السبت 05 يوليو 2025 9 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

صالح والمشري قد يسعيان للبقاء في المشهد السياسي

 

1237411157.jpeg

 

مع تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا بدأ يلوح في الأفق السياسي تقارب حثيث بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، أكبر طرفين سياسيين في البلاد كانا على خلاف طيلة سنوات، بهدف التوافق على خريطة طريق للمرحلة المقبلة، فما الجديد؟ وهل تقف ليبيا على عتبة مرحلة جديدة من مراحل الانتقال السياسي تبتعد معها آمال إجراء انتخابات قريبة؟

من جانبها، حملت تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لـ”الجزيرة”، أول من أمس الأربعاء، عدة تفاصيل حول التقارب الجديد والمفاجئ بين المجلسين، من بينها بدء ترتيبات للقائه برئيس مجلس النواب عقيلة صالح، منتصف الأسبوع المقبل، دون أن يحدد مكان اللقاء.

وفي هذا الشأن، رجحت مصادر ليبية خاصة تحدثت لـ”العربي الجديد”، اليوم الجمعة، إمكانية أن تحتضن العاصمة التركية، أنقرة، اللقاء المرتقب بين المشري وصالح.
ووفقاً لمعلومات المصادر، فإن اللقاء وإن تمكن رعاته من حشد موافقة مبدئية من عدة عواصم دولية معنية بالملف الليبي لدعمه، إلا أن عواصم غربية نشطة في الشأن الليبي رغبت في الاطلاع على تفاصيل أجندات اللقاء وما سينتج عنه.
ورغم ذلك أشارت المصادر إلى وجود إجماع على أهمية إحداث تقارب بين مجلسي الدولة والنواب كأفضل الحلول لتجاوز المسار المختنق الذي مرت به العملية الانتخابية، لا سيما العراقيل السياسية، لكن في الوقت ذاته توجد مخاوف حول إمكانية استغلال المجلسين للخطوة والعمل على البقاء في المشهد لمدد أخرى.
ولفت أحد المصادر، وهو دبلوماسي ليبي رفيع، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن المجتمع الدولي لا يمتلك حتى الآن رؤية واضحة بشأن مرحلة ما بعد 24 ديسمبر/كانون الأول، اليوم الذي كان يفترض فيه إجراء الانتخابات.

وأوضح المصدر أن الاتصالات الدورية التي تجري بين عواصم غربية تداولت أهمية دور مجلسي النواب والدولة في تجسير الهوة السياسية في ليبيا لتحديد مواعيد جديدة للانتخابات، لكنها ترغب في أن تكون المواعيد الجديدة قريبة الأجل حتى لا تخدم مصالح قادة المجلسين في البقاء في المشهد من خلال تمديد فترة المرحلة المقبلة تحت ذريعة معالجة الانسداد القانوني والسياسي الخاص بالانتخابات.
من جهة ثانية، رأى الدبلوماسي الليبي أن تأجيل المستشارة الأممية ستيفاني وليامز عقد أول لقاء لملتقى الحوار السياسي إلى موعد غير محدد بعد أن كان من المفترض إجراؤه الأحد الماضي، له علاقة بالجهود الحالية الرامية لجمع المجلسين على توافق جديد.
وبحسب الدبلوماسي، فإن وليامز، ومن ورائها عواصم غربية، لن تتخلى عن خيار إحياء ملتقى الحوار السياسي كآلية تعمل من خلالها البعثة الأممية على تجاوز المجلسين في حال وضوح مآربهما، كما فعلت في مرحلة سابقة انتهت إلى إنتاج خريطة الطريق والسلطة التنفيذية الحالية. ولا يبدو موقف مجلس النواب واضحاً من اللقاء المرتقب بين رئيسه عقيلة صالح والمشري، بل على العكس ذهب في طريق دعم عمل اللجنة النيابية التي شكلها لإعداد خريطة طريق لما بعد 24 ديسمبر.

المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية أبرز ما سيتناوله اللقاء

وكان المشري قد كشف خلال لقاء أجرته معه قناة الجزيرة، أول من أمس الأربعاء، عن بعض أهداف اللقاء، موضحاً أنه سيتحدث مع صالح “عن المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية”.
وحول ما إذا كان التقارب بين المجلسين سيستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية، قال “تغيير رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مسألة تقديرية حسب المدد المتبقية والشكل القادم للمرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “بعض الوزارات في الحكومة الحالية أصبح الأمر فيها لا يطاق”.

وأكد المشري أنه وصالح قررا إدارة ظهريهما للمجتمع الدولي والعمل بعيداً عن الأمم المتحدة، متهماً البعثة الأممية والمجتمع الدولي بإعاقة مساعي الليبيين لصناعة السلام في بلادهم.

خيار إزاحة المشري وصالح من المشهد السياسي

وتؤكد هذه التصريحات عمل أصحاب القرار في مجلسي الدولة والنواب على خلق عرقلة أمام تنفيذ رؤية دولية ترمي لإزاحة المجلسين من المشهد السياسي المقبل، بحسب قراءة الناشط السياسي الليبي عبد العاطي مريوة، الذي رأى أن تأكيد المشري على اتفاقه مع صالح على إدارة ظهريهما للمجتمع الدولي يؤكد وجود خيار استبعادهما من السلطة وسعيهما الحالي يأتي لعرقلة ذلك على الأقل.
لكن مريوة عبر عن مخاوفه في الوقت ذاته، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، من الصمت المطبق من جانب عقيلة صالح ومجلس النواب حيال لقائه المرتقب مع المشري، وقال “لقاءات الرجلين عادة ما تكون بحسب اشتراك مصالحهما، كما رأينا في السابق، والآن يسعيان للسيطرة على ورقة المسار الدستوري لهدفين”.
وأوضح أن “الهدف الأول هو عملهما على تصميم قاعدة دستورية على مقاس شخصيات تضمن لهما مصالحهما. أما الهدف الثاني فهو تحديد مواعيد بعيدة للانتخابات بهدف البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة”.
ورجح الناشط السياسي الليبي أن يكون حديث المشري عن تضمن لقائه مع عقيلة مناقشة بعض المناصب السيادية هدفه تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات الحالي، باعتبار رئاسة المفوضية من المناصب السيادية، كخطوة في طريق العرقلة.
لكن مريوة يرى أن التقارب بين الرجلين لا يزال في أوله وشكل المصالح المشتركة لم يتضح، معتبراً أن تصريحات المشري، التي تجعل مصير المجلس الرئاسي والحكومة في محل الترجيح، تؤكد أن مصالح المجلسين اتفقت لكن التفاصيل لا تزال قيد النقاش، وهو ما يفسر أيضاً صمت مجلس النواب حتى الآن عن حقيقة اللقاء المرتقب، بحسب رأيه.
وعن أوراق القوة التي يمتلكها المجلسان لفرض خيار لقائهما كحل محتمل للأزمة الانتخابية الحالية كواقع على المجتمع الدولي، قال مريوة إنهما “موجودان فعلياً على الأرض وأكبر الخصوم التي تمتلك أذرعا عسكرية”.
ولفت إلى أن “هناك مصالح أطراف إقليمية أيضاً يمكن أن تلتقي مع هذا الخيار وتدعمه”، مرجحاً أن “يكون من نتائج التقارب المصري التركي المتزايد”.
وفي مقابل ذلك، أكد أستاذ القانون الدستوري بالجامعات الليبية سليمان الرطيل أن هذا المسار يختلف عن رغبة أطراف دولية قوية في أن يكون موعد إجراء الانتخابات قريباً، وبالتالي ستصطدم أهدافه مع رغباته.
وأشار الرطيل، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن الإبقاء على ملتقى الحوار السياسي في حالة استعداد للعودة يعكس خشية وحذراً دولياً، مبيناً أن “هناك أيضاً توزيعاً لعدد من الأوراق في المشهد الحالي لإفشال أي خطوة في اتجاه تأجيل الانتخابات لمدة أطول”.
ومن تلك الأوراق “رجوع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لرأس عمله، فهدف التأجيل تشكيل حكومة جديدة ليتموضع فيها من خسر الرهان على الانتخابات للوصول إلى السلطة”.
وأضاف “هناك ورقة المجلس الرئاسي الذي لا يزال يمتلك شرعية لا يتحكم فيها مجلسا النواب والدولة، ويمكنه أن يشكل بديلاً عن ملتقى الحوار السياسي في فرض أي خطة جديدة للانتخابات في آجال قصيرة إذا فشل الملتقى”.

ليبيا: توقفت الحرب لكن السلام ما زال بعيدا

 

رشيد خشـــانة – تقرر إرجاء الانتخابات، من دون الاتفاق على ميقات بديل، فيما ثار جدل حول بقاء الحكومة المؤقتة أم إنهاء مهامها. وهناك من يقترح الإبقاء على المجلس الرئاسي من دون تغيير.

