أدت غارة جوية استهدفت فجر الأربعاء مركزا لاحتجاز المهاجرين في تاجوراء التي تقع في الضاحية الشرقية لطرابلس في ليبيا، إلى مقتل نحو 40 مهاجرا وإصابة أكثر من 70 آخرين. وعقب الغارة، أدانت حكومة الوفاق العملية واتهمت حفتر بتنفيذها، فيما أعربت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن “قلقها العميق” إزاء الوضع في ليبيا.
استهدفت غارة جوية فجر الأربعاء مركزا لاحتجازالمهاجرين في تاجوراء، الضاحية الشرقية لطرابلس، قتل فيها نحو 40 مهاجرا وأصيب أكثر من 70 آخرين. وبحسب حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، فإن قوات المشير خليفة حفتر التي تحاول منذ ثلاثة أشهر السيطرة على العاصمة هي التي شنت الغارة.
وذكر المتحدّث باسم فرق الإسعاف أسامة علي، لوكالة الأنباء الفرنسية أنّ “هذه حصيلة أولية والعدد مرشّح للارتفاع”، مشيراً إلى أن 120 مهاجرا كانوا داخل العنبر الذي أصيب إصابة مباشرة في الغارة.
وشاهد مصور وكالة الانباء الفرنسية جثثا ممدّدة على أرض العنبر وبجانبها أشلاء بشرية اختلطت بمتاع وملابس مضرجة بالدماء.
وأضاف المصور أنّ فرق الإنقاذ كانت لا تزال تبحث تحت الأنقاض عن ناجين محتملين، في حين كانت سيارات الإسعاف تتحرك في المكان ذهابا وإيابا لنقل الجرحى والقتلى.
وبحسب مسؤولين عن مركز الاحتجاز فإن الغارة نفذتها قوات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا والذي يشن منذ نحو ثلاثة أشهر هجوما للسيطرة على العاصمة طرابلس مقر “حكومة الوفاق الوطني” المناوئة له والمعترف بها من المجتمع الدولي.
مفوضية اللاجئين تعبر عن قلقها
من جهتها أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تغريدة على حسابها في موقع تويتر عن “قلقها العميق” إزاء المعلومات الواردة عن استهداف مركز تاجوراء لاحتجاز المهاجرين بغارات جوية و”مقتل لاجئين ومهاجرين”.
ولم تتبن هذه الغارة أي جهة لكن وسائل إعلام مقرّبة من حفتر تحدّثت مساء السبت عن استهداف طرابلس وتاجوراء بـ”سلسلة غارات جوية”.
الوفاق تتّهم حفتر
وعقب الغارة أصدرت حكومة الوفاق بيانا أدانت فيه “بأشدّ العبارات الجريمة البشعة التي استهدف فيها الطيران التابع لمجرم الحرب خليفة حفتر، لمركز إيواء المهاجرين في تاجوراء، والذي أدى إلى قتل وجرح العشرات”.
وأضاف البيان أن هذا “الهجوم الجبان يعتبر بمثابة جريمة قتل جماعي وجريمة حرب تضاف لقائمة الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية التي يرتكبها” حفتر.
وقالت الحكومة في بيانها إن “هذا القصف الذي طال مركز الإيواء كان متعمّداً ولم يكن بشكل عشوائي، بل كان باستهداف مباشر ودقيق”.
وطالب البيان “البعثة الأممية لدى ليبيا بإدانة هذا العمل البربري الهمجي وإرسال على الفور لجنة تقصي حقائق لمعاينة الموقع وتوثيق هذه العملية الإجرامية”.
كما طالبت الحكومة في بيانها “المجتمع الدولي (…) باتخاذ موقف واضح وحازم من هذه الانتهاكات المستمرة والعمل على إيقاف هذا العدوان فورا”.
ظروف غير إنسانية
وتكتظ مراكز إيواء المهاجرين في ليبيا بعشرات الآلاف ممّن تمّ اعتراضهم أو إنقاذهم في البحر ويعيش هؤلاء في ظروف غير إنسانية.
وعبّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مراراً عن قلقها على مصير نحو 3500 من المهاجرين واللاجئين “المعرّضين للخطر” لوجودهم في مراكز إيواء قرب مناطق المعارك المستمرة جنوب طرابلس.
ورغم استمرار الفوضى، لا تزال ليبيا دولة عبور رئيسية للفارين من النزاعات وعدم الاستقرار من مناطق أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتواصل قوات حفتر منذ الرابع من أبريل/نيسان هجومها الرامي للسيطرة على طرابلس.
وتسبّبت المعارك منذ اندلاعها بسقوط 739 قتيلا وإصابة أكثر من 4 آلاف بجروح، فيما وصل عدد النازحين إلى 94 ألف شخص، بحسب وكالات الأمم المتحدة.
ليبيا: 44 قتيلا في غارة جوية لقوات حفتر على مركز للمهاجرين… والأمم المتحدة: «جريمة حرب»
قالت الأمم المتحدة أمس الأربعاء إن ضربة جوية أصابت مركز احتجاز يضم مهاجرين، معظمهم أفارقة، في إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس، في وقت متأخر من مساء أول أمس الثلاثاء، مما أسفر عن مقتل 44 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 130 آخرين، فيما أعلنت سلطات حكومة «الوفاق الوطني» الليبية في طرابلس توقف مطار «معيتيقة» الدولي في طرابلس، بعد قيام قوات حفتر الجوية بقصفه أمس.
وهذا أعلى عدد معلن لقتلى ضربة جوية أو قصف منذ أن بدأت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر، هجوما بريا وجويا قبل ثلاثة أشهر للسيطرة على العاصمة، حيث يوجد مقر الحكومة المعترف بها دوليا.
وعبر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة عن إدانته للهجوم، وقال في بيان «هذا القصف يرقى بوضوح إلى مستوى جريمة حرب».
توقف مطار معيتيقة بعد قصفه… وتوقع معركة عنيفة لتحرير ترهونة… والمغرب لإجلاء مواطنيه الجرحى
وأضاف البيان «عبثية هذه الحرب الدائرة اليوم وصلت بهذه المقتلة الدموية الجائرة إلى أبشع صورها وأكثر نتائجها مأسوية».
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إن هذه ثاني ضربة على المركز خلال القتال الأخير، رغم أن إحداثيات المركز أُبلغت للجانبين المتحاربين. وأضافت أن الضربة ربما تشكل جريمة حرب، وذلك يتوقف على الملابسات الدقيقة للواقعة.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد دعت في مايو/ أيار إلى إخلاء مركز تاجوراء الذي يضم 600 شخص، بعد سقوط قذيفة على بعد أقل من 100 متر منه وإصابة اثنين من المهاجرين.
ويقع المركز قرب معسكر للجيش في تاجوراء، التي تقع شرقي وسط طرابلس، والتي كانت هدفا لضربات جوية على مدى أسابيع.
ولا يزال هناك مهاجرون خائفون في المركز بعد الضربة التي دمرته جزئيا. وقال مهاجر من نيجيريا يدعى عثمان موسى «أصيب بعض الأشخاص وماتوا في الطريق أثناء الهرب، وما زال البعض تحت الأنقاض لذلك لا نعلم ماذا عسانا أن نقول».
وأضاف «كل ما نعلمه هو أننا نريد أن تساعد الأمم المتحدة الناس على الخروج من هذا المكان لأنه خطير».
وتناثرت ملابس وأحذية وحقائب على الأرض إلى جانب ما تبقى من أشلاء القتلى. وغطت بقع من الدم بعض الجدران.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية في بيان «زارت فرقنا المركز بالأمس فقط (الثلاثاء) ورأت 126 شخصا في القسم الذي أصيب. من نجوا يشعرون بخوف شديد على حياتهم».
وقالت السلطات المغربية، إنها «تعمل على إجلاء الجرحى من مواطنيها ضحايا قصف مركز لإيواء المهاجرين في طرابلس (الليبية)، وإسعافهم وترحيل جثامين المتوفين في حال تأكد وجودهم».
جاء ذلك في بيان للقنصلية المغربية لدى تونس، الأربعاء.
من جهة أخرى، استبعد خبراء عسكريون إقدام القوات الموالية لحكومة «الوفاق الوطني» على إطلاق عملية جديدة لإخراج القوات المؤيدة للواء المتقاعد خليفة حفتر من مدينة ترهونة (جنوب شرق طرابلس). وتُعتبر هذه المدينة المعقل الثاني لقوات حفتر، بعدما خسرت الأسبوع الماضي معقلها الأول في غريان، التي كانت مقر قيادتها في المنطقة الغربية. وبسقوط غريان ذات الموقع الاستراتيجي في الجبل، أخفقت تماما عملية الزحف على طرابلس، التي أطلقها القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء حفتر، مثلما قال لـ«القدس العربي» العميد رفيق مهدي البرعصي. واعتبر البرعصي أن التهديد والوعيد الصادرين عن حفتر ومساعديه بالعودة عُنوة إلى غريان هو مزيج من الشعبوية والسذاجة لمحاولة رفع معنويات قواته التي بدأ يفقد السيطرة عليها. ورأى أن الانقسام السياسي بين شرق وغرب زاد عمقا بعد الحملة العسكرية الرامية للسيطرة على طرابلس. وأضاف أن شبابا من المنطقة الشرقية صاروا يذهبون إلى تونس ويعلنون من هناك أنهم ضد اللواء حفتر، وهو موقف لا يمكن التعبير عنه علنا في مدن الشرق الليبي بسبب قبضة جهاز الأمن الداخلي. وأكد أن فئات كانت صامتة في الماضي صارت لا تتوانى عن إسماع صوت مختلف عن صوت حفتر، ومن بينهم بعض شيوخ القبائل ومجموعات شبابية. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة سبها الدكتور منصور الرياضي إن الطريقة التي تعاطى حفتر من خلالها مع تركيا في الفترة الأخيرة، والمتمثلة بغلق المطاعم والمحلات التجارية التي تبيع منتوجات تركية، فضلا عن ملاحقة المواطنين الأتراك واتخاذ بعضهم رهائن، هي «سلوك صبياني يدلُ على حالة مرضية وليس على حالة سياسية.
