رشيد خشانة – تتزامن العودة الأمريكية إلى الشرق الأوسط مع حملة روسية قوية لتوسيع مناطق النفوذ في القارة الافريقية.
تقدم ليبيا، التي تقع في قلب المنطقتين، أنموذجا لهذه العودة، بعدما كانت أمريكا انسحبت منها في 2012. وبعدما وجد الروس أنفسهم بلا حليف محلي، في أعقاب الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وقبل أن تصبح روسيا لاعبا رئيسيا في الساحة الليبية، عمقت نفوذها في عدة بلدان أفريقية من بينها السودان، على أيام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، بواسطة مجموعة “فاغنر” الأمنية، التي كانت تُسدي النصائح لتقوية النظام وتعزيز سيطرته على الأوضاع السياسية والعسكرية.
ويُستفاد من وثائق سرية كانت نشرتها صحيفة “الغارديان” أن روسيا وضعت خطة لتعزيز نفوذها في 13 بلدا أفريقيا، من خلال إقامة علاقات مباشرة مع زعمائها، وإبرام صفقات عسكرية، والعمل على إبراز جيل جديد من الزعماء وأيضا من العملاء. وتضمنت الوثائق التي سربها رجل الأعمال الروسي المنشق ميخائيل خودوركوفسكي، المقيم في لندن، خريطة تضع السودان في أعلى سلم البلدان “المتعاونة” (الرتبة الخامسة) بينما أتت ليبيا في الرابعة، في إشارة إلى القائد العسكري للمنطقة الشرقية الجنرال المتقاعد خليفة حفتر. ويمكن اعتبار الدخول الروسي القوي للساحة الليبية، منذ ثلاث سنوات، مدفوعا بثلاثة أهداف كبرى، أولها الموقع الاستراتيجي لليبيا، باعتبارها جسرا بين الساحل المتوسطي ووسط أفريقيا، وخاصة دول الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى. وثانيها ثروات ليبيا الطبيعية المتنوعة، وخاصة مخزونها الهام من النفط والغاز. أما الهدف الثالث فهو تحصيل أكبر حصة ممكنة من صفقات إعادة الاعمار بعد نهاية الحرب.
ويُرجح خبراء أن موسكو تركز جهودها على السعي لاستعادة شبكات الحلفاء و”الأصدقاء” التي أضاعتها على إثر انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. كما عزا الخبير السويسري لويس ليما الأهمية المتزايدة التي يمنحها الروس للمنطقة، إلى محاولة الالتفاف على العقوبات الغربية، التي أثقلت كاهل الاقتصاد الروسي، “ما اضطر موسكو للبحث عن أسواق جديدة ومعاودة بناء الشراكات السابقة”. لكن تركيا سبقتها إلى ليبيا، إذ حصدت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، خلال زيارتها الأخيرة لطرابلس 184 مشروعا موزعة على قطاع البنية التحتية والتعليم والصحة والخدمات الأساسية. وقدر وزير التخطيط الليبي طاهر الجهيمي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “صدى” الاقتصادية المحلية، قيمة تلك المشاريع بـ 16 مليار دولار.
تصنيف المشاريع التركية
وأوضح الجهيمي أنه تم تصنيف المشاريع التي تنفذها شركات تركية في ليبيا إلى ثلاثة أصناف، وهي أولا المشاريع التي تحظى بالأولوية والتي سيبدأ تنفيذها في المدى المنظور، والصنف الثاني هي المشاريع التي ستؤجل إلى مرحلة تالية، لم يتم تحديدها. أما الثالث فيخص المشاريع التي يمكن أن تلغى أو تستبدل بمشاريع أخرى، بالنظر لتعثرها، أو لكونها لم تبدأ أصلا. ووقعت الوزيرة التركية مع نظيرها الليبي على وثيقة في المجالين الاقتصادي والتجاري تضمنت ما اعتُبر “حلا للمشاكل العالقة للشركات التركية وكيفية الحصول على مستحقاتها المالية”. وتُعدُ ليبيا من أوائل البلدان التي استثمرت فيها تركيا في قطاع المقاولات، منذ عهد الرئيس التركي تورغوت أوزال، صديق معمر القذافي، وتجاوزت استثماراتها فيها 28 مليار دولار. أكثر من ذلك، قال الجهيمي إن حصة الشركات التركية من خلال العقود السارية مع الدولة الليبية، تبلغ نحو 20 في المئة من إجمالي تلك العقود، من حيث القيمة والعدد، وهي تعتبر بذلك، الحصة الأكبر بين شركات الدول الأخرى، على الرغم من أن ليبيا تعاقدت مع عدة دول لتنفيذ مشاريع تنموية في الفترة من 2008 إلى 2012.
عودةُ أمريكا
أما أمريكا فتجلت عودتها للاهتمام بالشأن الليبي، في الآونة الأخيرة، من خلال الاتصالات بالفرقاء الليبيين، في إطار ما أطلق عليه سفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند “الحل منزوع السلاح في سرت والجفرة”. وهو الحل الذي ناقشه نورلاند في القاهرة مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وسط تركيز كبير من الجانب الأمريكي على ضرورة تمكين “المؤسسة الوطنية للنفط” من استئناف عملها الحيوي، مع ضمان إدارة عائدات النفط والغاز بشفافية، وهي رسالة واضحة لقوات حفتر التي تتمادى في غلق الحقول والموانئ النفطية، في منطقة الهلال النفطي، منذ مطلع العام الجاري.
وسبقت المحادثات التي أجراها نورلاند في القاهرة مكالمتان بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، وكذلك بين وزيري الخارجية مايك بومبيو وسامح شكري، حول الوضع في ليبيا. وعزا تقرير لشبكة “سي أن أن” بداية العودة الأمريكية للاهتمام مجددا بالملف الليبي إلى الضغوط التي قالت إن بعض زعماء المنطقة، ومنهم رجب طيب إردوغان وعبد الفتاح السيسي، مارسوها عليه، لتشجيعه على إقناع الرئيس الروسي بوتين بالتخلي عن نواياه التوسعية في ليبيا. غير أن التقرير أشار إلى رغبة ترامب بتفادي التورط في أي صراع اقليمي، عشية الانتخابات الأمريكية، مع أنه لم يمنع سفراءه في المنطقة من مواصلة الحوار مع القوى الفاعلة في الصراع. وتمكن مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتن من إقناعه بالتقارب مع كل من السعودية والامارات وتعديل السياسة الأمريكية في ليبيا، باتجاه دعم الجنرال حفتر. وفي هذا الاطار كان لبولتن نفسه اجتماع مهم على انفراد مع حفتر. والمؤكد أن الدور المتزايد لروسيا في ليبيا اليوم، واستطرادا في شرق المتوسط، من أهم الدوافع التي حملت أمريكا على هذه الحركة الدبلوماسية المكثفة في الآونة الأخيرة، بالرغم من انشغالها بتداعيات الاتفاق الإماراتي الاسرائيلي.
الإمساك بطرفي الأزمة
والظاهر أن الأمريكيين يحاولون المسك بطرفي الأزمة في آن معا، إذ أكدوا في القاهرة دعمهم لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، واستطرادا للبيان المصري الصادر في 6 حزيران/يونيو الماضي، بعنوان “مبادرة مصرية للحل في ليبيا” مثلما أكدوا قبل ذلك، لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في طرابلس، دعمهم للحكومة التي تحظى بالاعتراف الدولي. وذهب السفير نورلاند إلى أبعد من ذلك بتوسيع دائرة من تتوسم فيهم واشنطن المساهمة في إحلال السلام إلى “جميع القادة الليبيين الذين يتحلون بروح المسؤولية والساعين إلى حل سلمي للصراع، من شأنه أن يعيد لليبيا سيادتها ويعزز الإصلاحات الاقتصادية ويمنع مزيدا من التصعيد”.
وعلى الرغم من تأكيد مقربين من عقيلة صالح أن الأخير اتفق مع السفير الأمريكي على استمرار وقف إطلاق النار والإبقاء على مدينتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح، إلى حين استئناف الحوار السياسي، والعودة إلى مائدة التفاوض، اعتبر دبلوماسيون من بينهم بيتر ميليت، السفير البريطاني السابق في ليبيا، أنه لا يمكن أن يُعتدَ بالاتفاقات التي تُبرم مع صالح. ويشعر الأمريكيون بقلق شديد من نشر مرتزقة مجموعة “فاغنر” في ليبيا، والتي انسحبت بعد هزيمتها العسكرية في التخوم الجنوبية لطرابلس، إلى قاعدة الجفرة الجوية، التي تبعد 500 كلم عن طرابلس، ويُقدر عددها بأكثر من ألفي عنصر. وتُحاذر موسكو من انكشاف تورطها المباشر في الصراع، من خلال دعمها أحد الطرفين المتنازعين، لكي تضمن مقعدا في محادثات السلام وفي مرحلة ما بعد الحرب عموما.
ونقلت بوابة “الوسط” الليبية عن السفير الأميركي لدى الجزائر جون ديروشر، إقراره بوجود “صعوبات” في المحافظة على وقف إطلاق النار، مشيراً إلى توافق واشنطن والجزائر على ضرورة دعم مسار الأمم المتحدة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا. وتبدو أمريكا والجزائر أهم طرفين يعملان في اتجاه تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين الخاص بليبيا، مطلع العام الجاري، من خلال المشاورات المكثفة التي تحدث عنها ديروشر، من دون إعطاء تفاصيل عن فحواها.