حقق الليبيون في 2021 ما لم يُحققوه منذ أكثر من عشر سنوات، أي وقف المعارك العسكرية والشروع في تنفيذ خريطة طريق، مدعومة من الأمم المتحدة والدول الكبرى، لإنهاء الأزمة وبناء مؤسسات الدولة، بواسطة الاقتراع العام. وبعد فشل الهجوم المسلح لـ»لقيادة العامة» على العاصمة طرابلس، بأمر من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تم تفادي خطر مواجهة عسكرية في محيط مدينة سرت، حيث يتواجهُ المقاتلون والمرتزقة من الجانبين. لكن ابتعاد شبح الحرب لم يكن كافيا لإيجاد الشروط اللازمة لإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، أواخر العام الجاري، مثلما كان مقررا في خريطة الطريق.
فقد قامت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، برئاسة غسان سلامة، قبل استقالته من منصبه، بتنسيق الجهود الدولية، نحو إرساء حوار ذي مسارات سياسية واقتصادية وعسكرية بين الغريمين. ونجح المسار العسكري في جمع الأطراف المحلية في جنيف، للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار في 23 تشرين الأول/اكتوبر 2020 وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة تشرف على تنفيذ الاتفاق، وهي اللجنة التي باتت معروفة بـ«لجنة 5+5». وتمكنت اللجنة من فتح طريقين من أصل ثلاث طرق استراتيجية كانت مغلقة، هما الطريق الساحلي الرابط بين سرت ومصراتة، في حزيران/يونيو 2021 والطريق الجنوبي الرابط بين غريان والشويرف، فيما بقي الطريق الرابط بين الجفرة وأبوقرين مغلقا.
وتقضي المادة الثانية من الاتفاق بإخلاء البلد من القوات الأجنبية والمرتزقة، وإعادة تمركز القوات العسكرية المحلية. غير أن إمدادات السلاح لم تتوقف، بالرغم من التقدم الذي تم إحرازه مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في اذار/مارس الماضي. وأشارت معلومات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 70 رحلة شحن وإمداد وصلت إلى المطارات الشرقية، منذ 8 تموز/يوليو الماضي، دعماً للجيش الذي يقوده اللواء حفتر، في حين تم تسيير 30 رحلة شحن وإمداد إلى مطارات في غرب ليبيا، دعماً لحكومة الوفاق الوطني السابقة. وبحسب البيانات الأممية، وصلت ثلاث سفن لدعم قوات حفتر، وتسع سفن شحن لدعم حكومة الوفاق الوطني، التي كان يقودها فائز السراج، في انتهاك واضح لسيادة ليبيا. كما أن تخزين الأسلحة والعتاد الحربي المتطور يعد أيضًا انتهاكًا لحظر إرسال الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، منذ الانتفاضة التي أطاحت بنظام معمر القذافي في العام 2011.
وأفاد تقرير أعدته الرقابة الحكومية الأمريكية أن أنقرة أرسلت إلى ليبيا ما لا يقل عن 5000 مسلح من سوريا. وتوقع التقرير أن يساهم وجودُهم هناك في التأثير سلبًا على الوضع الأمني العام. وفي وقت سابق من هذه السنة أكد تقرير للأمم المتحدة أن ما يصل إلى 1200 متعاقد عسكري من شركة الأمن الروسية الخاصة «فاغنر غروب» يعملون في ليبيا لدعم قوات حفتر. لكن مصادر أخرى قدرت عددهم بأكثر من ثلاثة آلاف مرتزق.
وكشفت القيادة المركزية الأمريكية أن موسكو أرسلت 14 طائرة مقاتلة على الأقل إلى ليبيا، وأن الطيارين الروس يحلقون بها. ونشرت القيادة صوراً إضافية للأقمار الصناعية لقاعدة الجفرة الجوية في وسط البلاد. وقدمت تلك الصور أدلة على أن الكرملين أرسل الطائرات لتعزيز الميليشيات التي تقاتل الحكومة المعترف بها دولياً، تحت قيادة حفتر. وسلط موقع «ذا درايف» المهتم بالشؤون الدفاعية والعسكرية، الضوء على التدخل الروسي مع تركيز خاص على الأدلة التي نشرتها القيادة الأمريكية، لتوضح أن الطائرات من نوع «اس يو- 24» ومقاتلات «ميغ 29» قد غادرت روسيا على مدار عدة أيام، وكانت جميعها تحمل علامة سلاح الجو الروسي. وأوضحت أنه تم طلاء الطائرات مرة أخرى في قاعدة حميميم في سوريا، لتظهر بدون علامات وطنية. وبعد ذلك تم نقلها إلى ليبيا، حيث سُلم ما لا يقل عن 14 طائرة روسية غير مميزة إلى القائمين على قاعدة الجفرة الجوية.

خسائر الحرب

سيكون ممكنا في الأمد المنظور إحصاء الأضرار البشرية والمادية لتلك الحرب الأهلية، التي استمرت عشر سنوات، فبحسب إحصاءات غير رسمية، قُتل ما يصل إلى 43000 شخص خلال فترة الحرب الأهلية. ومن بين 7 ملايين ساكن في ليبيا، هناك 392 ألف نازح و1 مليون آخرين بحاجة إلى المساعدة. كما أن المنظومتين الصحية والتربوية مُتهالكتان، مما جعل البنك الدولي يضع ليبيا، خلال تصنيفه للدول التي تعاني من أوضاع هشة متأثرة بالصراع، ضمن فئة الصراع «عالية الشدة» أي تلك التي لديها احتمالية أكبر لتجربة الفقر المزمن (تشمل الدول الأخرى في هذه المجموعة أفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان وسوريا واليمن). وما زاد الوضع صعوبة أن أجهزة الدولة الليبية الأمنية والعسكرية، انهارت في أعقاب انتفاضة 17 شباط/فبراير 2011 ما يستدعي اليوم بناء مؤسسات جمهورية حديثة. كما أن التدفق الكبير للسلاح من الخارج وانتشار عصابات التهريب والجريمة المنظمة عبر الحدود غير المحروسة، جعل هذه الأخيرة خارج السيطرة في كثير من مناطق ليبيا. وقد سارع أمراء الحرب إلى ملء الفراغ الذي أعقب انهيار النظام في 2011، بينما عجزت السلطات الجديدة، نظرا لضعفها وقلة خبرتها عن إصلاح أسلاك الأمن والجيش والقضاء والمخابرات والادارة.

تداعيات أمنية على الإقليم

في هذا المناخ صارت ليبيا موئلا لحركات التمرد بدءا من تنظيم الدولة و«القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي» والحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة العدالة والمساواة وانتهاء بجماعة بوكو حرام. وساعد تدفق المهاجرين على ليبيا من بلدان الساحل والصحراء على زيادة أعداد المنتسبين إلى تلك الجماعات، التي تصرف رواتب شهرية للمنضمين إلى صفوفها. لكن غالبية الليبيين برهنت على تشبثها الكامل بالانتخابات، بوصفها الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع سلما.
ومع حلول ميقات الانتخابات الرئاسية، تم تسجيل قرابة ثلاثة ملايين ناخب، فيما بلغ عدد المرشحين للرئاسيات قرابة مئة مرشح من مختلف المناطق، إلى جانب أكثر من خمسة آلاف مرشح للانتخابات البرلمانية. بيد أن حل الخلافات القانونية لم يكن ممكنا في ظل الظروف الحالية، وخاصة الطعون في بعض الترشُحات «الحساسة» مثل حفتر وسيف الاسلام القذافي. لذلك تقرر إرجاء الانتخابات، من دون الاتفاق على ميقات بديل، فيما ثار جدل حول بقاء الحكومة المؤقتة أم إنهاء مهامها. وهناك من يقترح الابقاء على المجلس الرئاسي من دون تغيير، وهذا هو الموقف الذي أعلنه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لدى استقباله رئس المجلس الرئاسي محمد المنفي، من دون أن يسأله أحدٌ عن رأيه في الموضوع.
ومن ثم بات الليبيون مُعلقين بين خيارين، فإما تأجيل قصير، من أجل التوصل إلى حلول للخلافات القانونية، أو تأجيل أطول، لمعاودة تشكيل خريطة الطريق السياسية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إبدال الحكومة الحالية بأخرى تقود البلد في فترة انتقالية ثانية.

الاطفائية وليامز

في هذا المناخ المُعقد أُرسلت رئيسة البعثة الأممية بالوكالة، الأمريكية ستيفاني وليامز مجددا، وعلى وجه السرعة إلى ليبيا، لحلحلة التأزم الذي أدى إلى إرجاء الإعلان عن اللائحة النهائية للمرشحين المقبولين، واستطرادا تأجيل الانتخابات برمتها. وكانت موسكو وضعت فيتو على تسمية وليامز موفدة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للسلوفاكي المُستقيل من هذا المنصب، يان كوبيش، فتحايل الأمين العام غوتيريش على القانون، وعينها مستشارة خاصة له مكلفة بالملف الليبي. لذا لعبت وليامز، التي كانت شغلت منصب قائمة بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا، دورا دافعا في تبريد الصراعات بين الزعماء الليبيين ومنع الانزلاق مجددا إلى الحرب. ولخص غسان سلامة هذا الوضع بقوله «جوهر الأزمة في ليبيا هو صراع على الثروة، يتخذ شكل الصراع على السلطة». على أن هذا الصراع، خاصة في بُعده الليبي-الليبي، لا يخضع إلى ضوابط ولا يحتكم إلى قوانين، مما يستدعي أولا وقبل كل شيء تخليص القرار الليبي من الولاءات الخارجية، وتحصين البلد والمجتمع من الصراعات العنيفة، بعد سنوات من تصفية الحسابات القديمة العقيمة. وإذا كانت ليبيا خسرت نصف سكانها في حروب أهلية مطلع القرن الماضي، فليس جائزا اليوم أن يُقتل رُبع الليبيين أو عُشرهم، أو حتى ليبيٌ واحدٌ، في صراع أهلي مُتجدد، أيا كانت مُبرراته وعناوينه.

