رشيد خشانــــة – أتى قرار استقالة يان كوبيش على إثر لقاءات أهمها اجتماع مع القادة العسكريين في المنطقة الغربية أكدوا خلاله أن فوز اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالانتخابات سيكون مرفوضا.
يتطلع الليبيون بترقُب وحيرة إلى ما بعد 12 يوما من غلق باب الترشُح للانتخابات الرئاسية، الاثنين الماضي، إذ أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستُعلن عن القائمة النهائية للمُرشحين الذين استجابت ملفاتهم للشروط القانونية. وتلقت المفوضية 98 طلبا للترشح من بينها سيدتان، واحدة من طرابلس هنيدة محمد المهدي، والثانية ليلى بن خليفة من مدينة زوارة، ذات الغالبية الأمازيغية. وبعد الإعلان عن رفض 25 ترشُحا من بينها ترشُح سيف الاسلام الإبن الثاني لمعمر القذافي، الذي صدرت في شأنه أحكام نهائية من القضاءين الليبي والدولي، سيكون الليبيون بانتظار قرار المفوضية في شأن قبول طعون باقي المرشحين المرفوضين أو استبعادهم نهائيا.
ومن الواضح أن إجازة طلبات وإسقاط أخرى كانا مبنيين على تفاهمات سياسية أكثر مما اعتمدا على القانون الانتخابي. ومن مظاهر ذلك قبول ملف ترشُح رئيس الحكومة المؤقتة، بالرغم من أنه لم يستقل من منصبه قبل تسعين يوما من ميقات الانتخابات، المقررة للرابع والعشرين من الشهر المقبل، مثلما يقتضي ذلك القانون. كما قبلت المفوضية أيضا ترشُح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، في مخالفة واضحة لبنود القانون الانتخابي.
وطعن مرشحون كُثر في قانون الانتخابات الرئاسية، مؤكدين أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وهو من ضمن المُرشحين للرئاسة، سن القانون من دون عرضه على المناقشة والتصويت في المجلس، كما لم يستشر في شأنه المجلس الأعلى للدولة، بعكس ما نص عليه الاتفاق السياسي. وقد يكون رفضُ بعض الترشُحات، مثل سيف الاسلام، منطلقا لتمرد سياسي وعسكري يرمي لإفساد العملية الانتخابية برمتها، وهو ما انفكت تحذر منه الأطراف الدولية المتابعة للوضع الليبي، بمن فيهم مجلس الأمن الذي خصص اجتماعين الأربعاء والخميس الماضيين للوضع في ليبيا، مُتوعدا معرقلي الانتخابات من دون أن يُسميهم.
وبالرغم من أن عملية الترشُحات، التي انطلقت في الثامن من الشهر الجاري، وانتهت الاثنين الماضي، سارت بسلاسة وفي كنف الاستقرار والأمن، اللذين افتقدهما الليبيون منذ سنوات، ظلت هناك مخاوف من المستقبل، وخاصة من انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصل له الفرقاء، بدعم من الأمم المتحدة، في الثالث والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي. ويقول خبراء إن الحملات الانتخابية للمرشحين، وكذلك عمليات الاقتراع، ستجابه صعوبات، إذ أن بعض المرشحين لن يتسنى لهم التواصل مع الناخبين في المنطقة الشرقية، التي يحكمها اللواء حفتر بقبضة من حديد، كما أن حفتر وآخرين من المنطقة الشرقية لن يستطيعوا قيادة حملات انتخابية في المنطقة الغربية، لأن أسر القتلى في المعارك التي فتحها اللواء المتقاعد، تتوعده بالانتقام لأبنائها.
أكثر من ذلك، أفادت أوساط ليبية عليمة أن الموفد الأممي الخاص إلى ليبيا يان كوبيش لم يُقدم على الاستقالة من منصبه في هذه الفترة الدقيقة، إلا بعد ما أيقن أن نتائج الانتخابات قد تقود إلى انقسام أسوأ من السابق. وأوضحت أنه اجتمع مع قادة عسكريين من المنطقة الغربية، وأفهموه أن فوز حفتر أو سيف الاسلام بالانتخابات سيكون نتيجة غير مقبولة، وهو ما حمله على الاستقالة، خشية الفشل المُحقق. ولو كان كوبيش معتقدا، وإن بنسبة ضئيلة، أنه سينتصر في رهانه على نجاح الانتخابات، لما ترك هذه الفرصة تضيع منه، لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير.
مع ذلك يُستشف من تجاوب الليبيين مع عملية التسجيل وكثافة تسلم البطاقات أنهم يُعلقون آمالا كبيرة على الاستحقاق الانتخابي، إذ أكد رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح أن 1.7 مليون بطاقة ناخب تم سحبها، من أصل 2.8 مليون بطاقة مُعدة للتوزيع، أي أكثر من 60 في المئة، وهي نسبة مرتفعة بالنظر للأوضاع الاستثنائية في عدة مناطق، وبينها الجنوب، حيث انهارت مؤسسات الدولة. وسيستمر توزيع البطاقات حتى اليوم الأحد، مع العلم أن العدد الإجمالي لسكان ليبيا يصل إلى قرابة 7 ملايين ساكن. أما على مسار الانتخابات النيابية فتستمر عمليات التسجيل إلى السادس من الشهر المقبل، فيما بلغ عدد المُرشحين للانتخابات البرلمانية أكثر من 1700 مُرشح. والأرجح أن هذه الأخيرة ستتم في يناير/كانون الثاني المقبل، إذا ما سارت الأمور طبقا للمراحل المُقررة في خارطة الطريق، المنبثقة من مؤتمري برلين 1 و2.
هل يُعيدها حفتر؟
وإذا ما نجح الاستحقاقان الانتخابيان ستعرف ليبيا للمرة الأولى في تاريخها رئيساً عبر الاقتراع المباشر. لكن السيناريو الآخر ليس مُستبعدا تماما، إذ أن العارفين باللواء حفتر، الذي سبق أن زحف على العاصمة طرابلس، وكان على قاب قوسين من الاستيلاء عليها، لو لم توقفه الطائرات المُسيرة التركية، سيُعيد الكرة ربما بطريقة مختلفة. لذا يمكن القول إن مدى رضا الفرقاء بنتائج صندوق الاقتراع، هو العنصر المحدد في نجاح المسار الانتخابي أو انتكاسه، خصوصا أن غالبية المرشحين البارزين متحالفون مع قوى دولية مؤثرة في مصير البلد، وهي تلعب دورا كبيرا أحيانا في القرار. وقد لعبت فعلا دورا مُوجها في رفض طلب الترشيح الذي تقدم به سيف الاسلام القذافي في مكتب المفوضية بمدينة سبها (جنوب).
سباق على النفوذ الإقليمي
وبعد ما كانت ليبيا مصدر تجاذبات بين تلك القوى الدولية، محورها الأساسي ثروات البلد من النفط والغاز، انضافت إلى ذلك في السنوات الأخيرة، أهداف جيوستراتيجية تتعلق بالنفوذ في منطقة الساحل والصحراء، الغنية أيضا بالثروات الطبيعية. وتتبوأ ليبيا مكانة محورية في هذا السباق على النفوذ بحكم موقعها الاستراتيجي، الرابط بين سواحل المتوسط شمالا ومنطقة الساحل جنوبا، حيث تملك حدودا مشتركة من الجنوب والشرق مع أربعة بلدان هي النيجر وتشاد والسودان ومصر، ما يجعلها طرفا مهما في صنع الأمن والاستقرار في المنطقة، أو على العكس مصدرا للاضطرابات، إذا ما كانت أوضاعها الداخلية غير مستقرة. وبعدما كان هذا التسابق على مراكز النفوذ والثروة في ليبيا مُقتصرا على القوى الغربية، وفي مقدمها فرنسا وإيطاليا، لعقود طويلة، دخل لاعبون جدد منهم روسيا وتركيا، إلى الملعب الليبي، وحصلوا على مساحات نفوذ في المربع التقليدي لفرنسا، مثل دخول عناصر الشركة الأمنية الروسية «فاغنر» إلى كل من مالي وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، للحلول محل القوات الفرنسية المنسحبة من المنطقة.
بهذا المعنى يُعتقد أن صندوق الانتخابات هو الذي سيُحدد علاقة القوة بين الفرقاء الدوليين، بحسب هوية الفائز، وإن كان الفرنسيون يستبقون الآخرين بتوسعة استثماراتهم باستمرار في قطاع النفط والغاز الليبيين منذ 2018. كما تعتزم المجموعة الفرنسية دعم معاودة بناء حقل المبروك الذي تضرر من المعارك في العام 2014 من أجل الوصول بإنتاجه إلى 40 ألف برميل في اليوم، مع زيادة قدراته من إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية إلى 500 ميغاويت.
وتسعى ليبيا لاستقطاب استثمارات جديدة بُغية زيادة إنتاجها من النفط، وتجاوز حاجز المليوني برميل يوميا، مع بداية العام 2025 بعد ما أعفتها «منظمة البلدان المصدرة للنفط» من تسقيف إنتاجها. وفي السياق ستشتري مجموعة «توتال إينرجيز» الفرنسية حصص الشركة الأمريكية «هيس كوربوريشن» في حقل الواحة الليبي، بالاشتراك مع الشركة الأمريكية الأخرى «كونوكو فليبس». وأوضح رئيس مجلس إدارة «توتال» باتريك بوياناي أن مجموعته ستستثمر ملياري دولار في تطوير الحقل، من أجل زيادة حجم الإنتاج بـ100 ألف برميل في اليوم، ستُضاف إلى الـ300 ألف الحالية. ويُعتبر هذا الاستثمار سياسيا لأن المجموعات النفطية العالمية في حالة انتظار لمآلات الوضع في ليبيا، بينما أكد رئيس «توتال» أنه يرى فرصا جيدة للاستثمار حيث يرى الآخرون مُجازفة غير مضمونة النتائج.