في غضون ذلك، تفاقمت الأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب، خصوصا مع تدهور أوضاع المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في ليبيا، إذ أفادت مصادر إعلامية ليبية أن عشرات منهم قضوا في قصف جوي نفذته قوات حفتر على مركز اعتقال في ضاحية طرابلس. وأفادت الأمم المتحدة أن أربعين محتجزا قُتلوا في الغارة وجرح سبعون آخرون. وتوقعت أن يرتفع عدد الضحايا إلى نحو 120 مهاجرا غير شرعي كانوا محتجزين في المركز. واتهمت حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج قوات حفتر بـ«تعمد قصف المركز قصفا مركزا». وعارضت الأمم المتحدة في مناسبات عدة احتجاز المهاجرين غير الشرعيين الذين يُضبطون في مياه المتوسط في مراكز اعتقال داخل ليبيا.
ليبيا: بنغازي تزيل جميع الأسماء التركية من لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات

مونت كارلو الدولية
أعلن المركز الإعلامي لجهاز الحرس البلدي بمدينة بنغازي، شرق ليبيا، يوم السبت 29 يونيو 2019، عن إزالة كافة الأسماء التركية جميعا، من لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات، وذلك “بناء على تعليمات قائد الجيش الليبي خليفة حفتر بشأن عدم التعامل مع دولة تركيا”.
إعلان
وقال المركز في بيان: “بناء على تعليمات القائد العام للقوات العربية الليبية بشأن عدم التعامل مع دولة تركيا التي غزت على مواقع أبطال جيشنا وأدى ذلك إلى استشهاد أكثر 40 شهيدا.
عليه تحرك جهاز الحرس البلدي بنغازي على الفور بشأن إزالة جميع مسميات الدولة التركية من على لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات.
حيث شرع أصحابها الي إزالة اللافتات فورا
وكان المتحدث باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري، قد أعلن، يوم الجمعة 29 يونيو، أن الجيش أصدر أوامر بالقبض على جميع الأتراك في ليبيا.
وقال المسماري، في مؤتمر صحفي في مدينة بنغازي، “هنالك تدخل تركي قطري لصالح الميليشيات في طرابلس من الجو والبحر والبر”.
وتابع المسماري: “سنسقط مشروع تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا”.
وأضاف المسماري قائلا: “تركيا وفرت غطاء جويا بطائرات مسيرة خلال اقتحام الميليشيات مدينة غريان”.
واعتبر أن: “الأهداف التركية في ليبيا تعتبر أهدافا معادية”، مضيفا: “أصدرنا أوامر باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية، سنستهدف أي نقطة على الأرض تتعامل مع تركيا”.
كما أصدر الجيش الليبي أوامر بحظر رحلات الطيران من أي مطار ليبي إلى تركيا.
وكان اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر قد قال، مساء الجمعة 28 يونيو، في بيان إنّ الأوامر صدرت “للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب داخل المياه الإقليمية، وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية”.
وأضاف “تُعتبر الشركات والمقرّات التركية وكافة المشروعات التي تؤول للدولة التركية أهدافاً مشروعة للقوات المسلّحة رداً على هذا العدوان، ويتم ايقاف جميع الرحلات من وإلى تركيا والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية”.
ليبيا: قوات حفتر تعلن استعدادها لمهاجمة مدينة غريان
عادت الحياة تدريجيا إلى وضعها الطبيعي في مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، بعد أربعة أيام من استعادتها من القوات التابعة للقائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر. كما استأنف عميد المجلس البلدي المنتخب يوسف بديري العمل من مكتبه. ونفى أمس في بيان صحافي ما تداولته صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تصفية أسرى تابعين لقوات حفتر.
وأكد بديري في البيان أن «كل الجرحى يتلقون العلاج بنفس الدرجة من الاهتمام»، مؤكدا أن هذه الأمور «مُثبتة وموثقة بالصور».
وكانت بعض مواقع التواصل زعمت أن مقاتلين تابعين لقوات حفتر أسروا في معركة غريان الأربعاء الماضي، وتمت تصفيتهم بعد سيطرة قوات الوفاق على المدينة. ولوحظ أن السفير الألماني لدى ليبيا رحب بـ«عودة المجلس البلدي المنتخب في غريان إلى عمله العادي».
المجلس البلدي ينفي تصفية أسرى تابعين للجنرال
في الجهة المقابلة أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«القيادة العامة» (قوات حفتر) أن عناصرها باتت جاهزة لشن هجوم مضاد على غريان لبسط نفوذها عليها مجددا. وأضافت الشعبة أن هذا القرار اتُخذ بعد ترتيب صفوف القوات وتوجيه عناصر من قوات الصاعقة إلى المدينة لمساندة القوات التي سبقتها. وكانت غريان مقر قيادة قوات حفتر في إطار الهجوم الذي شنه على طرابلس في الرابع من أبريل/ نيسان الماضي.
من جهة أخرى حذرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا «من مغبة الاستمرار في تصاعد خطاب التحريض على الكراهية والعنف والاقتتال والانتقام والتخوين ما قد يدفع في اتجاه وقوع أعمال انتقامية من أطراف النزاع المسلح، والذي من شأنه أن يفاقم من حجم الجرائم والانتهاكات وتردي حالة حقوق الإنسان وقيم العدالة في ليبيا». وأعربت اللجنة في بيان أصدرته أمس عن «قلقها البالغ حيال تصاعد خطاب التحريض على الكراهية والعنف والاقتتال والانتقام والتخوين عبر بعض وسائل الإعلام الليبية و منصات التواصل الاجتماعي ، مما يسهم في وقوع أعمال انتقامية وانتهاكات وممارسات لا إنسانية نتيجة الخطاب الخطر الذي يغذي روح الانتقام والأحقاد والعنف والعنف المضاد».
وحضت اللجنة «جميع وسائل الإعلام والمدونين في منصات التواصل الاجتماعي، على العمل على مناهضة خطاب الكراهية والتحريض على العنف والانتقام والتخوين»، مُحذرة من أن «التحشيد والتجييش الإعلاميين يتسببان في تداعيات ضحاياها الليبيون في كل ربوع الوطن، ما يُعرقل جهود المصالحة الوطنية وإحلال السلام واستعادة الاستقرار في ليبيا «.
وعلى الصعيد السياسي ينهي رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، اليوم زيارة إلى إيطاليا، بعدما زارها الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة حاملا أفكارا تتعلق باستئناف مسار الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين.
وأفاد مصدر ليبي أن المشري درس أيضا مع السفير الليبي لدى إيطاليا، عمر الترهوني، إجراءات علاج جرحى اشتباكات طرابلس في المستشفيات والمراكز الطبية الإيطالية، وسبل حل المشاكل التي تعيقها، وفق بيان على صفحة المجلس الأعلى للدولة في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». ويُعالج جرحى الاشتباكات حاليا في تونس والأردن وتركيا.
متحدث: قوات شرق ليبيا ستمنع أي رحلات جوية من ليبيا إلى تركيا

قال أحمد المسماري المتحدث باسم قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر إن قوات الجيش ستحظر أي رحلات جوية تجارية من ليبيا إلى تركيا وتمنع السفن التركية من الرسو في البلاد.
وتدعم تركيا الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس والتي وجهت يوم الأربعاء ضربة لقوات الجيش الوطني الليبي التي تحاول السيطرة على العاصمة في هجوم بدأ قبل ثلاثة أشهر.
وأضاف المسماري أن “أي طائرة تركية قادمة من تركيا تريد الهبوط في طرابلس حتتعامل معها الطائرات الحربية”. وقال أيضا إن قوات الجيش الوطني الليبي ستهاجم أي وجود عسكري تركي دون أن يدلي بتفاصيل.
وقال دبلوماسيون إن تركيا زودت القوات المتحالفة مع رئيس الوزراء فائز السراج بطائرات مسيرة وشاحنات في حين تلقى الجيش الوطني الليبي دعما من دولة الإمارات العربية ومصر.
وأخفق الجيش الوطني الليبي المتحالف مع حكومة موازية في الشرق في السيطرة على طرابلس ولكنه يحظى بتفوق جوي. وقام عدة مرات بمهاجمة مطار طرابلس. وقال المسماري أيضا إن قواته فقدت 43 جنديا في معركة غريان التي سيطرت عليها قوات طرابلس يوم الأربعاء.
