رشيد خشــانة – أكدت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أن موكب الدبيبة تعرض لاعتداء مسلح، مشيرة إلى أن الحادث لم ينتج عنه أي أضرار بشرية. لكن دلالاته خطرة، خصوصا في الظرف الراهن.
اشتغل رئيس الحكومة المنتخب فتحي باشاغا على منصب رئاسة الوزراء منذ فترة بعيدة. ومن يتابع جولاته الداخلية والخارجية، منذ كان وزيرا للداخلية في حكومة فائز السراج، يُدرك أنه كان يقوم بحملة علاقات عامة لدى الدول المؤثرة في الملف الليبي. فقد زار باريس، وتحاور مع كبار مهندسي السياسة الخارجية الفرنسية، كما زار تركيا وروسيا والإمارات وقطر، وكان يُستقبل حيثما حل بوصفه إحدى الشخصيات المفتاحية في الملف الليبي. وعُرف عن باشاغا علاقاته المتينة مع تركيا، إذ أن سكان مصراته وقياداتها تحافظ منذ القديم، على علاقات متينة مع تركيا.
هذا عن العلاقات الخارجية، أما عن العلاقات مع الداخل، فيمكن القول إن باشاغا «صدم» رئيس الحكومة الأسبق السراج، عندما بادر بزيارة المنطقة الشرقية، واجتمع مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. وكان باشاغا أهم شخصية سياسية من الغرب تزور المنطقة الشرقية، بعدما وضعت «حرب طرابلس» أوزارها. من هنا أتت المفاجأة حين أخفق باشاغا في الفوز برئاسة الحكومة، في حوارات جنيف، التي رعتها الأمم المتحدة، والتي فاز بها الدبيبة. ويجوز القول إن باشاغا والدبيبة يستمدان ثقلهما الاجتماعي من الخزان نفسه، فهما من وجهاء مصراتة البارزين، تلك المدينة التي تمثل أهم ثقل عسكري واقتصادي وسياسي في المنطقة الغربية. أكثر من ذلك، يؤكد العارفون بالتوازنات الليبية أن باشاغا هو المسيطر الفعلي على الجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس. وربما تم استهدافه لهذه الصفة عندما تعرض موكبه، وهو وزير للداخلية في حكومة السراج، لاعتداء مسلح، قد يكون محاولة لاغتياله. ولم يُكشف النقاب لاحقا عن هوية منفذي المحاولة.
ومن المؤشرات على أن باشاغا «يضبط» الوضع في العاصمة، تنقلُ آليات عسكرية إلى مطار معيتيقة، لاستقباله، وسيادة الهدوء في العاصمة طرابلس، بعد ظهور مخاوف من أن تكون تلك الآليات تابعة لأطراف غير مرحبة بتكليف باشاغا. وسرعان ما اتضح أن التحركات العسكرية أتت ترحيبا بوصول رئيس الوزراء المكلف إلى العاصمة.
بهذا المعنى فإن تثبيت باشاغا في منصبه الجديد، سيضع الاعتبارات الأمنية على رأس الأولويات، وهو أمر ينسجم مع هواجس الدول الكبرى، التي تفكر في احتواء الهجرة غير النظامية وتشجع على تجميع الأسلحة من الجماعات شبه العسكرية، بالإضافة لإدماج عناصر الميليشيات في قوات الأمن والجيش. وإذا كانت خريطة الطريق التي أعدتها الأمم المتحدة تُؤمن فعلا الإطار المُلائم لتنفيذ تلك الأهداف، فإن الخصومة بين الغريمين الدبيبة وباشاغا ستعرقل المضي في طريق تنفيذها. وهنا يُطرح السؤال التالي: هل تملك الأمم المتحدة القوة المادية والمعنوية لفرض الإبقاء على حكومة الدبيبة، بوصفها تستمد شرعيتها من حوارات جنيف؟
المؤكد أن الأمم المتحدة ليست بالقوة التي تبدو عليها من خلال بياناتها ومواقفها. والأرجح أنها ستكتفي بالدعوات للعودة إلى الوضع السابق، مع استمرار اعترافها بحكومة الدبيبة. ومن المؤكد أيضا أن الدول الكبرى هي من يملك وسائل الضغط لإعادة الوضع إلى ما كان عليه. غير أنها تبدو مشغولة بصراعات أكبر دوليا وإقليميا، وسط دقة الوضع العسكري في أوكرانيا، وتفاقم اهتزاز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، مع توالي الانقلابات العسكرية، ومُضي باريس في تنفيذ قرار سحب قوة برخان.
عرضٌ مُغر
طغت المساومات على ما باحت به أسرار الاتصالات بين رئيسي الحكومة والبرلمان، قبل تسمية باشاغا رسميا على رأس الحكومة، إذ أن عقيلة صالح عرض على الدبيبة البقاء على رأس الحكومة، شريطة التعهد بعدم الترشُح للانتخابات المقبلة. وينطلق هذا العرض من القناعة بجدية فرص الدبيبة، للفوز في الانتخابات الرئاسية، فقد انتهج سياسة شعبوية، ترمي إلى ربط الجسور مع فئات اجتماعية، تجاهلتها الحكومات السابقة، من بينها تسهيل إجراءات الزواج للشبان، بمنحهم مبلغا ماليا، والزيادة في الرواتب وحل مشاكل الكهرباء والماء، بالإضافة لإطلاق مشاريع كبرى لتطوير البنية الأساسية. ومن آخر المشاريع التي أعلن الدبيبة عن إطلاقها، في إطار تحسين الأوضاع المعيشية لسكان طرابلس الكبرى، تنفيذ مشروع الطريق الدائري الثالث الذي يربط شرق العاصمة بغربها، ويبلغ طوله 25 كيلو مترًا، ضمن حزمة المشروعات التنموية التي دشنتها حكومة الدبيبة، قبل أسابيع ضمن خطة «عودة الحياة». وإجمالا أعلنت حكومة الدبيبة عن البدء بتنفيذ 732 مشروعا ضمن خطة «عودة الحياة».
الدستور ولجنة الستين
في معرض رفضه قرار مجلس النواب بتسمية باشاغا رئيسا للحكومة، يحاول عبد الحميد الدبيبة الخروج من طوق البرلمان ونقل المعركة إلى أرضية الدستور، من خلال إجراء استفتاء عام على المشروع الذي أعدته لجنة الستين المنتخبة من كافة مناطق ليبيا. وكانت «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور» أعدت منذ 2017 مشروع دستور ليبي، لكنه حُفظ في الأدراج ولم يُبصر النور إلى اليوم. من هنا يطالب الدبيبة بتنظيم استفتاء ليقرر المواطنون مصير هذا المشروع رفضا أم قبولا. وسيُوفر الدستور إذا ما تم الاستفتاء عليه، المرجعية القانونية للانتخابات، إذ أن غياب المرجعية شكل أحد الموانع الرئيسة، التي حالت دون إجراء الانتخابات العامة في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وبعدما سادت الحيرة حول موقف الدبيبة من التطورات الأخيرة، أجاب على الأسئلة المتداولة في كلمة تلفزيونية ليل الخميس-الجمعة، مؤكدا أنه ما زال يمارس عمله وفقا للفترة الزمنية، المنصوص عليها في خريطة الطريق، والمعتمدة في ملتقى الحوار في تونس، العام الماضي. وأكد الدبيبة أن المجلس الرئاسي «هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لخريطة الطريق في جنيف» واصفا جلسة مجلس النواب بأنه «تعدٍ صريح على اختصاص المجلس الرئاسي» على ما قال.
محاولة اغتيال الدبيبة
وفيما لم تسجل محاولات اغتيال في ليبيا في السنوات الماضية، فوجئ الليبيون برئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، يُعلن الخميس عن تعرضه لمحاولة اغتيال، عندما كان في طريق العودة إلى بيته. ولم يُوجه الاتهام إلى جهة محددة، لكنه أوضح أن الهجوم على موكبه تم من سيارة كان يستقلها «مأجورون» في منطقة سوق الجمعة، وأن الجهات الأمنية المختصة تتولى التحقيق في الحادث. وكانت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أكدت أن موكب الدبيبة تعرض فعلا لاعتداء مسلح من قبل أشخاص يستقلون سيارة من دون لوحات معدنية، مشيرة إلى أن الحادث لم ينتج عنه أي أضرار بشرية. لكن دلالاته خطرة، خصوصا في الظرف الراهن، حيث يعبر البلد مرحلة دقيقة من عدم الاستقرار الحكومي.
وقد توالت الحكومات على ليبيا منذ 17 شباط/فبراير 2011 لكن البلد ظل يغرق في الأزمات السياسية والاقتصادية. وارتفع عدد الحكومات إلى ست هي حكومة محمود جبريل (توفي) وعبد الرحيم الكيب (توفي) وعلي زيدان وفائز السراج وعبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، بالإضافة لحكومة منشقة مقرها في مدينة البيضاء (شرق) برئاسة عبد الله الثني (اندثرت) وثانية برسئاسة خليفة الغويل (منشقة). ويُرجح خبراء اقتصاديون أن يقود الصراع بين حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا إلى اضطراب في إنتاج النفط، وهو المورد الرئيسي للبلد، بالإضافة لتعطيل المشاريع المُعتمدة، والمقرر تنفيذها في الفترة المقبلة. ويتفق الخبراء على أن الانتخابات الرئاسية، لو تمت في ميقاتها، لشكلت بداية للتعافي من الأزمة التي طال أمدها، ولساهمت في احتواء الجماعات المسلحة الأجنبية والمحلية.
في هذه الأجواء المشحونة، قد تؤدي المنافسة بين الحكومتين إلى زعزعة الاستقرار، الذي تحقق بصعوبة كبيرة، وبدفع قوي من الأمم المتحدة، التي رعت اجتماعات الصخيرات وجنيف وتونس وبوزنيقة، في إطار مسار برلين العام 2020. وبعد أكثر من سنة من استئناف مستوى تصدير النفط، والهدوء النسبي باتت هناك خشية من العودة إلى الانقسام، وتنازع حكومتين على إيرادات النفط والغاز. وحذرت تقارير عدة من أن يتسبب تعيين رئيس حكومة جديدة في انقسام ليبيا مرة أخرى، كما حدث في العام 2014 إلى حكومتين متوازيتين تتنافسان وتقاتلان بعضهما البعض، مع ما يُرافق ذلك من تداعيات كبيرة على سوق النفط المحلية.