تقرير دولي
والجدير بالملاحظة أن «توتال» سبق أن اشترت في العام 2018 حصة مجموعة «ماراثون أويل» الأمريكية في حقل الواحة، بـ450 مليون دولار، ما قد يدلُ على أن المجموعات الأمريكية تنسحب تدريجا من ليبيا، فيما تحل محلها مجموعتا «توتال» الفرنسية (التي تستثمر أيضا حقول مبروك والشرارة والجرف) و»إيني» الايطالية.
وكشف تقرير دولي عن أهم خمسة شركاء أجانب مستحوذين على غالبية الاستثمارات في قطاع المحروقات الليبي، تشمل إيطاليا وفرنسا وهولندا والنرويج وأمريكا. وأظهر أن الولايات المتحدة ما زالت تلعب دورًا أساسيًا في قطاع الطاقة في ليبيا، لا سيما وأن حكومة الوحدة الوطنية تبذل جهودًا قوية لإشراك الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، بُغية توسيع قدرتها على توليد الطاقة وتوزيعها ونقلها، ففي أيلول/سبتمبر 2019 وقعت مجموعة «جنرال إلكتريك» مذكرة تفاهم مع ليبيا لزيادة قدرة التوليد بمقدار 6000 ميغاويت على مدى السنوات الخمس المقبلة.
أوضاع هشة
وسيحتاج الحكام الجدد في ليبيا إلى أموال كثيرة لإرجاع الأوضاع إلى حالتها الطبيعية وإطلاق حملة إعادة الإعمار، فالحرب الأهلية خلفت 392 ألف مُهجر، ومليون شخص بحاجة إلى مساعدة، فضلا عن 43.000 قتيل. وفي تصنيف أعده البنك الدولي عن الدول ذات الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات، أتت ليبيا في المقدمة. وحاول رئيس الحكومة المؤقتة والمرشح الرئاسي عبد الحميد دبيبة أن يستغل هذه الأوضاع المأسوية لإصلاح شبكتي الكهرباء والماء وتوفير السيولة في المصارف المحلية ومنح مساعدة للشباب سماها «منحة الزواج» ما رفع من شعبيته. لكن تلك النفقات لا تنبع من الميزانية ولا أحد يعرف كلفتها المالية.
استنكار دولي ومحلي واسع للهجوم على محكمة سبها… وتحذيرات من العنف المرتبط بالانتخابات الليبية
عبرت سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، في بيان لها أمس الجمعة، عن مشاركتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مخاوفها بشأن العنف المرتبط بالانتخابات، مؤكدة ضرورة حماية العملية الانتخابية. وفي السياق ذاته، أعربت البعثة الأممية عن انزعاجها إزاء الأنباء الواردة عن هجوم على محكمة سبها، وأدانت بشدة أي شكل من أشكال العنف المرتبط بالانتخابات.
وأشارت، في بيان، لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 لسنة 2021، ومخرجات باريس، وآخرها البيان الرئاسي لمجلس الأمن فيما يتعلق بالمساءلة عن الأعمال التي تعرقل الانتخابات، مشددة على أهمية حماية العملية الانتخابية.
جاء ذلك بعد أن أجلت محكمة استئناف سبها، مساء الخميس، جلسة النظر في الطعن المقدَّم من سيف الإسلام القذافي على قرار استبعاده من القائمة الأولية لمرشحي الانتخابات الرئاسي، وذلك بعد محاصرة مجموعة مسلحة مقر المحكمة.
وأوضح محامي سيف القذافي، خالد الزايدي، في مقطع فيديو قصير نشرته وسائل إعلام محلية، أن المحكمة حدَّدت الساعة الرابعة عصراً للنظر في الطعن المقدَّم من موكله إلا أنهم فوجئوا باقتحام مجموعة مسلحة مقر المحكمة وقيام أفرادها بطرد القضاة والموظفين والعاملين في المحكمة، مؤكداً أن هذه الحادثة من شأنها عرقلة العملية الانتخابية.
ونشرت وسائل الإعلام المحلية فيديو آخر جرى تداول للواقعة، قيام مجموعة من الشباب بالتظاهر أمام مقر محكمة استئناف سبها، وأكد متحدث في الفيديو طرد ميليشيات طارق بن زياد من مقر المحكمة.
وقالت السفارة الأمريكية، في بيان مقتضب، إن الاعتداء على المنشآت القضائية أو الانتخابية أو العاملين في القضاء أو الانتخابات ليست مجرد أعمال جنائية يعاقب عليها القانون الليبي، بل تقوض حق الليبيين في المشاركة في العملية السياسية. وعقب ذلك، أصدر مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية قراراً يقضي بتكليف وزارتي العدل والداخلية للتحقيق الفوري في ملابسات واقعة الاعتداء على محكمة سبها الابتدائية وإعداد تقرير مفصل حول الواقعة، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه ذلك. وأوضحت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، في بيانٍ لها، أن محكمة استئناف سبها “تعرَّضت صباح الخميس، لاعتداء مسلَّح من مجموعة خارجة عن القانون”، مشيرة إلى أن الحادث “روَّع أعضاء الهيئات القضائية والموظفين والمواطنين من خلال إشهار الأسلحة والتهديد وترويع ممن كانوا داخل المحكمة وطردهم خارجها. وقالت الوزارة إنها تستنكر بأشد عبارات الاستنكار المساس بحرمة وهيبة القضاء أينما كان في ليبيا التي نسعى إلى أن تكون آمنة مستقرة تُحترم فيها حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وصرح رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، أن مفوضية الانتخابات أمام خيارين حالياً أولهما الالتزام بـ24 ديسمبر المقبل موعداً للاستحقاق الانتخابي وثانيهما طلب التمديد بعد انتهاء مرحلة الطعون الحالية. وأضاف في لقاء صحافي أمس الجمعة أن المفوضية تأقلمت مع البيئة السياسية والصراع السياسي وعدم التوافق بين الأطراف السياسية وأصبح أمامها التاريخ 24 ديسمبر. وتابع أن العراقيل أمامها انقسمت إلى نوعين أولها فني، مؤكداً أن المفوضية قادرة على التحكم فيها عبر الجدول الزمني والخطط اللوجستية ذات العلاقة بتنفيذ العملية السياسية، موضحاً وجود عراقيل أخرى لا تتحكم ولا تسيطر عليها المفوضية وتقع خارج سلطتها وهي العراقيل السياسية.
وفي وقت سابق أصدرت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، مساء الأربعاء، القرار رقم 80 بشأن اعتماد القائمة الأولية لمرشحي الانتخابات الرئاسية، وتضمنت 73 مرشحاً. واستبعدت المفوضية من خلال هذا القرار المرشح الرئاسي سيف الإسلام معمر القذافي، من القائمة الأولية لمرشحي الانتخابات الرئاسية، وذلك بسبب عدم انطباق المادة (10) البند (7) والمادة (17) البند (5) من قانون انتخاب رئيس الدولة رقم (1) لسنة 2021 الصادر عن مجلس النواب عليه.
وينص البند السابع من المادة (10) من قانون انتخاب رئيس الدولة الخاص بشروط الترشح على ألا يكون محكوماً عليه نهائيّاً في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، كما ينص البند الخامس من المادة (17) على شرط شهادة الخلو من السوابق لطالب الترشح.
كما استبعدت المفوضية من خلال قرار 25 مترشحاً من أبرزهم نوري أبوسهين وعلي زيدان ، بينما تضمنت القائمة الأولية للمرشحين اسم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر وعقيلة صالح.
الدبيبة يصل إلى مقر مفوضية الانتخابات تمهيدا لتقديم أوراق ترشحه للرئاسة

وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، اليوم الأحد، إلى مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في طرابلس تمهيدًا لتقديم أوراق ترشحه لمنصب رئيس الدولة.
واستقبلت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات اليوم أكبر عدد من المرشحين الذين قدموا أوراقهم للترشح للرئاسة منذ فتح باب الترشح في الثامن من نوفمبر الجاري، الذين تجاوز عددهم عشرة مرشحين.
ومن المقرر أن تنتهي غدًا مرحلة قبول طلبات الترشح لانتخابات رئيس الدولة، وتعقد المفوضية بعد ظهر غد مؤتمرًا صحفيًّا بشأن انتهاء هذه المرحلة، وآخر استعدادات توزيع بطاقة الناخب.
وتوقعت مصادر بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن يصل عدد المواطنين المتقدمين للترشح في الانتخابات الرئاسية إلى 50 مرشحًا، وفق ما أوردت قناة «ليبيا الوطنية».
قوى دولية وإقليمية تُوجه نتائج الانتخابات الليبية وغياب لافت للمرأة والشباب
رشيد خشــانة – اختلطت أوراق الانتخابات الرئاسية في ليبيا، بعد إقدام شخصيات من الصف الأول على الدخول إلى الحلبة، في منافسة مفتوحة مع حلفاء الأمس. وينطبق ذلك على حلفاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس كتلة «إحياء ليبيا» السفير السابق عارف النايض. أما في الضفة المقابلة فإن ترشيح سيف الإسلام القذافي قابله ترشُح عدة مسؤولين كبارا في نظام والده، ومن بينهم الأمين الأسبق لجمعية الدعوة الإسلامية، محمد أحمد الشريف ووزير الكهرباء والصناعة الأسبق فتحي بن شتوان.