في خط مواز للاتصالات الاقليمية والدولية حول الملف الليبي، أعلنت مجموعة من النواب المجتمعين في طرابلس، الثلاثاء الماضي، عن إطلاق ما وصفوه بـ”مناقشة علنية لمبادرة سياسية شاملة لحل الأزمة الليبية” تتضمن إنهاء المرحلة الانتقالية، والوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري. وبحسب المُبادرين، يسعى مشروع “المبادرة الوطنية” التي استُبعد منها حفتر، إلى تحقيق عدة أهداف من بينها وقف الحرب وتمكين أجهزة الدولة من بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، والحفاظ على المسار الدستوري والديمقراطي، وإنهاء المراحل الانتقالية وتوحيد مؤسسات الدولة. مع ذلك لا يستبعد محللون أن يتفجر الوضع العسكري في أية لحظة، بالنظر للتحشيد العسكري المتواصل من الجانبين، في محيطي سرت والجفرة، وسط عجز الأمم المتحدة عن مراقبة شحنات الأسلحة المتدفقة على الفريقين.
وطبقا لتقرير شبكة “سي أن أن” حاصرت قوات موالية لحفتر ومجهزة بآليات روسية مصفحة مدينة سرت، وكان على متن المصفحات مرتزقة سوريون. ويبدو أن تصاعد التوتر بين الجانبين هو مقدمة لمفاوضات يستعد لها الطرفان الروس والأتراك بكل قوة، إذ أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، الخميس، أن المفاوضات مع تركيا في شأن الأزمة الليبية ستقام خلال هذا الشهر أو الشهر المقبل، مشيرة إلى تواصل موسكو “مع جميع الأطراف المعنية بالملف الليبي”.
وسيكون منطلق المفاوضات، بحسب زخاروفا، مُخرجات مؤتمر برلين وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بليبيا. إلا أن تركيا غير موافقة على مُخرجات برلين، فقد هاجم الرئيس إردوغان الدول المشاركة في مؤتمر برلين، مؤكداً أنها جميعها لم تفِ بالتزاماتها. وإذا صح انطلاق تلك المفاوضات قريبا، ستكون الدول العربية والأوروبية على السواء قد خرجت صفر اليدين تقريبا، في مقابل تجميع أوراق الحل بين أيدي الغريمين اللدودين روسيا وتركيا. وستكون موسكو على ما قالت زخاروفا، هي “المحطة القادمة للمفاوضات بين المؤسسات الروسية والتركية المعنية بالأزمة في ليبيا”، ما يعتبر تهميشا للدور الأوروبي.
فاتهم القطار
لهذا السبب حض الايطاليون، الذين لديهم مصالح كثيرة في ليبيا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على الدعوة إلى اجتماع استثنائيً لأعضاء الاتحاد السبعة والعشرين، يكون جدول أعماله مخصصا لبحث الوضع في منطقة شرق المتوسط. وإذا كان التعبير عن التضامن مع عضوي الاتحاد اليونان وقبرص ضد تركيا أمرا واردا ضمن قرارات الاجتماع، فإن مناقشة الملف الليبي ستكون مثار خلافات بعضها قديم (بين فرنسا وإيطاليا) وبعضها الآخر مُستجدٌ. وحتى لو اتفق جميع أعضاء الاتحاد على موقف موحد، وهو أمرٌ صعبُ التحقيق، فإن القطار الليبي يكون قد فاتهم.
“الجهيمي” يكشف تفاصيل المذكرة الموقعة اليوم مع الجانب التركي
قال وزير التخطيط المفوض بحكومة الوفاق الوطني “الطاهر الجهيمي” اليوم الخميس إن “اليوم هو يوم هام على صعيد التعاون المشترك بين ليبيا وتركيا، حيث تم فيه التوقيع على وثيقة المباديء الإرشادية التي تساعد الأطراف المتعاقدة في البلدين على استكمال الإجراءات وحل بعض الإشكاليات لاستئناف العمل على المشاريع التنموية في ليبيا”.
وأكد “الجهيمي” في كلمته، خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزيرة التجارة التركية والتي رصدتها صحيفة صدى الاقتصادية، على أن شركات المقاولات التركية ليست جديدة على ليبيا ومساهماتها في البلاد قد بدأت منذ عدة عقود ولها رصيد كبير في جملة المشروعات التي سبق تنفيذها في ليبيا، مضيفا أن حصة الشركات التركية في العقود التنموية القائمة في ليبيا تبلغ نحو 20% من حيث القيمة والعدد وهي بذلك تعتبر الحصة الأكبر بين شركات كل الدول الأخرى رغم أن ليبيا تعاقدت مع عدة دول لتغطية المشاريع التنموية في الفترة من 2008 إلى 2012.
وأشار إلى أن ليبيا مرت بظروف قاسية وصعبة خلال السنوات الماضية والتي مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن وترتب على ذلك توقف المشاريع خلال هذه الفترة منذ عام 2011، مؤكدا أنه ومنذ مجيء حكومة الوفاق والعمل قائم على إعداد برنامج تنموي واسع في ليبيا لمرحلة ما بعد الصراع، وتابع قائلا: “الآن نشعر بأنه هناك إمكانية لاستئناف العمل بهذه المشروعات واخترنا البداية بالشركات التركية، وبعد عدة اجتماعات مع وزارة التجارة التركية تمكنا اليوم من توقيع مذكرة القواعد الإرشادية اللازمة لاستئناف العمل بالمشروعات”.
وبحسب “الجهيمي” فقد تم تصنيف المشاريع مع الشركات التركية إلى ثلاثة أنواع؛ “مشاريع الأولوية والتي سنبدأ بها، والنوع الثاني هي المشاريع التي ستؤجل إلى مرحلة تالية، أما النوع الثالث فهي المشاريع التي يمكن أن تلغى أو تستبدل بمشاريع أخرى نظرا لطول الفترة وكونها مشاريع لم تبدأ بعد”.
وأوضح وزير التخطيط بحكومة الوفاق أن العدد الإجمالي للمشاريع يبلغ نحو 184 مشروعا، موزعة على مختلف القطاعات والتي تشمل البنية التحتية ومعظمها يقع في جملة الأولويات بالنسبة لليبيا في مجالات التعليم والصحة والخدمات الأساسية، مشيرا إلى أنه إذا أخذ في الاعتبار القيمة الإجمالية للعقود والتي تتجاوز 16 مليار دولار فإن معظم تلك المشاريع تعتبر من المشاريع المتوسطة والكبرى.
واختتم “الجهيمي” حديثه بالقول “إننا نعول على الشركات التركية في أن تكون شريكا فعالا وحقيقيا كما كانت في فترة ماضية، ليس في هذه المشاريع فحسب وإنما أيضا في المشاريع القادمة المتعلقة بإعادة الإعمار في ليبيا”.
ليبيا: المؤسسة الوطنية للنفط تحذر من كارثة كبيرة إذا تعرضت الصهاريج المخزنة للحرارة أو الاشتعال
ألقى انفجار مرفأ بيروت الضوء على مسألة تخزين المواد القابلة للاشتعال. ففي ليبيا، حذر السبت رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله من خطر حدوث كارثة في موانئ النفط الليبية لما بها من صهاريج ضخمة مخزنة منذ أشهر إذ حال الوجود العسكري وعمليات الإغلاق دون إخراج المخزونات في وقتها المحدد، خاصة بعد إيقاف الجيش الوطني الليبي لصادرات الطاقة منذ يناير/كانون الثاني.
نبه مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا السبت من مخاطر وقوع كارثة في موانئ النفط الليبية قائلا في رسالة مصورة “موانئ النفط مغلقة والتصدير متوقف، فإذا تعرضت خزانات النفط لأي مصدر حرارة أي مصدر اشتعال فستكون كارثة كبيرة جدا”.
وكانت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) قد أوقفت صادرات الطاقة منذ يناير/كانون الثاني لتوقف بذلك معظم الإنتاج وتؤدي لامتلاء صهاريج التخزين.
وقالت المؤسسة الوطنية للنفط بعد أحدث جولة من الحرب في يونيو/حزيران إن مرتزقة دخلوا حقول وموانئ النفط التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي.
وكانت الشركة، التي يقع مقرها في طرابلس غرب ليبيا حيث توجد الحكومة المعترف بها دوليا، قد قالت إن الإغلاق أدى إلى مشكلات تقنية في الحقول والموانئِ.
وشبه صنع الله، الذي تم بث شريطه المصور على الموقع الإلكتروني للمؤسسة الوطنية للنفط، خطر حدوث كارثة بالانفجار الذي وقع في ميناء بيروت يوم الثلاثاء.
ليبيا: مبادرة جزائرية في الأفق وجماعة “الغد” يستدعون الأمس
رشيد خشانة – باشرت الجزائر تحركات واتصالات تمهيدا لإطلاق مبادرة تُحقق تسوية سلمية للأزمة في ليبيا، وتقاطعت تلك الجهود مع الموقفين الروسي والأمريكي.
عاودت أمريكا الاهتمام بالأوضاع السياسية والعسكرية في ليبيا، منتقدة بلهجة شديدة التداخلات الخارجية في الصراع ومُعلنة، في الوقت نفسه، إجراءات عقابية في حق ثلاثة ليبيين ممن تشتبه بضلوعهم في عمليات نقل مهاجرين غير نظاميين نحو السواحل الأوروبية.
