قال الرئيس التنفيذي لشركة “رايان إير” مايكل أوليري إن هناك محادثات مع السلطات في مصر وليبيا بشأن تسيير رحلات جوية إلى البلدين لأول مرة.
وأضاف الرئيس التنفيذي للشركة الإيرلندية أن الرحلات الجوية الوحيدة للشركة في المنطقة العربية حاليًا هي المغرب والأردن، حسب رويترز.
وتعد الشركة الأيرلندية أكبر شركة طيران في أوروبا من حيث عدد الركاب، وتتنافس مع شركة “ويز” التي تتخذ من المجر مقراً لها ، والتي تطير إلى مصر والمغرب، في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خط أطلقته من مقر لها في أبوظبي ويطير إلى 36 وجهك في الشرق الأوسط وأوروبا.
ليبيا: معركة كسر عظم بين النائب العام ومسؤولين مُتهمين بالفساد
رشيد خشــانة – مبادرة سياسية جديدة، تقودها 120 شخصية ليبية، من مشارب فكرية وآفاق سياسية مختلفة، عبروا عن رفضهم الشديد لاستمرار الوضع الراهن.
العبارة الأكثر تداولا في خطابات المسؤولين السياسيين الليبيين هذه الأيام، هي المصالحة الوطنية، واستطرادا إيجاد حل توافقي للصراع الدائر منذ العام 2014. وتتبنى هذا الموقف أيضا الأطراف الخارجية المتداخلة في الملف الليبي، إذ جدّدت الجزائر على لسان رئيسها، دعوتها لإيجاد تسوية للأزمة الليبية في إطار حل توافقي ليبي ليبي، وإنجاز استحقاق المصالحة الوطنية الشاملة، بما يؤدي إلى تنظيم الانتخابات، «التي ستمكن الشعب الليبي من اختيار ممثليه على مستوى المؤسسات السياسية». أما في الداخل فكانت المصالحة وما يتبعها من ضرورة عقد مؤتمر جامع، الملف الرئيسي الذي ناقشه عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، قبل أيام مع ممثلي المكونات الاجتماعية في العاصمة طرابلس. وأفيد أن المجتمعين ناقشوا مسألة إنهاء المراحل الانتقالية، التي أربكت المشهد السياسي، على ما جاء في بيان للمجلس الرئاسي. لا بل تطرقت المناقشات إلى محاور المؤتمر الجامع للمصالحة، الذي لم يُحدد ميقاته.
كما أفيد أن الجانبين اتفقا في موضوع الهيكل الإداري للدولة، على إعادة العمل بنظام المحافظات، وعزوا هذا الخيار إلى ما له من «أهمية ومساهمة في استقرار البلد، والابتعاد عن المركزية التي تُعيق بناء الدولة» وفق ما ورد في البيان الرئاسي. ومن طبرق (شرق) حض سفراء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أيضا على دعم جهود المصالحة. لكن الطريق إلى المؤتمر الوطني الجامع ليست مفروشة بالورود، فقد أكدت المستشارة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، أن قانون العدالة الانتقالية ما زال قيد التعديل، بينما يستمر عمل بعثة تقصي الحقائق والمحكمة الجنائية الدولية، بالتحقيق في الانتهاكات وجرائم الحرب المحتملة. واتهمت وليامز اللواء المتقاعد خليفة حفتر بأنه كان وراء توقف المسار الدستوري، عندما أمر قواته بالزحف على العاصمة طرابلس في نيسان/ابريل 2019، مُجهضا بذلك المؤتمر الوطني الجامع الذي كان مُقررا عقدُه في غدامس. وتكررت عبارة «المصالحة» على لسان المبعوث الإيطالي الخاص إلى ليبيا، نيكولا أورلاندو، الذي أجرى أخيرا، محادثات مع الأطراف السياسية الليبية، بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وخاصة فرنسا وألمانيا. وأكد أورلاندو أن روما تدعم الوصول إلى «توافق سياسي واسع» يضمن لليبيا حكومة يمكن أن تقود إلى انتخابات حرة وشفافة، تُفرز مؤسسات شرعية. وترتدي تصريحات الموفد الإيطالي أهمية خاصة لكون روما هي أبرز حليف للولايات المتحدة في الملف الليبي، وهو ما تسبب لها بعدة احتكاكات مع غريمتها فرنسا، التي تدعم اللواء المتقاعد حفتر، وتتحاشى التعامل مع الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.
ويقودنا استخدام عبارتي المصالحة والمؤتمر الجامع، إلى الحديث عن مبادرة سياسية جديدة، تقودها 120 شخصية ليبية، من مشارب فكرية وآفاق سياسية مختلفة، بينهم أعضاء في مجلسي النواب والدولة وحقوقيون وبعض القيادات القبلية، الذين عبروا عن رفضهم الشديد لاستمرار الوضع الراهن، الذي لا تستفيد منه سوى «الجهات التي تريد خطف العملية الانتخابية» من دون تسمية تلك الجهات. وتُعتبر هذه المبادرة مقدمة لحراك سيعمل على إرساء خط ثالث يتباين مع خليفة حفتر وحكومة الوحدة الوطنية في آن معا، هدفه الأول، على ما يقول أصحاب المبادرة في بيانهم، «محاولة إنقاذ البلاد من الانزلاق لمخاطر التقسيم». وفي السياق اعتبرت الشخصيات الموقعة على البيان أن الفرصة لم تُعط لليبيين، على امتداد السنوات الثماني الأخيرة لاختيار قياداتهم السياسية، فكانت النتيجة تعاقب خمس حكومات وأربع حروب (داخلية) ذهب ضحيتها عشرة آلاف ليبي، وأكدت أن اتفاقات تقاسم السلطة، سواء في منتجع الصخيرات بالمغرب أم في جنيف، أخفقت في تحقيق الغاية من عقدها. وكان الهدف من وراء تلك الاتفاقات توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات الموعودة. وانطلاقا من هذا الإخفاق، اقترحت الشخصيات الـ120 اعتماد الإعلان الدستوري، الذي وضعه المجلس الوطني الانتقالي، بعد الإطاحة بالنظام السابق في 2011 والذي أُجريت على أساسه انتخابات 2012 إلى جانب اعتماد قانون الانتخابات الرقم 4 لسنة 2012 أيضا، بوصفهما أساسا دستوريا للانتخابات وإطارا قانونيا لها. ولم يكن مستغربا أن الموقعين على المبادرة أكدوا على ضرورة طلب المساعدة الدولية للإشراف على الانتخابات، وذلك بالمعايير المُحددة في ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها في هذا الشأن. ويمكن أن يُفسر ذلك بأن ليبيا مازالت خاضعة لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وأظهرت تقارير أممية أن الأوضاع الاجتماعية والتربوية في ليبيا، ما انفكت تتدهور، مُخلفة جيلا محروما من أساسيات التكوين العلمي. كما أظهرت أن المؤسسات الاجتماعية، وخاصة منها التربوية، تعاني من طول الاهمال وغياب الصيانة على مدى السنوات الأخيرة، ما استوجب وضع خطة شاملة لإنشاء 1500 مدرسة جديدة، ستكون بديلا من مدارس الصفيح القائمة حاليا، والتي يُعتبر بقاؤها إلى اليوم وصمة عار في جبين من تداولوا على الحكم، طيلة السنوات العشر الأخيرة. ومع إمساك النائب العام الصديق الصور بملفات فساد عدة، ووضع بعض المشتبه في ضلوعهم بتلك الملفات في السجن الاحتياطي، يتأكد أن الحملة على الفساد ستحمل مفاجآت، وأن رؤوسا أخرى أينعت. إلا أن الملاحقات القضائية ما زالت مقتصرة على صغار الفاسدين، وغالبيتهم موظفون في مصارف تجارية، ولم تشمل رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، بالرغم من أن تقارير الرقابة أدانتهم بالأسماء. وآخر ملف كشف النقاب عنه مجلسُ النواب أخيرا، يتعلق بتصرف حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة بحصة ليبيا في مجموعة «هيس» الأمريكية، وهي الحصة التي بيعت لمجموعتي «توتال» الفرنسية و«كونكوفليس» الأمريكية. وأفاد المتحدث باسم مجلس النواب، أن المجلس قرر، في الجلسة التي عقدها أخيرا في بنغازي، رفض التخلي عن حصة ليبيا وتكليف اللجنة التشريعية في المجلس، بإعداد مخاطبة للنائب العام، في شأن التصرف بتلك الحصة من أسهم المجموعة الأمريكية، معتبرا ذلك إهدارا للمال العام، خاصة أن هناك قرارا صادرا عن محكمة الزاوية (شمال غرب) يحظر على السلطة التنفيذية إجراء مثل عمليات البيع تلك. إلا أن الدبيبة، الموجود في موقعه الحالي بفضل الاتفاق بين القوى الكبرى المؤثرة في المشهد الليبي، منذ شباط/فبراير الماضي، لا يبدو مُباليا لتلك الاتهامات. وفي سياق ملف الفساد أيضا، لوحظ أن مجلس النواب قرر، في جلسته الثلاثاء قبل الماضي، إقالة علي الحبري من منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي المكلف، وإنهاء عضويته ورئاسته للجنتي إعادة استقرار ببنغازي ودرنة، وسمى المجلس في مكانه مرعي مفتاح رحيل البرعصي. وعلل البرلمان قراره بوجود شبهات فساد وتزوير مستندات ووثائق رسمية والكسب غير المشروع.
استهداف النائب العام
أكثر من ذلك، حذر تقرير جديد السلطات الليبية من أن تنامي الصراعات الداخلية في البلد، ساهم في نمو اقتصادات المخدرات. وأبرز التقرير الصادر عن «المركز الأوروبي لرصد المخدرات ومكافحة الإدمان» أن هذا العمل لا يقتصر على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، وإنما «يشمل أيضًا بعض الجهات الفاعلة في الدولة والنخب السياسية والتجارية». وأكد المركز في تقريره بعنوان «أسواق المخدرات في سياسة الجوار الأوروبية – بلدان الجنوب»، أن الصراع طويل الأمد سهّل توسُع تهريب المخدرات، ما قد يزيد الطلب على المواد غير المشروعة.