حركة النهضة التونسية تحث أنصارها على المشاركة في وقفة احتجاجية الأحد ضد قرارات الرئيس سعيد
حثت حركة النهضة الإسلامية في تونس اليوم السبت أنصارها إلى النزول إلى الشارع غدا الأحد للمشاركة في وقفة احتجاجية ضد قرارات الرئيس قيس سعيد.
وكان نشطاء في تجمع يطلق على نفسه “مواطنون ضد الانقلاب” وتنسيقية لأحزاب معارضة تدعى “المبادرة الديمقراطية” أعلنوا عن وقفة احتجاجية يوم غد الأحد في العاصمة.
ودعت حركة النهضة في بيان لها “مناضليها وكل القوى الوطنية للمشاركة بقوة في الوقفة الاحتجاجية بشارع محمد الخامس (أمام مدينة الثقافة)”.
ويحتج المعارضون للرئيس التونسي ضد استمرار التدابير الاستثنائية منذ تموز/يوليو الماضي بما في ذلك تجميد البرلمان وتعليق العمل بمعظم مواد الدستور وقراره الأخير حل المجلس الأعلى للقضاء.
ويخضع نائب رئيس حركة النهضة ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري للإقامة الجبرية منذ 31 كانون الأول/ديسمبر للاشتباه بتورطه في ملفات فساد عندما كان يشغل منصب وزير العدل بين عامي 2011 و2013.
وعرض الرئيس سعيد خارطة طريق سياسية لإرساء إصلاحات تتضمن استشارة وطنية إلكترونيا واستفتاء شعبي وانتخابات برلمانية في نهاية العام الجاري لكن لا يوجد توافق عام حول هذه الخارطة التي ترفضها المعارضة.
ليبيا: «اختراقات» متبادلة مصرية تركية في المنطقتين الشرقية والغربية
رشيد خشانــــة – الاختراق الأبرز تمثل في الحوار بين عقيلة صالح وخالد المشري في المغرب بشكل غير رسمي. وتم الاتفاق على أن يتزامن حسم ملف الاستحقاق الدستوري مع تغيير الحكومة الحالية.
يمكن القول إن العلاقات المتوترة بين الأتراك والمنطقة الشرقية، في ليبيا، أبصرت انفراجا غير مسبوق بعد ما كسرت الجليد زيارة أداها السفير التركي لدى ليبيا كنعان يلماز إلى المنطقة الشرقية أواخر الشهر الماضي. واجتمع يلماز مع رئيس مجلس النواب في مقره بمدينة طبرق، وهو من أكبر المنتقدين للدور التركي في ليبيا. وتُؤاخذ قيادات المنطقة الشرقية أنقرة على دعمها للإخوان المسلمين وتوصلها إلى اتفاق عسكري وآخر اقتصادي مع حكومة فائز السراج في العام 2019. وأفاد حسين قطراني، نائب رئيس الوزراء ممثلا للمنطقة الشرقية أن تركيا تدرس حاليا معاودة فتح قنصليتها في بنغازي. واعتبر قطراني أن اللقاء الذي جمع عيسى والسفير التركي في طبرق ساهم في كسر الجليد بين الجانبين.
وتكريسا لهذا التقارب بين الجهتين، أدى وفد من أعضاء مجلس النواب الليبي، ينتمون إلى المنطقة الشرقية، زيارة رسمية إلى تركيا في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، اجتمعوا خلالها مع عدد من كبار المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب اردوغان. غير أن الزيارة أثارت حفيظة كتلة نواب فزان (جنوب) الذين انتقدوها بشدة، مُعتبرين إياها «انحرافا خطرا» لأنها تتضارب مع المصالح الوطنية، على ما جاء في بيان الكتلة.
اختراقات ناعمة
بموازاة «الاختراق» التركي الناعم للمنطقة الشرقية، لوحظ «اختراق» مصري مشابه للمنطقة الغربية، اتخذ بعدا اقتصاديا وسياسيا، بعيدا عن الاعتبارات العسكرية. وفي هذا الإطار وقع وزراء في حكومة الدبيبة على صفقات مع عشر شركات مصرية كبرى لإنجاز مشاريع استراتيجية بينها عمارات سكنية ومدارس ومراكز تجارية ومستشفيات. أكثر من ذلك، أقبل الليبيون على استدعاء العمالة المصرية بكثافة للعمل في المنطقة الغربية، بعد ما كانوا يقتصرون على المنطقة الشرقية، التي يقودها حليف القاهرة خليفة حفتر.
وكانت مصر قد اتفقت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 مع الحكومة الليبية على تسهيل نقل العمالة المصرية إلى طرابلس، للمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار. وما من شك بأن التفاهمات الإقليمية بين مصر والإمارات من جانب وتركيا من الجانب الآخر أوجدت مناخات مناسبة سهلت التقارب التركي مع شرق ليبيا، والمصري مع غربها. وكان هذا التطور منطقيا في أعقاب مستجدات إقليمية ودولية ألقت بظلالها على الملف الليبي بينها التقارب التركي الإماراتي وتأجيل الانتخابات الليبية.
على أن «الاختراق» الأبرز في المشهد الليبي المعقد، تمثل في الحوار غير الرسمي، بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، من خلال اجتماع عقيلة صالح وخالد المشري في المغرب بشكل غير رسمي. وتم الاتفاق في ذلك اللقاء على أن يتزامن حسم ملف الاستحقاق الدستوري مع تغيير الحكومة الحالية. كما لم تقتصر التفاهمات الأولية على رئيسي المجلسين، وهو تطور مهم، وإنما اجتمعت على تلك الخلفية، لجنة خريطة الطريق التابعة لمجلس النواب، وتوصلت إلى الاتفاق مع لجنة تابعة لمجلس الدولة، إلى توافقات بخصوص المسار الدستوري، أوردتها في مشروع التعديل المعروض حاليًا على النواب.
صيغة تفاهم
من هذا المنطلق تسعى جميع الأطراف للوصول إلى «صيغة تفاهم» عدا مجلس النواب الذي يؤسس إصراره على استقالة حكومة الدبيبة، على أن الأخير تعهد بالامتناع من الترشح للانتخابات الرئاسية، وبأن التكليف انتهى في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وحسب عضو المجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي فإن المجلس مستعد للاتفاق على آلية تغيير الحكومة بشكل كامل أو جزئي، لكن في إطار التوافقات التي توصل إليها رئيس المجلس خالد المشري مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وتتضمن إقرار مشروع تعديل الإعلان الدستوري.
وكان اللقاء غير الرسمي الذي عُقِد في المغرب، توصل إلى اتفاق بتزامن حسم ملف الاستحقاق الدستوري مع تغيير الحكومة. وفي السياق اتفقت لجنة خريطة الطريق، التابعة لمجلس النواب مع لجنة تابعة لمجلس الدولة، على توافقات بخصوص المسار الدستوري، أوردتها في مشروع تعديل الإعلان الدستوري المعروض حاليًا على النواب. وحض مجلس الدولة النواب على المضي في جميع المسارات بشكل متزامن، لكن معالم الطريق ما زالت غير واضحة.
ليبيا: خلاف علني بين الحكومة الموقتة ورئيس مجلس النواب
رشيد خشــــانة – دعا صالح لتشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثين عضواً بين مثقفين ومختصين في القانون الدستوري يمثلون الأقاليم الثلاثة، بمساندة خبرات محلية ودولية لصياغة دستور توافقي يلبي رغبات جميع الليبيين.
مضى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في المعركة التي فتحها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة. ويعتقد صالح ان الهياكل المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي، الذي تم في جنيف وتونس العام 2020 أصبحت غير شرعية، لأن مهمتها انتهت في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي، مع إرجاء الانتخابات إلى تاريخ غير محدد. واقترح صالح تسمية رئيس حكومة جديد، غير أن قصر الفترة التي تحتاجها المفوضية، والتي تتراوح بين 6 إلى 8 أشهر، لمراجعة طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية، وإنجاز عملية انتخابية صحيحة، تبدو غير واقعية.
وفي مؤشر جديد على تصدع اتفاق السلام الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، برز الخلاف العلني بين الحكومة المؤقتة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
أكثر من ذلك، حرض صالح النائب العام على التحقيق في ما أنفقته حكومة الدبيبة في بندي التنمية والطوارئ والمناقلة من بند إلى بند آخر. والمُلاحظ أن موقف صالح أتى في بيان خاص ألقاه في المجلس، ولم يُشرك في صياغته زملاءه النواب. ومن الواضح أن الأمم المتحدة غبر مؤيدة لتشكيل حكومة جديدة، فقد صرحت وليامز، غداة لقاء مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بأن ليبيا لا تحتاج إلى حكومة جديدة.
الأغرب من ذلك أن صالح دعا أيضا لتشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثين عضواً بين مثقفين ومختصين في القانون الدستوري يمثلون الأقاليم الثلاثة، بمساندة خبرات محلية ودولية لصياغة دستور توافقي حديث، يلبي رغبات جميع الليبيين. واعتبر أن الأمر يتطلب الآن وضع خريطة طريق جديدة للانتخابات بالتعاون مع المفوضية العليا للانتخابات والقضاء.
وشكلت هذه الأسباب «القوة القاهرة» التي عرقلت إعلان القائمة النهائية، مثلما أكدت المفوضية، وترتب عليها عدم إجراء الانتخابات في موعدها. ولفت صالح إلى أن مفوضية الانتخابات عززت في بيانها تقارير أمنية عن وجود حالات تزوير في ملفات المرشحين، موضحاً أنه تم حرمان المفوضية من حقها في الدفاع عن قراراتها المتعلقة باستبعاد عدد من المترشحين.