وكانت غريان القاعدة الأمامية الرئيسية للجيش الوطني الليبي التي كانت تصل إليها القوات والأسلحة والذخيرة من الشرق. وبدأ الجيش الوطني الليبي حملته على طرابلس من غريان.
ولا يزال الجيش الوطني الليبي يسيطر على بلدة ترهونة الواقعة جنوب شرقي طرابلس والتي تمثل قاعدته الرئيسية الثانية في الهجوم. ويقول حفتر وأنصاره إنهم يحاولون تحرير العاصمة من الفصائل المسؤولة عن زعزعة الاستقرار في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في انتفاضة ساندها حلف شمال الأطلسي عام 2011.
أما المنتقدون لحفتر فيتهمونه بمحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة وتعميق صراع بين الفصائل المتمركزة في شرق وغرب ليبيا.
وتسبب هجوم حفتر في إحباط خطط ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا بعد سنوات من الصراع الذي قسم البلاد وتسبب في تراجع مستويات المعيشة.
ويخاطر هذا الصراع بتعطيل إنتاج النفط وبخلق فراغ يمكن أن يستغله المتشددون وبتشجيع عدد أكبر من المهاجرين على التوجه لإيطاليا بحرا.
قوات حفتر تفقد قاعدتها الرئيسية في غريان بضربة مفاجئة
قال شهود إن قوات متحالفة مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا سيطرت يوم الأربعاء على بلدة غريان جنوبي العاصمة طرابلس والتي كانت تضم قاعدة الإمداد الرئيسية لقوات حفتر في هجومها على العاصمة.
وتمثل سيطرة قوات حكومة طرابلس على غريان ضربة كبيرة لقوات حفتر والتي كانت قد بدأت في الرابع من أبريل/ نيسان هجوما للسيطرة على طرابلس من الحكومة المعترف بها دوليا.
ولم تتمكن قوات حفتر في هجومها من تجاوز الضواحي الجنوبية لطرابلس كما لم يطرأ أي تغير كبير على خطوط المواجهة منذ أسابيع.
وكانت غريان حتى أمس الأربعاء القاعدة الأمامية الرئيسية لقوات حفتر، حيث تصل إليها القوات والأسلحة والذخيرة من الشرق. وبدأت حملتها على طرابلس من غريان.
وأفاد شهود بأن القوات المتحالفة مع الحكومة في طرابلس، تساندها ضربات جوية، اقتحمت البلدة التي تبعد نحو 90 كيلومترا إلى الجنوب من طرابلس في هجوم مفاجئ في الصباح.
وأضاف الشهود أن القوات سيطرت على غرفة العمليات الرئيسية للجيش الوطني الليبي الذي غادر البلدة بحلول المساء.
وتوجد في غريان مستشفيات ميدانية كما توجد قاعدة لطائرات الهليكوبتر على مشارف المدينة.
وقال المجلس الرئاسي المسؤول عن الحكومة في طرابلس في بيان إن غريان “تحررت” بالكامل.
وحذر محمد العماري العضو بالمجلس في بيان منفصل من أي هجمات انتقامية.
ولا تزال قوات حفتر تسيطر على بلدة ترهونة وهي قاعدته الرئيسية الثانية في الحملة. وتقع ترهونة جنوب شرقي طرابلس.
ووصف طارق المجريسي الخبير السياسي ببرنامج شمال أفريقيا والشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية سيطرة القوات المتحالفة مع حكومة طرابلس على غريان بأنه تحول كبير في الوضع الراهن.
وقال: “إذا لم يستطع حفتر استعادتها (البلدة) سريعا (وهو أمر محل شك) فإن ترهونة والوحدات الباقية لقواته ستكون أكثر انعزالا مع ضعف الموارد وانخفاض الروح المعنوية”.
ولم يصدر أي تعليق فوري من قوات حفتر. وكان أحمد المسماري المتحدث باسمه قال في وقت سابق إن هجوم قوات طرابلس تم صده. ويقول حفتر وداعموه إنهم يحاولون تحرير العاصمة من الفصائل المسؤولة عن زعزعة الاستقرار في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في انتفاضة ساندها حلف شمال الأطلسي عام 2011.
أما المنتقدون لحفتر فيتهمونه بمحاولة الاستيلاء على السلطة بواسطة القوة وتعميق صراع بين الفصائل المتمركزة في شرق وغرب ليبيا.
وتسبب هجوم حفتر في إحباط خطط قادتها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا بعد سنوات من الصراع الذي قسم البلاد وتسبب في تراجع مستويات المعيشة.
ليبيا: استمرار المعارك حول غريان وسلامة يُعدّ لتسوية سياسية
قالت القوات التابعة لحكومة الوفاق، أمس الخميس، إنها رصدت انسحابا جزئيا لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من المحاور القتال الرئيسية جنوبي العاصمة طرابلس، نحو مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس).
«الوفاق» ترصد سحب حفتر بعض قواته من جنوب طرابلس
يأتي ذلك عقب سيطرة قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، على مدينة غريان (100 كلم جنوب العاصمة طرابلس)، التي تعتبر مركز القيادة والتحكم للعمليات القتالية لحفتر في طرابلس.
وأفادت عملية بركان الغضب، التابعة للوفاق، على صفحتها الرسمية على الفيسبوك، أن سرايا الرصد والاستطلاع التابعة لها، والمتمركزة في محيط طرابلس، ترصد انسحاب جزئي لقوات حفتر من محاور القتال جنوبي العاصمة باتجاه ترهونة.
من جهة أخرى، أعلنت قوات تابعة لحكومة الوفاق، الخميس، اعتراضها رتلا من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أثناء محاولته الهروب من مدينة الأصابعة (جنوب غرب مدينة غريان)، إلى مدينة سبها، جنوبي البلاد.
وفي مدينة غريان الاستراتيجية لم تهدأ الأوضاع بعد استعادتها من قوات القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر. وتقع غريان على بعد ثمانين كلم جنوب غرب طرابلس، وهي مدينة جبلية محصنة طبيعيا، وتُعتبر مفتاحا لضواح ومدن عدة في جنوب طرابلس مثل خلة الفرجان وقصر بن غشير وصولا إلى مدينة ترهونة، التي تعتبر معقلا لقوات حفتر. وتوقع الأدميرال المتقاعد بشير الصفصاف في تصريح لـ«القدس العربي» أن تعمل قوات حفتر جاهدة على استعادة السيطرة على غريان، لأن التخلي عنها يشكل هزيمة عسكرية لحفتر وبداية النهاية لعملية الزحف على طرابلس.
وحضت القيادة التابعة لحفتر في بيان أمس «كافة جنود القوات المسلحة في مدينة غريان بالبدء في سحق كافة الخلايا النائمة التي تحاول زعزعة الأمن داخل المدينة»، في إشارة الى قوات حكومة الوفاق. وأوضح الأدميرال الصفصاف أن قوات «البنيان المرصوص» التي أخرجت مقاتلي «الدولة» من مدينة سرت في عام 2016، ما زالت لم تدخل المعركة ضد حفتر، وهي كفيلة بتغيير ميزان القوى العسكري تغييرا جذريا. كما قالت قيادة حفتر إن طائراتها الحربية «شنت غارات متتالية وعنيفة على تمركزات قوات الوفاق في معسكر الثامنة في مدينة غريان. وكان المتحدث باسم الجيش الوطني (قوات حفتر) اللواء أحمد المسماري، أكد في وقت سابق من مساء أمس، أن القتال في غريان ما زال مستمرا.
سياسيا قالت مصادر إيطالية إن وزير الخارجية الإيطالي إينزو ميلانيزي سيعقد اليوم الجمعة، اجتماعا في مقر الوزارة في روما مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة. وأجرى سلامة أخيرا جولة محادثات مع شخصيات نافذة ورؤساء عشائر في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى القائد العسكري للمنطقة خليفة حفتر، في مقره بقاعدة الرجمة القريبة من بنغازي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح. ويسعى سلامة من خلال جولة الاتصالات إلى إقناع مختلف الفرقاء بالعودة إلى مائدة المفاوضات والوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية. وأكدت مصادر قريبة من البعثة الأممية أن المبعوث الأممي يعمل في هذا السياق على وقف القتال في التخوم الجنوبية لطرابلس، حيث تسعى قوات اللواء المتقاعد حفتر إلى الاستيلاء على المدينة منذ الرابع من أبريل/ نيسان الماضي من دون جدوى. وتُعتبر إيطاليا لاعبا رئيسيا في الساحة الليبية، وهي تدعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، ما أدى إلى احتكاكات علنية وعنيفة مع غريمتها فرنسا حول إدارة الملف الليبي.
وفي السياق أدرج مركز التنبؤات الاستراتيجية الأمريكي «ستراتفور»، معارك طرابلس ضمن الملفات المعقدة وغير القابلة للتهدئة خلال الفترة المقبلة الممتدة إلى ثلاثة أشهر. وجاء في توقعات المركز، وهو مقرب من جهاز الاستخبارات، بناء على معطيات من الداخل عن الوضع في منطقة شمال أفريقيا، أن المعركة المحتدمة على طرابلس بين الجيش الذي يقوده خليفة حفتر، والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني ستستمر، إلا أن المركز أكد أنه «على الرغم من استمرار القتال، يجب أن تبقى صادرات الطاقة من هذه الدولة الغنية بالبترول ثابتة ومستقرة».