ومع أهمية مكافحة التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة، فإن الحملة التي شنها مُتنفذون على النائب العام الصديق الصور، للمطالبة بعزله تنطوي على مخاطر كبيرة، أبرزها تهديد من يُحارب الفساد بمُعاقبته على حزمه في إنفاذ القانون، وترسيخ تقاليد الافلات من العقاب. وقد يكون خلف الحملة على الصور، رئيس الحكومة الدبيبة بعد اعتراض الصور على بيع حصة ليبيا في مجموعة «هيس» النفطية الأمريكية، كما أسلفنا. وكان مجلس النواب كلف لجنته التشريعية بإعداد مذكرة لشرح أسباب اعتراضه على الصفقة باعتبارها «مخالفة للقانون وإهدارًا للمال العام». ولاقى الاتجاه إلى عزل النائب العام رفضا واسعا في الأوساط القضائية والسياسية، إذ قام موظفو النيابة العامة في مدن عدة من بينها مصراتة والبيضاء وبني وليد، وقفات احتجاجية بمقر النيابة، استنكروا فيها الطعن المقدم من عضو المجلس الأعلى للدولة رئيسه السابق عبد الرحمن السويحلي، والذي طعن في قرار مجلس النواب تكليف المستشار الصديق الصور مهام النائب العام في 2021. وتأتي الحملة على النائب العام، في أعقاب الكشف عن عشرات ملفات الفساد وتسليط الأضواء عليها، وحبس كثير من المشتبه بهم في تلك القضايا، بعدما كانوا ينعمون بالافلات من العقاب. واعتبر المحتجون اعتراض السويحلي «تعديا على السلطة القضائية» مشيدين بالدور الذي يقوم به النائب العام الصور من أجل محاربة الفساد. وبات واضحا أن النائب العام لن يتوقف عند تلك التحقيقات، وإنما سيسعى إلى ضمان الشفافية والمساءلة عن كيفية إدارة عائدات النفط، ذلك الملف المتشعب والمُلغم بملفات الفساد، التي قد تطال شخصيات من الوزن الثقيل. كما تتردد في الأوساط السياسية الليبية تساؤلات حول خلفيات قرار مجلس النواب إقالة نائب محافظ المصرف المركزي علي الحبري، وتكليف مرعي البرعصي بمهامه، إذ هناك من رأى أنه تغيير طبيعي بعد سنوات من تولي الحبري هذا المنصب، فيما ينطلق آخرون من تزامن قرار العزل مع إنهاء عضوية الحبري في لجنتي إعادة استقرار بنغازي ودرنة، اللتين يرأسهما، لترجيح وجود ملف فساد. وكان النائب العام أعلن أنه أمر خلال الشهر الجاري بحبس عدد من المسؤولين احتياطيا في قضايا «تبدأ بالتجاوز وتنتهي بالتزوير والتحايل». ومن بين هؤلاء المسؤول المالي السابق بالشركة العامة لخدمات النظافة والقائم بمهام المراقب المالي في بعثة ليبيا لدى جمهورية رواندا. كما حبس المسؤول الصحي في بعثة ليبيا لدى أوكرانيا للاشتباه باختلاسه مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي المعهود إليه حفظه. وأمر النائب العام أيضا بحبس المدير التنفيذي السابق لشركة الخطوط الجوية الليبية لإسناده أحد العقود إلى ابنه كي يتحصل الأخير على منافع مادية لا تجيزها التشريعات بحسب ما قال المستشار الصور. كما شملت الملاحقة القضائية القائم بأعمال بعثة ليبيا لدى جمهورية جنوب أفريقيا لصرف مرتبات لأشخاص انقطعت صلتهم بإطار وظائف البعثة، بحسب النيابة العامة. والأرجح أن ليبيا ستشهد معركة كسر عظم بين النائب العام ومن خاصموه بسبب إقدامه على شن أوسع حملة لمكافحة الفساد وإنهاء الافلات من العقاب في ليبيا منذ سقوط النظام السابق. ومن الصعب التكهن بمآلات تلك المعركة، لأن لكل فريق وعاء اجتماعيا وسياسيا يسنده، إن كان من مكونات المجتمع المدني، الذي سيُناصر الصور بقوة، أم من كبار المسؤولين في الدولة والإدارة، الذين سيعمل كثيرٌ منهم على إطفاء الحريق الذي أشعله النائب العام بشتى الوسائل.
موقع فرنسي: الجزائر تضاعف ميزانيتها العسكرية لأزيد من 22 مليار دولار وسط قلق من القفزة التكنولوجية للجيش المغربي
توقف موقع قناة TV5 Monde الفرنسي عند سياق ودلالة مضاعفة الجزائر ميزانيتها العسكرية للعام المقبل (2023) وبشكل غير مسبوق.
وأوضح الموقع أنه منذ عام 2004 بلغ متوسط الميزانية العسكرية الجزائرية حوالي10 مليارات دولار في السنة، لكن حكومة الرئيس عبد المجيد تبون قررت مضاعفة ميزانية الجيش للعام المقبل لتزيد عن 22 مليار دولار، وذلك في سياق التوترات بين الجزائر والمغرب، لاسيما حول المسألة الصحراوية.
ويشير الموقع أن ميزانية المغرب لعام 2022، والتي ركزت على إجراءات الانتعاش الاقتصادي، تميزت بارتفاع حاد في الإنفاق العسكري، فلأول مرة في تاريخ المملكة، تجاوزت ميزانية القوات المسلحة حاجز الـ 50 مليار درهم، أي أكثر من 4.3 مليار دولار.
ويضيف الموقع أن المغرب زود نفسه بطائرات بدون طيار وصواريخ من تركيا والصين. وأصبحت تل أبيب أيضًا موردًا للأسلحة للملكة. وستشتري الرباط في هذا الإطار نظامSkylock Dome الإسرائيلي من شركةSkylock Systems ، وهو مصمم لرصد الطائرات بدون طيار وتحييدها.
وبحسب الموقع يبدو أن الجيش الجزائري قلق بشأن القفزة التكنولوجية التي حققها الجيش المغربي.
ويؤكد الموقع على أن الجزائر لم تستوعب الاتفاق المبرم بين تل أبيب والرباط في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بشأن القضايا الأمنية؛ وعنونت وقتها صحيفة “ليكسبرسيون” الجزائرية المقربة من السلطة: “الموساد على حدودنا”. وهو الأمر الذي يلخص المزاج السائد في الجزائر، كما يقول الموقع، الذي يوضح أن تمويل هذه الزيادة في الميزانية العسكرية للجزائر يتم جزئيًا من خلال ارتفاع أسعار المحروقات. وكان سعر برميل النفط قفز من 23 دولارًا في عام 2020 إلى 94 دولارًا اليوم. مع العلم أن أكثر من 60 في المئة من ميزانية الدولة الجزائرية يعتمد على موارد تصدير الغاز والنفط.
ليبيا وتونس أُهدرتا ثلاث فُرص فهل تقتنصان الرابعة؟
رشيد خشـــانة – ارتدت زيارة الوفد التونسي إلى ليبيا طابعا اقتصاديا، بينما المطلوب في هذه المرحلة، وضع إطار لعلاقات استراتيجية تستمر حتى بعد تغيُر الحكومات هنا أو هناك.
على الرغم من تأجيل زيارة رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن إلى ليبيا، وقع وزراء تونسيون مع نظرائهم الليبيين على عدة اتفاقات مهمة، في ختام زيارة وفد وزاري تونسي لطرابلس. وكان رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة ينتظر زيارة نظيرته إلى طرابلس كي يزور هو تونس لاحقا، على رأس وفد رفيع المستوى، حسب ما صرح به لإذاعة تونسية خاصة. وكان من الممكن إرجاء زيارة الوفد الوزاري إلى ما بعد القمة الفرنكفونية التي تستضيفها تونس الآن، لأن أجواء العلاقات الثنائية تسمح بالاتفاق على مشاريع جديدة، وإحياء أخرى قديمة لم يُكتب لها أن تُبصر النور. وفي هذا الإطار تحققت بعض الخطى من خلال توقيع وزيرة التجارة التونسية ونظيرها الليبي على اتفاق لتشكيل فريق عمل مشترك لدراسة إنشاء منطقة اقتصادية حدودية مشتركة بين البلدين في منطقة رأس اجدير، أحد المعبرين الرئيسيين بين تونس وليبيا. كما اتفقا على حرية انسياب السلع بين البلدين، وفق ما أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة التونسية عبر صفحتها على «فيسبوك» من دون إعطاء تفاصيل. وشمل اتفاق ثالث منح قرض ليبي للحكومة التونسية بقيمة نصف مليار دولار. وقبل ذلك وقع حاكم مصرف ليبيا المركزي ونظيره التونسي على اتفاق للتعاون في مجالات مشتركة. كما اتفق وزيرا التجارة على تسهيل إجراءات دخول السلع ذات المنشأ الأجنبي إلى ليبيا عبر الموانئ التونسية، بالاضافة لإنشاء خط بحري يربط بين موانئ البلدين.
أتى ذلك في إطار الزيارة التي أداها الوفد الوزاري التونسي إلى طرابلس، وضم وزراء الطاقة والمناجم والتجارة والنقل ورئيس مؤسسة تكرير النفط التونسية (قطاع عام). من هنا ارتدت زيارة الوفد التونسي طابعا اقتصاديا، بينما المطلوب في هذه المرحلة، زيادة على الاتفاقات الاقتصادية، وضع إطار لعلاقات استراتيجية تستمر حتى بعد تغيُر الحكومات هنا أو هناك. وعلى سبيل المثال يُعتبر منحُ تونس قرضا بقيمة نصف مليار دولار حركة مهمة على الصعيد السياسي، يمكن البناء عليها إذ أنها تساهم في تجاوز المُختنق الذي تمرُ فيه تونس حاليا. كما أن مشروع إنشاء منطقة اقتصادية حدودية مشتركة بين البلدين في معبر رأس اجدير، يشكل إذا ما تم، حُلما يعود إلى عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، غير أن السياسة قتلته. وتكمن الأهمية الاستراتيجية والأمنية لهذا المشروع في كونه سيُساعد على انتقال نحو مليون تاجر، ممن يتعاطون حاليا التجارة الموازية والتهريب عبر الحدود، على الانضمام إلى مظلة دافعي الضرائب، وتعاطي التجارة تحت سقف القانون. ويحتاج المُضيُ في تنفيذ هذا المشروع وباقي المشاريع المُتفق عليها، إلى إرادة سياسية وعزم من الحكومتين اللتين تجلسان على كُرسي هزاز، بحكم أوضاعهما غير المستقرة. لذا فإن الاسراع بإقامة المنطقة الحرة سيكون إنجازا سياسيا يُعزز التداخل بين الاقتصادين ويُساهم في المحافظة على الاستقرار والأمن في غرب ليبيا وجنوب تونس على السواء، ويضرب شبكات التهريب.