وما زاد هذا الملف تعقيدا انفلات الوضع الأمني في البلدان المتاخمة للجنوب الليبي، وبعثرة الأوراق الفرنسية في منطقة غرب أفريقيا، وخاصة في بوركينا فاسو. وأتى الانقلاب العسكري الأخير في هذا البلد، في أعقاب انقلابين مماثلين في كل من مالي 2020 وغينيا 2021 ليؤكد إخفاق الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في احتواء التنظيمات الإرهابية والحد من حركتها وقدرتها على الإيذاء.
وتذهب الباحثة ماريا ملاغاردي إلى حد القول إن تلك الجماعات المسلحة باتت تحظى بقدر من التعاطف من السكان المدنيين، وخاصة منهم القرويون، الذين سئموا اهتزاز الأمن والاستقرار في قراهم. وتجلى هذا الموقف في المسيرات التي أيدت استحواذ الجيش على كافة السلطات، ودانت فضائح الرشوة، وانتقدت عجز السلطات عن حماية البلد من هجمات الجماعات المسلحة. وفي الطرف المقابل، ظلت فرنسا تغوص في أوحال الاشتباكات مع تلك الجماعات، ما زعزع مكانتها لدى الرأي العام في مستعمراتها السابقة، في غرب أفريقيا، وأضعف دورها الإقليمي، بما في ذلك تأثيرها في مجريات الأزمة الليبية.
ورأى باحثون، من بينهم ريتشارد ويرلي، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيُنهي ولايته الرئاسية في غضون أسابيع، بإخفاق كبير، وأن وعوده التي قطعها في خطاب مشهود، ألقاه في جامعة واغادوغو، العاصمة البوركينية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ذرتها الرياح الصحراوية. وهذا يعني استطرادا أن الجنوب الليبي لن ينعم بالاستقرار، خاصة مع تكاثف حركة الجماعات المسلحة وشبكات تهريب السلاح والمخدرات العابرة للحدود الدولية. ومع قرار فرنسا سحب قواتها المشاركة في عملية «برخان» في الربيع المقبل، ستشهد منطقة غرب أفريقيا انعطافا استراتيجيا. وسيتجسد هذا الإضعاف من خلال تراجع نفوذ فرنسا، التي حكمت دول المنطقة من وراء ستائر قصر الإيليزيه منذ مرحلة الاستقلالات الصورية في مطالع ستينات القرن الماضي. وكانت باريس أرسلت في العام 2013 على أيام الرئيس السابق فرانسوا أولاند، آلاف الجنود إلى مالي، لدعم النظام في مواجهة الجماعات الإرهابية، ثم وسعت العملية إلى دعم قوات «مجموعة الخمسة» وهي مالي وبوركينا وموريتانيا والنيجر وتشاد، وهي دول تستظل بالمظلة الأمنية الفرنسية.
الأخطر من ذلك بالنسبة لباريس وحلفائها الغربيين، أن الروس وبدرجة أقل الصينيين، هم من سيملأ الفراغ بعدهم. وقد اختار العسكر الانقلابيون في مالي استقدام عناصر من مجموعة «فاغنر» الأمنية الروسية، لأنهم لا يثقون بجيش بلدهم على الأرجح، ويخشون من انقلاب على الانقلاب. وتُقدر المصادر الفرنسية عدد الانقلابات التي نُفذت في القارة الأفريقية، بين 1958 و2018 بقرابة سبعين انقلابا. ولن تكون عملية دخول «فاغنر» إلى مالي صعبة، فعناصرها موجودة منذ 2020 في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يُرجح أنها ارتكبت جرائم حرب، في إطار ما تدعيه من مكافحة للتنظيمات الإرهابية.
ويميل خبراء إلى توقُع أن تشمل عملية «معاودة التموقع» القوات الأوروبية، المشاركة في قوة «تاكوبا» بشكل يحدُ من الحضور العسكري الأوروبي في المنطقة. وتشارك 14 دولة أوروبية في هذه القوة التي قوامها 800 جندي، نصفهم فرنسيون. لكن بعد النكسات التي تعرضت لها القوات الفرنسية والتمدد الروسي في المنطقة، بدأت بعض الدول الأوروبية تخطط لسحب قواتها من المنطقة، وفي مقدمها السويد، التي ستُعيد 150 من القوات الخاصة إلى بلدهم. وكان مقررا أن تتولى القوات الفرنسية حماية القوة الأوروبية المشتركة في إطار عملية «برخان» لكن التوازنات بدأت تتغير سريعا، ودخلت علاقات فرنسا بدول أفريقيا فترة تقلبات لم تعرفها من قبل.
إعادة إعمار ليبيا… ملف حيوي تعطّله عثرات السياسة البعض رهنه بتولي حكومة منتخبة وعودة الأمن إلى البلاد

أمام استمرار التشاور الأممي مع الأطراف السياسية في ليبيا حول تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تضاءلت فرص إمكانية البدء في مناقشة ملف إعادة إعمار البلاد في الوقت الراهن على خلفية الأزمات السياسية. رغم ذلك يرى عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي، أن هذا الطرح قد يتبدل كلية إذا سمح لحكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بمباشرة مهام عملها دون عراقيل حتى إنجاز الانتخابات المنتظرة.
وقال لنقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تفاهمات جارية الآن بين مختلف الأطراف السياسية خصوصاً مجلسي النواب والأعلى للدولة بشأن التوافق حول إيجاد أساس دستوري للانتخابات، وهذا الأمر قد يستغرق قرابة ستة أشهر وربما أكثر».
وتابع: «بطبيعة الحال وفي إطار الاهتمام بالانتخابات قد يتم إغفال بعض القضايا الحيوية كإعادة الإعمار وهو الملف الذي يحتل أولوية خاصة لقطاع واسع لدى الليبيين الذين تقطعت بهم السبل وباتوا نازحين داخل البلاد جراء تهدم منازلهم في سياق ما شهدته ليبيا من نزاعات مسلحة منذ عام 2011».
وأكمل: «إذا استمرت الحكومة في مهامها فقد تباشر بتنفيذ بعض ما تم التوقيع عليه من عقود مشروعات كبرى للإعمار والتنمية مع عدد من دول الجوار كمصر، والتي يتعثر تنفيذها حالياً بفعل التجاذبات السياسية».
وأشار لنقي إلى أن «هناك خططاً وضعت وسيتم تنفيذها قريباً تتنوع ما بين دمج وتفكيك التشكيلات المسلحة في عموم البلاد للقضاء على الفوضى الأمنية الراهنة، نظراً لما تمثله من تحديات لعملية إعادة الأعمار، منوهاً إلى أن هذه الظاهرة «تعد السبب الرئيسي في رفض كثيرين من أصحاب رؤوس الأموال أو العمالة الأجنبية القدوم للبلاد والمساهمة بعملية إعادة الأعمار».
وتكررت خلال الأعوام الأخيرة حوادث خطف العمالة الأجنبية في ليبيا وخصوصاً الوافدة من بعض دول الجوار، من قبل تشكيلات مسلحة تقوم بتسخيرهم، وابتزاز ذويهم طلباً لدفع الفدية.
من جانبه، استبعد عضو مجلس النواب الليبي رئيس تكتل فزان النيابي المهدي الأعور، أن يكون هناك اهتمام بشكل جدي بملف إعادة الإعمار على المدى القريب، متوقعاً أن يقتصر الأمر على ما يمكن وصفه بـ«مشروعات تلبية المتطلبات العاجلة بالقطاعات الحيوية كالكهرباء».
وقال الأعور لـ«الشرق الأوسط» إن ملف إعادة الإعمار يتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً، بالإضافة إلى إعادة النظر في قوانين الاستثمار وتحديثها، وهذا مستبعد حالياً نظراً للتركيز على المسار السياسي حالياً، رافضاً ما تطرحه بعض الأصوات بأن حكومة «الوحدة الوطنية» لم تهتم بهذا الملف.
وأضاف «الحكومة لم يكن مطلوباً منها العمل على إعادة الإعمار لقصر فترة توليها المسؤولية، كحكومة انتقالية، علماً بأن إعادة البناء تتطلب وضع خطط زمنية طويلة ومتوسطة الأمد»، واستطرد: «الملف يحتاج بلا جدال إلى حكومة ذات إرادة قوية تنظر للقضية كأولوية قصوى للبلاد، وليس لحكومة توظف عملية إعادة الإعمار لنيل رضا دول بعينها، أملاً في حصد مكاسب سياسية خاصة بها».
وتخوف رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي الصقر بوجوراي، ككثيرين من أهالي ليبيا من أن ينصب الاهتمام مجدداً بالسياسة، على حساب ملف الإعمار سواء للمناطق القديمة التي دمرت خلال الصراعات المسلحة أو للمناطق الجديدة.
وأعرب عن أمله أن «تشهد الفترة المقبلة حرصاً على التقدم في مسار الإعمار، الذي تجمد طيلة الفترات السابقة، إلى جانب الاهتمام بالوضع السياسي، لافتاً إلى أن الجميع استبشر خيراً بما أعلنته الحكومة الوحدة بشأن «توفير الأموال المطلوبة لاستئناف عمل المشروعات المتوقفة منذ 2011 وعودة الشركات الأجنبية لمباشرة عملها».
أما فيما يتعلق بأوضاع مدينته، فقال بوجوراي بنغازي «لا تزال تعاني تدميراً في حدود 25 في المائة من مساحتها وخصوصاً بأحيائها القديمة ذات التراث والنسق المعماري الإيطالي، فضلاً عما لحق ببنيتها التحتية ومرافقها من محطات مياه وكهرباء وجسور من تدمير ممنهج على يد (التنظيمات الإرهابية) قبل أن يتم تحريرها من قبضتهم منتصف عام 2017، ما يرفع من تكلفة مشاريع إعادة الإعمار والتنمية بها».