وفي انتقاد واضح للدول الماسكة بأوراق الملف الليبي، قالت السفارة الأمريكية لدى ليبيا إن واشنطن “تعارض بشدة التدخل العسكري الأجنبي، بما في ذلك استخدام المرتزقة والمتعهّدين العسكريين الخواص، من قبل جميع الأطراف، في إشارة غير مباشرة إلى مرتزقة شركة “فاغنر” الأمنية الروسية الخاصة. وحذر بيان السفارة، الذي أرسلت نسخة منه إلى “القدس العربي” القوى الأجنبية من “استغلال الصراع لإقامة وجود عسكري دائم والسيطرة على الموارد التي يمتلكها الشعب الليبي”. تزامنت معاودة الاهتمام الأمريكية هذه مع مكالمات أجراها الرئيس ترامب، في الأسابيع الأخيرة، مع عدد من قادة العالم، لم يُكشف عن هوياتهم، وكان محورُها الوضع في ليبيا، انطلاقا مما اعتبرته أمريكا “محاولات لتقويض مصالح الأمن الجماعي للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في منطقة البحر المتوسط”.
في السياق فرضت أمريكا الخميس الماضي، عقوبات مالية على شبكة تهريب للمهاجرين غير النظاميين، من بينهم ثلاثة أفراد ليبيين يعملون تحت غطاء شركة مسجلة في مالطا. واعتبرت السفارة الأمريكية أن ذلك الإجراء يُبرز أنّ الولايات المتحدة عازمة على اتخاذ إجراءات ملموسة “ضدّ أولئك الذين يقوّضون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا”. ورأى وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أن العقوبات التي أعلنت أمريكا عن فرضها على الليبيين الثلاثة “هي غيض من فيض سيضرب الفاسدين، الذين ساهموا في تقويض السلام ونشر الفوضى والانقسام” على حد قوله، مؤكدا أن الوزارة على تعاون وثيق مع الجهات الدولية المختصة بمكافحة الفساد.
ويمكن تلخيص الموقف الأمريكي الراهن من سُبُل الخروج من الأزمة الليبية في أربع خطوات تحظى بالأولوية، هي أولا تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من “استئناف عملها الحيوي بشفافية كاملة” وهو ما يقتضي إنهاء سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر على الحقول والموانئ النفطية، وثانيا إقامة منطقة منزوعة السلاح حول مدينة سرت وقاعدة الجفرة، وثالثا تشديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأطراف الليبية، أما الخطوة الرابعة فتتمثل في التوصل إلى صيغة نهائية لوقف إطلاق النار، بموجب محادثات اللجنة العسكرية 5+5 التي ترعاها الأمم المتحدة، والمنبثقة من مؤتمر برلين، وهي معطلة حاليا.
يتقاطع هذا الموقف الأمريكي مع الموقف الجزائري الذي يسعى إلى إطلاق مبادرة لحل الأزمة الليبية، بعدما يئس من فرص إعلان مبادرة ثلاثية مع مصر وتونس، بسبب تباعد المواقف مع القاهرة، خاصة في شأن تسليح القبائل الليبية في المنطقة الشرقية، وتهديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالتدخل العسكري المباشر في الصراع، دعما لقوات حفتر. ومن أهم الأوراق التي تملكها الجزائر علاقاتها المتينة مع أطراف النزاع الإقليمية والدولية، وخاصة تركيا وروسيا، بالإضافة لفرنسا والسعودية. على هذه الخلفية باشر المسؤولون الجزائريون، أخيرا اتصالات مكثفة مع موسكو وباريس وتونس، ركزوها، بحسب صحيفة “الخبر” الجزائرية، على محورين رئيسين هما أولا تجميد الوضع العسكري في جبهتي سرت والجفرة لأطول وقت ممكن، كي تتسنى العودة إلى مائدة التفاوض، وثانيا إفساح المجال أمام الأمم المتحدة كي تفرض حظرا صارما على إدخال السلاح ونقل المرتزقة إلى ليبيا، بعدما أثبتت الإجراءات الراهنة قلة نجاعتها. ويستدل الجزائريون على وجاهة اقتراحهم بأن منطلق الأزمة في ليبيا كان قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1970 الصادر في آذار/مارس 2011 والذي فرض حظرا على إدخال السلاح إلى ليبيا وجمَد سلاح الجو الليبي في الأرض، بناء على اتهامه باستهداف المتظاهرين السلميين.
دعوة إلى دور أكبر
في هذا الإطار هاتف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نظيريه التركي اردوغان والروسي بوتين، كما استقبل رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني وليامز، فيما عقد وزير الخارجية صبري بوقدوم اجتماعات منفصلة مع كل من الرئيس التونسي قيس سعيد في تونس ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، إلى جانب نظرائه المصري والليبي والموريتاني، بالإضافة لمكالمات مع وزراء آخرين من بينهم وزير خارجية الصين، التي حضها الجزائريون على لعب دور أكبر في تسوية الأزمة الليبية. وكان لافتا أن افتتاحية مجلة “الجيش” الناطقة باسم المؤسسة العسكرية في الجزائر، شددت في افتتاحية عددها الجديد على بقاء الجزائر “على مسافة واحدة من الطرفين المعنيين بالصراع الحالي في ليبيا، وحرصها على إيجاد حل سلمي يكون في مصلحة الشعب الليبي دون سواه”. وأكدت الافتتاحية أيضا أن الجزائر التي تشترك مع ليبيا في 1000 كلم من الحدود البرية، تحدوها قناعة راسخة بأن أي مكروه تتعرض له ليبيا سيمس الجزائر أيضا، مُنتقدة في هذا السياق فكرة تسليح القبائل، التي اعتبرتها “أخطر من الحرب بالوكالة لأنها ستحول البلد إلى صومال جديد”.
وتُلاقي الجهود الجزائرية تجاوبا من رئيسة البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني ويليامز، التي تسعى، في دورها، إلى تأمين هدنة جديدة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح وسط البلد، مع الفصل بين قوات حكومة الوفاق وقوات حفتر في محيط مدينة سرت، بالإضافة إلى إبعاد جميع المقاتلين الأجانب، بموجب جدول زمني متفق عليه، قبل مغادرة منصبها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وأفاد عضو في الفريق الدبلوماسي الجزائري، الذي يشتغل على الملف الليبي، أن الجزائر أنهت الشهر الماضي، المرحلة الأولى من تحركات ماراثونية في اتجاه العواصم الدولية المؤثرة في النزاع، من أجل وضع أرضية متينة، لم يكشف عن طبيعتها، تمهيدا لبدء مسار التسوية السياسية. واعتبر المصدر أن الشهور الثلاثة الأخيرة كانت انعطافا في تعاطي الجزائر مع الأزمة الليبية، إذ حركت خلالها علاقاتها مع العواصم المنسجمة مع رؤيتها للحل السياسي. ونقلت صحيفة “الخبر” عن مصدر رفيع المستوى في الخارجية الجزائرية أن لافروف وافق على المبدأ الذي طرحه بوقدوم والوفد المرافق له إلى موسكو، والقائل بأولوية دول الجوار الليبي في البحث عن تسوية سلمية للأزمة ووضعها حيز التنفيذ.
على الطرف الآخر من المشهد برزت بعض التشققات في جدار “الوفاق” مع التصريحات النارية التي أدلى بها نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، منتقدا “سلطة الفرد المطلقة” التي رأى أنها منبع الفساد و”السبب في اتخاذ قرارات أدت إلى تدني مستوى الخدمات الأساسية”. وحض الليبيين على التظاهر “للتعبير عن رأيهم بكل وضوح والمطالبة بفتح تحقيق في الأموال التي صُرفت وأوجه صرفها”.
حماية المتظاهرين
وطالب معيتيق، وهو أحد أعضاء المجلس الرئاسي التسعة، المنبثق من اتفاق الصخيرات (2015) وزير الداخلية، فتحي باشاغا، باتخاذ “الإجراءات اللازمة لحماية المتظاهرين، والحفاظ على الأمن العام”. وخلال السنوات الأخيرة لم يكن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ونائبه معيتيق على قلب رجل واحد، لكن الخلاف لم يخرج إلى العلن مثلما هو بعد البيان الذي نشره معيتيق على صفحته بموقع “فيسبوك”. وأنذر في البيان “جميع من تولوا مناصب في الدولة الليبية أن يكونوا جاهزين للمحاسبة وأنا أول الجاهزين” كما قال، متعهدا بعدم السكوت، والكشف عن كل من أفسد وعرض ملفاته أمام الليبيين.
وكان باشاغا أعلن في 28 تموز/يوليو الماضي، عن انطلاق التعاون مع مكتب النائب العام لمحاسبة مسؤولين كبارا في الدولة، لم يكشف عن أسمائهم. وقال “لا يمكن تحقيق الأمن في ظل غياب حقوق المواطن وخدمات الكهرباء والصحة والفساد المستشري في الدولة” مؤكدًا هو أيضا على “حق الشارع في الخروج والاحتجاج على الفساد وسوء الخدمات”. أكثر من ذلك، أشرف باشاغا على إطلاق تطبيقة على الهاتف الجوال، تحمل اسم “الداخلية موبايل” لتيسير التواصل بين المواطنين وأجهزة الوزارة. وصرح في تلك المناسبة بأن الدولة في ليبيا “تُستَغل وتُبتز بطرق ووسائل عدة، ولن نرضى بذلك، وسندفع الدماء لمحاربة هذه المحاولات وصيانة الدولة المدنية”.