وبتعبير آخر ستضع المشاريع المتفق عليها الحكومتين أمام اختبار حقيقي، لأن الفرصة سانحة اليوم لقطع مسافة كبيرة في مسار التكامل الاقتصادي والتفاهم السياسي، وهذا غير مضمون مع حكومات الغد. من هنا تأتي مسؤولية الرئيس قيس سعيد، الذي يجمع كل السلطات بين يديه، بما فيها رئاسة الحكومة، في اقتناص هذه الفرصة، كي لا تُهدر مثلما أهدرت ثلاث فرص تاريخية في الماضي. وما يساعد على ذلك أن العلاقات بين البلدين بلغت مستوى من المتانة قلما بلغته العلاقة بين بلدين عربيين، مع تدفق أكثر من مليون زائر ليبي على تونس سنويا.
وبالعودة إلى التاريخ القريب نلحظ أن العلاقات بين تونس وليبيا أبصرت فترات مد وجزر، على مدى نصف قرن، عكستها المناكفات، العلنية أحيانا، بين الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة والعقيد معمر القذافي. لكن البراغماتية دفعت الرجلين إلى التقارب، لاسيما عندما حلت بتونس أزمة اقتصادية صعبة في العام 1969 فبدت ليبيا، في مطلع السبعينات، بوابة الدعم الوحيدة المُتاحة وسط أوضاع دولية وإقليمية غير مواتية، بعد حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية.
على هذه الخلفية خطط القذافي لإعلان وحدة سياسية بين تونس وليبيا، ورتب وزير الخارجية التونسي محمد المصمودي قمة على انفراد بين الرجلين في جزيرة جربة يوم 12 كانون الثاني/يناير 1974 انتهت بالإعلان عن قيام «الجمهورية العربية الإسلامية». غير أن دولة الوحدة لم تستمر سوى ثمان وأربعين ساعة، ثم انفضت في أجواء مُلبدة بالخلافات، تطورت إلى أسوأ أزمة في العلاقات الثنائية.
كان الدافعُ إلى تلك الخطوة اليأس الذي أصاب القذافي بعد إخفاق المحاولات الوحدوية العربية، خصوصا مع الرئيس المصري أنور السادات فاتجه غربا إلى تونس، مع أنه كان يُدرك تباعد الرؤى العميق بينه وبين بورقيبة، في هذا الملف تحديدا. إلا أنه عرف كيف يُغوي بورقيبة، فتنازل له عن رئاسة دولة الوحدة، لكي يضمن موافقته على المشروع. وأدرك بورقيبة أيضا مرارة مُخاطبه الذي نفض يديه من أهل المشرق، في أعقاب فشل مشروع «اتحاد الجمهوريات العربية» (17 نيسان/ابريل 1971). ومن هنا يمكن اعتبار تجاوب بورقيبة مع عرض القذافي الوحدوي، وسيلة لإبعاده عن مصر والمشرق عموما، وربطه بالقطار المغاربي، المُعطل لامحالة. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن تراجع بورقيبة عن الوحدة لم يكن مبنيا على استنقاص من الليبيين، مثلما يُلمح إلى ذلك البعض، ففي جميع المناسبات التي تحدث فيها عن ليبيا كان يذكر أهل البلد بكل خير، لأنه لم ينس السند الذي لقيه منهم في صبراتة وطرابلس ومصراتة وبنغازي، لدى عبوره ليبيا خلسة مُتجها إلى مصر في 1946.
مع ذلك أجهضت التجربة على أيدي الدولة العميقة في تونس، التي كانت ضد الدعوات الوحدوية والمشروع العروبي عموما. وأدى إلغاء الوحدة إلى تدهور كبير في العلاقات الثنائية شمل طرد العمال التونسيين من ليبيا، في وقت كانت نسبة البطالة في تزايُد، والاقتصاد التونسي في حاجة إلى سوق في حجم السوق الليبية لترويج المنتوجات الصناعية والزراعية، والتقليل من حجم المديونية. هكذا ضاعت فرصة السير نحو التكامل بخطوات تراكمية، في قطاعات محددة، ووفقا لمصالح متبادلة يكسب منها الطرفان معا. لا بل ارتدت العلاقات خطوات كبيرة إلى الوراء من خلال الحملات الاعلامية المتبادلة القائمة على الشتائم والحرب الديبلوماسية الضارية بين الحكومتين.
انتكاسة جديدة
في أعقاب عملية الاستيلاء على مدينة قفصة (جنوب) على أيدي كومندوس أتى من ليبيا عبر الجزائر في كانون الثاني/يناير 1980 انتكست العلاقات الثنائية كما لم تنتكس من قبل. وباتت ليبيا العدو الأول للمسؤولين التونسيين، والعكس صحيح. غير أن مرض الوزير الأول الهادي نويرة واضطراره للتخلي عن منصبه، وتسمية محمد مزالي خلفا له، حفزا الليبيين على السعي للمصالحة وإعادة العلاقات المقطوعة. وأرسل القذافي وزير الخارجية الراحل علي عبد السلام التريكي إلى تونس، في العام التالي، تمهيدا لزيارة القذافي نفسه لتونس. ولاحت فرصة تقارب جديد كانت ستُعطي دفعا للعلاقات الثنائية، لو سارت الأمور بصفة مُتدرجة، ووُضعت أهداف قابلة للتحقيق في آجال معقولة. وفي غياب تلك الرؤية، تزعزعت الثقة مجددا بعد توقيع الرئيس بورقيبة والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والموريتاني معاوية ولد طايع على معاهدة أطلق عليها اسم «معاهدة الأخوة والوفاق» (1983). وشعر المغرب وليبيا بأنهما أقصيا من المعاهدة، بل واعتبر البعض في البلدين أنها تشكل محورا إقليميا موجها ضدهما. وسرعان ما توصلا إلى معاهدة ثنائية مضادة أطلقا عليها اسم «معاهدة وجدة» في آب/اغسطس 1984 ما كرس سياسة المحاور في المنطقة المغاربية. وانتقلت العلاقات التونسية الليبية في تلك الأجواء إلى مرحلة جديدة من التوتر، لم تلبث أن استحالت إلى أزمة شاملة، أسوة بأزمتي اتفاق جربة وعملية قفصة، استمرت حوالي ثلاث سنوات.
وما أن استولى الجنرال زين العابدين بن علي على الحكم، بعد الإطاحة بالحبيب بورقيبة حتى رحب العقيد القذافي وأركان حكمه بتلك العملية وسارعوا إلى معاودة ربط العلاقات الثنائية مع تونس. ويمكن القول إن إعلان بن علي والقذافي بدء الاستثمار المشترك لمنطقة مساحتها 3000 كيلومتر مربع في حقل البوري النفطي البحري، أنهى أحد أبرز الخلافات بين البلدين منذ بدء الثمانينات. ويقع حقل البوري داخل الجرف القاري للبلدين على طول خط الحدود مع تونس.
وأتى اتفاق الحكومتين على الاستثمار المشترك للحقل في أعقاب القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي احتكم إليها البلدان، وقد تركت المحكمة لخبراء البلدين مهمة رسم حدود المنطقة المنوي استثمارها استثمارا مشتركا.
ولم تستقرَ العلاقات بين ليبيا وتونس إلا عندما تولى الرئيس الراحل بن علي منصب الرئاسة في العام 1987. وكان مُتاحا بعد ربع قرن من الاستقرار في العلاقات الثنائية، إيجاد أرضية مناسبة لتكريس التكامل الاقتصادي بين البلدين، لكن لم يكن هذا هاجس زعيمين يتحدران من المؤسسة العسكرية (القذافي وبن علي). وأظهر احتضان التونسيين أكثر من مليون لاجئ ليبي غداة الانتفاضة التي أطاحت بالعقيد القذافي العام 2011 أن الأرضية الشعبية مُمهدة لخطوات أكبر وأشمل. غير أن الفوضى السائدة في ليبيا، منذ ذلك التاريخ، وغياب الدولة، تسببا بإرجاء غالبية المشاريع المشتركة مع دول الجوار. لكن ليبيا بدأت تتعافى حاليا، وإن بخطوات وئيدة. ويمكن للبلدين أن يتعاونا بطريقة تؤمن فرص عمل لنحو مليون تونسي، غالبيتهم يعيشون في الجنوب، ممن يتعاطون التجارة الموازية. بهذا المعنى يمكن أن تكون الزيارة المُرتقبة لبودن إلى طرابلس وزيارة الدبيبة المنتظرة إلى تونس فرصة لبدء مسار جديد، من شأنه التخفيف من الاختناقات الاقتصادية والاجتماعية هنا وهناك، وضرب شبكات التهريب ودعم الاقتصاد المُنتج في البلدين.
«خبز على طاولة الخال ميلاد» رواية الليبي محمد النعاس: سيولة الجندر والحداثة الزائفة
يقارب محمد النعّاس في روايته «خبز على طاولة الخال ميلاد» الأفكار الرازحة على المجتمع الليبي والعربي، وتستمرّ موجهة ومؤثرة بشكل عام في آلية التعامل والاختيار لكل ما هو نسوي، ويعيد طرح موضوعات مثل غشاء البكارة والطهارة، ويؤسس من خلال وجهات نظر متباينة مفهوما خاصا للزنا، ونتيجة لذلك تتغيّر دلالة كثير من المفاهيم، وتتحوّل إلى مفاهيم رجراجة، فما يحدد الزنا في منطق بعض الآراء الواردة في نص الرواية ليس تحقق الزواج أو عدمه، وإنما الفيصل يتمثل في وجود المحبة والرغبة من الطرفين أو عدمه داخل إطار الزواج أو خارجه.
فالرواية معنية برصد التحولات التي أصابت المجتمع الليبي في فترة زمنية محددة، من مجتمع قائم على التعدد الديني والثقافي في سياق يحتم التنوع الكوزموبوليتاني إلى مجتمع الثقافة الواحدة واليقين بالنصاعة، ولهذا تبدو العودة من المدينة إلى القرية إشارة أولى لفعل الارتداد والتمحور حول الثابت، يؤيد ذلك رحيل الإيطاليين والقوقازيين والمالطيين إلى أوطانهم، وهجرة اليهودي المنتمي إلى طرابلس إلى جربة التونسية.
فالرواية تخبرنا في جزئيات خافتة أن الفيلم عن عبد السلام العبسي، ولكن المحكي كله يرتبط بالاعتراف الخاص بميلاد من خلال فعل التذكر وإعادة التأويل، وأن في ذلك إشارة إلى التوحد والتطابق، وإن اختلفت النزوعات والتوجهات، لكي تقدم لنا هوية متورّطة بالثبات، متجذرة في تقليديتها، عيناها مفتوحتان على الخلف، ومشدودتان إلى عقد متداخلة ومتأصلة في جذورها نحو الثبات والماضي. قد يبدو للبعض أن الرواية تمثل دعوة نحو الحداثة نظرا لسيولة الجندر وتحول تحديده من البيولوجي المرتبط بالثبات والتعيين إلى الثقافي المرتبط بالدور والأداء الاجتماعي والفعلي، ولكنها عند التأمل الدقيق، وبعد مشهد النهاية تصبح أكثر دلالة على فاعلية التقاليد والنظرة الثابتة والمفاهيم الأبوية بأنساقها العديدة التي تظلل حياة المجتمع العربي وحياة أفراده.
