السبت 12 يوليو 2025 16 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

ليبيا: سيطرة “فاغنر” الروسية على النفط تهديد لأمننا ونطالب بمعاقبتها

 

شدد وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، السبت، على أن سيطرة مرتزقة “فاغنر” الروسية على حقول النفط تعد تهديدا لأمن بلاده القومي، مطالبا بمعاقبتها.

جاء ذلك في سلسلة تغريدات نشرها باشاغا عبر “تويتر”، على خلفية ظهور مرتزقة “فاغنر” في حقل الشرارة النفطي جنوبي ليبيا.

وحقل الشرارة الأكبر في البلاد بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 300 ألف برميل، من إجمالي الإنتاج البالغ مليون برميل يوميا في الوضع الطبيعي.

وقال باشاغا إن “سيطرة مرتزقة فاغنر على حقل الشرارة برفقة مجموعة من الجنجويد السودانية سابقة خطيرة لسيطرة مرتزقة أجانب على النفط الليبي والتحكم في ثروات البلاد”.

وأضاف أن “هذا الأمر يعد تهديدا خطيرا للأمن القومي الليبي وينال من مصالح كافة الشركات الأمريكية والأوروبية العاملة بالقطاع، التي ستكون رهينة لتغول روسي غير مسبوق”.

ولفت باشاغا إلى تواطؤ دولة عربية (لم يسمها) في “جريمة قفل إمدادات النفط الليبي، في مسلسل دعمها حفتر في هجومه على طرابلس وتمويلها مرتزقة فاغنر”.

كما طالب الوزير الليبي الاتحاد الأوروبي بإدراج شركة “فاغنر” الروسية على لوائح العقوبات كجهة راعية للإرهاب لما اقترفته من “جرائم ضد الإنسانية”.

وشدد باشاغا على أن الحكومة الليبية “لن تقبل بسيطرة مرتزقة روس على منشآت نفطية وعسكرية، لما في ذلك من تهديد للأمن الوطني والإقليمي والدولي”.

والجمعة، أعربت واشنطن عن قلقها من تدخل فاغنر ومرتزقة أجانب، ضد مرافق المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا ومنها حقل الشرارة.

كما أعربت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، الجمعة، عن قلقها إزاء وجود “مرتزقة” روس ومن جنسيات أخرى، في الحقل.

وقالت المؤسسة في بيان إن قافلة من عشرات السيارات العسكرية دخلت حقل الشرارة، الخميس، لمنع استئناف الصادرات بعد حصار دام أشهرا.

وفي 7 يونيو/ حزيران الجاري، استأنف حقل الشرارة عمله مجددا، بعد توقف قسري دام قرابة 5 أشهر، أدى إلى تأثر مالي سلبي ناتج عن الغلق.

وأغلق موالون لحفتر، في يناير/ كانون الثاني الماضي، ميناء الزويتينة (شرق)، بدعوى أن أموال بيع النفط تستخدمها الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.

واستمر غلق قنوات إنتاج النفط في ليبيا، وأكبرها حقل الشرارة، 142 يوما، وكلفت الخزانة العامة خسائر تقدر بحوالي 5.269 مليارات دولار.

لجنة برلمانية ليبية تجتمع مع “العفو الدولية” لتوثيق جرائم حفتر

 

عقدت لجنة برلمانية ليبية، الأحد، اجتماعا مع مسؤولة في منظمة العفو الدولية، ضمن جهود لإعداد تقرير دولي يوثق جرائم مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في ليبيا.
وبدعم من دول عربية وأوروبية، تنازع هذه المليشيا، منذ سنوات، الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.
وقال مجلس النواب الليبي بالعاصمة طرابلس، في بيان، إن “لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجلس، برئاسة رئيسة اللجنة ربيعة أبوراص، عقدت لقاء، عبر وسيلة اتصال مغلقة، مع ديانا الطحاوي، نائب رئيس مكتب برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية”، بحسب صفحة المجلس على “فيسبوك”.
وأوضح أن “اللقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات تعتزم اللجنة عقدها مع جهات دولية متخصصة، لإعداد تقرير دولي مفصل حول جرائم وانتهاكات حفتر، ليتم وضعه بين أيدي المجتمع الدولي، لتحريك العدالة الدولية، والحرص على منع الجناة من الإفلات من العقاب”.
وأضاف المجلس أن اللجنة “تعمل في إطار توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت أثناء العدوان على طرابلس، والتواصل مع المنظمات الدولية المتخصصة في توثيق الانتهاكات، للحصول على مشورتها وتعاونها بشأن آليات التوثيق”.
وبدأت مليشيا حفتر هجوما للسيطرة على طرابلس، مقر الحكومة، في 4 أبريل/ نيسان 2019، ثم تمكن الجيش الليبي، في 4 يونيو/ حزيران الماضي، من تحرير ما سيطرت عليه تلك المليشيا من مناطق في العاصمة.
وأعلن الجيش الليبي، الثلاثاء، انتشال 208 جثث من مقابر جماعية جنوبي طرابلس وفي مدينة ترهونة ومحيطها (90 كم جنوب شرق طرابلس)، خلال 23 يوما. وهذه المناطق كانت تسيطر عليها مليشيا حفتر.
وقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في كافة مناطق ليبيا منذ مطلع 2016.
ويوما بعد آخر يتكشف المزيد من جرائم حفتر، في ظل تحقيق الجيش الليبي، في الفترة الأخيرة، انتصارات مكنته من استعادة مدن عديدة في المنطقة الغربية، والتأهب لتحرير مدينة سرت (450 كم شرق طرابلس).

ليبيا.. قتيلان من فريق نزع ألغام مليشيا حفتر جنوبي طرابلس

عضو تركي من فريق نزع الألغام في ليببا – أرشيف

 

قتل اثنان من فرق نزع الألغام في ليبيا، الأحد، إثر انفجار لغم زرعته مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر بأحد الأحياء السكنية جنوبي العاصمة طرابلس.