وفي ورقته السابقة لشهر أبريل/ نيسان توقع «ستراتفور» استغلال صناعة النفط الليبية كوسيلة ضغط كلما استمر القتال لفترة أطول بعد عملية التصعيد العسكري في محيط طرابلس. واعتبر أن القتال الأخير لم يُمكن أي طرف من وقف إنتاج أو تصدير النفط في ليبيا. وتأتي ليبيا في المرتبة الثالثة بين مصدري النفط في القارة الأفريقية، ولديها أكبر احتياط من هذه المادة في القارة.
عقيلة صالح: لن نعود لـ«الصخيرات» والتوافق بين السراج وحفتر

رفض رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، العودة إلى الاتفاق السياسي الموقع في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية العام 2015، حتى لا تظل الأزمة لسنوات، معتبرا أن لقاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني والقائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر والتوافق بينهما «مستحيل».
وقال صالح في حوار مع جريدة «الشرق الأوسط» اليوم الإثنين، إن المسار السياسي في ليبيا «منذ البداية كان خاطئاً، ومن ثمّ فالنهايات بكل تأكيد خاطئة»، معتبرا أن الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق «تم فرضها باتفاق دولي وليس وفق» اختيار الشعب الليبي، كما رأى أن القرارات الدولية المعنية بليبيا «التي تم فرضها لا مبرر لها».
وأضاف أن «الشعب الليبي لم يفوض من شاركوا في اتفاق الصخيرات، لأن الشرعية تُمنح من الشعب وليس من الخارج، وكان من المهم العودة إلى الدستور والمحاكم المحلية، والجميع في ليبيا لا يعرف هؤلاء المغمورين الذين تم فرضهم على الشعب من الخارج».
واعتبر رئيس مجلس النواب أن «هذه الأخطاء هي التي أدت إلى تأخر الحل السياسي في ليبيا»، مؤكدا بالقول: «لن نعود لموضوع الصخيرات، حتى لا تظل الأزمة لسنوات، وإنما نريد الذهاب لإجراء الانتخابات، وإذا كان السراج يمتلك شعبية فليتفضل إلى صندوق الاقتراع».
ورأى أن «هناك 85% من الشعب الليبي مع الانتخابات»، التي شدد على أنها «الطريق الوحيدة للحل»، لافتا إلى أن «الذي يعطل هو التدخل الخارجي، حيث تتعارض مصالح الدول، ومن ثم تعارض مصالح الليبيين».
ودعا صالح إلى إجراء الانتخابات «عبر دعم بلا تدخل من المجتمع الدولي»، لأن ليبيا «في مرحلة دقيقة ومفصلية ولا تحتمل التأجيل والذهاب إلى مسارات ثبت فشلها حتى اليوم، كما أن الانتظار أكثر من ذلك يعني السماح للمجموعات الإرهابية بالعبث بأمن واستقرار ووحدة البلاد، وإطالة أمد الأزمة».
وتوقع رئيس مجلس النواب إجراء الانتخابات «في بداية العام المقبل أو خلال العام نفسه الذي يشهد تشكيل الحكومة»، إلا أنه أرجع سبب تعثر هذه الخطوات إلى عدم جدية المجتمع الدولي، معتبرا «أن من يعارض إجراء الانتخابات، المجموعات الإرهابية والمطلوبون دولياً ومحلياً الذين يقتلون المواطنين على مدار الساعة».
وعن دور البرلمان في الحل السياسي حالياً، قال صالح «بعد تحرير العاصمة لدينا اتجاه لتشكيل حكومة وطنية تضم في عناصرها ممثلين عن كل ليبيا مع توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين ثم الإعداد لإجراء الانتخابات، وإصدار القرارات المطلوبة ولن نخضع لمن يعطل المسار الديمقراطي في البلاد».
وحول إمكانية نجاح الولايات المتحدة في إتمام لقاء توافقي بين حفتر والسراج رأى رئيس مجلس النواب أن «التوافق واللقاء بين حفتر والسراج مستحيل، خصوصاً بعد قتل الليبيين واتهام رئيس المجلس الرئاسي بذلك».
وبشان العلاقة مع المبعوث الأممي غسان سلامة قال صالح «قمنا بتوجيه النصيحة له لتصحيح المسار» لكنه «ملتزم بحكومة الوفاق التي لا تعتبر طرفاً في الحوار»، داعيا إياه إلى «تغيير سياساته، أو أن تعين الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً».
وعن معركة طرابلس قال إن المدينة «مكتظة بالسكان، والحرب على الإرهاب ليست نظامية أو حتى حرب شوارع، وإنما تجري داخل المساكن، وفي الشقق والفيلات، وبالتالي الجيش لديه خطة محكمة للتحرك حفاظاً على أرواح المدنيين، ومن هنا فالتأني أمر مطلوب كما حدث في درنة، ومناطق أخرى».
السلام والعدالة بالمرحلة الانتقالية في ليبيا

خلاصة
على مدار عقد منذ الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي، لم يتحقق سلام ولا عدالة في ليبيا. فالعدالة باعتبارها مجال سياسي واسع هي جزء لا يتجزأ من عملية الانتخابات وبناء الدستور والاستقرار والأمن وتوزيع الموارد. وبرغم ذلك، تبقى اعتبارات العدالة غائبة إلى حد كبير عن محاولات بناء السلام في ليبيا. من اللافت للنظر أن التقرير النهائي والمرتقب للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي يخصص أقسامًا كبيرة للتأكيد على الحاجة إلى “المصالحة”، بينما نادرًا ما يشير للحاجة إلى العدالة. يتطلب الانتقال المضطرب في ليبيا توجهًا يهتم بالعدالة ويصب في جميع مجالات السياسة التي يعمل عليها المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي؛ وذلك بهدف تعزيز احتمالات تحقيق سلام أكثر استدامة. وهو ما يتطلب فهمًا موسعًا لفكرة “العدالة” بحيث لا تقتصر على المحاكمات الجنائية، التي قد تكون الدول الانتقالية غير مستعدة لتطبيقها بشكل فعال.
مقدمة
على الرغم من مرور ما يقرب من عقد من الزمان على الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي، إلا أن ليبيا لا تزال تمر بمرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر لم يظهر فيها سلام ولا عدالة. منذ الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011، تنافست سلسلة من الحكومات والميليشيات –باستخدام السلاح في كثير من الأحيان– للسيطرة السياسية والاقتصادية على البلاد. في يونيو 2011 تصدرت المساءلة الجنائية قضايا الصراع الليبي، عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر بالقبض على القذافي وابنه سيف الإسلام ورئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي.[1]
منذ ذلك الحين، صدرت أوامر اعتقال إضافية من المحكمة الجنائية الدولية لاثنين من قادة الجيش، وهم التهامي محمد خالد ومحمود الورفلي.[2] كما تم مقاضاة 35 مسئولًا من نظام القذافي محليًا على مدار عامي 2013 و2014، وهو ما مثل تحديًا مباشرًا لجهود المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة بعض هؤلاء الأفراد. علاوةً على ذلك، يُعتقد أن قانون العفو الذي أصدرته إحدى الحكومات الليبية أدى إلى إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي في عام 2017.[3] وكنتيجة مباشرة لتلك الملاحقات القضائية المحلية والمبدئية، سرعان ما تلاشت إجراءات العدالة، خاصةً وأن البلاد تعاني من صرعات محلية ووطنية على السلطة.
بغض النظر عن الطفرة العرضية في نشاط المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالوضع الليبي، فإن اعتبارات العدالة الجنائية ظلت غائبة إلى حد كبير عن محاولات تنظيم محادثات السلام في السنوات الأخيرة. والجدير بالذكر أن التقرير النهائي المرتقب للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبية يكرس أجزاء كبيرة منه للتأكيد على الحاجة إلى “المصالحة”، بينما نادرًا ما يذكر الحاجة إلى العدالة.[4] هذا على عكس عملية مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، والتي تضمنت مجموعة عمل معنية بالعدالة الانتقالية، رغم أن توصياتها لم تؤخذ بعين الاعتبار بينما انزلقت البلاد إلى الحرب. التحديات الليبية تختلف تمامًا عن الوضع اليمني، إلا أن السياق اليمني يلقي الضوء على نقاط مقارنة مهمة تشير إلى التأثير المتضارب للعناصر الفاعلة الدولية والتي تزعزع الاستقرار أحيانًا، فضلًا عن العديد من المشاكل الداخلية التي تضعف احتمالات السلام والعدالة.