ليبيا الغد… ليبيا الأمس
غير أن بعض المراقبين ربطوا بين تخريجة معيتيق وتواتر الحديث عن احتمال إجراء انتخابات عامة، في إطار الاتفاق على حل سياسي للأزمة. وليس معيتيق الوحيد الذي يستعد للأجندة الانتخابية، فمؤيدو سيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي (48 عاما) أعلنوا عن إطلاق “مسيرات تحشيد” اعتبارا من 20 الجاري، تحت عنوان “رشحناك، من أجل ليبيا اخترناك”. وتتمثل الحملة في “مسيرات شعبية” في جميع المدن للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وحضِ محكمة الجنايات الدولية على رفع القيود المفروضة على مرشحهم، المطلوب للعدالة الدولية منذ 2011. والظاهر أن أولئك المؤيدين لا يملكون من الخيال ما يساعد على ابتكار شعارات جديدة، إذ عادوا إلى شعار “يد بيد
من أجل ليبيا الغد” في استعادة لمشروع سيف الإسلام، المسمَى “ليبيا الغد” والذي استطاع أن يستقطب من خلاله بعض النخب على عهد والده، قبل أن يُقوض الأب لعبة الابن بجرة قلم في 2010. ولعل من الأدق، اليوم، تسمية هذه المبادرة “ليبيا الأمس” لأنها تستعيد تاريخا مضى… ولن يعود.
بيان صحفي حول زيارة السفير نورلاند إلى القاهرة
سافر السفير نورلاند اليوم إلى القاهرة، عقب المناقشات الأخيرة حول ليبيا بين الرئيس ترامب والرئيس السيسي وكذلك بين وزير الخارجية بومبيو ووزير الخارجية شكري، للتشاور مع كبار المسؤولين المصريين حول خطوات تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتحقيق انسحاب كامل للقوات الأجنبية والمرتزقة، ودعم الحوار السياسي الذي تيسره الأمم المتحدة. ورحّب السفير نورلاند مع شركائنا المصريين بالزخم الناتج عن إعلان القاهرة في 6 يونيو وشدّد على دعم الولايات المتحدة لجميع القادة الليبيين الذين يتحلّون بروح المسؤولية والساعين إلى حلّ سلمي للصراع من شأنه أن يعيد ليبيا سيادتها ويعزّز الإصلاحات الاقتصادية ويمنع المزيد من التصعيد الخارجي. كما التقى السفير برئيس مجلس النواب عقيلة صالح للتعرّف على جهود مجلس النواب للترويج لحلّ منزوع السلاح في سرت والجفرة، وتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي مع ضمان إدارة عائدات النفط والغاز بشفافية، وتحسين الحوكمة بما يؤدّي إلى انتخابات موثوقة وسلمية. وأعرب السفير نورلاند عن دعمه لتطلعات رئيس مجلس النواب وتطلعات جميع العناصر الليبية المسؤولة، لحلّ ليبي لإنهاء الصراع وضمان مستقبل مستقر و مزدهر للشعب الليبي۔
حسين سالم مرجين: انقطاع الكهرباء في العاصمة الليبية طرابلس وظاهرة الإغفال المهذب
وجه لي صديق منذ فترة سؤالاً وهو: ألا يستحق أن يكون انقطاع الكهرباء ظاهرة جديرة بالبحث والتشخيص، والتحليل، خاصة في ظل استمرار انقطاعه لساعات، وأحيانًا أخرى لأيام في بعض أحياء طرابلس؟.
ولهذا سوف أحرص في الصفحات القادمة على استخلاص وجهة نظري عن هذه الظاهرة، والمتبوعة ببعض التحليلات الخاصة.
بادئ ذي بدء أعتقد بأن موضوع انقطاع الكهرباء في أحياء طرابلس جعل جل أفراد المجتمع عاجزين عن التفكير، وأحيانا أخرى عن الاستفسار، وفي أحايين كثيرة حتى عن الكلام، بالتالي لن تجد في أحياء طرابلس حاليًا أي صرخات، أو شتائم، أو مسبات مثلما كانت تتقادح سابقًا كالشرر بسبب انقطاع الكهرباء.
وأكاد أجزم بأنه لا أحد في ليبيا يعرف حجم ومأساة انقطاع الكهرباء أكثر من سكان أحياء طرابلس، مثل أحياء حي الاندلس، وغوط الشعال، والسراج، والظهرة، ووسط المدنية، وقرجي، والمنصورة، وباب بن غشير، وعين زارة، ووادي الربيع، فهذه الأحياء تحملت ساعات أحمال الكهرباء عن أحياء ومناطق ومدن الغرب الليبي برمته، والسبب ربما يعود إلى كون هذه الأحياء لا تمتلك ذات المتضخمة الموجودة والمتأصلة في تلك المناطق والمدن، والتي ترى بأنها غير معنية بأي توزيع للأحمال.
ولكن السؤال البارز الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا العجز عن التفكير أو الاستفسار أو الكلام؟
أعتقد بأن أفراد المجتمع في مدينة طرابلس أصبحوا يمارسون حاليًا ما يُسميه عالم الاجتماع البريطاني “أنتوني جدنز” “بالإغفال المهذب” اتجاه مسألة أو ظاهرة استمرار انقطاع الكهرباء، ومن ثم أصبحوا لا يتوقعون من الحكومة غير هذا السلوك أو هذا التصرف؛ وهو استمرارها بالقيام بقطع الكهرباء دون الحاجة إلى معرفة التبريرات، وهذا لا يعني أن أفراد المجتمع غير مدركين لفشل الحكومة في معالجة ذلك الانقطاع، أو كونه وسيلة للإفلات من العقوبات أيا كانت، لكن هذا “الإغفال المهذب” ربما يعني الاعتياد على مثل هذه الممارسات والتصرفات من الحكومة، وفي هذا السياق يُلاحظ بروز شعور قد يبدو غريباً وهو الشعور المجتمعي بعدم قدرة الحكومة على معالجة هذا الانقطاع.
ومن ثم فلا غرابة في اعتقاد بعض أفراد المجتمع بأنه لا أهمية للتفكير أو الاستفسار أو الكلام عن مسألة انقطاع الكهرباء في طرابلس، وكأن لسان حالهم يقول “الحياة امتحان، الصبر دواء، والرضى شفاء”
وربما تشكل مسألة أو ظاهرة – انقطاع الكهرباء- لباحث مثلي ظاهرة بحاجة إلى البحث والاستقصاء، بالتالي ربما أراد ذلك الصديق أن يقول لي ” أرجوك ألا تمارس مثلنا الإغفال المهذب اتجاه استمرار هذه الظاهرة”، بالرغم من كون المعايشة والمشاهدة هي أعمق من أي كتابة.
إن النظرة العميقة لظاهرة انقطاع الكهرباء تكشف لنا بأن طرابلس في ظل انقطاع الكهرباء تكاد تكون سجناً كبيراً مضغوطاً، حيث يستمر انقطاع الكهرباء إلى أكثر من 20 ساعة يوميًا، فالظلام في كثير من الأحايين هو سيد كل شيء في أحياء طرابلس.
وعلى هذا الأساس فإن الحكومة قد تقوم بتغيير أوقات انقطاع الكهرباء دون الحاجة إلى قيامها بإعلام أفراد المجتمع عن تلك التغييرات، فتارة تكون خمس ساعات انقطاع للكهرباء، ويقابلها بعد ذلك خمس ساعات استمرارًا للكهرباء، وتارة أخرى تزداد ساعات الانقطاع دون أن يقابلها استمرار للكهرباء، ولا أحد من أفراد المجتمع يبقى على حاله ما بين لحظتين؛ سواء في لحظة الانقطاع، أو لحظة الاستمرار، وكأن الحكومة أرات أن تقول لأفراد المجتمع ” لقد هيأت لكم ظروف التغيير، فلن يعد الخوف يجد إلى أنفسكم سبيلا مع استمرار حالات انقطاع الكهرباء كما كان سابقًا “.
ومن خلال مشاهدتي ومعايشتي للحياة اليومية لانقطاع الكهرباء في طرابلس، تجد مثلاً أن أوقات النوم والسهر أصبحت تتغير لدى الكثير من أفراد المجتمع نتيجة لتغيير ساعات انقطاع أو استمرار الكهرباء، كما تجد أحيانًا كثيرة ربات البيوت يتسابقن مع الزمن من أجل إتمام عمليات الترتيب والتنظيف داخل بيوتهن قبل انقطاع الكهرباء، ودون النظر إلى التوقيت صباحًا أم مساءً، كما أدى انقطاع الكهرباء المستمر داخل البيوت إلى فساد الأطعمة المحفوظة في الثلاجات، وكذلك فساد الأطعمة والخضروات واللحوم في الأسواق، كما أدى انقطاع وعودة الكهرباء في بعض الحالات إلى تلف بعض الأجهزة الكهربائية، وكذلك الأمر بالنسبة لساعات العمل أصبحت مرتبطة إلى حد كبير في جل المؤسسات الحكومية مع استمرار الكهرباء، فمجرد انقطاع الكهرباء تجد جل الموظفين في حالات تأهب للخروج من مؤسساتهم، وكأن ذلك الانقطاع يقول لأولئك الموظفين” لقد هيأت لكم ظروف الخروج من العمل”.
وفي ظل هذه الوقائع تبرز على سطح المجتمع بعض المفارقات، سواء على مستوى الأفعال أم السلوكيات الصادرة عن أفراد المجتمع، والتي قد تبدو غريبة أو غير معتادة؛ إلا أن هدفها حسب اعتقادي هو السعي الحثيث إلى إعادة التكيف مع واقع انقطاع الكهرباء، من خلال تكرار تلك الأفعال والممارسات، وفي هذا السياق حدثني صديق بأنه بعدما تعوّد هو وأفراد أسرته على انقطاع الكهرباء لما يقارب عن 20 ساعة بشكل يومي، جاءت الكهرباء مرة في غير توقيتها، فما كان من ذلك الصديق إلا أن طلب من أبنائه قطع الكهرباء فورًا لأنهم لم يتعودوا على وجودها في مثل هذا التوقيت!.