سيولة الجندر
بين البيولوجي والثقافي
يكتشف القارئ لحظة قراءة الرواية أن هناك حالة من التحرّر من المحددات الجنسية والجندرية، من خلال صورة خارجة عن حدود التنميط الجاهز الموروث داخل الثقافة العربية لصورة الرجل والمرأة، وما يحيط بها من سمات ووظائف وأدوار، فهناك من خلال شخصيتي ميلاد وزينب تحوّل وتبادل في ممارسات الذكر والأنثى. هناك مركزية للأنثى من البداية، ومن خلال تشكيل هيمنة دالة، وتحوّل في المهام، تبدو زينب من خلال قيامها بالعمل وجلب المال، وكأنها محور الحركة ومساحة لتأطير التوجهات الفعلية لحياة السارد ميلاد.
ما تلحّ عليه هذه الرواية يتمثل في فكرة الجنس، ليس بوصفها توزيعا بيولوجيا، ولكن بوصفها سيولة ترتبط بالمهام ضد ما هو مستقرّ في العقلية العربية. الرواية تجرح من خلال سمات تمّ توجيها للبطل ميلاد وزوجته زينب توجيها خاصا، فهذه المهام ظلت في إطار توزعها الثابت واقفة عند حدود نمط محدد، بالرغم من خروج المرأة العربية للعمل. وإذا كانت المرأة في احتلالها هذا الحيز في تأطير التوجه والحركة قد شكلت ووجهت توجيها خاصا، فإن التوجيه الخاص بشخصية السارد ميلاد أخذا أبعادا أكثر عمقا.
تمثل مرتكزات التوجيه في النص الروائي توجهات أساسية في الوقت ذاته لتأويل الحالة بداية من النشأة داخل إطار مملوء بالوجود النسوي، فنشأة البطل ميلاد داخل منزل فيه الأم وأربع فتيات يطلع على دواخلهن وأزمتهن النفسية، ويشاركهن الحناء على أصابعه، وارتداء الملابس الأنثوية، بالإضافة إلى غلظة فاقعة في نمط الأب في كسر هذا التوجه في محاولته إعادة التكوين والتشكيل لولده داخل خندق العرف الموروث: (سألت الله ما الذي فعلته حتى تعاملني الحياة بهذه الطريقة، ألانني كنت ولدا وحيدا لأخوات أربع، ولأني تعلمت ضفر شعر أخواتي وأنا في العاشرة، وصناعة الحلوى النسائية في الثانية عشرة… وصنعت الخبز… وتعلمت الطبخ منذ طفولتي؟ ربما لأني رضيت أن أغسل ملابس زوجتي، وأرتبها وأكويها… ربما لأنني تركت فراش الزوجية واللعب منذ أن يئسنا من إنجاب الأطفال).
تكرار (ربما) في النص السابق – حيث يحمل بعض مناحي تأويل الحالة- يكشف عن مشروعية ما ألمحنا إليه سابقا من انفتاح التأويل إلى مناح عديدة، ولكن الأكثر أهمية في هذه الجزئية يتمثل في وجود وطريقة الأب في إصلاح الخلل من وجهة نظره، الأب بمعناه البيولوجي والثقافي، فالأب بحدوده البيولوجية يمثل سلطة النسق الموروث، في محافظته على حدود النمط في محاربة أي خروج بشدة وغلظة وقسوة.
العناصر الخاصة بنمط الثبات في مقابل السيولة الجندرية عديدة، بداية من الأب أو العبسي أو صالحة، ويمكن أن نضع في إطاره داخل السياق ذاته، وإن كانت بتجل مختلف شخصية (المادونا) في خدمته العسكرية، حيث دأب على التربص به، وتعذيبه بكل الوسائل المتاحة. ولكن شخصية زينب تأتي على الوجه المقابل كاشفة عن سيولة مباينة، تتمثل في وجودها في إطار خاص يرتبط بالأدوار والوظائف التي تقوم بها، فأدوارها منزاحة عن النمط القديم، فتترك لزوجها القيام بأعمال البيت وثيقة الصلة بها، وتتفرغ للعمل ومشكلاتها مع مدير المؤسسة، وتشكل مساحة من الحضور المغاير، من خلال تشكيلها لبعض المفاهيم وفق تجلّ جديد، متأثرة في ذلك السياق بنزوعات عمها الفنان التي نشأت في كنفه، نتيجة لعمله فنّانا تشكيليا وسفرياته إلى بلاد أوربية كثيرة.
ففي الرواية نحن أمام أنماط تشكل من خلال المحكي – سردا وحوارا – تشكيلات أيديولوجية دالة، فهناك عمّ زينب الفنّان التشكيلي الذي يأتي بوصفه منظرّا لقيم التحرر مشكلا سردية مغيبة للنمط الذي يمثله، ولكنه بالرغم من غيابه لا يخلو من فاعلية وتأثير في تأسيس السيولة الجندرية لدى ابنة أخيه، وهناك العبسي الذي يمثل قيم الارتكان إلى التقاليد والثبات، ويشكل سطوة نموذج متخيل لدى ميلاد، بالدرجة أو الحدة ذاتها التي تحتلها زينب في تشكيل أفق البطل وتوجهه، وهناك أيضا النمط الحداثي الذي يكتفي بانزوائه مع النمط التقليدي المباين، يتجلّى ذلك في شخصية المدام مريم، في ارتفاعها من حيث مكان السكن الذي يفضي إلى التجذر في طبقة اجتماعية خاصة، تستطيع أن تعيش مكتفية بذاتها دون نزال مع القيم الموروثة، وفي حوارها مع أم ميلاد، وتفهمها للحظة الحضارية التي تعيش فيها الأم بأعرافها وتقاليدها.
الحداثة الزائفة:
الانفلات من تقييدات المثل
بالاتكاء على القديم واستمراره، وهامشية الجديد وصراعه المستمر، وعلى نمطي القرية والمدينة يؤسس محمد النعّاس في روايته ثنائية تتعلق بنمو العقلية العربية نحو التحديث، ومعوقات ذلك التحديث، وإشكالياته التي تفرغه من مضمونه الحقيقي، ليتحول في النهاية إلى تحديث شكلي مرهون بالبلاغة والخطابة ومخالفة النسق دون صناعة أفق حيوي يكشف عن جذرية التحوّل في مباينة الأنساق المتجذرة حتى داخل الأطراف التي تبدو أكثر حداثة وتطرفا.
ترتبط الرواية بالحداثة المشوّهة، حيث يتمّ تسريبها في النص الروائي، داخل سياق أو عقلية مشدودة إلى الخلف، يؤيد ذلك أن محاولة الشخصيات التي تنضوي في ذلك الإطار داخل العمل الروائي يأتي لهاثها أو خروجها مسيجا بأنماط الارتداد الفاعلة في التثبيت والتقييد. ففي كل فصل في الرواية – وأحيانا داخل المتن – هناك مثل يشكل مفتتحا نصيا يؤسس للمدى المغلق، والمثل بالرغم من كونه بنية مكتنزة، كاشف عن عمق متأصل ضارب بجذوره في روح المجتمع وثقافته، فيأتي في كل فصل موجها للحركة، وفاعلا على امتداد النسق، ضالعا في تهميش وتغييب كل ما يخالفه ويباينه بسطوة دامغة.
إن نظرة فاحصة إلى الشخصيات التي تمثل جانب الخروج على النمط المؤسس والأعراف، ومعاينة توجهاتها والمآلات التي انتهت إليها تثبت مشروعية هذا التوجه. فهمهمات الشك تنحو باتجاه عم زينب الفنان التشكيلي، حتى في ظل إسدال مفاهيمه الخاصة للأفكار التجريدية التي يوسع في إطارها ودلالتها، وأثرت على تكوين ابنة أخيه في قولها (الزنا محرّم فقط مع من لا تحب)، وإطار سلوكه العملي الكاشف عن توجهه في التعامل مع المرأة، والإيمان بحريتها الجنسية بشكل عام، في جزئيات خافتة، تكشف عن عقليته الارتكاسية والرجعية، في إشارة زينب في حديثها عنه مع ميلاد إلى جنونه إذا عرف أنها تتأمل لوحاته العارية، أو جنونه إذا أدرك أنها معه الآن يمارسان الجنس بشقته.
أما مع المدام أو مريم، فالقارئ أمام حالة حداثية لا تخلو من خصوصية، لأنها مكتفية بوضعها دون نزال أو معاظلة مع النمط المقابل، فهي متكيفة مع وجهة نظره، ولا يزعجها نقد الآخر أو رؤيته لسلوكها، وكأن في ذلك إيمانا بعدم جدوى الصراع، فبعد سفرها مع زوجها وإقامتها مع زوجها لفترة في باريس تعود صانعة دائرة ضيقة حولها، صانعة نوعا من العزلة. فقد تولدت لديها رؤية وإدراك مختلفان، ولكنها رؤية ليست معنية بالنهوض بالآخر أو تثويره أو تغييره للتبرم على الأعراف أو التقاليد. هي فقط اختزنت تأثرها، وتشربت مبادئ الحرية في أسفارها العديدة، وهذا النمط الذاتي يقلّ أثره وفاعليته، لأنه ليس منفتحا على الآخر، ولا شيء يشغل اهتمامها خارج حدود الذات.
في ظل حدود التلقي السابق يمكن أن نعاين الشخصيات بشكل مختلف، خاصة إذا وضعناها في إطار دوائر أكبر من تجليها داخل سياقها النصي، فتصبح الرواية في إطارها العام معنية برصد حالات التطور أو الارتكاس والخنوع التي تصيب المجتمعات في لحظات أو سياقات حضارية متوالية، خاصة في تلك المجتمعات التي يتولد لديها توجهات حادة في التباين بين فترة وأخرى، أو انقسامات متضادة في الانتماء، فيحدث هناك ذلك الاشتباه في الرؤية، ومع كل توجه من هذه التوجهات والانتماءات المتباينة يحدث هناك تزاحم وتوزع مما يوقف الحركة للبدء من جديد، فمشهد القتل في نهاية العمل الذي يحمل في طياته القضاء على أية بادرة حركة نحو التحديث ليست إلا حالة من حالات الوقوف والتمزق المتكررة، والارتهان داخل فراغ مطبق.