على سبيل المثال، في حين أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحال الوضع الليبي إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال القرار 1970، إلا أنه لم يفعل ذلك في حالة اليمن. بدلًا من ذلك، توسط مجلس التعاون الخليجي –بدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي– في اتفاقية انتقالية سمحت للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالتنحي في مقابل حصوله على حصانة من المحاكمة.[5] بينما على النقيض، فشلت المحاولات الدولية في تمرير قرار من مجلس الأمن في عام 2014، بإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب استخدام روسيا والصين لحق الفيتو.[6]
في حين أن هذه القرارات الثلاثة أسفرت عن نتائج متباينة في ليبيا واليمن وسوريا، إلا أنها كانت مدفوعة بالاعتبار السياسي نفسه، وهو ما إذا كان السعي لتحقيق السلام أو العدالة يناسب مصالح الدولة. وهو ما لا يعد مفاجأة، فهناك العديد من الأبحاث العلمية التي تناقش العلاقة بين القانون الجنائي الدولي والسلام من ناحية وبين اعتبارات العدالة من ناحية أخرى.[7] من المؤكد أن علاقات القوة في القانون الدولي تساعد في توضيح السبب وراء تبني الجهات الفاعلة المحلية والدولية أجندات مساءلة مختلفة ومتنافسة. في ليبيا واليمن وسوريا. يعد غياب السلام ولا العدالة في أعقاب الانتفاضات الجماهيرية المناهضة للحكومات في عام 2011. تأكيدًا على أن القرارات التي تهدف إلى طريقة تحقيق السلام دون العدالة، أو العكس، لم تكن مفيدة في حالات الانتقال المضطربة هذه.[8]
في أدبيات العدالة الانتقالية، هناك العديد من الأبحاث المفيدة حول سؤال السلام مقابل العدالة.[9] يستغل كل من الفاعلين المحليين والدوليين سردية العدالة كأداة سياسية لخدمة مصالح السلطة. ويتفاقم هذا جزئيًا بسبب الميل إلى التعامل مع السياسات المتعلقة بالعدالة كفئة سياسات مستقلة ومنفصلة بذاتها. يدلل هذا المقال على أن المرحلة الانتقالية المضطربة في ليبيا تتطلب منهجًا للعدالة يتداخل مع جميع مجالات السياسة المتضمنة في المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبية؛ وذلك من أجل تعزيز احتمالات سلام أكثر استدامة.[10] تندمج العدالة والمصالحة في الواقع مع جميع مجالات السياسة. ولذلك، بدلًا من التعامل مع العدالة والمصالحة كمجالات سياسة منفصلة تعمل بالتوازي مع مجالات أخرى، كما هو الحال حاليًا في المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، ينبغي إدماجهما رسميًا في مجالات السياسة الأربعة الأخرى، وهي الأولويات الوطنية والحكومية، والأمن والدفاع، وتوزيع السلطات والموارد، والعمليات الدستورية والانتخابية.[11]
لا يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل مفصل للعمليات التي تتعلق بالعدالة في ليبيا منذ عام 2011. بل يسعى المقال بدلًا من ذلك إلى تسليط الضوء على دور التشرذم السياسي على الصعيدين الدولي والمحلي في تعقيد قضايا السلام والعدالة، كما يقدم اقتراحات لنهج مهتم بالعدالة أقل عزلة وأكثر تكاملًا في العملية الانتقالية الشاملة في ليبيا. وهو ما يتطلب فهمًا موسعًا لفكرة “العدالة”، بحيث لا تقتصر على المحاكمات الجنائية التي قد تكون الدول الانتقالية غير مستعدة لتطبيقها بشكل فعال. عندما تُفهم العدالة على أنها متعددة الأوجه، فإنها لا تخدم فقط الأغراض التعويضية والتصالحية، ولكنها تعمل أيضًا على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
يأخذ هذا المقال مصطلح “المصالحة”، الذي لا يزال غير محدد بشكل دقيق في تقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، كنقطة انطلاق لمعالجة هذه القضايا متعددة الأوجه. ويبدأ المقال بتفصيل كيفية تدخل الجهات الدولية الفاعلة في القرارات المتعلقة بالعدالة الجنائية في ليبيا. وتنبع أهمية هذه النقطة من كونها تسلط الضوء على الأسباب التي تجعل الجهات الدولية الفاعلة لا تهتم بالضرورة بتوحيد جهود وأهداف المساءلة الجنائية، وتأثير ذلك على مسارات السلام والعدالة. يلي ذلك تحليل لدور العدالة في المشاورات التي أسفرت عن تقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، والذي يؤسس للمؤتمر الوطني الفعلي الذي من المتوقع عقده في عام 2019. يختتم المقال بمناقشة إطار للسلام والعدالة في ليبيا، مع التركيز على العوامل التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عندما تشرع ليبيا في الخطوة الحاسمة التالية في المسار التشاوري وفي عمليتها الانتقالية الأوسع.
لا سلام ولا عدالة
في 1996، تم إعدام أكثر من 1000 سجين في سجن أبو سليم، في واحدة من أحلك اللحظات في التاريخ السياسي الليبي الحديث. وكان المحامي فتحي تربل هو ممثل أهالي الضحايا أمام القضاء. في 15 فبراير 2011، تم اعتقال تربل، وهو الأمر الذي أثار احتجاجات غاضبة في مدينة بنغازي، وسرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلى انتفاضة عاصفة، موضحةً كيف يمكن أن يرتبط غضب الجمهور؛ كنتيجة للظلم الواقع من هذه المذبحة، ارتباطًا وثيقًا بمطالب العدالة التي يتبناها أولئك الذين تعرضوا للتعذيب والقتل على أيدي النظام ووكالاته.
استمرت المظاهرات الجماهيرية التي دعت إلى إنهاء حكم معمر القذافي ونظامه الذي دام 42 عامًا. تلا ذلك تدخل عسكري بقيادة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبدعم من مجلس الأمن الدولي. انتهى هذا التدخل في 31 أكتوبر 2011، بعد أحد عشر يومًا من القبض على معمر القذافي وقتله على أيدي المتمردين الليبيين. على الرغم من مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لسيف الإسلام القذافي وللسنوسي في 27 يونيو 2011، أصرت السلطات الليبية على محاكمة الاثنين محليًا، بحجة أن القضاء المحلي قادر على محاكمة المواطنين الليبيين المتهمين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.[12] قبلت المحكمة الجنائية الدولية دفعًا متعلقًا بعدم قبول دعوى قضية السنوسي والذي قدمته ليبيا في أبريل 2013.
في 11 أكتوبر 2013، قررت الدائرة التمهيدية الأولى أن القضية المرفوعة ضد السيد السنوسي غير مقبولة أمام المحكمة لأنها تخضع لإجراءات محلية جارية من قبل السلطات الليبية المختصة، ولأن ليبيا مستعدة وقادرة فعلًا على إجراء مثل هذا التحقيق.[13]
ومع ذلك، رفضت المحكمة الجنائية الدولية الدفع نفسه الذي قدمته ليبيا في قضية سيف الإسلام القذافي، مشيرةً إلى مخاوف بشأن قدرة ليبيا على إجراء محاكمة عادلة. تمت محاكمة خمسة وثلاثين متهمًا محليًا في ليبيا بتهم تشمل جرائم حرب وقتل المتظاهرين والفساد. حوكم سيف الإسلام القذافي غيابيًا من قبل محكمة في طرابلس لأنه كان محتجزًا من ميليشيات الزنتاني. من بين المحاكمين الآخرين، رئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي، ووزير الخارجية السابق عبد العاطي العبيدي، ورئيس المخابرات السابق بوزيد دوردة، والذي أُطلق سراحه مؤخرًا لأسباب طبية.[14]
في شهر أبريل 2014، بدأت محاكمة سبعة وثلاثين عضوًا سابقًا في نظام القذافي في طرابلس، وصدرت ضدهم أحكامًا في يوليو 2015. حُكم على سيف الإسلام القذافي والسنوسي ورئيس الوزراء السابق المحمودي وستة متهمين آخرين بالإعدام رميًا بالرصاص لارتكابهم جرائم حرب خلال النزاع عام 2011.[15] وحُكم على سبعة آخرين بالسجن لمدة اثني عشر عامًا بينما تم تبرئة أربعة متهمين. وفقًا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، “أُدين المتهمون بالتحريض على العنف وقتل المتظاهرين خلال الثورة التي أطاحت في النهاية بالعقيد القذافي”.[16] يذكر أن لا يزال مكان وجود سيف الإسلام القذافي غير معلن، بعد تقارير عن إطلاق سراحه في عام 2017.