جاء ذلك في بيان نشره المركز الإعلامي لـ”عملية بركان الغضب” التابعة للجيش الليبي، عبر فيسبوك.

وأفاد البيان بأن “شخصين لقيا مصرعهما خلال تعاملهما مع لغم زرعته مليشيات حفتر، في أحد الأحياء السكنية ببلدية عين زارة جنوبي طرابلس”.

وأضاف أن الشخصين “من عناصر منظمة حقول حرة لإزالة الألغام ومخلفات الحروب (غير حكومية)”.

وفي 22 مايو/ أيار الماضي، أعلن الجيش الليبي أن مليشيا حفتر زرعت ألغاما قبل فرارها من تمركزاتها بالمنازل في محاور صلاح الدين، والمشروع، وعين زارة جنوبي طرابلس.

وفي 10 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت اللجنة المشتركة لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الليبية (حكومية) مقتل 27 شخصا وإصابة 40 آخرين، جراء انفجار الألغام والعبوات التي زرعتها مليشيا حفتر بمنازل مدنيين كانت تتخذها تمركزات لها قبل فرارها.

وشنت مليشيات حفتر، بدعم من دول عربية وأوروبية، عدوانا على طرابلس، انطلاقا من 4 أبريل/نيسان 2019؛ ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب دمار مادي واسع، قبل أن يتكبد خسائر واسعة، وتبدأ دعوات واسعة حاليا للحوار والحل السياسي للأزمة المتفاقمة منذ سنوات.

ما هي أبعاد زيارة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش التركيين إلى ليبيا؟

 

 

تتعاقب زيارات الوفود الرسمية التركية إلى طرابلس بوتيرة سريعة ومكثفة، ولعل أرفعها الزيارة التي أداها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس أركان الجيش يشار غولر إلى ليبيا. زيارة علق عليها الرئيس التركي أردوغان من إسطنبول بأنها تندرج في إطار استمرارية التعاون القائم بين الجانبين، إلا أن مراقبين يعتقدون أنها تدخل في سياق التحضير لعملية عسكرية واسعة أو إنشاء قاعدتين برية وبحرية.

 

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعلن إعادة فتح سفارة بلاده في ليبيا

 

صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده قررت إعادة فتح سفارتها في ليبيا، وفقا لما نقلته الجمعة وكالة إنترفاكس للأنباء. وفي بداية اجتماع مع عقيلة صالح رئيس برلمان شرق ليبيا الموالي لحفتر، قال لافروف إن مبادرة وقف إطلاق النار المصرية تتسق مع قرارات مؤتمر برلين الدولي.

أفادت وكالة إنترفاكس للأنباء الجمعة، نقلا عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله إن بلاده قررت إعادة فتح سفارتها في ليبيا.

وليبيا منقسمة منذ 2014 بين الحكومة المعترف بها دوليا ومقرها العاصمة طرابلس، وقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر في ثاني أكبر مدن البلاد بنغازي في الشرق. وأجلت روسيا دبلوماسييها من ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2013 بعد أن هاجمت مجموعة مسلحة سفارتها في طرابلس.

وأدلى لافروف بتلك التصريحات في بداية اجتماع مع عقيلة صالح رئيس برلمان شرق ليبيا الموالي لحفتر.

“اتخذنا قرارا بإعادة فتح سفارة روسيا في ليبيا”

وكرر رغبة روسيا في وقف الأعمال القتالية في ليبيا وبدء حوار سياسي. وقال “اتخذنا قرارا بإعادة فتح سفارة روسيا في ليبيا، والتي سيترأسها في تلك المرحلة القائم بالأعمال جامشيد بولتاييف… سيكون مقره تونس مؤقتا لكنني أريد أن أؤكد على أن مهامه تشمل تمثيل روسيا في كل أنحاء الأراضي الليبية”.

وأضاف لافروف أن وقف إطلاق النار في ليبيا، الذي اقترحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع حفتر في القاهرة في السادس من يونيو/حزيران، يمكن العمل به مع القرارات التي تم التوصل إليها في مؤتمر دولي في برلين بشأن الأوضاع في ليبيا.

ليبيا: فرنسا تخرج من المولد بلا حمص وموسكو تبني شراكة جديدة مع صالح

 

رشيد خشانة –  ليس من عادة وزراء الخارجية اليونانيين أن يأخذوا حقائب السفر، ويتجولوا في بلدان الجوار. لكن الوزير الحالي نيكوس دندياس تأبط ملف الخلافات مع تركيا وزار تونس ليبحث هناك “سبل حل الأزمة الليبية” حسب بيان رسمي، قبل أن يطير إلى قاعدة “|الرجمة” (شرق ليبيا) للاجتماع مع الجنرال حفتر ومناقشة “التدخل التركي في ليبيا”. أتت هذه الجولة على خلفية انزعاج اليونانيين من مذكرة التفاهم الخاصة بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، والتي “قضمت” من الجرف القاري اليوناني والقبرصي، بالإضافة إلى العداء التاريخي بين تركيا واليونان، الغريمين اللدودين في منظمة حلف شمال الأطلسي. ويشكو اليونانيون من أن حلفاءهم الأوروبيين لا يبدون حماسة للدفاع عنهم، عدا فرنسا التي تغرد خارج السرب الأوروبي وتقاطع اجتماعات الحلف الأطلسي، غضبا مما تعتبره خذلانا لها في خصومتها مع تركيا.

تعبئة هنا وهناك

لن يكون لليونانيين قولٌ في مآلات الصراع الاقليمي على ليبيا، فاللعبة باتت مُقتصرة على ثلاث قوى هي روسيا وتركيا، وبدرجة أقل أمريكا، التي اختارت الانسحاب من الشرق الأوسط. ويشجع الأمريكيون تركيا على مواجهة التمدد الروسي في ليبيا، لكنهم لا يريدون تكرار السيناريو العراقي، لذلك انسحبوا من الساحة الليبية منذ العام 2012. والأرجح أن حكومة الوفاق، مدعومة من تركيا، ستمضي في المعركة من أجل استعادة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وقاعدة الجفرة. وهذا ما قاله رئيس حكومة الوفاق بشكل صريح لأمين عام الأمم المتحدة غوتيريش، في مكالمة بينهما الأربعاء. في المقابل ما فتئت قوات حفتر تقوم بالتعبئة استعدادا لمعركة حاسمة، من أجل منع “سقوط” سرت والجفرة بأيدي حكومة “الوفاق”.