فالشخصيات تتشابك مع رموز ودلالات، وتصبح ظلا لسياجات أيديولوجية، مشدودة لأفق التجديد والتحديث الموزّع في كل لحظة حضارية إلى اتجاهين، يعرقل كل واحد منهما في الاخر، ويحاول تهشيم منطلقاته، فيكون الناتج مشوّها ليس خالصا للقديم، وليس متوجها نحو التحديث والتغيير والنمو دون معوقات تجعل حركته ثابتة ومرتكزة على سراب، وتصبح الرواية والحال تلك ليست إلا محاولة إعادة ارتباط بالعالم وفق توجه إدراكي ينتمي إلى لحظته الحضارية الخاصة التي تحمل في طيّاتها توجهات نحو التحديث، ولكنها تظل منكفئة على ما فيها من تقاليد وأعراف تعرقل حركتها للأمام.
ليبيا: النخب الحاكمة تعمل على تأبيد الصراع لتبقى في أرائكها
رشيد خشـــانة – معايير الكفاءة ونظافة اليدين والاقتدار لم تعد هي الشروط اللازمة لتولي مسؤوليات رفيعة في الدولة، وإنما الأساس هو الولاء، في إطار عملية تقاسم الكعكة بين أعداء الأمس.
لا تحمل الاجتماعات بين رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في تركيا، أي جديد، لأنها لا تختلف عن اللقاءات السياحية السابقة، على ضفاف بحيرة ليمان في جنيف، أو على ضفاف الأطلسي في منتجع بوزنيقة المغربي، أو قبل ذلك على شاطئ النهر الخالد في القاهرة. ومع كل جولة من تلك الجولات نشهد محاولات لإيهام الرأي العام الليبي بأن «الزعيمين» مُنهمكان في البحث عن حلول لإسعاد شعبهما وإبعاد شبح الحرب عنه. لكن الواقع غير ذلك تماما، فلو كان صحيحا أنهما ناقشا، على مدى أيام، قضايا جادة تؤدي إلى الخروج من الأزمة لكشفا ذلك لوسائل الإعلام. وهنا يبرز السؤال التالي: هناك مسعى دائمٌ لإبعاد الاجتماعات وما يدور فيها عن مسامع الليبيين، مع أن الأمر يتعلق بمصيرهم الجماعي، فلماذا ترتدي هذه اللقاءات طابع السرية؟ وما هي السلطة التي كلفت السيدين المشري وصالح بمناقشة مستقبل ليبيا وتقرير مصيرها بمفردهما، من دون تفويض شعبي يُكلفهما بذلك؟
لقد بات واضحا أن مجلسي الدولة والنواب، وهما المسؤولان عن قوانين الانتخابات، يرفضان سن قوانين انتخابية تُخرِجهما من المشهد، وهذا هو السبب الحقيقي لتأخير إجراء الانتخابات في ليبيا منذ عام 2014.
والليبيون يعرفون أن المشري وصالح يغتصبان مؤسسات الدولة، وخاصة السلطتين اللتين تتربعان على عرشهما: مجلس النواب والأعلى للدولة، فمجلس النواب فاقدٌ للشرعية لأن أعضاءه (200 عضو) انتُخبوا في 2014 ليبقى المجلس أربع سنوات، يُشرف خلالها على الانتقال إلى دستور جديد، لكن الجميع، وفي مقدمهم رئيس المجلس عقيلة صالح (78 عاما) تشبثوا بتلابيب المجلس، حتى بعدما صار منتهي الصلاحية. أما رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري (53 عاما) فبات يقود مجلسا مؤلفا من بقايا «المؤتمر الوطني العام» (برلمان انتقالي) الذي انتهت صلاحيته مع إجراء انتخابات مجلس النواب في 2014.
من هنا فإن أعضاء المجلسين لا يُريدون إنهاء المرحلة الانتقالية، لأن نهايتها تعني انقطاع الأمل بعودتهم إلى ركاب السلطة، بكل ما تمنحه من امتيازات ونفوذ اجتماعي وسياسي. وسيبقى المتحاورون في جنيف والقاهرة وبوزنيقة وتركيا، يُنهون جولة من المحادثات ليبدأوا جولة جديدة، في أجواء من التكتم الشديد، بتعلة أننا ما زلنا في المرحلة الانتقالية. أفليس الرأي العام الليبي معنيا بفحوى تلك اللقاءات ومُخرجاتها، وبالتالي من حقه أن يعرف أدق تفاصيلها؟ وزيادة على ذلك، يطرح الذين أبدوا، مباشرة أو مداورة، رغبتهم بالترشُح للانتخابات الرئاسية، مشاكل قانونية وسياسية معقدة. فاللواء المتقاعد خليفة حفتر (80 عاما) الذي يُسيطر عسكريا على المنطقة الشرقية، أدانته محكمة أمريكية في فرجينيا، غيابيا، في نهاية تموز/يوليو الماضي، مُحملة إياه المسؤولية التامة عن جرائم قتل وتعذيب ضد أبناء الشعب الليبي.
وتظهر درجة الاستخفاف بعقول الليبيين عندما يُعلن كلٌ من المشري وصالح في المغرب، عزمهما على إنهاء ملف تجديد القائمين على المناصب السيادية قبل نهاية العام الحالي، كما تعهدا باستئناف الحوار من أجل القيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مُطابقة للمعايير العالمية، ووفق تشريعات واضحة يتم التوافق عليها بينهما. وهذا إقرارٌ خطرٌ بمسؤوليتهما عن تأخير المسار الانتقالي، لكن الأخطر منه أن يتفقا على تسمية من سيشغلون المناصب السيادية، لأن الأمر بات عبارة عن بورصة مواقع قيادية يسعى كل طرف إلى الخروج منها بأقصى ما يستطيع من الغنائم. وعليه فإن معايير الكفاءة ونظافة اليدين والاقتدار لم تعد هي الشروط اللازمة لتولي مسؤوليات رفيعة في الدولة، وإنما الأساس هو الولاء، في إطار عملية تقاسم الكعكة بين أعداء الأمس.
هذا التعاطي مع الأزمة على أساس المُحاصصة ومنطق الغنيمة هو السائد حتى اليوم، وهو المحور الحقيقي للخلافات بين الفريقين المتصارعين، بينما يزعم عقيلة والمشري أنهما يناقشان «الخلافات حول القاعدة الدستورية للانتخابات» والحال أن الجميع يعلم أن النسخة النهائية من مشروع الدستور جاهزة منذ العام 2017. وإذا كان هناك من ملف معقد ومتفجر فهو التعيينات على رأس مؤسسات الدولة، لأنها فرصة للفساد والاستيلاء على المال العام.
وتسود الريبة والنفاق العلاقات بين الحليفين السابقين صالح وحفتر، إذ أن الأخير يتوجس خيفة من عقيلة صالح، ولا يستبعد تحالفه مع المشري لإخراجه (حفتر) من اللعبة تماما، عبر قاعدة دستورية لا تمنح له فرصة الترشح للرئاسة، حسب ما ذكر تقرير تركي. وحذر التقرير من أن حفتر سيمارس ضغوطا على مجلس النواب للحؤول دون إجراء أي انتخابات لا يكون هو من المرشحين البارزين إليها. ولن يتسنى له الترشح إلا إذا تخلى عن جنسيته الأمريكية، وهو لن يقبل بذلك أبدا. وما يُعطل هذا المسار هو الخلاف على السماح لمزدوجي الجنسية والعسكريين بالترشُح. وهناك حلول كثيرة لتجاوز هذه العقبة، من بينها إخراج هذه المسألة من مشروع الدستور وتضمينها، بهذه الصيغة أو بغيرها، في القانون الانتخابي، لأن المسألة ذات طابع قانوني أكثر منه دستوري.
وطالما أن إقرار مشروع الدستور ينبغي أن يمر بتصديق البرلمان ثم بموافقة المجلس الأعلى للدولة، فإن التلاعب بالأصوات وعقد تحالفات مُريبة سيكونان مسيطرين على الأجواء. وأبدت المستشارة الأممية السابقة ستيفاني وليامز تعجُبها من نهم غالبية النخب الليبية إلى المال العام وحجم التحويلات الشخصية إلى الخارج، وقالت في تقرير حديث نشره معهد بروكينغز «إن خريطة الطريق الانتخابية تعدُ جزءًا لا يتجزأ من دعم مطلب الشعب الليبي المشروع لإجراء انتخابات وطنية، وكبح شهية النخبة الحاكمة، التي لا تشبع، للسلطة التنفيذية المؤقتة».
عودة إلى النظام الاستبدادي؟
وفي السياق حذرت المستشارة السابقة وليامز من احتمالات العودة إلى النظام الاستبدادي، عن طريق أحد المرشحين الرئاسيين، وفي مقدم هؤلاء سيف الإسلام نجل معمر القذافي، الذي يعتبر أنصار النظام السابق أنه الكفيل بإعادة السبتمبريين أو القذافيين إلى الحكم في ليبيا، حيث ما زال شبح معمر القذافي يطارد البلد الذي حكمه لمدة 42 عامًا، مثلما يتضح من الدخول المفاجئ لسيف الإسلام القذافي (50 عاما) إلى حلبة السباق الرئاسي في العام الماضي.
والمُلاحظ أن وليامز، التي كانت مُلزمة بواجب التحفظ قبل مغادرة منصبها السابق، أشارت بالاسم إلى حفتر والدبيبة بصفتهما عطلا المسار الانتخابي، فحفتر «قام بمحاولة انقلاب في نيسان/ابريل 2019 (الهجوم العسكري على طرابلس) ما تسبب بمقتل عدد كبير من المدنيين» على ما قالت. أما الدبيبة فاعتبرت وليامز أنه «تصرف بسوء نية» عندما انتهك التعهد الذي قطعه، خلال ملتقى الحوار السياسي، في شباط/فبراير 2021 بأنه لن يترشح للرئاسة. وتُخبرنا وليامز أن إنتاج الأساس الدستوري للانتخابات توقف في الآونة الخيرة بسبب إصرار حفتر على بند يسمح للمرشحين بالاحتفاظ بجنسية ثانية (في حالته الأمريكية).
واللافت أن وليامز اقترحت في تقريرها فرض عقوبات أو التهديد بفرضها على الليبيين المتورطين في الفساد ومنتهكي حقوق الإنسان، ونبهت إلى أن إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي ومجموعة من الدول يمتلكون تشريعات يمكن اعتمادها لفرض عقوبات اقتصادية ومنع دخول مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والفساد.