في الوقت نفسه، لا تزال ليبيا تعاني من الصراع العنيف في العديد من المناطق والمدن. لا يمكن للمساءلة الجنائية –خاصةً عندما يتم تسييسها بشكل كبير– أن تكون كافية بأي شكل من الأشكال لدعم مرحلة انتقالية مستدامة. كما أن المساءلة الجنائية هي مجرد عامل واحد ضمن العديد من العوامل التي تساعد على إنجاح مفاوضات السلام وحل النزاعات، لكنها مع ذلك ليست مفيدة دائمًا للضحايا على المدى القريب. كما يتضح من الملاحقات القضائية المحلية المعيبة لأعضاء نظام القذافي، فإن عمل المساءلة الجنائية في سياق مسيَّس بدرجة كبيرة مع وجود مؤسسات قضائية ضعيفة يؤدي في الأغلب إلى ترك الضحايا دون أي جبر حقيقي للضرر.[17]
يجادل البعض بأن غرض الجهات الدولية الفاعلة من الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية كان تهميش نظام القذافي المخلوع ورسم نهايته، عبر وصفه ومساعديه كمجرمي حرب، من خلال أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.[18] لكن مصالح الدول ليست ثابتة وهي تتطور وتتغير، ويتغير معها برامج العدالة وشروطها. وقد أصبح هذا واضحًا بشكل خاص في حالة ليبيا، فبعد أن ضغطت بعض الجهات الفاعلة –أعضاء مجلس الأمن– من أجل تدخل المحكمة الجنائية الدولية، قامت هذه الجهات نفسها بالتخلي عن هذا الدعم. يقدم بيزكن وبودوسنسكي نظرة عامة على “التضاؤل والتراجع” للدعم الدولي لتدخل المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا وفي بلدان أخرى. يسلط الباحثان الضوء على العلاقة المرنة بين ممارسة الحكم والدبلوماسية والمساءلة الجنائية “في ليبيا […] أدت العقلية البرجماتية التي ضغطت باتجاه الإحالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، […] إلى التخلي عمليًا في وقت لاحق عن المحكمة الجنائية الدولية، ما أضعف المحكمة ومعها معايير العدالة الجنائية العالمية… والحقيقة أنه في أي نزاع أو سيناريو ما بعد الصراع، فإن المساءلة الجنائية هي مجرد واحدة من العديد من أهداف السياسة المتنافسة للجهات الفاعلة الخارجية. إن ادعاء المجتمع الدولي بأن دعمه للعدالة العالمية هو أمر غير قابل للتفاوض يجب ألا يعمينا عن واقع ممارسة الحكم. ففي بعض الأحيان، تتقارب مصالح الفاعلين مع الدور الأصيل للمحاكم الدولية. لكن هذا التقارب يمكن أن يتحول سريعًا إلى تباعد، وقد يعود في أحيان أخرى إلى التقارب، وهذا يتوقف على مجرى الأحداث”.[19]
مثل سقوط القذافي بالنسبة للجهات الفاعلة الدولية سببًا كافيًا لتخفيف مساعيها نحو المساءلة الجنائية في المحكمة الجنائية الدولية. يفسر بيزكن وبودوسنسكي هذا التراجع في الدعم الدولي في ليبيا بأنه نتيجة لتحقيق طموحات “تغيير النظام”، وليس لتحقيق العدالة والمساءلة الجنائية “… السياسة التي تقود الإحالة [إلى المحكمة الجنائية الدولية] جاءت في سياق تنافس بين هدف محاكمة القذافي في لاهاي من ناحية، وبين هدف إنهاء العنف بسرعة من خلال تسريع خروج القذافي من السلطة”.[20]
في اليمن، لعبت السياسات المحلية والدولية دورًا مماثلًا في إضعاف فرص أي عملية عدالة ذات معنى. بعد إصدار قانون الحصانة الذي يحمي الرئيس اليمني السابق صالح من المقاضاة، بدأت في سبتمبر 2012 الاحتجاجات التي دعت تحديدًا إلى إلغاء هذا القانون في اليمن. ردًا على ذلك، أمرت الحكومة اليمنية بإجراء تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت أثناء الانتفاضة وأنشأت لجنة تحقيق لهذا الغرض.
في سبتمبر 2012، وقع الرئيس هادي –نائب الرئيس صالح سابقًا ولمدة 16 عامًا– مرسومًا يقضي بإنشاء لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء انتفاضة 2011، وأناط بها أيضًا التوصية بتدابير المساءلة، بما في ذلك الملاحقات القضائية. أمرت حكومة هادي بالتحقيق مع سبعين ضابط شرطة يُشتبه في ارتكابهم جرائم القتل التي وقعت يوم جمعة الكرامة خلال الانتفاضة. بدأت أحد المحاكمات في 29 سبتمبر 2012 في المحكمة الابتدائية لمنطقة العاصمة الغربية في صنعاء. كانت المحاكمة مليئة بالعيوب، حيث لاحظت هيومن رايتس ووتش أن “تحقيق النيابة العامة في مذبحة جمعة الكرامة كان مشوبًا بالتدخل السياسي والفشل في متابعة الأدلة التي قد تثبت تورط مسئولين حكوميين بالإضافة لأخطاء في الحقائق”.[21]
طوال محادثات مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، ناقشت مجموعات العمل صياغة قانون العدالة الانتقالية. كان مؤتمر الحوار الوطني عبارة عن عملية حوار انتقالي مدته عشرة أشهر، حاولت مجموعات العمل المختلفة من خلاله تحقيق توافق في الآراء حول العديد من القضايا الوطنية الملحة، مثل قضية الانفصال الجنوبي، وتمرد الحوثيين في الشمال، وقضية الحكم في اليمن بعد الفترة الانتقالية. فيما يتعلق بقانون العدالة الانتقالية، كان أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان التعامل مع الماضي سينظر في الفترة من بداية حكم صالح في عام 1978، أم سيقتصر على الفترة من بداية انتفاضة 2011. إلا أن اندلاع الحرب الأهلية بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وتدخل تحالف من الدول العربية عسكريًا بقيادة السعودية في مارس 2015، أوقف فعليًا عملية العدالة الانتقالية –والتي كانت محدودة على أي حال. بعد أكثر من أربع سنوات منذ بداية الحرب الأهلية، قُتل عشرات الآلاف من اليمنيين الأبرياء، ويعاني من هم على قيد الحياة من أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.[22] على الرغم من المحاولات المتكررة، لم يتحقق سلام ولا عدالة.
تعطي تعقيدات السياسة الانتقالية الليبية واليمنية خلفية مهمة لفهم تحديات السعي لتحقيق السلام والعدالة. يمثل الاستقطاب الناجم عن التوترات والصراعات القبلية عاملًا يُعقّد بشكل كبير فرص التوصل إلى توافق على قرارات العدالة، لا سيما على المستوى الوطني. فقد أدت الخلافات والاشتباكات بين الموالين لنظام القذافي والثوار المناهضين له، وكذا بين القبائل والميليشيات وبعضها البعض، إلى إضعاف فرص التوافق. يسود في ليبيا التعذيب في السجون السرية، والفساد، والاحتجاز التعسفي، والتهجير القسري، وسرقة الممتلكات وتدميرها، وانتشار المليشيات وغيرها من الجماعات المسلحة. يتمثل التحدي الرئيسي في الحالة المزرية لانعدام الأمن وفراغ السلطة، والتي سمحت للميليشيات وغيرها من الجماعات المسلحة بالسيطرة. وبالتالي، إضعاف قدرة الدولة على توزيع الموارد، ما يؤدي بدوره إلى مزيد من الظلم الاجتماعي على نطاق سيستغرق جبره سنوات.
علاوةً على ذلك، فإن التغير في التحالفات في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011 يعني أن الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة لعبت دورًا هامًا في السياسة الداخلية في ليبيا. وهو ما يقف كعقبة في طريق السلام والعدالة، كما تدل على ذلك مشاورات المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي.[23] وبسبب الخلافات حول القيادة الدبلوماسية في الجهود المبذولة للتوسط في النزاع في ليبيا، استضافت كل من إيطاليا وفرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة سلسلة من محادثات السلام. كل واحد من هذه الجهات الفاعلة لديه مصالح متباينة ويقدم دعمه المالي والعسكري والسياسي لمختلف الجهات السياسية الليبية الفاعلة.
ليس من المثير للدهشة إذا أن يؤدي هذا الوضع إلى تدهور المشهد السياسي المتشرذم بالفعل في ليبيا، ولكنه زاد أيضًا من تعقيد فرص السلام والعدالة، وبالتأكيد زاد من صعوبة تحققهما معًا. منذ عام 2014، اندلعت حرب بين الموالين والمعارضين للجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي الذي قاد الحملات العسكرية ضد الإسلاميين في شرق ليبيا، وهو غالبًا ما يستخدم خطاب “مكافحة الإرهاب” لتبرير حملاته العسكرية. على الصعيد المحلي، شهدت ليبيا تشكيل حكومتين متعارضتين: الأولى تدعم حملة حفتر العسكرية المسماة عملية الكرامة، والأخرى تدعم حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، ومقرها في العاصمة طرابلس. على الصعيد الدولي، وفرت كل من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا دعما عسكريًا وماليًا لحفتر، في حين تتلقى حكومة الوفاق الوطني دعمًا من مجلس الأمن الدولي وجهات دولية فاعلة أخرى، من ضمنها قطر وتركيا. تنتشر الانقسامات بين الميليشيات والقبائل والمدن، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل النزوح القسري لسكان تاورغاء وسكان بنغازي.[24]
إذًا، فإن المشهد السياسي في ليبيا متشرذم على مستويات مختلفة، محلية ودولية ودبلوماسية. تُضعف استراتيجيات العدالة المختلفة والمتعارضة في ليبيا واليمن من ادعاء المجتمع الدولي بأن هناك معاييرًا عالمية للمسائلة.[25] كما أن لهذه الاستراتيجيات المتضاربة تداعيات مهمة على كيفية تفاعل قضايا العدالة والمصالحة والسلام على المستوى المحلي. وقد تم تحديد هذه التأثيرات بالفعل في التقرير النهائي للمشاورات الخاصة بالمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي.