 

ليبيا: ما هي الأسباب التي تقف وراء تأجيل الانتخابات الرئاسية؟

مواطنون ليبيون يزورون المدينة القديمة بالعاصمة طرابلس في وقت تم فيه تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية إلى العام المقبل. © أ ف ب

 

كان الليبيون يأملون أن تكون الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها الجمعة، عرسا وطنيا وفرصة لا تهدر لإعادة بناء بلادهم بعد سنوات من العنف والدمار التي تلت سقوط نظام معمر القذافي في 2011. لكن التجاذبات السياسية وتضارب المصالح وكثرة المتدخلين الخارجيين ونقص التنظيم حال دون تحقيق هذا المبتغى. ووقفت  هذه العقبات صامدة أمام عبور هذا البلد الغني بالنفط من العنف إلى بر الأمان السياسي.

خيبة أمل كبيرة شعر بها الليبيون بعد الإعلان عن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا تنظيمها الجمعة 24 كانون الأول/ديسمبر في هذا البلد الذي يواجه العنف ويعاني من التدخلات الخارجية منذ سقوط نظام معمر القذافي قي 2011.

ويفسر ذلك بغياب توافق في الآراء بشأن الأساس القانوني للاقتراع، وتضارب في المصالح وبعض الثغرات في وساطة الأمم المتحدة، ما أدى إلى فشل في إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول/ ديسمبر، كما يرى خبراء.

واقترحت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الأربعاء تأجيل الانتخابات الرئاسية لشهر واحد، بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة برلمانية أنه “يستحيل” تنظيمها في موعدها.

وأدى قانون الانتخابات المتنازع عليه وما ارتبط به من شخصيات مثيرة للجدل تعلن نفسها مرشحة، إلى توتر على الأرض وبدأ سيناريو التأجيل يلوح في الأفق منذ أسابيع.

ولزيادة الارتباك، استقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيتش الذي كان يعمل من جنيف وبدا بشكل واضح أنه عاجز عن إدارة الملف الليبي قبل شهر.

ورأى مراقبون أن كوبيتش كان موقنا باستحالة إجراء الانتخابات وأراد عدم تحمل مسؤولية ذلك.

وعُينت الأمريكية ستيفاني وليامز التي عملت في 2020 مبعوثة، مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، حيث قامت في الأيام الأخيرة بترتيب الاجتماعات بين مختلف الجهات الليبية وتنقلت بين مدن عدة، في محاولة واضحة لإنقاذ الملف الليبي المعقد والمتهالك بفعل التدخلات والاستقطاب.

قانون انتخابي مثير للجدل

وردا على سؤال عن تفسير هذا الفشل الذريع، أوضح جليل حرشاوي من مركز المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة ومقره سويسرا، لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “كانت هناك أخطاء مشتركة وأخطاء من جانب الأمم المتحدة وموقف من سوء النية الشديد من جانب الممثلين الليبيين”.

خرجت العملية عن مسارها بشكل خطير عندما سنّ البرلمان بقيادة عقيلة صالح قانونا انتخابيا مثيرا للجدل في أيلول/سبتمبر من دون تصويت، يناسب الرجل القوي من الشرق المشير خليفة حفتر قبل ترشحه.

يقول حرشاوي إن عقيلة صالح “شخصيا وليس البرلمان، هو المسؤول عن قوانين الانتخابات التي تشكل كارثة حقيقية. هذه العقبة ذات الطابع القانوني والتشريعي أساسية قطعاً لشرح فشل الانتخابات”.

ويضيف أن “هذا النص المصمم خصيصًا للمشير حفتر، أثار على الدوام استياء السلطات في طرابلس. وقد وافق عليه المبعوث كوبيتش” على الرغم من انتقادات الطبقة السياسية.

ويرى الباحث أنه بذلك “فقدت الأمم المتحدة أي مجال أو فرصة للمناورة، بما فعله المبعوث الدولي السابق الذي لم يبذل الكثير من الجهد، مع علمه أن هناك ثغرات ولا توجد قوانين انتخابية”.

غياب نصوص قانونية توضح وتحدد صلاحيات الرئيس

ويضيف حرشاوي أن “هذا ليس هو السبب الوحيد وراء هذا الفشل الذريع. هناك خلافات حول الأهلية، الطبيعة المباشرة أو غير المباشرة للتصويت، وعدم فهم صلاحيات الرئيس هناك مشكلات في الصميم”.

من جهته، يقول عماد الدين بادي الباحث في المركز نفسه “كانت مسؤولية بعثة الأمم المتحدة التوسط لدعم المرحلة الانتقالية عقب منتدى الحوار السياسي الليبي (اسم العملية السياسية)، بما يفضي إلى إجراء الانتخابات بأدنى حد من الإجماع وبدون حدوث أزمة من صنع هذه العملية”.

ويضيف لوكالة الأنباء الفرنسية “هذا لا يعني أن السياسيين الليبيين لا يتحملون أي مسؤولية بل كان قرارا طوعيا تقريبا لتسليم عجلة الانتقال إليهم وكان من الحتمي تقريبا أن نصل إلى هنا”، معتبرا أنه “يمكننا إلقاء اللوم بقدر ما نريد على الفاعلين السياسيين الليبيين”.

وبموجب قانون انتخاب الرئيس ومع استمرار عمل ليبيا بوثيقة دستورية “مؤقتة” منذ 2011، لا توجد نصوص قانونية توضح وتحدد صلاحيات الرئيس الذي سيتم انتخابه، لا سيما مع استمرار الخلاف حول “مسودة الدستور” المقترحة، التي ظلت حبيسة الأدراج ورهينة الخلافات ولم تعرض على الاستفتاء الشعبي منذ سنوات.

شعور الليبيين بخيبة أمل بسبب عدم التصويت

وطالبت السفارة الأمريكية لدى ليبيا، الأطراف الفاعلة بالإسراع في معالجة العقبات التي تواجه العملية الانتخابية. وقالت في بيان إنه “يتعين على القادة الليبيين، ونيابة عن الشعب، معالجة العقبات القانونية والسياسية لإجراء الانتخابات”.

كما عبرت عن مشاركتها قلق وخيبة أمل الليبيين الذين ينتظرون أن تتاح لهم فرصة التصويت من أجل مستقبل بلادهم.

ويؤيد هاميش كينير من معهد “فريسك ماكلفروت”، وجهة النظر التي تميل إلى فشل المبعوث الدولي السابق إلى ليبيا يان كوبيتش، وتسببه في هذا الارتباك الذي رافق عملية سن القوانين المنظمة للانتخابات.

وقال إن “حل الخلافات بين الفصائل الليبية حول كيفية هيكلة النظام السياسي سيكون معقدا لأي مبعوث خاص للأمم المتحدة مهما كانت موهبته”.

وأضاف أن الانتخابات “ليست الحل المعجزة الذي يضمن الاستقرار السياسي لليبيا”.

وستحمل الأسابيع المقبلة التطورات المتعلقة بمصير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومدى قدرة الأطراف الدولية اللاعبة والمؤثرة في الملف الليبي، على التوافق حول موعد يحظى بدعم جميع الأطراف ويضمن تجنب الثغرات لقانونية والتحديات الأمنية التي واجهت عملية التنظيم لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.

متظاهرون في بنغازي وطبرق والقطرون يطالبون «النواب» بإقرار مقترح إجراء الانتخابات في 24 يناير

مظاهرة لدعم المسار الانتخابي في بنغازي، 24 ديسمبر 2021، (الإنترنت)

 

أعرب متظاهرون في مدن بنغازي وطبرق والقطرون عن تمسكهم بمقترح المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بجعل 24 يناير المقبل يومًا للاقتراع، وذلك في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.

ودعا المتظاهرون، في بيان الجمعة، مجلس النواب إلى إقرار هذا المقترح، مؤكدين ضرورة نشر القوائم النهائية للمرشحين الرئاسيين، والقوائم المبدئية لمرشحي البرلمان.

وقالوا إنهم مستمرون في النضال السياسي من أجل ليبيا، ورفضوا «محاولات الإلغاء والصفقات السياسية» التي ستعيد البلاد إلى «مربع الفوضى والفساد».

وتابعوا: «لن نقبل كل الإجراءات الساعية إلى استمرار الأجسام السياسية الحالية التي انتهت شرعيتها أخلاقيًا وقانونيًا».

وكان من المقرر عقد الانتخابات الليبية اليوم الجمعة، 24 ديسمبر، وفق خارطة الطريق المعلنة من قبل الأمم المتحدة، وملتقى الحوار السياسي الليبي، لكن المفوضية العليا للانتخابات، اقترحت تأجيل يوم الاقتراع إلى 24 يناير المقبل، وذلك بسبب ما وصفته بحالة «القوة القاهرة» التي تواجه استكمال العملية الانتخابية، داعية مجلس النواب إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزاحة تلك الحالة.

وأوضحت المفوضية في بيان، الأربعاء، أن اقتراح المفوضية يستند إلى المادة (43) من القانون رقم (1) لسنة 2021، بشأن انتخاب رئيس الدولة وتحديد صلاحياته وتعديلاته، والتي تنص على إعلان المفوضية تأجيل عملية الاقتراع، ويحدد مجلس النواب موعدًا آخر لإجراء عملية الاقتراع خلال 30 يومًا.

الاحباط يستبدُ بـ2.5 مليون ناخب ليبي بعد تأجيل الانتخابات

 

رشيد خشـــانة – احتقانات سياسية وعسكرية تُهدد بتفجر الأوضاع فيما لو صممت المفوضية على إجراء الاستحقاق الانتخابي في ميقاته الرسمي، ولذا ارجئت الانتخابات عمليا.