الورقة الأقوى بين أيدي الثلاثي سيف الإسلام وحفتر وصالح، تتمثل في خيبة أمل الليبيين من التغيير، وميلهم إلى اعتبار استعادة الاستقرار والأمان، أولوية الأولويات، وإن أتيا على أيدي رموز النظام السابق. والعائق الرئيس في هذا المجال هو إصرار كل مُرشح على أنه هو الأكثر شعبية، والأوفر فرصا للوصول إلى سدة الرئاسة، وبالتالي فهو لا يقبل التنازل لمرشح آخر. وتجلت هذه النزعة بوضوح في ترشُح عقيلة صالح لمنافسة خليفة حفتر. ومن المؤكد أن المعركة الانتخابية بينهما في المنطقة الشرقية، ستكون من أشرس المعارك (إذا لم تُؤجل الانتخابات) لأنهما يسحبان من خزان انتخابي واحد، وهما يعدان الليبيين ببرنامج متشابه، يقوم على العودة إلى المربع الأول، قبل انتفاضة 2011، أي على نسخة معدلة من «النظام الجماهيري» الذي أطاح به الليبيون.
ويبرز هنا اسم فتحي باشاغا وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، والذي يُعتبر من المرشحين الأوفر حظا، أولا لكونه يمثل مدينة مصراتة، وهي قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، ومركز ثقل سكاني، وثانيا لأنه يملك امتدادات في المنطقة الشرقية وأيضا في الجنوب، وثالثا لأنه انطلق منذ فترة في زيارات إلى الدول المتداخلة في الملف الليبي، لشرح رؤيته لإنهاء الصراع، ومن ثم العمل على كسب دعمها.
وستتولى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات فحص ملفات الترشُح، وفق الشروط المنصوص عليها في القانون الانتخابي المثير للجدل، قبل غلق باب الترشح غدا الإثنين، ليتم إثرها الاعلان عن القائمات الأولية، مع فتح باب الطعون، وبعد الفصل فيها، ستعلن المفوضية القائمات النهائية.
ومن خلال استعراض أسماء المرشحين، يتجلى غياب لافت للمرأة والشباب، فالأكثرية تخطت عتبة الستين، وبعضهم أدرك الثامنة والسبعين (حفتر). وهذا مؤشر على أن هكذا مرشحين لن يستمعوا إلى الشباب ولا يفهمون قضاياه، وإذا ما استمعوا له لا يتجاوبون معه، علما أن أكثر من نصف سكان ليبيا هم من الشباب.
وشكل العسكريون أقلية من المُرشحين، إذ لا يتجاوز عددهم اثنين، هما اللواء خليفة حفتر والفريق محمد علي المهدي، رئيس الأركان العامة في حكومة الوفاق الوطني السابقة، وتبدو فرص الأخير ضئيلة في وجود منافسين مدنيين من الوزن الثقيل. أما سيف الإسلام القذافي، وهو الإبن الثاني للعقيد الراحل، فهو المُرشح الأكثر إثارة للجدل، إذ لم ينس الليبيون تهديده ووعيده بحمام من الدماء، أثناء انتفاضة 17 فبراير/شباط، إلى ما قبل ساعات من إلقاء القبض عليه، وهو في جنوب البلاد، يُحاول الهرب إلى النيجر، في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
قطع الأصابع
واللافت أن قبيلة الزنتان التي اعتقلته، وسجنته طيلة ثمانية أعوام، قطعت إصبعيه اللذين رسم بهما علامة النصر، عندما كانت القوات النظامية تحصد أرواح الثوار. وتم الإفراج عنه في 2017 فتوارى عن الأنظار، إلى أن ظهر أخيرا في عاصمة اقليم فزان (جنوب) ليُقدم ترشُحه للانتخابات. من هنا فإن الثقل الاجتماعي الذي سيعتمد عليه هو أساسا قبيلة القذاذفة، والمنطقة الوسطى حول مدينة سرت.
لكن من المُفترض قانونا أن ترفض المفوضية العليا للانتخابات ترشُحه باعتبار الأحكام الصادرة بحقه من محكمة الجنايات الليبية، في 2015 ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسليمه لها لمقاضاته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتُعتبر روسيا أهم حليف يُدافع عن ترشُح سيف الإسلام، ويرى فيه «المنقذ» لليبيا، على أمل أن يُجدد صفقات السلاح مع روسيا، ويُعيد إحياء المشاريع التي كانت تنفذها شركات روسية قبل 2011.
كما يُفترض أن تُبطل المفوضية العليا للانتخابات أيضا ترشُح حفتر، تطبيقا لبنود قانون الانتخابات، الذي لا يُجيز ترشُح حاملي الجنسية المزدوجة، أسوة بالمواطن الليبي الأمريكي حفتر. وتبدو أمريكا دافعة بقوة لإجراء انتخابات تُسفر عن فوز حفتر، إذ أكد مسؤول في الخارجية الأمريكية لم يشأ الافصاح عن هويته، أن واشنطن «تشارك الكثير من الليبيين مخاوفهم من أن يصبح مرشح متورط في جرائم ضد الإنسانية (سيف الإسلام) رئيسًا لهم، في إشارة واضحة إلى ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة. أكثر من ذلك، انتهز الأمريكيون ظهور سيف الإسلام مُجددا على سطح الأحداث، ليُطالبوا بمحاكمته وليس بترئيسه، مثلما يسعى لذلك الروس. بل وربطوا بين هذه المحاسبة وبين «نجاح عملية الانتقال السياسي».
البت في صحة الترشُحات
ستبدو ملامح الخارطة الانتخابية في صورة أوضح غدا الاثنين، في ضوء البت في مصير الترشُحات بعدما فتحت المفوضية مراكز الاقتراع بدءاً من الإثنين الماضي، وحتى اليوم الأحد، لتوزيع أكثر من 2.8 مليون بطاقة ناخب من خلال 1906 مراكز اقتراع، منتشرة على كافة أنحاء البلد. وستتم في 24 ديسمبر المقبل الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، فيما تجري الجولة الثانية تزامناً مع الانتخابات البرلمانية، التي يُرجح أنها ستكون بعد 52 يوماً. وخلال السنوات العشر الماضية شهدت ليبيا انتخابات برلمانية مرتين، الأولى في 2012 تحت إشراف «المجلس الوطني الانتقالي» الذي قاد البلاد بعد مقتل القذافي، وأسفرت الانتخابات عن تشكيل «المؤتمر الوطني العام» (البرلمان). وكان رئيس المؤتمر يقوم في الوقت نفسه بمهام رئيس الدولة، وهو المنصب الذي تداول عليه كل من نوري بوسهمين وعبد الرحيم الكيب وعلي زيدان. وأجريت في 2014 انتخابات مجلس النواب، وتولى رئيسه القيام بأعمال رئيس الدولة أيضا.
التوزيع الجغرافي
ومن المهم معرفة الانتماء الجغرافي لأبرز المرشحين، لكي نتصور التحالفات الممكنة من جهة والمنافسات، التي قد تصل إلى معارك كسر عظم بين المرشحين، من جهة ثانية. فمن المرشحين في طرابلس أحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي سابقا والفريق محمد علي المهدي رئيس الأركان العامة السابق ومحمد المزوغي وعبد الله ناكر قائد إحدى الميليشيات في العاصمة، وفتحي بن شتوان وزير الصناعة والنفط في عهد القذافي، ومحمد أحمد الشريف الأمين الأسبق لـ»جمعية الدعوة الإسلامية» وكان يتمتع بحُظوة خاصة لدى معمر القذافي، وابراهيم دباشي مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا، وعبد الحكيم زامونة وأسعد محسن زهيو وفيضان عيد حمزة والسنوسي عبدالسلام الزوي، بالاضافة إلى كل من عثمان عبد الجليل وزير التعليم في حكومة فايز السراج، وعبد السلام رحيل أستاذ القانون العام، والخبير الاقتصادي خالد محمد الغويل وكيل وزارة التخطيط سابقًا، وإسماعيل الشتيوي رجل الأعمال والرئيس الفخري للنادي الأهلي طرابلس، وأسامة البرعصي ومروان عبد الله عميش رئيس منظمة سرت الوطن للاستقرار والسلم الاجتماعي. أما المرشحون في شرق البلد فيقتصرون على خليفة حفتر وعقيلة صالح وأسامة البرعصي.
بطش حفتر
ربما يُعزى إحجام كثير من الشخصيات العامة في إقليم برقة عن الترشُح إلى خوفهم من بطش حفتر، الذي لن ينظر بعين الرضى لوجود منافسين يتقاسمون معه أصوات الناخبين، عدا صالح لأنه يتمتع بالحصانة، والبرعصي لأنه من قبيلة البراعصة إحدى أكبر القبائل الليبية. وفي سبها هناك مرشح واحد، إلى ساعة كتابة هذا التقرير أمس السبت، هو سيف الإسلام. أما العدد الإجمالي للمرشحين فتجاوز الخمسة والعشرين، والمؤكد أن بعضهم سيُرفض طلبهم، ممن لا تتوافر فيهم شروط الترشح.