المصالحة والمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي
بالنظر إلى النزاع المستمر والتفتت السياسي، لن يمكن للعدالة –ولا ينبغي لها على أي حال– أن تكون “سريعة أو ناجزة”، كما لا يجب أن تُفسر بشكل صارم على أنها عدالة جنائية أو تقاضي جنائي. الفهم المحدود لما يشكل “العدالة” يؤدي إلى تعليق العمل من أجل العدالة الانتقالية ككل ودون داعٍ حتى تبدأ الظروف السياسية والاجتماعية المثالية في الظهور –وهي ظروف من المحتمل أن تأخذ سنوات حتى تتطور. على الرغم من ذلك، يوفر المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي فرصة نادرة لضمان تلبية احتياجات العدالة المعقدة للمجتمع الليبي في الوقت الذي تكافح فيه البلاد للتحول نحو السلام وبناء الدولة.
لكن تقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي لا يوضح بما فيه الكفاية ماهية توقعات العدالة هذه. وهو ما يعد أمرًا مخيبًا للآمال إلى حد ما؛ وذلك نظرًا للمسار التشاوري التي كُتب من خلاله التقرير النهائي الذي نُشر في نوفمبر 2018. حيث شملت هذه العملية 77 اجتماعًا تحضيريًا في 43 موقعًا داخل ليبيا وخارجها، بمشاركة حوالي 7000 ليبي. [26] فبينما يزعم التقرير أنه كُتب بمشاركة “كل فئات المجتمع” الليبي، إلا أن ربع المشاركين فقط كانوا من النساء. على الرغم من ذلك، وصلت وسائل الإعلام المحلية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي إلى ما يقرب من 1.8 مليون ليبي. [27]
وبغض النظر عن الأسئلة المتعلقة بمستوى المشاورات وطبيعتها التشاركية، يصف التقرير النهائي للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي “المصالحة” تحديدًا باعتبارها واحدة من النقاط المفتاحية أو المبادئ الرئيسية التي يتعين التعامل معها بمجرد انعقاد المؤتمر الوطني. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما المقصود بالمصالحة الوطنية كما أن الفترة الزمنية التي ستعالجها هذه المصالحة تظل غامضة. فضلًا عن وجود تأكيدات متعددة في التقرير على رفض التدخل الأجنبي وأي دور للجهات الفاعلة الدولية –حتى كمراقبين– في الانتخابات.[28] على سبيل المثال، ورد في التقرير أنه “يجب تحقيق المصالحة الوطنية، بناءً على الممارسات والقيم الليبية التقليدية مع احترام مطالب العدالة. يجب أن تكون عملية المصالحة خالية من التدخل الأجنبي”.[29]
في الوقت نفسه، يؤكد التقرير على رغبة المشاركين في أن تكون الأمم المتحدة والمجتمع الدولي شريكين في تسهيل عملية المصالحة والإشراف عليها “يمكن للسلطات الليبية والمجتمع الدولي المساعدة في ضمان الوفاء بشروط نجاح عمليات المصالحة الوطنية هذه”.[30]
إن التناقض الصارخ بين الفقرتين المذكورتين أعلاه فيما يتعلق بالتدخل الدولي والتدخل الأجنبي يؤكد الحاجة إلى تحديد الكيفية التي يريد بها الليبيون أن يربطوا بين “التدخل” الأجنبي و”الدعم” للمصالحة الوطنية في ليبيا. ولا تعد تلك النقطة مجرد تفصيلة، بل إنها سؤال هام؛ خاصةً مع ملاحظة عدد المرات التي حذر فيها التقرير من التدخل الأجنبي.
علاوةً على ذلك، فإن “الممارسات والقيم الليبية التقليدية”، و”مطالب العدالة”، و”عمليات المصالحة الوطنية” هي عبارات مبهمة، تُذكر دون أي تفسير للمقصود منها، وستكون عرضة لمختلف الجهات الفاعلة التي تتنافس من أجل السيطرة في ليبيا لتفسرها على هواها. استخدام هذه المصطلحات دون تحديد أو تفصيل يفترض أنها مفهومة بالشكل نفسه لدى الجميع، لكن كما يتضح من عمليات العدالة التي بدأت في أعقاب انتفاضة 2011، أ، هذا غير صحيح.
كذا تظل الإشارة إلى كيفية معالجة ماضي ليبيا –وأي جزء من هذا الماضي بالتحديد– غامضة أيضًا. يجد تقرير حزب المؤتمر الوطني أن الليبيين يعتقدون أن جهود المصالحة “من المرجح أن تنجح إذا تأمل المسئولون عن العملية في تراث أجداد ليبيا وعاداتهم وتقاليدهم، وإذا تم الجمع بين جهود كبار السن والشباب الليبيين”.[31] من غير الواضح ما الذي ستستتبعه عملية التأمل هذه بالضبط، ولا ما هو المقصود من الجمع بين جهود “كبار السن” وجهود “الشباب” في ليبيا. يؤكد التقرير أيضًا على أهمية “الشهامة والتسامح مع جرائم الماضي”،[32] ويلاحظ أن “ليبيا لديها تاريخ من المصالحة والعفو والصفح”.[33] ومع ذلك، يستثني التقرير بوضوح الجرائم ضد الإنسانية، ويؤكد أنها تتطلب “العدالة” وليس “الإفلات من العقاب”.[34] لا يشرح التقرير الإطار الزمني الذي ستطبق عليه هذه “العدالة” ويشير بدلًا من ذلك بغموض إلى الحاجة إلى المصالحة عن “الجروح التي لحقت بالليبيين… على مدى السنوات الثماني الماضية وما قبلها”.[35]
على الرغم من أوجه القصور هذه، يحدد التقرير الإجراءات الرئيسية التي أبرزها المستشارون على أنها ضرورية للمصالحة. فهو يدعو أولًا إلى عفو عام عن “فترة النزاع” (من المفترض أن النزاع هنا يشير إلى التطورات منذ انتفاضة 2011). وتشمل الإجراءات الأخرى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وضمان العودة الآمنة للنازحين، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية مع نزع سلاح “الميليشيات الخارجة عن القانون”.[36] ولكن مع كل هذا، فإن هناك مخاوف من فشل الجهود المبذولة لإحلال سلام دائم في ليبيا؛ إذا لم تقترن تلك الجهود برؤية وأهداف شاملة تتناول المصالحة والعدالة والسلام في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
يمثل توزيع الموارد قضية حيوية في ليبيا، كما تؤكد ذلك نتائج مشاورات المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي.[37] هنا، يجب أن تكون مسائل العدالة الاجتماعية جزءً لا يتجزأ من نهج العدالة المتكاملة الذي يتم دمجه في جميع مجالات السياسة الخمسة المحددة في التقرير: الأولويات الوطنية والحكومية، الأمن والدفاع، توزيع السلطات والموارد، العمليات الدستورية والانتخابية، وأخيرًا المصالحة الوطنية. وكما يلاحظ خوان مينديز وجيريمي كيلي، فإن “أي وساطة ناجحة للسلام يجب أن تتضمن كلًا من العناصر القضائية وغير القضائية”.[38] يدعم المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي ضمنيًا هذا التوجه، لكن يجب أن تتضح بنودها أكثر خلال الفترة المتبقية من المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي.
أخيرًا، يبرز التقرير “صراحةً” مناقشات التشاور والأهمية التي يوليها المشاركون “للعملية النفسية” وليس فقط التعويض المادي لعائلات الضحايا.[39] ومع ذلك، ليس من الواضح الكيفية التي يتبعها المشاركون في رؤية تلك القضايا التي تم تناولها. هل يجب عليهم إنشاء لجنة للحقيقة؟ ما هو مدى الفترة الزمنية التي ستنظر فيها لمعالجة مآسيها؟ وما هي سبل الانصاف الفورية التي سيتم توفيرها للضحايا؟
المضي قدمًا: نهج متكامل للسلام والعدالة في ليبيا
يناقش هذا المقال أسئلة ليست بالسهلة، خاصةً بالنظر إلى الانقسامات العميقة وعدم وجود سلطة مركزية للسيطرة على حالة انعدام الأمن المتفشية. لا غرابة في أن التقرير يعطي الأولوية للأمن. ليس من الممكن التعامل مع العدالة بجميع أشكالها –بما فيها العفو والتقاضي والمصالحة والتعويضات ولجان الحقيقة– على أنها فئة أو مجال سياسي منفصل ومعزول، بينما يبدأ الليبيون في إعادة بناء دولتهم، ومعالجة التحديات الأمنية والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي واستعادة ترابط النسيج الاجتماعي. إن الدراسة المتعمقة لكيفية دمج العدالة في جميع مجالات السياسة الخمسة التي يحددها المسار التشاوري من شأنها أن تعزز احتمالات تحقيق سلام أكثر استدامة، بالإضافة إلى خلق إطار عمل قانوني مناسب للسياق الليبي. على الرغم من التناقضات فيما يتعلق بدور الدعم الدولي والرفض المتكرر “للتدخل الأجنبي” في المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، من المنتظر أن تكشف المشاورات عن الأهمية التي يعلقها الليبيون على تشكيل عملية المصالحة الوطنية التي تناسب احتياجاتهم.