عمليا أرجئت الانتخابات التي كانت مقررة للجمعة المقبل في كافة أنحاء ليبيا، ليس فقط لأن المفوضية العليا للانتخابات لم تستطع الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين، وإنما أيضا لاحتقانات سياسية وعسكرية، تُهدد بتفجر الأوضاع، فيما لو صممت المفوضية على إجراء الاستحقاق في ميقاته الرسمي. لذا نراها تُلقي بكُرة اللهب إلى أعضاء البرلمان، إذ أحالت التقرير النهائي، الخاص بمرحلة الطعون في انتخابات رئيس الدولة، إلى اللجنة المشكلة من أعضاء مجلس النواب، وهي لجنة معنية بمتابعة العملية الانتخابية. وأكدت المفوضية أنها باشرت بعض الإجراءات القضائية والقانونية قبل الإعلان عن القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة وبدء مرحلة الدعاية. وأوضحت أن الإجراءات القضائية ستتم بعد التواصل مع المجلس الأعلى للقضاء، بالاضافة إلى تواصلها مع اللجنة المشكلة من مجلس النواب. غير أن دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف مصراتة، قررت وقف تنفيذ قرار المفوضية العليا للانتخابات رقم 80، الصادر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بشأن اعتماد القائمة الأولية لمرشحي الرئاسة، ما يعني إيقاف جميع الإجراءات التي تقوم بها المفوضية لانتخاب رئيس البلاد.
رسميا، بدأت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مرحلة الطعون واستئناف القرارات والإجراءات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، وانتهت في 7 كانون الأول/ديسمبر الجاري، لكن المفوضية فاجأت الرأي العام بطلب «تأجيل وجيز» لم تحدد مدته، لإعلان القائمات النهائية لمرشحي الانتخابات. وعزت طلب التأجيل إلى كثرة طلبات الترشح، التي «فاقت المتوقع» على ما قالت، مشيرة إلى أن عمليتي التدقيق والمراجعة ستأخذان فترة زمنية أطول من المخطط لها. وكان طلب التأجيل هذا، الذي يبدو صغيرا ومنطقيا، علامة كبيرة على أن الأمور ليست على ما يُرام، وأن الضغوط، الظاهر منها والخفي، نجحت في وقف قطار الانتخابات.
ومن الأسباب الكبرى لتسميم الأجواء وتعطيل المسار أن عدة شخصيات لوت عُنق القانون لكي تفرض ترشُحها للانتخابات الرئاسية، ومن هؤلاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يحمل جنسيتين، في مخالفة صريحة للقانون، ما يضعه خارج السباق، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي تعهد بموجب الاتفاق السياسي بالامتناع عن الترشُح للانتخابات، في مقابل توليه مقاليد الحكومة المؤقتة. ومن هؤلاء أيضا سيف الاسلام معمر القذافي، الذي صدرت في حقه أحكام قضائية نهائية، ومع ذلك أجاز له القضاء الترشُح للانتخابات الرئاسية، وسط غضب عارم، خاصة في المنطقة الغربية، التي تضم أكبر كتلة من الناخبين.
في تلك الأجواء المشحونة جاء الاجتماع الأول بين القائدين العسكريين للمنطقتين الغربية والشرقية الفريق أول محمد الحداد، والفريق عبد الرازق الناظوري، الأحد الماضي في مدينة سرت، متأخرا عن ميقاته الطبيعي، إذ كان الاتفاق على حل التشكيلات المسلحة في الجانبين ودمجها في الشرق والغرب، حجر الركن في الإجراءات المُمهدة للمسار الانتخابي. وطالما أن اتفاقا لم يحصل بين الطرفين، لكي يكون إطارا لإجراء الانتخابات الموعودة، فإن العملية السياسية برمتها تصبح في مهب الخلافات، ذلك أن توحيد المؤسسة العسكرية لا يمكن أن يُبنى إلا على توحيد القيادة السياسية، وهو أمر لا يمكن تصوره في المرحلة الراهنة. كما ارتبط نجاح العملية السياسية أيضا بمدى التقدُم في وضع جدول زمني لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
أكثر من ذلك عاد بعض أمراء الحرب إلى الواجهة، في الوقت الذي كان الناس ينتظرون أن يغيبوا تماما من الساحة، من ذلك أن صلاح بادي قائد ما يُعرف بـ«لواء الصمود» هدد قبل أيام بغلق كل مؤسسات الدولة في طرابلس، مُعتبرا أنها «تشتغل للخارج وليس للداخل». ويمكن القول إن إحدى الكلمات المهمة التي دفعت إلى إرجاء الانتخابات هي جملة بادي، التي قال فيها «لن تكون هناك انتخابات رئاسية طالما أن الرجال موجودون» وهي جملة تختزل رؤية معارضي الانتخابات للعملية السياسية بمجملها، بوصفها «لعبة أمريكية» كما قال بادي.
على العكس من ذلك، سار اجتماع المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون ليبيا، ستيفاني وليامز الأربعاء في مصراتة، مع مجموعة من القيادات العسكرية وآمري الكتائب المسلحة، في اتجاه مُناقض، فبينما أكدت وليامز من مصراتة أن اجتماعها مع العسكريين اتسم «بلغة التهدئة وتغليب الحلول السياسية»، كان جواب بادي من طرابلس «اتفقنا على قرار بسيط سوف يقلب الأمور رأسًا على عقب». أما الفريق الحداد فشدد على أن الخطة التي وضعتها المنطقة الغربية ولقيت استحسانًا من المنطقة الشرقية، جرى بموجبها تصنيف المجموعات المسلحة إلى أفراد راغبين في الاندماج بالجيش أو الشرطة، وآخرين يُفضلون أعمالاً حرفية أو استكمال الدراسة. لكن ذلك يحتاج إلى خطة من السلطة السياسية كي تعمل على تحقيق تلك المطالب. وذهبت القيادة العسكرية إلى مدى أبعد في استعداداتها لإنجاح العملية الانتخابية، إذ اجتمع الفريق أول محمد الحداد مع رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية العميد علي امحمد الديب، وبحثا تأمين الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط والغاز، التي ترغب في العودة إلى مزاولة عملها في ليبيا. ومن الطبيعي أن يكون هذا البحث مُستندا على نوع من اليقين، من أن العملية السياسية تتقدم، وأن هذه الجوانب الأمنية ينبغي أن تكون محسومة سلفا.

ميقات جديد للانتخابات؟

سيكون من الصعب الاتفاق على تاريخ جديد للانتخابات، ويُطرح هنا مجددا السؤال التالي: هل سيتم الإعلان عن ميقات جديد للانتخابات؟ وما مصير الترشُحات المُجازة، وتلك التي أثارت جدلا كبيرا حول عدم مطابقتها للقانون؟ بل ما مصير حكومة الدبيبة التي تشكلت بهدف الإعداد للانتخابات؟ وهل ستتزامن الانتخابات الرئاسية مع النيابية، أم سيتم الفصل بين المسارين، علما أن الوضع في ليبيا، على جميع الأصعدة، لا يتحمل مزيدا من التأجيل أو فصل المسارين عن بعضهما البعض. وهناك أسئلة أخرى كثيرة عن الموقف الدولي من هذه الانتكاسة، التي لم تكن تتوقعها غالبية المتابعين للشأن الليبي، وأسئلة عن ضرورة العودة إلى حوارات جنيف، التي كانت مرجعية الحكومة المؤقتة الحالية. وهل ستسعى الأمم المتحدة إلى صيغة للتمديد لحكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي الحالي لتفادي الفراغ، أم سيكون هناك حلٌ آخر؟
أما على الصعيد الإقليمي فإن تأجيل الانتخابات في ليبيا يُلقي بظلال كثيفة على دول الجوار، التي كانت تُؤمل أن يساعد نجاحُ الحل السياسي في ليبيا على ضبط الأوضاع الأمنية في مناطقها، وخاصة المُتاخمة للحدود الليبية، حيث ما زالت مؤسسات الدولة غائبة. وما يُعرقل العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل أن «عملية إعادة التنظيم» مثلما يُحبُ أن يُسميها الفرنسيون، تتنزل في سياق اجتماعي وسياسي يتسم بالتوتر، وهو توتر بين باريس والمجلس العسكري في مالي أولا، كما أنه يحمل أيضا علامات واضحة على رفض السكان المحليين الوجود العسكري الفرنسي، وذلك ما تُعبر عنه الحملات المناهضة للفرنسيين على شبكات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال. أما باريس فهي تخشى تكرار السيناريو الذي حصل في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث درّبت بعثة أوروبية قوات مسلحة محلية، لكنها فوجئت بأن مجموعة «فاغنر» الأمنية الروسية استقطبتها ووظفتها بعد ذلك، بأسلوبها الناعم، لخدمة أغراضها هي.