قد تبدو هذه القصة في ظاهرها دعابة مضحكة، لكنها تحمل قي مضمونها السعي المجتمعي نحو التكيف مع وقائع استمرار انقطاع الكهرباء، وربما أيضًا عدم الحاجة إليها مستقبلا، وهذا يعني محاولة بعض أفراد المجتمع إقناع أنفسهم بأن هذا الواقع – وهو انقطاع الكهرباء – سيصبح جزءًا منهم، وسوف يرافقهم في أي موضع، ومن ثم يتطلب مرانا من نوع مختلف ودُربة تتجاوز المألوف.
هكذا تسير الوقائع والأحداث في أحياء طرابلس مع استمرار حالات انقطاع الكهرباء والتي أجزم بأنها ليست معزولة إطلاقا عن المساقات والتجاذبات والصراعات الحاصلة في ليبيا منذ 2014م، وعمومًا الكلمات قد تؤلم باحثاً إن ظلت محبوسة، كما أن المشاعر قد تخنقه إن ظلت دفينة، وأعتقد بأن أقلام البحاث سوف تفيض علينا مع قادم الأيام بالمزيد من الكشف وتشخيص عن تلك الوقائع والحوادث؛ لتكون عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن سبر الحياة ونظر، واختم هذه المقالة بأنه ” لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا”.
سباق التسلح في شمال أفريقيا: الصاروخ قبل الرغيف
رشيد خشانة – استأثرت البلدان العربية في شمال أفريقيا بأكبر صفقات السلاح في القارة، طيلة السنوات الأخيرة، متقدمة على باقي دول القارة الأفريقية. وتُظهر إحصاءات رسمية أن سباق التسلح يقضم من موازنات التنمية، إذ كلما ارتفعت النفقات العسكرية تراجع الانفاق على المشاريع الاجتماعية وزاد الفقر انتشارا. وعلى سبيل المثال تستأثر الموازنة العسكرية في الجزائر بـ25 في المئة من الحجم الاجمالي لموازنة الدولة، متقدمة على الموازنات المخصصة للتعليم والصحة والتشغيل، وهو اختلال ظهرت نتائجه في المطالب الاجتماعية، التي رفعها المنتفضون في الحراك الواسع، الذي عرفته البلاد في أواخر عهد الرئيس بوتفليقة وبعده.
الرتبة الثالثة عالميا
واتفقت الجزائر وروسيا أخيرا على صفقة لشراء 18 طائرة حربية من طراز “سوخوي 35”. وتعزو أوساط جزائرية مسؤولة هذه الصفقة إلى ضرورة تعويض الطائرات الاعتراضية ميغ 25 القديمة، التي انتهى عمرها الافتراضي، والتي من المقرر أن تُسحب من الخدمة مع أواخر العام الجاري. وبحسب رئيس مجموعة التصنيع العسكري الروسية “روسوبورون إكسبورت” تأتي الجزائر في الرتبة الثالثة عالميا بين زبائن “سوخوي 35” التي تُعتبر فخر الصناعة الحربية الجوية الروسية، إذ أنها مُتعددة الوظائف، وقادرة على حمل ثمانية أطنان من الأسلحة، ومُجهزة برادار متطور. وباشر الجزائريون تجريب هذا الطراز من الطائرات منذ عشر سنوات لدى شرائهم الدفعة الأولى من “سوخوي 34”. وتُصنف الجزائر اليوم بوصفها القوة العسكرية الرابعة في أفريقيا من حيث عدد أفراد القوات المسلحة، وتتقدم عليها كل من مصر وإريتريا والمغرب. أما من حيث الاعتمادات المخصصة للدفاع فتحل الجزائر في الرتبة الأولى بحوالي 6 مليار دولار (5 في المئة من المنتوج الوطني الخام).
وبرز سباق التسلح الإقليمي بإقدام المغرب قبل بضع سنوات على إبرام صفقة اشترى بموجبها من الولايات المتحدة 24 مقاتلة من طراز أف 16 و60 دبابة وثلاث مروحيات قتالية و24 طائرة تدريب، بالإضافة لتحديث 200 دبابة من طراز “أبرامس”. وصنف “معهد البحث الإستراتيجي الدولي” في بروكسل الجيش المغربي في الرتبة الثالثة أفريقيا، بالاعتماد على مقياسي التسلح والتجهيز، مُتقدما على كل من ليبيا وجنوب أفريقيا. واعتبر تقرير المعهد، الذي صنّف أقوى 50 جيشا في العالم، القوات المسلحة الملكية المغربية ثالث أكبر جيوش القارة الأفريقية بعد الجيشين المصري والجزائري.
ارتفاع ملحوظ في النفقات
ويملك المغرب أكثر من 100 طائرة حربية و24 مروحية هجومية ويصل قوام الجيش المغربي، بحسب مؤسسة “فوركيست” الدولية، المختصة في الشؤون العسكرية والدفاع، إلى 250 ألف جندي، 175 ألفا منهم في القوات البرية موزعين بين منطقتين عسكريتين كبيرتين: الشمالية التي يوجد مقرها في الرباط، ومهمتها الدفاع عن الحدود المشتركة مع الجزائر والمحافظة على الأمن الداخلي، والمنطقة الجنوبية ومقرها مدينة أغادير، القريبة من الصحراء الغربية، وهما منطقتا التوتر الرئيستين في المنظور الدفاعي المغربي. وعلى هذه الخلفية أبصرت الموازنة العسكرية المغربية ارتفاعا ملحوظا اعتبارا من 2009. إذ أنفق المغاربة أكثر من مليارين وثلاث مئة مليون دولار على صفقات الأسلحة خلال ذلك العام. وعزا المغاربة ذلك الارتفاع إلى مباشرة تطبيق خطة خمسية لتحديث قواتهم، والتي كلفت موازنة الدولة نفقات كبيرة.
ومنذ أربع سنوات طلب المغرب من مجموعة “هاريس كورب” تجهيز طائراته من طراز “أف16” بنظام متطور يمكن استخدامه في حرب إلكترونية. كما أجرى المغاربة أيضا مفاوضات مع روسيا في العام 2016 لشراء غواصة من الجيل الرابع من طراز “أمور 1650” تستغل بطاقة مزدوجة تجمع بين الديزل والطاقة الكهربائية، بالإضافة لمطاردات من طراز سوخوي 34. وأفادت أخيرا صحيفة “المساء” المغربية أن تسليم الغواصة سيتم قبل نهاية العام الجاري، ما سيعزز من قدرات البحرية الملكية المغربية بشكل نوعي، خاصة أنها قادرة على حمل صواريخ من طراز “كروز”. وهي تستطيع البقاء عائمة في البحر في استقلالية كاملة، على مدى ثلاثين يوما، ما يسمح لها بمراقبة الملاحة البحرية في جبل طارق، وهو ما أثار مخاوف لدى الإسبان. أما الجزائر فاشترت من روسيا غواصتين روسيتين قديمتين من طراز “كيلو” في العام 2011، وهي تتوقع تسلم غواصتين حديثتين توجدان حاليا قيد البناء في روسيا.
خطة لتنويع الزبائن
ويمكن القول إن نجاح الروس في الدخول إلى سوق السلاح المغربية شكل خطوة نوعية لتنويع الزبائن، لا سيما في ظل الصراع المستمر بين الجارين اللدودين الجزائر والمغرب. بهذا المعنى أتت الصفقة مع الرباط تماديا في المنافسة الشديدة بين أبرز قوتين عسكريتين في شمال أفريقيا، اللتين تسعى كلٌ منهما إلى ترجيح كفة الميزان العسكري في المنطقة لصالحه، وتحقيق التفوق على الجار. ويندرج هذا السباق في سياق الصراع الذي يدور محوره حول الصحراء الغربية منذ العام 1974. وتتبوأ الجزائر الرتبة الثانية في أفريقيا والثالثة والعشرين في العالم من حيث التسلح وعدد الطائرات الحربية والقوة البحرية، بحسب الموقع الأمريكي المتخصص بشؤون الدفاع “غلوبل فاير باور” . أما المغرب فحلَ في الرتبة 55 من لائحة الموقع المذكور.
يلحظُ المتابع لسباق التسلح الإقليمي، والذي كانت ليبيا القذافي أيضا جزءا منه قبل 2011 تزايدا مضطردا في النفقات العسكرية، مثلما أسلفنا، فمنذ سنة 2013 حدث انعطاف في نفقات التسلح الجزائرية إذ بلغت 13 مليار دولار، وهي تقدر حاليا بأكثر من 5 في المئة من الناتج الوطني الخام. وفيما انتقد بعض الجزائريين استمرار الإنفاق العسكري الكبير حتى بعد إطلاق الجزائر خطة تقشفية، في أعقاب أزمة 2014 الاقتصادية، وفي ظل تراجع إيرادات البلد من النفط والغاز، دافع آخرون عن هذا الخيار، مستدلين بوجود تحديات إقليمية كبيرة، بينها الصراع المسلح في ليبيا وتداعياته على المناطق الحدودية، والحرب التي تشنها قوات فرنسية على الجماعات المسلحة في النيجر ومالي، البلدان المحاذيان للجنوب الجزائري، ومن بينها أيضا بقايا العناصر المسلحة التي ما زالت تتحرك في المناطق الجبلية الشرقية، وإن تراجع خطرُها على أمن البلد، بعد الضربات التي تلقتها في السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن أنصار تحديث المؤسسة العسكرية أكثر عددا من المنتقدين، بالنظر لحجم التحديات الأمنية الراهنة التي تواجهها الجزائر على مدى 7000 كيلومتر من الحدود المشتركة مع سبعة بلدان مجاورة، ما يستدعي وجود جيش قوي لمراقبتها. لكن من المتوقع أن يتراجع حجم الانفاق العسكري في السنوات المقبلة بعدما تستكمل الجزائر تجديد الأسطول الحربي الجوي وتحديث باقي القطاعات العسكرية.