وتختلف تقديرات المجموعة الاقتصادية بالحكومة بخصوص تكلفة إعادة الإعمار، ففيما يذهب وزير الدولة للشؤون الاقتصادية سلامة الغويل، إلى أنها تحتاج لقرابة 500 مليار دينار (نحو 110 مليارات دولار)، يرى وزير الاقتصاد محمد الحويج أن التكلفة الإجمالية المتوقعة لإعادة الإعمار 200 مليار دولار.
أما فيما يتعلق بالمدن الأكثر احتياجاً للإعمار، فقد حددها، وزير شؤون المهجرين والنازحين بحكومة «الوفاق» السابقة يوسف جلالة، بـأنها المناطق التي كانت أراضيها مسرحاً مباشر للاشتباكات المسلحة وخصوصاً سرت، وجنوب طرابلس ومناطق مزرق وأوباري وسبها بالجنوب، فضلاً عن تاورغاء والتي لا يزال عدد كبير من سكانها نازحين في مناطق عدة بغرب وشرق وجنوب البلاد. بالإضافة إلى مدينة بنغازي التي شهدت حروباً على الجماعات الإرهابية.
ليبيا: ضغوط روسية على وليامز وتصاعد في انتهاكات حقوق الإنسان
رشيد خشــــانة – هناك عائق كبير يُعطل إجراء الانتخابات ويتمثل بعدم وجود مرجعية دستورية. والنخب السياسية الليبية مختلفة في هذا الشأن منذ فترة غير قصيرة.
الغاية الأولى لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح هي الإطاحة برئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بوصفه أقوى مرشح في مواجهة حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وفي هذا الإطار حض صالح النائب العام صديق الصور، على التحقيق في نفقات الحكومة في الفترة السابقة سعيا لإخراج رئيسها من المنافسة الانتخابية. إلى ذلك طعن صالح، الذي كان هو نفسه مرشحا للرئاسة في الانتخابات المؤجلة، في قانونية التعيينات التي قام بها الدبيبة في مناصب عليا في الدولة، ما اعتُبر مخالفة للقوانين واللوائح. وهذا مؤشر على حجم السجال الذي سيعود بين الفرقاء السياسيين، ربما بنبرة أعلى من ذي قبل، تمهيدا للانتخابات المقبلة.
على الطرف الآخر وجه رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح أصابع الاتهام إلى السياسيين محملا إياهم مسؤولية إفشال الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة ليوم الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي. واقترح السائح في إحاطة لمجلس النواب، إدخال تعديلات فنية على القوانين الانتخابية والعمل بشكل مواز على تحديث سجل الناخبين. وحدد رئيس المفوضية في الوقت نفسه أربعة عوامل أكد على ضرورة توافرها لتتمكن المفوضية من إنجاز العملية الانتخابية، وهي التوافق السياسي والأمن والتمويل والتشريع، بحسب حديثه خلال جلسة مجلس النواب.
غير أن تحقيق التوافق ليس بالأمر اليسير في الوضع الليبي الراهن، بحكم العداوات المستحكمة بين الفرقاء، والتي تنسف فرص التقارب والحوار من أجل وضع أرضية مشتركة للانتخابات. وغير خاف على أحد أن الأطراف الخارجية تصب الزيت على النار بدعمها العسكري والدبلوماسي للقوى المتناحرة. وتفاديا لتكرار السيناريو الذي سبق 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي، طالب السايح بسن قانون خاص ينظم آلية الطعون الانتخابية. وقدر الفترة اللازمة لإعداد انتخابات جديدة بما بين ستة إلى ثمانية أشهر «بعد إزالة القوة القاهرة».
على أن هناك عائقا كبيرا آخر يُعطل إجراء الانتخابات ويتمثل بعدم وجود مرجعية دستورية. والنخب السياسية الليبية مختلفة في هذا الشأن منذ فترة غير قصيرة، ففيما يرى البعض أن المسودة التي أعدتها «لجنة الستين» في العام 2017 لا تصلح أرضية لمناقشة دستور جديد لليبيا، يحض آخرون على إدخال بعض التعديلات عليها، لتصبح مقبولة في المجمل من غالبية الليبيين، عدا ممثلي الأقليات، الذين قاطعوا مراحل صياغتها. وكانت اللجنة مؤلفة من عشرين عضوا عن كل إقليم من الأقاليم الثلاثة الشرق والغرب والجنوب، بالإضافة لستة مقاعد لكل من الأمازيغ والتبو والطوارق، يتقاسمونها بالتساوي.
ولم يُحسم هذا النزاع إلى اليوم، مع أن تداعياته على المسار السياسي بعيدة الأثر، وهو يشكل أحد الكوابح الكبرى للتقدم في طريق الحل السلمي للأزمة. فقد أتاح غياب الدستور وضع قانون للانتخابات الرئاسية على المقاس، وهو الذي شكك كثيرون في مصداقيته، بعدما اتضح أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وضعه بمفرده، من دون استشارة أعضاء المجلس ولا القوى الاعتبارية في المشهد السياسي الليبي. وما من شك في أن سن قانون خاص بالانتخابات البرلمانية، إلى جانب إدخال التعديلات اللازمة على قانون الانتخابات الرئاسية، باتا مقدمة ضرورية لأية عملية انتخابية مقبلة.
الأخطر من هذه المطاعن القانونية هو التحدي الأمني، وخاصة في حال لو أعلنت المفوضية العليا عن القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، إذ كشف السائح أن كثيرا من الأطراف السياسية والتشكيلات المسلحة، التي لم يُسمها، هددت المفوضية، بل «واقتحم بعضها مقر المفوضية محاولا الاعتصام فيه» على ما قال. والغريب أن وزارة الداخلية وجدت نفسها أيضا مُعرضة لنفس الابتزاز والتهديد، ما حال في نهاية المطاف دون نشر القائمة. ولعل هذا ما حمل السائح على التأكيد أن التشكيلات المسلحة التي هددت مفوضية الانتخابات «مسيسة ولا ولاء ثابتا لها» من دون إعطاء تفاصيل عن ولائها السياسي.
من هنا يتضح مجددا أن الماسكين بالسلك الكهربائي ليسوا أعضاء الحكومة ولا أعضاء مجلس النواب، وإنما هم أمراء الميليشيات في الغرب والشرق والجنوب. ولعل هذا الواقع المُعقد هو الذي حمل ستيفاني وليامز على زيارة القاهرة ثم موسكو، لما لهما من نفوذ على القوى المتحكمة في المنطقة الشرقية.
دور المجتمع الدولي
وناقشت وليامز في موسكو مع المسؤولين الروس، وفي مقدمهم نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، أداء البعثة الأممية، الذي عبر الروس عن ملاحظات حوله، وخاصة في شأن اقتراح تمديد التفويض الممنوح للبعثة. وفي إشارة غير مباشرة إلى التداخلات الأمريكية والأوروبية في الملف الليبي، ومنها خريطة برلين، أكدت وليامز أن مُحاوريها في موسكو شددوا على «الدور المهم للمجتمع الدولي» بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما شددوا على ضرورة أن تكون العملية السياسية «شاملة وبقيادة ليبية». وفي هذا الإطار تطرق فيرشينين إلى مسألة تمديد التفويض الممنوح للأمم المتحدة، ولم يُعرف ما إذا كان الروس موافقين على التمديد للأمريكية وليامز، بعدما سبق أن اعترضت أمريكا على تسمية وزير الخارجية الجزائري الحالي رمطان العمامرة رئيسا لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للموفد الخاص السابق غسان سلامة. أما أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش فكان يأمل في حلول وليامز محل سلامة على رأس البعثة الأممية إلى ليبيا. ويمكن تلخيص الموقف الروسي في جملة رددها الروس على مسامع وليامز في موسكو، مفادها رفض روسيا «فرض حلول خارجية جاهزة على الليبيين» مع التأكيد على «الحاجة إلى الاحترام الصارم للعملية السياسية الشاملة التي يقودها ويمتلكها الليبيون، والتي تُسهلها الأمم المتحدة، وفقًا لتفويض مجلس الأمن التابع لها. فهل بات مسار برلين، بهذا المعنى، ضربا من فرض حلول خارجية على الليبيين، في عيون الروس؟
الثابت أن نفوذ روسيا في ليبيا سنة 2011 ليس كنفوذها في 2021 و2022 بعدما وضعت قدما راسخة في المعادلات الجيوستراتيجية في المنطقة، ليس فقط من خلال عناصر الشركة الأمنية الروسية الخاصة «فاغنر» الداعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر، وإنما أيضا في منطقة الساحل. وأظهرت تقارير فرنسية أن مئات من تلك العناصر انتشرت في كل من النيجر ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، دعما للقوات المحلية ضعيفة التجهيز والتدريب. ومع أن حكومة مالي أصدرت تكذيبا رسميا لوجود قوات أجنبية على أراضيها، اعترفت في البيان نفسه بوجود مدربين أجانب من الروس، مؤكدة أنها لا تتعاطى سوى مع مؤسسات الدولة في الاتحاد الروسي.
وأتت الانتقادات للتوغل الروسي في الساحل والصحراء، من عدة بلدان أبرزها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا، مركزة على رفض الدعم المادي الذي قالت إن الحكومة الروسية تقدمه لمجموعة «فاغنر». وتشارك قوات من البلدان الخمسة عشر المُوقعة على البيان، في القوة العسكرية «تاكوبا» التي ترافق القوات المالية في حربها على الجماعات المسلحة المحلية. واستندت مخاوف الغربيين على حجم المنشآت العسكرية التي أقامها الروس أخيرا في مطار بامكو، والتي تدل على قرب استقبال مزيد من عناصر «فاغنر». كما لوحظت رحلات متكررة لطائرات النقل الروسية إلى المطار نفسه، من دون أن تعطي البلدان المنتقدة تفاصيل عن حجم تلك الامدادات ونوعيتها.
800 ألف مشروع مهاجر
وساهمت المناكفات والتجاذبات بين الأطراف السياسية في إبعاد الأنظار عن المآسي اللاإنسانية التي يتعرض لها يوميا مئات الآلاف من البشر، الآتون من أفريقيا وآسيا. فقد تكاثفت في الآونة الأخيرة، تدفقات المهاجرين غير النظاميين من البلدان المُتاخمة لجنوب ليبيا مُتجهين صوب الساحل المتوسطي، الذي غدا معبرا رئيسيا نحو جنوب أوروبا.