بهذا المعنى يمكن القول إن المستفيدين من تمديد المرحلة الانتقالية، يسعون لاختلاق الأعذار الواهية لإرجاء الانتخابات سنة بعد أخرى، كي يستمروا في مناصبهم. لكن الموقفين الأمريكي والأوروبي يُصران على إنهاء المراحل الانتقالية والمرور فورا إلى الانتخابات. وتعتمد أمريكا في موقفها على تصريحات رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، الذي ما انفك يؤكد أن المفوضية جاهزة بنسبة 98 في المئة للإشراف على العملية الانتخابية. وأكد الأمريكيون في مناسبات عدة، أن السبيل الوحيد للتقدم بالعملية السياسية يمرُ من خلال خارطة طريق لانتخابات ذات مصداقية، تمكن المواطنين من اختيار قادتهم بأنفسهم. وبحسب المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية، تشجع واشنطن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبد الله باثيلي، على إنضاج الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، «في أقرب وقت ممكن». وتؤكد أمريكا في الوقت نفسه على ضرورة إعطاء الأولوية للجهود المبذولة من أجل ضمان الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة الليبية. وتتطابق خطة عمل الممثل الخاص باثيلي مع الموقف الأمريكي، الذي يرى ضرورة الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
جاء ليتأكد بنفسه
أكثر من ذلك زار الموفد الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في طرابلس، مُستفسرا من رئيسها الدكتور عماد السايح عن مدى جهوزية المفوضية لإجراء الانتخابات، بحسب ما جاء في بيان رسمي بعد الاجتماع. وأكد البيان بوضوح أن الدبلوماسي الأمريكي أتى ليطمئن على «الاستعدادات الفنية للمفوضية». ويدلُ هذا الحرص الخاص على أن واشنطن تُتابع الأوضاع عن كثب، وأنها تُظهر اهتماما بجميع التفاصيل.
بالمقابل لوحظ أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لم يبذل أي جهد، أقله في الظاهر، لتحريك المسار السياسي وحلحلة الأزمة، استنادا على ما يُخوله له منصبه. وهذا ما حفز رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم عبد الله باثيلي على الاجتماع مع المنفي ليحضه على «الاستفادة من تأثيره في تيسير التواصل بين الأطراف لتجاوز الانقسام السياسي». وتجدر الاشارة هنا إلى أن باثيلي زار المنفي وناقش معه ترتيبات عقد لقاء جامع لكل الأطراف المعنية بالقضية الليبية، برعاية الاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة. ومنذ سنوات لم تعد مثل هذه العبارات تتردد على الأفواه في طرابلس. لذا ينبغي أن يكون اللقاءُ الجامعُ هذا مختلفا عن اللقاء الذي كان الموفد الأممي الأسبق غسان سلامة يسعى، على مدى عام بأكمله، لعقده في مدينة غدامس (جنوب غرب) في 18-19 نيسان/ابريل 2019 بحضور ألف شخصية، قبل أن يُجهضه خليفة حفتر، بإطلاق حملة عسكرية في الرابع من الشهر نفسه، لاحتلال العاصمة. وشارك في الإعداد لذلك اللقاء 6000 ليبي، بعد عقد 77 اجتماعا أنتجت 80 ألف ورقة، لُخصت في 22 ورقة. وشملت الأوراق كل المجالات مع ملخصاتها. وبناء على ذلك، يمكن للموفد الأممي الخاص باثيلي أن ينطلق في محاولة جديدة، لجمع الليبيين في لقاء توحيدي لا يُقصى منه أحدٌ إلا من أقصى نفسه ورفض المشاركة في هذا المسار الجامع.
بعثة “يوبام” لليبيا: مؤتمر إقليمي حول التعاون الحدودي مع الساحل منتظر في تونس
قالت ناتالينا سيا، رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية (يوبام) في ليبيا، إن البعثة بالتعاون مع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، وخلية الاستشارات والتنسيق الإقليمية وبرنامج “سي تي جست” ستعقد مؤتمرًا إقليميًا حول التعاون عبر الحدود بين ليبيا ودول الساحل في 22 و 23 نوفمبر المقبل.
حسبما ذكرت وكالة “نوفا” الإيطالية للأنباء، فإن المؤتمر يهدف إلى دعم الأمن والاستقرار الإقليميين من خلال تعزيز التعاون عبر الحدود في مكافحة الجرائم الحدودية ، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة.
ويشارك في المؤتمر وفود سياسية وفنية من ليبيا ودول الساحل والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والمنظمات الدولية.
قمة الجزائر أهدت الليبيين كلاما معسولا ولم تُنه صراع المحاور
رشيد خشـــانة – كانت القمة موضوعة تحت أضواء كاشفة من الأمريكيين والأوروبيين من خلال «الكولسة» إذ دأبت الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأوروبية على إرسال دبلوماسيين لاستطلاع خلفيات المواقف، أثناء القمم العربية.
لم يكن في وسع القمة العربية أن تُعطي نتائج أفضل مما أعطت، لسببين، الأول كامن فيها، ويتعلق بمحدودية ميثاقها وبـ»تقاليد» العمل العربي المشترك، الذي يسير دوما على خطى الضعفاء، من أجل تحصيل الإجماع. أما السبب الثاني فيخص السياق العام للقمة الحادية والثلاثين، حيث يتسم المشهد السياسي بالصراع بين محورين الأول مصري إماراتي مغربي، والثاني قطري جزائري. ورسم حضور من حضر من الزعماء اجتماعات القمة، وتغُيبُ من غاب عنها، صورة واضحة للمحورين المتنابذين، خاصة أن مُبررات الغياب واهية.
مع ذلك كانت القمة موضوعة تحت أضواء كاشفة من الأمريكيين والأوروبيين من خلال «الكولسة» إذ دأبت الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأوروبية على إرسال دبلوماسيين لاستطلاع خلفيات المواقف، أثناء القمم العربية، بما فيها مواقف الوفد الليبي في القمة الأخيرة، الذي قاده محمد المنفي. وفي هذا الإطار أجرت القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي يائيل لامبرت سلسلة لقاءات ركزتها على ملفات القمة، وأبرزها الملف الفلسطيني والملف الليبي. وكررت الموفدة الأمريكية إلى القمة موقف واشنطن المُتمثل برفض الحل العسكري ودعم المسار السياسي، «لإجراء انتخابات وطنية على قاعدة دستورية وقوانين انتخابية عادلة ونزيهة» على ما قالت.
والملاحظ أن اللاعبين الأساسيين في رقعة الشطرنج الليبية عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا ليسا في أوج قوتهما هذه الأيام، إذ أن الأول ما زال يتجاهل ضرورة إجراء الانتخابات، بُغية تمديد بقائه في السلطة، بعنوان استكمال المرحلة الانتقالية الثالثة. أما الثاني فعليه أن يُواجه تآكل شعبيته، حتى في مدينته مصراتة، لأنه لم يُنجز ما وعد به، فضلا عن عجزه على الاستقرار في العاصمة، وعن تحصيل اعترافات به رئيسا للحكومة المنبثقة من مجلس النواب. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن القمة العربية لم تُعط شيئا للزعيمين المتنافسين، فحتى الاقرار بشرعية هذه الحكومة أو تلك، أتى غامضا بعد ترؤس محمد المنفي الوفد الرسمي، مثلما يقتضي البروتوكول.
أكثر من ذلك، تمرُ حكومة الدبيبة بفترة دقيقة، وسط تواتر الحديث عن الفساد، وهي حملة قادت عدة شخصيات إلى السجن، بأمر من النائب العام الصديق الصور. ومن بين هؤلاء تسعة مدراء مصارف والوزير الأسبق للشؤون الخارجية محمد الطاهر سيالة. ويمكن القول أيضا إن التقارير الصادرة أخيرا عن ديوان المحاسبة، والتي شملت اتهام رئيس حكومة الوحدة بالضلوع في تبديد المال العام، ساهمت في إضعافه وتقليص دائرة الداعمين لحكومته في الداخل والخارج.
وشملت التحقيقات وقائع فساد في قطاعات حكومية مختلفة، إلا أن المسؤولين الذين تم إيقافهم، بسبب الاشتباه بضلوعهم في تلك الوقائع، لم يلبثوا أن أطلقوا، وعاد بعضهم إلى مراكزهم السابقة، ما يستدعي إلقاء الضوء على هذا الملف. وأورد ديوان المحاسبة في تقريره السنوي وقائع «إهدار المال العام» في عدة قطاعات، في ظل تصاعد كبير في الإنفاق الحكومي، مع عدم التزام جهات إدارية بتوجيهات ديوان المحاسبة، بخصوص التعاقدات وأوجه الصرف.
وجاء تقرير صادر عن هيئة الرقابة الإدارية مؤخرا متوافقا مع الملاحظات الواردة من الديوان، ما أثار تساؤلات لدى الرأي العام عن مصير تلك الملفات، فيما لوحظ أن الدبيبة تعاطى مع التقارير الصادرة عن جهات رسمية، باحتقار وازدراء. بالمقابل تفاعل الرأي العام في كافة ربوع ليبيا بغضب مع التهاون في مكافحة الفساد، بالرغم من أن عناوينه باتت معلومة للجميع. ويتوقع خبراء في علم الاجتماع أن موضوع الفساد سيكون أحد محركات الشارع الليبي في الفترة المقبلة، خصوصا وسط الصعوبات التي تمرُ بها الأسر، جراء ارتفاع الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية والاضطراب في توفير الماء والكهرباء.
في مقابل القضايا الحياتية التي تُؤرق المواطن الليبي، يُركز الموفد الأممي الخاص عبد الله باثيلي على الملف الأمني، انطلاقا من قناعته بأن المسار السياسي في مأزق، وأن سببه هو المأزق الأمني. وعلى هذا الأساس يرى باثيلي أن هناك مُتغيرين يسترعيان الاهتمام في الوضع الليبي، أولهما ما سماه «التحول في ميزان القوى بالعاصمة»، في إشارة إلى السيطرة المطلقة للقوات المؤيدة لحكومة الوحدة على طرابلس، وانسحاب القوات الموالية لباشاغا منها. أما المُتغير الثاني فيتمثل، بحسب باثيلي، في عمليات التجنيد الواسعة، الجارية حاليا من دون إعطاء تفاصيل عنها. لذا نرى الموفد الأممي يتمسك بتنشيط اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 من أجل تنفيذ المهام الموكولة إليها، ولا سيما تنظيم حيازة السلاح، من أجل وضعه تحت السيطرة الكاملة للدولة. وتأكيدا لحرصه على تنشيط هذا المسار الأمني، حضر باثيلي بنفسه الإجتماع الأخير للجنة العسكرية المشتركة في سرت لكن هذه العملية ستكون صعبة ومعقدة، لأن الأجسام المسلحة، التي تستخدمها جميع الأطراف، لن تخضع للإجراءات الجديدة، ولن تقبل بوضع أسلحتها تحت السيطرة الحصرية للدولة، فضلا عن معارضة اللواء حفتر أي مسار لتجميع السلاح. لا بل لوحظ أن الأخير أشرف، في السابع من أيلول/سبتمبر الماضي، على استعراض عسكري للقوات الموالية له، في رسالة موجهة للداخل والخارج (أساسا تركيا) بُغية التدليل على أنه لم يفقد جميع أوراقه. أكثر من ذلك شمل الاستعراض إظهار طائرات ميغ 29 الروسية المتطورة لدى جيش حفتر. لذا سيُهيمن شبح حفتر على مسار التصديق على القاعدة الدستورية، إذ أن الموقف السائد في مجلس النواب بشأن شروط الترشُح، يختلف عنه في مجلس الدولة. وعليه لا ينبغي الإفراط في التفاؤل في الوقت الراهن، إلى أن يتضح مصير القاعدة الدستورية المُقترحة. ويعتبر استكمال مجلس الدولة (غرفة ثانية) التصويت على القاعدة الدستورية خطوة مهمة نحو الانتخابات، بعدما أحالها المجلس على اللجنة المختصة، لصياغتها بشكل نهائي. ويقضي المشروع شبه المكتمل بألا يحمل المترشح للرئاسة جنسية دولة أخرى، وألا يترشح العسكريون إلا بعد استقالتهم بسنة. وهذان شرطان يُقصيان اللواء المتقاعد خليفة حفتر من المشاركة في أي انتخابات مقبلة، بوصفه حاملا للجنسية الأمريكية، وأيضا بصفته عسكريا غير مستقيل.