في المقابل يشكل مسعى رئيس حكومة الوفاق الوطني عبد الحميد الدبيبة للترشُح للرئاسة حالة فريدة ومعقدة، لكونه لم يستقل من مهامه قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع، بحسب ما ينص عليه قانون الانتخابات الرئاسية. غير أن الدبيبة وأنصاره يطعنون في شرعية القانون، مؤكدين أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح هو من وضعه، وفصل بنوده على مقاسه ومقاسات حلفائه. وكان عشرات النواب انتقدوا مُمانعة صالح من عرض مشروعي قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية، على المناقشة العامة في مجلس النواب، قبل سنه رسميا. وفي تحد لموقف صالح، قام الدبيبة بتعبئة إقرار الذمة المالية، الخاص به وأفراد أسرته، وهو أحد الشروط للترشح للانتخابات الرئاسية، قبل أن يُقدم ترشُحه رسميا إلى المفوضية العليا للانتخابات.
البتُ في الطعون
والجدير بالاشارة هنا أن دور المفوضية العليا يقتصر على استلام ملفات الترشُح، لتُحيل الطلب إلى الإدارة العامة، بُغية التثبت من مدى استيفاء الترشح للمستندات المطلوبة، ثم تُحيله إلى الجهات المختصة للنظر في مدى صحة الترشح من عدمه. ووعدت المفوضية بنشر ما يعرف بـ»القائمات النهائية» عند اكتمال مرحلة الفصل في الطعون، ومن ثم تضمين أسماء المرشحين المجازين في بطاقة الاقتراع، التي ستسلم إلى الناخب يوم الانتخاب للإدلاء بصوته.
وطبقا للقانون رقم 1 لسنة 2021، يُقصى من الترشُح من هو محكوم نهائياً في جناية أو جنحة مُخلة بالشرف أو الأمانة، ومن يحمل جنسية دولة أخرى عند ترشحه.
إقبال تخطى حاجز المليون
والأرجح أن الانتخابات الرئاسية ستشهد إقبالا كبيرا، مثلما تدل على ذلك درجةُ الاقبال على استلام بطاقات الانتخاب. ومن المؤشرات على ذلك أيضا احتفال المفوضية العليا للانتخابات بتخطي حاجز المليون ناخب ممن استلموا بطاقاتهم، بحسب الإحصاءات الواردة من المراكز الانتخابية. وأكدت المفوضية توزيع مليون ومئتي ألف واثنتين من بطاقات الانتخاب، في مراكز الاقتراع التابعة لمكاتب الإدارات الانتخابية في مختلف مناطق البلاد.
وعلى الصعيد الخارجي تُتابع عواصم الدول المُتداخلة في الصراع الليبي المسار الانتخابي بجميع تفريعاته ورهاناته. ويعمل كل طرف على تلميع صورة حليفه وتبخيس منافسيه. وبرزت روسيا بدعمها لسيف الإسلام القذافي، الذي تسعى واشنطن إلى إخراجه من حلبة المنافسة الانتخابية تماما، بالاعتماد على ملفه لدى المحكمة الجنائية الدولية. كما أن المرشح فتحي باشاغا لا يُخفي تحالفه مع تركيا، مع المحافظة على علاقات مفتوحة مع العواصم الغربية والعربية المعنية بالصراع الليبي الليبي. أما أمريكا فأطلقت إشارات إلى أنها تفضل مواطنها خليفة حفتر، بالرغم من أن فرصه في استقطاب أصوات المنطقة الغربية (طرابلس ومصراتة) ستكون ضئيلة جدا.
اسرائيل الحليف الجديد
وفي الفترة الأخيرة انضم إلى دائرة داعمي حفتر حليف جديد له وزنه الإقليمي، هو إسرائيل التي زارها سرا نجله صدام، وتوصل إلى صفقة مع المسؤولين فيها، تدعم بموجبها الدولة العبرية الجنرال المتقاعد في الانتخابات، مقابل إقامة علاقات مع تل أبيب في حال فاز بالرئاسة.
والأرجح أيضا أن فرنسا ستواصل دعم حفتر، إلى جانب كل من الإمارات ومصر، فيما تقف غريمتها إيطاليا إلى جانب مرشحي المنطقة الغربية، ذات الثقل السكاني الحاسم. ولوحظ أن إيطاليا لم تُدع للمشاركة في الاجتماع الرباعي حول ليبيا، الذي عقده وزراء خارجية فرنسا ومصر واليونان وقبرص، الجمعة في أثينا، ولم يُكشف عما دار فيه.
ويمكن القول إن عواصم عدة، عربية وأجنبية، ستكون عيونها مُركزة على ليبيا، طيلة الأسابيع الحاسمة المقبلة، ليس فقط لمواكبة معركة الترشُحات، وإنما أيضا للتدخل الخفي في المرحلة الموالية، في إطار محاولة كل طرف دولي تذليل العقبات أمام تقدُم حليفه المحلي. وليس مُستبعدا أن يلجأ الطرف الخاسر في العملية الانتخابية إلى الاستعاضة عن صندوق الاقتراع بصندوق الذخيرة، في بلد ما زالت مجموعات المرتزقة الأجانب تُحسب فيه بالآلاف، وقطع السلاح المنتشرة في مدنه تُحسب بعشرات الآلاف.
شبكة النساء المنتخبات في ليبيا تعقد مؤتمرها التنظيمي الثاني في تونس الجمعة

تعقد شبكة النساء المنتخبات، على المستوى المحلي في ليبيا، مؤتمرها التنظيمي الثاني، بتونس، الجمعة المقبل، والذي يستمر على مدى ثلاثة أيام، تحت شعار «دعم المشاركة السياسية المحلية للنساء في ليبيا».
وقالت الشبكة، في بيان اليوم، إن المؤتمر يأتي في إطار أنشطة الدعم التي يقدمها برنامج تطوير الخدمات وترسيخ المساءلة على المستوى المحلي (إيصال) للشبكة، الذي ينفذه المكتب الإقليمي لوكالة التعاون الدولي لجمعية البلديات الهولندية (CILG- VNG International)، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الهولندية، كما تسهم وكالة التعاون الألماني في دعم المؤتمر.
وبحسب البيان، يشهد المؤتمر حضور مسؤولين سامين من الإدارة البلدية الليبية، وأكثر من 200 مشارك بين عضوات مجالس محلية منتخبة وممثلات وممثلين عن المجتمع المدني، وخبراء دوليين في مجال الحوكمة الشاملة والتنمية المحلية، مؤكدًا أن المؤتمر يهدف لدعم المشاركة السياسية المحلية للقيادات النسائية حاليًا، والنقاش وتبادل الخبرات بين مختلف بلدان المنطقة حول برامج ومبادرات دعم حضور المرأة في المجالس المنتخبة وفي مواقع القرار، كما سيعرض قصص نجاح لقيادات نسائية أسهمت في تعزيز الخدمات البلدية الشاملة.
كما يستهدف المؤتمر التوعية حول ضرورة تفعيل مشاركة المرأة الليبية في الحياة المحلية والسياسية، ودعم آليات صعودها إلى المجالس المنتخبة.
وتأسست شبكة النساء المنتخبات الليبية العام 2017، وتضم أكثر من 90عضوة، فيما تتمثل أهدافها في تعزيز قدرات النساء المنتخبات وتبادل الخبرات والتجارب حول قضايا المرأة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا ومناهضة كل أشكال العنف ضد النساء المنتخبات، والمساهمة في فض النزاعات وإرساء الاستقرار في ليبيا، وفق البيان.
ليبيا: مؤتمر باريس يُثبت ميقات الانتخابات ويتوعد المُزورين
رشيد خشــانة – ما زال المسار الانتخابي مصدر خلافات بين الأطراف الليبية المتصارعة، التي يُطالب بعضُها بإرجاء العملية جملة وتفصيلا. وثبت المشاركون في «المؤتمر الدولي من أجل ليبيا» بباريس، تاريخ إجراء الانتخابات، في الشهر المقبل، مع اعتماد القانون الانتخابي، الذي احتوى على مطاعن وقيود تُقصي بعض الشخصيات الراغبة بالترشح للرئاسيات من السباق الانتخابي، في ظل غياب قاعدة دستورية للانتخابات.
لم يُضف البيان الختامي للمؤتمر الدولي من أجل ليبيا، في باريس الجمعة، أي إجراء جديد إلى مقررات مؤتمري برلين1 وبرلين2 في شأن سُبُل الخروج من الأزمة الليبية، عدا تأكيد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، على أهمية الخطوة المتمثلة بإنشاء هيئة عليا للمصالحة الوطنية. لكن المنفي حض بقوة الماسكين بالسلطة حاليا والمرشحين المحتملين، على «التقيّد بالتزامهم بإجراء الانتخابات في 24 من الشهر المقبل، وعلى الالتزام علنًا باحترام حقوق خصومهم السياسيين قبل الانتخابات وخلالها وبعد انتهائها، وعلى قبول نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة والجامعة».
والقصد من هذا التحذير، الذي يأتي على بُعد أقل من ستة أسابيع من ميقات الانتخابات، هو توجيه تنبيه إلى المطالبين بإرجاء المسار الانتخابي، أسوة برئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وكذلك الدول التي تعمل على تأخير الانتخابات، وبخاصة روسيا وتركيا. في المقابل جدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، في الكلمة التي ألقاها على منبر المؤتمر، على ضرورة «إشراك الحكومة في مفاوضات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 المكلفة بإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا» مشددًا على ضرورة أن يجري ذلك «تحت إشراف مباشر من الدولة الليبية».
ويُعتبر بقاء قوات أجنبية من جنسيات مختلفة، فوق الأراضي الليبية، علامة على عجز المجتمع الدولي عن تأمين ظروف طبيعية للانتخابات، وفي مقدمها إخراج المرتزقة وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن. لا بل إن مؤشرات عدة تدل على أن إجراءها وسط حقل من الألغام سيؤدي إلى نتائج عكسية، قد تقود إلى عودة الصراع العسكري مجددا أو إلى التقسيم.