وعلى الرغم من أن قوى إقليمية ودولية حذرت حكومة “الوفاق” من محاولة استعادة السيطرة عليهما، لا يُستبعدُ أن تستفيد الأخيرة من ضعف حفتر للتقدم نحو هدفها، خاصة بعد إدانة غوتيريش للمجازر التي لمَح إلى أن قوات حفتر هي المسؤولة عن ارتكابها في ترهونة (90 كم جنوب شرق طرابلس) قبل الانسحاب منها. أكثر من ذلك، ستتكثف الضغوط على حفتر، بعدما قرر مجلس حقوق الإنسان الأممي، الشهر الماضي، تشكيل لجنة دولية لـ”تقصي الحقائق” في كافة أنحاء ليبيا، منذ مطلع 2016.

معركة الحقول النفطية

إلى جانب المعركة المتوقعة في سرت، تصارع حكومة “الوفاق” على واجهة أخرى، تتمثل بالعمل على فتح الحقول والموانئ النفطية الرئيسة، المُقفلة بالقوة منذ مطلع العام الجاري، ما سبب لها خسائر تزيد عن 6 مليارات دولار. وجرت اتصالات واجتماعات على مدى الأسبوعين الماضيين للبحث في ترتيبات معاودة فتح الحقول والموانئ النفطية. ولعب وزيرا الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والإيطالي لويدجي دي مايو، بالرغم من خلافاتهما العميقة، دورا محوريا في التهيئة لقرار استئناف إنتاج النفط وتصديره، إذ اجتمعا مرتين في باريس لبحث هذا الموضوع. ويُعزى قلق الفرنسيين والطليان إلى الخسائر التي تكبدتها مجموعتاهُما النفطيتان “توتال” و”إيني” طيلة الأشهر الماضية. ويمكن القول إن فرنسا وإيطاليا فقدتا الأدوار التي كانتا تلعبانها في ليبيا، بعد الاختراقين الروسي والتركي، فقد أفضت التطورات العسكرية الأخيرة إلى تغيير علاقة القوة بين الغريمين الليبيين، حكومة الوفاق والجنرال المتقاعد حفتر، لكنها أعادت، في الوقت نفسه، تشكيل التحالفات في شرق المتوسط، بفرض تركيا دورها كلاعب أساسي في مواجهة روسيا.

عثرات ألمانية

لا بل إن الاتحاد الأوروبي برمته بات لاعبا صغيرا لا يُعتدُ بمواقفه، لسببن أولهما أنه غير موجود على الميدان، وثانيهما تباعد مواقف أعضائه من الأزمة الليبية. وتحاول ألمانيا، التي تسلمت رئاسة الاتحاد مطلع الشهر الجاري، أن تمنح أوروبا دورا من خلال تفعيل اللجان الثلاث المنبثقة من مؤتمر برلين، إلا أن هذا الجهد مازال متعثرا بسبب عدم اتفاق الأوروبيين على الأولوية التي يمكن أن يحظى بها الملف الليبي. وحسب الخبيرة كريستين شاتينو تتلخص أولويات الرئاسة الألمانية، التي تستمر ستة أشهر فقط، بخمس أولويات ليس بينها الملف الليبي، أهمها خطة الانعاش الأوروبية بعد جائحة “كوفيد-19” والموازنة الاتحادية والمفاوضات مع بريطانيا لتفادي طلاق قاس، “أما باقي الملفات فيمكن إرجاؤها بالنظر لضغوط الأزمة الاقتصادية” مثلما توقعت شاتينو.

وكانت الرسالة الثلاثية التي توجهت بها كل من المستشارة الألمانية ميركل والرئيسان الفرنسي ماكرون والإيطالي كونتي للمطالبة بوقف التدخلات الخارجية في ليبيا، اختبارا للصدى الخافت للصوت الأوروبي، وسط أزيز الطائرات ودوي المدافع والراجمات. مع ذلك شارك الإيطاليون والفرنسيون إلى جانب الأمم المتحدة وأمريكا، في المفاوضات الرامية لمعاودة فتح الحقول والموانئ النفطية. أما حفتر فاستخدم في المفاوضات واجهة أطلق عليها، منذ بدء العام الجاري، اسم “حراك المدن والقبائل الليبية” مُبررا وقف الانتاج والتصدير بـ”الحؤول دون وقوع إيرادات النفط والغاز بأيدي الميليشيات” في إشارة إلى حكومة السراج.

الصراع على إيرادات النفط

واتهم حفتر “الوفاق” أيضا باستخدام عوائد بيع النفط لصرف رواتب المقاتلين الأجانب، فيما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط (مقرها في طرابلس) الإثنين الماضي، بشكل رسمي، عن وجود مفاوضات جرت على مدى الأسابيع القليلة الماضية، مع كل من حكومة الوفاق والأمم المتحدة والولايات المتحدة و”دول إقليمية” لم تُسمها، لاستئناف إنتاج النفط وتصديره. والظاهر أن أحد الحلول التي طرحت في المفاوضات تتمثل، حسب ما أوردت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، بتوزيع إيرادات النفط على ثلاثة بنوك تمثل المناطق الليبية المختلفة، أي الغرب (طرابلس) وبرقة (بنغازي) وفزان (جنوب) أو وضعها في حسابات بالخارج لا تسيطر عليها حكومة “الوفاق”. واستطرادا لن تُرسل عائدات النفط إلى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، حسب هذه الصيغة، أسوة بما كان عليه الوضع قبل إقفال الحقول والموانئ النفطية.