الجيش الأقوى؟
مع ذلك أكد الرئيس عبد المجيد تبون لدى الزيارة التي أداها لوزارة الدفاع يوم 28 كانون الثاني/يناير الماضي، (وهو في الوقت نفسه وزير الدفاع) ضرورة تطوير قدرات الجيش، بالنظر لشساعة البلد، في ظل التحديات الأمنية المستجدة في دول الجوار السبع، والتي “تستدعي تعزيز القدرات الدفاعية، كلما زاد تدفق السلاح على مناطق التوتر المحيطة بحدودنا” بحسب ما قال. وشدد في الآن نفسه على أهمية تنويع مصادر السلاح “بُغية المحافظة على جاهزية العتاد العسكري وتجديده وتحديثه، من أجل تأمين المنشآت الصناعية والاقتصادية الحيوية”. كما أبرز ضرورة تأمين الحدود “بعتاد وتجهيزات متطورة، خاصة في مجال الاستطلاع والحرب الإلكترونية، بما يضمن الكشف المبكر عن أي تهديد أيا كان نوعه ومصدره”.
بالإضافة إلى القوتين العسكريتين المغاربيتين الجزائر والمغرب، تستأثر مصر بقسم مهم من صفقات السلاح الأفريقية. وبحسب مصادر روسية اشترت مصر من روسيا مقاتلات متطورة من طراز سوخوي “سو-35”. وأكدت الصفقة مصادر أمريكية أيضا، لكن واشنطن انتقدتها، مُعتبرة أنها “تمنح الجيش المصري تفوقا جويا في الإقليم” على ما قال موقع “روسيا اليوم” الرسمي. ويتساءل المصريون “لماذا تُحرم علينا واشنطن اقتناء طائرات حربية متطورة من روسيا بينما هي ترفض تزويدنا بالطائرات المقاتلة “أف 35″ التي زودت بها إسرائيل؟”
وصول السرب الأول
وأفاد موقع “توب وار ” (Top War) المتخصص بالشؤون العسكرية، يوم 27 الشهر الماضي أن مصر تسلمت السرب الأول من هذه الطائرات، بعدما أقلع من مصانع “كومسومولسك” واتجه إلى الجزء الأوروبي من روسيا في طريقه إلى مصر. وكان مسؤولون في وزارة الدفاع المصرية وقعوا في 18 آذار/مارس من العام الماضي على صفقة تخص شراء 24 مقاتلة متطورة من طراز “سو-35” بقيمة 2 ملياري دولار، مع التجهيزات التابعة لها. واعتبر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري الجنرال حمدي بخيت أن الطائرات الجديدة ستعزز سلاح الدفاع الجوي المصري، الذي يشتمل على طائرات متطورة من طرازات “ميغ 29″ و”رافال” و”أف 16″ فيما هدد كل من وزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين مايك بومبيو ومارك أسبر بفرض عقوبات على مصر إن هي تمسكت بالصفقة مع موسكو. وأكدا أن تلك الخطوة ستُضر في المستقبل بالاتفاقات الدفاعية المبرمة بين واشنطن والقاهرة.
صفقات ضخمة مع القذافي
انخرطت ليبيا في وقت مبكر في هذا السباق نحو التسلح اعتبارا من سبعينات القرن الماضي، على حساب خطط التنمية. وشكل ذلك السلاح وقودا للحرب الأهلية التي يكتوي أبناء البلد بنارها منذ 2014. واستفاد القذافي من ثمار الطفرة النفطية وتحسُن علاقاته مع الدول الكبرى بعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا، لكي يُجدد ترسانته المؤلفة أساسا من أسلحة روسية الصنع، ويُحافظ على مسافة مهمة من التفوق العسكري على الجيران، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، التي كان يعتبرها المجال الحيوي لنفوذه الإقليمي.
وعلى الرغم من العلاقات المتينة بين روسيا وليبيا القذافي، أبرمت طرابلس صفقات كبرى مع فرنسا، كانت أولاها في أواسط سبعينيات القرن الماضي للحصول على طائرات حربية من طراز “ميراج”. وتكررت الصفقات الضخمة بعد نهاية العقوبات الدولية التي أخضعت لها ليبيا في القرن الماضي. في هذا الإطار أبرمت باريس وطرابلس بمناسبة زيارة العقيد القذافي لفرنسا في 2008 عقودا عسكرية قُدرت قيمتها بـ4.5 مليار دولار. وتضمنت قائمة المشتريات 14 طائرة عسكرية من طراز “رافال” و35 مروحية و6 طرادات سريعة وسفينتين عسكريتين وبطاريات صواريخ و150 آلية مصفحة، لكن تلك العقود كانت ما تزال قيد الانجاز لدى الإطاحة بالقذافي في 2011.
وأبرم النظام السابق عقودا أخرى أيضا مع روسيا، في إطار الخطة الليبية للتسلح، على إثر رفع العقوبات الدولية عنه. وشملت العقود عشرين طائرة حربية من طرازي “سوخوي 34″ و”ياك” المخصصة للتدريب. وكان الليبيون اشتروا أسلحة روسية بقيمة فاقت ملياري دولار خلال زيارة القذافي لموسكو في 2008. وأفادت وكالة “إنتر فاكس” في حينه أن ليبيا أبدت اهتماما بشراء أنظمة صواريخ أرض/جو من طراز “أس 300” و “تي أو آر أم 1″ و”باك” إلى جانب عدد من الطائرات المقاتلة والعشرات من المروحيات ونحو 50 دبابة. واتفقت روسيا مع ليبيا أيضا على عقود لتطوير الأسلحة الليبية التي تعود لأيام الحقبة السوفييتية. وسهل الجانب الروسي إبرام تلك الصفقات بإقدامه على شطب الديون المستحقة على طرابلس، مقابل شراء الأسلحة الجديدة.
انتفاضة قوضت المسار
في الوقت نفسه كانت باريس تتفاوض مع ليبيا على صفقة لتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف1 كانت اشترتها منها قبل فرض الحظر على تصدير الأسلحة إليها. وتعهدت شركتا “أستراك” و”داسو للطيران” الفرنسيتان بمتابعة المفاوضات الفنية لتحديد سعر كلفة التحديث، غير أن انتفاضة 2011 قوضت تلك المفاوضات.
وفي خط مواز لوحظ أن البلدين الأقل إنفاقا على التسلح في شمال أفريقيا، وهما تونس وموريتانيا، زادا من النفقات المخصصة للقوات المسلحة في السنوات الأخيرة بشكل لافت، لكن ليس بسبب وجود خلافات مع الجيران، وإنما جراء تنامي خطر الجماعات الإرهابية التي نفذت عمليات دموية في البلدين.
صواريخ بدل الرغيف
في المُحصلة يبدو السباق نحو التسلح في مثابة كرة حديدية في ساقي كل بلد مغاربي، تُعطل تقدُمهُ نحو تنفيذ مشاريع اجتماعية، وبخاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتُؤخر إيجاد فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب المتخرجين من الجامعات والعاطلين عن العمل. ويمكن أن نحتسب كم من فرصة عمل أهدرت بسبب شراء صاروخ أمريكي واحد جو جو من طراز أمرام 120 amraam والذي كان سعره لا يقلُ عن 400 ألف دولار في حينه، أو الصاروخ المضاد للرادارات من طراز “إي جي أم- 88 هارم” AGM-88 HARM والذي لا يقلُ سعر الواحد منه عن 300 ألف دولار (وهي الصواريخ التي تزوَد بها المغرب على سبيل المثال) لكي نُدرك أن هذا السباق في مثابة بئر بلا قاع. وتنطبق الكلفة الاجتماعية الباهظة للتسلح كذلك على البلدين اللذين يملكان إيرادات كبيرة من النفط والغاز، الجزائر وليبيا، ولكن أيضا على البلدين الأصغرين من حيث الانفاق العسكري، وهما تونس وموريتانيا، اللذين نقلا قسما من اعتمادات الموازنة من المجالات الاجتماعية إلى المجال الدفاعي.
الجيش الليبي: طائرتا شحن روسيتان تحطان بمدينة سرت
أعلن الجيش الليبي، الأحد، رصد طائرتي شحن روسيتين هبطتا بمدينة سرت (شمال)، والتي تقع تحت سيطرة مليشيا الانقلابي، خليفة حفتر.
وقال الناطق باسم غرفة عمليات تحرير “سرت الجفرة” التابعة للجيش الليبي، العميد عبد الهادي دراه، بأن قواتهم رصدت السبت هبوط طائرتي شحن عسكرية روسية بقاعدة القرضابية.
وأضاف دراه أن “حمولة الطائرتين غير معروفة، لكن يرجح أن تكون عتادا عسكريا”، لافتا إلى أنه سبق رصد طائرات تحمل عتادا عسكريا أكثر من مرة.