ويُقدر عدد المهاجرين في المدن الساحلية الليبية، الذين يتحينون الفرص للهجرة، بقرابة 800 ألف مشروع مهاجر حاليا. وتؤكد تقارير متواترة تدهور أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في ليبيا يوما بعد يوم، وبخاصة أوضاع هؤلاء المهاجرين. وأفاد آخر تقرير أن السلطات الليبية نفذت «مداهمات واعتقالات تعسفية أسفرت عن عدة وفيات، واعتقال الآلاف والعديد من المشردين» في حوادث استهدفت مهاجرين وطالبي لجوء.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش بالتحقيق في آخر اعتداء استهدف مئات الأشخاص الاثنين الماضي، بينما كانوا يُخيمون خارج مركز للايواء في ضاحية قرقارش بالعاصمة طرابلس. وكانت الأمم المتحدة تستخدم المركز لتقديم المساعدة الإنسانية، للاجئين وطالبي اللجوء، قبل إغلاقه بشكل دائم «لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة» وفقا لما ذكرته شبكة «سي أن أن» الأمريكية.
وكان المهاجرون يخيمون خارج المركز، احتجاجًا على وضعهم، ويطلبون المساعدة بعد مداهمة السلطات الليبية لمنازلهم. وقالت الأمم المتحدة في تشرين الأول/اكتوبر الماضي إن 3 آلاف شخص كانوا يحتمون خارج هذا المركز.
أما المواطنون الليبيون فيُعانون من الانتهاكات والملاحقات بشكل آخر، إذ أنها تنبني في الغالب على شبهات، وترمي إلى إسكات الأصوات المعارضة والمنتقدة. وتُظهر تقارير عدة، أن قانون مكافحة الإرهاب شكل غطاء لانتهاكات كثيرة.
ويحتوي القانون الحالي لمكافحة الإرهاب الصادر في آذار/مارس 2014 على أحكام غامضة تُستخدم لاعتقال أي فرد بسبب ممارسته حقوقه في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، أو لقيامه بأية جناية عادية أو حتى جنحة. ويُعزى ذلك إلى التأويل الواسع لمفهوم الإرهاب، إذ أن هذا المفهوم يسمحُ باتهام الأشخاص الذين يتظاهرون أمام المرافق الحكومية أو يقومون بإضراب، بالإرهاب. واستمرت السلطات في العمل بالتشريعات القديمة، التي تتسم في غالبيتها بالتضييق على حرية التعبير، أسوة بقانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 الذي وضع عراقيل أمام ممارسة حرية الصحافة والنشر. وبصورة عامة يسمح الإطار التشريعي في ليبيا بعقوبات سالبة للحرية في قضايا حرية التعبير، فهو يتضمن عقابا قاسيا يصل إلى الإعدام. كما تمنح القوانين للسلطة التنفيذية وأذرعها الأمنية سلطة واسعة للتنكيل بالأشخاص وإقصائهم، إذا ما تبنوا أفكارا تخالف السائد أو تتعارض مع مرجعية دينية معينة. من هنا تبدو أهمية إجراء انتخابات حرة وشفافة لاختيار قادة جدد، مؤمنين بضرورة إرساء قوانين جديدة تحمي المواطن من استبداد المستبدي.
ليبيا: دعوات لتشكيل حكومة جديدة
رشيد خشــانة – الخطر الذي يتهدد حكومة الدبيبة لا يأتي من مجلس النواب فحسب، وإنما من المحور الذي تشكل بين وزير الداخلية السابق المرشح الرئاسي باشاغا والقائد العسكري للمنطقة الشرقية والمرشح الرئاسي حفتر.
ينتهي السقف الزمني، المُحدد في خريطة الطريق لأواخر حزيران/يونيو المقبل، مع نهاية مهمة حكومة عبد الحميد الدبيبة، وهي نهاية تُهدد بدخول البلد في مرحلة فراغ سياسي، يسعى كل من مجلس النواب والبعثة الأممية لتفاديه بإجراء الانتخابات العامة مع حلول حزيران/يونيو. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن هناك «عناصر إيجابية تتحقق لأول مرة منذ عدة سنوات في ليبيا» مشيرا إلى أن أعضاء مجلس النواب، 127 عضوا، وهم يمثلون كافة أنحاء ليبيا تقريبا، اجتمعوا وأسسوا لجنة لوضع خريطة طريق.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة جلسة في طبرق (شرق) يومي 24 و25 كانون الثاني/يناير الجاري، بغية تحديد طريقة المضي قدمًا في ملف الانتخابات، مع العلم أن خريطة الطريق، المعتمدة من مجلس الأمن الدولي، ما زالت سارية حتى حزيران/يونيو المقبل، لذا يُعلن الجميع تقريبا أن الانتخابات يجب أن تجري بحلول هذا التاريخ، تفاديا للفراغ.
ويأتي هذا المسار قبل أيام من اجتماعات سيعقدها مجلس الأمن للبحث مجددا في الملف الليبي، وستجري خلالها مناقشة تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والنظر في تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس للبعثة، التي اعتمد مجلس الأمن هيكلتها الجديدة منذ أيلول/سبتمبر الماضي. ومن المقرر أن تقدم المستشارة ستيفاني وليامز، إحاطة إلى مجلس الأمن، حول تطورات الأوضاع في ليبيا، يوم 24 كانون الثاني/يناير المقبل. ومن المتوقع أن تعلن خلال الجلسة عن خطة عملها بشأن الوساطة بين الأطراف الليبية، ومحاولة التقريب بين وجهات نظرها حول سُبُل الخروج من الأزمة.
وطالب 44 ناشطًا ومرشحًا للاقتراع البرلماني المفوضية العليا للانتخابات بتحديد موعد نهائي للانتخابات الرئاسية ليقره مجلس النواب في جلسة الأسبوع المقبل. واقترحوا العاشر من الشهر المقبل، موعدًا للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والثالث من نيسان/أبريل موعدًا للتصويت المتزامن للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. لكن هذا السيناريو غير واقعي.
لا بل إن الأمور تسير نحو الأسوأ على ما يبدو، بين مجلس النواب ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، فقد دعا رئيس المجلس عقيلة صالح النواب إلى جلسة رسمية غدا الإثنين في طبرق، بعدما عاد من إجازة استمرت حوالي ثلاثة أشهر، للتفرغ للانتخابات. والأرجح أن المجلس سيناقش موضوع سحب الثقة من الحكومة في ضوء بيان أصدره 15 عضوا من مجلس النواب، وطلبوا فيه من رئاسة المجلس تضمين جدول أعمال الجلسات المقبلة بندا يخص اختيار رئيس حكومة جديد. وأوضحوا أنهم يُفضلون حكومة تكنوقراط مصغرة ذات مهام محددة، «لتحل محل حكومة الفساد برئاسة عبد الحميد الدبيبة» على ما جاء في البيان الذي نشره مجلس النواب على موقعه.
إلا أن الأمم المتحدة لا تؤيد هذا الحل، وتؤكد أن المؤسسات الوطنية الليبية تُواجه أزمة في شرعيتها، «لا يمكن حلها إلا من خلال انتخابات تُفضي لانتخاب رئيس وحكومة بشكل ديمقراطي».
على أن الخطر الذي يتهدد حكومة الدبيبة لا يأتي من مجلس النواب فحسب، وإنما أيضا من المحور الجديد، الذي تشكل بين وزير الداخلية السابق المرشح الرئاسي فتحي باشاغا والقائد العسكري للمنطقة الشرقية والمرشح الرئاسي أيضا خليفة حفتر. ويتفق الحليفان على ضرورة إبعاد سيف الاسلام القذافي من السباق الرئاسي، عندما يحين وقته، انطلاقا من قناعتهما بأن الشعور العام بالإحباط، الناتج عن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، في السنوات الأخيرة، جعل السواد الأعظم من الليبيين أميل للعودة إلى المنظومة القديمة. ولعل هذا ما أقنع اللواء المتقاعد حفتر بخوض غمار المعركة الانتخابية، بعدما فشل في تحقيق هدفه بالوسائل العسكرية.
من هنا انبنى التحالف بين رجل مصراتة القوي باشاغا ورجل الشرق القوي حفتر على مواجهة خصم مشترك في الانتخابات هو الدبيبة. وهذا ما يُفسر إقدام 89 نائبا من أصل 113 عضوا في مجلس النواب، على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في جلسة 21 ايلول/سبتمبر الماضي، مع استمرارها في تصريف الأعمال. وكان الجدل الواسع الذي أثارته بين مؤيدين ورافضين، أمرا متوقعا ردا على تلك الخطوة التصعيدية. وأسفرت الجلسة عن تشكيل لجنة للتحقيق في الاتفاقات والتكليفات والقرارات التي اتخذتها الحكومة في عدد من الملفات. إلا أن نتائج التحقيق لم تعلن حتى الآن، بالرغم من أن اللجنة أعطيت مهلة أسبوعين لإعداد تقريرها. وفي أثناء ذلك اتهم نوابٌ رئيس المجلس عقيلة صالح بالتزوير في احتساب عدد أصوات النواب الموافقين على سحب الثقة من الحكومة، والذي لم يتجاوز 73 نائبا بحسب قولهم.
واللافت أن موضوع سحب الثقة من الحكومة اتخذ أبعادا جديدة مع توصُل الغريمين اللدودين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى اتفاق على تغيير الحكومة. ونقلت صحيفة «الساعة 24» الثلاثاء الماضي عن مصدر بمكتب رئاسة النواب، أن اتفاقاً جرى التوصل إليه بين المجلسين على تغيير الحكومة والمناصب السيادية. وبدا السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند غير مكترث للتداعيات المترتبة على تلك الخطوة إذا ما صحت، إذ عبر عن دعم بلاده لأية عملية من شأنها أن تمنح الليبيين «الحكومة القوية والموحدة وذات السيادة والمنتخبة» التي يستحقونها.