حفتر وصالح… منافسة أم مفاهمة؟
واللغم الأكبر هو اعتزام كل من القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح الترشُح للرئاسيات، وإن كان ترشُح الرجلين في وقت واحد غير مؤكد، لأنه يعني مواجهة ميدانية بينهما، ما لم يتوصلا إلى تفاهم مُسبق ينسحب بمقتضاه أحدهما في مقابل ترتيبات ثنائية. واستطرادا فإن كتلة أصوات المنطقة الشرقية، التي يبلغ عدد سكانها 1.7 مليون ساكن، ستتشتت في هذه الحالة، وتضيع بين القبائل.
زيادة على ذلك، ليست العلاقات بين الحليفين على أحسن ما يُرام، إذ يختزن صالح كرها شديدا لأبناء حفتر، الذين سلمهم والدُهم مناصب مفتاحية في جيشه، بينما يتباهى صالح بأنه لم يُسلم لأي من أبنائه العشرة منصبا في الدولة. ويتمتع صالح بقاعدة قبلية ممتدة، تتمثل في قبيلته العبيدات، وهي من أكبر القبائل الليبية، وتُعرف بكونها غير مؤيدة لحفتر، فيما يحظى الأخير بقاعدة عسكرية/قبلية قوية، نواتها الصلبة قبيلة الفرجان. لكن قبول ترشُح حفتر للرئاسة سيكون مُتعارضا مع مبدإ قانوني هو ألا يكون المترشح حاملاً لجنسية دولة أخرى، بينما حفتر أمريكي/ليبي الجنسية.
انتقاء المراقبين
واللغم الثاني هو سيطرة أنصار حفتر على جميع مكاتب الاقتراع تقريبا في المنطقة الشرقية، وجزئيا في إقليم فزان (جنوب). ومن دلالات ذلك أن حفتر فرض على مراقبي عمليات الاقتراع في المنطقة الشرقية الحصول على ترخيص أمني مسبق من رجاله، ما يسمح بانتقائهم فردا فردا، للتأكد من أنهم «مضمونون». واللافت أن العواصم الغربية المتداخلة في الصراع الليبي غضت الطرف عن تلك الخروق وأيدت ضمنيا ترشُح حفتر، وقد تتسامح حتى مع ترشُح سيف الإسلام القذافي المُلاحق من العدالة الدولية. والخطر هنا أن يعتمد المرشحون الآخرون على تلك المخالفات وغيرها، لرفض النتائج واعتبار الانتخابات مُزورة، واستطرادا يغدو البلد برمته مرشحا للعودة إلى مناخ الحرب، التي اندلعت في 2014 احتجاجا على نتائج الانتخابات أيضا.
ودرءا لشبح عودة الاقتتال نبهت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية غير الحكومية، إلى ضرورة ضمان أن يكون التصويت شاملًا، وألا يُقصى أحد من حق الترشح في إطار القانون، متسائلة في بيان أصدرته الخميس: هل هناك خطة أمنية قوية لحماية مراكز التصويت؟ وهل يمكن للقضاء التعامل بسرعة وإنصاف مع النزاعات المرتبطة بالانتخابات؟ وهل يمكن لمنظمي الانتخابات ضمان وصول المراقبين المستقلين إلى أماكن التصويت، ولو في المناطق النائية؟ وهل رتّبت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء تدقيق خارجي مستقل في سجل الانتخابات؟
لم تُعط المنظمة جوابا على أسئلتها الحقيقية والوجيهة، لكن من الواضح أنها أسئلة إنكارية. وبما أن القواعد الانتخابية يمكنها أن تقصي بشكل تعسفي ناخبين ومرشحين محتملين، كيف يمكن للسلطات ضمان أن يكون التصويت شاملًا؟
الدبيبة ومراكز القوى
في هذا المضمار تحديدا يُطرح «حق» رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في الترشح للرئاسيات، خاصة أن البند 12 من القانون الانتخابي يُقصيه من الترشُح، لأنه لم يستجب لشرط أساسي يتمثل في الاستقالة من منصبه قبل ثلاثة أشهر من حلول ميقات الانتخابات، فيما يؤكد أنصاره أنه يحظى بشعبية كبيرة، ليس فقط في المنطقة الغربية (ينتمي إلى مصراتة) وإنما في المنطقة الشرقية أيضا. وفي تطور ذي دلالات اجتمع أخيرا القادة العسكريون في طرابلس وأيدوا إجراء الانتخابات، وهم إجمالا قادة ميليشيات تابعون شكلا للحكومة (وزارتا الدفاع والداخلية) ويتقاضون رواتبهم منها في مقابل حمايتها، ولذا فهم يسيطرون على القسم الأكبر من العاصمة. غير أن هؤلاء القادة العسكريين اشترطوا تعديل القانون الانتخابي، وهو موقف يُعتبر الدبيبة أول المستفيدين منه، لأن تعديل القانون يمكن أن يشمل البند 12. وقد يذهب الدبيبة إلى حد الدفاع عن حرية الترشُح، التي تشمل جميع المتطلعين إلى السباق الرئاسي، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي. ويؤكد أنصار الدبيبة أنه يرى أنه لا يمكن لأي مركز من مراكز القوى في ليبيا أن يُسيطر بمفرده، وأن إشراك الجميع ضرورة لنجاح المسار السياسي الذي انطلق من برلين.
ثلاث دعاوى ضد حفتر
بالرغم من أن الثقل السكاني يقع في المنطقة الغربية، التي لا يحتكر النفوذ فيها مرشح واحد، وأن النتائج المُسجلة فيها ربما تحسم الموقف انتخابيا، تمضي أمريكا في دعم حفتر. ويذهب بعض المراقبين إلى حد ترجيح أن القضاء الأمريكي أرجأ المحاكمة التي كان يُفترض أن يخضع لها حفتر في الولايات المتحدة، منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى ما بعد الانتخابات، بناء على قناعة أمريكية بأنه سيكون الرئيس المقبل، وأن الحصانة التي سيتمتع بها تحميه من الملاحقات القضائية في المستقبل.
وكانت القاضية الأمريكية خلصت إلى أنه نظرًا لـ«الاعتبارات السياسية، وبسبب التداخلات الأخيرة في شؤون القضاء من الطرفين (الليبيين) وفي ضوء التطورات السياسية في البلاد (ليبيا) وتفاعلات الانتخابات الرئاسية التي قد يُرشح حفتر نفسه إليها، قررت (المحكمة الجزئية الأميركية في ولاية فيرجينيا) تجميد مسار المحكمة الحالي، حتى انتهاء الانتخابات، وإصدار قرار جديد بمعاودة فتح هذه المحاكمات». وكانت المحكمة أمهلت في الأصل حفتر أسبوعين، للإجابة على أسئلة، في إطار ثلاث دعاوى قضائية تتهمه بارتكاب جرائم حرب، لكنها مددت المهلة لتزامنها مع الأجواء الانتخابية، وللنأي بها عن التجاذبات السياسية، على ما قالت القاضية.
واعتبرت القاضية الأمريكية أن المراسلات التي وجهها رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي طلال الميهوب، للمحكمة في 13 تشرين الأول/أكتوبر، «تدخلا سياسيا سافرا» من خلال طلبه دعم إجراء قانوني دفاعا عن حفتر، بحسب عصام أعميش، رئيس التحالف الليبي الأمريكي، الذي يساند محامي عائلات الضحايا. ويؤكد الأمريكيون أن الأمر لا يتعلق بمحاباة للواء المتقاعد، الذي سكن على مدى ثلاثة عقود في فرجينيا. لذلك يمكن القول إجمالا إن الأمريكيين ما زالوا مراهنين على ورقة حفتر، بالرغم من كونه حليفا مزعجا، وهم يستعجلون الوصول إلى حل سياسي يُمكن اللواء المتقاعد من الفوز بالرئاسة، عبر صندوق الاقتراع، بعدما خابت حملته العسكرية على طرابلس. وأكدت صحيفة «واشنطن بوست» نقلا عن مسؤول أمريكي كبير لم تُسمه، إن إدارة بايدن قيَّمت المخاطر المرتبطة بتأجيل الانتخابات، ورأت أنها أكبر من إجرائها في ظل الظروف الحالية، مُعتبرة أن ليبيا تمتعت بفترة من الهدوء النسبي طوال الاستعدادات الجارية للانتخابات.
محور مصري إماراتي إسرائيلي
ويتعزز هذا الرهان الأمريكي برهان مماثل في المستوى الإقليمي، إذ أن مصر رتبت الأمور، على ما يبدو، لضمان فوز حليفها الدائم حفتر بالرئاسة. وتشكل في هذا السياق الانتخابي محور مصري إماراتي إسرائيلي، مثلما تُؤشر إلى ذلك زيارة صدام نجل خليفة حفتر إلى إسرائيل، ومحادثاته مع مسؤولين إسرائيليين، لم يُكشف عن فحواها. وتشكل هذه الخطوة انعطافا، حتى لو صح أن لقاءات أخرى سرية سبقتها. وربما يُفسر دخولُ الدولة العبرية على خط الانتخابات الليبية الإصرار الأمريكي على إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في الرابع والعشرين من الشهر المقبل. ومن الواضح أن الخلافات بين المرشحين البارزين في المنطقة الغربية تُيسر مهمة الثلاثي المصري الإماراتي الإسرائيلي، الباحث عن حليف قوي في ليبيا، باعتبارها منطقة مفتاحية استراتيجيا.
وأجريت محاولات لتجسير فجوة الخلافات بين المرشحين الرئيسين في الشرق والغرب، من أبرزها لقاءات بين حفتر ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا في القاهرة، لكن يعرف الأخير أن التفاهم مع غريمه غير ممكن، ولذلك انقطعت الاتصالات بينهما، أقلُهُ في الظاهر.
ثلاث قوى
من هنا فإن مشكلة المنطقة الغربية، المؤلفة من ثلاث قوى عسكرية وسياسية، هي مصراتة وطرابلس والزاوية، أنها لا تملك زعامة سياسية تتمتع بشبه إجماع، عدا ربما، باشاغا والدبيبة، وبدرجة أقل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، المُعارض بشدة لإجراء الانتخابات. وهنا يُطرح السؤال التالي: ما الضمانة أن الخاسرين في الانتخابات سيرضون بالنتائج المُعلنة ولا يعتبرونها مزورة؟ وعلى فرض أنهم سيلجأون إلى القانون الدولي، فذلك لن يُجد نفعا، لأن حفتر وأنصاره لا يقيمون أي وزن للمجتمع الدولي ولا للقوانين. ومن دلائل ضعف الموقف الدولي، وخاصة الأوروبي، أن دول الاتحاد رحبت بفتح باب الترشُح للانتخابات الرئاسية، مع أن قانون الانتخابات ما زال محل طعن، لأن أعضاء المجلس النيابي لم يُصوتوا عليه، بل إن عقيلة صالح هو من صاغ القانونين الرئاسي والبرلماني بمفرده، في معزل عن النواب.
كما طلب الأوروبيون من رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح اعتماد القانونين الآتيين من مجلس النواب، بالرغم من المطاعن المذكورة. وردا على طعون الطاعنين أشار عليهم السائح بالتوجُه إلى القضاء لإسقاط القانونين، لكن لا توجد محكمة دستورية حاليا في ليبيا، فجميع دوائر المحكمة مقفلة. كما أن شرطا مهما لسن القوانين في هذه المرحلة لم تتم الاستجابة له، لدى إخراج عقيلة صالح القانون الجديد من معطفه، وهو وجود توافق بين مجلسي الدولة والنواب، على الصيغة النهائية للقانون.
مشروع ديكتاتورية؟
مثلُ هذا الوضع قد يدفع الأمور نحو التقسيم، بحسب بعض المحللين، إذ اعتبر تسعة وأربعون عضوا بمجلس النواب أن إجراء الانتخابات الرئاسية من دون قاعدة دستورية هو «مشروع ديكتاتورية» أيا كانت النتائج، وحضوا على مراجعة قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب، وعرضهما على المناقشة والتصويت في البرلمان، مثلما تقتضي ذلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الصدد، وطبقا لما نصت عليه خريطة الطريق، مُشددين على ضرورة التعاطي معها «كحزمة متكاملة وليس بأسلوب انتقائي».
ووصف النواب من يدعون إلى إجراء الانتخابات بأي ثمن، ومن دون وجود الحد الأدنى من مقومات النجاح، بأنهم «ضحايا حملات إعلامية مضللة، تقودها مخابرات دول أجنبية متداخلة سلبًا في ليبيا» من دون تسميتها في بيانهم الصادر يوم الثلاثاء الماضي. وستتبلور الصورة أكثر بعد غلق باب الترشح لانتخابات رئيس الدولة يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، فيما ينتهي قبول طلبات الترشح للانتخابات النيابية يوم 7 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
مصر وتركيا
على هذه الخلفية يستبعد كثيرون عودة الحرب، لأن الداعمين الدوليين والإقليميين ضجروا من الحروب الليبية وباتوا مشغولين في هذه المرحلة بالتسابق على تحصيل صفقات إعادة الإعمار. وفي مقدم هؤلاء مصر التي عقدت حكومتها صفقات ضخمة مع حكومة الوحدة الوطنية، لتنفيذ مشاريع، بالإضافة لاستيعاب مئات الآلاف من العمال المصريين، وخاصة في المنطقة الشرقية، وبالتالي فمن مصلحتها تكريس الاستقرار في ليبيا. وينطبق ذلك أيضا على تركيا التي استأنفت تنفيذ مشاريعها في ليبيا، المعطلة منذ 2011 وحصدت أخرى جديدة تُقدر قيمتها بـ18 مليار دولار. كما أن الفريقين الليبيين المتصارعين أُنهكا أصلا من القتال، إلى درجة أن حفتر بات يواجه صعوبات في صرف رواتب جنوده، على ما تقول بعض المصادر.
أما على الصعيد الدولي فتشي الجهود الدبلوماسية للدول الكبرى الماسكة بالوضع الليبي، بأن لديها قناعة بضرورة إنهاء الحرب، لأن استمرارها يوجد مناخا مواتيا لترعرع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، أي البلدان التي تكتوي حاليا بنار الإرهاب، مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو. كما أن الميليشيات، أسوة بمرتزقة «فاغنر» الروس، هي المستفيد الأكبر من استمرار عدم الاستقرار في ليبيا. من هنا نفهم حضور أمريكا مؤتمر باريس حول ليبيا، الجمعة، في مستوى نائبة الرئيس كامالا هاريس، وحضور وفود أخرى برئاسة رؤساء دول أو حكومات أو وزراء خارجية.
وكان حضور رئيسي اللجنة العسكرية 5+5 أمارة على الأهمية التي توليها القوى الدولية والإقليمية، للمحافظة على وقف إطلاق النار، وحشد الدعم لإخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا، وهو الموقف الذي تكرر في جميع الكلمات التي ألقيت في مؤتمر باريس.
أما غياب الرئيسين التركي اردوغان والجزائري تبون فيُعزى بالدرجة الأولى إلى خلافات ثنائية مع فرنسا، حول ملفات أخرى، زيادة على الخلاف حول الملف الليبي. وفي جميع الأحوال لن يكون لمؤتمر باريس استتباعات جوهرية لأنه اقتصر على إعلانات فضفاضة، استنسخت تقريبا مُخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني.
مؤتمر باريس يجدد الدعوة إلى إنشاء هيئة المصالحة الوطنية والالتزام بتحقيقها على نحو جد
دعا البيان الختامي الصادر عن مؤتمر باريس الدولي من أجل ليبيا «إلى إنشاء هيئة المصالحة الوطنية العليا برعاية المجلس الرئاسي الانتقالي» كما دعا «جميع الجهات الفاعلة إلى الالتزام بتحقيق المصالحة الوطنية على نحو جدّي».
وأثنى البيان على التزام المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية «بضمان إنجاح عملية الانتقال السياسي عن طريق إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 24 ديسمبر 2021 وبتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار عبر خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية».
كما جددا التزام المجتمع الدولي «المتواصل بالشراكة مع السلطة التنفيذية الليبية الانتقالية (لمجلس الرئاسي الانتقالي وحكومة الوحدة الوطنية الانتقالية) والسلطات الليبية المعنية الأخرى، بإحلال السلام وإرساء الاستقرار والازدهار في ليبيا من خلال عملية سياسية شاملة يحققها الليبيون ويقودونها دون سواهم بمساندة الأمم المتحدة».
ليبيا .. 49 نائبا يطالبون بمراجعة قانون الانتخابات الرئاسية
شدد 49 عضواً بمجلس النواب على تمسكهم بضرورة التوافق على القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات الرئاسية، داعين إلى ضرورة مراجعة قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس النواب المقبل، وفق بيان أصدره اليوم الثلاثاء.
وأكد النواب خلال بيان حصلت عليه “القدس العربي” من أحدهم على تأييدهم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر المقبل، وعدم السماح بعرقلتها أو إفراغها من مضمونها، مجددين على ضرورة أن تكون الانتخابات على قاعدة دستورية وفق ما نصت عليه خارطة الطريق، التي يجب التعامل معها وتطبيقها كحزمة متكاملة، وليس بأسلوب الانتقائية، كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن بالخصوص.
ونبه النواب الموقعون من أن إجراء الانتخابات الرئاسية دون دستور أو قاعدة دستورية هو مشروع ديكتاتورية مهما كانت النتائج، داعين الى إعادة مراجعة قوانين الانتخابات الحالية التي صدرت عن مجلس النواب، وعرضها على قبة البرلمان للتصويت.
وتابع النواب أن مراجعة قوانين الانتخابات لا تعني رفض مبدأ الانتخابات، مشددين على رفضهم تدخلات رئيس المفوضية العليا للانتخابات في تغيير أو تعديل القوانين لأنها غير حيادية وتقوض جهود الوفاق الذي توصلت إليه مكونات الأطراف الليبية في ملتقى الحوار السياسي.
وحذر النواب في ختام بيانهم الليبيين وبعض الداعمين لإجراء الانتخابات تحت أي صورة كانت ودون وجود الحد الأدنى من مقومات نجاحها إلى أنهم تحت تأثير حملات إعلامية مضللة تقودها مخابرات دول أجنبية متدخلة سلبًا في ليبيا كما حذروا من أن ما يتم الدفع باتجاهه هو ترسيخ لمبدأ عدم احترام التشريعات الليبية النافذة.
رئيس مجلس الدولة الليبي يدعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات كناخبين ومرشحين
أصدر مجموعة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، وعمداء بلديات ومؤسسات المجتمع المدني بطرابلس، بياناً ختامياً عقب ملتقى نظموه لغرض مناقشة المشاكل في قانون الانتخابات.
وأكد البيان على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها بـ 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل، وعدم السماح بعرقلتها أو إفراغها من مضمونها، وتابع البيان: «متمسكون بإجراء الانتخابات بناء على قاعدة دستورية وفقاً لخريطة الطريق التي يجب التعامل معها كحزمة واحدة، وليس بانتقائية».
وأضاف أن الانتخابات الرئاسية بدون دستور أو قاعدة دستورية هي مشروع ديكتاتورية مهما كانت النتائج، معبراً عن رفضهم لقوانين الانتخابات الحالية الصادرة عن رئاسة مجلس النواب لمخالفتها للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ولأنها مطعون فيها قانونياً، وغير مبنية على توافق سياسي.
كما قال البيان إن رفضه لقوانين الانتخابات لا يعني رفض مبدأ الانتخابات، ومن أصدر القوانين هو المعرقل الأول للانتخابات، مضيفاً أن على المفوضية العليا للانتخابات أن تلزم الحيادية، وأن تكون قراراتها وفق الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.
وأردف: «ما يتم الدفع باتجاهه هو ترسيخ لمبدأ عدم احترام التشريعات الليبية النافذة من قبل أشخاص يقدمون أنفسهم كرجال دولة ومؤسسات قانونية وحقوقية».
وحمل المجتمعون رئيس المفوضية والنواب المتواطئين معه ومن يدعمهم داخلياً وخارجياً المسؤولية كاملة عن العواقب الخطيرة التي قد تنسف بالكامل كل ما تحقق من خطوات إيجابية داعمة للاستقرار وبناء الثقة والتخفيف من حدة الاستقطاب بين الليبيين.
رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، قال خلال كلمة له في الاجتماع، إن العالم كله يعرف أن قوانين الانتخابات معيبة، لكنه يتعامل مع الأمر الواقع.
وأضاف في كلمته التي تابعتها «القدس العربي» أن ما يحدث الآن من قبول بعض الدول لقوانين الانتخابات المعيبة يشبه ما حدث قبل الرابع من أبريل، مضيفاً أنه يرفض رفضاً قاطعاً اللجوء إلى العنف، قائلاً: «نحن نلجأ إلى الشارع والمؤسسات المدنية لإيصال صوتنا».
ودعا المشري إلى عدم المشاركة في هذه الانتخابات سواء كناخبين أو مرشحين، موضحاً أن السماح للمجرمين بالترشح وممارسة العمل السياسي في ليبيا يعادل السماح للنازية بممارسة العمل السياسي في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.
وطالب رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الثلاثاء، بحراك سلمي مدني واعتصامات سلمية أمام مقرات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومجلسي الدولة والنواب، والحكومة والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات» اعتراضاً على قوانين الانتخابات المعيبة . وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس النواب جلال الشويهدي، إنهم اتجهوا إلى القضاء للطعن على قانون انتخابات الرئيس، مردفاً أنه «لم يصلنا شيء حتى الآن».
وتابع : «نحن الآن في المنطقة الشرقية في دوائرنا لا نستطيع حتى أن نجمع التزكيات المطلوبة للترشح ونجمعها بطريقة سرية».
وأضاف الشويهدي أن وزارة الداخلية لا تستطيع بسط سيطرتها على كامل ليبيا، مستغرباً التمسك بموعد الانتخابات.
وفي المقابل، قال عضو المجلس الأعلى للدولة السنوسي القمي، أن موعد الانتخابات يجب أن يأتي وفق أسس دستورية وقوانين توافقية.
وأردف: «يجب بسط السيادة الليبية على كامل التراب الوطني وإخراج المرتزقة قبل الانتخابات، وهذا لم يتحقق حتى الآن».
وأوضح القمي أن قانون انتخابات الرئيس عدل 3 مرات، وهذا دليل على وجود تخبط في الإطار القانوني، مضيفاً أن الدائرة الدستورية يجب أن تفعل حتى تستطيع مؤسسات الدولة الاحتكام إلى القضاء .
وعلى صعيد عمداء البلديات، قال عميد بلدية الزنتان مصطفى الباروني، إن الانتخابات حل جيد لكن يجب توفر الشروط القانونية لإجرائها.
وتابع عميد بلدية الزنتان متحدثاً للسفراء: أين أنتم عندما قصفت العاصمة طرابلس وجرى العدوان عليها؟ مشدداً على أنه لا يمكن لمن دعم العدوان على طرابلس أن يضع قانوناً يحدد مستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة.
وختم الباروني أن الغاية ليست الانتخابات بحد ذاتها، إنما الوصول إلى الاستقرار في البلاد.
وفي المقابل، مازالت معظم الدول والبعثات الدبلوماسية تعمل على التحضير لمؤتمر باريس حول ليبيا المقرر عقده في 12 من تشرين الثاني/نوفمبر. وفي السياق ذاته، قال المبعوث الأمريكي لدى ليبيا وسفيرها، ريتشارد نورلاند، إن واشنطن تدعم الغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية في 24 كانون الأول/ ديسمبر.
جاء ذلك في تصريح عقب وصوله إلى باريس ضمن الوفد الأمريكي، برئاسة نائبة الرئيس كامالا هاريس، المشارك في المؤتمر الدولي حول ليبيا، حسب بيان السفارة على حسابها في موقع التواصل تويتر، الثلاثاء.
وشدد على مساندة الولايات المتحدة لليبيا موحدة ومستقرة من دون تدخل أجنبي.
وقبيل وصولها إلى فرنسا، صرّحت هاريس الإثنين، بأن مشاركتها في هذا المؤتمر تهدف إلى إثبات الدعم الأمريكي للشعب الليبي، حيث يخططون للانتخابات في وقت لاحق من هذا العام.
ومن المتوقع أن يجمع المؤتمر، الذي ينظم بمشاركة الأمم المتحدة وألمانيا وإيطاليا، نحو 20 رئيس دولة.
ليبيا تحتاج إلى 580 ألف وحدة سكنية قبل 2025
رشيد خشــانة – تُواجه ليبيا معضلات اقتصادية في غالبية القطاعات، أبرزها إدارة مشاريع معاودة الإعمار وإفساح الطريق أمام القطاع الخاص، ليتبوأ دورا محوريا في مسار التطوير والبناء الاقتصادي. وتشمل التحديات إصلاح القطاعين النفطي والمصرفي، وهي إصلاحات ترمي إلى وضع حد للنزيف المالي الذي تعايشت معه الحكومات المتعاقبة. ومن المهمات العاجلة إصلاح الأضرار التي ألحقتها المعارك الحربية بالبنية التحتية والمناطق السكنية والمؤسسات التعليمية، خاصة في جنوب طرابلس، بعدما دكتها المدافع على مدى ما يُقارب السنة.
ويتجه التفكير الاقتصادي الليبي في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، إلى منح دور مركزي للقطاع الخاص، وهو الخيار الذي دافع عنه غالبية المتحدثين في مؤتمر «دور القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ليبيا» الذي استضافته تونس من الثلاثاء إلى الخميس الماضيين. لكن المستفيد الأول من توسعة الهامش المُتاح للقطاع الخاص، لن يكون الشركات الليبية، التي مرت في ظروف صعبة، طيلة السنوات الأخيرة، وإنما المجموعات الأجنبية، وفي مقدمها الأتراك، الذين تقدموا على منافسيهم الإيطاليين والصينيين والفرنسيين والروس. ويُقدر الخبراء حجم سوق الاستثمار الليبية بـ111 مليار دولار. وفي أيار/مايو الماضي زار رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة موقع بناء محطة كهرباء تتولى تنفيذه شركة «إينكا» التركية في طرابلس، فأثارت الزيارة انتقادات لعلاقاته المتينة مع أنقرة.
ويؤكد ابراهيم الخضراوي الأستاذ في جامعة طرابلس أن نظام المعلومات المحاسبية الإلكترونية يمكن أن يلعب دورا مهما في تطوير المشروعات الصغرى والمتوسطة، لكنه نبه إلى الصعوبات التي تواجهها بسبب ارتفاع كلفة اقتناء نظام المعلومات المحاسبية، سواء تعلق الأمر بالأجهزة والمعدات أم بالبرامج المحاسبية. ويرى صلاح الدين أبوغرارة من المجلس الوطني للتخطيط (حكومي) أن من أهم المجالات الاقتصادية الواعدة مجال الإسكان والاستثمار العقاري وإقامة المدن والتجمعات العمرانية الجديدة، باعتبار المسكن يأتي في الرُتبة الثالثة لدى الأسرة الليبية بعد المأكل والملبس.
مجالات واعدة
وقدر أبوغرارة حاجة ليبيا الاجمالية إلى مساكن جديدة بما يفوق 580 ألف وحدة سكنية ينبغي توفيرها قبل العام 2025 للتخفيف من العجز السكني القائم. وأمام ليبيا مهمتان في هذا المجال، فعلى الدولة أن توفر الاعتمادات اللازمة من الموازنة، لاستئناف تنفيذ مشاريع الإسكان التي توقفت منذ 2011 وتتمثل الثانية في استكمال المشاريع المُتعاقد عليها والمُتوقفة حاليا، علما أنها لن تغطي، لدى استكمالها، سوى 50 في المئة من حجم الطلب القائم. ويعتبر أبوغرارة أن القطاع الخاص يستطيع تحقيق الهدف «بما يتوافر لديه من جرأة ومرونة وحرية في التنفيذ، بعيدا عن القوالب التقليدية للإسكان التي تتشبث بها الدولة والقطاع العام». وفيما ينتقد كثيرون قلة تجاوب المصارف التجارية مع أصحاب المشاريع، يؤكد الأكاديميان إسلام البياري ونجلاء المبروك أن الحوافز، ومن بينها الاعفاءات الضريبية، وفقا للتشريعات الليبية، تساعد على دعم المشاريع الاستثمارية. لكنهما يُؤاخذان وزارة التخطيط والاقتصاد لأنها لا تعمل بالسياسات العامة التي وضعها «المجلس الوطني للتخطيط» على ما قالا.