ولا يزال الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية يواصل حشد مزيد من القوات في جبهة سرت، من مختلف المدن والمناطق، استعدادا لبدء عملية تحرير المنطقة. وشنت مليشيا الانقلابي حفتر، بدعم من دول عربية وأوروبية، عدوانا على طرابلس في 4 أبريل/ نيسان 2019، أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب دمار واسع، قبل أن يتكبد خسائر واسعة، وسط دعوات عديدة، حاليا للحوار والحل السياسي للأزمة المتفاقمة منذ سنوات.
بالمقابل، يواصل الجيش الليبي حشد أعداد كبيرة من قواته منذ نحو 7 أسابيع، استعدادا لمواصلة حسم المعارك عسكريا في حال فشلت الجهود الدولية في إيجاد حل سلمي يجنب البلاد مزيدا من الدمار.
ليبيا: حرب؟ لا حربٌ؟ تسخينٌ من الجانبين
رشيد خشانة – تسارعت في الأيام الأخيرة الزيارات واللقاءات المغاربية، المتعلقة بالأزمة الليبية، فيما موازين القوى على الأرض مُقبلة على تغيير كبير إذا ما نصبت تركيا صواريخ “إس 400” في ليبيا.
وكان المغاربة استضافوا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في محاولة للبحث عن قواسم مشتركة يمكن البناء عليها. ولئن لم ينجحوا في جمع الطرفين حول مائدة واحدة، فإنهم حققوا تقدما في بلورة بعض النقاط التي قد تساهم في تعديل اتفاق الصخيرات، حسب مصادر مغربية عليمة، من دون إيضاحات. ووقّع طرفا النزاع الليبي، في كانون الأول/ديسمبر 2015 اتفاقا سياسيا بمدينة الصخيرات المغربية، نتج عنه تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة. لكن حفتر سعى طيلة سنوات إلى تعطيل الاتفاق وإسقاطه.
وفيما اعتبر المشري أن اتفاق الصخيرات هو المرجعية والأساس لأي حل سياسي في ليبيا، ما زال الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ورئيس البرلمان الموالي له عقيلة صالح يعتبران أن الاتفاق تجاوزته الأحداث. وأكد المشري، عقب لقاء مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن جميع المبادرات التي يمكن أن تطرح لتفعيل الاتفاق السياسي، أو تطويره بما لا يتعارض مع آليات عمله، هي أمور مقبولة” في المقابل طرح صالح على المسؤولين المغاربة “مبادرته” السياسية، التي لم تحظ حتى الآن بدعم بلدان وازنة في الملف الليبي، عدا مصر. وأفادت مصادر مغربية أن المحادثات تركزت على صيغ تطوير “مبادرة” عقيلة صالح، ما يعني استبعاد الجنرال حفتر من الحل السياسي، بوصفه يتحمل المسؤولية عن حرب طرابلس”، التي استمرت 14 شهرا، وتسببت بخسائر بشرية ومادية لا تُحصى. غير أن بوريطة أكد أنه “ليست لدى المغرب أية مبادرة للشأن الليبي”، وأنه “ضد تعدد المبادرات”.
دعم أمريكي
مع ذلك يحظى التحرك المغربي بدعم خارجي قوي، إذ أكد مستشار رئيس حكومة الوفاق للعلاقات الأمريكية محمد الضراط وجود مبادرة مغربية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ما يعني أن دعوة المشري وصالح لعقد اجتماعات تشاورية في الرباط، بشأن إطلاق حوار سياسي، تندرج في إطار تطوير اتفاق الصخيرات ومخرجات اجتماع برلين، مطلع العام الجاري. وتنبغي الاشارة هنا إلى أن الأطراف متفقة على أن أية مبادرة “خارج الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي ومخرجات اجتماع برلين لن يتم التعامل معها بجدية”. ومن العناصر التي تُضعف “مبادرة” صالح أن مجلس النواب الذي يرأسه، ومقره في طبرق (شرق) لم يجتمع منذ أكثر من سنة، بينما تجتمع مجموعة من النواب في العاصمة طرابلس وهم في صراع مع رئاسة المجلس.
تزامنت الحركة الدبلوماسية المغربية مع جهود بذلتها الجزائر في الفترة الأخيرة لإقناع الفرقاء الليبيين بالجلوس مجددا إلى مائدة الحوار، تحت راية الأمم المتحدة، بُغية الوصول إلى حل سياسي للصراع. على أن يكون الحوار تحديدا بين مجلس نواب طبرق برئاسة عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري. لكن من الواضح أن الجهود الجزائرية والمغربية والتونسية، التي لم ترتق إلى مستوى المبادرة المُتبلورة، ما زالت ضعيفة وبعيدة عن تحقيق الاختراق المطلوب.
لا وجود لخريطة طريق
في هذا الإطار عزز الجزائريون التنسيق مع روسيا، وطار وزير الخارجية صبري بوقدوم إلى موسكو لبحث تداعيات الملف الليبي مع نظيره سيرغي لافروف. وشدد الأخير على التزام روسيا والجزائر بتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، التي أقرها مجلس الأمن الدولي، انطلاقا من إيمانهما بأن “لا حل عسكريا في ليبيا، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي” على ما قال لافروف. مع ذلك حرص على أن يوضح في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره الجزائري، أنه “ليست هناك خارطة طريق ثنائية روسية جزائرية مخصصة للازمة الليبية”. قبل ذلك بيومين كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستقبل ستيفاني وليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، في إطار محاولة إحياء المسار التفاوضي بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، انطلاقا من أن الاتفاق السياسي “هو أساس الحل، الذي لا يمكن أن يكون إلا سياسيا”. وفي السياق تسعى الأطراف إلى تجديد عمل اللجنة المشتركة خمسة زائد خمسة، المنبثقة من مؤتمر برلين، لإعداد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بمشاركة ممثلين عن جميع المناطق الليبية.
عودة أمريكية
في خضم المشاورات واللقاءات لحلحلة الأزمة، تعود أمريكا إلى المنطقة المغاربية على أطراف الأصابع. وعززت عودتها الخفرة إلى الأزمة الليبية بخطوتين الأولى دبلوماسية والثانية تشريعية، إذ زار القائم بالأعمال الأمريكي جوشوا هاريس مصراتة، في حركة نادرة، حيث اجتمع مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق ووزير الداخلية فتحي باشاغا. وركز هاريس على “ضرورة إحباط التصعيد العسكري في سرت والجفرة ومعاودة فتح قطاع الطاقة في ليبيا” بحسب ما جاء في بيان صحافي للسفارة الأمريكية لدى ليبيا أرسلت نسخة منه لـ”القدس العربي”. وهذا دليل على ورود معلومات موثوقة إلى الأمريكيين مفادها أن هناك مجابهة عسكرية وشيكة بين الفريقين المتصارعين في سرت والجفرة.
من هنا يمكن أن يُفهم تشديد رئيس حكومة الوفاق فائز السراج على أن تحقيق تقدم في أعمال اللجنة العسكرية المنبثقة من مؤتمر برلين، المعروفة بلجنة 5 زائد 5، هو المعيار الوحيد لمدى نجاح أو فشل المسارين الأخريين (الاقتصادي والسياسي). واللافت أن السراج اجتمع مع الضباط المشاركين في لجنة 5 زائد 5 العسكرية، وأكد لهم ضرورة أن تضمن الترتيبات الأمنية المرتبطة بوقف إطلاق النار، عدم تعريض المدن والمواقع الحيوية لأي تهديد مستقبلا” واعتبر إن المسار العسكري “هو المحك، فعلى ضوء نتائجه يتحرك أو يقف المساران الآخران”.
تشديد الحظر على الأسلحة
أما الخطوة الثانية فتمثلت في إقرار مجلس النواب الأمريكي، الخميس الماضي، إدخال 13 تعديلا على مشروع قانون “دعم الاستقرار في ليبيا”. ورمت التعديلات إلى تكريس الحل السلمي للأزمة الراهنة، ودعم القرارات الأممية التي تخص فرض حظر على توريد الأسلحة إليها، إضافة إلى دعم سيادة ليبيا ووحدتها الوطنية. كما شملت التعديلات إقرار حل سلمي للصراع من خلال عملية سياسية، ومعاقبة الأشخاص والكيانات التي تخرق تنفيذ قراري مجلس الأمن 1970 و1973، اللذين فرضا حظرًا على توريد الأسلحة إلى ليبيا، والقرارات اللاحقة المعدلة والموسعة للحظر. وحض أحد التعديلات الأطراف الليبية على “طرد القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب” من بلدها. واستطرادا حض تعديل آخر على “إقناع القوى الأجنبية بالتوقف عن توفير الأفراد، بما في ذلك المرتزقة، والأسلحة والتمويل الذي يفاقم النزاع”.
لكن لا توجد في الأفق مؤشرات إلى التهدئة، فجميع الرسائل تدل على احتمال اندلاع حريق بين سرت والجفرة، في أي وقت، وهو احتمال لم يستبعده وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، خلال مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، وخاصة بعد المناورات الكبرى التي أجرتها القوات المصرية “حسم 2020″، والتي بدأت كتدريبات برية، ثم توسعت لتشمل استخدام حاملة طائرات وغواصات، على مرمى حجر من السواحل الشرقية لليبيا. كما أعلنت تركيا من جانبها، أنها تعتزم إجراء مناورات بحرية وجوية واسعة، قبالة السواحل الليبية، دون أن تحدد موعدا لها.