أسبقية التعديل الدستوري
غير أن مجلسي النواب والدولة غيرا المسار نحو إقرار أسبقية التعديل الدستوري على إجراء الانتخابات. وأدى ذلك إلى معاودة طرح موضوع المناصب السيادية، بعدما جرى الإعلان عن تشكيل ست لجان، هدفها متابعة مدى إمكان التكليف في المناصب السيادية. وهي خطوة اعتُبرت إحياء للخلافات القديمة في شأن تقاسم السلطة، بدلًا من توحيد المؤسسات الحكومية. ويتعلق الأمر بمناصب المفوضية العليا للانتخابات والمصرف المركزي وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. ويعتبر ملف المناصب هذا أبرز تحدٍ في طريق التسوية الشاملة في ليبيا، إذ سيحاول مجلس النواب تضمينها في إطار محاور خريطة الطريق الجديدة.
ومن شأن هذا التوجُه أن يُعسر مهمة وليامز، التي تسعى لتأطير خطة جديدة للحل السياسي في ليبيا، تضع الانتخابات على رأس الأولويات. كما أن عودة صالح إلى ترؤس مجلس النواب، بعد انتهاء «إجازته» الانتخابية، تشكل أمارة على وجود خطة لترحيل الانتخابات إلى فترة أبعد من حزيران/يونيو المقبل. وبالمقابل يُرجح متخصصون في الشأن الليبي، ومن بينهم المحلل الايطالي دانييلي روفينيتي، أن يصوت مجلس النواب الليبي على تشكيل حكومة جديدة، يمكن أن تولد في نهاية يناير الجاري، أو بداية فبراير المقبل، «بالاتفاق بين الشرق وجزء من الغرب». وأتى هذا التطور في أعقاب اللقاء الذي جمع في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عددا من المرشحين البارزين للرئاسة، في بنغازي، من بينهم اللواء خليفة حفتر وفتحي باشاغا ومحمد المنتصر وأحمد معيتيق وعارف النايض والشريف الوافي وعبد المجيد سيف النصر.
ويمكن القول إن الخصمين المشتركين لهؤلاء هما سيف القذافي وعبد الحميد الدبيبة. وهناك مشكلة قانونية وأخلاقية هنا تتعلق بترشح رئيس الحكومة الدبيبة الأخير للانتخابات الرئاسية، الذي تعهد للأمم المتحدة بعدم الترشح للانتخابات. كما يوجد مانع قانوني يحول دون ترشُح سيف الإسلام القذافي، بسبب وجود مذكرة توقيف دولية بحقه، صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لكن تأكد وجود فريق يضم مستشارين وخبراء قانونيين ورجال أعمال في خارج ليبيا، مهمته التعاطي مع المانع القانوني المتعلق بالملاحقات الدولية لسيف القذافي، ومن ثم وضع رؤية له تخص إخراج ليبيا من وضعها الراهن. والظاهر أن ترشُح سيف الاسلام ليس قرارا فرديا ولا هو مُعبر عن شريحة من المجتمع الليبي وحسب، وإنما يحظى بدعم روسي غير خفي. وأفادت مصادر مطلعة أن الأمريكيين استاءوا من تولي قوات «فاغنر الروسية تأمين انتقال موكب سيف الاسلام من الزنتان (شمال غرب)، حيث كان مُحتجزا منذ 2011، إلى سبها (جنوب) حيث قدم ترشُحه إلى مفوضية الانتخابات وغادر سريعا.
ولعل هذا الدعم الروسي الواضح كان محور اللقاء، الذي جمع للمرة الأولى السفير الأمريكي نورلاند بالقائم بالأعمال الروسي الجديد جمشيد بولتايف، وقد تكون ستيفاني وليامز أثارته أيضا مع بولتايف لدى اجتماعها به بشكل منفصل. وأتى اللقاءان قبل أيام من اجتماعات مجلس الأمن المرتقبة حول ليبيا، التي ستجري خلالها مناقشة تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم، والنظر في تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس للبعثة، التي اعتمد مجلس الأمن هيكلتها الجديدة في ايلول/سبتمبر الماضي.
حكومة جديدة؟
من المهم في هذا الصدد متابعة نتائج اللقاءات السرية التي جرت في المغرب، في اليوم الثاني من الشهر الجاري، بين كل من بلقاسم نجل خليفة حفتر وعقيلة صالح وخالد المشري، بالاضافة إلى أمير كتيبة «النواصي» في طرابلس مصطفى قدور. وكان محور اللقاء تشكيل حكومة جديدة، تحل محل حكومة الدبيبة، الذي يعتبره المجتمعون خصمهم الأول. لكن لم يرشح شيء عن مضمون الاجتماع ولا عن الخيارات التي نوقشت في إطاره. وحذر مطلعون على الملف الليبي، أسوة بوزير الداخلية الايطالي السابق ماركو مينيتي، من أن تلك التكتلات، معطوفة على تأجيل الانتخابات، ستؤدي إلى تقسيم البلد. وتوقع مينيتي في مقال نشره في صحيفة «لا ريبوبليكا» الايطالية، حصول تصدعات جديدة، مشيرا إلى أن عبد الحميد الدبيبة لا ينوي مغادرة رئاسة الحكومة، فيما يعتقد منافسوه السياسيون أن التفويض الممنوح لحكومته انتهى.
ونبه مينيتي إلى أن أية حكومة جديدة لا تحظى بتفويض شعبي «ستكون ضعيفة وعرضة للتأثيرات الداخلية والخارجية». وأبدى شكه بـ«الاستقرار القسري المضمون من الخارج» مُعتبرا أن شبح التقسيم يخيم على الأوضاع في ليبيا، لكن «لم تجر الإشارة إليه صراحة، ولم يجرِ استبعاده أبدا». ومن الواضح أن الوزير الايطالي السابق يتحدث هنا من موقع الهوس الأوروبي بموضوع الهجرة غير النظامية، فهو يرى في فشل المبادرات السلمية في ليبيا «تغييرا مهما في ميزان القوى في منطقة وسط المتوسط، الحاسمة لإدارة تدفقات الهجرة وإمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب».
وفي السياق كشفت إحصاءات جديدة أعدتها المنظمة الدولية للهجرة عن زيادة كبيرة في عمليات اعتراض المهاجرين وسط البحر المتوسط، إذ تم اعتراض أكثر من 32 ألف مهاجر وإعادتهم إلى ليبيا خلال العام 2021، في مقابل 11 ألف مهاجر فقط في العام السابق. أما المهاجرون المُحتجزون في مراكز خاصة في ليبيا فوصل عددهم إلى أكثر من 10 آلاف، كما توفي منهم 655 مهاجرا، فيما ارتفع عدد المفقودين إلى 897 مفقودا. ومن هنا فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على المساهمة في حلحلة الأزمة الليبية تظل محدودة، أولا بسبب الخلافات التي تنخره وتُعطل مبادراته، وثانيا بسبب نظرته المحدودة، التي تُركز بالأساس على تتبع مضاعفات ملف الهجرة بمختلف أصنافها.
ميدل إيست آي: عقيد أمن مصري ينسق لتكرار تجربة نظامه مع النهضة في تونس
نشر موقع “ميدل إيست آي”تقريرا أعده محرره ديفيد هيرست كشف فيه عن ضابط أمن مصري بارز ينسق مع أمن الرئاسة التونسية لتكرار التجربة المصرية في تعاملها مع حركة الإخوان المسلمين، وهذه المرة مع حركة النهضة وقمعها.
وقال هيرست إن العقيد علي محمد الفران، المسؤول في المخابرات المصرية سيقوم “بتكرار التجربة المصرية” في تونس، في إشارة لحملة القمع التي تبعت انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013. وبحسب “ميدل إيست آي” فإن الفران المكلف بـ “ملف تونس” يعمل بشكل قريب مع خالد اليحياوي، المدير العام للأمن الرئاسي والمستشار للرئيس قيس سعيد. ويضيف الموقع أن الفران لعب دورا مهما في العمليات العسكرية في منطقة العريش، شمال سيناء ومنح تسهيلات غير محدودة لتونس، حسبما قال المصدر. وحصلت حركة النهضة التي تصف أعضاءها بالديمقراطيين الإسلاميين على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، قبل أن يقوم سعيد بحله فعليا بعد استيلائه على السلطة والتي وصفها نقاده بأنها انقلاب. وكان سعيد قد استولى على السلطة في خطة كشفها أولا الموقع، وعزل رئيس الوزراء هشام المشيشي وعطل البرلمان بذريعة زيادة معدلات البطالة والفساد المستشري والعجز في مواجهة فيروس كورونا.
قال مصدر ثان: تم إرسال المسؤولين الأمنين والعسكريين المصريين إلى تونس بدعم كامل من محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي
وأكدت مصادر متعددة لموقع “ميدل إيست آي” أن المسؤولين الأمنيين المصريين الذين قدموا النصح لسعيد قبل الانقلاب وإدارة العمليات أثناء حدوثها، كانوا في القصر الرئاسي في ذلك الوقت. وقال مصدر للموقع في تموز/يوليو “عرض (عبد الفتاح) السيسي تقديم كل الدعم للانقلاب الذي نفذه سعيد”. وقال مصدر ثان “تم إرسال المسؤولين الأمنين والعسكريين المصريين إلى تونس بدعم كامل من محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي”. وحاول الموقع الاتصال بالسفارة المصرية في لندن للحصول على تعليق ولكنه لم يتلق ردا حين نشر الخبر.