غير أن حكومة “الوفاق” رفضت بشدة هذا الحل مُعتبرة إياه تنازلا عن السيادة الليبية وتكريسا لتقسيم البلد إلى دويلات. واتخذ رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله الموقف ذاته رافضا إخراج النفط من مظلة السيادة الليبية. وأكد السراج في مكالمته الأخيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة أن حكومته “لن تسمح لمجموعات المرتزقة الإرهابيين (قوات حفتر) بالسيطرة على موارد النفط والتحكم بثروات ليبيا” مُبرزا أن إعادة فتح المنشآت النفطية “هدفٌ لا تنازل عنه”. والمُلاحظ أن هذا الموقف من الكيانات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، يتماهى مع الموقف الأمريكي، الذي عبر عنه وفد أمني رفيع المستوى زار كلا من طرابلس والرجمة أخيرا.

ماذا نصنع بالميليشيات؟

ودارت المحادثات طبقا لما جاء في بيان بثته الخارجية الأمريكية الخميس الماضي حول دور الميليشيات المسلحة و”ضرورة معالجة القضايا المتعلقة بها في جميع أنحاء ليبيا” مع تأكيد الجانب الأمريكي أن الجماعات المسلحة “التي تحاول إفساد العملية السياسية أو الانخراط في أعمال مزعزعة للاستقرار يجب ألا يتم التسامح معها”. أكثر من ذلك انتقد الأمريكيون علاقة قوات حفتر بمرتزقة شركة “فاغنر” الروسية، مؤكدين أن تلك العلاقة معطوفة على مواصلة عرقلة إنتاج النفط، “تتعارضان مع المصالح الأمريكية والليبية، وتقوضان السيادة الليبية، وتؤججان النزاع القائم”. والظاهر أن الأمريكيين يدفعون الفريقين الليبيين إلى وضع ملف الميليشيات هنا وهناك على مائدة الحوار، في محادثات 5+5 المنبثقة من مسار برلين، بُغية التخلص من تلك الكيانات تدريجيا، إما بحلها أو بإدماج عناصر منها في الجيش النظامي الليبي، في إطار الحل الشامل.

وقبل ذلك يُصرُ الأمريكيون على طرد المقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية أيا كانت جنسياتهم، مع تركيز خاص على مرتزقة “فاغنر”. ويعتقد خبراء عسكريون ليبيون أن بعض تلك الكيانات شبه العسكرية، التي لم تتورط عناصرها في جرائم حرب يمكن إدماجها في جيش وطني يتم الاتفاق على آليات تشكيله. ورأى الأدميرال بشير الصفصاف، القائد السابق للبحرية الليبية، أن هناك مجموعتين في المنطقة الغربية تعتبران شبيهتين بجيش، هما “البنيان المرصوص” الذي استطاع أن يقضي على “الدواعش” في سرت، ويجتثها من جذورها، بدعم من القيادة الأمريكية في أفريقيا (المعروفة بـ”أفريكوم”)، على صعيد الاستطلاع والمعلومات والطيران. وقال إن “البنيان المرصوص” “دفع ثمنا باهظا وصل إلى 740 شهيدا وحوالي ألفي جريح”. وأضاف الصفصاف لـ”القدس العربي” أن القوة الثانية هي “قوة مكافحة الارهاب”، التي قال إنها “منظمة جدا ومدرَبة تدريبا عاليا، بالتعاون مع الأمريكيين، بقيادة اللواء محمد الزين (ينحدر من مصراتة)”.

موسكو تُراهن على صالح؟

في المقابل تسعى موسكو إلى التكيُف مع التطورات العسكرية الأخيرة بتغيير أوراق اللعب، والاشتغال على شخصية عقيلة صالح، الذي يحظى في نظرها بشقفة من الشرعية، بوصفه رئيسا لبرلمان الشرق، وإن كان مجلسا منتهي الصلاحية. وتأكد من خلال استقبال موسكو صالحا من دون حفتر، أن الروس نفضوا أيديهم من هذا الأخير. ويُرجح أن الزيارة كانت إطارا لإرساء شراكة جديدة، خلال الاجتماعات مع كل من وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف. وكان نائب رئيس مجلس النواب احميد حومة مهد لهذه الزيارة خلال اجتماعات عقدها مع مسؤولين روس في 16 من الشهر الماضي. كما يُرجح أن موسكو تعهدت بدعم قوات الشرق عسكريا ودبلوماسيا متى ما اندلعت معركة سرت مع قوات حكومة “الوفاق”.

أما فرنسا فخرجت من المولد بلا حمص، مثلما يقول المثل، إذ أن صولات الغضب، التي انتابت الرئيس ماكرون، على إثر انهزام قوات حفتر، لم تُحرك سواكن باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذين رفضوا مسايرة الرئيس الفرنسي في حملته على تركيا. وقاد تشنج ماكرون، الرافض للاعتراف بالحسابات الخاطئة في ليبيا، إلى أزمات فرعية حتى مع الحلف الأطلسي. ويُلمح خبراء فرنسيون إلى أن وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان كان عليه الاستقالة من منصبه لكونه هو من صاغ خطة فرنسا في ليبيا منذ أن كان وزيرا للدفاع، وهي الخطة التي فشلت فشلا ذريعا.

مُخاتلة فرنسية

والأدهى من ذلك أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، الدكتور غسان سلامة أدان ما اعتبره “نفاقا” من بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الذين خذلوه أثناء أداء مهمته. ولم يذكر سلامة، الذي استقال من منصبه في آذار/مارس الماضي، أسماء بلدان معينة، لكن الواضح أنه قصد فرنسا وروسيا اللتين كانتا تدعمان حفتر، واحدة بالسلاح والخبراء والثانية بالسلاح والمرتزقة، وأيضا بوضع الفيتو على أي مشروع قرار في مجلس الأمن قد يُورط حفتر. وشكا سلامة، في حوار نادر مع المنظمة السويسرية “مركز الحوار الانساني”، من إحباط الجهود التي بذلها طيلة سنة كاملة، تمهيدا لعقد ملتقى وطني ليبي ليبي، في مدينة غدامس، كان مقررا بين 14 و16 نيسان/ابريل 2019 والتي قوضها حفتر بهجومه على طرابلس، قبل عشرة أيام فقط من الميقات المُحدد للاجتماع.