صواريخ “إس 400”
الأخطر من ذلك هو تواتر الحديث عن احتمال دخول منظومة الصواريخ “إس 400” روسية الصنع إلى ليبيا، التي سبق أن اشترتها تركيا بالرغم من التحفظات الأمريكية. وفي هذا الصدد رجحت صحيفة “صباح” التركية أن السيناريو الذي يمكن أن تتفق عليه الأطراف الثلاثة، أي تركيا وروسيا وأمريكا، هو نشر منظومة “إس 400” في ليبيا، بناء على مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون العسكري والأمني، والموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعد التشاور مع موسكو وواشنطن. وفي رأي خبراء أن تركيا تسعى لتجنب عقوبات أمريكية منتظرة، والحفاظ في الوقت ذاته على علاقات جيدة مع روسيا. وفيما يُرجح أن يوافق الروس على نشر تلك المنظومة في ليبيا، أملا بكسب زبون سابق للأسلحة الروسية (ليبيا في عهد القذافي) ستحقق حكومة “الوفاق” في جانبها، تفوقا حاسما على قوات الجنرال حفتر، أهم من التفوق الذي أتاحته الطائرات التركية المسيرة في سماء طرابلس. أما أمريكا فستكون متأرجحة بين التزامها بالقرارات الأممية، الخاصة بحظر إرسال السلاح إلى ليبيا، ومجاملة تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي، بأن تغض الطرف عن انتهاكات الأخيرة للحظر.
وقد يكون هذا الموضوع هو العنوان الرئيس للمكالمة، التي أجراها رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، أخيرا مع نظيره التركي يشار غولر، ولم يُكشف عن مضمونها، وإن ذكر بيان لوزارة الدفاع الروسية أنها تركزت على “الوضع الراهن في ليبيا”. ومن أجل تخفيف الاحتقان مع قوى اقليمية ودولية، فتح الأتراك باب الحوار مع جارتهم اللدودة اليونان، بعد تصعيد كاد يصل إلى احتكاك بين الجيشين، في أعقاب التوقيع على مذكرة التفاهم الأمني بين ليبيا وتركيا الخريف الماضي. لكن أيا كانت المؤشرات الإيجابية الضئيلة، فإن سماء ليبيا مدلهمة بالسحب الكثيفة التي تنذر برعود وعواصف شديدة.
وتتقابل قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة “الوفاق”، وجها لوجه، في محيط مدينة سرت، المعقل السابق للعقيد معمر القذافي، لكن الصاعق الكهربائي ليس في أيديهم، وإنما هو في أيدي القوى الدولية المتحكمة بخيوط اللعبة الليبية، وأساسا الروس والأتراك. يحبس أهالي سرت أنفاسهم مع تصاعد التوتر والتهديد والوعيد من الجانبين المتقابلين. تتعمق الحيرة مع توارد تقارير متناقضة.. حرب؟ لا حربٌ؟ فبعد الهزائم المتكررة التي مُنيت بها قوات حفتر والمرتزقة الروس والجنجويد والتشاديون، استطاعت قواتهم وقف تقدم قوات “الوفاق” يوم 7 حزيران/يونيو الماضي، عند مشارف سرت، بواسطة قصف جوي مكثف. ومضت القوى الكبرى تغدق الأسلحة والذخائر على الطرفين بما فيها القاذفات الروسية من طرازي ميغ وسوخوي، استعدادا لمعركة فاصلة لا يُعرف ميقاتها. لكنها ستكون بالتأكيد أشد عنفا وأكثر دموية من جميع المعارك السابقة في ليبيا.
لماذا تعرقل واشنطن تعيين مبعوث أممي إلى ليبيا؟
مرشحو الولايات المتحدة لخلافة غسان سلامة لا يحظون بتأييد دولي كافٍ، واقتراحها لبعثة أممية برأسين لا يلقَى إجماعا، لكن مواطنتها ويليامز أصبحت على رأس البعثة كأمر واقع إلى غاية أكتوبر.
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، مازالت الأمم المتحدة عاجزة عن اختيار خلف له، وجاءت تصريحات عدة دبلوماسيين لتُحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية عرقلة تعيين مبعوث جديد.
آخر هذه الاتهامات جاءت من سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة كريستوف هويسغن، الذي قال في 31 يوليو/تموز المنصرم، إن “الولايات المتحدة يجب ألا تمنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من تعيين مبعوث جديد في ليبيا”.
حيث سبق لدبلوماسيين أن اتهموا واشنطن بعرقلة تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، ثم وزيرة خارجية غانا السابقة، مبعوثة الأمم المتحدة الحالية لدى الاتحاد الإفريقي حنا تيته.
ومن بين هؤلاء الدبلوماسيين، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أشار في تصريح صحفي في 30 يوليو، إلى أنه “تم ترشيح وزير خارجية الجزائر، ورئيس وزارة خارجية غانا السابق، إلا أن واشنطن رفضت دعمهما”، واستنتج أن “الأمريكيين يُحاولون تهميش الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش”.
بينما حذر وزير الخارجية الجزائرية صبري بوقدوم، من أن إخفاق غوتيريش، في تعيين مبعوث خاص إلى ليبيا “يمكن أن يؤثر على العمل الأممي في البلاد”.
** بعثة أممية برأسين!
لكن ما الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة مرشحي غوتيريش لتولي رئاسة البعثة الأممية إلى ليبيا؟
يقول السفير الألماني هويسغن، في هذا الشأن “كانت هناك تساؤلات أثارها شركاؤنا الأمريكيون فيما يتعلق بهيكل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”.
اعتقد أنه يمكن مناقشة ذلك، ولكن.. يجب على الولايات المتحدة ألا تمنع الأمين العام (الأممي) من تعيين شخص يحل محل غسان سلامة”.
لكن المقصود بإعادة هيكلة البعثة الأممية، بحسب تصريحات سابقة لبوقادوم، أن “واشنطن تريد الفصل بين العمل السياسي وعمل البعثة في ليبيا، وهو ما يعني وجود شخصين اثنين يعملان على الملف الليبي”.
ففي العادة يكون للمبعوث الأممي نائب أو مساعد له، لكن لم يسبق وأن كانت هناك بعثة أممية برأسين في ليبيا.
فواشنطن تسعى لتعيين مبعوثين أمميين في ليبيا، الأول داخل البلاد، والثاني خارجها مكلف بالحوار السياسي، بهدف تجاوز الانقسام حيال مرشح واحد، وأن يكون لها فرصة أكبر لقيادة الحوار السياسي بين الحكومة الليبية الشرعية ومليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، عبر مبعوث أممي مقرب من طروحاتها.
** أمر واقع.. لكن ماذا بعد أكتوبر؟
ولم تعلن الولايات المتحدة أسباب وخلفيات سعيها لتقسيم مهام البعثة الأممية على شخصين، التي لا تحظى حتى بدعم شركائها الأوروبيين، لكن المؤكد أنها المستفيد الأول من حالة الفراغ هذه منذ استقالة سلامة في 2 مارس/آذار الماضي.
إذ أنه منذ 7 مارس الماضي، تتولى الأمريكية ستيفاني وليامز، رئاسة البعثة الأممية بالإنابة، وهذا يمنح واشنطن نفوذا أكبر في إدارة الملف الليبي، رغم كثرة المتدخلين الدوليين.
لكن ولاية وليامز المؤقتة على رأس البعثة الأممية، ستنتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية، وإذ لم يتم اختيار مبعوث جديد خلال ثلاثة أشهر المقبلة، ستكون البعثة الأممية لأول مرة بدون رأس، وهذا الأمر غير معهود.
فاختيار مبعوث أممي من صلاحيات غوتيريش، لكنه يحتاج لدعم الدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين).
ووليامز كانت من الأسماء المتداولة لخلافة سلامة، لكنها لم تحظ بالتأييد الدولي الكافي، لذلك رشحت الولايات المتحدة الأمريكية رئيسة الوزراء الدنماركية السابقة هيلي ثورنينج شميت، لكنها هي الأخرى سحبت موافقتها، بحسب تقارير صحفية، لم توضح خلفيات الانسحاب.
لكن سبق للعمامرة، أن برر سحب موافقته لمنصب مبعوث أممي، بأن “المُشاورات التي يقوم بها غوتيريش، لم تحظ بإجماع مجلس الأمن وغيره من الفاعلين، وهو إجماع ضروري لإنجاح مُهمة السلم والمُصالحة الوطنية في ليبيا”.
وهذا إقرار بأنه هناك دولا من خارج مجلس الأمن عرقلت تعيينه في هذا المنصب، وقد لا يختلف الأمر كثيرا عن بقية المرشحين لهذا المنصب.
فعدم الاتفاق على تسمية مبعوث أممي يزيد من تعقيد المشهد الليبي، إذ يكاد يمر 10 سنوات على سقوط نظام معمر القذافي في 2011، دون أن تتمكن البلاد من الخروج من نفق عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
وليس واضحا ما إذا كان الانقسام في ليبيا، انعكاس للانقسام الدولي في مجلس الأمن، أم العكس، لكن كلاهما يغذي الأزمة.
فوليامز ورغم الدعم الأمريكي لها إلا أنها لم تتمكن لحد الآن من تحقيق تقدم كبير في ملف فتح حقول وموانئ النفطي، التي تسيطر عليها مليشيات حفتر، والأمر ذاته بالنسبة للحوار العسكري في إطار لجنة (5+5)، ناهيك عن الملف السياسي.
ورغم تلويح واشنطن بفرض عقوبات على مليشيات حفتر، إلا أن ذلك لم يقدم لحد الآن نتائج فعلية على الأرض بسبب الانقسام الدولي، مما يصهب من مهمة ويليامز، وأي مبعوث أممي آخر، خاصة إذا لم يحض بدعم الدول المؤثرة في مجلس الأمن.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.