادات” التركية.. الذراع العسكرية لأردوغان بليبيا

مسؤولون في شركة “سادات” التركية

 

قال قيادي عسكري بالجيش الوطني الليبي إنه تمّ رصد أعمال مشبوهة داخل ليبيا، تقوم بها شركة “سادات” التركية للاستشارات الدفاعية الدولية، والتي تعمل لصالح حكومة الوفاق وتعود تبعيتها لتنظيم الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أنشطة مريبة في مجال تدريب المرتزقة السوريين وجلبهم إلى ليبيا.

وأوضح العميد خالد المحجوب، مدير “إدارة التوجيه المعنوي” في “القيادة العامة” للجيش الوطني الليبي، في حديث لـ”العربية.نت”، أن المعلومات المتوفرة تفيد أن هذه الشركة موجودة في ليبيا وتقود النشاط المخابراتي التركي بالبلاد وهي تتبع لتنظيم الإخوان.

 

وأكد أن هذه الشركة “تستثمر بشكل كبير في الحرب الليبية، حيث تتولى عمليات جلب المرتزقة السوريين والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا وتسليحهم بعد تدريبهم عسكرياً، ومرافقة الميليشيات المسلّحة التابعة لقوات الوفاق، كما تلعب دور الوسيط لإتمام صفقات بيع وشراء السلاح والمعدات العسكرية بين الشركات المختصة في تركيا وحكومة الوفاق مقابل الحصول على نسبة من الأرباح”، مشيراً إلى أنّها تتولى كذلك تنظيم وإبرام عقود جلب المرتزقة وتحصل على عمولة على كل مرتزق. ولفت إلى أن كل هذه الأموال مدفوعة من خزينة الدولة الليبية.

وبرزت شركة “سادات” التركية بعدما وسّعت نشاطها في ليبيا، عقب توقيع “اتفاقية التعاون الأمني والعسكري” بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

موضوع يهمك?قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، في حديث مع مراسل قناتي “العربية” و”الحدث” بباريس، إن…فرنسا: تركيا لم تحترم تعهدات قطعتها في برلين حول ليبيا فرنسا: تركيا لم تحترم تعهدات قطعتها في برلين حول ليبيا المغرب العربي
وينص أحد بنود الاتفاقية على أن يتضمن شكل التعاون بين الطرفين إرسال أي منهما للآخر “أطقما أو أفرادا مدنيين يتبعون مؤسسات أمنية”، وهي النقطة التي تذّرع بها أردوغان لتوفير غطاء قانوني لهذه الشركة لإرسال مقاتلين ومستشارين أمنيين إلى ليبيا، من أجل مساندة جهود قوات الوفاق في التصدي لتقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس.

وبحسب المعلومات المتداولة، يدير شركة “سادات” التي تواجه انتقادات كبيرة من المعارضة التركية بسبب أنشطتها المشبوهة داخل تركيا وخارجها، حزب “العدالة والتنمية” التركي. وهي تقوم بأنشطة التدريب والاستشارات العسكرية في ليبيا ودول عربية أخرى.

أسسها وتولى إداراتها العميد التركي المتقاعد “عدنان تانري فردي”، الذي غادر الجيش التركي عام 1997 ومعه 23 ضابطاً متقاعداً بعد أن شغل منصب قائد القوات الخاصة التركية. وقام بتعيين هؤلاء الضباط الـ23 كمسؤولين عن التدريب بالشركة. وفردي مقربّ من أردوغان، ويعمل حالياً كأحد مستشاريه العسكريين.

ووفقاً للمعلومات التي تواردت في الصحافة العالمية، فقد كانت شركة “سادات” حاضرة في الميادين عندما وقعت محاولة الانقلاب بتركيا في 15 يوليو/تموز 2016. ويتردد بكثرة أن هذه الشركة تقوم بتدريب شباب حزب “العدالة والتنمية” ليصبحوا مثل الميليشيات في حال الحاجة إليهم. كما تواردت أنباء تتعلق بتورط الشركة بشكل مباشر في الحرب السورية، وأنها هي التي تتولى تدريب بعض الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الأسد والمقربة من أنقرة.