ويضيف الموقع أن سعيد ومنذ استيلائه على السلطة اتبع خطة صاغها له المستشارون في أيار/مايو وكشف عنها الموقع في حينه. وبناء على الخطة سيعلن سعيد عن “ديكتاتورية دستورية” والتي يقول معدوها إنها وسيلة “لتركيز كل السلطات في البلد برئيس الجمهورية”. وبعد ذلك سيتم وضع المعارضين السياسيين تحت الإقامة الجبرية بمن فيهم النهضة “نور الدين البحيري ورفيق عبد السلام وكريم هاروني وسيد الفرجاني” من بين أسماء أخرى. وتم اعتقال البحيري، نائب النهضة في 31 كانون الأول/ديسمبر على يد شرطة بزي مدني خارج بيته في تونس ووجهت له اتهامات بـ “الإرهاب”. وأدخل وزير العدل السابق الذي يعاني من مشاكل صحية إلى المستشفى. وشجبت منظمة “هيومان رايتس ووتش” النظام باعتقاله وبانتهاكات حقوق الإنسان في تونس منذ استيلاء سعيد على السلطة.
مظاهرات الجمعة في تونس
14 يناير/كانون الثاني هذا العام ليس يوما عاديا في تونس فلأول مرة لم يعد تاريخ مغادرة الرئيس الراحل بن علي البلاد قبل 11 عاما، هو عيد الثورة بعد أن عنّ للرئيس قيس سعيّد، منفردا، تغييره إلى 17 ديسمبر /كانون الأول اليوم الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي نفسه. هو ليس عاديا كذلك، لأنه يوم دعت فيه قوى سياسية مختلفة إلى التظاهر احتجاجا على انقلاب قيس سعيّد على الدستور واحتكاره السلطتين التنفيذية والتشريعية ومتحرشا بالقضائية.
تونس الجمعة أمام موعد هام للغاية، أكبر بكثير من مجرد النزول إلى الشارع والتعبير عن موقف سياسي معين، إنها في الحقيقة أمام احتمالين أو اختيارين اثنين:
الأول أن تكون هذه المظاهرات محدودة، سواء بالمعنى العددي أو بمعنى اقتصارها على حركة «مواطنون ضد الانقلاب» وأنصار الأحزاب السياسية التي دعت إليها فتبدو المعارضة لقيس سعيّد محصورة في هؤلاء، وربما في حركة «النهضة» بشكل خاص فيتم وقتها تصويرها، بسهولة واستسهال، بأنها مظاهرات ليست نصرة الدستور وضد الاستبداد، وإنما لأن سعيّد قلب الطاولة على من يقف وراءها فأخرجهم من الحكم بل ويعتزم إخراجهم من الحلبة السياسية ومن الحلبة الوطنية أصلا عبر تكرار الاتهامات لهم بالخيانة والعمالة.
الثاني: أن تشارك إلى جانب من سبق، القوى النقابية والمهنية والمدنية حتى تكون الرسالة واضحة وتتعلق بمستقبل الوطن كله: هل يريد الاقلاع النهائي نحو الديمقراطية ودولة القانون، أم إنه راض بالهبوط الاضطراري على مدرج الاستبداد والحكم الفردي الذي أجبرهم عليه سعيّد.
لو مضى الأمر كذلك، فيفترض أن يشارك في مظاهرات الجمعة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وقد استهزأ به سعيّد أكثر من مرة دون أن يحرّك ساكنا، في حين أن نفس الاتحاد لم يترك في السنوات الماضية قطاعا إلا وشنّ فيه الإضراب تلو الإضراب لكنه الآن يبدو مستسلما مع أن الحكومة منعت الاتصال بأي من هياكله دون إذن منها في سابقة لم تعرفها تونس من قبل أبدا.
معركة الديمقراطية كل لا يتجزأ وهي لا تعني السياسيين دون غيرهم، ناهيك عن لون سياسي دون آخر
يفترض كذلك، أن تشارك «رابطة حقوق الإنسان» هذه المنظمة العريقة التي تأسست زمن حكم الحبيب بورقيبة ولم تهادنه، ولا هي هادنت خلفه زين العابدين بن علي، لكن الإيديولوجية أقعدتها اليوم عن جوهر مهمتها رغم اتساع رقعة الانتهاكات الجسيمة.
يفترض كذلك، أن يشارك القضاة بزيهم الرسمي دفاعا عن استقلالية هذه السلطة الثالثة التي يريد سعيّد أن يقزّمها بتصويرها مجرد وظيفة ليس إلا. صحيح أن هؤلاء القضاة مدعوون للنظر في قطاعهم وتخليصه من كل فساد أو انحراف لكنهم في ذلك ليسوا الوحيدين فكل قطاع في تونس يحتاج إلى مراجعة شاملة بعدما نخرته العلل طوال عقود. شيطنة القضاة وتشويههم هو بعض الحق الذي يراد به كل الباطل.
يفترض كذلك، أن يشارك المحامون بزيّهم الأسود أيضا وقد حدث لزميلهم نورالدين البحيري ما ينذر بكل الشرور، وعلى يد مسؤول وزارة الداخلية وهو زميل لهم اختار الضفة الأخرى. وإن لم يتحرك هؤلاء لاعتبار سياسي غلب المهني فسيأتي اليوم الذي يتعرض فيه محام يساري أو قومي أو مهما كان لونه السياسي فلن يجد من يقف معه لأنه هو نفسه سبق أن تخاذل عن دعم زميل له من قبل لا لشيء سوى لأنه إسلامي.
يفترض كذلك، أن يشارك أيضا الصحافيون ونقابتهم، بعد أن ازدادت مضايقتهم، ومعهم أيضا مختلف منظمات المجتمع المدني المعنية بالحكم الرشيد والشفافية ومحاربة الفساد فكل هذه المنظمات لن تجد هواء نقيا تتنفسه إذا ساد الاستبداد وخنق الجميع في مناخ لا صوت يعلو فيه سوى صوت الزعيم الملهم وحوارييه مهما انكشف تهافت ما يقولونه وضحالته.
الاحتمال الأول سيجعل سعيّد يمضي في خططه لا يعبأ بأحد فقد استخف بقومه فأطاعوه، أما الاحتمال الثاني فسيوجه رسالة قوية له مفادها أن عليه أن يتوقف ويراجع حساباته، وفي نفس الوقت رسالة قوية للعالم كذلك مفادها أن إصرار التونسيين على الديمقراطية ليس أقل من إصرار السودانيين دون الحاجة إلى إسالة الدماء في الشوارع.
معركة الديمقراطية كل لا يتجزأ وهي لا تعني السياسيين دون غيرهم، ناهيك عن لون سياسي دون آخر. نسائم دولة القانون يستفيد منها الجميع وينتعش أما أجواء الاختناق فلن ينجو منها أحد. واهم من يظن أنه ليس معنيا بما يجري الآن في تونس فقد يكون الأمر كذلك اليوم لكن الدور آتيه لا محالة ولا فائدة في استعراض الأمثلة في تونس وغيرها.
هزيمة الانقلاب في تونس لا تعني العودة الحرفية إلى المشهد الذي كان سائدا قبله بل تعني العودة إلى سكة الشرعية عبر حوار بين الجميع للبحث عما يمكن إصلاحه في النظام السياسي والقانون الانتخابي بما يجنب البلاد أي انحراف في المستقبل. لا مخرج إلا هذا فهو الكفيل بتجنيب البلاد ويلات الصدام والفوضى خاصة عندما تشتد أكثر الضائقة الاقتصادية.. فهل يفهم قيس سعيّد ذلك..وهل يفهمه التونسيون قبل أن يغرق المركب بالجميع؟.
كاتب وإعلامي تونسي
ليبيا بحاجة إلى حلول توافقية للمسائل الخلافية المتعلقة بالدستور
رشيد خشانة -من المهم اليوم تنفيذ أحد بنود خريطة الطريق، المتعلق بحل الميليشيات ونزع أسلحتها، غير أن ما تحقق من ذلك الهدف ضئيلٌ جدا.
من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وضع على رأس أولوياته، استعادة مجد الاتحاد السوفييتي السابق، لن يقبل بأن يخرج من ليبيا خالي الوفاض، فيما لو وضعت الجهود الأمريكية الأوروبية البلد على سكة حل سياسي توافقي، مُلتحف بغطاء أممي. وطالما أن احتمال السلام هذا واردٌ في ظل موازين القوى الراهنة، فإن إقصاء مرشح روسيا سيف الإسلام القذافي بات ضروريا لقطع الطريق أمام عودة النظام السابق. بهذا المعنى كان تأجيل العملية الانتخابية الخيار الوحيد للحؤول دون اندلاع الحرب من جديد بين السبتمبريين والفبرايريين. والظاهر أن موسكو، ما زالت تراهن على الشعبية التي تعتقد أن الإبن الثاني للزعيم الراحل معمر القذافي، ما زال يحظى بها في المنطقتين الشرقية والجنوبية. والثابت أن الروس متشبثون بالمواقع التي حصلوا عليها في بلد كان في مقدم زبناء السلاح الروسي. ومن هذا المنطلق فإن بوتين مُصمم، منذ وصوله إلى قصر الكرملين، العام 2000 على استعادة المجد الضائع ليس فقط في أوكرانيا، بل أيضا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولذلك ستكون روسيا غير بعيدة عن الحلول التي يُرجح أن تضعها لجنة خريطة الطريق، التي شكلها مجلس النواب، تمهيدا لتحديد الميقات الجديد للانتخابات.
ويجوز القول إن اللجنة بدأت أعمالها من أول الطريق وليس من منتصفه، إذ أعادت الحصان إلى موقعه الطبيعي أمام العربة وليس خلفها، مُعتبرة أن وضع الدستور هو المقدمة اللازمة لإطلاق المسار الانتخابي. وفي هذا الإطار اجتمع أعضاء اللجنة بمقرر الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وبرئيس لجنة العمل في الهيأة. ولم يُعرف فحوى الاجتماع، إلا أن بيان مجلس النواب أفاد أن الاجتماع تطرق لمراحل صياغة الدستور والتحديات التي يُواجهها هذا المسار. وفي السياق ينبغي الربط مع مخرجات جلسات الحوار، التي انطلقت منذ التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في تونس، في إطار عملية متعددة المسارات، شملت الحوار العسكري والاقتصادي، بالإضافة إلى مسار المرأة والشباب والبلديات.