جسور تواصل مع الدوحة
وأظهر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في الفترة الأخيرة، تباعدا عن مواقف حفتر، لاسيما بعد زيارة عقيلة الأولى إلى قطر، وإصداره، قرارا بعد عودته من الدوحة، بتشكيل لجنة من أعضاء البرلمان «لمد جسور التواصل مع مجلس الشورى القطري». ويُفترض أن يستكمل مجلس النواب مناقشة تقرير لجنة اختيار أعضاء المناصب السيادية، إضافة لمناقشة آلية توحيد السلطة التنفيذية. وكان رئيسا مجلس النواب والأعلى للدولة، توصلا في تشرين الأول/اكتوبر الماضي إلى تفاهمات في مدينة بوزنيقة المغربية، بشأن القاعدة الدستورية. وشملت المفاهمات أيضا الاتفاق على تسمية شاغلي المناصب السيادية، وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة، في خطوة أشاعت أجواء من التفاؤل في حينها، لكونها تُعبد الطريق نحو إجراء الانتخابات. بيد أن التفاؤل مشوبٌ بالحذر، خاصة في العاصمة طرابلس، للمعاناة التي تكبدتها، مع مدن أخرى، جراء حربي 2014 و2019 بين قوات اللواء حفتر ومعارضيه. ولم تنته المعاناة مع توقف هجوم حفتر على طرابلس، بل استمرت الانتهاكات والاعتداءات التي تستهدف حقوقيين وناشطات اجتماعيات وسياسيات ومثقفين وإعلاميين وأكاديميين.
وأوردت تقارير عدة صادرة عن منظمات دولية واقليمية أن مجموعات مسلحة وأخرى شبه عسكرية تابعة للدولة في ليبيا، تحتجز احتجازا تعسفيا الآلاف من الليبيين والأجانب لفترات طويلة، مع عزلهم عن العالم الخارجي. ومع اعتماد آلية المراجعة الدورية بالأمم المتحدة، باتت السلطات الليبية مُطالبة باتخاذ إجراءات محددة، إذا ما كانت ترغب بالتدليل على حسن النوايا وتوافر الارادة السياسية الحقيقية للاصلاح والتغيير، بما يعني الامتثال للتعهدات الدولية والالتزامات السياسية إزاء الشعب الليبي، في مجال حقوق الإنسان.
وقد استهدفت الجماعات المسلحة، على مدى أربع سنوات، وبشكل منهجي، نحو247 صحافيًا وإعلاميًا، وأكثر من مئة مدافع عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تسجيل اعتداءات مسلحة على منظمات المجتمع المدني وأعضائها، لا سيما أثناء تنفيذ فعالياتها. وأبرزت التقارير أيضا أن الجماعات المسلحة استهدفت النشطاء الحقوقيين في المطارات ونقاط التفتيش الأمنية، واستخدمت التعذيب لانتزاع معلومات حول أنشطتهم وانتماءاتهم السياسية. كما يُستخدم القتل خارج نطاق القانون ضد المدنيين أيضاً، وخاصة المعنيين بتغطية الفظائع والجرائم التي يرتكبها المقاتلون. ففي 19 كانون الثاني/يناير 2019 قُتل المصور الصحفي محمد بن خليفة أثناء تغطيته للمناوشات المسلحة بين القوات التي تحمي طرابلس واللواء السابع. كما عُثر على جثة المصور موسى عبد الكريم في مكان عام في سبها (جنوب) بعد إطلاق النار عليه، بعد مُضي أسبوع على نشر صحيفته تقريرأ حول عمليات الاختطاف والسرقة المسلحة وتزايد الجريمة في سبها، عاصمة اقليم فزان. أما ناشطة المجتمع المدني انتصار الحصايري وخالتها فعُثر عليهما مقتولتين في سيارة في طرابلس، على أيدي مجموعة مسلحة.
وأكدت التقارير أن انعدام أي نوع من المساءلة، حال دون اتخاذ خطوات جادة لمحاسبة مرتكبي الاغتيالات وغيرها من الانتهاكات، خلال السنوات الماضية، لذلك لا يوجد مكان أو شخص في ليبيا، مُحصن من القتل خارج نطاق القانون. ولا تُستثنى من ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد، التي تتغاضى السلطات الرسمية عنها، بحسب ما جاء في التقارير.
أكثر من ذلك، حالت المجموعات المسلحة والقوات شبه العسكرية، المتحالفة مع السلطتين المتنافستين في بنغازي وطرابلس، دون وصول ضحايا الانتهاكات إلى النظام القضائي الوطني، جراء الهجمات المتتالية، التي استهدفت أعضاء المجتمع القانوني والقضائي، ومكاتب النيابة العامة والمحاكم ووزارة العدل. واستدل واضعو التقارير باختطاف وليد الترهوني، أحد منتسبي وزارة العدل، على أيدي جماعة مسلحة، وقد عُثر على جثته بعد بضعة أيام، أمام الوزارة وعليها آثار تعذيب وجروح.
كما وثقت التقارير الهجمات على المحاكم، من أجل ترهيب القضاة وإجبارهم على إطلاق المحتجزين من دون مقاضاتهم. وبحسب التقارير أيضا تضاعفت حالات الخطف والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، خاصة بعد اندلاع معركة طرابلس في أبريل/نيسان 2019 إذ أصبح الصحافيون والنشطاء والسياسيون أكثر عرضة للاختفاء القسري وغيره من الانتهاكات، بتعلة التعاطف مع أحد الطرفين المتصارعين، أو بتهم الخيانة أو العمالة لأجندة دولية. ويمكن هنا ضرب مثل بالمهندس عبد الناصر المقطوف (62 عامًا) الذي خطفته مجموعة مسلحة من مصراتة، مع اثنين من أبناء عمومته شرق طرابلس، واحتجزتهم قوة الردع التابعة لحكومة الوفاق في مكان مجهول، بتهمة دعم القوات الشرقية.
من هنا فإن حكومة الوحدة مطالبة بالاستجابة للاجراءات التي تنادي المنظمات الحقوقية باتباعها لإنصاف الضحايا وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات من أجل إحالتهم على القضاء، وإنهاء الافلات من العقاب. ومن دون اتخاذ تلك الإجراءات سيبقى تعهُدُ حكومة الوحدة بصون الحريات كلاما تذروه الرياح.
البعثة الأممية تطالب بالتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين في ليبيا

دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السلطات الليبية إلى «التحقيق الكامل في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والإعلاميين ومقاضاة مرتكبيها».
وشددت البعثة في بيان اليوم الخميس على ضرورة «حماية الصحفيين بوصفهم حماة أساسيين لحرية التعبير عن الرأي».
البعثة تشيد بشجاعة الصحفيين في مواجهة خطاب الكراهية
وأحيت البعثة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، مذكرة بـ«الصحفيين الشجعان في ليبيا الذين كانوا ضحية خطاب الكراهية أو الضرب أو الاعتقال أو الخطف أو الاختفاء أو القتل بسبب عملهم وتؤكد حق الناس في الوصول إلى المعلومات».
وأشارت إلى أنه بين العامين 2021 و 2022، جرى «خطف واختفاء ثلاثة صحفيين على الأقل في ليبيا بين 36 يوما و10 أشهر. وتعرض ثلاثة آخرون، بينهم امرأة، للاعتداء على أيدي مسلحين أثناء إجراء مقابلات علنية. ولم يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة».
ليبيا: فُرصٌ ضئيلة للتقدم على مسار الحل السياسي وجدلٌ حول «الحكومة الثالثة»
رشيد خشــانة – يجوز القول إن الغرماء الثلاثة أنهوا خصومتهم وأغمدوا سيوف الحرب، بعدما مكنت اجتماعات صالح والمشري في المغرب من التوصل إلى اتفاق على لوائح المرشحين لتولي أكبر المناصب في الدولة.
تشهد ليبيا حاليا مقايضات ومساومات بين الفرقاء السياسيين، على أبواب تشكيل حكومة جديدة مصغرة، تقتصر مهمتها المركزية على الإعداد لاستحقاق انتخابي أو لاستفتاء عام على دستور جديد. وبدأ يتبلور اتفاقٌ بين الغرماء الثلاثة عقيلة صالح وخالد المشري وفتحي باشاغا، برعاية تركية، على تسمية مسؤولين على رأس المؤسسات السيادية الرقابية السبع. وتمثلت الخطوة الأولى لتنفيذ الاتفاق، بإحالة مجلس النواب ملفات المرشحين لتلك المناصب، إلى المجلس الأعلى للدولة، بواقع سبعة مرشحين لكل منصب، ليختار منها ثلاثة قبل نهاية العام الجاري. وتشكل هذه المفاهمات امتدادا لمخرجات الجولة الثانية من الحوار السياسي، الذي احتضنته مدينة بوزنيقة المغربية في كانون الأول/ديسمبر 2015 بين لجنتين من مجلسي النواب والدولة. وجرى خلال تلك الجولة الاتفاق على أسماء المسؤولين المرشحين لقيادة المؤسسات السيادية السبع، وهي مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار وديوان المحاسبة والهيئة العليا للرقابة الإدارية والمفوضية العليا للانتخابات، بالإضافة إلى منصب النائب العام.
غير أن الاتفاق بين رئيسي مجلسي النواب والدولة جوبه بالرفض من أطراف عدة، من ذلك تعليقُ عضو المجلس الأعلى للدولة محمد امعزب، الذي اعتبر أن رئيسي المجلسين يسعيان للوصول إلى اتفاق بشأن السلطة التنفيذية والمناصب السيادية، بعيدا عن موافقة أعضاء المجلسين. لا بل أكد امعزب، أن هناك توجها داخل مجلس الدولة يدافع على ضرورة ألا يسبق وضعُ القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية إجراء أي تغييرات في السلطة التنفيذية والمناصب السيادية. وأكد امعزب أن لدى عقيلة صالح رغبة شديدة في تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة. ولديه خطة في هذا المجال، إذ أنه يخشى، مع استمرار الوضع الراهن، ألا تكون هناك انتخابات ولا استفتاء على الدستور أصلا، مؤكدا أن الحل الأسهل هو انتخابات برلمانية، يتولى إثرها البرلمان الجديد معالجة الدستور، الذي تتم على قاعدته الانتخابات الرئاسية. وبين امعزب أن لقاء عقيلة-المشري مجرد توافق على خط عريض، من دون أي إنجاز أو مخرجات، مستبعدا أن تكون هناك نتائج لمثل هذه اللقاءات.
مع ذلك يجوز القول إن الغرماء الثلاثة أنهوا خصومتهم (مؤقتا؟) وأغمدوا سيوف الحرب، بعدما مكنت اجتماعات صالح والمشري في المغرب من التوصل إلى اتفاق على لوائح المرشحين لتولي أكبر المناصب في الدولة. وأكد مفتاح الحرير رئيس مجلس التخطيط الوطني، الذي يرأس أيضا «اللجنة العليا لتوحيد المؤسسات» صحة المعلومات التي مفادها أن المؤسسات السيادية في طريقها إلى التوحيد. وكانت فعاليات برنامج عمل «اللجنة العليا لتوحيد المؤسسات» انطلقت في تونس، برئاسة الحرير، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا ومعهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام. وبعدما اتفق عقيلة والمشري على منصبين لم يُكشف عنهما، قررا استكمال المشاورات للاتفاق على باقي المناصب، ومن ثم تشكيل حكومة موحدة قبل كانون الثاني/يناير المقبل، وإن بدا هذا الطرح غير واقعي.
بالمقابل رأى المشري أن الحل للخلاف حول عدم جواز ترشُح مزدوجي الجنسية للرئاسة، الوارد في مشروع الدستور، يتمثل بنقل الخلاف إلى القانون الانتخابي، مع تشكيل حكومة جديدة، وهو مُقترحٌ لم يرض به المجلس الأعلى للدولة، فيما دعا مُقترحٌ آخرُ إلى عرض بعض النقاط الخلافية على الاستفتاء المباشر، على أن تكون أحكامه مُلزمة للجميع، مؤكدا أنه لو تم الاستفتاء في يناير/كانون الثاني أو شباط/فبراير 2023 لأمكن، بعد ذلك، إجراء الانتخابات في آب/اغسطس حسب توقعاته. ويتمسك المشري بتنحية الصديق الكبير بعد 11 عاما قضاها على رأس مصرف ليبيا المركزي، خاصة في ظل وجود خلافات بينه وبين أعضاء مجلس إدارة المصرف، محورها تغيير سعر الصرف. واعتبر المشري أن «الذهاب الآن إلى تغيير جميع المناصب السيادية أمرٌ حتميٌ، ولا رجوع عنه». وفي خلفيات هذا الموقف نجد أن المجموعة التي ينتمي لها المشري لا تغفر للكبير أنه مُقرب من الإمارات.
ما هو السيناريو المنتظر في الأسابيع المقبلة؟ في البدء أقر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري بأن سيناريو تشكيل حكومة ثالثة واردٌ، مع أن رئيس الحكومة الحالي يرفض رفضا باتا تسليم المفاتيح إلى أي شخص غير منتخب، في إطار انتخابات حرة وشفافة. وأكد المشري أنه تم الاتفاق مع رئيس مجلس النواب، على تشكيل حكومة ثالثة، قد يترأسها المشري نفسه، إلى جانب مجلس رئاسي يقوده صالح. كما أكد أيضا أن هناك مشاورات جارية مع البعثة الأممية وأطراف دولية وصفها بـ«المهمة» حول هذا المسار. غير أن الانطباع العام لدى المتابعين للشأن الليبي أن الأطراف الفاعلة غير راغبة بالتوافق على قاعدة دستورية تجري على أساسها الانتخابات، لكونها ضد الانتخابات أصلا.
أمريكا-تركيا
من الواضح في هذا السياق أن تركيا بذلت جهدها للتقريب بين الفرقاء، بتشجيع من أمريكا، وصارت تملك أوراقا مهمة في إدارة الملف الليبي. وكان السفير والموفد الأمريكي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أجرى ما وصفها بـ«مشاورات مفيدة» مع مدير عام دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخارجية التركية في أنقرة، محورها الجهود المبذولة لتحديد «ميقات مقبول» للانتخابات، من دون أن يكشف نورلاند عن تفاصيل أخرى. ومن المؤكد أن تركيا تحرص على قطف ثمار تلك الوساطة بالتمدُد في جميع الاتجاهات والمجالات، بما فيها التعاون العسكري. وكانت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وقعت في كانون الأول/ديسمبر 2019 مع الرئيس رجب طيب اردوغان على اتفاقين واحدٌ يخص التعاون العسكري، والثاني يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، مثلما أسلفنا. وها هي أنقرة تستعجل، مرة أخرى، تحصيل ثمار وساطتها بزيادة حضورها العسكري ونفوذها الاقتصادي، وبخاصة في المنطقة الغربية، وعاصمتها الاقتصادية مصراتة.
في هذا الإطار وقع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة (الذي يحتفظ بحقيبة الدفاع) مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الثلاثاء الماضي في اسطنبول، اتفاقين للتعاون العسكري، على هامش مشاركة آكار والدبيبة في افتتاح «معرض الدفاع الجوي 2022» بإسطنبول. ويرمي الاتفاق الأول إلى الترفيع من كفاءة الطيران الحربي الليبي، بالاستعانة بالخبرات التركية في هذا المجال، وخاصة في الطائرات المُسيرة. أما الاتفاق الثاني فتضمن بروتوكولات تنفيذية للاتفاق الأمني الموقع من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني العام 2019. ويمكن القول إن مصر كانت أول الغاضبين من هذين الاتفاقين الجديدين، خصوصا أن تركيا شرعت في التمدد من طرابلس والمنطقة الغربية نحو المنطقة الشرقية، معقل اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وحسب مصادر فرنسية حذرت القاهرة حفتر من التقارب مع تركيا، مُذكرة إياه بأن التوغل التركي في المنطقة الشرقية «خطٌ أحمرُ». وأتى هذا التحذير بعد التوقيع على مذكرة التفاهم التركية الليبية الأخيرة، بشأن التنقيب عن الهيدروكربونات في شرق المتوسط.
قلق فرنسي من تركيا
أكثر من ذلك أفادت المصادر الفرنسية، التي لا تُخفي هي الأخرى، قلقها من الامتيازات الممنوحة للأتراك، أن رئيس المخابرات المصرية عباس كامل زار بنغازي في الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، من أجل ثني حفتر عن التقارب مع الشركات التركية. وفي خضم الجدل المتعلق بتوحيد المؤسسات السيادية الليبية، يعتقد خبراء أن ازدواجية المؤسسات بين الشرق والغرب، تخدم المصالح الاقتصادية المصرية في برقة (الشرق) لكنها لا تناسب الأتراك الذين يُشددون على التعاطي مع ليبيا بوصفها جسما موحدا. وكان وفد كبير من رجال الأعمال والدبلوماسيين الأتراك زار بنغازي مطلع العام الجاري، برئاسة السفير التركي لدى ليبيا كنعان يلماز، الذي أعلن عن قرب معاودة فتح القنصلية التركية في بنغازي، المقفلة منذ اشتداد أوار الحرب الداخلية في 2014. وما أقلق المصريين أن الزيارة تُوجت بلقاء مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة القبة (شرق) تطرق فيه الطرفان الليبي والتركي إلى استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين بنغازي وإسطنبول، وعودة الشركات التركية للعمل في مدينة بنغازي، وهذا يدلُ على أن الزيارة ارتدت بعدا سياسيا واقتصاديا في الوقت نفسه.
ويعتقد المصريون أن من شأن هذه العودة التركية القوية إلى ليبيا، الاضرار بمصالحهم، خاصة أنهم يأملون بتحصيل صفقات كبيرة من الليبيين، في إطار إعادة إعمار ما دمرته حربا 2014 و2019. ولا يُخفي الأتراك والمصريون على السواء، أنهم طلبوا من الحكومة الليبية تسهيل استئناف العمل في المشاريع التي توقف تنفيذها بسبب الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، وبعضها متوقفٌ منذ 2011. والظاهر أن مصر ستخوض هذه المعركة السياسية بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين، في إطار المحور اليوناني- الاسرائيلي- القبرصي- المصري، لكن من دون الإمارات التي غيرت من تحالفاتها.
والأرجح أن مسألة العقود السابقة على 2011 كانت أحد الملفات التي ناقشها وزير الاقتصاد الليبي محمد الحويج خلال زيارته أخيرا إلى اسطنبول، إذ أبدى له الأتراك رغبتهم باستئناف تنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها قبل 2011 والتي تصل قيمتها، حسب الخبراء، إلى ما يُقارب 18 مليار دولار. في أثناء ذلك يتردد أن خريطة طريق أممية جديدة تُطبخ في أروقة مجلس الأمن الدولي، لكن من المُستبعد أن تُسفر عن أي نتائج، عدا الإطاحة بحكومة الدبيبة ربما، على غرار خريطة ستيفاني وليامز، التي أطاحت بحكومة الوفاق. والحاصل أن أمام ليبيا اليوم طريقين، فمن جهة يُطلق اللواء المتقاعد حفتر تهديدات بمعاودة غلق الحقول والموانئ النفطية، لتشديد الخناق على خصمه الدبيبة، ومن جهة ثانية يؤكد البنك الدولي أن ليبيا ستستفيد من الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية، بشرط المحافظة على المستويات الحالية للإنتاج والتصدير، ما يؤدي إلى ارتفاع الإيرادات المالية، وزيادة تدفقات العملة الصعبة إلى الداخل. وبتعبير آخر إذا ما استتب حدٌ أدنى من الأمن والاستقرار، فإن الأوضاع الاقتصادية والمالية ستتحسن بدورها، وتمنح حكومة الدبيبة بالون أوكسجين يُوسع من قدرته على المناورة، لكن إلى متى؟ إلى أن يُستكمل التوافق على تقاسم المؤسسات السيادية، بناء على… المحاصصة.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.