«داعش» ومعاودة تنظيم الصفوف

الأخطر من ذلك أن تنظيم «داعش في الصحراء الكبرى» يعمل حاليا على معاودة تنظيم صفوفه في المنطقة، بعد القضاء على بعض قادته، طبقا لما أفاد به الجنرال الفرنسي لوران ميشون. وأكد ميشون، وهو قائد عملية «برخان»، أن قادة الصف الثاني في التنظيم يناقشون حاليا إعادة بناء تسلسل القيادة، وأن الخطر في هذه المرحلة هو ارتكاب مزيد من أعمال العنف، على أيدي هؤلاء القادة الثانويين. وحذر من «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» (الموالية لـ «القاعدة») التي صنفها الأشد خطورة، فهي قادرة على فرض حلول مقبولة للسكان المحليين في وسط مالي، كما أن حضورها مستدام وقدرتها على التجنيد أسهل في المناطق المهمشة، وهي بصدد التمدد جنوبًا وصولًا إلى شمال ساحل العاج وشمال بنين وشمال غانا.
ورأى بعض المحللين أن فرنسا باتت أكثر براغماتية في الملف الليبي، في الآونة الأخيرة إذ يمكن أن تقبل الآن ببقاء السلطة على المدى المتوسط بين أيدي رئيس الحكومة المؤقت الدبيبة، المقرب من تركيا. وكانت باريس ارتكبت أخطاء فادحة حين وضعت أوراقها في سلة اللواء المتقاعد حفتر، وعندما انسحبت قواته على عجل من قاعدة غريان (100 كيلومتر جنوب العاصمة طرابلس) تم العثور على صواريخ فرنسية الصنع في صناديقها. إلا أن حكومة ماكرون أعادت ارتكاب الخطإ نفسه أخيرا بإقدامها على بيع نظام متطور لمراقبة المكالمات الهاتفية إلى قوات اللواء حفتر، عبر شركة «ناكسا تكنولوجيز»، وبواسطة فرعها في الإمارات، بحسب ما أوردت صحيفة «لوموند» الفرنسية، مؤكدة أن هذه الصفقة شكلت انتهاكا للحصار الذي قرره مجلس الأمن منذ 2011 لمنع بيع السلاح إلى ليبيا. والأدهى من ذلك أن هذه التجهيزات المتطورة بيعت لقوات حفتر، وهي جهة لا تنتمي للدولة الليبية، ولا يعترف بها المجتمع الدولي، بل تُلاحقها شبهات فساد وانتهاكات عديدة لحقوق الانسان.
هكذا تتداخل الرهانات الاستراتيجية مع مصالح الفئات المُتصارعة في الداخل الليبي. وفي ضوء تطابق المصالح، أتى التأجيل حلا وسطا للجميع، فهو يُرضي تركيا المتمسكة بحليفها الدبيبة، ويُرضي فرنسا الحريصة على بقاء حفتر مُسيطرا على المنطقة الشرقية، كما يُريح أيضا روسيا المُراهنة على سيف الاسلام القذافي. وبذلك ستبقى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي مقدمته ألمانيا، يُحاولان رفع الحجر إلى أعلى والرجوع إلى برلين1 وبرلين2، لكن ذلك أصبح اليوم أبعد منالا مما كان في الماضي.

ظلال الشك تُخيم على الانتخابات الليبية

 

رشيد خشــانة – يبدو الاقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية مؤشرا إلى أن الليبيين في غالبيتهم العظمى يُريدون هذه الانتخابات ويحلمون بأنها ستُنهي معاناة مستمرة منذ 2011.

الداعون إلى إرجاء الانتخابات الليبية إلى شباط/فبراير المقبل، لم يأخذوا في حسبانهم حقيقة لا يستطيع أحدٌ أن يُنكرها، وهي وصاية الأمم المتحدة على الملف الليبي، الذي صارت مفاتيحُه في أيديها. وتُذكرنا ملابسات الدور الأممي في المسار الانتخابي الراهن بقرار الأمم المتحدة الخاص بإعلان الدستور الليبي في العام 1951 ثم دورها في إعلان الاستقلال يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من السنة التالية. والمؤكد أن الأمم المتحدة، وقوى عظمى وأخرى إقليمية، استثمرت في مساري برلين 1 و2 ثم في مسار جنيف، لكي يتحرك قطار السلام، وبالتالي لن تقبل بإجهاض هذا المسار.
من هذه الزاوية نفهم قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتسمية القائمة السابقة بأعمال رئيس البعثة الأممية في العاصمة طرابلس، الأمريكية ستيفاني ويليامز، مستشارةً خاصةً له في الملف الليبي. وأتت تلك التسمية في أعقاب استقالة المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، السلوفاكي يان كوبيش. والأرجح أن غوتيريش لم يأخذ المبادرة، وإنما تلقى «نصيحة» من أمريكا، التي سبق أن اعترضت على مرشحين كُثر لمنصب الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا. بهذا المعنى زادت التسمية من أهمية الدور الأمريكي في إعادة الاستقرار والسلام إلى ليبيا، واستطرادا في تشديد الضغوط من أجل إجرائها في ميقاتها، من دون أي تأخير. وتجلى هذا الموقف مجددا في التحذير الذي وجهه السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى المُمتنعين عن الذهاب إلى الانتخابات و»التحشيد لعرقلتها» بأن موقفهم لن يؤدي إلاّ إلى وضع مصير البلد ومستقبله تحت رحمة من هم داخل ليبيا وداعميهم في الخارج، الذين يفضلون قوة الرصاص على قوة الاقتراع.
زيادة على هذه الضغوط، يمكن اعتبار اتجاه البوصلة الليبية نحو الانتخابات العامة، على أنه اندراجٌ في السياق الإقليمي الراهن، الذي ظهرت تجلياته في التقارب الإماراتي التركي، الذي لم يتوقعه المُحللون الإستراتيجيون، أو لم يتوقعوا أن يكون بهذا السرعة والكثافة. هكذا أدى ولي عهد أبو ظبي زيارة غير مسبوقة منذ نحو عشر سنوات إلى أنقرة، وأخرى إلى الدوحة، هي الأولى أيضا منذ سبع سنوات. ومع كسر الجليد بين المحورين السابقين، انفتحت الأبواب الموصدة في الاتجاهين، فتبدد ما تبقى من أجواء الحرب الإقليمية التي دارت على الأراضي الليبية، مع إعلان اللواء خليفة حفتر زحفه على طرابلس، في الرابع من نيسان/ابريل 2019.
ومن هنا نلحظ الإصرار على أن تكون الانتخابات جزءا من الحل وليست جزءا من مشكل جديد. ويبدو الاقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية مؤشرا إلى أن الليبيين في غالبيتهم العظمى يُريدون هذه الانتخابات ويحلمون بأنها ستُنهي معاناة مستمرة منذ 2011. وأظهرت إحصاءات المفوضية العليا للانتخابات أن 2.8 مليون مواطن سجلوا أسماءهم في اللوائح من أصل 6.7 ملايين. وهؤلاء يتطلعون إلى أن تكون الحملات الانتخابية وعمليات الاقتراع حرة وشفافة وبلا مطاعن.
وتأكيدا على أن مفاتيح القرار لم تعد في أيدي الليبيين، لوحظ أن وليامز طارت، بمجرد تسلُمها المنصب الجديد، إلى موسكو حيث كان أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 مجتمعين مع مسؤولين روس، للبحث في ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، في إطار الخطة التي اتفق طرفا اللجنة بشأنها، قبل أسابيع في جنيف. ويدل هذا التحرك السريع على أن المستشارة الجديدة القديمة للأمين العام، تسعى إلى إزالة الأشواك من طريق العابرين إلى التسوية السلمية للصراع. كما أن غالبية السفراء المعتمدين في ليبيا عبرت علنا، وبجمل واضحة عن دعمها لإجراء الانتخابات في الميقات المُحدد لها، بمن فيهم تركيا، التي لا تبدو متحمسة للانتخابات.

موقف ملتبس

فأنقرة تريد أن تضمن فوز رئيس يُنفذ الاتفاقات الأمنية والاقتصادية، التي توصل لها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، مع رئيس حكومة الوفاق السابقة فائز السراج في أواخر 2018. ومن هذه الزاوية نفهم تصريح آمر التوجيه المعنوي في القيادة العامة، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، اللواء خالد المحجوب، الذي نقل فيه موقفا مُلتبسا عن المسؤولين في وزارة الدفاع التركية، بعد زيارته أنقرة ضمن اللجنة العسكرية 5+5 فقد أكد المحجوب أن لقاءات اللجنة مع المسؤولين الأتراك «أسفرت عن نتائج إيجابية ومشجعة للغاية» مُوضحا أن الجانب التركي ربط إجلاء مُقاتليه بالتزامن مع خروج باقي المرتزقة و»بشكل يشمل الجميع، بحسب ما يتم تنسيقُهُ مع اللجنة العسكرية من تواريخ وجداول زمنية لذلك» على ما قال.
وطالما أن هذا التزامن غير ممكن عمليا، فسيكون غيابه هو الذريعة التي سيتحجج بها الأتراك للإبقاء على عسكرييهم في ليبيا، ومعظمهم من الخبراء والمدربين العسكريين، الذين يندرج وجودهم في إطار تنفيذ اتفاقات مع الحكومة الليبية السابقة، المعترف بها دوليا. وكان لافتا أن البيان الصادر في اسطنبول إثر اجتماع وفد من المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري بوفد من البرلمان التركي برئاسة مصطفى شنطوب لم يتضمن كلمة واحدة عن الالتزام بالمشاركة في الاقتراع، بالرغم من أن البيان المشترك أشار إلى أن الجانبين ناقشا «آخر التطورات في العملية الانتخابية بليبيا». ولعل نورلاند كان يقصد المشري والأتراك حين تحدث عمن هم «داخل ليبيا وداعميهم في الخارج، الذين يفضلون قوة الرصاص على قوة الاقتراع». وحتى موقف فرنسا، الذي كان مشابها للموقف التركي المُتحفظ، بات مع المؤيدين لإجراء الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر، بحسب ما نقل وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو عن الفرنسيين، مُؤكدا حصول تحول طرأ على الموقفين الإيطالي والفرنسي، في شأن ليبيا، فبعدما كانا متعارضين تمامًا، «تجاوزا أزمتهما» ووحدا موقفهما. وكشف دي مايو النقاب عن اجتماعات دورية تعقدها الاستخبارات الفرنسية والايطالية كل ستة أشهر لتبادل المعلومات في شأن الوضع الليبي، بالإضافة لاجتماعات تنسيقية في جميع المحافل الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مؤتمر برلين ومؤتمر باريس وطرابلس والجزائر وروما.

