رشيد خشانة – تبدو ليبيا وهي تستقبل الذكرى العاشرة للانتفاضة التي أطاحت بحكم القذافي طاردة لأبنائها ونخبها، إما من قناة الهجرة الشرعية، أو النزوح من مناطقهم إلى ملاذات آمنة داخل البلد.
مع أن الملتقى السياسي الليبي أفرز في جنيف قيادات تنفيذية جديدة، ستسهر على تنظيم استفتاء على الدستور وانتخابات عامة، فمن الصعب أن يكون البلد جاهزا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الميقات المُحدد لها، أي الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وبالرغم من أن رئيس المفوضية العليا للانتخابات الدكتور عماد السائح أكد للمشاركين في حوار جنيف أن المفوضية جاهزة لإجراء الانتخابات في موعدها، فإن الأخيرة تواجه صعوبات سياسية وفنية قد تعرقل قيامها بهذه المهمة على الوجه الأكمل. ومن تلك المصاعب أن المفوضية تحتاج إلى 50 مليون دينار ليبي (حوالي 10 ملايين دولار) لتغطية نفقات الاقتراع. وأجرى السائح في هذا الإطار سلسلة من المناقشات مع المجلس الرئاسي، كما اجتمع مع بعثات دبلوماسية غربية، من الدول التي سبق أن قدمت الدعم للمسارات الانتخابية، لكن لم تُعرف نتائجها. وكان السائح طلب في إحاطة لرئاسة البرلمان في طُبرق، مطلع 2019 توفير اعتماد بـ40 مليون دينار (حوالي 8 ملايين دولار) لإجراء الاستفتاء على الدستور.
هذا عن الشروط المادية للاقتراع على مشروع الدستور، الذي لابد أن يسبق الانتخابات، أما العوائق السياسية، فتبدأ من مخاطر انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، إلى الفصل القائم بين الشرق والغرب، إلى نزع سلاح الميليشيات، وإخراج الأسلحة الثقيلة من المدن.
وسيتعين على عبد الحميد الدبيبة عرض حكومته على البرلمان، قبل السادس والعشرين من الشهر الجاري، من أجل نيل الثقة. وفي هذا الإطار أتت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي إلى بنغازي، ولقاؤه رجل الشرق القوي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في مقره بالرجمة.
ويبدو أن خطوة كهذه تحظى بدعم العواصم المؤثرة في القرار الليبي، وخاصة الأمريكيين والأوروبيين، الداعمين لإقامة سلطة جديدة ممثلة لجميع الأقاليم الليبية. وتمنى الأمريكيون على لسان سفيرهم لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أن تكون الحكومة مصغرة ومؤلفة من تكنوقراطيين، لتفادي الصراعات بين الأحزاب، وتسريع خطوات نيل الثقة من مجلس النواب.
تقارب شرق-غرب؟
في هذا الإطار يمكن أن يتوقع المرء مزيدا من التقارب بين الشرق والغرب، فلن يكون فائز السراج، الذي تعهد بمقاطعة الجنرال حفتر، والتزم بتعهده حتى الآخر، هو من سيحكم في طرابلس، وإنما رئيس الحكومة الجديد الدبيبة، الذي كان من أركان النظام السابق، وهذا قاسم مشترك مهم بينه وبين الحاكمين في بنغازي. والأرجح أن الدبيبة سيسعى في الاتصالات التي يُجريها حاليا من أجل تشكيل حكومته، إلى إشراك جميع ألوان الطيف السياسي، بمن فيهم زملاؤه السابقون في منظومة القذافي. وفي السياق ترددت أيضا معلومات غير مؤكدة مفادها أن الدبيبة زار حفتر في مقره بالرجمة، خلال الفترة الماضية، بوساطة من بعض رجال الأعمال المصريين.
ولوحظ أن الحكومة الحالية بادرت، هي الأخرى، ببعض التقارب مع القوى المسيطرة على المنطقة الشرقية، من خلال وضع موازنة موحدة للشرق والغرب، للمرة الأولى منذ ست سنوات، وإن كانت مؤقتة. فقد أصدر مجلس الوزراء برئاسة السراج، مطلع الشهر الجاري، موازنة لمدة شهرين وُصفت بـ”الوطنية” كونها شملت كامل مناطق ليبيا. وحظيت هذه الخطوة، التي سعت إليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بالمؤازرة من المؤسسات المالية الدولية والفريق الاقتصادي المشتغل على متابعة عملية برلين.
ويُعزى الاكتفاء بشهرين فقط بدل سنة كاملة، إلى الرغبة بالسماح للسلطة التنفيذية الموحدة، المشكلة حديثًا في جنيف، باتخاذ قرار في شأن الموازنة الكاملة للعام 2021.
تحريك دواليب الاقتصاد
تعززت تلك الخطوة من حكومة السراج بثانية لا تقل عنها أهمية، تمثلت بمنح قرض بلا فوائد للمصارف التجارية، من أجل تحريك الدورة الدموية المعطلة للاقتصاد، جراء ست سنوات من الحرب الأهلية. وأتت خطوة صرف القرض ثمرة لقرار اتخذه مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، في الأول من شباط/فبراير الجاري، يقضي بتخصيص قرض بدون فوائد للمصارف التجارية الليبية، من أجل الحد من تراكم الصكوك غير المُحصلة. غير أن الخبراء الاقتصاديين يُحذرون من أن هذا القرار لا يعالج السبب الكامن وراء ما يعرف بأزمة الائتمان، لكنه سيقلل فقط من الضغط على النظام المصرفي. ويندرج هذا القرار ضمن أخرى تبدو ذات طابع اقتصادي، غير أن دلالاتها وأبعادها السياسية مهمة، خصوصا في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة. ومن تلك القرارات توحيد سعر صرف العملة الليبية، وإعادة تنشيط مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، والتقدم الذي تحقَق في المراجعة المالية لكل من مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الليبية للاستثمار، فهذه خطوات ضرورية لإجراء الإصلاحات اللازمة، الرامية لتحسين إدارة عائدات النفط الليبي، وهو المصدر الأول لإيرادات البلد.
وكان للتقارب الليبي-الليبي استتباعات إقليمية، إذ أن الجزائر، أقدمت بعد الإعلان من جنيف، عن أسماء الفائزين بالمناصب التنفيذية العليا، على إعادة فتح أهم معبر بري بين البلدين، وهو الدبداب/غدامس، للنشاط التجاري، في أعقاب سبع سنوات من غلق الحدود، بسبب خوف الجزائريين من وصول شرار الحرب الأهلية المحتدمة في ليبيا، إلى حدودهم. وسرعان ما تم إشعار التجار في المدن الليبية القريبة من الحدود مع الجزائر، وخاصة سبها وأوباري وغات، بأن المعبر سيُعاد فتحه في وجه المبادلات التجارية، في غضون أيام، بعد اتفاقات بين سلطات البلدين في هذا المعنى.
ويشي هذا الموقف ببدء تعديل مهم في السياسة الجزائرية إزاء الوضع المعقد في ليبيا، إذ يُرجح أن صناع القرار في الجزائر، يعتبرون الاتفاقات التي تم التوصل إليها في جنيف، جدية، وهي التي انتخب على أساسها أعضاء المجلس الرئاسي الجدد ورئيس الحكومة المكلف. ومن هذه الزاوية ندرك مغزى المكالمة التي أجراها وزير الخارجية الجزائرية صبري بوقادوم مع الدبيبة، فور الإعلان عن نتائج الاقتراع.
ولئن أبرز وزير التجارة الجزائري كمال رزيق، أن معاودة فتح المعابر الحدودية مع ليبيا يندرج في إطار الشروع في تنفيذ الإجراءات العملية لدخول منطقة التجارة الحرة الأفريقية إلى النشاط الفعلي، وهي السوق التي انطلقت في الأول من كانون الثاني/يناير الماضي، فإن القرار يرتدي أبعادا استراتيجية، إذ أن الجزائريين كانوا يتوجسون من تسلل الجماعات المسلحة والأسلحة من مالي والنيجر عبر الحدود مع ليبيا، عندما شددت عليها الخناق القوات الفرنسية المنتشرة هناك.
أكثر من ذلك، تبدو التشكيلة الجديدة المؤلفة من المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، والدبيبة رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية، قريبة من انتظارات الجزائريين، الذين يثقون في رجال القذافي أكثر من ثقتهم وحماستهم للسياسيين الذين جاؤوا بعده.
مع القذافي
من هذه الزاوية لاقت تسمية الدبيبة على رأس الحكومة، ارتياحا في الجزائر، وهو الذي قاد “المؤسسة الليبية للإستثمار” طيلة سنوات على أيام حكم القذافي. وقد أعيد تنظيم المؤسسة، التي تدير ما قيمته 67 مليار دولار، قبيل انتفاضة 2011 فصارت صندوق الثروة السيادي، الذي يعمل على إيجاد مصادر متنوعة للثروة، لصالح الأجيال المقبلة، من خلال الإستثمار على الصعيد الدولي، بُغية تحقيق عوائد مالية مستقرة طويلة الأجل.
غير أن إدارة الدبيبة للصندوق السيادي شابته مخالفات على ما يقول خصومه. وأشار الباحث طارق المغريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن المرء يشتم رائحة فساد، في محيط رجل الأعمال عبد الحميد الدبيبة، وابن عمه علي، صاحب الشركات والمقاولات الكبيرة، والذي أسندت له مشاريع ضخمة لبناء آلاف المساكن على عهد القذافي.
وأكد الباحث الليبي محمد الجارح، من جانبه، في تصريحات لبوابة “الوسط” الإخبارية، أن رئيس الوزراء شخصية عليها شبهة فساد وفق ما كتبته الصحافة البريطانية، إذ وصفته صحيفة “التايمز” بأنه “أكبر صاحب عملية غسل أموال في تاريخ تحقيقات القضاء الإسكتلندي”. وأكدت أن اسمه وارد في التحقيقات التي تقوم بها الأمم المتحدة حاليا، في قضايا تتعلق بالفساد.