وتم هذا التقدم برعاية بعثة الأمم المتحدة، بُغية التوصل إلى إنهاء الأزمة وتوحيد السلطة في البلد. ولوحظ أن أعضاء اللجنة اجتمعوا مع وفد من مجلس النواب، وأيضا مع وفد من المجلس الرئاسي ورؤساء اللجان في مجلس الدولة، فضلا عن ممثلي بعض الأحزاب السياسية، على نحو وضع لجنة خريطة الطريق مُجددا في قلب العملية السياسية. ومن هنا يتأكد أن الحوار مُمكن، بالرغم من جميع المصاعب والمثبطات، لإيجاد حلول توافقية لمعظم المسائل الخلافية المتعلقة بمسودة الدستور، وتعديل القانون الانتخابي، الذي صاغه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بمفرده، ويكاد الجميع يتفقون على رفضه. وقد تعرض مشروع القانون إلى تسعة تعديلات في عشرة أيام، من دون أن يعرف جل النواب بفحوى تلك التعديلات، التي اعتُمدت من دون التصويت عليها.
وتشكلت لجنة خريطة الطريق في 22 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بقرار من رئاسة مجلس النواب، وهي تتألف من عشرة أعضاء، وتتولى العمل على إعداد مقترح لخريطة طريق لما بعد 24 كانون الأول/ديسمبر، في أعقاب إرجاء الانتخابات الرئاسية. وبنت المفوضة قرار تأجيل الانتخابات على المعلومات الواردة عليها من خلال التقارير الأمنية الصادرة عن وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة. وحسب النائبة سارة السويح اتسعت الخروق الأمنية وتأكد وجود خطط إرهابية تستهدف مقار انتخابية بتفجيرات، وأيضا وجود شبهات تزوير في منظومة الرقم الوطني، وانتحال الجنسية الليبية من قبل أصحاب جنسيات أخرى، وعمليات شراء أصوات، بالإضافة إلى خلل في حوالي 750000 بطاقة اقتراع. إلا أن هذه الأرقام تبدو غير دقيقة، بل ومبالغا فيها، بحسب العارفين بخفايا المسار الانتخابي. لكن مع ذلك أدت تلك الأجواء إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، بل ورفضها.
أما رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السائح، فعزا في إفادته أمام الجلسة البرلمانية الخاصة، إرجاء الانتخابات إلى ثلاثة أسباب أولها الأحكام القضائية المتضاربة في شأن بعض المرشحين، إذ كانت محاكم الاستئناف تخضع للضغوط وتلغي قرارات محاكم الدرجة الأولى، التي أبطلت ترشح بعض الشخصيات البارزة، مثل سيف الإسلام وخليفة حفتر والدبيبة، زيادة على كثرة عدد المرشحين إذ لم تكن الفترة الممنوحة للمفوضية تكفي للتأكُد من سلامة سجلاتهم من التزوير. والسبب الثاني تمثل بالتهديدات التي تلقتها المفوضية من الميليشيات في غرب ليبيا، ومنها التهديد باقتحام مقر المفوضية إن تمت الانتخابات بقائمة مرشحين لا تقبلها تلك الميليشيات، والتشكيك في نزاهة المفوضية، مع التزام مؤسسات الدولة الصمت أمام تلك التهديدات، بما فيها المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان. والسبب الثالث، المترتب على ما سبق، هو تشكيك المفوضية في قدرة وزارة الداخلية على تأمين العملية الانتخابية في تلك الظروف.
لذا فالأرجح أن اهتمام النخب الليبية سيتركز في الفترة المقبلة على تعديل بعض القوانين، وخاصة قانوني الانتخابات الرئاسية والتشريعية، زيادة على معالجة المسار الدستوري، تمهيدا لتحديد ميقات جديد للاقتراع، مع أخذ المعطى الدولي في الحسبان. وفي هذا الصدد عقدت اللجنة البرلمانية المعنية بمتابعة العملية الانتخابية أخيرا اجتماعا في طبرق، عرضت فيه على 115 نائبا نتائج أعمالها. واللافت أنها أوصت بمعاودة تشكيل الحكومة ووضع خريطة طريق جديدة، إضافة لتعديل الدستور. وأثارت تلك التوصيات أسئلة عدة حول مصير حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة الدبيبة، فهناك من يتساءل هل ستغادر الحكومة مع رئيسها، أم سيبقى عناصر منها في التشكيل الحكومي، وبخاصة من يُديرون وزارات فنية؟ وهل سيرضى الدبيبة بتقديم الاستقالة؟ كما يتردد السؤال أيضا عن مصير المجلس الرئاسي، الذي تم اختيار أعضائه بطريقة معقدة، من الصعب معاودة تركيبها من جديد.
ويُعزى طرح هذه الأسئلة اليوم إلى أن خريطة الطريق التي وُضعت في حوارات تونس/جنيف لم تتوقع السيناريو الحالي، أي إرجاء الانتخابات. وبتعبير آخر ستبقى هذه الفرضيات رهينة قرار الجهة التي اختارت أعضاء الحكومة المؤقتة وسمت أعضاء مجلسها الرئاسي، أي الأمم المتحدة. إلا أن الدبيبة، كما رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لن يُوافقا على التخلي عن منصبيهما، بالرغم من أن الدبيبة أخل بالتعهدات التي قطعها على نفسه، لدى تسلم رئاسة الوزراء، بالامتناع عن الترشُح للانتخابات. كما تحدثت أوساط مالية عن زيادة في نفقات الحكومة، في عهده بأكثر من 70 في المئة، قياسا على نفقات الحكومات السابقة. لكن أنصاره يؤكدون أن احتياط البلد من النقد الأجنبي ارتفع في كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى حوالي 41 مليار دولار.
الطريق إلى التوافق
والطريق إلى التوافق، الذي يمكن أن يُمهد للانتخابات، تمرُ بالضرورة عبر حوار بين مجلس الدولة والبرلمان، لكن كثيرا من المراقبين في ليبيا يعتقدون أنه لا أمل من الحوار بين الجسمين، ويؤكدون أن جميع التجارب أثبتت ذلك، إذ أن معاودة المسار السابق بالآليات نفسها ستُفضي إلى نتيجة مُماثلة. ويُعزى ذلك إلى أمرين أولهما إصرار مجلس النواب (بنغازي) على الانفراد بإصدار قوانين الانتخابات، وثانيهما معارضة مجلس الدولة (طرابلس) الذي يسيطر عليه «الإخوان» لإجراء انتخابات رئاسية، ودعوته للاكتفاء بالانتخابات البرلمانية، في محاولة لتقليد المسار التونسي، بالرغم من فشل هذا الأخير. وكان أحد عناوين الفشل التنازع على السلطات الدستورية بين الرئاسة والحكومة، ما تسبب بتعطيل تجربة الانتقال الديمقراطي. وكان رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري شن حملة متواصلة في الأشهر التي سبقت تأجيل الانتخابات، داعيا إلى إلغائها، ومارس كافة الضغوط على مفوضية الانتخابات للدفع نحو قرار التأجيل. وفي المحصلة، يمضي كل من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي، فضلا عن الحكومة المؤقتة، في التمديد لأنفسهم في المواقع التي تبوءوها، وبالتالي ليس من مصلحتهم إنهاء الأزمة.
من هنا تأتي الضغوط الأمريكية للإسراع بإصلاح المنظومة القانونية الخاصة بالانتخابات، تمهيدا للذهاب إلى صندوق الاقتراع، وهو الموقف الذي عبر عنه الموفد الأمريكي الخاص السفير نورلاند، في الرسالة التي توجه بها لليبيين بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة. وهو أيضا الموقف الذي أعلنه النائب الديمقراطي في الكونغرس تيد دويتش، الذي أكد أن الغالبية الساحقة من الشعب الليبي تريد إجراء انتخابات خالية من العنف والترهيب، وفي ظل إطار قانوني واضح المعالم. بهذا المعنى يتأكد أن الاعداد لإجراء انتخابات بهذه المواصفات سيستغرق وقتا أطول من الشهر الذي اقترحته المفوضية العليا للانتخابات، ومن الشهرين، بالرغم من أن أكثر من 2.5 مليوني ليبي سجلوا أنفسهم في سجلات القيد الانتخابي.
واتخذت أربعة بلدان أوروبية، بزعامة ألمانيا راعية مؤتمري برلين1 وبرلين2 موقفا مُتسقا مع الموقف الأمريكي، الذي أشار إلى الدبيبة، من دون أن يُسميه بالاسم، مؤكدا أنه ينبغي على المرشحين، الذين يشغلون مناصب في المؤسسات العامة الاستمرار في عدم شغلها حتى إعلان نتائج الانتخابات، وذلك «تفاديا لتضارب المصالح وتعزيزا لتكافؤ الفرص» على ما جاء في بيان الدول الأربع، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، بالإضافة لأمريكا، التي وقعت أيضا على البيان.
وأشارت تقارير عدة إلى أن العاصمة طرابلس تشهد حالة من الانقسام الحاد في صفوف الجماعات المسلحة، محورها ما العمل في حال سحب الثقة من حكومة تسيير الأعمال، التي يقودها الدبيبة. وكانت الجماعات المسلحة حاصرت منتصف الشهر الماضي، وقبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية عددًا من المؤسسات، من بينها رئاسة مجلس الوزراء ومؤسسات أمنية.
والظاهر أن أمراء الجماعات في طرابلس منقسمون إزاء الموقف من الحكومة المؤقتة، التي توزع عليهم الرواتب، بين مدافع عن الدبيبة وحريص على حماية حكومته، من جهة، طبقا لخريطة الطريق، وصنف آخر يسعى للسيطرة على العاصمة والانفراد بالقرار فيها. ومن هنا تأتي أهمية تنفيذ أحد بنود خريطة الطريق، وهو المتعلق بحل الميليشيات ونزع أسلحتها والعمل على إدماج عناصرها في الحياة المدنية. غير أن ما تحقق حتى اليوم من ذلك الهدف ضئيلٌ جدا، ولا يُبشر بأن المدن الليبية، وخاصة العاصمة، ستتخلص من سطوة المسلحين.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.