وفي إطار الاستعدادات تم عقد 77 اجتماعا بمشاركة قرابة 6000 ليبي أفرزت 22 ورقة في جميع المجالات. قصارى القول إن الليبيين أحوج ما يكونوا اليوم، بعد إبعاد حفتر من المعادلة، إلى الجلوس معا إلى مائدة الحوار، تحت مظلة الأمم المتحدة، وبرعاية من ألمانيا، من أجل وضع خريطة طريق مُعدلة، اقتباسا من خطة برلين، ومن ثم إفشال المحاولات الرامية لإفساد العملية السياسية برمتها.

صاندي تايمز: هل أصبحت منطقة الساحل والصحراء “أفغانستان” فرنسا؟

 

نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده ماثيو كامبل قال فيه إن منطقة الساحل الإفريقية تحولت إلى مستنقع فرنسي تماما كما تحولت أفغانستان مستنقعا لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقال فيه إن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لن ينسى مشيته المنتصرة في شوارع مدينة تمبكتو. وقدم له سكانها جملا أبيض نادرا لنشره القوات الفرنسية لإنهاء احتلال تنظيم “الدولة” للمدينة الشهيرة في مالي. وقرر الرئيس منح الجمل لعائلة محلية لكي تعتني به وترعاه، وبعد مغادرته، ذبح السكان الجمل وطبخوا عليه الطاجين، كما ذكرت عدة روايات.

ولكن انتصار هولاند لم يكن أفضل من حظ الجمل الأبيض، فبعد سبعة أعوام لا تزال القوات الفرنسية هناك وعاد الجهاديون وبقوة. ويقول خبراء إن منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي تضم مالي وعددا آخر من المستعمرات الفرنسية السابقة أصبحت “مستنقعا” لآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بقيادة فرنسا. وتقول فلور بيرغر من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: “واجهت أمريكا وبريطانيا أفغانستان ولكن فرنسا لديها الساحل”. وتضيف الصحيفة أن فرنسا كان لديها رأي رومانسي حول الصحراء المقفرة من مقاومة استمرت قرنا وأدت إلى أدبيات تتحدث عن الكثبان الرملية المتلألئة إلى المقاتلين الطوارق الأشداء على جمالهم إلى الفيلق الأجنبي. ولكن الواقع مختلف عن هذه الرؤية الرومانسية، فالمنطقة هي طريق لتهريب المخدرات إلى أوروبا وتحولت إلى ساحة حرب واسعة تنشر فيها الجماعات المسلحة الإرهاب وقتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال وحرقهم أحياء بل وجر الناس من الحافلات وقتلهم.
وتم قتل رجل مشلول في مالي حيث تم تفخيخ جثته بالمتفجرات التي قتلت 17 من المشاركين في جنازته. وفي بوركينا فاسو القريبة من مالي وضع الجهاديون المتفجرات في جثة ميت يرتدي الزي العسكري وقتل نتيجة للانفجار ضابطا شرطة وطبيب عسكري. وسجل في العام الماضي 5.000 قتيل فيما وصل العدد هذا العام 3.900 قتيل وهجر آلاف من منازلهم وقراهم بسبب المذابح التي ترتكب. وتقول الصحيفة إن الفوضى التي تشهدها منطقة الساحل لها جذورها بالاضطرابات التي أعقبت الإطاحة وقتل الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011. وفر عدد من أتباعه إلى دول الساحل. وقاد هذا إلى ثورة بقيادة الطوارق والتي استغلها الجهاديون في شمال مالي. وقام هؤلاء بتدمير المزارات الصوفية في مدينة تبمكتو التي تعتبر من التراث العالمي بالإضافة لحرق المخطوطات الإسلامية. وأوقفت القوات الفرنسية زحف الجهاديين باتجاه العاصمة باماكو في الجنوب حيث تشتتت قواتهم في الصحراء. ولكنهم استعادوا تنظيمهم وجمعوا أنفسهم في عام 2017، حيث شكلت جماعة أنصار الشريعة حلفا مع تنظيم “الدولة”. وتتداخل هذه الجماعات الجهادية مع عصابات الجريمة التي تتجول في الصحراء على الشاحنات والدراجات النارية في منطقة تعادل مساحتها الهند ومن الصعب السيطرة عليها. ونشرت فرنسا 5.100 جندي بمن فيهم الجيل الجديد من الفيلق الأجنبي من أنجامينا، عاصمة تشاد. وهناك 15.000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حيث ستقوم بريطانيا بنشر 250 جنديا هناك إلى جانب 1.100 جندي أمريكي في النيجر. إلا أن جيوش خمس مستعمرات فرنسية سابقة تبدو غير قادرة على مواجهة الجهاديين. ففي هجومين على مالي وبوركينا فاسو قتل الجهاديون العام الماضي مئات من الجنود ونهبوا ترسانات أسلحة. وقالت إيفون غيشاوا من مدرسة بروكسل للدراسات الدولية: “شعر الفرنسيون بالرعب من عدم وجود مقاومة بل وهرب الجنود”. وبدلا من قتال الجهاديين تقوم الجيوش في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بقتل المدنيين الأبرياء لاشتباهها بهم. واستغلت مليشيا مسلحة دعمتها فرنسا مثل المتوكلون على الله وحراس الغابة الحرب لتصفية حسابات إثنية قديمة. وفي العام الماضي ذبح 160 شخصا في قرية أوغوساغو والتي تعرضت للهجوم هذه المرة حيث قتل 35 شخصا. وتقول كورنين دوفكا، مديرة هيومان رايتس ووتش في غرب إفريقيا: “لا تخشى الميليشيات المسلحة العقاب عما ترتكبه” و”كانت المذبحة في أوغوساغو رهيبة لأن الجيش المالي وقوات حفظ السلام كان بإمكانها وقفها”. وبسبب الغضب ضد المذابح فقد اضطرت فرنسا للتخلي عن إستراتيجيتها العسكرية. وحققت باريس نجاحا حيث استطاعت القوات الفرنسية الخاصة قتل عبد المالك الدروكالي، زعيم الجهاديين والذي تمت ملاحقته بمساعدة من الأمريكيين في النيجر. ولم يكن أحد يعرف بالوجود الأمريكي هناك إلا بعد مقتل أربعة من جنود العمليات الخاصة في عام 2017.
ويزداد القلق في فرنسا من المأزق في منطقة الساحل. وعندما مات 13 جنديا في تحطم مروحيتهم في مالي، حذر برونو كيليتس بولي، المنسق العسكري السابق لوزارة الخارجية، من أنه لم يعد بالإمكان تجنب الحديث عن قوة الجهاديين. ومضى قائلا: “هل أصبحت لديهم المبادرة؟ ويبدو أنه لم يعد لدينا فكرة حول كيفية الخروج من المستنقع”.