يُطرح ضعف دور الدولة أيضا في كونها لا تساعد على تطوير المجال الزراعي، إذ أن دراسة ميدانية أجرتها الدكتورة فاطمة الجويفي انطلاقا من نموذج زراعات الفواكه في منطقة الجبل الأخضر (شمال) أظهرت أن منتجي الفاكهة يواجهون تحديات وصعوبات كبيرة، من بينها غياب قنوات التواصل بين الدولة والمنتجين، وشبه غياب للزراعات العضوية في منطقة الدراسة. واقترحت الجويفي إطارا جديدا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، من قواعده تمويل القطاعين البحوث الزراعية، وتشجيع الابتكار ونقل التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية للقطاع الزراعي، مع تحديث التشريعات الخاصة بالاستثمار في هذا القطاع.
وتجابه الزراعة في المناطق شبه الصحراوية صعوبات من نوع آخر، ومنها مدينة بني وليد، التي اتخذ منها الخبير الدكتور عبد السلام الحاج أنموذجا، مُبينا أن القطاع الخاص يمكن أن يُحدث تنمية مستدامة في تلك المناطق، بالاعتماد على أنموذج بني وليد. أكثر من ذلك، يُفكر الليبيون في تشخيص أهم العراقيل التي تُعيق نمو القطاع الخاص، وفي هذا الصدد ترى هند الفقي أن التشريعات الحالية تشكل أبرز العوائق التي ما فتئت تُعطل نمو القطاع الخاص، ولذلك فهي تعتبر تغيير القوانين الخاصة بالاستثمار أولوية اقتصادية، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج إلى كثير من المرونة والتيسير بدل القيود والمحظورات. وضربت مثلا بالاستثمار في الاقتصاد الأخضر، الذي بات أمرا مُلحا لمجابهة أثر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الناتج المحلي الاجمالي في ليبيا.
شراكة بين القطاعين العام والخاص
وللمصارف التجارية الخاصة دورُها في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة، التي تُعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد ومحرك النمو، لذا كلما زاد تمويل القطاع الخاص، زادت فرص العمل وتحسن المستوى الاجتماعي للأفراد، على ما يقول الدكتور محمد بوعتلي. وفي هذا الصدد ترى الخبيرة زهور القماطي (من ديوان المحاسبة الليبي) ضرورة وضع قانون أمثل للإعفاءات الضريبية يهتدي به أصحاب الحق في الإعفاء، وكذلك إدخال التعديلات اللازمة على القوانين الليبية ذات العلاقة. وفي مجال آخر متصل يحض الخبراء على تطوير البنية التحتية للنقل البحري والجوي، من أجل إنشاء موانئ كبرى في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، لأن إيجادها يُنشط الدورة الاقتصادية، أسوة بالدور الذي بات يقوم به ميناء «طنجة ميد» شمال المغرب.
ويجوز القول إن الاقتصاد الليبي بدأ يتعافى، في أعقاب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد الحصار الذي فرضته القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على حقول النفط الرئيسة، من كانون الثاني/يناير إلى أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2020 مع أن أسعار النفط العالمية تراجعت، على نحو أدى بدوره إلى انخفاض الإيرادات، بالتزامن مع الانتشار السريع لجائحة «كوفيد-19» الذي عمق هشاشة الاقتصاد، وبخاصة المنظومة الصحية. ويُقدر الخبراء الخسارة في الدخل جراء تراجع أسعار النفط، بما لا يقل عن 10 مليار دولار أمريكي. كما يُقدرون حجم العجز في 2020 بقرابة 74 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، ما أدى إلى القضاء على الفوائد المسجلة في عام 2019. وقرر مصرف ليبيا المركزي الموافقة على سعر صرف جديد اعتباراً من 3 كانون الثاني/يناير 2021 للمواءمة بين سعر الصرف المصرفي والسوق الموازية. وأدت تلك الخطوة إلى انخفاض حاد في قيمة الدينار الليبي وزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية.
تحت خط الفقر
وقد ترتب على تلك الإجراءات اتساع دائرة الفقر، إذ يُقدر الخبراء نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بـ33 في المئة من العدد الاجمالي لليبيين، بالرغم من الثروات الطبيعية الكبيرة التي يملكها البلد، وبينها أكبر احتياطات النفط في القارة الأفريقية. وفي سياق متصل أظهرت تداعيات وباء «كوفيد-19» هشاشة المنظومة الصحية المحلية، وضرورة إصلاحها إصلاحا جذريا. وتزداد الأوضاع المعيشية قسوة في الجنوب (منطقة فزان) التي تضم خليطا من العرب والتبو والطوارق، ويُقدر عدد هؤلاء بـ10 في المئة من سكان ليبيا، أي حوالي 500 ألف ساكن. ويتبوأ اقليم فزان أهمية محورية في صناعة النفط الليبية، ففيه يوجد أكبر حقل نفطي، غرب مدينة الشرارة في صحراء مُرزق. ويوجد في الحوض نفسه حقل الفيل الذي يُؤمن بمفرده ثلث إنتاج ليبيا من النفط ومشتقاته. ولدى اندلاع الحرب الأهلية الثانية (2014-2015) ألهبت الخلافات على توزيع الحصص المُتأتية من إيرادات النفط، مشاعر العداء بين الطوارق والتبو. وتتولى حاليا عناصر من الأقليتين حماية المنشآت النفطية والغازية. وتشكل هذه المهمة وسيلة ضغط قوية على الحكومات المركزية في طرابلس، إذ تُستخدم كورقة في المفاوضات التي تجري بين الحكومة والأقليات العرقية. وفي مناسبات عدة اتُخذت المنشآت النفطية والغازية رهينة لفرض تلبية المطالب الاجتماعية والسياسية للمجموعتين، والاعتراف بحقوقهما، التي طالما تجاهلها نظام معمر القذافي.
واستطاعت هذه المكونات المُتصارعة في ما بينها، أن تُوحد صفوفها وتصُد هجوم القوات التي تأتمر بأوامر اللواء حفتر، للسيطرة على الجنوب الليبي. ويمكن للقطاع الخاص، إذا ما أُدخل قدرا من المرونة على القوانين الحالية، أن يلعب دورا كبيرا في تطوير مدن الجنوب، وهي سبها ومُرزق وأوباري وغات وغدامس، واستطرادا تطهير المنطقة من أمراء التهريب وتجار السلاح. وفي تقدير خبراء أن القطاع السياحي مؤهل للعب دور مهم في إحياء اقتصاد الواحات وإنعاش المناطق السياحية في الجنوب الليبي، والتي تعطلت منذ اندلاع الحرب الأهلية الثانية في 2014. واللافت ان بعض مكاتب السفريات نظمت أخيرا جولات لوفود من السياح الغربيين إلى الصحراء الليبية، وكذلك إلى مدينة صبراتة في الشمال، ذات التراث الأثري الروماني والفينيقي الخصيب. وترسل هذه النشاطات رسالة إلى البلدان المصدرة للسياح، وخاصة بلدان الضفة الشمالية للمتوسط، مفادها أن الأمن بات مُستتبا في ليبيا، وتحديدا في جنوبها حيث البحيرات الطبيعية والجبال الصخرية والواحات الخضراء.
قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد
وبالنظر للدور المحوري الذي يلعبه النفط في الاقتصاد الليبي، وعلى الرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية هي حكومة مؤقتة وأقرب إلى حكومة تصريف أعمال، تستضيف طرابلس الشهر المقبل مؤتمرا نفطيا دوليا بعنوان «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد». وتعمل فرنسا، التي سارعت إلى إعلان مشاركتها في المؤتمر ودعمها له، على استثمار المناسبة لفوز شركاتها بصفقات جديدة، بالرغم من أنها خسرت أخيرا فرصة قيادة مشروع للتفتيش عن الذهب. وكان رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك طلب من زميله وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج، سحب قرار الترخيص بتنفيذ مشروع استثماري للتنقيب عن الذهب والمعادن الثمينة، في سبها لمدة 50 سنة، وكانت ستفوز به إحدى الشركات الفرنسية.
وطلب شكشك من الحويج اتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية لسحب القرار وإزالة كافة أثاره، والتقيد بأحكام التشريعات النافذة بهذا الخصوص. وفي السياق قطعت ليبيا خطوة مهمة لتأمين المحروقات لإقليم فزان، بعد التقدم في أعمال بناء مصفاة نفط خاصة بالجنوب، اعتبره الليبيون «مشروعا حيويا واستراتيجيا سيساهم في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة في المنطقة» على ما قال النائبان الجنوبيان ابراهيم مصباح وعبد السلام المرابط. وفي خط مواز انطلقت الأربعاء الماضي، المرحلة الثانية من برنامج «الانتعاش والاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية» والمعروف باسم «بلديتي» في حضور عمداء 14 بلدية وسفراء أوروبيين معتمدين لدى ليبيا. وتتيح تطبيقة «بلديتي» للمواطن إيصال صوته إلى المجلس البلدي وإرسال الشكاوى عبر الإنترنت، بما يضمن التواصل والشفافية وسرعة التفاعل بين المواطن والبلدية.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.