من هنا ستكون المهمة الأولى للحكومة الجديدة هي نيل الثقة من مجلس النواب، وتبديد أية شبهات فساد تحيط برئيسها وأعضائها. ومعلوم أن السراج لم يبادر بالتوجه إلى مجلس النواب في بنغازي ليطلب منحه الثقة بسبب علاقة العداء بينه وبين الجنرال حفتر، وحليفه عقيلة صالح. ولا يُعرف حاليا ما إذا كان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح سينجح في عقد جلسة للبرلمان من أجل مناقشة مسألة منح الثقة للحكومة، التي فاز أعضاؤها على حساب قائمته في جنيف، وأطاحت به من رئاسة المجلس الرئاسي، كما أنهت حلم فتحي باشاغا بالفوز برئاسة الحكومة الموحدة. ومازال الخلاف قائما حول المكان الذي سيجتمع فيه النواب، هل يكون طُبرق، كما يرغب عقيلة صالح، أم صبراتة في أقصى الغرب نزولا عند رغبة خصومه، أم سرت مثلما يدعو لذلك فريق ثالث؟
اختراق الجدران السميكة
على هذه الخلفية أقدم رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي على اختراق الجدران السميكة بين سلطات الشرق والغرب، ليجتمع مع حفتر، ويحصل منه على دعم غير متوقع للسلطات التنفيذية الجديدة، وهي خطوة لا يمكن أن تتم من دون مقابل سياسي، قد يكون تسمية وزراء مقربين من الجنرال المتقاعد في الحكومة الموحدة التي سيقودها الدبيبة. وسيضطر الأخير خلال الأسابيع الثلاثة الممنوحة له من أجل استكمال تكوين فريقه الحكومي، إلى القبول بتنازلات قد لا ترضى عنها القوى المتنفذة في المنطقة الغربية، ومن بينها تيار الإخوان الذي يدعمه بقوة. وفي السياق أيضا ترددت معلومات غير مؤكدة مفادها أن الدبيبة زار حفتر في مقره بالرجمة، خلال الفترة الماضية بوساطة من بعض رجال الأعمال المصريين.
وستكون لهذا التجاذب امتداداته على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالتقارب بين الحكومة الموحدة والمجلس الرئاسي من جهة وقيادات الشرق من جهة ثانية، يحظى بدعم مصري وأمريكي وفرنسي، لكن الأتراك سيعارضونه على الأرجح. وستأخذ هذه المسألة بعدا أكثر تعقيدا مع رفض تركيا سحب مدربيها ومستشاريها العسكريين وقواتها من غرب ليبيا، خاصة بعدما اشترط رئيسها اردوغان إخراج القوات الأجنبية الأخرى، قبل سحب قواته وخبرائه. والأرجح أنه لن يسحبهم متعللا بأن مذكرة التفاهم التي وقع عليها في طرابلس مع السراج في 2019 ما زالت سارية المفعول.
وستؤثر مواقف القوى الإقليمية والدولية في العلاقات بين رؤوس الحكم الأربعة، وهم الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائباه عبد الله اللافي وموسى الكوني، فهم ليسوا على قلب رجل واحد، بل إن كل فرد منهم يجُرُ خلفه عقدة من التحالفات الداخلية والخارجية، التي قد تُذكي الخلافات داخل الحكومة والمجلس الرئاسي.
على هذه الخلفية ستتصدر أولويات الحكومة الجديدة، مكافحة وباء كوفيد-19″ وخاصة العمل على تحصيل اللقاح اللازم، واستعجال حملة التطعيم، مع توزيعها توزيعا عادلا بين المناطق. واستطرادا ستهتم الحكومة بالمصاعب الحياتية، وفي مقدمها انقطاعات الكهرباء، وتحسين البنية الأساسية في قطاعي الصحة والتعليم، والتخفيف من المعوقات اليومية. أما على الصعيد السياسي فإن الأولوية ستُمنح لإعداد الاستفتاء على مشروع الدستور، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه الطاقم الحكومي الجديد، والذي تُطرح في شأنه اجتهادات كثيرة ومتضاربة.
المنفي للرئاسي ودبيبة للحكومة : الانتخابات الليبية في جنيف تطوي صفحة السراج وصالح وحفتر

رشيد خشانة – طوت ليبيا صفحة من تاريخها المعاصر مع انتخاب سلطات تنفيذية جديدة أمس في جنيف، ستحل محل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، المنبثقين من اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015. وبموجب نتائج الاقتراع ستغادر شخصيات من الوزن الثقيل المشهد السياسي، في مقدمها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري. لكن هؤلاء اللاعبين قد يعودون بعد أشهر قليلة، إذا ما انطلقت الحملة الانتخابية تمهيدا لاستحقاق 24 ديسمبر المقبل الرئاسي والبرلماني. وكان المشري، وهو أحد قادة التيار الإخواني، انسحب قبل الاقتراع تاركا المجال لمرشحين آخرين قال إنهم يجسدون تنوع الأطياف المتنافسة على المناصب العليا.
وفازت في الاقتراع القائمة الثالثة من بين أربع قائمات بحصول مرشحيها على 39 صوتا. وبناء على هذا الفوز سيترأس محمد يونس المنفي المجلس الرئاسي بدل المشري، مع عضوية كل من موسى الكوني وعبد الله اللافي، فيما سيتولى عبد الحميد دبيبة رئاسة الحكومة في مكان السراج. وكان فوز هذه القائمة على القائمة الرابعة مفاجأة للجميع لأن الأخيرة ضمت أسماء سياسية وعسكرية بارزة، بينها رئيس البرلمان عقيلة صالح وعبد المجيد سيف النصر والجنرال أسامة الجويلي القائد العسكري للمنطقة الشرقية.
ورأى محللون أن استبعاد هؤلاء، بالاضافة إلى انسحاب المشري، يعكسان الرغبة بتغيير الوجوه المستهلكة، ومنح فرصة لقيادات جديدة، وإن كانت البرامج التي قدمتها تحتاج إلى سنوات لتنفيذها وليس إلى فترة قصيرة لا تتجاوز عشرة أشهر.
واعتبر الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي محمد المنفي، أن عملية السلام في ليبيا “تحتاج إلى إجراءات أكثر من وقف إطلاق نار”. وشدد في كلمة أمام ملتقى الحوار الليبي في جنيف، على ضرورة توحيد المؤسسات، مؤكدا أن مسار لجنة (5+5) “حقق خطوات مهمة جدًّا”، وتعهد بدعم هذا المسار مع الجهات ذات الاختصاص. كما أوضح أنه من الضروري أن تكون المؤسسة العسكرية “تحت سلطة مدنية وأن تكون منحازة للوطن”، وهو رد غير مباشر على رؤية الرجل القوي سابقا في المنطقة الشرقية، الجنرال خليفة حفتر، الذي يسعى إلى إخضاع السلطات التنفيذية في الشرق والغرب إلى سلطته.
وتعهد عضو مجلس النواب والفائز بعضوية المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي، بالالتزام بخارطة الطريق التي تم اعتمادها في ملتقى الحوار السياسي خلال اجتماعاته في العاصمة التونسية في نوفمبر الماضي، وبإجراء الانتخابات في موعدها المقرر ليوم 24 ديسمبر المقبل. وكان المرشح موسى الكوني الذي فاز بعضوية المجلس الرئاسي الجديد، استعرض في جانبه مهمات السلطة التنفيذية الجديدة، واضعا في مقدمها “توحيد المؤسسات المنقسمة، وخاصة الأمنية والعسكرية والمالية”، إلى جانب الاعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، علما أن الفائزين الجدد بالمناصب العليا لا يحق لهم الترشيح للانتخابات المقبلة. وكان الكوني عضوًا في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، قبل أن يقدم استقالته منذ أكثر من عامين.
كما تعهد رئيس الحكومة الجديد عبد الحميد دبيبة بإجراء الانتخابات العامة في ميقاتها، مع دعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات “ماديا ومعنويا”، والقيام بدور التوعية الانتخابية للمواطن، واللجوء إلى المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، لدعم الانتخابات لوجستيا، وإشراكها أيضا في مراقبتها.
فوز قائمة المنفي والدبيبة بالمجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة في ليبيا
اختار منتدى ليبيا بقيادة الأمم المتحدة اليوم الجمعة حكومة مؤقتة عن طريق التصويت يكون فيها محمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي وعبد الحميد الدبيبة رئيسا للوزراء.
وفازت قائمتهما بتسعة وثلاثين صوتا مقابل 34 صوتا لمنافسيهما رئيس برلمان الشرق عقيلة صالح ووزير الداخلية المقيم في الغرب فتحي باشاغا لمنصب رئيس الوزراء.
وبذلك يصبح محمد يونس المنفي من إقليم برقة رئيسا جديدا للمجلس الرئاسي الجديد، بعضوية كل من: عبد الله اللافي عن إقليم طرابلس، وموسى الكوني عن إقليم فزان، فيما أصبح عبد الحميد دبيبة من إقليم طرابلس رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية الليبية.
وقالت ستيفاني وليامز، القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، “بالنيابة عن الأمم المتحدة، يسعدني أن أشهد هذه اللحظة التاريخية”.
وأضافت أن “التحديات لم تنته بعد؛ حيث يتوجب على رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومته خلال 21 يوما”.
وأوضحت وليامز، في تصريحات متلفزة، أن رئيس الوزراء الليبي مُطالب خلال 21 يوما بتسليم تشكيلة حكومته إلى مجلس النواب لمنحها الثقة، وفي حالة تعذر ذلك يتم تقديمها لملتقى الحوار الوطني.
وأكدت على أن الحكومة الجديدة يجب أن تمثل كافة الشرائح من الشباب والنساء.
