رشيد خشـــانة – ستكون النخب الليبية غدا أمام امتحان عسير لاختبار قدرتها على التعالي عن المصالح الأنانية، الفئوية والمناطقية والايديولوجية، وتجنيب بلدها مصير الدولة الفاشلة.
تدخل الحوارات الليبية غدا في تونس، إلى مرحلة تجديد المؤسسات السياسية الانتقالية، تتويجا لمخاض استمر خمسة شهور، أي منذ انطلاق الاتصالات بين ممثلي حكومة الوفاق في الغرب ومجلس النواب في الشرق، في حزيران/يونيو الماضي. كثير من الخطوات تم قطعها في مسارات الحوار الثلاثة، السياسي والاقتصادي والعسكري/ الأمني، وتم خلالها التوقيع على عدة اتفاقات، أهمها اتفاق الوقف الدائم لإطلاق النار. والمؤكد أن ملتقى “الحوار السياسي الشامل” الذي ينطلق غدا سيُلامس منطقة حساسة تتمثل في تسمية رئيس حكومة جديد ليحل محل فائز السراج، وتعيين الأعضاء الثلاثة للمجلس الرئاسي، بدلا من التسعة الحاليين، بالإضافة لاختيار رئيس المجلس، بعدما كان السراج يجمع بين رئاستي الحكومة والمجلس الرئاسي. وفي الإطار نفسه سيُحدد “الحوار السياسي الشامل” مهلة زمنية يُرجح أن تكون 18 شهرا، لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بعد استكمال جميع الخطوات القانونية والسياسية الممهدة لها.
غيـاب التوازن
هناك مآخذ كثيرة على الخطة الأممية التي هندست حوارات تونس، فانتقاء المشتركين أظهر ميلان الكفة لصالح التيار الديني، الذي قدر بعض العارفين حجمه بـ47 مشاركا من أصل 75 ما جعل تيارات وفئات أخرى، بينها نشطاء جمعيات مدنية ونقابات يحتجون، على تغييبهم. ويُعزى غياب التوازن إلى أن البعثة الأممية انتقت أسماء المشاركين أساسا من بين أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة، وهما هيكلان منتهيا الصلاحية منذ سنوات. كما أن المسؤولين السابقين في الدولة، الذين تم إدماجهم في لائحة المشاركين ليسوا من أصحاب السمعة الطيبة، فهم لم يتركوا انطباعا إيجابيا عن أدائهم، لا بل ولاحقت بعضهم تهم فساد.
واستغرب أكاديميون يُدرسون في جامعات ليبية مختلفة، تحدثوا إلى “القدس العربي” من تغييب هذه الفئة، بالرغم من قدرتها على اقتراح حلول لكثير من المسائل القانونية والاقتصادية والسياسية المطروحة على جدول الأعمال في تونس. واستطرادا كان من الممكن التنسيق مع مفوضية المجتمع المدني لانتقاء أسماء عناصر معروفة بنشاطها ونظافتها لكي يتم إشراكها في الحوارات. وفي السياق انتقدت الكاتبة والمحامية عبير منينة ما اعتبرته “غيابا كاملا للتنظيمات النقابية في كافة المسارات، بالرغم مما تمثله من مصالح قطاعات عريضة، تأثرت بشكل واضح بكل أزمات المرحلة، من افتقاد للشرعية وسوء توزيع للموارد الاقتصادية”. ورفضت منينة التعلل بغياب النقابات عن أرض الواقع وضعف دورها وقلة تأثيرها، من أجل إقصائها من الحوارات، مشيرة إلى أن “أغلب الأحزاب المشاركة هي تنظيمات بلا نشاط يذكر أو حتى كوادر، وهي قائمة على أشخاص فقط لا تتعدى أنشطتهم إصدار البيانات”.
مظــاهرات احتجاج
ما الدافع إذا إلى تلك الإقصاءات وسط تمثيل مُتضخم لفئات أخرى؟ تعزو الخبيرة فيرجيني كولومبيي، الباحثة في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، ذلك السلوك إلى الهوة القائمة بين الشارع والقيادات السياسية، والتي تجلت في مظاهرات الاحتجاج على فساد الحكام في الشرق كما في الغرب، وانشغالهم بلعبة السلطة، وعجزهم عن تأمين الحاجات الأساسية للمجتمع، ما يُفسر كثرة انقطاعات الماء والكهرباء وشح السيولة في المصارف وانتتشار أكوام القمامة في المدن. ويمكن القول أيضا إن البعثة الأممية لا ترغب بفتح نقاشات حول اختيار المشاركين، ربما لأن الطبخة باتت شبه جاهزة، ما جعل اهتمامها مُنصبا على السعي إلى الحصول على تصديق المشاركين، بعد أخذ المحاصصات بين الغريمين، مجلس النواب ومجلس الدولة، في الاعتبار. وتؤشر الاتصالات التي سبقت مجيء المشاركين إلى تونس، إلى ملامح إعادة الهيكلة السياسية، التي تمت بلورتها في الأسابيع الأخيرة. والإسمان الأكثر ترددا هما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عيسى المرشح للحلول محل السراج في رئاسة المجلس الرئاسي، ووزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا المرشح لتولي رئاسة حكومة الوفاق، خلفا للسراج أيضا.
ومهدت للوصول إلى هذه الصيغة ثلاث دورات من الاجتماعات في بوزنيقة المغربية، بين وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (13+13) الأولى عقدت بين 6 و10 أيلول/سبتمبر الماضي، فيما عقدت الجولة الثانية بين 2 و6 تشرين الأول/أكتوبر، وكانت الأخيرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين. وتزامنت الجولة الأخيرة مع وجود كل من خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة وعقيلة صالح في المغرب، حيث يبدو أن المغاربة ساهموا في ترطيب الأجواء والتقريب بين الجانبين بُغية تبني الصيغة المعروضة لتقاسم السلطات السياسية.
جولــة مكوكية
في السياق نفسه، شكلت الجولة المكوكية التي قام بها باشاغا على العواصم المؤثرة في الملف الليبي، خطوة حاسمة في وضع اللمسات الأخيرة على المشروع، الذي سيُعرض على المشاركين في “الحوار السياسي الشامل” بتونس، والذي يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات السياسية. في هذا الإطار زار باشاغا كلا من القاهرة واسطنبول وباريس وروما وموسكو والدوحة، فضمن دعما من الفرقاء جميعا، بالإضافة إلى التزكية الأمريكية. ولوحظ أن القاهرة التي كانت لا ترحب بأعضاء حكومة الوفاق، (هذا إن لم تحشرهم في خانة أعدائها “الإخوان”) استقبلت باشاغا استقبال كبار الزوار، حيث أجرى “محادثات معمقة” مع المسؤولين المصريين، أهمها بلا منازع مع رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، إذ قالت وسائل إعلام مصرية على إثرها، إن باشاغا “حصل على موافقة القاهرة على توليه رئاسة الحكومة الجديدة الموحدة، بعد الاتفاق على النقاط الأساسية موضع الخلاف”. كما زار عقيلة صالح بدوره القاهرة يوم الجمعة قبل الماضي، وتحاور مع المكلفين بالملف الليبي في فحوى المخرجات التي ستنبثق من منتدى “الحوار السياسي الشامل” في تونس. وهكذا يجوز القول إن “حفلة التعميد” في القاهرة كانت ممرا إجباريا لكل من صالح وباشاغا لتولي المنصبين اللذين وُعدا بهما.
لكن هل يمكن صنع الجديد من القديم؟ وهل تكفي المعمودية لتسوية المسائل الشائكة على غرار حل الميليشيات، وضم عناصرها إلى المؤسستين العسكرية والأمنية، وتجميع السلاح الثقيل وسواها من المسائل الدقيقة؟ وطالما أن الحكومة، الحالية والمقبلة على السواء، لا تملكان وسائل الضغط والردع لحمل أمراء الحرب على الانصياع للاتفاقات وتنفيذ الإجراءات العملية، التي توصلت لها اللجنة العسكرية في غدامس، فإن الدولة الليبية ستبقى من دون شوكة، وبالتالي ستفقد ميزتها الأولى، وهي احتكار العنف الشرعي.
دولــة بلا أنيــاب ولا مخــالب
لقد اعتبرت الأمم المتحدة أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، بعد اجتماعات عسكرية نادرة وجها لوجه، في غدامس (465 كيلومترًا جنوب غرب طرابلس) بين الاثنين والأربعاء الماضيين، “نقطة تحول تاريخية في الحرب” لأن هذا الاتفاق يحمل المقاتلين الأجانب والمرتزقة على مغادرة البلد، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ولكن مرة أخرى، أي قوة ستتولى التنفيذ على الأرض، فجميع الدول الإقليمية لا ترغب بالتوغل في الصراع الليبي-الليبي للقيام بمهمة حفظ السلام، لأنها لو وضعت أقدامها في هذا المنزلق، لن تعرف متى ستخرج منه. كما أنها لا تعرف متى ما سُجلت انتهاكات لحظر الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة، من سيُحاسبُ ومن سيُعاقبُ؟ وقد تكون الحرب العبثية، التي تخوضها فرنسا مع الجماعات المسلحة في مالي، منذ خمس سنوات، أنموذجا عكسيا يقطع رغبة أي قوة إقليمية أو دولية بلعب دور حفظ السلام في ليبيا.
أما عن إخراج المرتزقة من البلد، فالأمم المتحدة أول من يدرك صعوبة هذه المهمة، إذ أن خبراء كلفتهم بإعداد تقرير رُفع إلى مجلس الأمن، أكدوا وجود عناصر “فاغنر” في ليبيا وقدروا عددهم بـ1200 مُحاربا. وأنجز خبراء آخرون تحقيقا ثانيا بعد الأول، أظهر أن تدفق المرتزقة الروس استمر، وقدروا عددهم الإجمالي بـ2000 مرتزق، بحسب الخبير الروسي أناتولي نسميان. وفي الجهة المقابلة أيضا، أظهر تحقيق لوكالة الأنباء “رويترز” أن مئات المقاتلين السوريين تدفقوا على ليبيا منذ مطلع العام الجاري، ولم يغادروها بعد انتصار قوات “الوفاق” على قوات حفتر. وبالنظر إلى غموض هذه المسألة الجوهرية، بسبب وجود خليط من الميليشيات، التي تشكل ما يسمى بـ”حرس المنشآت النفطية” دعت الأمم المتحدة إلى اجتماع خاص في مركز تصدير النفط في البريقة (شرق) يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
حقـل “الشــرارة” يرفـع ويُخفـض
المجال الوحيد الذي تحقق فيه تقدم ملموس لا مراء فيه، في الحوارات الليبية الليبية، هو القطاع النفطي، الذي أعاد للاقتصاد الليبي القدرة على التنفس، فليبيا بلد لا ديون عليه، ولذا ما أن تقشعت سحب الحرب حتى استُؤنف ضخ النفط، وأعيد تشغيل الحقول، بعد أكثر من عشرة شهور من الغلق، ما أعاد تدفق الايرادات على مصرف ليبيا المركزي، الذي كانت خزائنه شبه خاوية. ويُقدر مستوى الإنتاج حاليا بأكثر من 800 ألف برميل في اليوم، بعد أن نزل إلى 100 ألف برميل على إثر دخول عناصر “فاغنر” إلى الحقول. لكنه لم يستعد مستواه في فترة ما قبل الأزمة والمُقدر بـ1.2 مليون برميل في اليوم. ولاستئناف ضخ النفط الليبي آثاره المباشرة، سلبا وإيجابا، في سوق النفط العالمية، إذ أن تشغيل حقل “الشرارة” كفيل وحده بترفيع الأسعار أو خفضها في بورصات النفط. وقدرت إدارة هذا الحقل أن يرفع تشغيله إنتاج ليبيا من النفط بحوالي 350 ألف برميل يوميا. لكن ما زالت هناك نقاط شائكة رئيسية في هذا الحقل أيضا، من أبرزها كيفية إدارة ملف النفط، وتقاسم إيراداته عبر مصرف ليبيا المركزي، ومقره في طرابلس.
ستكون النخب الليبية غدا أمام امتحان عسير لاختبار قدرتها على التعالي عن المصالح الأنانية، الفئوية والمناطقية والايديولوجية، وتجنيب بلدها مصير الدولة الفاشلة. ولن يتأتى لها ذلك إلا بانتزاع استقلال قرارها ومجابهة التحديات، القائمة والآتية، بالاقدام على تنازلات متبادلة، والتحلي بما يكفي من الشجاعة ووضوح الرؤية.
بوتين يؤكد على حق “فاغنر” في تقديم خدماتها في العالم
فالح الحمراني – اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحق شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة “بتقديم” مصالحها في العالم بشرط عدم انتهاكها قانون الاتحاد الروسي. وقال في 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي، في المؤتمر الصحافي الواسع الذي يعقده سنويا: “إذا كانت هناك انتهاكات في عمل شركة فاغنر العسكرية الخاصة، فيجب على مكتب المدعي العام أن يقدم لهم تقييمًا قانونيًا”. وتنأى السلطات الروسية بنفسها عن أنشطة فاغنر بما في ذلك في ليبيا، وتعلن إنها شركة خاصة لا تمثل الدولة.
عدد عناصر فاغنر في ليبيا حوالي 1000 مقاتل
ويشار إلى ان شركة “فاغنر” الأمنية التي اكتسبت اسمها من اسم أحد مؤسسيها، هي تشكيل مسلح غير رسمي مرتبط برجل الأعمال في سانت بطرسبرغ يفغيني بريغوجين، الذي يشاع انه مقرب من الرئيس بوتين. ويقدم عناصر الشركة خدمات أمنية في عدة دول في أفريقيا، ووفقًا لبعض التقارير غير الرسمية، فإنهم شاركوا أيضًا في الأعمال القتالية في دونباس وسوريا وتم إرسالهم إلى السودان. وفاغنر أول مؤسسة روسية بهذا الاتجاه وهذا الحجم وسعة الانتشار، ويمكن مقارنتها بالشركات الأمنية الغربية التي تمارس نفس العمليات في العديد من دول العام. وعرف العالم في السنوات الأخيرة استخدام مثل هذه الشركات الأمنية الخاصة، التي تؤدي مختلف الخدمات، والتي كان مثالها الصارخ في الساحة العربية نشاط شركة “بلاك ووتر” وغيرها في العراق، وما ارتكبته من خروقات قانونية وانتهاكات إنسانية. وتحارب بعض الأطراف الدولية “فاغنر” وتمضي للتشهير بها في إطار الصراعات الجيو/ سياسية ومحاولات بسط النفوذ على الأسواق ومصادر الطاقة، والخشية من استخدامها كوسيلة لتعزيز روسيا مواقعها دوليا.
وأوضح الرئيس بوتين وهو يرد على سؤال بشأن أنشطة في “فاغنر” في مختلف الدول بما في ذلك في ليبيا: “يجب على الجميع الالتزام بالقانون، الجميع. ويمكننا حظر الأعمال الأمنية الخاصة تمامًا، ولكن بمجرد قيامنا بذلك، أعتقد أنهم (منتسبو الشركات الأمنية) سيأتون إلينا بعدد كبير من الطلبات لحماية سوق العمل هذا”.
كما أعرب مكتب المدعي العام لروسيا عن استعداده للنظر في شرعية تصرفات ممثلي ما يسمى بالشركة العسكرية الخاصة “فاغنر” في حالة تلقي طلب. ولم تكن هناك طلبات رسمية للتحقق من أنشطة هذه الهياكل إلى مكتب المدعي العام. وقال الكسندر كورينوي، الممثل الرسمي للوكالة الرقابية، لوكالة “إنترفاكس” إذا تم تلقي مثل هذه الطعون، فسننظر فيها وفقًا للإجراءات المعمول بها بما يتفق بدقة مع القانون. وأشار في الوقت نفسه: “لسنا على علم بأي أعمال غير قانونية من جانب ممثلي ما يسمى بـ PMC” فاغنر”.
حراسة المواقع الاستراتيجية
وتعتمد معظم المعطيات المتداولة عن تواجد مسلحي شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة ومهامها المكلفة فيها في ليبيا على تقرير لم ينشر ووصف بأنه سري من خبراء الأمم المتحدة والذي قالت بعض وكالات الأنباء الغربية إنها تعرفت عليه. ويقدر التقرير المشار إليه عدد عناصر فاغنر بحوالي 1000 مقاتل في ليبيا، وأنها مكرسة لتعزيز مفارز المشير خليفة حفتر. وينسب للتقرير المؤلف من 57 صفحة والمقدم إلى لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي تم تشكيله لمراقبة الامتثال للعقوبات المفروضة فيما يتعلق بالوضع في ليبيا، إشارته إلى أن هناك مجموعات من القناصين بين مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة. ولاحظ مؤلفو التقرير أن الروس يسودون بين “الفاغنريين” لكن هناك أيضًا مواطني بيلاروسيا ومولدوفا وصربيا وأوكرانيا. ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة، أن المقاتلين يستخدمون أسلحة مماثلة لتلك التي كانوا مسلحين بها في سوريا وشرق أوكرانيا.
واختلفت المعطيات عن المهام التي يقوم بها عناصر فاغنر في ليبيا. وبعضها يشير إلى انهم يتولون حراسة المواقع الاستراتيجية، بما في ذلك الاقتصادية والنفطية وغيرها، المعطيات الأخرى تشير إلى قيامهم بدور المستشارين العسكريين، أو عمليات توجيه إطلاق الصواريخ نحو أهداف الخصم. ويرجح المراقب السياسي المهتم بشؤون الشرق الأوسط قسطنطين ايجورت: “أن المارشال حفتر الذي يقاتل الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، يحتاج عناصر فاغنر من أجل هدف آخر”. ربما حسب قوله “يتعلق الأمر كله بالاستخبارات، فضلاً عن مساعدة القادة الميدانيين على الأرض في التخطيط التشغيلي والتكتيكي بالإضافة إلى عمليات التخريب”. وذكرت وسائل الإعلام أكثر من مرة أن هناك العديد من القناصين الممتازين بين مقاتلي فاغنر. ويعتقد مؤلفو التقرير الأممي، أن المسلحين يشاركون أيضًا في “مهام عسكرية أكثر تخصصًا، مثل وظائف مراقب مدفعية متقدم ومركز توجيه أمامي للطيران” كما أنهم يشاركون في مهام القناصة.
وتنفي السلطات الروسية تورطها في الأعمال القتالية في ليبيا. وقال ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي: إن “موسكو لا تشارك في هذا بأي شكل من الأشكال”. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي قال ردًا على كلام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بشأن نشر ألفي مقاتل من شركة فاغنر في ليبيا، إن ليبيا أصبحت “ملاذًا لمرتزقة من عدد من الدول، من عدد كبير من الدول” وفي شباط/فبراير 2020 نفت وزارة الخارجية الروسية تصريحات اردوغان بأن روسيا تقود الحرب في ليبيا “على أعلى مستوى”. وقال بيسكوف إن فلاديمير بوتين لم يرسل قوات إلى ليبيا ولم يصدر أوامر بهذا المعنى. وأضاف “لا توجد قوات روسية في ليبيا”.
وقال ميخائيل بوغدانوف ممثل الرئيس الروسي للشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسية، المسؤول فيها عن المنطقة، في حديثة لصحيفة “الأهرام” المصرية، إن المعلومات التي تنشر من قبل عدد من المصادر الأجنبية، بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية، حول وجود منتسبي شركة فاغنر العسكرية الخاصة في ليبيا ومشاركتهم في الأعمال العدائية إلى جانب الجيش الوطني الليبي لحفتر، تستند إلى بيانات مزورة وتهدف إلى تشويه سمعة السياسة الروسية في الشأن الليبي. وأضاف أن مثل هذه التصريحات تعتمد على مصادر ذات طبيعة مشكوك فيها في كثير من الأحيان ولها مصلحة مباشرة في دعم معارضي حفتر. ولا يمكن إثبات صحة عدد من “الحقائق”. وعلى حد قوله إن العديد من المعلومات، خاصة فيما يتعلق بالمواطنين الروس المذكورين، لا أساس لها من الصحة. وإن الأشخاص الذين يُزعم أنهم يقاتلون في ليبيا لم يغادروا بلدنا أصلا. وقال: أن اللوائح بأسمائهم تم نسخها من قاعدة البيانات الأوكرانية “رياسيماركير” المثيرة للجدل.
وفي مؤشر على ان شركة فاغنر تحولت إلى عامل خوف للغرب من ان تكون أداة لترسيخ المواقع الروسية دوليا، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر خلال لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 1 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن واشنطن تعتزم منع موسكو من نشر قواعد عسكرية في ليبيا. وأكد إسبر أن القوات المسلحة الأمريكية في ليبيا لديها هدف جديد – محاربة شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة. وأعلن خلال الاجتماع ضرورة وقف تحركات شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا. وفي السياق أدرج الاتحاد الأوروبي رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين في قائمة العقوبات، متهما إياه بدعم إمدادات الأسلحة إلى ليبيا.
من الصعوبة الآن الحديث عن مستقبل تواجد مقاتلي شركة فاغنر في ليبيا نظرا لسرية تحركاتهم والتظليل عليها، بيد أنه وفي إطار الاتفاقية التي وقعتها الأطراف المتورطة في النزاع في ليبيا في 23 تشرين الأول/اكتوبر فإن على كافة المقاتلين الأجانب مغادرة ليبيا في غضون 90 يوما من بدء وقف إطلاق النار، ومن دون شك أن هذا يشمل عناصر شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة. وذكرت بعض الأنباء أن فصيلا من “فاغنر” توجه الشهر الماضي إلى فنزويلا للقيام بمهام حراسة بعض المنشآت الاستراتيجية.
المندوبة الأممية ستيفاني وليامز والاختراق الليبي
العملية السياسية يجب أن يقودها الليبيون
عبد الحميد صيام – قليل من سمع باسم ستيفاني وليامز قبل هذا الاختراق. غسان سلامة هو الذي اختارها نائبة له في تموز/يوليو 2018. استقال سلامة في آذار/مارس الماضي وبقيت وليامز. ولحسن حظها، وربما لحسن حظ ليبيا، أن مجلس الأمن لم يتفق بسرعة على إرسال مبعوث خاص لليبيا خلفا لسلامة. فبينما تدفع المندوبة الأمريكية مسنودة بممثلي أوروبا في المجلس إضافة إلى الاتحاد الروسي نحو ترشيح نيكولاي ملادينوف، المبعوث الحالي للأمين العام في فلسطين المحتلة ومنسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن ممثلي أفريقيا الثلاثة، جنوب أفريقيا والنيجر وتونس، تحفظوا على هذا الاختيار بحجة أن تعيين شخص من خارج القارة الأفريقية غير ملائم، حيث جرب الأمين العام ستة مندوبين من خارج القارة ولم يتمكنوا من حل المعضلة الليبية. فكيف لملادينوف، الذي يشير سجله في فلسطين والعراق لكوارث حقيقية، لا مجال لتعدادها لكثرتها ويكفي أن أشير إلى أن تقاريره من فلسطين المحتلة تكاد تحمل الفلسطينيين مسؤولية الأوضاع التي وصلت إليها فلسطين وخاصة حل الدولتين الذي ذهب هناك في مهمة لتحقيقه.
إذن لعبت الظروف لصالح ستيفاني وليامز وكانت على قدر من المسؤولية والحنكة والحيادية التي ساهمت في هذا الاختراق ولا نقول إنها صنعت، بل ساهمت، في هذا الاختراق وأحسنت استغلال الظروف.
جمعت وليامز “المجد من أطرافه” فهي خبيرة في الشؤون العربية وتتحدث اللغة العربية بطلاقة. وما زاد في مكانتها وحياديتها كونها امرأة وأمريكية ولديها الخبرتان الأممية والدبلوماسية. فقد عملت في ليبيا كقائمة بأعمال السفارة الأمريكية في طرابلس ثم نائبة لغسان سلامة وقبل ذلك عملت في سفارات الولايات المتحدة في العراق والأردن والبحرين والإمارات والكويت. كما عملت في وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولة متخصصة في قسم الأردن، ونائبة مدير قسم مصر وشؤون بلاد الشام، ونائبة مديرة مكتب المغرب العربي. كما أن معظم دراسات وليامز تتعلق بالمنطقة العربية، فقد حصلت على درجة الماجستير في الدراسات العربية من مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون. وهي خرّيجة متميزة في الكلية الحربية الوطنية، حيث حصلت على درجة الماجستير في دراسات الأمن القومي عام 2008 وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي بامتياز.
تميز أسلوب وليامز في العمل منذ ثبتها الأمين العام في 11 آذار/مارس الماضي كرئيس للبعثة بالإنابة، بالعمل المتواصل مع كافة الأطراف الليبية والإقليمية والدولية، دون أن تفقد بوصلتها المشدودة لموضوع وقف إطلاق النار أولا، والاستمرار في الحوار على المسارات الثلاثة، الأمني والاقتصادي والسياسي، بدعم من دول الإقليم وصولا إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
– شكاوى الليبيين كانت مركزة حول عيوب اتفاقية الصخيرات وتوزيع المناصب السيادية المنبثقة عنها. وافقت وليامز على فتح أبواب تعديل الاتفاق السياسي دون إلغائه، فلا شرعية لأحد إذا ألغي الاتفاق السياسي الذي تم التوافق عليه في الصخيرات بالمغرب في كانون الأول/ديسمبر 2015. لكن إعادة توزيع المناصب السيادية عبر مفاوضات بين ممثلي برلمان طبرق والمجلس الرئاسي هو أمر مقبول ومنطقي، وطلبت وليامز من المغرب أن يقود هذا المسار بصفته الراعي لاتفاق الصخيرات 2015. وقد نجحت مفاوضات بوزنيقة في الوصول إلى تفاهمات جديدة حول توزيع المناصب السيادية دون إقصاء أو احتواء.
– وافقت وليامز على المفاوضات الأمنية والعسكرية 5+5 دون إقصاء للمشير خليفة حفتر، وهو أحد شروط حكومة الوفاق. ولكن مقابل ذلك أصرت أن تتمسك بموضوع المساءلة في جرائم الحرب واستهداف المدنيين والمقابر الجماعية التي اكتشفت في منطقة ترهونة والأحزمة القريبة منها. وبهذا سهلت عودة المفاوضات المباشرة بعد أربع جولات من المفاوضات عن بعد. وقد ردت على تساؤل من كاتب هذه السطور حول الجدل المثار حول كيفية إشراك حفتر في المفاوضات قائلة: “إذا دخلت في جدل حول ضرورة استبعاد حفتر، فسيأتي من يقول يجب إبعاد خالد المشري، ومن يقول يجب ألا يكون هناك عقيلة صالح. هذه ليست بداية صحيحة. يجب عدم التركيز الآن على الأشخاص والتركيز يجب أن يكون على المؤسسات، وهذه نقطة أهملها المجتمع الدولي، فلو ركزوا على بناء المؤسسات لكان من الممكن مخاطبة مواضيع الفساد والمساءلة”.
– عملت وليامز مع الأطراف السياسية المؤثرة وخاصة مصر وروسيا وتركيا. مصر بعد أزمة سد النهضة مع إثيوبيا وجدت أن مصلحتها القومية أن تهدئ من التوتر في ليبيا خاصة أن الفرصة التي أعطتها هي والإمارات لخليفة حفتر لحسم المعركة عسكريا فشلت وعاد مدحورا يجر ذيول الهزيمة. كما أن حكومة الوفاق وحليفتها تركيا تأكدت أن من غير المسموح أن تحسم المعركة عسكريا في منطقة الهلال النفطي، والاقتراب من احتلال سرت يعتبر خطا أحمر ليس لمصر بل لأوروبا وروسيا أيضا.
– تم استبعاد الورقة الفرنسية والإماراتية من المعادلة والتعويل فقط على دور روسي ألماني تركي مصري، رغم ما بين هذه الدول من تناقضات. لكن التوتر في منطقة شرق المتوسط جعل تركيا تراجع شيئا من مواقفها في ليبيا لتستند إلى الحائط الروسي أمام اصطفاف أوروبا مع الموقف اليوناني. روسيا من مصلحتها هذا التوتر فلا شيء يسعدها أكثر من خروج تركيا من حلف الناتو، إلا أن الولايات المتحدة لعبت دورا وسيطا كي لا يؤدي الضغط الأوروبي إلى مزيد من التقارب الروسي التركي. وروسيا تعتبر أنها أمنت لها موضع قدم في ليبيا فمن مصلحتها أن تبدو وكأنها صانع سالم بسبب توجس الدول الأوروبية والولايات المتحدة. هذه الدول جميعها توصلت إلى قناعة أنه بدون روسيا وتركيا لا يمكن للأمن أن يستتب في ليبيا. إذن تهيأت كل الظروف الدولية للعودة إلى المفاوضات ضمن خريطة الطريق التي طرحتها وليامز.
– لم تغفل وليامز التواصل مع جميع أطياف الشعب الليبي من شباب ومرأة ومجتمع مدني وأحزاب وقبائل ورؤساء عشائر. واستطاعت أن تحشد دعما واسعا لوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات. لقد عقدت الملتقى الأول للحوار السياسي الليبي يوم الاثنين 26 تشرين الأول/أكتوبر، عبر تقنية الفيديو بمشاركة 75 شخصا. ومن المقرر أن يعقد الاجتماع المباشر الأول يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر في تونس العاصمة. ويأتي استئناف الملتقى بعد أيّام من التوقيع على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في جميع أرجاء ليبيا.
وفي كلمتها في ختام الاجتماع، قالت وليامز إن الجولة المقبلة في تونس ستركز على سبل وآليات ومعايير توحيد السلطة التنفيذية. وأكدت أن هذه المرحلة سيتبعها وضع خريطة طريق تهدف إلى الوصول إلى تحسين خدمات المواطن والبدء بالتحضير للانتخابات المقبلة على أرضية دستورية صلبة تؤدي الى إيجاد شرعية وهيكلية دائمة للعملية السياسية في ليبيا. وأضافت “إن الليبيين، وبالرغم من مطالبهم المختلفة والمناطقية أحيانا، يتوقون الى الوحدة. الوحدة التي تبدأ بتوحيد المؤسسات، وتحسين حياة المواطن الليبي”.
المخاطر الثلاثة
أولا: أكبر تخوف يواجه جهود الأمم المتحدة مع الأطراف الليبية هو كيفية إخراج المرتزقة من ليبيا وعددهم كبير. من السهل إخراج التشاديين والسودانيين وحتى العناصر التي جلبها الأتراك معهم، لكن كيف سيتم إخراج مرتزقة فاغنر علما أن روسيا تدعي أن ليس لها تأثير عليهم؟ إنها الورقة الرابحة في يد روسيا دون أن تتحمل تبعاتهم فكيف ستفرط فيها إذا لم تضمن مصالحها في أي اتفاق؟
ثانيا: هل سيقبل المشير حفتر بدور ثانوي في حال التوافق على حكومة مدنية ووزير دفاع مدني يملك صلاحية الفصل والتعيين؟ وهل سيسلم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية إذا قاد التحقيق الدولي إلى إدانته في المجازر واستهداف المدنيين والمستشفيات والمطارات المدنية والمقابر الجماعية؟ هناك الآن لجنتان تحققان في المقابر الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، واحدة تابعة لمجلس حقوق الإنسان والأخرى للمحكمة الجنائية نفسها وكثير من المتابعين للشأن الليبي يعتقدون أن التحقيقات النزيهة ستقود بالتأكيد إلى خليفة حفتر.
ثالثا: هل ستلتزم الدول التي تزود الأطراف المتنازعة بالمال والسلاح بوقف تدفق الإثنين معا؟ هل ستشمل المراقبة، التي تقوم بها دول الاتحاد الأوروبي بتفويض من مجلس الأمن، الجو والأرض والبحر، كي لا تشعر تركيا أنها هي الوحيدة الخاضعة للمراقبة. هل ستقبل الإمارات التي استثمرت مليارات الدولارات في ليبيا لترجيح كفة حفتر أن تعود “من المولد بلا حمص” وتخرج خالية اليدين وهي التي رتبت اجتماعا بين إسرائيل والمشير حفتر لضمان دعمه أمريكيا إلا أن الرياح لم تجر كما تمنتها سفن المشير.
هذا التفاؤل سيثبت صدقيته في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة ونتمنى أن نشهد عودة ليبيا الواحدة الموحدة تحت قيادة منتخبة ملتزمة بدستور صوتت لصالحه غالبية الشعب الليبي ينص على سيادة القانون في دولة ديمقراطية تعددية تكون سندا لشعبها وأمتها. وكما قالت وليام ردا على سؤال للكاتب حول واقعية هذا التفاؤل: “إن حل المسألة الليبية ليس مستحيلا، بل يحتاج إلى إرادة دولية، ويحتاج إلى إرادة حقيقية من الليبيين أنفسهم كما أن هناك ضرورة لأن يسحب اللاعبون الخارجيون أياديهم من البلاد، فالتدخل الخارجي في ليبيا ليس تدخلا حميدا. أما موضوع التمثيل فهو في نهاية الأمر، مسألة ليبية متروكة لليبيين. فالعملية السياسية يجب أن يقودها الليبيون وأن تكون ملكا لليبيين”.
ليبيا ستواجه المزيد من المشاكل إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية
“نوايا غير حسنة” وراء ترحيب البيت الأبيض باتفاقية وقف إطلاق النار
رائد صالحة – جذبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية انتباه الليبيين، وعززت الآمال في أن الإدارة الجديدة يمكن أن تساعد في إحلال بعض الاستقرار في البلد الذي تعصف فيه المعارك منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي في عام 2011.
ولا ينظر الشعب الليبي بارتياح أو مودة إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب، ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” في تموز/يوليو الماضي، فقد وافق 20 في المئة فقط من الليبيين على الأداء الوظيفي للقيادة الأمريكية، بينما عارضها 62 في المئة.
وحاولت واشنطن بالفعل الابتعاد عن المسألة الليبية في السنوات الأخيرة، بعد أن فك الرئيس السابق باراك أوباما الارتباط إلى حد كبير مع البلاد بعد أن قتل متشددون السفير الأمريكي في بنغازي في عام 2012.
ولاحظت منصات إعلامية أمريكية أن دولاً أخرى قد سارعت لملء الفراغ، الذي تركته الولايات المتحدة في ليبيا، بحيث أصبحت ليبيا مكاناً لمعارك بالوكالة بين قوات مدعومة من عدة أطراف، مثل روسيا ومصر والإمارات.
وقد دفعت الاشتباكات الولايات المتحدة إلى التوسط في عهد ترامب، ولكن نهجه بدا مشوشاً بشكل صارخ، وفي الواقع، كما قال العديد من المحللين، فقد أسفرت الرسائل الأمريكية المتضاربة وعدم وجود إستراتيجية واضحة في واشنطن تجاه ليبيا عن زيادة المشكلة كما أدت إلى إشكالية في واشنطن نفسها بشأن السياسة الخارجية.
وعلى سبيل المثال، أشارت محطة “إن بي سي” إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو قد طالب في نيسان/أبريل 2019 بأن تنسحب ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر من هجوم على طرابلس، في حين امتدح ترامب في تصريح مفاجئ حفتر مع إشارات مزعومة على دوره في محاربة الإرهاب.
والتوقعات في واشنطن، تشير إلى إن إدارة برئاسة المرشح الديمقراطي جو بايدن، قد تكون أكثر تنظيماً في طريقة الاستجابة للأزمة في ليبيا، مع اجماع بين الخبراء على أن الافتقار إلى القيادة الأمريكية قد زاد من الاضطرابات في ليبيا.
وهناك اعتقاد بين العديد من المحللين الأمريكيين والليبيين على أن الدولة الوحيدة التي يمكنها وضع حد للفوضى في ليبيا هي الولايات المتحدة، ولهذا السبب لن يكون مستقبل ليبيا جيداً إذا بقي ترامب في منصبه.
ومن الأمثلة الحديثة على تعقيدات العلاقة الأمريكية مع المسألة الليبية، كان رد واشنطن على قرار وقف إطلاق النار في ليبيا، إذ قال وزير الخارجية بومبيو إن “وقف إطلاق النار الأخير بين طرفين متعارضين في اشتباكات طويلة الأمد في ليبيا هو خطوة شجاعة”.
وأشاد بومبيو في بيان بدور الأمم المتحدة في التوسط في وقف إطلاق النار، وقال إنه من الأهمية بمكان أن يستمر هذا التقدم وأن تدعم جميع أطراف النزاع هذا النجاح، وقد جاءت تصريحاته بعد أيام من مشاركة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وقوات الانقلابي حفتر لإنهاء الصراع، المستمر منذ 9 سنوات.
وأكد بومبيو أن الولايات المتحدة ترحب بإعلان توقيع الليبيين على اتفاقية وقف إطلاق النارعلى مستوى البلاد، مشيراً إلى ان الاتفاقية تسعى إلى قوة عسكرية مشتركة وآلية لمراقبة الانتهاكات المستقبلية.
وجاء في بيان صادر عن السفارة الأمريكية في ليبيا أن “هذا الاتفاق يعد خطوة كبيرة للأمام نحو تحقيق المصالح المشتركة لجميع الليبيين في خفض التصعيد والاستقرار ورحيل المقاتلين الأجانب” وحث البيان جميع الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية الآن على دعم تنفيذ الاتفاق بحسن نية.
وعلى أية حال، لا يمكن الاتكاء على “حسن النوايا” في إدارة ترامب لضمان تنفيذ الاتفاق. ووفقاً للعديد من المحللين الأمريكيين، من الأفضل انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى تحول كبير في السياسية الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك ليبيا، وكما هو معروف، فقد تعامل ترامب بكل احترام مع “الرجال الأقوياء” خاصة أولئك الذين عُرف عنهم الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان واحتقار الديمقراطية، وربما يفسر ذلك مكالماته الودية مع الانقلابي حفتر، وهناك اعتقاد لدى العديد من الخبراء أن ترحيب البيت الأبيض بالاتفاقية، هو في الواقع، لا يتجاوز التعليقات الدبلوماسية التقليدية الرتيبة، ويخلو من “النوايا الجدية الطيبة” في إنهاء القتال، وأن اهتمام واشنطن الوحيد، الآن وفي المستقبل القريب، هو إبعاد روسيا وتركيا عن ليبيا، وليس الأطراف الأخرى.
وبالنسبة إلى المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما عندما قدمت الولايات المتحدة دعماً جوياً، كجزء من عمليات الناتو، من أجل الإطاحة بالرئيس القذافي، وقد أنفق الجيش الأمريكي حوالي ملياري دولار وعدة أشهر في دعم الثورة ضد القذافي، فقد قال بايدن في ذلك الوقت متاخراً إن الولايات المتحدة انفقت ملياري دولار ولكنها لم تخسر حياة واحدة.
ومع ذلك، أشارت حملة بايدن إلى تقرير بوليتيكو لعام 2016 قال فيه المرشح الديمقراطي في مقابلة مع تشارلي روز، إن التدخل الأمريكي في ليبيا كان خطأ، وذكر التقرير أن بايدن أخبر روز أنه “جادل بقوة” داخل البيت الأبيض “ضد الذهاب إلى ليبيا” وأفادت المجلة أن بايدن قال في المقابلة، أيضاً، إنه لا ينبغي للولايات المتحدة استخدام القوة ما لم تتعرض مصالح البلاد أو الحلفاء للتهديد المباشر، وما إذا كان يمكن القيام بذلك “بشكل فعال” وما إذا كان يمكن استدامتها.
وقد صوتّ بايدن كعضو في مجلس الشيوخ لصالح القرارات التي تدعم التدخلات الأمريكية في العراق ويوغسلافيا (صربيا والجبل الأسود) وكنائب للرئيس السابق باراك أوباما، اتبع سياسات أوباما التي تضمنت التدخل في سوريا وليبيا، ولكن التقارير أكدت بالفعل بأنه جادل ضد التدخل في ليبيا.
عقب اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا: ما هو مصير اتفاق التعاون العسكري بين تركيا وحكومة الوفاق؟
عقب أسابيع قليلة من حديث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج عن نيته التنحي من منصبه، جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع في ليبيا في ظروف غامضة، الأمر الذي أثار شكوكاً وتخوفات واسعة في تركيا من وجود حراك ومساعي حثيثة لضرب نفوذ أنقرة في ليبيا، كما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول مصير اتفاق التعاون العسكري الذي يتواجد الجيش التركي بموجبه في الأراضي الليبية.
وتخشى تركيا بدرجة أساسية أن يكون الاتفاق وبشكل خاص البند الذي يتحدث عن سحب المرتزقة والقوات الأجنبية يستهدف وجودها العسكري هناك، لكن مسؤولين ليبيين وأتراك يؤكدون أن التواجد التركي يأتي في إطار اتفاق رسمي بين حكومتي بلدين ولا تشمله أي بنود أو اتفاقيات تتعلق بالمرتزقة والقوات الأجنبية التي تتدخل بشكل غير شرعي.
الموقف التركي من اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، جاء حذراً للغاية من اللحظات الأولى، وكشف عن وجود برود اتجاهه ويبدو أن أنقرة لم تكن جزءا مباشراً منه ولم تتلق الضمانات الكافية حول بنوده التي يمكن أن يستخدم بعضها في محاولة تشكيل حالة من الضغط عليها لسحب قواتها من ليبيا.
وفي أول تعقيب رسمي على الاتفاق، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن الاتفاق “ضعيف المصداقية وستظهر الأيام مدى صموده” وأوضح أنه تم على مستوى مندوبين أحدهما يمثل الانقلابي حفتر والآخر قائد عسكري من مصراتة يمثل حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج.
ولفت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا “ليس اتفاقا على أعلى مستوى وستُظهر الأيام مدى صموده” مضيفاً: “أتمنى أن يتم الالتزام بهذا القرار لوقف إطلاق النار”. وفيما يخص ما تردد حول التوافق بشأن انسحاب المرتزقة، قال اردوغان: “لا نعلم مدى صحة (قرار) انسحاب المرتزقة من هناك في غضون 3 أشهر”.
كما شكك الناطق باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جليك بفرص نجاح الاتفاق، وقال: “سيرى الجميع الطرف الذي سيلتزم بالاتفاق، والطرف الذي سينتهكه، حيث تم التوصل إلى هدنة في السابق، لكن حفتر استمر في عدوانه” مجددا دعم أنقرة وحدة الأراضي الليبية، والتوصل إلى حل يتبناه جميع أبناء الشعب.
في المقابل، فإن التعليق الرسمي الليبي على الاتفاق لم يكن بمستوى الحذر الشديد الذي اتسم به التعليق التركي، حيث اعتبر رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فايز السراج، أن توصل وفدي اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) الليبية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، “يمهد الطريق لنجاح بقية مسارات الحوار” معتبراً أنه اتفاق “يحقن الدماء ويرفع المعاناة عن المواطنين ويمهد الطريق لنجاح مسارات الحوار الأخرى الاقتصادية والسياسية”.
لكن عقب التخوفات التركية التي بدأت من تلويح السراج بالاستقالة وليس انتهاء باتفاق وقف إطلاق النار، بدأت أنقرة تحركات واسعة للحصول على تطمينات يبدو أنها حصلت على جانب مهم منها لا سيما فيما يتعلق باستمرار السراج في مهامه لحين تشكيل مجلس رئاسي جديد، كما حصلت على تطمينات من الحكومة الليبية بان اتفاق وقف إطلاق النار لا يمس الاتفاق العسكري معها.
وعقب أيام من إعلان السراج نيته الاستقالة، زار مدينة إسطنبول والتقى اردوغان الذي يعتقد أنه حثه بقوة على عدم الاستقالة قبيل تشكيل مجلس رئاسي جديد، وقبل أيام طالب المجلس الأعلى للدولة الليبي، السراج، بالاستمرار في أداء مهامه حتى اختيار مجلس رئاسي جديد تجنبا لأي فراغ سياسي، ومن أجل استقرار البلاد، وذلك في رسالة وجهها رئيس المجلس خالد المشري، إلى السراج.
كما طالب مجلس النواب الليبي بطرابلس، السراج، تأجيل قراره حول عزمه تسليم السلطة نهاية تشرين الأول/اكتوبر الماضي لـ”دواعي المصلحة العليا” وطالب السراج إحاطة المجلس الإثنين المقبل، حول الوضع السياسي وطرح المعوقات التي تواجهها الحكومة في إدارة الأزمات.
في السياق ذاته، قالت الأمم المتحدة، إنها تأمل في بقاء السراج رئيسا للمجلس الرئاسي الليبي لحين تكليف سلطة تنفيذية جديدة كأحد مخرجات الحوار السياسي الليبي. وإلى جانب هذه الدعوات فإن مصادر تركية تشير إلى تلقي أنقرة تطمينات من السراج خلال زيارته الأخيرة إلى إسطنبول بأنه لن يستقيل قبيل التوصل إلى تفاهمات سياسية جديدة تضمن عدم حصول فراغ سياسي وانهيار الشرعية القائمة من خلاله.
وفيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار بشكل مباشر، أعرب وزير الدفاع الليبي، العقيد صلاح الدين النمروش، الأحد، عن تمسك الحكومة، المعترف بها دوليا، بالتعاون العسكري مع تركيا، والتزام قواته باتفاق وقف إطلاق النار، مع رفض أي وجود لقائد الميليشيا، الجنرال خليفة حفتر، في موقف أوضح بكثير من موقف السراج اتجاه الدور التركي.
المعتدون والمدافعون
وتعقيباً على ما نشرته وسائل إعلام مقربة من حفتر بأن اتفاق جنيف يشمل وقف اتفاقيتي التعاون العسكري وترسيم الحدود الموقعتين مع تركيا، قال النمروش، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ”تويتر: “لا يشمل توقيع الاتفاق المبدئي (5+5) اتفاقية التعاون العسكري مع دولة تركيا” مضيفاً: “نؤكد على تعزيز التعاون المشترك مع الحليف التركي واستمرار برامج التدريب التي تلقاها وسيتلقاها المنتسبون في معاهد التدريب التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني”، وتابع: “التعاون في مجالات التدريب الأمني والعسكري لقواتنا لا علاقة له من قريب أو بعيد بكل اتفاقيات وقف إطلاق النار”.
كما أكد المجلس الأعلى للدولة الليبي في بيان، على استمرار التعاون مع تركيا، بقوله إن اتفاق جنيف “لا يشمل ما أبرمته السلطة التنفيذية الشرعية (حكومة الوفاق) من اتفاقات شرعية مع الدولة التركية”. وحذر وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، من عدم جدوى قرار وقف إطلاق النار المنبثق عن محادثات جنيف، في ظل استمرار التدخل الأجنبي في البلاد.
في السياق ذاته، شكك مجلس النواب الليبي في طرابلس، بجدية حفتر بالالتزام بالاتفاق وشدد على أن العبرة في التنفيذ والالتزام بالبنود، في حين طلب الجيش الليبي، من الأمم المتحدة إرسال مراقبين إلى مدن سرت والجفرة وبراك، لضبط المسائل المتعلقة بالمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب ميليشيا حفتر.
وانتقد المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب الاتفاق، معتبراً أنه “أعطى موقفا شبه ندي للمجرم المعتدي وميليشياته الهاربة” في إشارة إلى حفتر، وقال: “نثمن موقف وزير الدفاع (صلاح الدين النمروش) والمتحدث باسم الجيش الليبي (محمد قنونو) في إعلان موقف مشروط، من الاتفاق المبدئي، بين أطراف اللجنة العسكرية 5+5”. من جهته رفض وزير الدفاع محاولة “جعل المعتدين على طرابلس والمدافعين عنها سواء” في إشارة إلى مشاركة ممثلين عن ميليشيا اللواء حفتر في جلسات الحوار.
وتؤكد تركيا وحكومة الوفاق على أن تواجد القوات التركية في ليبيا يأتي في سياق اتفاق رسمي بين حكومتين شرعيتين وأن أي اتفاق بين الأطراف الليبية أو برعاية دولية ينص على سحب المرتزقة والقوات الأجنبية لا يشمل القوات التركية النظامية التي عززت تواجدها باتفاقيات رسمية لا يمكن إلغائها بسهولة.
آمال متزايدة لتسوية سياسية في ليبيا والمشكلة هي شرعية الداخل وتنافس الأطراف الخارجية
زاد اجتماع تونس المزمع عقده بين الأطراف الليبية المتحاربة من آمال التوصل إلى اتفاق المتنافسين على تسوية تنهي نزاعا أهليا بدأ بعد الإطاحة بالزعيم معمر القذافي والحرب الأهلية التي اندلعت في 2014 بعد إعلان الجنرال المتمرد خليفة حفتر عن حملته للسيطرة على ليبيا. ويأتي الاجتماع المزمع عقده في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 23 تشرين الأول/أكتوبر الذي رعته الأمم المتحدة في جنيف. ورغم ما في الاتفاق هذا من غموض في التفاصيل وعيوب قد تدفع هذا الطرف أو ذاك إلى خرقه، إلا أنه يمثل تقدما واستعدادا جديدا من المتحاربين للتحاور. ودفع لهذا الاجتماع عدد من التطورات على الساحة الليبية منها هزيمة وفشل حفتر في حملته على العاصمة طرابلس.
كما أن الاجتماع هو بالضرورة نتاج للجهود الدبلوماسية، خاصة الأمريكية الدفع نحو حل سياسي، وشعور الطرفين في الساحة الليبية أن الحسم العسكري غير وارد فأي منهما ليس قويا بدرجة كافية لتحقيق النصر على خصمه. وبالتحديد فقد خسر حفتر حملته التي بدأت على العاصمة طرابلس في نيسان/إبريل 2019 وانتهت في بداية هذا الصيف. وجاءت تركيا لنصرة حكومة طرابلس بحيث أخرجت قوات حفتر من كل الغرب الليبي وأقنعته باستحالة إخضاع حكومة الوفاق الوطني. وترى أليسون بارغتر، بمقال نشره موقع المعهد الملكي للدراسات المتحدة (روسي) في لندن (30/10/2020) أن الطرفين استنتجا أن التدخل الأجنبي في البلاد وصل مرحلة لم تعد ليبيا تملك مصيرها.
صعوبات
ورغم التفاؤل من الامكانيات التي يحملها اجتماع تونس المقبل إلا أن ترجمة نتائجه على الأرض ستكون صعبة. وقد تتكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها الأمم المتحدة عندما كان المتحاربون يتفقون على خريطة طريق ثم يقوم طرف أو أطراف أخرى بنقضها. وعادة ما تقود الصيغة السياسية التي يتفق عليها المتحاربون لمزيد من الخلافات. وطرحت بارغتر عددا من المشاكل التي تعتري اجتماع تونس، تتعلق بالشرعية وانقسام البلد إلى شرق وغرب وتداعيات أخرى. وبحسب خطة الأمم المتحدة لاجتماع تونس فالهدف هو “بناء اجماع حول إطار حكم موحد وترتيبات قد تقود إلى انتخابات عامة وفي أقرب وقت ممكن وبهدف استعادة السيادة الليبية والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية”. وما دام الحديث عن الشرعية فهناك عدة أسئلة تتعلق بشرعية المشاركين في الاجتماع، فلا يوجد مثلا وضوح أو معيار للمشاركين الذين اختارتهم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ففي الوقت الذي حاولت فيه البعثة توسيع رقعة المشاركة عندما اختارت 75 شخصا للاجتماع إلا أنهم يمثلون مزيجا من الأفراد والناشطين المعروفين على الساحة الليبية منذ 2011 بإضافة حفنة من رموز النظام السابق. ولا يعرف القاعدة التي أقامت فيها البعثة اختيارها لهؤلاء الأفراد كي يقرروا المرحلة الانتقالية المقبلة للبلاد. وهناك اعتراضات من الشرق على بعض الشخصيات الإسلامية أو الموالية لجماعة الإخوان المسلمين والتي اختيرت للمشاركة. واشترطت الأمم المتحدة تخلي المشاركين عن صفتهم الرسمية وإن كانوا يشغلون مناصب سيادية أو سياسية لدى الطرفين. وهو ما قاد لتكهنات من أن المشاركين لن تكون لديهم السلطة والنفوذ لتطبيق ما يخرج عن الاجتماع. وبغياب عرابي السلطة فلن يكون الاجتماع سوى محاورة عادية تؤدي لحكومة أخرى تفتقد الشرعية ويعطي شعورا لليبيين أن الحل فرض عليهم من فوق. وكما حدث في 2015 عندما تم إنشاء المجلس الرئاسي الذي لم يحظ باتفاق الطرفين.
توزيع أم تقسيم؟
إلا أن الاجتماع المزمع عقده لن يتعدي البحث عن صيغة تقوم على تبادل وتقسيم السلطات بين الشرق والغرب. وسيؤدي إلى إعادة تشكيل المجلس الرئاسي ليضم رئيسا ونائبين يتم اختيارهم من مناطق ليبيا الثلاث. بالإضافة لحكومة وحدة وطنية. وهناك احتمال للاتفاق على إعادة توزيع المؤسسات السيادية، وهو أمر تم التباحث فيه باجتماعات بوزنيقة في المغرب حيث يتم التشارك في المؤسسات الوطنية الرئيسية بين المناطق الثلاث، الغرب والشرق والجنوب. وهذا ليس مجرد توزيع المناصب على المناطق والمدن ولكن تحويل المسؤولية للمؤسسات الرئيسية مثل المصرف المركزي والمحكمة العليا إلى المناطق وبالتساوي مع العاصمة. وسيكون هذا بمثابة رد على تهميش المناطق خلال حقبة القذافي الذي كرس السلطة والثروة في العاصمة. ورغم بداية الثورة في عام 2011 في الشرق ومحاولة بنغازي الحصول على موازاة بالسلطة مع طرابلس إلا أن الوضع ظل قائما خاصة بعد تمزق البلد إلى إمارات واقطاعيات تسيطر عليها الميليشيات والقبائل كل يريد حصته من الثروة والتأثير وبدا واضحا بعد هزيمة حفتر في المواجهة الحالية على مدينة سرت والهلال النفطي. ومع أن توزيع المؤسسات الرئيسية في البلاد قد يؤدي إلى إنهاء حالة الجمود أو المأزق الذي تعيشه البلاد إلا أن تحركا كهذا قد ينتهي بتأكيد خطوط الصدع الحالية في البلد وتعميق الانقسامات الحالية بين المناطق الثلاث حيث باتت الهوية الجهوية تتقدم على الهوية الوطنية.
رفض حفتر
وحتى لو تم التوافق على هذه الصيغة التي قد ترضي مطالب الشرق إلا أن قوى في الغرب لن تتخلى بسهولة عن مؤسسات رئيسية مثل المصرف المركزي الذي يزعم أنه سيكون من حصة الشرق. وهناك قوى في الغرب ترفض أي اتفاق يقوي حفتر، واعتقدت هذه أن خروج قواته من طرابلس كانت تمثل نهايته وأن اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة نفحت فيه الحياة من جديد. وتخشى هذه القوى من تقوية اجتماع تونس حفتر وتعيد إلى عقله فكرة السيطرة على كل ليبيا من جديد. ويظل حفتر نفسه عائقا، فهو قد لا يرضى عن أي صيغة جديدة رغم وجود أطراف في الشرق تدعمها. ويرفض حفتر أي دور للإسلاميين في المحادثات مع أنه سمح للسلفيين المعروفين بالمداخلة بالنشاط وأعطاهم اليد الحرة لكي يفرضوا أيديولوجيتهم المتشددة على الفضاء الديني في الشرق.
الخارج
ولهذا السبب فحالة عدم الثقة لا تزال قائمة. ولا بد من الحديث هنا عن العامل الخارجي الذي أصبح بيده الحل والقرار، خاصة روسيا وتركيا اللتان لن توقفا دعم الجماعات الوكيلة عنها في ليبيا، كما أنهما لن تسحبا قواتهما من البلاد في مدة 3 أشهر حسب اتفاق وقف إطلاق النار. وتقول تركيا إن وجودها ليس أجنبيا أو عبارة عن مجموعات مرتزقة، بل جاء بناء على اتفاق مع الحكومة الشرعية، ولهذا لا تزال تعزز وجودها العسكري. وربما لجأت الأمم المتحدة إلى سلاح العقوبات على الدول التي تعرقل اتفاق وقف إطلاق النار، مع أن تجربة مراقبة حظر تصدير السلاح على البلاد كانت فاشلة وبشكل ذريع. والجديد في اجتماع تونس هو روح الحوار لكنها ليست كافية لكسر حالة عدم الثقة وربما انتهى بخلق شكل من الحكم في ليبيا بدون نفوذ أو شرعية.
من ينهي التدخل الأجنبي؟
وتؤكد تصريحات وزير الداخلية على البعد الخارجي في السلم المحلي، فقد نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” (27/10/2020) عن فتحي باشاغا، إن اتفاق وقف إطلاق النار لن يظل قائما طالما بقيت الدول الخارجية تتدخل في الشأن الليبي. وأضاف أن التدخل الخارجي وعدم وجود الدعم الدولي الكافي لتطبيق الاتفاق يعدان أكبر تحد له. وتكشف تصريحات باشاغا الذي لم يسم هذه الدول الخارجية عن الحرب بالوكالة التي تخوضها مصر وروسيا والإمارات في ليبيا من خلال دعم حفتر. وفي وقت دعمت فيه تركيا حكومة طرابلس، وضخت هذه الأطراف الخارجية المال والمرتزقة من سوريا والسودان وتشاد وروسيا، وكانت موضوعا لانتقاد الخبراء في الأمم المتحدة بسبب عدم احترامها لحظر تصدير السلاح إلى ليبيا. وقال باشاغا إن حفتر لم يكن ليشكل تهديدا لولا تخلى عنه الداعمون الخارجيون له. وعلق قائلا: “هو خطير بسبب الدعم الدول الخارجية له والتي تقدم له الأسلحة والمعدات العسكرية”. وعبر باشاغا الذي يعتبر مسؤولا بارزا في حكومة الوفاق عن أمله بمغادرة كل الأطراف الخارجية بلاده. بالإضافة للدفاعات الصاروخية والأسلحة والمرتزقة. فبعد سلسلة من الهزائم التي تعرض لها حفتر أرسلت روسيا مقاتلات ميغ- 29 وسو-24 لدعم الجنرال المتمرد. وبعد ذلك هددت مصر بإرسال قوات عبر الحدود لو تقدمت القوات الموالية لطرابلس شرقا متجاوزة مدينة سرت. ونقلت الصحيفة عن طارق المجريسي المتخصص في ليبيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن وقف إطلاق النار يعكس اجماعا دوليا على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للمشكلة. وقال إن هناك حاجة للضغط الدولي على القوى الأجنبية لمغادرة ليبيا “من سيطلب من الأتراك والروس المغادرة” و “الأتراك يرسلون يوميا الطائرات العسكرية والروس يبنون الأنظمة الدفاعية من سرت حتى الجفرة، فهل سيتخلون عنها؟” إلا أن باشاغا يرى أن الدول التي راهنت على انتصار حفتر بدأت تراجع موقفها. وأضاف “هناك تغير في الموقف المصري، والنقطة الرئيسية لمصر كانت دائما الأمن القومي” في إشارة للحدود المشتركة بين البلدين. وقال إنه هناك ملامح إيجابية عن تغير في موقف موسكو. ولا يوجد أي تغير في موقف الإمارات التي تعتبر مصدرا لمعظم السلاح المتقدم الذي يصل إلى حفتر. وحتى لو خرجت القوات الخارجية فالتحديات تظل قائمة أمام البلد المنقسم بعد عقد من الحرب. وتعتمد حكومتا الوفاق وحفتر على مجموعة من الميليشيات التي رسمت لنفسها مناطق نفوذ في غياب الجيش الوطني العام لكل البلاد. وتحدث باغاشا عن خطط حكومة الوفاق لدمج الميليشيات التي لا سجل إجراميا لها في القوة الأمنية الحكومية وفتح المجال لها أمام تلقي التدريب الأمني والعسكري. ولكنه أضاف أن هناك حاجة لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل. وقال “هناك حاجة لبرنامج على مستوى الدولة وليس وزارة الداخلية لإعادة تأهيل ودمج الأفراد” في المجتمع. ويعلق المجريسي أن مشكلة الميليشيات والتعامل معها تظل مهمة صعبة “فلديهم الأسلحة والمال والصلات وهم مثل المافيا” و “لهم وجود على أعلى المستويات في الدولة والتخلص منهم سيكون مهمة صعبة. وفي بعض المدن فهم مثل الجيش، ولو أصدرت أمرا لهم ولم يتبعوه فماذا ستفعل؟”.
مشكلة في المتوسط
وعلى العموم فبدون اجماع الأطراف المحلية وهي كثيرة على حل فستظل القوى الخارجية، خاصة أن كل واحدة منها لديها أهدافها ومصالحها في هذا البلد الذي لديه أكبر احتياط نفط في القارة الأفريقية ولا يبعد كثيرا عن جنوب أوروبا. فمن مصلحة الدول الأوروبية المسؤولة بالمقام الأول عن الفوضى بعد الإطاحة بالقذافي، استقراره ومنع تدفق المهاجرين إلى الدول الأوروبية. لكن غياب أمريكا سواء في ظل الإداراة السابقة والحالية التي تخبطت بين دعم حفتر ودعم حكومة الوفاق الوطني أعطى دولا الفرصة للعمل على تحقيق مصالحها، فروسيا تريد العودة للبلد الذي خسرته بعد الإطاحة بالقذافي، والإمارات تواصل لعب دورها التخريبي باسم مكافحة الإسلاميين أما تركيا فتدخلها مرتبط بالنزاع على منطقة شرق المتوسط ولاستعادة مكانتها في البلد حيث خسرت شركاتها المليارات في عقود البناء وإدارة المستشفيات بعد زوال النظام السابق. كما أن اتفاق تركيا مع حكومة الوفاق الوطني لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط هو جزء من محاولة تركيا الدفاع عن مصالحها بعدما استبعدت “حلف الشر” منه رغم حدودها الطويلة عليه. وكان اتفاق أنقرة- طرابلس في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 والذي عبد الطريق للدعم العسكري التركي مدعاة لتحالف آخر بين اليونان عدوة تركيا التاريخية ومصر في محاولة منهما لإلغاء المعاهدة التركية – الليبية. وباتت تركيا ومصر تنظران لمصالحهما في منطقة شرق المتوسط كجزء من عملية تنويع الاقتصاد طويلة المدى. وطالما بقي التدخل الخارجي حاضرا في ليبيا فلن يتم التوصل لاتفاق في المنطقة التي باتت مركز لعبة أمم على مصادرها المخزنة في قاع البحر. وكدليل على دور الدول الخارجية في قرار ليبيا إعلان فائز السراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق عن سحب استقالته وبرر موقف بأنه طلب من أطراف دولية ومحلية.
حوارات السلام الليبية: سلطة تنفيذية مؤقتة ودستور جديد
رشيد خشــانة – يُتابع الليبيون والمهتمون بالأزمة الليبية الحوارات التمهيدية لمنتدى تونس السياسي، المقرر عقده اعتبارا من التاسع من الشهر الجاري، باهتمام، وهي الحوارات التي انطلقت برعاية الأمم المتحدة يوم الإثنين الماضي، عبر الفيديو. وتشارك فيها 75 شخصية ليبية، بينها أعضاء من مجلس النواب (شرق) ومجلس الدولة (غرب) إلى جانب مكونات اجتماعية واتجاهات سياسية مختلفة. وترمي الحوارات، الممهدة لمنتدى تونس، إلى اختيار سلطة تنفيذية مؤقتة، تكون محل إجماع وطني، لكي تدير مرحلة انتقالية، يجري خلالها تنظيم استفتاء على دستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية، تمهيداً لنقل السلطة إلى مؤسسات دستورية منتخبة.
ووضع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سقفا لهذه الحوارات، بدعوته إلى تسليم السلطة في ليبيا إلى هيئات تنفيذية جديدة للتحضير للانتخابات. وشدد على ضرورة إخراج المقاتلين الأجانب من البلد، في غضون تسعين يوما، وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الدائم، الذي توصل له طرفا الصراع يوم 23 من الشهر الماضي في جنيف.
لن يكون من السهل ترجمة هذه الأهداف إلى وقائع على الأرض، لأن كل واحد منها مليءٌ بالألغام، وخاصة ما يتعلق بحل الميليشيات وإخراج المقاتلين الأجانب من البلد. كان كل طرف من المعسكرين المتحاربين حصل على دعم خارجي مكثف، لم يقتصر على الطائرات والأسلحة والذخائر وحسب، وإنما شمل أيضا إرسال مقاتلين للمشاركة في الحرب. وتتهم حكومة الوفاق الوطني غريمها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بالاستعانة بمئات من عناصر المجموعة الأمنية الروسية الخاصة “فاغنر” التي يرأسها يفغيني بريغوجين الصديق الحميم للرئيس بوتين. وفي المقابل يتهم أنصار حفتر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، باستقدام مقاتلين من المعارضة السورية. وزاد الصراع العسكري على مدى خمس سنوات من تعميق انعدام الثقة بين الطرفين المتحاربين، واستطرادا بين حلفائهما الإقليميين والدوليين.
وكان لمذكرة التفاهم التي توصلت إليها تركيا وحكومة الوفاق يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لتطوير التعاون العسكري بينهما، دورٌ حاسمٌ في إنهاء الحرب. فبعدما أطلق الجنرال حفتر هجومه على طرابلس في الرابع من نيسان/ابريل 2019 وجد صعوبة في تحقيق نصر سريع وعد به الليبيين، فاستدعى مقاتلين من مجموعة “فاغنر” التي يُعتقدُ أنها الذراع المسلحة للمخابرات الروسية، لتعزيز قواته. واستطاع المرتزقة بتدريبهم الجيد وأسلحتهم المتطورة الزحف على طرابلس، وأوقعوا خسائر كبيرة في صفوف القوات المدافعة عن العاصمة، حتى باتوا على قاب قوسين من وسط المدينة. من هنا أتى لجوء حكومة الوفاق إلى الدعم التركي لتعديل الميزان العسكري. وأبرز الصحافي ديفيد كيركباتريك، في تقرير ميداني نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” الدور الروسي في دعم الميليشيات التي تقاتل الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، وأن الضحايا الليبيين صاروا مستهدفين برصاص جديد يُصيب الرأس ويقتل مباشرة، وهو سلاح أتى به المرتزقة الروس “المهرة”. وقال الجنرال أسامة الجويلي، القائد العسكري الذي قاتلت قواته جيش حفتر، في تصريحات للصحافي كيركباتريك، إن ثلثي القتلى بين جنوده قتلوا بواسطة الطائرات المُسيرة. لذا كانت هذه الطائرات هي الميزة الوحيدة لدى حفتر،عندما بدأ هجومه على طرابلس.
من هنا كان رد الخبراء الأتراك الذين أتوا لمساعدة قوات الوفاق، بأن نقلوا المعركة إلى الجو، مستخدمين طائرات مُسيرة تركية من طرازي “العنقاء” و”بيراقتار” ما أوقع خسائر كبيرة بالميليشيات، التي كانت تحاصر طرابلس. وشملت الخسائر بعضا من عناصر “فاغنر” الذين يُعتقد أن 35 عنصرا منهم قُتلوا في تلك الغارات، أما الباقون فاتجهوا سريعا إلى مدينة سرت (وسط) وقاعدة الجفرة، حيث يربض سرب من الطائرات الحربية الروسية، والتي رصد الأمريكيون حركتها لدى انتقالها من قاعدة حميميم في سوريا إلى الجفرة الليبية.
بعد ذلك، صار خط سرت/الجفرة هو خط الفصل بين قوات حفتر، المنسحبة من طرابلس، وقوات الوفاق، ولم يستطع أيٌ منهما تحريك خطوط الفصل، ما يسر إعلان الطرفين، بشكل منفصل، عن وقف مؤقت لإطلاق النار. وتم تكريس هذا الاعلان باتفاق توصل له ضباط من الجانبين، يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد اجتماعات استمرت خمسة أيام في جنيف. إلا أن مراقبين تساءلوا عما إذا كان المُفاوضون يسيطرون على عناصرهم المسلحة على الأرض. كما استبعد آخرون أن تتخلى الأطراف الخارجية الفاعلة في ليبيا، بسهولة، عن نفوذها الذي حصدته بجهود مضنية.
قطب الرحى
كان الاتفاق العسكري قطب الرحى في العملية السياسية متعددة المسارات، التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي توزعت على المحور السياسي، المُتصل بإجراء انتخابات عامة وتشكيل مجلس رئاسي واختيار رئيس حكومة جديدين، والمحور العسكري الأمني، الذي أفضى إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، فيما اشتغل المُفاوضون في المحور الاقتصادي المالي على الموازنة وقطاع النفط. وأسفرت الاجتماعات التي استضافتها مدينة بوزنيقة المغربية، عن وضع آلية لتعيين مسؤولين على رأس المؤسسات الرئيسة (الموحدة) ومنها هيئة مكافحة الفساد وهيئة الحوكمة والرقابة الادارية والمؤسسة الوطنية للنفط، التي تعتبر العامود الفقري للاقتصاد الليبي، ومصرف ليبيا المركزي والمفوضية العليا للانتخابات والنائب العام وقيادة القوات المسلحة. وسيُراعي المشاركون في اجتماعات تونس، لدى اختيار المسؤولين عن هذه المؤسسات، العمل على توحيدها، بعدما ظهرت بعض التشققات، الناتجة عن محاولات حفتر وداعميه تقسيم مؤسسات الدولة بين الشرق والغرب، لا سيما بعدما أمر بقفل الحقول والموانئ النفطية، لممارسة الضغط على حكومة الوفاق.
وأظهر قرار إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، حجم الضغوط الدولية على الجنرال حفتر، بعد انسحاب قواته من محيط طرابلس، إذ فُرض عليه التراجع فرضا. وكان عناصر “فاغنر” من القوات التي سيطرت على المنشآت النفطية في الشرق والغرب على السواء، ووضعت حكومة الوفاق في وضع حرج جدا. كما تسبب الغلق بتجفيف إيرادات المصرف المركزي من العملة الصعبة، واستطرادا تضاؤل السيولة لدى المصارف التجارية، ونقص الطاقة وكثرة انقطاعات الكهرباء وشح البنزين لدى محطات التوزيع. لذا كان أحد التداعيات الايجابية لإعلاني وقف إطلاق النار المتزامنين، عودة الحقول إلى الانتاج تدريجيا، ما أتاح الوصول حاليا إلى ما يفوق 500 ألف برميل في اليوم. ويُرجح أن يعود الإنتاج إلى المستوى الذي كان عليه قبل الاقفال والذي يُقدر بـ1.2 مليون برميل في اليوم. ومن الصعب أن يعود اللاعبون في المستقبل إلى لعبة المساومة بحقول النفط، بعد تسجيل اتفاق الوقف الدائم لإطلاق النار في الأمم المتحدة، وتوعُد القوى الكبرى من يُخاطر بهذه اللعبة، بتسليط أقسى العقوبات عليه. وتم التلويح بسيف العقوبات هذا أيضا في وجوه من قد يُحاولون إفشال اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه أعضاء اللجنة العسكرية 5+5.
من غدامس إلى تونس
وبمعنى من المعاني ستشكل الحوارات السياسية الليبية في تونس، استعادة لمسار الحوار الوطني الشامل، الذي كان مُزمعا عقده في مدينة غدامس (جنوب غرب) في الفترة من 14 إلى 16 نيسان/ابريل 2019 بعد سنة كاملة من الاجتماعات التمهيدية. غير أن الجنرال حفتر قطع الطريق على المبادرة آنذاك، فأطلق هجومه المفاجئ على طرابلس قبل أقل من عشرة أيام من الميقات المقرر لانطلاق الحوار السياسي، فأجهضه وذهبت الجهود التي بذلها فريق الإعداد، بقيادة غسان سلامة، أدراج الرياح. وفي إطار الإعداد لذلك الحوار عقد المنظمون، بدعم من بعثة الأمم المتحدة، 77 اجتماعا شارك فيها 6000 ليبي، وأنتجت 80 ألف ورقة، لُخصت في 22 ورقة، وشملت الأوراق كل المجالات تقريبا.
ويجوز القول إن اجتماعات الحوار السياسي في تونس لن تخرج عن السقف الذي حدده وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، الذي دعا إلى تسليم السلطة في ليبيا إلى هيئات تنفيذية جديدة للتحضير للانتخابات، مع الاتفاق على ميقات إجرائها. ويُتوقع من الاجتماعات أن تخرج بتوافق على تشكيل مجلس رئاسي مصغر يتألف من ثلاثة أعضاء بدلا من تسعة حاليا، وفصله عن الحكومة والتمديد للسراج، على الأرجح، إلى حين إجراء الانتخابات العامة. وكان الأخير أعلن في 16 سبتمبر أنه سيغادر منصبه قبل نهاية تشرين الأول/اكتوبر، غير أن رئيس مجلس الدولة خالد المشري وجه له رسالة طلب منه فيها البقاء في منصبه إلى حين تسمية سلطات تنفيذية جديدة، وهو ما كان متوقعا. كما دعته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس، عبر اتصال هاتفي، إلى التريث في قرار الاستقالة، والبقاء في المنصب حتى انتهاء المفاوضات الجارية حاليا، فاستجاب للطلب. أكثر من ذلك، تأكد أن هذا الموقف هو موقف الأمم المتحدة وأمريكا معا، اللتين وجهتا باستبقاء السراج والمحافظة على مؤسسات الحكم الانتقالي الحالية، ريثما تتبلور رؤية واضحة في شأن آليات تشكيل “حكومة الوحدة”. وهذا هو الطلب الذي توجه به للسراج السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند.
جدل التمثيلية
تُوجَهُ انتقادات إلى قائمة الأعضاء الخمسة والسبعين المشاركين في المنتدى السياسي، تُقلل من تمثيلية بعضهم، على اعتبار أن من بينهم مسؤولين سابقين “جُربوا ولم يصحوا” على ما يقول خصومهم، كما أن شبهات فساد تلاحق البعض الآخر. مع ذلك، شكا بعض التيارات السياسية ومن بينها أنصار نظام القذافي مما اعتبروه إقصاء لهم. غير أن نائبة رئيس بعثة الدعم الأممية وليامز ردت بأن الأمم المتحدة “تعلمت من العمليات السياسية السابقة عدم استبعاد أي تيار سياسي”. وأكدت أن هناك تمثيلا للنظام السابق في حوارات تونس. إلى ذلك شكا بعض زعماء القبائل والسياسيين في المناطق الداخلية من استبعادهم من الحوار، وخاصة منطقة الجنوب الشرقي، الذي يمثل ربع مساحة البلد، ويضم أكثر من 300 ألف ساكن، لكن سيمثله في الحوار شخص واحد. كما يؤاخذ ممثلو بعض المناطق على كونهم لا يقيمون في مناطقهم، وإنما في العاصمة أو خارج ليبيا. ومن أكبر المنتقدين للمسار أيضا ممثلو الأقليات وخاصة الأمازيغ والتبو والطوارق، فيما ركز أعضاء من مجلس النواب (شرق) انتقاداتهم على أن هناك تمثيلا متضخما لـ”الاسلام السياسي”، متهمين الأمم المتحدة بـ”محاولة تنصيب هذا التيار في السلطة”، وتسمية عناصر ينتمون له في حصة المستقلين.
العصا الأمريكية
اضطرت الأمم المتحدة وأمريكا إلى رفع العصا في وجوه المتخاصمين على المشاركة في منتدى تونس، بعدما اندلعت معارك كلامية بينهم وصلت إلى حد الملاسنات. ومعلوم أن النقاشات الجارية حاليا، بواسطة الاتصال الألكتروني، ترمي لاختيار سلطة تنفيذية مؤقتة، تكون محل إجماع وطني، لتُدير مرحلة انتقالية يجري خلالها تنظيم استفتاء على دستور جديد، وانتخابات تشريعية ورئاسية، تمهيداً لنقل السلطة إلى مؤسسات دستورية منتخبة.
وقد يكون أحد أسباب الخصومات ما رشح أخيرا عن إجراء مفاوضات موازية في الرباط بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، بوساطة مغربية، قيل إنها تطرقت لإيجاد صيغة للحفاظ على هدنة طويلة الأمد، وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات العامة وتكوين حكومة موحدة وإقرار دستور جديد. وترتدي تلك الحوارات/ المفاوضات أهمية خاصة، بالنظر إلى أن اسم عقيلة صالح من الأسماء المتداولة لتولي رئاسة مجلس الدولة، فيما يُتداول اسم معيتيق لرئاسة حكومة الوفاق إذا ما أصر السراج على المغادرة.
مصير المرتزقة
إلى هذه القضايا الشائكة، يُعتبر ملف تجميع السلاح الثقيل وحل الميليشيات وإدماج عناصرها في الجيش المنوي تشكيله، أحد المواضيع الثقيلة التي سيتناولها المشاركون في حوارات تونس، فمن دون إحصاء الأسلحة ووضع قائمات بالأجسام المسلحة، التي تناسلت بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، لا يمكن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، واستطرادا قد يتعطل تشغيل آليات التنفيذ، التي نص عليها الاتفاق. وبخصوص المرتزقة، يجري نقاش في شأن مواعيد مغادرتهم ليبيا “في إطار زمني مناسب”، على ما قال الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس. غير أن هذه القضايا الحساسة ستحظى، بالتأكيد، بمتابعة دقيقة، ليس فقط من الأطراف الليبية، أثناء حواراتها في تونس، وإنما خاصة من القوى الاقليمية والدولية المؤثرة في مصائر الحوار.
في السياق تسعى دول الجوار إلى لعب دور الدافع للتسوية السياسية، ولذلك حافظت في غالب الأحيان على مسافة متساوية من طرفي الصراع في ليبيا. وهي تحتاج إلى استتباب السلام في الدولة الجارة لهدفين، أولهما إنهاء بؤر التوتر في المنطقة، واحتواء تداعياتها على أمنها الداخلي، وثانيها تحصيل منافع من مشاريع إعادة الإعمار التي تعتبر نفسها أولى بها من شركات آتية من دول خارج المنطقة. وكان يمكن لهذه الدينامية المغاربية أن تشكل محورا موحدا لدفع الأمور في ليبيا نحو الاستقرار. غير أن الخلافات العميقة بين الدول ألقت بظلالها على التعاطي مع هذا الملف، ما جعل المصريين ينسحبون من المبادرة الثلاثية (مع تونس والجزائر) ويعلنون لاحقا مبادرتهم خاصة، فيما استمرت المناكفات بين الجزائر والمغرب بتعطيل أي مبادرة مغاربية. مع ذلك استطاع المغاربة استضافة اجتماعات بوزنيقة التي تكللت بالنجاح، من دون أن تظهر بصماتهم بشكل مباشر، مثلما كان الأمر في اجتماعات الصخيرات العام 2015. وكان إرساء سفينة الحوارات في تونس ثمرة لأوضاع دولية حالت دون عقدها في أوروبا، إذ امتنع الأوروبيون عن منح تأشيرات لبعض الحضور، كما أن الدول الأوروبية رفضت مجيء المتحاورين إلى أراضيها بسبب انتشار وباء “كوفيد 19” في ليبيا، وصعوبة التأكد من عدد الإصابات هناك.
ليبيا منذ 9 ساعات البعثة تعلن انعقاد أول اجتماع للجنة 5+5 بليبيا الاثنين
أعلنت البعثة الأممية عقد اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 + 5) من الثاني إلى الربع من نوفمبر الجولة الخامسة من المحادثات لأول مرة في ليبيا بمدينة غدامس.
وأوضحت البعثة في تعميم صحفي لها أن المشاركين سيبحثون في اللقاء آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، بما في ذلك إنشاء اللجان الفرعية، فضلاً عن آليات المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار.
وجاء عن البعثة أن هذه الجولة من المحادثات بعد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الدائم بين الوفدين يوم 23 أكتوبر في جنيف، وبحضور اللجنة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز.
وخلصت محادثات جنيف بـ24 أكتوبر إلى توقيع اللجنة العسكرية 5+5 اتفاقا على وقف دائم لإطلاق النار مع الإخلاء العسكري لخطوط التماس وخروج المرتزقة في مدة أقصاها ثلاثة شهور فضلا عن تجميد اتفاقات التدريب العسكري إلى حين تسلم الحكومة الجديدة عملها.
ويتضمن الاتفاق أيضا تأمين غرفة أمنية مشتركة المناطق التي جرى إخلاؤها من الوحدات العسكرية والعمل على الحد من الخروقات المتوقعة والتوجه إلى دمج وتفكيك وتأهيل الكتائب وفتح المعابر البرية والمجال الجوي وتأمينها مع التنسيق لتبادل الأسرى وإعادة هيكلة حرس المنشآت ووقف خطاب الكراهية.
عدول السراج عن الاستقالة.. أسباب أكبر من “بيت الوفاق”

توقع المحلل السياسي والمهتم بالشأن العام محمد شوبار، ألّا يتعدى تأجيل استقالة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج منتصف نوفمبر المقبل، في إشارة منه إلى الحوار السياسي الذي سيعقد الأيام القليلة المقبلة في تونس.
وأضاف شوبار في مداخلة مع برنامج “LIVE” عبر “218NEWS”، السبت، أن المجموعة الدولية طالبت ببقاء السراج في منصبه خوفا من حدوث فراغ سياسي في البلاد، مبينا أن هناك جدية من قبل البعثة الأممية والمجموعة الدولية فيما يتعلق بمسألة استقرار ليبيا ودعم حكومة الوحدة الوطنية القادمة أكثر من أي وقت مضى.
وأشار إلى أن الليبيين أمام فرصة كبيرة وهي الحوار السياسي الذي سيعقد في تونس، مبديا تفاؤله بأن مسألة الصراع في ليبيا قد انتهت وأن الليبيين مقبلون على مرحلة استقرار دائم.
ولفت شوبار إلى وجود تأييد دولي كبير خصوصا من الدول التي تدخلت في ملف ليبيا تجاه الحل السياسي، حيث لا وجود لأي خرق للاستقرار في البلاد وأن هناك توافقا دوليا ومحليا حول وقف التدخل الأجنبي وخروج المرتزقة الأجانب من ليبيا.
الليبيون وبصيص الأمل بعد اتفاقات جنيف: العقبات أكبر من الأمنيات
رشيد خشــانة – قطع طرفا الصراع في ليبيا نصف الطريق للوصول إلى سلام بالتوقيع على اتفاق يكرس وقفا نهائيا لإطلاق النار، وبقي النصف الثاني المُتعلق بإخضاع الميليشيات، وإجبار المرتزقة على مغادرة البلد.
والملاحظ أن هذا التقدم في مفاوضات الحل السياسي، ترافق مع الخطوات النوعية التي قُطعت لمعاودة تشغيل الحقول والمصافي النفطية في ليبيا، بما فيها مصفاة الزاوية، وهي الوحيدة في المنطقة الغربية. لا ريب أن المشهد الليبي تغير، أولا مع الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، وأيضا مع الاتجاه نحو إيجاد حلول لكثير من المشاكل الحياتية، مثل تشغيل حركة الملاحة الجوية مجددا بين المدن، وفتح الطرقات البرية. بيد أن التفاؤل الذي أشاعته تلك الخطوات، لا ينبغي أن يحجب عن أبصارنا العقدة الكبرى، التي سيصطدم بها المسار، حين يقترب من نفوذ الأجسام المسلحة، الماسكة بالسلك الكهربائي، وصاحبة القرار الحقيقي على الأرض.
مع ذلك تُعتبر المسافة المقطوعة حتى اليوم، في إطار مسار برلين، وسائر الاجتماعات المتفرعة عنه مشجعة، بعدما وضع طرفا النزاع، علاوة على اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، اتفاقات أخرى تقضي بإعادة فتح الطرقات بين المناطق واستئناف الرحلات الجوية الداخلية، ووضع حد للحملات الإعلامية المتبادلة. وأشرفت على تلك المحادثات المنظمة السويسرية “مركز الحوار الإنساني” التي تعمل منذ سنوات على التقريب بين الإخوة الأعداء في ليبيا، بعيدا عن أضواء الإعلام، وبرعاية من بعثة الأمم المتحدة. كما شكل الاتفاق على إعداد موازنتين للعام المقبل، واحدة في الشرق والثانية في الغرب، ثم إدماجهما في موازنة موحدة، خطوة مهمة نحو إعادة اللحمة. وتقدر الموازنة بما يقارب 34 مليار دولار.
غير أن ما يهم المواطن الليبي من تلك المحادثات هو مدى تأثيرها في تحسين وضعه المعيشي، الذي يربطه بعنصرين جوهريين، أولهما معاناته من فقدان السيولة في المصارف التجارية، ما يضطره للمُرابطة أمام الفروع المصرفية لتحصيل النزر القليل من أمواله المودعة لديها، وثانيهما انقطاع البنزين والتيار الكهربائي، بسبب توقف إنتاج النفط، ما عسَر حياة السكان بشكل عام، وسكان الجنوب بشكل خاص.
أكثر من ذلك، تسبب دخول القوات الموالية للجنرال حفتر، ومعها عناصر من شركة “فاغنر” الأمنية الروسية الخاصة، إلى الحقول والموانئ النفطية، في انهيار الإنتاج، في إطار محاولة خنق حكومة الوفاق. ومن هنا يرتدي التوصل إلى اتفاق على معاودة التشغيل والانتاج أهمية قصوى لتلك الحكومة، وحتى لخصومها، الذين يتقاضون رواتبهم، هم أيضا، من مصرف ليبيا المركزي. كما أن معاودة تصدير النفط، تعيد ملء خزائن الدولة الخاوية، إذ ارتفع إنتاج حقل الشرارة في الأيام الأخيرة، وهو من أكبر الحقول، إلى نحو 110 آلاف برميل يوميا من أصل 300 ألف برميل تمثل إجمالي طاقته الإنتاجية.
أما شركة الزاوية فأعلنت عن الشروع الوشيك في تشغيل وحدات التكرير، بعد اكتمال الاستعدادات لذلك، ما سيساهم في تأمين احتياجات السوق المحلي من المحروقات. وفي السياق أفادت شبكة “بلومبرغ” الأمريكية أن إنتاج ليبيا من النفط بلغ نحو 500 ألف برميل يوميا، بعد استئناف الإنتاج في حقل الشرارة، وهو ما يمثل قرابة نصف منتوج ليبيا من النفط، قبل غلق الحقول والموانئ النفطية، في التاسع من حزيران/يونيو الماضي، في أعقاب فرض حالة القوة القاهرة.
وزاد انتشار فيروس كورونا من تعقيد حياة الليبيين، في ظل تهلهل البنية الصحية الأساسية، وغلق الحدود التي كانت تمنح فرصة العلاج في المستشفيات التونسية. والظاهر أن الليبيين مهتمون بوضع حد لتمدُد الوباء أكثر من اهتمامهم بالمحادثات الجارية في جنيف وبوزنيقة والقاهرة وتونس. وطبقا لإحصاءات غير مؤكدة يوجد في ليبيا حاليا أكثر من 41000 حالة إصابة بفيروس كورونا، غير أن المراقبين يعتقدون أن عدد المصابين أكبر من ذلك، لكن لا يمكن الوصول إليهم لإحصاء الحالات بدقة، خاصة أن الأمم المتحدة أقرت هي الأخرى بأن الانتشار “يخرج عن نطاق السيطرة”. ومنذ بداية تفشي الوباء في ليبيا في آب/اغسطس الماضي واجهت الكوادر الطبية والصحية صعوبات جمة بسبب تضاؤل الإمكانات المتاحة لها، وتزايد أعداد المصابين المقبلين على المستشفيات.
وامتد الشلل إلى المؤسسات التعليمية، وإن جزئيا، إذ واجهت المدارس مصاعب كبيرة لإيجاد الصيغة المثلى للاستمرار في العمل، مع حماية الطلاب من العدوى، في ظل ضآلة الإمكانات، ما أدى إلى انقطاع بعض الطلاب في بعض المناطق عن الدراسة، ووصل الانقطاع أحيانا إلى ستة أشهر.
مفهومٌ في هذا الإطار أن يفرح الليبيون بالوعود التي سمعوها، وأن يروا بصيص أمل في قرار فتح الحدود مع تونس، متنفسهم الرئيس. ومن المظاهر الرمزية للمصالحة المأمولة بين المنطقتين الشرقية والغربية، الزيارة التي أداها وفد يمثل “أعيان برقة” (الشرق) إلى أسرى قوات حفتر لدى قوات حكومة الوفاق في مصراتة، وهي خطوة تمهد لإجراء تبادل للأسرى والمخطوفين من الطرفين. وأكد ذلك رئيس وفد أعيان مصراتة محمد الرجوبي، الذي صرح أيضا، لموقع “الوسط” الليبي، أنه يتم حاليا بحث تشكيل لجان من أجل فتح الطرق والمطارات بين المنطقتين الشرقية والغربية. وتشمل هذه الخطة إعادة فتح معبر راس جدير الحدودي مع تونس. وزار وفد من وزارة الخارجية التابعة لحكومة “الوفاق” تونس، في الأيام الأخيرة، وبحث مع مسؤولين تونسيين وسائل ضمان انسياب حركة النقل والمبادلات التجارية في المعبرين الحدوديين المشتركين. وفعلا توصلت لجنة ليبية تونسية مشتركة إلى اتفاق لإعادة فتح الحدود بين البلدين، وهو ما تم فعلا الجمعة، إضافة إلى استئناف الرحلات الجوية بين مطاراتهما.
كما درس الوفد وضع بروتوكول صحي مشترك مترافقا مع إعادة فتح المعبر وفق الخطة التونسية للتصدي لتفشي فيروس كورونا. وكان الخلاف بين الجانبين يتمثل في رفض الليبيين الخضوع للحجر الصحي الإجباري عند حلولهم بتونس، في حين تطبق تونس هذا الإجراء على جميع الوافدين إليها. وتضغط بعض الجهات من بينها مجلس رجال الأعمال التونسيين والليبيين، من أجل إيجاد حل وسط لهذا الإشكال، وأتى الحل متمثلا بالقيام بالتحاليل السريعة للفيروس في المعبر، بالنسبة لليبيين الوافدين إلى تونس.
حكومة انتقالية وانتخابات؟
وكيفما كان الحال، تبدو تونس اليوم الوحيدة القادرة على استضافة الاجتماع الشامل الليبي الليبي، مطلع الشهر المقبل، بعد رفض الدول الاوروبية استضافة هذا اللقاء، بسبب الموجة الثانية من فايروس كورونا التي اجتاحت العالم خلال الشهر الجاري. ويُلاقي هذا المسار تأييدا من القوى الكبرى، إذ أبدت أمريكا مباركتها للاتفاقات التي حصلت حتى الآن بين الفريقين، مُعلقة، على لسان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، بأنها تأمل أن تكون تلك الاتفاقات “خطوة نحو تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات”.
كما أن السفير الأمريكي لدى ليبيا نورلاند حذر من “الوجود المتزايد للقوات الأجنبية، بما في ذلك المرتزقة والمجموعات المسلحة والمفسدين، الذين يمكن أن يهددوا التقدم الحالي نحو حل سلمي في ليبيا”. واعتبر أن “التخلص من الميليشيات والمرتزقة والجماعات الإرهابية من أهم المهام لضمان مستقبل مستقر في ليبيا”. لكنه أشار إلى أن الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين الميليشيات “تؤكد ضرورة العمل من دون توقف لإنشاء جيش واحد تحت سلطة مدنية”. ولفت نورلاند إلى الحاجة إلى “دعم الجهود التي يقودها الليبيون لجمع الميليشيات من جميع أنحاء البلاد وتسريحها” مؤكدًا أنه من الصعب الوصول إلى ذلك “إلا من خلال قوات أمن ليبية موحدة وقوية” لكن هل سيبقى أمراء الحرب يتفرجون على تشكيل قوات عسكرية وأمنية مهمتها قطع دابرهم؟
وهذا الموقف الأمريكي غير بعيد عن الموقف الروسي، الذي أكد على لسان الوزير سيرغي لافروف دعم موسكو لـ”وقف الأعمال القتالية في ليبيا وبدء حوار سياسي”. ومن هذا المنطلق قرر الروس إعادة فتح سفارتهم في طرابلس، على أن يكون مقر السفير “مؤقتا” في تونس. وقال لافروف في هذا الشأن “أريد أن أؤكد على أن مهامه (السفير) تشمل تمثيل روسيا في كل أنحاء الأراضي الليبية” أي لدى حفتر وحكومة الوفاق في آن معا.
أصحاب القرار على الأرض
لكن السؤال الذي يبقى عالقا هو إلى أي مدى تمثل الوفود التي شاركت في المحادثات، حتى الآن، القوى الحقيقية صاحبة القرار على الأرض؟ أوليس “المفاوضون” مُعلقين في عالم يكاد يكون افتراضيا، فمجلس النواب لم يجتمع، ولا اجتمع أعضاء المجلس الرئاسي لمنح تفويض للوفدين المفاوضين. ومن علامات هذا الانفصام مقاطعة كتلة فزان النيابية (جنوب) جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة في مدينة بنغازي (شرق) والتي دعت إليها رئاسة المجلس “بعد غياب طويل عن الانعقاد، بالرغم من حجم الاستحقاقات التي أمام المجلس” على ما قالت الكتلة في بيانها، ردا على دعوتها إلى المشاركة في جلسة ببنغازي.
من جهة أخرى تقف الأجسام العسكرية الخارجة عن الدولة، حجر عثرة أمام عودة السلام إلى ليبيا، فقد شبت عن الطوق، بعدما تضخم حجمها وتطورت أسلحتها وتوسع نفوذها في السنوات الخمس الأخيرة، أي منذ اندلاع الصراع بين “فجر ليبيا” و”عملية الكرامة” بقيادة حفتر. ولا أدل على سطوتها من أنها تجرأت على اختطاف المستشار الإعلامي لرئيس حكومة الوفاق محمد بعيو (وهو أحد أبواق نظام القذافي) بينما ظلت الحكومة عاجزة عن ضبط الخاطفين ومحاكمتهم، مع أنها تعرفهم وتصرف رواتبهم في بداية كل شهر. وبعد يومين من اختطاف بعيو، خطفت مليشيا مسلحة من طرابلس الإعلاميين محمود الشركسي، من قناة “ليبيا” الوطنية، وطارق القزيري عقوب مدير قناة “ليبيا الرياضية”. ولم تقو وزارة الداخلية ولا حكومة الوفاق على وضع حد لعربدة هذه الميليشيا ومثيلاتها الكثيرة، علما أن الخطف شمل في وقت سابق رئيس الحكومة نفسه (علي زيدان) وهو في ثياب النوم. وعليه فإن تنفيذ أي خطوات في اتجاه إقرار وقف نهائي لإطلاق النار، يبقى مرهونا بمدى تجاوب هذه الجماعات المسلحة، التي لن يقبل أمراؤها التخلي عن نفوذهم والاندماج في الجيش الوطني المزمع تشكيله، والتي تتدرب طلائعه حاليا في إحدى القواعد العسكرية التركية. من هنا تبدو فداحة الخطأ الذي اقترفه من حكموا ليبيا بعد رحيل القذافي، والذين قرروا حل الجيش الليبي بذريعة أنه كان يخدم النظام، مع أن القذافي حجَمه وأضعفه.
المؤسسة الوحيدة
ربما المؤسسة الوحيدة المتبقية من هشيم الدولة، التي مازالت تعمل هي القضاء، بالرغم مما يحفُ به من تهديدات ومخاطر. وقد أظهر فعاليته أخيرا عندما أصدر مدير النيابة العسكرية في طرابلس، أيوب أمبيرش، أمرا بالقبض على رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نعمان الشيخ، بعد اتهامه بإخفاء تقرير صادر عن لجنة الهيئة، يتعلق بتجاوزات مالية في جهاز الطب العسكري ووزارة الصحة، التابعة لحكومة الوفاق. وتم توجيه الأمر إلى “جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب” لاعتقال سبعة مشتبه بتورطهم في التجاوزات، من بينهم وكيل وزارة الصحة بحكومة الوفاق، وقد كان رئيسا لمجلس إدارة جهاز الطب العسكري سابقًا.
ربما تكون عواصم القرار الدولي وعدت المفاوضين الليبيين بمساعدتهم على ترويض أمراء الحرب، بتسليط عقوبات على المتقاعسين منهم، لكن يبدو أنهم لا يعبئون بمثل تلك التهديدات، كما لم يتورعوا عن إزهاق أرواح آلاف المدنيين، في حروب متتالية منذ 2011. وبحسب السراج تضرر 120 ألف ليبي من تلك الحروب إلى 2018 فقط. أما تقديرات الأمم المتحدة فتشير إلى أن القتال أدى إلى نزوح أكثر من 150 ألف شخص، 90 ألفا منهم أطفال، إضافة لإغلاق 200 مدرسة، ما حرم أكثر من 200 ألف طفل من تعليمهم. يا تُرى كم ينبغي على الليبيين أن يصبروا قبل أن يعود الرشد إلى زعمائهم؟
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.