هل المفوضية جاهزة؟

في السياق يعتمد الداعون لإرجاء المسار الانتخابي على حجة أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات غير جاهزة لإجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من هذا الشهر، بينما أكد رئيس المفوضية عماد السايح، مرارا وتكرارا، منذ أسابيع أنها جاهزة بنسبة 98 في المئة. وقرر مجلس النواب الليبي في جلسة عقدها الثلاثاء الماضي، بمقره في مدينة طبرق (شمال شرق) تشكيل لجنة لمتابعة عمل المفوضية. لكن ما ينبغي تسجيله ههنا هو انزياح المفوضية عن دورها والتخلي عن وظيفتها الأصلية، لتُقحم نفسها وأعضاءها في الصراعات السياسية، فلم تعد مواقفها دستورية ولا قانونية، بل مواقف سياسية، وهذا مزلق خطر يمكن أن يؤدي إلى تقويض مصداقيتها تماما.
الأخطر من ذلك أن الجهاز القضائي بدا خاضعا للاملاءات السياسية، فكانت محكمةٌ ابتدائيةٌ تُبطل ترشُح شخصية سياسية بارزة، فإذ بمحكمة الاستئناف تُبطل القرار الابتدائي، وتُعيد المُرشح إلى حلبة السباق الانتخابي. وتكرر هذا العبث بالقانون مع عدة مرشحين، بينهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة وسيف الاسلام معمر القذافي، وآخرين. وأثار التساهل في تنفيذ القانون ردودا قوية من بينها اتهام سبعين عضواً من أعضاء مجلس النواب، في بيان أصدروه بخصوص العملية الانتخابية «المؤسسات القضائية والمفوضية العليا للانتخابات بعدم تنفيذ القانون، والالتفاف عليه، والسكوت عن شبهات تزوير وشراء أصوات، والتأثير في القضاء» على حسب ما جاء في البيان. وأكدوا أنهم «لن يكونوا شهداء زور على التزوير وشراء الأصوات وامتهان مؤسسة القضاء».
وانتهز معارضو الانتخابات، وفي مقدمهم المجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، تلك التصدُعات للضغط في اتجاه التأجيل. وكان المشري، وهو قيادي في «حزب العدالة والبناء» الإخواني، قام بزيارات مكثفة، خاصة إلى تركيا، لإقناع الدول المتداخلة في الملف الليبي بالمخاطر التي قد تترتب عن إجراء الانتخابات في نهاية الشهر الجاري. وتضامن المجلس الأعلى للدولة، الذي تُهيمن عليه جماعات الإسلام السياسي، مع موجة الغضب التي اجتاحت النواب، فأطلق النائب الثاني لرئيس المجلس عمر بوشاح تحذيرات جديدة، مُشددا على أن الانتخابات تمر بأزمة حقيقية، ومُعتبرا أنها أقيمت على أسس غير صحيحة، وأن القوانين التي بُنيت عليها خالفت الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري. لكن هذه العيوب كانت واضحة منذ بدايات المسار الانتخابي.
على النقيض من هذا الموقف، تُشدد الأمم المتحدة على ضرورة إجراء الانتخابات في ميقاتها. وكانت رسالة كوبيش إلى الليبيين بمناسبة استقالته من مهامه، تعبيرا عن هذا الموقف، إذ قال إن إجراء «الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشاملة والحرة والنزيهة في موعدها، أمرٌ بالغ الأهمية للخروج من دوامة الانتقال السياسي، التي طال أمدها والعودة إلى الشرعية الديمقراطية، والانطلاق في بناء دولة تعمها الوحدة والازدهار والسيادة الحقيقية، وإنهاء التدخلات الأجنبية، فالغالبية الساحقة من الشعب الليبي تريد الانتخابات». واللافت أن بعض الجماعات الأصولية المتشددة استبقت الإعلان عن نتائج الانتخابات، فباشرت تنفيذ خططها غير المعلنة في المجال الاجتماعي، ومنها محاولة الفصل بين الطالبات والطلاب في الفصول المدرسية. وفوجئ أولياء الطلاب في مدرسة اليرموك الاعدادية بجنزور (ضواحي طرابلس) الأحد الماضي، بحلول قوة أمنية عملت على فصل الطلاب عن الطالبات، بنقل الأخيرات إلى مدرسة أخرى تحمل اسم الخطابي، ما أدى إلى احتجاجات قوية من الأولياء، الذين اعتصموا بمدرسة اليرموك مع أبنائهم، رفضا لقرار مجهول المصدر. وتُعتبر طرابلس موئلا للجماعات المتشددة التي تفرض تصورها للدين على المواطنين، وتسعى للإمساك بالمنظومة التربوية وتغزو الجمعيات الأهلية، من أجل فرض نمط سلوك عتيق.
من هنا تأتي أهمية الانتخابات البرلمانية، التي أبدى كثير من الليبيين حماستهم لخوضها، والتي تركز على دور السلطات المحلية في النهوض بالمجتمع. وهذا ما يُفسر وصول العدد الإجمالي للمرشحين للانتخابات البرلمانية إلى 5385 مرشحاً ومرشحة حتى الثلاثاء، وهو اليوم المُحدد لقفل باب الترشح. والأرجح، بالنظر لأهمية الحكم المحلي، أن تكون المنافسة فيه مستندة على العمق القبلي أو الأسري، وخاصة في ظل الضعف الكبير للأحزاب، وعدم قدرتها على توجيه الناخبين وتوعيتهم.

المحجوب: وليامز اتصلت هاتفيا بلجنة «5+5» أثناء وصولها إلى روسيا

 

أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5». (لواء خالد المحجوب)

 

قال آمر التوجيه المعنوي بالقيادة العامة اللواء خالد المحجوب، اليوم الثلاثاء، إن مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة لشؤون ليبيا، ستيفاني وليامز، أجرت «اتصالًا هاتفيًّا باللجنة العسكرية المشتركة (5+5) أثناء وصولها إلى روسيا وذلك للوقوف والاطمئنان على سير عمل اللجنة وما وصلت إليه في ملف إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة» وفق ما نشره عبر صفحته على «فيسبوك».

وعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وليامز في منصب المستشارة الخاصة لشؤون ليبيا، وذلك لقيادة جهود المساعي الحميدة والوساطة والتواصل مع الأطراف المعنية الليبية والإقليمية والدولية لمتابعة تنفيذ مسارات الحوار الليبي، بعد استقالة المبعوث الخاص يان كوبيش.

ووصلت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» إلى موسكو في وقت سابق اليوم قادمة من أنقرة لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس بشأن ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا في إطار الخطة التي اتفق طرفا اللجنة بشأنها قبل أسابيع في جنيف.

وقال المحجوب إن زيارة اللجنة إلى روسيا تهدف «لتكملة عملها للتنسيق في تنفيذ مخرجات برلين واتفاقية جنيف»، مشيرًا إلى أن السفير الليبي لدى روسيا كان في مقدمة مستقبلي اللجنة، وأثنى «على دورها في إحلال السلام وتنفيذ اتفاقية جنيف والعمل على إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة من بلادنا».

وأشار المحجوب إلى أن لقاءات اللجنة مع المسؤولين الأتراك «أسفرت عن نتائج إيجابية ومشجعة للغاية تتوافق مع المرحلة الحالية للواقع الليبي، حيث أكد الجانب التركي إجلاء المرتزقة، وتواجده في داخل ليبيا بالتزامن مع خروج باقي المرتزقة بشكل يشمل الجميع حسب ما يتم تنسيقه من اللجنة العسكرية من تواريخ وجداول زمنية لذلك».

وأضاف المحجوب أن المسؤولين الأتراك «أكدوا اهتمامهم وحرصهم على استقرار ليبيا والقبول بنتائج الانتخابات مهما كان مَن سيفوز بها من المرشحين للرئاسة طالما أنها إرادة الشعب الليبي، وأنها ستتعاون من أجل علاقات متميزة تحترم فيها سيادة ليبيا واستقلالها ووحدتها، مع الرغبة في العمل على التنسيق للبدء في فتح رحلات مباشرة بين تركيا وبنغازي، والتطلع للتعاون التجاري والاقتصادي».

ولفت آمر إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» أشادت خلال زيارتها إلى تركيا «بحفاوة الاستقبال وروح التفاهم والود الذي أبداه الجانب التركي واستعداده لتسهيل عمل اللجنة المشتركة لتنفيذ بنود اتفاقية جنيف حتى تستقر ليبيا».

 

 

 

وفاة رئيس وزراء ليبيا الأسبق مصطفى بن حليم

رئيس وزراء ليبيا الأسبق خلال العهد الملكي، المهندس مصطفى بن حليم. (الإنترنت)

 

تُوفي رئيس وزراء ليبيا الأسبق خلال العهد الملكي، المهندس مصطفى بن حليم، اليوم الثلاثاء، عن عمر ناهز 100 عام في دولة الإمارات العربية المتحدة.

والمهندس مصطفى بن حليم، من مواليد 29 يناير 1921، وينحدر من عائلة امتهنت التجارة منذ قرون وكان والده تاجرًا بمدينة درنة شرق ليبيا. وتولى رئاسة الحكومة الليبية خلال الفترة من 1954 إلى1957.