وجاء انتخاب إدارة موحدة بهدف إنهاء الانقسام في ليبيا الذي استمر لأكثر من خمس سنوات، حيث تدير حكومتان متنافستان وفصائل مسلحة تابعة لهما أجزاء مختلفة من البلاد.
وشارك في التصويت 73 عضوا بملتقى الحوار السياسي الليبي، فيما امتنعت إلهام السعودي عن التصويت، وغاب أحد الأعضاء للوفاة.
قال دبيبة إنه يريد التركيز على توحيد الجيش وإعادة هيكلته في البلاد وإنشاء وزارة للمصالحة الوطنية والتعويضات.
وقال دبيبة، مخاطبا ملتقى الحوار السياسي، في وقت سابق من الأسبوع الجاري، إنه يريد التركيز على توحيد الجيش وإعادة هيكلته في البلاد وإنشاء وزارة للمصالحة الوطنية والتعويضات.
وقال “الشعب الليبي يريد أن يعيش”.
وفي وقت سابق الجمعة، انطلقت في جنيف السويسرية الجولة النهائية والحاسمة، بملتقى الحوار السياسي الليبي، للتصويت على ممثلي السلطة التنفيذية بالبلاد.
وكانت قائمتان لمرشحي السلطة التنفيذية تأهلتا لخوض جولة تصويت ثانية لحسم ممثلي الإدارة الجديدة في البلاد.
ووفق بث متلفز للبعثة الأممية للدعم في ليبيا، حصلت قائمتا باشاغا، ودبيبة، على أعلى الأصوات في الجولة الأولى من تصويت أعضاء ملتقى الحوار السياسي على المرشحين للسلطة التنفيذية.
وحصلت القائمة الرابعة على 25 صوتا (من إجمالي 74 صوتا)، يليها القائمة الثالثة بـ20 صوتا، فيما حصلت القائمة الثانية على 15 صوتا والقائمة الأولى على 13 صوتا.
وتضم القائمة الرابعة (حاصلة على 25 صوتا)، عقيلة صالح رئيسا للمجلس الرئاسي، وعضوي المجلس أسامة الجويلي، وعبد المجيد سيف النصر، ورئيس الحكومة فتحي باشاغا.
وكان الحد الأدنى اللازم لاختيار القائمة المرشحة يبلغ 60 في المئة من الأصوات الصحيحة، وبالتالي فإن أيا من القوائم الأربع المرشحة لم تحصل على هذه النسبة، وتقرر التوجه لجولة تصويت ثانية.
ويبلغ الحد الأدنى للجولة الثانية 50 في المئة + 1 من الأصوات الصحيحة.
وفي وقت سابق الجمعة، انطلقت اجتماعات ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، للتصويت على القوائم الأربع المرشحة للسلطة التنفيذية.
والثلاثاء، أعلنت البعثة الأممية اللجوء إلى خيار تشكيل قوائم لمرشحي المجلس الرئاسي، بعد عدم حصول أي منهم النسبة المطلوبة من التصويت وفق آلية المجمعات الانتخابية للأقاليم الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان.
والإثنين، قالت وليامز إن ما تسفر عنه عملية التصويت “سلطة تنفيذية مؤقتة ذات اختصاصات محددة، ومهمتها الأساسية هي إجراء انتخابات (رئاسية وبرلمانية) في 24 ديسمبر/ كانون أول 2021″، نافية أن يكون ما يتم “مشروع تقاسم سلطة أو تقسيم كعكة”.
ومنذ 23 أكتوبر/ تشرين أول 2020، يسود ليبيا اتفاق لوقف إطلاق النار، تخرقه مليشيا حفتر بين الحين والآخر، رغم تحقيق الفرقاء تقدما في مفاوضات على المستويين العسكري والسياسي للتوصل إلى حل سلمي للنزاع الدموي.
وكان مرشحو رئاسة الحكومة في ليبيا قد وقّعوا، اليوم الجمعة، على تعهد بالالتزام الكامل بنتائج التصويت وإجراء الانتخابات في أواخر العام الجاري.
ونشرت وسائل إعلام محلية، بينها فضائية “ليبيا الأحرار” الخاصة، نموذجا لتعهد أعدته البعثة الأممية، موقعا من المرشحين الأربعة لرئاسة الحكومة: فتحي باشاغا، وعبد الحميد دبيبة، ومحمد عبد اللطيف المنتصر، ومحمد عبد الله الغويل.
وتضمن نموذج التعهد “الالتزام التام بخارطة الطريق التي تم اعتمادها في تونس نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، والالتزام بنتائج التصويت لأعضاء ملتقى الحوار السياسي”.
كما شمل النموذج أيضا “مراعاة المرشح في تشكيل الحكومة على معايير الكفاءة والجدارة والتمثيل العادل للتنوع السياسي والجغرافي ومشاركة المكونات الثقافية والمرأة والشباب على أن لا يقل تمثيل النساء عن 30 بالمائة من المناصب القيادية”.
ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف: الأزمة الليبية تتخطى المرحلة الصعبة
رشيد خشـانة – يتقدم الحل السياسي، الذي تصنعه 75 شخصية ليبية في جنيف، كمن يسير على البيض، مُحاذرا من كسره. وحولت المناورات والحيل القانونية ذلك المسار السلمي إلى ما يُشبه عملية قيصرية. لكن لا شيء يُحصن هذه العملية من الانتكاس، والأرجح أن الخاسرين سيردون الفعل، في ظل استمرار تدفق السلاح من الخارج وتواتر الانتهاكات لوقف إطلاق النار. ولعل ما يُلجم المعارضين للمسار عن وضع الحواجز في طريق الحل، إدراكهم أن الموقف الأمريكي يدعم المسار، منذ انطلاقه، وحتى قبل ذلك. فقد اعتمد مجلس النواب الأمريكي، في عهد ترامب، مشروع “قانون استقرار ليبيا” الذي يقضي بفرض عقوبات على الجهات الخارجية التي تتدخل في الشأن الليبي، لتأجيج الصراع.
توافق نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين
بالمقابل أعطى القانون، الذي حظي بتوافق نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين، دفعة لإجراء “انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية” في ليبيا أواخر العام الجاري. لكن ما زالت قبضة الجنرال خليفة حفتر تُطبق على الشرق الليبي، وهو الذي سمى نفسه في مارس/آذار 2015 قائدا لما يُسمى “الجيش الوطني الليبي”. ويتألف “الجيش” في غالبية عناصره، من مرتزقة تشاديين وسودانيين، بالإضافة إلى مرتزقة الشركة الأمنية الروسية “فاغنر”.
ويُنهي انتخاب سلطات تنفيذية مؤقتة في جنيف، على مدى الأيام الخمسة الأخيرة، دور حكومة فائز السراج، التي ستُكمل سنتها الخامسة في 12 آذار/مارس المقبل، تنفيذا لمخرجات اتفاق الصخيرات في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015. وستكون المهمة الأولى للحكومة الانتقالية الجديدة مُركزة على إعداد الاستحقاق الانتخابي المقبل. ومن مهماتها الأساسية تنفيذ مخرجات اجتماعات 5+5 بين عسكريي المنطقتين الشرقية والغربية، الذين برهنوا على روحية منفتحة أتاحت الوصول إلى حلول مقبولة من الجانبين. وبالرغم من بعض العثرات في البداية، والتي تعتبر طبيعية في صراع معقد مثل الصراع الليبي، تغلب في الأخير المنطق التوافقي، ما يمهد لإرساء حالة من الاستقرار السياسي وإنهاء الاقتتال، ومن ثمة عودة النازحين والمهجرين لاحقا إلى مدنهم وبيوتهم.
المرتزقة باقون
في خط مواز طلبت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 من الأممِ المتحدة المساهمة في إخراجِ كافة المرتزِقة والمقاتِلين الأجانب من البلد. وأفيد أن الملف الرئيسي الذي بحثه أعضاء اللجنة، في اجتماع الجمعة، تعلق بالأسباب التي حالت دون إخراجِ المرتزقة الأجانب من ليبيا، بعد انقضاء 90 يوماً، وهي الفترة التي تم الاتفاق عليها في تشرين الأول/اكتوبر الماضي في جنيف لإخراج آخر مرتزق من الأراضي الليبية.
وفي هذا الإطار وجه أعضاء مجلس الأمن الدولي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تضمنت توجيها بنشر مراقبين لوقف إطلاق النار في ليبيا. وطلب الأعضاء في رسالتهم من غوتيريش الإسراع بتشكيل فريق متقدم من المراقبين إلى ليبيا ونشره هناك، في انتظار توصية بشأن تفويض يُعدل مهام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهذا الشأن.
لا وجود لقائمة مثالية
ويمكن القول إن المشاركين في اجتماعات جنيف غير راضين على مخرجات الانتخابات، التي تمت بإشراف مباشر من الأمم المتحدة. ومن هؤلاء عضو ملتقى الحوار السياسي منصور الحصادي، الذي اعتبر أنه من الصعب “إيجاد قائمة مثالية ترضي الجميع في هذه الظروف” داعيا إلى القبول بمخرجات حوار جنيف ودعمها، خاصة مع بروز بعض الشخصيات التوافقية أسوة بالشريف الوافي في المنطقة الشرقية، التي يهيمن عليها أنصار حفتر وعقيلة صالح.
في الجانب الآخر لا شيء يؤكد أن السراج ألقى المنديل، وأنه لن يكون أحد المرشحين البارزين في الانتخابات المقبلة، بل هو على العكس من ذلك، حريص على البقاء في قاعة الانتظار، استعدادا للدخول إلى حلبة الانتخابات الرئاسية. ومعلوم أن من يتولى مسؤوليات تنفيذية أو تشريعية في الفترة الانتقالية، لا يحق له الترشيح للانتخابات المقبلة.