لسوء الحظ، فإن التشرذم على الصعيدين المحلي والدولي –حيث تتنافس النخب السياسية من أجل السيطرة السياسية والدبلوماسية، مع تجاهل التفكير في ضحايا ليبيا في عهد القذافي وفترات ما بعد القذافي– يعني أن العدالة لن تتحقق إلا عندما تخدم مصالح الدول والجهات الفاعلة المتعددة.[40] يجب أن نتعلم الدرس من الاضطرابات الحالية في اليمن، حيث لم يسفر تهميش “العدالة” بجميع أشكالها، وخاصةً باسم “السلام”، عن نتائج إيجابية. جزء من المشكلة هو الوصمة أو الجدال الذي يثيره مصطلح “العدالة”، لا سيما بين النخب السياسية التي تخشى أن تُحاسَب على الجرائم التي قد تكون تورطت فيها سابقًا.
يكمن التحدي هنا في توسيع معني العدالة بحيث لا يقتصر على العناصر القضائية، وحتى يشمل مفاهيم مثل المصالحة والعدالة الاجتماعية، كما ينبغي الاعتراف بأن العدالة مجال سياسي عريض وواسع وجزء أصيل من الانتخابات وعمليات بناء الدستور وتحقيق الاستقرار والأمن وتوزيع الموارد. ينبغي كذلك ألا يكون التركيز الأكبر على الملاحقات القضائية الانتقامية، بل على استعادة الأمن، واستمرار الحوار الشامل، وإظهار الحقيقة، وهي كلها خطوات أولية أساسية نحو المصالحة في ليبيا. إذا كان المؤتمر الوطني جاد في التزامه باتخاذ تدابير ذات فرص نجاح أفضل، فمن الضروري أولًا توضيح ما يتوقعه الليبيون من مفاهيم “المصالحة” و”العدالة” و”السلام”.
الجوار الليبي يستقبل مبادرة السراج بحذر وينقل معركة الضغط إلى مجلس الأمن

قررت دول الجوار الليبي الرئيسة تونس الجزائر ومصر نقل معركة الضغط على الأطراف المتصارعة في طرابلس إلى أروقة مجلس الأمن بعدما فشلت في إخماد نيران الحرب، في وقت بدت مواقفها من مبادرة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج المشروطة متريثة ومتحفظة لتجاهلها الكامل للطرف الآخر في النزاع.
وأعلنت الحكومة التونسية التي انتخبت لتوها عضوًا لمدة عامين في مجلس الأمن الدولي الحرص على تنفيذ كل مقررات الأمم المتحدة الخاصة بالملف الليبي، وبينها التسوية السياسية للنزاع، ووقف القتال في طرابلس ورفض كل أنواع الشراكة مع الإرهابيين والمجموعات الإرهابية.
وبينما كانت الخطوة العملية الوحيدة التي انبثقت عن الاجتماع الثلاثي الذي جمع تونس والجزائر ومصر الأسبوع الماضي، هي قرار القيام بـ«مساعٍ مشتركة لدى الأطراف الليبية ولدى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن لاتخاذ التدابير اللازمة لوقف فوري غير مشروط لإطلاق النار والمساعدة على استئناف المسار السياسي»، وضعت تونس الملف الليبي في سلم أولياتها الدبلوماسية خلال السنتين المقبلتين بعد انتخابها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن.
لم تمنح الفرصة
وتدرك بلدان الجوار، اصطدام مساعيها لحل الأزمة بعدم وجود جدية لدى الدول الكبرى في الأمم المتحدة وخاصة الأعضاء الدائمين في منح الفرصة لها أو للاتحاد الأفريقي في إنهاء حقن دماء الليبيين، لذلك فإن ما بذلته كل من تونس الجزائر ومصر في سابع اجتماع لهم منذ إنشاء الآلية الثلاثية في فبراير 2017 باء بالفشل رغم أن هذه الدول احتضنت غالبية جلسات الحوار بين أطراف الصراع.
ويؤكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في أكثر من مناسبة استمرار الانقسام داخل مجلس الأمن بشأن التعامل مع التطورات في ليبيا.
وعلاوة عن ذلك فإنها سعت لتبديد وجود خلافات بينها بعد تأخر التئام اجتماع لها رغم مرور قرابة شهرين ونصف الشهر على اندلاع حرب طرابلس، فكان اجتماع تونس فرصة للاتفاق على أرضية مشتركة للدول الثلاث. ومع ذلك فإن خميس الجهيناوي وزير الخارجية التونسي حين سئل في حوار تلفزيوني له عقب اللقاء الثلاثي إن كان فيه خلافات بين الجزائر ومصر وتونس حول الملف الليبي نفى ذلك، بيد أنه أوضح أن «لكل دولة مواقف تتماشى مع مسائل داخلية وأمنية تهمها، وأن لكل دولة طموحاتها التي تختلف من بلد إلى آخر».
وتبقى المشكلة الأمنية أكبر هاجس يؤرق الدول المعنية، إذ لا تعتبر نفسها مراقبًا فقط للمستجدات في ليبيا وإنما هي معنية مباشرة بكل تدهور للأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية ونزوح نسبة كبيرة منهم نحو الدول المجاورة وخاصة نحو تونس ومصر بل مخاطر تسلل متهمين بالإرهاب بين النازحين والفارين من الحرب يبقى واردًا.
وتكشف وزارة الداخلية التونسية عن فرار نحو مئة ألف ليبي أخيرًا نحو تونس بسبب الاقتتال، الذي تشهده العاصمة الليبية طرابلس والمدن المجاورة لها.
تحركات دول الجوار لم تحرز تقدمًا في حل الأزمة
وفي شرق ليبيا أو حتى في غرب البلاد لا تحظى الجهود الإقليمية بصدى كبير مع استبعاد رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح أن تؤدي المبادرة الثلاثية للحل في ليبيا، والمطروحة من قبل دول الجوار تونس والجزائر ومصر، «لأي تقدم ملحوظ في حلحلة الموقف الراهن»، رغم تثمينه الدور المصري الداعم جهود الجيش الوطني في محاربة الإرهاب.
وتحدث صالح لوكالة الأنباء الألمانية عن استمرار تعويل تونس على اتفاق الصخيرات الذي أبرز في نوفمبر 2015، وقال إن «هذا الاتفاق يكاد يكون منتهيًا الآن، فهو منذ توقيعه العام 2015 لا يزال يراوح مكانه. بالطبع نتفهم الموقف التونسي نظرًا لوجود حركة النهضة ذات الصبغة الإسلامية كشريك في الحكم، ولكننا لا نفهم مطالبتهم لنا بالحوار مع ميليشيات مسلحة يقودها مطلوبون دوليًا»، وفق تعبيره.
كما رفض صالح ومؤسسته الدخول في أي مباحثات أو مفاوضات سياسية تتعلق بمستقبل البلاد إلا بعد إتمام «تحرير العاصمة».
ويوضح مراقبون أن «مكمن التحفظ على المبادرة الثلاثية غياب توصيف سليم للأزمة واعتبارها حربًا على الإرهاب في العاصمة طرابلس».
وعلى الرغم من تأكيد الجهيناوي على هامش مؤتمر صحفي عقده في قصر رئاسة الجمهورية بقرطاج، رفض تونس وشركائها العرب مشاركة الميليشيات، والشخصيات المصنفة إرهابيًا من قبل الأمم المتحدة في الحرب الدائرة في طرابلس لكنه لم يوضح الجهة التي تقاتل معها هذه الميليشيات الإرهابية.
وفي إشارة إلى الاقتتال بين قوات حفتر والسراج اعتبر وزير الخارجية التونسي استمرار محاربة بعضهم البعض في طرابلس أن «كليهما لا يسمع صوت العقل».
مبادرة السراج تتناقض مع رفض دول الجوار إقصاء أي طرف في المفاوضات
وفي الجانب الآخر من طرفي الصراع ألقى فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي مبادرة نصت على «صياغة كيان جديد يمكنه التحاور معه لا يكون قائد الجيش الوطني خليفة حفتر طرفًا فيه، وهو ما يتناقض مع رفض دول الجوار «إقصاء أي شخصية أو طرف في مفاوضات التسوية».
ويُصرّ السراج منذ أكثر من شهرين على أن «حفتر لم يعد محاورًا مقبولاً»، مما يجعل مبادرته مثيرة للجدل مع اقتراحه تنظيم حوار وطني مدعوم دوليًا في وقت سارعت بعثة الأمم المتحدة للترحيب بالمبادرة، لكن رحبت أيضًا بأي «مبادرة أخرى تقترحها أي من القوى الفاعلة لإنهاء حالة النزاعات الطويلة في ليبيا».
في المقابل، فإن مبادرة السراج قدمت إشارة إيجابية تجاه أتباع نظام معمر القذافي، حيث تنص على «تأليف هيئة مصالحة وطنية تنبثق عن الملتقى الوطني، وتقوم بتفعيل قانون العدالة الانتقالية وقانون العفو العام وجبر الضرر، باستثناء من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية».
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.