مطلع العام 1950 عيَّنه الأمير إدريس السنوسي، وزيرًا للأشغال العامة والمواصلات في حكومة برقة، في وزارة محمد الساقزلي، وفي 12 أبريل 1954 كلَّفه الملك إدريس بتشكيل الحكومة الليبية، واستمر في منصبه حتى استقال في 26 مايو 1957.

وبالإضافة إلى رئاسة الوزراء، تقلد بن حليم وزارة المواصلات إلى تاريخ ديسمبر 1954 ثم تقلد وزارة الشؤون الخارجية. وبعد استقالته عيَّنه الملك مستشارًا خاصًا له بمرتب رئيس وزراء، ثم أُرسل إلى باريس ليتولى مهمة سفير ليبيا لدى فرنسا خلال الفترة من 1958 إلى1960 ليكون أول سفير ليبي بباريس.

بعد ذلك، ابتعد بن حليم عن النشاط السياسي واهتم بالأعمال الحرة، لكن في ربيع 1964 استدعاه الملك إدريس ليطلب منه مساعدته في إصلاح هياكل الدولة الليبية، إلا أن فشل هذه الإصلاحات دفعه إلى الابتعاد عن السياسة من جديد.

وتصادف وقوع انقلاب 1 سبتمبر 1969 وجوده وعائلته بأوربا فلم يعد إلى ليبيا إلا بعد سقوط نظام القذافي العام 2011، وزار مدينة بنغازي حيث أقام المجلس الوطني الانتقالي للثورة فبراير استقبالًا رسميًّا له كرئيس حكومة سابق.

تدفق السلاح على ليبيا كاف لتغذية نزاع مسلح جديد

 

رشيد خشــانة – هل تكون الانتخابات فعلا طوق نجاة، مثلما يُؤمل ذلك غالبية الليبيين، الذين ضاقوا ضرعا بالمعاناة على كافة الأصعدة؟ مؤشرات كثيرة تُبين أن المسار الحالي وضع العربة أمام الحصان.

من الصعب أن يتوقع المرءُ عودة الاستقرار إلى ليبيا بالكامل، بمجرد إجراء الانتخابات والإعلان عن نتائجها، فماذا فعل الفرقاء لكي يسود بينهم نمط جديد من العلاقات يُنهي الاحتراب، المستمر منذ أكثر من ستة أعوام؟ وما الضمانة أن الجميع سيقبل بالنتائج ولا يطعن في مصداقيتها؟ كان المفروض أن تسبق العملية الانتخابية تسوية بين المتحاربين، أسوة بـ»اتفاق الطائف» بين الفصائل اللبنانية، ومن خلفها الطوائف، والاعتراف المشترك بحق الآخر في الوجود. وغيابُ مثل هذه التسوية من ليبيا اليوم، يجعل الريبة والحذر يسيطران على موقف هذا الفريق وذاك. ويتعمق هذا الشعور ويتفاقم مع استمرار تدفق الأسلحة على الفريقين بكميات يعتبرها خبراء الأمم المتحدة كافية لتغذية نزاع مسلح جديد بين الطرفين.
لكن مصادر ليبية حسنة الاطلاع تستبعد عودة الحرب التي تحتاج إلى ممولين وداعمين ودول إقليمية راعية، بينما يظهر أن هذه الأخيرة اتفقت في ما بينها على عدم تصعيد الموقف من جديد لعدة اعتبارات. وهذا ما يعني استبعاد فرضية الحرب ليظل الباب مفتوحا أمام المسار السياسي ومن ضمنه الانتخابات.
مع ذلك ترى الأمم المتحدة أن استمرار وجود مرتزقة تشاديين وسودانيين وسوريين، بالإضافة إلى الروس، يشكل «تهديدا جديا» للسلام، حسب تقرير أعده خبراء المنظمة الأممية، وسجل مؤلفوه تراجعا في عدد الجسور الجوية بين ليبيا وكل من الإمارات وروسيا وتركيا، وأن رحلات القوات الجوية التركية تراجعت في العام الجاري بنسبة 64 في المئة، فيما تراجعت رحلات الطيران العسكري الروسي نحو مطارات المنطقة الشرقية من ليبيا، التي يحكمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بنسبة 55 في المئة، وبعضها توقفٌ مؤقتٌ، لأسباب فنية، في الطريق إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. في المقابل، زاد عدد الرحلات التي أمنتها شركة «أجنحة الشام» السورية بنسبة 71 في المئة، والأرجح أنها تُستخدم في نوبات جلب المقاتلين وإعادتهم إلى سوريا.
أخطر ما في التقرير الأممي الذي تم توزيعه على أعضاء مجلس الأمن، أن غالبية الأراضي الليبية توجد تحت سيطرة جماعات مسلحة، تستفيد من حال تعايش مع السلطات المؤقتة الحالية في طرابلس. وقد تمكنت بعثة المراقبين الأمميين من زيارة معقل اللواء حفتر، للمرة الأولى منذ 2017 إلا أنها أشارت في الوقت نفسه إلى بعض الدول، من دون تسميتها، التي قالت إنها تُعرقل عمل البعثة في مراقبة إدخال الأسلحة، والكشف عن الخروق في هذا المجال.
أكثر من ذلك، شدد التقرير، بوضوح، على أنه لا يملك أي دليل على أن عمليات واسعة لسحب الأسلحة قد تمت في الفترة الأخيرة. لا بل إن أصحاب التقرير اتهموا فرنسا ببيع نظام مراقبة الكتروني للمكالمات الهاتفية إلى قوات اللواء حفتر. كما باعت إلى مصر منظومة مُشابهة. والظاهر أن مجموعة «نكسا تكنولوجيس» الحربية الفرنسية هي من باع حفتر نظام المراقبة الالكتروني، عبر وكالتها في الامارات، علما أن القضاء الفرنسي الخاص بمكافحة الارهاب امتنع عن إعطاء أية تفاصيل عن الصفقة. أما الجانب التركي، فيستخدم مرتزقة سوريين، يتقاضون ما بين 800 و2000 دولار شهريا، بحسب التقرير.

تقارب تركي إماراتي
لكن بالرغم من هذه المؤشرات غير المُطمئنة، يرى مُحللون أن أجواء التقارب بين القوى الإقليمية المُتداخلة في الملف الليبي، تؤكد أن الجميع ملوا من الحروب، وهم يسعون إلى تسوية من شأنها إعادة الاستقرار إلى بلد يُعدُ مفتاحا للمنطقة الممتدة من السواحل الجنوبية للمتوسط إلى الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي. ومن أمارات ذلك التقارب زيارة ولي عهد الامارات إلى تركيا أخيرا، وتوقيع حكومة الوحدة الوطنية الليبية اتفاقات اقتصادية كبيرة مع شركات مصرية، وعودة الحرارة إلى العلاقات المصرية القطرية. كلُ تلك الخطوات تنم عن استبعاد القوى الاقليمية للخيار العسكري، بعدما اتضحت قلة جدواه، وجنحت بدلا من ذلك، إلى التفاهم على مائدة حوار.
ومع أن الشهر الماضي شهد عدة تطورات إيجابية، إلا أن أصوات المعارضين للانتخابات، وهم أساسا من مجموعات الإسلام السياسي، شوشت على المسار الانتخابي، بالإضافة لمحاولات كل فريق من المُترشحين قطع الطريق أمام خصومه، وإخراجهم تماما من حلبة السباق. هذه الأجواء المشحونة حملت معها تهديدات جدية بعرقلة العملية الانتخابية، وربما إرجائها تماما، ما جعل وزارتي الداخلية والعدل تصدران بيانا تحذيريا مشتركا. ويدعو المعارضون للانتخابات إلى إجراء استفتاء على مشروع الدستور يسبق العملية الانتخابية.

سيف الإسلام: المحكمة أم الرئاسة؟
وكشفت ملابسات طعن سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، بقرار استبعاده من الانتخابات، لدى مُجمع محاكم سبها (جنوب) وما رافقها من حصار للمحكمة، عن هشاشة الخطة الأمنية، بالرغم من السماح لأعضاء المحكمة لاحقا بالدخول إليها. لكن العملية نزعت اللثام عن تحكم قوات حفتر في المنطقة الشرقية، بينما هو أحد المُرشحين لها.
في السياق شكلت إعادة نجل القذافي إلى حلبة السباق مفاجأة كبيرة للمراقبين في الداخل والخارج، وهو ما يحمل على الاعتقاد بأن الانتخابات (إذا تمت في ميقاتها المقرر ليوم 24 ديسمبر الجاري) ستكون معركة حامية الوطيس بين سيف الإسلام المدعوم من روسيا، وحفتر المدعوم من أمريكا.
وتجلى القلق الأمريكي من دخول سيف الإسلام إلى مضمار السباق من خلال تصريحات المستشار الأول للشؤون السياسية، بوزارة الخارجية السفير جيفري ديلورينتيس، الذي طلب من حكومة الوحدة الوطنية، إلقاء القبض على عبد الله السنوسي (صهر معمر القذافي ومدير مخابراته) وسيف الإسلام، وجميع المطلوبين، وتسليمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي نبرة أعلى من المعهود في مثل هذه المواقف، أكد الأمريكيون أنهم لن يسمحوا بتهديد الاستحقاق الانتخابي، وهو تحذير يصعب أن تتجاهله الأطراف المعنية.
ولوحظ أن السفيرة البريطانية لدى ليبيا كارولاين هرندل، اتخذت الموقف نفسه، مُشددة على ضرورة مثول سيف الإسلام أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهذا الاصرار سيقود إلى توترات كبيرة، بل إلى انقسام جديد بين الليبيين، ينطلق من الخلاف على محاكمة سيف الإسلام، ويتسع إلى العملية الانتخابية برمتها. ولا يُخفي الأمريكيون والبريطانيون عزمهم على دعم جهود المحاكم الليبية والمحكمة الدولية لإخضاع مرتكبي الجرائم للمساءلة، وضمان عدم الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا، انطلاقا من أن المساءلة عن الفظائع «يمكن أن تساهم في تحقيق المصالحة والسلام في ليبيا».
بهذا المعنى تُعتبر عودة سيف الإسلام إلى الظهور، يوم 14 من الشهر الماضي، ليُقدم لمفوضية الانتخابات ترشُحه للرئاسيات، اللغم الأكبر في مسار الانتخابات، بعدما توارى عن الأنظار طيلة أكثر من عشر سنوات. وتم الطعن في ترشُحه، واستُبعد فعلا من القائمة الأولية للمرشحين، إلا أن محكمة الاستئناف أعادته إلى السباق الانتخابي، ما أثار موجة امتعاض واسعة، بالنظر لدوره في مقتل 1200 معارض في سجن بوسليم في العام 2010، وضلوعه في قمع انتفاضة 17 فبراير في العام التالي.

يأتمرون بأوامر عليا
أما اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 فيبدو أنها غير قادرة، هي الأخرى، على تطبيق الحظر على توريد الأسلحة ولا على فرض إخراج المقاتلين من ليبيا، لأنها غير مستقلة، ويأتمر كل طرف من طرفيها بالتوجيهات التي يتلقاها من السلطات العليا، لذا من الصعب أن تُسفر زيارة أعضاء اللجنة حاليا إلى كل من تركيا وروسيا، لإجراء محادثات مع المسؤولين في البلدين، في شأن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، عن تقدم نوعي في هذا الباب.
صحيح أن اللجنة أعدت جدولا زمنيا لسحب أولئك المقاتلين، لكن فرص تطبيقه ضئيلة، وهو ما ينطبق أيضا على الاتفاقات التي توصلت لها مع دول الجوار، لتأمين عودة المرتزقة إلى بلدانهم. وكانت اللجنة اجتمعت في هذا الاطار، أواخر الشهر الماضي في تونس مع ممثلين من تشاد والنيجر والسودان، لضبط رزنامة استعادة مرتزقتها، في «عملية مرحلية ومتوازنة ومتسلسلة» على ما قالت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.
ومع رفض محكمة الاستئناف في طرابلس، الأربعاء الماضي، طعنين ضد المرشَّح عبد الحميد الدبيبة، وقرار إعادته إلى قائمة المرشحين المتنافسين على منصب رئيس الدولة، تعددت الألغام في طريق المسار الانتخابي. ولم تأخذ المحكمة في اعتبارها مخالفة المادة 12 من قانون انتخاب رئيس الدولة، وإخلال رئيس الوزراء المؤقت بالتعهد الذي قطعه على نفسه، خلال اجتماعات ملتقى الحوار السياسي في جنيف، في شباط/فبراير الماضي، بالامتناع من الترشح للرئاسيات.
في خط مواز تعكف المفوضية العليا للانتخابات على الاعداد للانتخابات النيابية، المقررة لبداية العام المقبل، وقد بلغ العدد الإجمالي للمترشحين لعضوية مجلس النواب في جميع الدوائر الانتخابية 3444 مترشحاً ومترشحة، بحسب الإحصاء الصادر الأربعاء الماضي. لكن أوان المعركة التشريعية مازال بعيدا نسبيا، خصوصا وسط التجاذبات والاستقطابات التي تسيطر على السباق الرئاسي. وهنا يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دور الواقي من الصدمات، بقدرتها على الحوار مع جميع الأطراف. غير أن اختيار الموفدين الخاصين لم يكن موفقا في غالب الحالات، ولم يستطع من تداولوا على رئاسة البعثة فهم خصوصيات المجتمع الليبي وتفادي التعقيدات الشخصية في العلاقة مع مختلف الفرقاء والمحافظة على مسافة متساوية من الجميع. وعدا الأمريكية ستيفاني وليامز واللبناني/الفرنسي غسان سلامة، أخفق الموفدون السابقون في بناء علاقات ثقة متينة مع الفرقاء. ولم يشذ الموفد التشيكي الأخير يان كوبيش عن هذه القاعدة.
وربما تُعزى تلك الإخفاقات إلى ضعف معرفة أولئك المبعوثين بثقافة المجتمع الليبي وبنيته، بحكم انتمائهم إلى مجال ثقافي مختلف، ألماني أو اسباني أو تشيكي. وبعد استقالة كوبيش في أوج الإعداد لأول انتخابات في تاريخ ليبيا، لا بد للأمم المتحدة أن تتعظ من أخطائها السابقة، وتبحث عن موفد خاص جديد، يتمتع بخبرة دبلوماسية واسعة وإلمام أدنى بثقافة المجتمع الليبي.

تقرير أممي يحذّر من استمرار وجود مرتزقة في ليبيا ويؤكد تراجع انتهاكات حظر الأسلحة

 

الامم المتحدة: أفاد تقرير أعدّه خبراء في الأمم المتّحدة أنّ عدد الانتهاكات المسجّلة هذا العام لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا تراجع بالمقارنة مع العام الماضي، لكنّ “استمرار وجود” مرتزقة تشاديين وسودانيين وسوريين وروس “ما زال يمثل تهديداً خطيراً” للوضع في هذا البلد.

ووفقاً للتقرير المرحلي السرّي الذي تسلّمه أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر مؤخراً واطّلعت عليه وكالة فرانس برس الثلاثاء فإنّ “الوتيرة المكثّفة لإرسال” شحنات السلاح المحظورة إلى ليبيا تراجعت لكنّ “حظر السلاح يظلّ غير فعّال بتاتاً”.

والخبراء الذين أعدّوا هذا التقرير مكلّفون من قبل مجلس الأمن مراقبة مدى احترام الدول لقراره المتعلّق بمنع إرسال أسلحة إلى ليبيا.

ويغطّي تقرير الخبراء الفترة الممتدّة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر، وقد زاروا من أجل إعداده ليبيا في مناسبتين، الأولى في نيسان/أبريل والثانية في أيلول/سبتمبر، كما أنّهم تمكّنوا من أن يذهبوا، لأول مرة منذ 2017، إلى بنغازي (شرق)، معقل المشير خليفة حفتر، المرشّح للانتخابات الرئاسية المقرّرة في 24 كانون الأول/ديسمبر.

وفي تقريرهم لفت الخبراء أيضاً إلى أنّهم زاروا كذلك كلاً من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وتونس.

وقال الخبراء إنّ “سيطرة بعض الدول الأعضاء على سلاسل التوريد تتواصل، ممّا يعيق بشكل كبير اكتشاف أو تعطيل أو حظر” عمليات إرسال الأسلحة إلى ليبيا، من دون أن يحدّدوا هذه الدول.

وحذّر التقرير من أنّه “بالاستناد إلى عمليات النقل التي تمّت في 2020، تظلّ مخزونات الأسلحة مرتفعة وكافية لإذكاء أيّ نزاع في المستقبل” ، مشيراً إلى أنّ القسم الأكبر من ليبيا لا يزال “تحت سيطرة جماعات مسلّحة ليبية تستفيد من نهج تصالحي تسلكه معها السلطات المؤقتة”.

وأعرب التقرير عن أسفه لأنّه على الرّغم من مطالبتهم العلنية بانسحاب المرتزقة من بلدهم فإنّ “أطراف النزاع ما زالوا يحتفظون بمقاتلين أجانب في صفوف قواتهم، لا سيّما برعايا من تشاد والسودان وسوريا وبأفراد شركات عسكرية روسية خاصة”.

وشدّد التقرير على أنّ “اللّجنة ليس لديها دليل على حدوث انسحابات واسعة النطاق حتى الآن” لهؤلاء المرتزقة.

وبحسب الخبراء فإنّ المقاتلين السوريين الذين يدعمون القوات التركية التي تدافع عن طرابلس في مواجهة قوات حفتر يتقاضون رواتب تتراوح قيمتها بين 800 و 2000 دولار شهرياً.

وأشار التقرير أيضاً إلى الاتّهامات التي وجّهت في أيلول/سبتمبر إلى فرنسا بتنفيذها عمليات عسكرية في جنوب ليبيا، وهي اتّهامات رفضتها باريس في حينه.

وقال التقرير إنّ “فرنسا نفت تورّط قوّاتها في أيّ عملية على الأراضي الليبية ضدّ جبهة التغيير والوفاق في تشاد (فاكت)”.

وأكّد الخبراء الأمميون في تقريرهم أنّ حركة النقل “كانت في 2021 أقلّ بكثير” على الجسور الجوية مع ليبيا والتي استخدمتها في 2020 الإمارات وروسيا، أحياناً عبر سوريا، وتركيا.

كما “تراجع بنسبة 55%”عدد الرحلات الجوية العسكرية الروسية إلى شرق ليبيا الذي تستخدمه موسكو كذلك محطة ترانزيت لرحلاتها المتّجهة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، في حين تراجعت “بنسبة 64%” الرحلات الجوية التي سيّرها الجيش التركي إلى ليبيا.

بالمقابل، زاد بنسبة 71% عدد الرحلات التي تسيّرها من وإلى ليبيا شركة أجنحة الشام السورية، في ارتفاع رجّح التقرير أنّ يكون سببه القيام بعمليات تبديل لمقاتلين أجانب.