لكن تقديرات رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالوكالة ستيفاني وليامز للخطوة التي تم إنجازها من مراحل الحل السياسي، يشوبها كثير من التفاؤل والعاطفية، فهي تؤكد أن ما تحقق يشكل “فرصة حقيقية لاختيار سلطة تنفيذية موحدة” نافية بشدة أن تكون هذه السلطة ترمي لتقاسم الكعكة.
أربع قوائم متنافسة
وكان لافتا إخفاق كل المرشحين للسلطة التنفيذية الانتقالية في ليبيا في الحصول على 70 في المئة من الأصوات المطلوبة خلال المرحلة الأولى، فانتقل الاقتراع يوم الجمعة، إلى المرحلة الثانية، أي اللجوء إلى نظام القائمات. وطبقا لهذه الآلية، التي اعتمدها ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، حصلت أربع قوائم لمرشحي المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة، على التزكيات المطلوبة.
وتألفت القوائم من ثلاثة مرشحين لمجلس الرئاسة، وإلى جانبهم مرشح واحد لرئاسة الوزراء. وضمت القائمة الأولى حمد حسن سليمان البرغثي مرشحا لرئاسة المجلس الرئاسي، وإلى جانبه شخصيتان مرشحتان لعضوية المجلس هما علي أبو الحجب وإدريس سليمان أحمد القايد، فيما اختير في القائمة ذاتها خالد الغويل مرشحا لرئاسة الوزراء، وهو من سبق أن أعلن نفسه رئيسا لحكومة موازية لحكومة الوفاق في طرابلس. وتألفت القائمة الثانية من الشريف الوافي الذي ترشح لرئاسة المجلس الرئاسي، فيما ترشح معه لعضوية المجلس عبد الرحمن محمد أبو القاسم البلعزي وعمر مهدي أبو شريده ولرئاسة الحكومة محمد عبد اللطيف المنتصر. أما في القائمة الثالثة فترشح محمد يونس المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، وترشح إلى جانبه لعضوية المجلس موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي، بينما ترشح لرئاسة الوزراء عبد الحميد محمد دبيبه وهي القائمة التي فازت في الأخير. أما القائمة الرابعة فضمت رئيس البرلمان المنحل عقيلة صالح قويدر مرشحا لرئاسة المجلس الرئاسي. وترشح لعضوية المجلس في هذه القائمة كلٌ من الجنرال أسامة جويلي القائد العسكري للمنطقة الغربية وعبد المجيد سيف النصر، ولمنصب رئيس الوزراء فتحي باشاغا وزير الداخلية المفوض حاليا. وكان إخفاق هذه القائمة مفاجأة للجميع.
انسحاب المشري
ولابد من التوقف هنا عند انسحاب شخصية وازنة من التيار الإخواني، وهو خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة حاليا، الذي كان مرشحا لعضوية المجلس الرئاسي الجديد. والأرجح أنه استبق احتمال إخفاقه في انتخابات جنيف، أو أنه أراد المحافظة على فرصة الترشيح في انتخابات الخريف المقبل. أما السبب المعلن فهو أن الطيف الذي ينتمي إليه ممثل بما يكفي في القائمات المرشحة، ما يُغني عن بقائه في طابور الانتظار.
وأتت هذه التطورات على صعيد الحل السياسي متزامنة مع اندلاع اشتباكات في شرق البلاد وغربها، وخاصة وسط مدينة سرت، نُسب بعضها إلى الميليشيات المقربة من رئيس حكومة الوفاق السراج، والتي لا تُخفي رفضها العملية السياسية الجارية، برعاية الأمم المتحدة. وهاجمت بالتحديد وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، الغريم المعلن للسراج.
وتجدر الملاحظة ههنا أن الأمم المتحدة أكدت أن المرشحين للمناصب السيادية وقّعوا تعهدا بالالتزام بخريطة الطريق وموعد الانتخابات ونتائج التصويت، لكن التوقيع لا يعني بالضرورة أنهم سيوفون بوعدهم، خاصة أن حكومات سابقة، من ضمنها حكومة الوفاق نفسها، تخطت السقف الزمني المُحدد لها. وإذا لم يوجد قرار دولي وإقليمي بدفع المسار الحالي نحو الغاية المرسومة له، فلن تكون هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية أواخر كانون الأول/ديسمبر المقبل، وهو الموعد الذي ينتظره كثير من السياسيين، الذين أحجموا حاليا عن الترشح، في انتظار الفرصة التي يعتبرونها معبرهم إلى الرئاسة في الخريف المقبل.
محادثات أمريكية تركية
ويُهدد هذا الصراع بجعل اتفاقات تونس-جنيف تُواجه صعوبات ومطبات كثيرة في مرحلة التنفيذ، بسبب وجود متضررين من هذه العملية، ممن لديهم القدرة على تعطيل المسار، وربما العودة به إلى الخلف. إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تبدو عازمة على لعب دور أكبر في وضع الحل السياسي على السكة، وهو ما تؤشر إليه الاجتماعات الأولى بين تركيا وإدارة الرئيس جو بايدن. وتؤكد تلك الاجتماعات بين مستشاري بايدن واردوغان حول ليبيا، أن واشنطن وأنقرة بدأتا تتجاوزان العقوبات التي فرضتها أمريكا على تركيا، زميلتها في الحلف الأطلسي، في ديسمبر الماضي، على إثر شراء الأخيرة أنظمة دفاع روسية الصنع من طراز إس-400.
وتحظى عودة الدور الأمريكي بدعم القوى الدولية والإقليمية المعنية بالشأن الليبي، فوزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي سبق أن استضاف مؤتمر برلين حول ليبيا، مطلع العام الماضي، حض واشنطن علنا على إظهار مزيد من الاهتمام بتسوية الأزمة الليبية “لأن لديها الوسائل والنفوذ اللازم للقيام بدور أكبر” على ما قال ماس. لكن هناك في المقابل أطرافا دولية وإقليمية متضررة من عودة السلام إلى ليبيا، وقد تسعى إلى محاولة إضرام النار مستقبلا بالاعتماد على حلفاء محليين. على أن المناخ الإقليمي سائرٌ حاليا في اتجاه تسويات، أو في الأقل تخفيف الصراع بين تركيا من جهة والحلف المصري اليوناني من جهة ثانية، بالإضافة لتفاهم روسي-تركي في أكثر من جبهة، ما قد يوفر فرص نجاح للحل السياسي في ليبيا.
الانتخابات الليبية في جنيف تطوي صفحة السراج وصالح وحفتر
رشيد خشـانة – طوت ليبيا صفحة من تاريخها المعاصر مع انتخاب سلطات تنفيذية جديدة أمس في جنيف، ستحل محل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، المنبثقين من اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015.
وبموجب نتائج الاقتراع ستغادر شخصيات من الوزن الثقيل المشهد السياسي، في مقدمها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري. لكن هؤلاء اللاعبين قد يعودون بعد أشهر قليلة، إذا ما انطلقت الحملة الانتخابية تمهيدا لاستحقاق 24 ديسمبر المقبل الرئاسي والبرلماني.
وكان المشري، وهو أحد قادة التيار الإخواني، انسحب قبل الاقتراع تاركا المجال لمرشحين آخرين قال إنهم يجسدون تنوع الأطياف المتنافسة على المناصب العليا. وفازت في الاقتراع القائمة الثالثة من بين أربع قوائم بحصول مرشحيها على 39 صوتا. وبناء على هذا الفوز سيترأس محمد يونس المنفي المجلس الرئاسي بدل المشري، مع عضوية كل من موسى الكوني وعبد الله اللافي، فيما سيتولى عبد الحميد دبيبة رئاسة الحكومة مكان السراج.
وكان فوز هذه القائمة على القائمة الرابعة مفاجأة للجميع، لأن الأخيرة ضمت أسماء سياسية وعسكرية بارزة، بينها رئيس البرلمان عقيلة صالح وعبد المجيد سيف النصر والجنرال أسامة الجويلي القائد العسكري للمنطقة الغربية.
ورأى محللون أن استبعاد هؤلاء، بالإضافة إلى انسحاب المشري، يعكسان الرغبة بتغيير الوجوه المستهلكة، ومنح فرصة لقيادات جديدة، وإن كانت البرامج التي قدمتها تحتاج إلى سنوات لتنفيذها، وليس إلى فترة قصيرة لا تتجاوز عشرة أشهر.
واعتبر الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي محمد المنفي، أن عملية السلام في ليبيا “تحتاج إلى إجراءات أكثر من وقف إطلاق نار”.
وشدد في كلمة أمام ملتقى الحوار الليبي في جنيف، على ضرورة توحيد المؤسسات، مؤكدا أن مسار لجنة (5+5) “حقق خطوات مهمة جدًا”، وتعهد بدعم هذا المسار مع الجهات ذات الاختصاص. كما أوضح أنه من الضروري أن تكون المؤسسة العسكرية “تحت سلطة مدنية وأن تكون منحازة للوطن”، وهو رد غير مباشر على رؤية الرجل القوي سابقا في المنطقة الشرقية، الجنرال خليفة حفتر، الذي يسعى إلى إخضاع السلطات التنفيذية في الشرق والغرب إلى سلطته.
وتعهد عضو مجلس النواب والفائز بعضوية المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، بالالتزام بخريطة الطريق التي تم اعتمادها في ملتقى الحوار السياسي خلال اجتماعاته في العاصمة التونسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبإجراء الانتخابات في موعدها المقرر ليوم 24 ديسمبر المقبل.
لماذا أقصيت فرنسا من عملية السلام الليبية؟
إذا كان فرقاء الأزمة الليبية قد تمكنوا يوم الخامس من شهر شباط/فبراير الجاري في جنيف وبإشراف من منظمة الأمم المتحدة من التوصل إلى انتخاب أعضاء سلطة تنفيذية جديدة تقود البلاد خلال مرحلة انتقالية تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، فإن مراقبين كثيرين مهتمين بالشأن الليبي يرون تهميش فرنسا من محادثات الأمم المتحدة ومشاوراتها ومساعيها لتطويق الأزمة الليبية وذلك من قبل خصومها وحلفائها أيضا. ويقول هؤلاء المراقبون إن فرنسا تجد اليوم نفسها خارج اللعبة في ليبيا، رغم أنها تعد من بين الأطراف الأساسية التي لديها مسؤولية كبرى في الحرب التي تجري بين الفرقاء الليبيين منذ عام 2011.
وفي نهاية تموز/يوليو من عام 2017 أي بعد نحو شهرين من وصول الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون إلى مقاليد الحكم، وضع هذا الأخير الملف الليبي ضمن الملفات الرئيسية في اهتمامات الدبلوماسية الفرنسية، حيث سارع إلى جمع فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني (مقرها طرابلس) المدعومة من الأمم المتحدة، والمشير خليفة حفتر قائد ما يعرف بــ«الجيش الوطني» الليبي في شرق البلاد، في ضاحية سان-سينكلو الباريسية. وفي نهاية أيار/مايو عام 2018 التقى ماكرون أطراف الأزمة الليبية في اجتماع موسع بقصر الإليزيه أفضى إلى توصل الفرقاء الليبيين إلى إعلان سياسي يقضي بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في العاشر من كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته أي عام 2018. واعتبر ماكرون وقتها أن هذا الاتفاق يعدّ «خطوة رئيسية نحو المصالحة» الوطنية في ليبيا.
غير أن هذا الاتفاق ولد ميتاً، ووقع على وفاته الهجوم العسكري الذي شنته قوات المشير خليفة حفتر في الرابع من نيسان/ابريل عام 2019 ضد العاصمة طرابلس. وقد ضاعف هذا الهجوم من سهام الانتقادات الموجهة إلى باريس بسبب الدعم الفرنسي الذي كان يحظى به خليفة حفتر، منذ أن انكشف وجود عناصر من القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا في عام 2016 تقدم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي لحفتر. وكانت فرنسا تقف إلى جانبه لأنها كانت ترى أنه الأقوى عسكريا. كما أن موقف العداء الذي التزمه حفتر تجاه الإسلاميين جعل منه رجل باريس وأبو ظبي والقاهرة. ومع ذلك، شددت فرنسا مراراً على أنها لم تدعم هجوم حفتر على طرابلس الذي تسبب بفوضى كبيرة في البلاد.
الخلاف مع إيطاليا
موقف باريس «المزدوج» والمتمثل في مسايرة مواقف الأمم المتحدة من جهة وتقديم الدعم لحفتر من جهة أخرى، يرى مراقبون أنه قلل من مصداقيتها من حيث دعواتُها إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق تفاوضي. زد على ذلك أن فرنسا وجدت نفسها في مواجهة حليف لها في الاتحاد الأوروبي، هو إيطاليا، الدولة الأوروبية التي كانت تستعمر ليبيا والتي ظلت دوما أقرب الدول الأوروبية لها عبر مختلف الفترات التي شهدتها ليبيا خلال حقبة ما بعد الاستعمار. وقد وجدت نفسها بعد سقوط نظام معمر القذافي وانهيار مؤسسات الدولة الليبية وحالة الفوضى التي دخلت فيها في السنوات العشر الأخيرة، في الخط الأول للمواجهة مع تدفق موجات المهاجرين الأفارقة وغير الأفارقة الراغبين في الوصول إلى أوروبا بشكل غير قانوني عبر البوابة الليبية.
وبالتالي، كانت مسألة إرساء الأمن ومحاربة الهجرة غير النظامية تمثل الأولوية بالنسبة إلى إيطاليا. وقد أبرمت اتفاقات مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في هذا الإطار. مقابل هذه الأجندة الإيطالية، فإن هاجس فرنسا هو أمني واقتصادي في الوقت ذاته: المجموعات المتطرفة والثروات الباطنية مثل النفط واليورانيوم، علما أن أكبر مصانع مجموعة آريفا الفرنسية يوجد بدولة النيجر، كما سبق وأن أوضح الصحافي والمحلل السياسي عبد الرحمن أمبيريك لـ«القدس العربي» في مقال نشرته في وقت سابق.
وترى الباحثة الجيوسياسية سلين جريزي في رد على سؤال لـ«القدس العربي» أن فرنسا حاولت استخدام قوتها الناعمة تارة بجمع الفرقاء في باريس، وتارة أخرى برفع نبرة خطابها ضد حليفها حفتر، إلا أنها تدرك تماما أنها تجدف ضد التيار، وليست قادرة على الإمساك بكل خيوط الوضع أو على الأقل التحكم في ما تراه مربعها التاريخي مما يجعلها تدخل في مزايدات إذا لم نقل صراعات سواء مع جيرانها الأوروبيين أو مع دول أخرى، وفق جريزي.
ووسط الخلاف الفرنسي-الإيطالي حول مقاربتيهما بشأن الملف الليبي؛ دخلت ألمانيا حليفتهما في الاتحاد الأوروبي على الخط وأصبحت صوت أوروبا لحل الأزمة الليبية سياسياً. ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى مؤتمر برلين حول ليبيا الذي عقد في 19 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020 -أي بعد نحو 14 شهراً من بدء حملة قوات حفتر ضد طرابلس – وجمع حكومات الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وممثلين عن الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وقد تمثلت أهداف المؤتمر الرئيسية في التوصل إلى توافق في الآراء بين الدول الأعضاء المعنية بالأزمة الليبية وتأمين مظلة دولية لحماية الحوارات الليبية حول مستقبل البلد، وفق برلين والأمم المتحدة.
تركيا تقلب الموازين
والحقيقة أن التدخل التركي في ليبيا لدعم لقوات التابعة لحكومة طرابلس المعترف بها من الأمم المتحدة والهزيمة المدوية التي تعرضت لها قوات المشير خليفة حفتر في حزيران/يونيو الماضي، شكلا ضربة مدوية بالنسبة إلى داعمي هذا الأخير الذي وجد نفسه مضطراً إلى التهدئة والتوقيع على اتفاق لوقف النار في ظل الانتكاسة العسكرية التي تعرضت لها قواته. ومنذ ذلك الوقت فقدت فرنسا صوتها في الملف الليبي على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، مقابل هيمنة تركيا وروسيا على غرب وشرق ليبيا على التوالي، والتي سمحت، تحت رعاية الأمم المتحدة، عبر إطلاق محادثات سلام بعد وقف إطلاق النّار الذي تم التوقيع عليه في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في جنيف برعاية الأمم المتحدة. يقضي هذا الاتفاق برحيل القوات الأجنبية والمرتزقة في غضون 90 يوما. وهي مهلة انتهت قبل أسبوعين من دون تنفيذ بنود هذا الاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بـ5+5.
وشهدت نهاية عام 2020 وبداية 2021 جهودا مكثفة من قبل المملكة المغربية التي عادت دبلوماسيتها حيال ليبيا إلى الواجهة مجددا بعد نحو خمسة أعوام من اتفاق الصخيرات. فقد احتضت مدينة بوزنيقة بالقرب من العاصمة الرباط جولات للحوار بين ممثلين عن طرفي الأزمة الليبية (المجلس الأعلى للدولة في طرابلس وبرلمان طبرق) توسطها حوار ليبي في تونس برعاية الأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وتمخض عن هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة اتفاق على توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم الثلاثة في ليبيا وإجراء انتخابات عامة في كانون الأول/ديسمبر المقبل لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة. وقبل ذلك اختيار حكومة مؤقتة موحدة تشرف على الفترة الانتقالية.
ويبدو أن التنافس مع تركيا والعناد على عدم إدانة تصرفات الإمارات المتحدة في الحرب الليبية، هي أمور ضغطت على فرنسا في قراراتها المتعلقة بليبيا، على عكس ألمانيا والولايات المتحدة، حيث فضلتا في الأشهر الأخيرة التوازن بين حفتر والسراج. هذا ما قالته صحيفة «لاكروا» الفرنسية في مقال نشرته يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وقد يسعى الفرنسيون إلى الترويح عن أنفسهم بعد فشل مساعيهم في لعب دور مهم في الملف الليبي من خلال التعويل على خط يرون أنه سيفرض نفسه في المستقبل بعد عودة الاستقرار إلى ليبيا ويتمثل في حرص قيادات ليبيا على المديين المتوسط والبعيد على ربط علاقات متوازنة بين مختلف القوى الكبرى والمتوسطة لكسب معركة التنمية وهي الأهم بالنسبة إلى كل الدول العربية التي شهدت منذ عشر سنوات ثورات أو انتفاضات أو نزاعات. ومع ذلك فإن فرنسا تدرك في قرارة نفسها أن عليها إعادة طريقة تعاملها مع ليبيا بشكل يتجاوز بكثير حدود الهواجس الأمنية والرغبة في حصول مكان لها في السوق الليبية. ويقول كثير من المطلعين على ملف العلاقات الفرنسية الليبية منذ عهد معمر القذافي وما قبل ذلك، إن مراجعة المنهجية الفرنسية في التعامل مع ليبيا مراجعة شاملة أمر ضروري حتى تكون لفرنسا مكانة في العمل التنموي الذي سيكون أهم ورشة مطروحة على القيادات الليبية المقبلة للخروج مما يصفه البعض بــ«العشرية السوداء».
رشيد خشانة لفرانس 24 : الأمم المتحدة تؤكد أهمية احترام الوعد بإجراء انتخابات في ليبيا “مهما كلف الثمن”
تستضيف عزيزة واصف في هذه الفقرة من “ضيف اليوم” مدير تحرير مجلة شؤون ليبية رشيد خشانة، للحديث عن آخر المستجدات التي تشهدها عملية السلام في ليبيا والعقبات التي قد تعترضها ولاسيما الخشية من تجدد الاقتتال.
السراج يقبل أوراق اعتماد 4 سفراء جدد لدى ليبيا
اعتمد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، اليوم السبت، أربعة سفراء جدد لدى ليبيا، في احتفالية حضرها وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة.
وبحسب بيان للمجلس الرئاسي، تسلم السراج أوراق اعتماد السفير نرمين مشينوفيتش، سفيرًا مفوضًا وفوق العادة لجمهورية البوسنة والهرسك، والسفير لي سانغ سو سفيرًا مفوضًا وفوق العادة لجمهورية كوريا، والسفير ألفريد جاكوب سفيرًا فوق العادة لجمهورية رواندا، والسفير محمد رضا رؤوف شيباني سفيرًا فوق العادة ومفوض للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وألقى السفراء المعتمدون كلمات للمناسبة، نقلوا خلالها تحيات قادة دولهم، وعبروا عن شكرهم على حسن الاستقبال والضيافة وقبول أوراق اعتمادهم، مؤكدين عمق علاقات الصداقة التي تربط دولهم بليبيا، ودعمها لجهود تحقيق السلام والاستقرار، معبرين عن تطلعهم للعمل من أجل تنمية وتطوير علاقات التعاون الثنائي.
من جانبه رحب السراج بالسفراء الجدد، معربًا عن سعادته باستلام أوراق اعتمادهم، مثمنًا مواقف دولهم الداعمة للمسار الديمقراطي، ولجهود تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.
وأعرب عن أمله في أن يعمل السفراء الجدد على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون في مختلف المجالات، وبما يخدم المصالح المشتركة بين ليبيا ودولهم.
الطريق ممهد لـ«ليبيا جديدة» بعد الاتفاق على آلية اختيار السلطة التنفيذية وإجراء الاستفتاء الدستوري
تحركت المياه الراكدة في بحر السياسة الليبية خلال الأيام الأخيرة؛ ففي حين توصل أعضاء ملتقى الحوار السياسي أخيراً إلى آلية لاختيار السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية المقبلة، السابقة على إجراء انتخابات وطنية في ديسمبر من العام الجاري، اتفق أيضاً أعضاء اللجنة الدستورية على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من الهيئة التأسيسية، ليكون هو الآلية القانونية التي تستند إليها الانتخابات؛ فيما أعلنت الأمم المتحدة تعيين يان كوبيتش، وزير خارجية سلوفاكيا السابق، مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا.
ويوم الثلاثاء، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا موافقة أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي على مقترح آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة للفترة الانتقالية. وقالت إنها أجرت عملية تصويت استغرقت 24 ساعة، وذلك بعد التوصل إلى هذا المقترح خلال اجتماع اللجنة الاستشارية المنبثقة من اجتماع للملتقى في جنيف السبت الماضي.
شارك 72 عضواً من ملتقى الحوار السياسي في عملية التصويت، صوت 51 منهم بالموافقة لصالح الآلية المقترحة، وهو ما يمثل نحو 73% من الأصوات المدلى بها، فيما صوت 19 عضواً ضدها، وامتنع عضوان عن التصويت، ولم يشارك اثنان آخران في العملية. ليتم اعتماد الاقتراح بعدما تجاوز الحد الأدنى المطلوب الذي حددته اللجنة الاستشارية بنسبة 63% من أصوات المقترعين.
كيفية اختيار السلطة الانتقالية
وأوضحت عضوة مجلس النواب، سلطة المسماري تفاصيل هذا المقترح في تصريح إلى «الوسط»، وهي: أولاً: فيما يخص اختيار أعضاء المجلس الرئاسي ويتم ذلك على مرحلتين. المرحلة الأولى: المجمع الانتخابي للإقليم، ويتم الترشح لعضوية المجلس الرئاسي من داخل المجمع الانتخابي لكل إقليم. كما يشترط للتقدم لعضوية المجلس الرئاسي من الإقليم أن يتم الحصول على تزكيات من أعضاء المجمع الانتخابي لكل إقليم، وذلك حسب الأعداد التالية: ثماني تزكيات لكل متقدم من الغرب الليبي، وست تزكيات لكل متقدم من الشرق الليبي، وثلاث تزكيات لكل متقدم من الجنوب الليبي.
يتم التصويت داخل المجمع الانتخابي للإقليم بين المترشحين المتحصلين على التزكيات المطلوبة، ويعتبر «فائزاً وحيداً» بعضوية المجلس الرئاسي عن الإقليم إذا تحصل أي من المترشحين على نسبة 70% من أعضاء المجمع الانتخابي للإقليم. وإذا لم يتحصل أى من المترشحين على نسبة التوافق المطلوبة (70%) يتم إحالة أربعة مترشحين إلى المجمع الانتخابي العام.
المرحلة الثانية، الخاصة بالمجمع الانتخابي العام، ويتم تكوين أربع قوائم تضم (المترشحين للمجلس الرئاسي عن الأقاليم ومترشحاً لرئيس الحكومة) وحسب الاختيارات والتوافق بينهم وحسب التوازن الوارد في خارطة الطريق التمهيدية، ويكون المترشح الفائز بنسبة 70% في المجمع الانتخابي للإقليم هو العضو الممثل للإقليم في القوائم الأربع.
وبالنسبة لرئيس الحكومة؛ فيشترط لمن يترشح لهذا المنصب أن يتحصل على عدد لا يقل عن 17 تزكية من أعضاء المجمع الانتخابي العام. وتتكون كل قائمة من أربعة أفراد من الذين يتم التوافق فيما بينهم، وبمراعاة التوازن الجغرافي المحدد في خارطة طريق المرحلة التمهيدية؛ على أن تشمل كل قائمة: مترشحاً واحداً لموقع رئيس الحكومة من جميع أنحاء البلاد وثلاثة من الأعضاء المختارين لعضوية المجلس الرئاسي من المجمعات الانتخابية للأقاليم (واحد من كل إقليم) وحسب الموقع الذي يترشح له. كما يتم عرض عدد لا يتجاوز أربع قوائم للتصويت عليها في المجمع الانتخابي العام.
وتعتبر القائمة التي تتحصل على 60% من أعضاء المجمع الانتخابي العام من الجولة الأولى هي القائمة الفائزة. ويتم التصويت في جولة ثانية بين القائمتين المتحصلتين على أعلى نسبتي تصويت في الجولة الأولى إذا لم تتحصل أي قائمة على نسبة (60%) المطلوبة للفوز ويكون الحسم بينهما بنسبة (50+1).
وفيما يتعلق برئيس المجلس الرئاسي؛ فيتم اختيار المرشح للمنصب من بين الأعضاء المختارين لعضويته من المجمعات الانتخابية للأقاليم ومن القائمة الفائزة ومن الإقليم المختلف الأكثر عدداً عن إقليم رئيس الحكومة.
فرصة لتجاوز الخلاف
بدورها، أشادت البعثة الأممية بأعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذين شاركوا في عملية التصويت، معتبرة أنهم «تحملوا مسؤولياتهم أمام الشعب الليبي».
وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، إنه في اليوم الذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لمؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، «اتخذ أعضاء الملتقى خطوة مهمة نحو تنفيذ خارطة الطريق التي تم تبنيها في تونس العاصمة في منتصف نوفمبر الماضي».
وشددت على أنه أمام الليبيين الآن فرصة حقيقية لتجاوز خلافاتهم وانقساماتهم، واختيار حكومة موقتة لإعادة توحيد مؤسساتهم من خلال الانتخابات الوطنية الديمقراطية التي طال انتظارها، مؤكدة أن ما جرى التوافق عليه «سلطة تنفيذية موقتة سيتم استبدالها بسلطة منتخبة ديمقراطياً، بعد الانتخابات في 24 ديسمبر 2021».
وأكدت البعثة أنها تضع حالياً اللمسات الأخيرة على إجراءات واستمارات الترشيح، بالإضافة إلى جدول زمني لعملية التصويت، التي سيتم مشاركتها مع كافة الأعضاء قريباً، فيما ستتولى لجنة من الملتقى التحقق من طلبات الترشيح المقدمة لضمان الشفافية الكاملة.
ورحب المجلس الأعلى للدولة بهذه النتيجة، مشيداً «بروح الوطنية والمسؤولية التي تحلى بها أعضاء الملتقى طيلة هذه الفترة»، داعياً أعضاء لجنة المسار الدستوري إلى بذل مزيد الجهود لإحداث أكبر توافق ممكن في هذا المسار المهم والرئيسي.
إشادة أوروبية
وأوربياً، رحب رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي المعتمدون لدى ليبيا بهذه الخطوة، وأشادوا بوليامز وأعضاء منتدى الحوار السياسي وفريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على «جهودهم الدؤوبة وتصميمهم على تحقيق هذه النتيجة المهمة».
وقال رؤساء البعثات الأوروبية في بيان إن القرار «يعد مهماً لتمهيد الأرضية لما يستحقه الشعب الليبي، المتمثل في حكومة انتقالية موحدة تعمل على استعادة الخدمات الأساسية العامة وإعداد البلاد للانتخابات الوطنية التي ستجرى في 24 ديسمبر من سنة 2021».
وأعربوا عن أملهم في «أن ينتقل منتدى الحوار السياسي الليبي الآن بشكل سريع إلى ترشيح سلطة تنفيذية جديدة بالاستناد إلى الآلية المتفق عليها».
كما شجعوا إدماج المرأة ومشاركتها بشكل هادف وكامل في عملية إرساء السلام، مؤكدين دعمهم مشاركة المرأة السياسية الفاعلة في جميع جوانب عملية السلام والحوكمة المستقبلية في البلاد. وجددوا أيضاً تأكيدهم على «مسؤولية الأطراف المعنية الرئيسية في ليبيا في المضي قدما نحو إرساء الاستقرار في البلاد والعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة لجميع الليبيين». داعين «جميع القادة الليبيين إلى اغتنام هذه الفرصة بروح توافقية لإيجاد حل سلمي مستدام».
وشدد رؤساء البعثات الأوروبية على «أن ليبيا في حاجة إلى اتخاذ قرارات عاجلة لتعزيز وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد واستعادة الخدمات العامة وتحسين الظروف المعيشية للشعب الليبي».
وجددوا تأكيدهم على الوقوف إلى جانب «الغالبية العظمى من الليبيين الذين يرفضون الوضع الراهن ويرفضون أي خيار عسكري أو خيار يتسم بالعنف لتسوية الأزمة والقضاء على الإرهاب»، ورفضهم «جميع التدخلات الأجنبية»، داعمين «استعدادهم للعمل يداً بيد».
اعتراض من «قوة حماية طرابلس»
غير أن هذه الخطوة لم تلقَ استحساناً لدى «قوة حماية طرابلس والمنطقة الغربية»، التي أكدت رفضها مخرجات وطريقة التصويت، متهمة أعضاء البعثة ووليامز بـ«الضغط والاستهتار بمصالح الشعب الليبي» والتدخل لتوجيه مسارات الحوار.
و«قوة حماية طرابلس» هي ائتلاف للمجموعات المسلحة الرئيسية في العاصمة الليبية التي تضم قوة الردع الخاصة وكتيبة النواصي وكتيبة ثوار طرابلس والأمن المركزي أبوسليم.
وقالت في بيان وجهته إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة وسفراء الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ورؤساء بعثات الدول الراعية للحوار السياسي للشأن الليبي إنها رصدت «انحرافاً خطيراً عن المسار الصحيح في جملة من التجاوزات.. بدءاً من الطريقة المشبوهة لاختيار بعض الشخصيات المشاركة في الحوار، إلى الطريقة التي يتم بها عرض المقترحات والتصويت، وانتهاءً إلى التدخل الشخصي لبعض أعضاء البعثة في توجيه المسار السياسي نحو أهداف معينة لا تخدم مصلحة ليبيا، وإنما تخدم دائرة حزبية ضيقة لن تستطيع الوصول بليبيا إلى بر الأمان».
كما أكدت القوة رفضها «مخرجات وطريقة التصويت التي تضغط رئيسة البعثة (بالإنابة) لتحقيقها في المدة المتبقية لمهامها في ليبيا، في مشهد يسلب إرادة الأغلبية من الشعب الليبي، وفي عجلة من الوقت تعكس استهتار رئيسة البعثة بمصالح الشعب الليبي، الذي يعاني ويلات المرض والحروب والفاقة المالية».
ودعت إلى «ضرورة العودة إلى الحوار (الليبي – الليبي) ورعايته والمضي قدماً في التحاور السلمي خلال أسرع وقت ممكن من خلال مؤسساتنا الوطنية»، معلنة دفاعها «عن القيم والمبادئ والسيادة الليبية»، مطالبة بـ«تدخل الأمين العام للأمم المتحدة لتصحيح مسار البعثة بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن».
الاستفتاء المرتقب على الدستور
وفي مدينة الغردقة المصرية، أعلن أعضاء اللجنة الدستورية، المشاركون في اجتماع المسار الدستوري المنعقد، اتفاقهم «بإجماع الآراء» على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من الهيئة التأسيسية.
وقالوا إن هذه الموافقة جاءت بناء على القانون الصادر من مجلس النواب رقم (6) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2019 مع تعديل المادة السادسة باعتماد نظام الدوائر الثلاث (50 % + 1) فقط، وإلغاء المادة السابعة منه.
وتضم اللجنة الدستورية 28 عضواً من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وقد اجتمعوا في الغردقة يوم الثلاثاء الماضي، واتفقوا على إجراء الاستفتاء، مؤكدين ضرورة «تحصين المراكز القانونية الجديدة التي ستنتج عن الاستفتاء، وذلك من خلال إيقاف نظر الطعون المتعلقة بقانون الاستفتاء المتوافق عليه، وقانونية إصدار مشروع الدستور، والتعديل العاشر للإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 26 نوفمبر 2018»
كما اتفقوا على استكمال مناقشاتهم في الفترة من 9 إلى 11 فبراير المقبل، ودعوة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للحضور والمشاركة في المناقشات وصولاً إلى تحديد موعد الاستفتاء والإجراءات المرتبطة به.
ومن المقرر رفع هذا الاتفاق إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ورفع تقرير بنتائج أعمال اللجنة إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لاتخاذ اللازم بشأن تفعيل هذا الاتفاق وتوفير الدعم الضروري لإجراء الاستفتاء في الموعد الذي ستحدده اللجنة بعد الاستماع إلى رئيس وأعضاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
كان الناطق باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق، قال إن الجلسة الافتتاحية لاجتماعات المسار الدستوري في الغردقة بدأت بكلمة لرئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، عبر اتصال مرئي أعرب خلالها عن دعم مصر «اللامحدود للأشقاء في ليبيا لإنهاء الأزمة الليبية».
وبعد ذلك، ألقت ستيفاني وليامز، كلمة عبر الاتصال المرئي أكدت فيها جهود البعثة الأممية وأهمية المسار الدستوري. كما ألقى رئيس اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا، اللواء أيمن بديع كلمة أكد فيها توفير مصر كافة الإمكانات من أجل إنهاء الأزمة الليبية، ثم ألقى رئيس وفد مجلس النواب الدكتور إسماعيل الشريف كلمة عبر فيها عن شكر وتقدير المجلس «للشقيقة مصر قيادة وحكومةً وشعباً على دعمهم للشعب الليبي»، ثم اختتمت الكلمات بكلمة لرئيس وفد المجلس الأعلى للدولة، وفق بليحق.
حوار رقمي بمشاركة ألف ليبي
وغير بعيد عن هذه الاجتماعات السياسية، شاركت وليامز في مناقشة من خلال تقنية الذكاء الصناعي في حوار رقمي مع ألف ليبية وليبي، معظمهم من جميع أقاليم ليبيا، وبعضهم من خارج البلاد. وقالت البعثة الأممية إن اللقاء الرقمي جاء عقب اجتماع اللجنة الاستشارية المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي استمر أربعة أيام في جنيف.
ورحبت وليامز بارتفاع نسبة المشاركة والتفاعل من جانب المشاركات والمشاركين، إذ أجابوا عن أسئلة حول الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، حسب بيان صادر عن البعثة الأممية.
وقالت البعثة إن أكثر من 70% من المشاركين أجمعوا على أن نتائج اجتماع اللجنة الاستشارية كانت «إيجابية»، وأعربوا عن أملهم في أن تفضي هذه النتائج إلى حل دائم، كما أعربوا عن تخوفهم من العرقلة من جانب «طرف الوضع الراهن».
وأيد 76% من المشاركين إجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر المقبل، ودعا غالبيتهم إلى إنهاء الفترة الانتقالية التي استمرت لسنوات. وقال 69% ممن شاركوا في هذا الحوار الرقمي إنه «من الضروري تشكيل سلطة تنفيذية موقتة موحدة في الفترة التي تسبق الانتخابات».
وأعرب جميع المشاركين عن دعمهم لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبرالماضي، ودعا غالبيتهم إلى إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، كما طالبوا بدور أقوى للأمم المتحدة لإنهاء التدخل الأجنبي في البلاد، وبمواصلة الحوار الذي تيسره الأمم المتحدة، فيما عبر الكثيرون عن خشيتهم من «اندلاع الحرب مجدداً ما لم يتم ذلك»، حسب البعثة.
وأكدت البعثة أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كان «الشغل الشاغل للمشاركين، فقد اعتبر 46% منهم أن الوضع الاقتصادي آخذ في التدهور مقارنة بالعام المنصرم». وأشاد المشاركون بتوحيد سعر الصرف، غير أنهم طالبوا ببذل مزيد الجهود لتحسين الوضع الاقتصادي، فيما عبرت وليامز عن تقديرها «العميق للردود الصريحة والتوصيات التي تلقتها خلال هذا الحوار الرقمي، وتعهدت بأخذها بعين الاعتبار والاستنارة بها في جميع مسارات الحوار التي تيسرها الأمم المتحدة».
ليبيا: تسريع الخطوات لإجراء استفتاء على مسودة الدستور تمهيدا لانتخابات عامة
رشيد خشانة – عقبات عدة ستعطل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الموعودة، بالنظر لمحاولات الإحباط التي يقوم بها المتضررون من مجيء قيادات جديدة.
على الرغم من موجة التفاؤل التي أشاعها، في ليبيا وخارجها، الاتفاق على آلية اختيار القائمين على السلطات التنفيذية، فإن الملف ما زال معقدا ودقيقا والاستقرار بعيد المنال. وما زالت أيضا الثنائيات تمزق المشهد الليبي بين شرق وغرب، وإخوان وخصوم الإخوان، وموالين لمحاور دولية وإقليمية وآخرين متحالفين مع محاور مضادة.
وبحسب ما يتم تداوله عن تلك الآليات، التي باتت محل توافق، بعد صراعات بيزنطية طويلة في الكواليس، أن الهيآت التي سيتم انتخابها ستقود مرحلة انتقالية خامسة أو سادسة تنتهي بانتخابات عامة في كانون الأول/ديسمبر المقبل. وكانت ليبيا عرفت تجارب انتقالية عديدة منذ 2011 قادها على التوالي كل من الراحل محمود جبريل والراحل عبد الرحيم الكيب ثم علي زيدان وأتى بعده فائز السراج، لكنها كانت غير موفقة. وفي حال تعثر إجراء الانتخابات لسبب من الأسباب، فإن السلطات التنفيذية الجديدة ستستمر إلى وقت غير معلوم.