الاستراتيجيتان الروسية والتركية في ليبيا: قواعد ونفط وصفقات إعمار

 

رشيد خشانــة – حذر السياسي الإيطالي اليميني أنطونيو تاياني من “فقدان أوروبا” جراء الخلافات المستحكمة بين القوى الكبرى الأوروبية في شأن التعاطي مع الملف الليبي. وما قصده تاياني، وهو نائب رئيس حزب “فورزا إيطاليا” (إيطاليا إلى الأمام) هو هزال الدور الأوروبي في توجيه مسار الأحداث في ليبيا، طيلة السنوات الأخيرة، بخلاف روسيا وتركيا، اللتين استفادتا من الخلافات الأوروبية لوضع أقدام ثابتة في بلد زاخر بالثروات. وبات من الواضح اليوم أن الخصومات بين القوى الرئيسية الأوروبية، جعلتها عاجزة عن الفعل، إن في إطار الاتحاد الأوروبي أو كدول منفردة. وشكلت محاولات فرنسا الفاشلة جمع الغريمين فائز السراج وخليفة حفتر في باريس، ومحاولة إيطاليا رعاية مصالحة بينهما في مؤتمر باليرمو، آخر محاولات الأوروبيين التأثير في الصراع، قبل أن يُحالوا على هامش القرار.

وحدها ألمانيا سعت إلى لملمة الموقف الأوروبي، بالرغم من المعارضات الشديدة، فقامت بمحاولة في الوقت بدل الضائع للإمساك بالملف الليبي، عن طريق مؤتمر برلين ومخرجاته، أملا بإنقاذ الدور الأوروبي من مصيره المحتوم. غير أن القطار فات الألمان، بعدما باتت اللعبة حصريا بين أيدي قوتين غير أوروبيتين هما روسيا وتركيا، وهو ما لم ينتبه إليه الزعيم الإيطالي تاياني على ما يبدو. وفي النتيجة أضاعت المناكفات العلنية الشديدة بين فرنسا وإيطاليا، على الاثنتين، فرصة لعب دور في الصف الأول، على الرغم من الموقع المتقدم الذي تتبوأه شركاتهما في ليبيا، وخاصة مجموعتا “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية. وما زال الفرنسيون مرعوبين بشكل خاص، من سيناريو اقتراب قوات حكومة الوفاق، المدعومة من تركيا، من منطقة الهلال النفطي، وإحكام قبضتها على حوض خليج سرت ومن ثم على قاعدة الجفرة.

مسؤولية لودريان

ويشعر المرء من خلال قراءة ردود الفعل الفرنسية على تعاظم الدورين الروسي والتركي في ليبيا، أن الفرنسيين استسلموا للغضب، الذي يُخفي العجز وقلة الحيلة، بينما ارتفعت أصوات أخرى في باريس لتُحمل المسؤولية لوزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي صاغ السياسة الفرنسية حيال ليبيا، منذ أن كان وزيرا للدفاع في عهد الرئيس السابق فرنسوا أولاند. وقد سايره الرئيس الحالي ماكرون في تلك السياسة الحولاء، واضعا كل أوراق فرنسا، عمليا، في سلة خليفة حفتر. وعندما مُني الأخير بهزائم مُدوية في جنوب طرابلس والوطية وترهونة، سارع الفرنسيون إلى محاولة فرض وقف إطلاق النار، بالتنسيق مع مصر، بُغية تخفيف الضغط على القوات المنسحبة، ومنحها فرصة لالتقاط الأنفاس. لا بل تزعمت باريس حملة أوروبية واسعة لإدانة الدور التركي في ليبيا، من دون أن تتعرض لدورها السلبي، الذي ساهم في إيصال ليبيا إلى ما وصلت إليه. أكثر من ذلك، أطلق الفرنسيون مصطلح “السَرينة” في توصيفهم للوضع الراهن في ليبيا، لتخويف الأوروبيين من مآل كارثي للصراع في هذا البلد، يمكن أن يقود إلى حالة سورية. واستخدموا طورا آخر ذريعة مطاردة الميليشيات التشادية والسودانية في جنوب ليبيا لتبرير دعمهم القوي لحفتر. كما لوحظ أن الفرنسيين يغمزون من قناة حكومة الوفاق الوطني، لتحذير الأوروبيين من احتمالات استخدام ورقة الهجرة غير النظامية، انطلاقا من السواحل الليبية، للضغط على أوروبا.

وفي السياق حذر الفرنسيون شركاءهم في الحلف الأطلسي من إقدام تركيا على إقامة قواعد عسكرية في ليبيا، واعتبروا ذلك تهديدا لمصالح فرنسا الاستراتيجية، مع أنها ليست بلدا مُطلا على الحوض الشرقي للمتوسط. أما الأمريكيون فالظاهر أنهم قلقون من الوجود الروسي المكثف في ليبيا أكثر من قلقهم من الحضور التركي. وأبدت كل من بريطانيا وألمانيا وبلجيكا تحفظاتها، في إطار الحلف الأطلسي، على فتح جبهة صراع مع تركيا، ما زاد من إضعاف الموقف الفرنسي.