والمؤكد أن عقبات عدة ستعطل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الموعودة، بالنظر لمحاولات الإحباط، التي يقوم بها المتضررون من مجيء قيادات جديدة. وقد حذرت رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالوكالة ستيفاني وليامز مما أسمته “المناورات الجديدة الرامية للمحافظة على المنظومة الحالية، والتي تُحركها حسابات شخصية” على ما قالت، من دون أن ترفع الغطاء عن تلك الأطراف.
وربما يكون الموفد الأممي الجديد إلى ليبيا السلوفاكي يان كوبتش أكثر جسارة فيُميط اللثام عن وجوه المُعطلين للمسار، خاصة أنه تعاطى بهذا الأسلوب الصارم مع السياسيين اللبنانيين، لدى عمله موفدا أمميا إلى لبنان. ولعل المهمة ذات الأولوية التي كلفه بها مجلس الأمن، تتمثل في تدعيم الوقف الهش لإطلاق النار، وتثبيت انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة منها. وسيتعين على الموفد الجديد أن يواجه امبراطوريات الفساد وأمراء الحرب في ليبيا، بالخطاب الصريح والمباشر، الذي استخدمه لدى انتقاده المتكرر للقادة اللبنانيين. وطالما أن كوبتش لن يكون لين العريكة فإن المستفيدين من الوضع القائم سيستعدونه ويستهدفونه. والسلاح الوحيد الذي قد يُمكنه من المحافظة على توازنه هو الإصرار الأممي على الالتزام بموعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
جهاز أمني جديد
اللافت أن الموفدة الأممية المنتهية ولايتُها وليامز كانت في صراع مع رئيس المجلس الرئاسي رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في الأيام الأخيرة، بعدما استبق السراج اختيار رؤوس السلطة التنفيذية الجديدة، بإنشاء جهاز أمني جديد أطلق عليه اسم “قوة الدفاع عن طرابلس” كما قام بتسمية عدة قادة ميليشيات على رأس الجهاز، وهم جميعا من أنصاره. ويُعزى اعتراض وليامز على تلك الخطوة، إلى أن السراج لم يمر من خلال “منتدى الحوار السياسي” فيما تمسكت الموفدة الأممية بأن إنشاء أجهزة تنفيذية مركزية لابد أن يمر عبر المنتدى. واتهم الموالون للسراج وليامز، التي ذكرت رئيس حكومة الوفاق بالاسم، على غير العادة، بالتدخل في الشأن الداخلي الليبي، ومحاولة التأثير في الاقتراع على المناصب التنفيذية العليا، وهو موقف لا يخلو من الطرافة والإضحاك في بلد توجد فيه عشر قواعد عسكرية أجنبية، وآلاف المرتزقة الوافدين من روسيا وسوريا والسودان وتشاد وغيرها من البلدان القريبة والبعيدة.
تبريد الصراعات
على أن هذه الأجواء المحتقنة بين حكومة الوفاق والبعثة الأممية تأتي في فترة تتسم إقليميا بالجنوح إلى تبريد الصراع الفرنسي التركي، وفي القلب منه الملف الليبي. وتحدث محللون أخيرا عن “وقف إطلاق نار كلامي” بين باريس وأنقرة منذ الشهر الماضي، واحتمال إجراء لقاءات وتبادل زيارات بعدما أخفق أسلوب القوة الذي توخاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إنهاء الأزمة بين البلدين. والأكيد أنه لولا الملف الليبي لما وصل الخلاف الفرنسي التركي إلى ما وصل إليه أخيرا، من تراشق بالتهم غير مسبوق بين باريس وأنقرة.
وتتجه العلاقات نحو عودة الحوار المباشر بين العاصمتين، بعد اجتماع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، مع نظيره التركي مولود تشاوس أوغلو، في الثامن من الشهر الماضي. ومن المؤشرات على هذا التقارب تسمية الدبلوماسي التركي علي أوننار سفيرا جديدا لدى فرنسا، وهو ممن درسوا فيها وأتقنوا لغتها، إذ كان زميلا للرئيس ماكرون في المدرسة الوطنية للإدارة بباريس. غير أن استئناف الحوار لا يعني نهاية الخلافات التي تدور حول النفوذ في ليبيا وتقاسم كعكة إعادة الإعمار، عندما تضع الحرب أوزارها، وحتى قبل ذلك.
ومع إصرار الأمم المتحدة على الالتزام بموعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كانون الأول/ديسمبر المقبل، يتعين على المبعوث الأممي الجديد تهيئة الأرضية الدستورية، التي ستجري على أساسها الانتخابات. وفي هذا الإطار تم حسم الخيارات بين إجراء استفتاء على المسودة الحالية للدستور، أو العودة إلى دستور 1951 أو اللجوء إلى خيار ثالث، وهي الخيارات التي كانت اللجنة القانونية، المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي في تونس، عرضتها ضمن توصياتها للاستناد إليها. وأتى الحسم من خلال “إعلان اللجنة الدستورية” التي اجتمعت بمدينة الغردقة المصرية، خلال الفترة من 16 إلى 19 كانون الثاني/يناير الجاري، والتي كرس اجتماعها دعم خيار الاستفتاء على مشروع الدستور، “كي يقرر الشعب ويعبر عن إرادته من خلال الاستفتاء عليه” وفق ما جاء في بيان للنائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، نشرته “بوابة الوسط” الليبية.
ويستمد الاتفاق على الاستفتاء أهميته من كونه صادرا عن اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين من مجلس النواب (شرق) والمجلس الأعلى للدولة (غرب). وستنتقل مسؤولية قيادة العملية قريبا إلى المفوضية العليا للانتخابات.
التثبت من الترشيحات
لكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، قالت إنها تعتزم تشكيل لجنة تضم ثلاثة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، من أجل التحقق من أن الترشيحات للسلطة التنفيذية الجديدة مقدّمة وفقاً للشروط ذات الصلة. ونوهت إلى أن عملية التصويت لاختيار السلطة الجديدة ستجري خلال اجتماع ملتقى الحوار السياسي في سويسرا مطلع الشهر المقبل. ويأتي ذلك، بحسب بيان بثته البعثة عبر موقعها على الإنترنت، في أعقاب قرار ملتقى الحوار السياسي، باعتماد آلية اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة، عبر تصويت أجري في 19 الجاري.
وبناء على ذلك، أعلنت البعثة الأممية بدء فترة تقديم الترشيحات لمناصب المجلس الرئاسي المؤلف من ثلاثة أعضاء ورئيس الوزراء، والتي ستستمر إلى الثامن والعشرين من الشهر الجاري. ووضعت البعثة إرشادات فنية كما أصدرت نماذج ذات صلة بتقديم الترشيحات، وفقاً لمعايير الترشح التي اعتمدها ملتقى الحوار السياسي في تونس أواسط تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
والخطوة الأهم تمثلت في إعلان البعثة الأممية فتح باب الترشيح للسلطة التنفيذية، كما أنها تعتزم تشكيل لجنة تضم ثلاثة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي للتحقق من أن الترشيحات مقدّمة وفقاً للشروط المطلوبة، وستتولى اللجنة تجميع القوائم النهائية للمرشحين إلى المجلس الرئاسي لكل إقليم وإلى منصب رئيس الوزراء، الذي سيختار بدوره أعضاء تشكيلته الحكومية.
اجتماع آخر في سويسرا
في السياق قررت البعثة عقد اجتماع لملتقى الحوار السياسي، بعد انقضاء فترة الترشيح، في سويسرا لإجراء عملية التصويت وذلك في الأسبوع الأول من الشهر المقبل. لكن يُخشى من أن هذه المسارات لم تعد تشد اهتمام المواطن الليبي الذي يرزح تحت عبء الصعوبات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية والمخاوف الأمنية، ما يجعل النخب المتصارعة على الحكم مقطوعة عن الوسادة الشعبية. ومع تفاقم المشاكل المتراكمة على مدى عشر سنوات بلا أفق واضح، يُخشى من ضآلة الاقبال على الاقتراع، عندما يحين ميقات الانتخابات. ويشعر الليبيون أن هناك فئات متنفذة في الشرق والغرب، من أمراء الجماعات المسلحة وكبار البيروقراطيين ورجال أعمال فاسدين، يحتكرون إيرادات النفط، فيما تراجع إنفاق الدولة على مشاريع البنية الأساسية والتعليم والصحة، التي تدهورت بشكل غير مسبوق.
ويعاني الليبيون منذ فترة بعيدة من شح السيولة في المصارف التجارية، ما يجعلهم يقفون في طوابير بانتظار دورهم، ليحصلوا في الأخير على مبالغ زهيدة لا تعكس أرصتهم الحقيقية لدى المصارف.
مقايضة خاسرة
وأظهرت تقارير اقتصادية أن الليبيين باتوا يعتمدون على السوق الموازية للحصول على بعض الدنانير، مقابل مقايضة خاسرة بصكوكهم، بعدما اشتدت أزمة السيولة في المصارف، ما يشكل آخر الخيارات البديلة التي يلجؤون إليها، في وقت لا يقبل نحو نصف التجار في معاملاتهم مع الزبائن إلا الأموال نقدا. وأشارت التقارير إلى أن أزمة السيولة في ليبيا تشكل مصدر قلق متزايد للمواطن، إذ لا يستطيع أرباب الأسر سحب مبالغ كافية لتلبية حاجاتها، إذ أن 3.7 في المئة فقط من العملاء قادرون على شراء المواد اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية باستخدام مبالغ النقد المسحوبة من البنوك.
أما على الصعيد الأمني فما لم يتم حل الجماعات المسلحة، التي تُحكم قبضتها على الشارع، والتي تلجأ لها الحكومة نفسها لحمايتها، وما لم يتم إبعاد الأسلحة الثقيلة عن المدن والمناطق المأهولة بالسكان، فإن الوضع النفسي للمواطن لن يتحسن والاستقرار سيبقى بعيد المنال، ما يُلقي ظلالا كثيفة على استحقاقي الاستفتاء والانتخابات.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.