أما روسيا فاستثمرت الفراغ الأمني في ليبيا، مثلما فعلت في سوريا، ودخلت بقوة إلى الحلبة، مع ظهور قوات المرتزقة الروس في المنطقة الشرقية، للمرة الأولى، في أيلول/سبتمبر الماضي. وحذر آنذاك سودارسان راغفان، مراسل صحيفة “واشنطن بوست” من أن وصول قوات المرتزقة الروس إلى جبهة القتال غيَر مجرى الحرب، بفضل خبرتها القتالية وأسلحتها المتقدمة، مُنبها إلى خطر اندلاع حرب إقليمية “تدور حول الجغرافيا والأيديولوجيا والنفط واحتياطات الغاز الطبيعي”.

خدعة أطلسية

وهكذا استطاعت روسيا، بخلاف فرنسا، أن تحجز لها مكانا في تقرير مستقبل ليبيا، بالرغم من هزيمة حليفها (السابق؟) حفتر. وأظهرت غضبها من هذا الأخير، حين استقبلت في موسكو رئيس برلمان شرق ليبيا عقيلة صالح عيسى، في حركة تشي بالتخلي عن الجنرال المتقاعد، وهي تقترب في هذا الموقف من الموقف التركي، الذي يرفض الحوار مع حفتر مطلقا. وبتعبير آخر فإن موسكو ترمي إلى استعادة دورها في ليبيا قبل حرب 2011 مُعتبرة أن دول حلف شمال الأطلسي خدعتها لدى إصدار القرار الذي أباح لها الإطاحة بنظام معمر القذافي، من دون أن تستخدم موسكو حق النقض لإبطال القرار. وبناء على ذلك الموقف عاود الروس صياغة استراتيجيتهم في ليبيا، والتي تعتمد على محورين كبيرين، الأول عسكري ويتمثل في السعي لإقامة قاعدة دائمة في شرق ليبيا، ربما تكون في طبرق. ويأمل الروس بتعزيز وجودهم العسكري في البحر المتوسط، لاستعادة أمجاد الأسطول السوفييتي، بعدما وضعوا قدما ثابتة في سوريا، وخاصة في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

وبفضل دعمهم لحفتر استطاعوا تأمين حضور عسكري دائم في شرق ليبيا، إذ أفادت القيادة الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم” أن 14 طائرة حربية من طراز ميغ 29 وعدة طائرات من طراز سوخوي 24 نُقلت إلى ليبيا عبر سوريا، بعد طلائها لإخفاء هويتها. ورصد الأمريكيون بعض تلك الطائرات تُقلع من مطار الجفرة وسط ليبيا وتحلق قرب مدينة سرت.

معركة إعادة الاعمار

وفي الإطار نفسه يسعى الروس إلى إحياء صفقات سلاح ضخمة توصلوا إلى عقدها مع النظام السابق، لكن اندلاع انتفاضة 2011 حال دون تفعيلها. أما الهدف الاستراتيجي الثاني لموسكو فهو الفوز بأكبر عدد ممكن من صفقات إعادة الإعمار سواء في المجمعات الإدارية والسكنية أم في المطارات والموانئ، التي تضررت جراء الحرب. وعلى هذا الأساس يُرجح إيغور دولانوي نائب رئيس “المرصد الروسي الفرنسي” أن الهدف الأول للكرملين، من خلال تدخله الحالي في ليبيا، يتمثل في استعادة وضعه الاقتصادي السابق. وذهب بعض المعلقين الساخرين إلى حد القول إن لدى موسكو مصلحة في إقدام قوات “فاغنر” على تدمير أكبر عدد من المنشآت في ليبيا، للفوز بصفقات إعمارها لاحقا.

مذكرتا تفاهم

أما الأتراك فحرصوا على طرق الحديد قبل أن يبرد، إذ أرسلوا وفدا رفيع المستوى إلى طرابلس، برئاسة وزير الخارجية وعضوية وزير الخزينة والمالية ورئيس المخابرات، إضافة إلى عدد من كبار المسؤولين في الرئاسة والحكومة التركيتين. وحسب مصادر تركية، تركزت محادثات الوفد مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج على محورين رئيسين أولهما عودة الشركات التركية إلى ليبيا، وثانيهما بحث المسائل العملية المتعلقة بتنفيذ مذكرتي التفاهم العسكرية والأمنية التركية مع حكومة الوفاق، الموقعتين في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وكانت المقاولات والشركات التجارية التركية حازت على قسم كبير من مشاريع الاستثمار في البنية الأساسية والمطارات والمنشآت النفطية والجسور والمستشفيات والفنادق والمجمعات السكنية ومحطات توليد الكهرباء، على عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، وهي مشاريع سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في أنقرة العام 2002. ومن أولى الأوراق التي ستضعها تركيا على مائدة التفاوض، دعما لحكومة الوفاق، معاودة فتح الحقول والموانئ النفطية الليبية، التي توجد غالبيتها في اقليمي برقة (شرق) وفزان (جنوب) تحت سيطرة قوات حفتر منذ العام الماضي. ويتسبب استمرار إقفالها بعجز متفاقم للخزانة الليبية.

معارضة شديدة

لا تقلُ أهمية عن ذلك، رغبةُ أنقرة بالاقتراب أكثر فأكثر من موارد الطاقة قبالة السواحل الليبية، حيث ستنطلق مجموعات تركية في أعمال التفتيش عن النفط والغاز، في غضون أربعة شهور، تنفيذا لمذكرة التفاهم الخاصة بتوسعة الجرف القاري بين ليبيا وتركيا. كما تعتزم تركيا إنشاء محطتين كبيرتين لإنتاج الطاقة الكهربائية في ليبيا. وتقدمت شركات تركية بطلبات للحصول على إجازات تفتيش في سبع مناطق ليبية. ويُتوقع انطلاق الأعمال في أعقاب انتهاء مؤسسة النفط التركية من تحليل البيانات. ويُثير هذا التطور معارضة شديدة من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، التي تحظى بالتعاطف من بعض الأمريكيين، أسوة بالجنرال المتقاعد توماس تراسك، الذي رأى في ذلك “تشجيعا لدبلوماسية التهديد من خلال تلبية مطالب أنقرة، حتى لو كانت غير مشروعة” فيما وصف بعض المحللين ما يجري حاليا في ليبيا بتقاسم كعكة بين الروس والأتراك، شبيه باتفاق أستانة الخاص بسوريا.

بالمقابل يرى كثير من الليبيين، خصوصا في المنطقة الغربية، أنه لا يجوز التعاطي مع الروس والأتراك على قدم المساواة، والتغاضي عن 360 عاما من التاريخ المشترك مع العثمانيين، الذين استنجد الليبيون بأسطولهم الحربي لتحرير طرابلس من قوات “فرسان مالطا” العام 1551.

 

باريس وبرلين وروما تطالب بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في ليبيا

 

أصدرت فرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانا مشتركا، يوم الخميس، دعت فيه جميع الأطراف الليبية إلى وقف القتال فورا دون شروط ووقف التعزيزات العسكرية الحالية في البلاد.

ودعت الدول الأوروبية الثلاث في بيان الأطراف الخارجية لإنهاء جميع أشكال التدخل في ليبيا والاحترام الكامل لحظر السلاح الذي يفرضه مجلس الأمن الدولي.

وقالت في بيانها، إنها “تشجع على اختتام سريع للمفاوضات بين المعسكرين الليبيين تحت رعاية الأمم المتحدة للسماح بالتوقيع على اتفاقية وقف إطلاق نار دائمة وذات مصداقية”.

وأكدت أن “ذلك يعد عنصرا أساسيا في تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف الحوار السياسي الليبي بشكل فعال، مما سيسمح بحل دائم للنزاع”.

وبينت الدول الثلاث أن “كل الجهود في هذا الاتجاه، بما في ذلك المبادرة المصرية التي أعلنت في 6 يونيو، يجب أن تكون محل تشجيع”.

وشددت على أن أي مبادرة لدعم اتفاق وقف إطلاق النار وتسوية سياسية متفاوض عليها للأزمة الليبية، يجب أن تكون شاملة تماما ويجب أن تكون متمسكة بمبادئ مؤتمر برلين، الذي لا يزال الإطار الوحيد القابل للتطبيق.

مسؤول: تركيا على أهبة الاستعداد للبدء سريعا في إعادة إعمار ليبيا

 

قال مسؤول تركي كبير يوم الجمعة إن تركيا مستعدة للبدء بخطى سريعة في إعادة إعمار ليبيا التي تنهشها الصراعات، وذلك بعد أن زار كبار مساعدي الرئيس رجب طيب أردوغان طرابلس هذا الأسبوع لمناقشة سبل التعاون في مجالات الطاقة والبناء والأعمال المصرفية.

وساعد الدعم التركي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا على تحويل مسار الحرب وإجهاض الهجوم الذي شنته قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر على مدى 14 شهرا للسيطرة على العاصمة طرابلس.

واجتمع وفد تركي يضم وزيري الخارجية والمالية مع مسؤولين في حكومة الوفاق يوم الأربعاء في محادثات قالت أنقرة إنها تهدف إلى وضع نهاية للقتال.

وقال المسؤول لرويترز طالبا عدم نشر اسمه إنهم ناقشوا أيضا المدفوعات المستحقة للشركات التركية عن أعمال الطاقة والبناء السابقة في ليبيا.

وأضاف المسؤول الكبير أن المسؤولين الأتراك وحكومة الوفاق الوطني بحثوا السبل التي يمكن لتركيا أن تساعد من خلالها في استكشاف وعمليات الطاقة، بما في ذلك التعاون “في كل مشروع يمكن تصوره” للمساعدة في وصول الموارد إلى الأسواق العالمية.

ومضى قائلا “حل الدمار بمناطق كثيرة من البلاد، وهناك حاجة ماسة إلى البنى الأساسية… الشركات التركية… في وضع يسمح لها بالبدء في مثل هذه الأعمال بسرعة”.

وقبل أن تلقي تركيا بثقلها رسميا وراء حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر تشرين الثاني، كانت شركات البناء التركية تعمل بالفعل في مشاريع بليبيا. وقال مسؤول في القطاع في يناير كانون الثاني إن حجم الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا يبلغ 16 مليار دولار، بما في ذلك ما بين 400 و500 مليون دولار في مشاريع لم تبدأ بعد.

وأضاف المسؤول أن شركة الكهرباء التركية كارادينيز باور يمكن أن تستخدم سفنها للتخفيف عن بعد من حدة نقص الكهرباء في ليبيا وسط القتال.

وقال مصدر تركي آخر إن أنقرة وحكومة الوفاق الوطني ناقشتا أيضا إرسال مستشارين أتراك إلى طرابلس للمساعدة في إعادة بناء منظومتها المصرفية.

وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو يوم الخميس لقناة (سي.إن.إن) ترك إن قسما من المحادثات يتركز على عودة الشركات التركية إلى ليبيا بعد انتهاء الصراع. وأضاف أن تركيا قد توسع أيضا نطاق تعاونها العسكري مع حكومة الوفاق الوطني.

وتتعاون تركيا وروسيا، اللتان تدعمان أيضا طرفين متصارعين في سوريا، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا. كذلك، أدى دخول تركيا في ساحة النزاع إلى تأجيج التوتر مع لاعبين آخرين، في الوقت الذي تسعى فيه أنقرة إلى الحصول على موطئ قدم في الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا.

واستأنفت حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي محادثات لوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة.