الخميس 03 يوليو 2025 7 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

ليبيا: أخبار وتقارير مجلس الأمن يصوِّت بالإجماع لتمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا لمدة عام





صوَّت مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة، بالإجماع على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حتى 31 أكتوبر 2023.

وجاء في القرار الذي حمل الرقم 2656 بأن المجلس يمدد البعثة “كبعثة سياسية خاصة متكاملة القيام بولايتها” كما ورد بالقرار رقم 2542 لعام 2020 الذي حدد مهام البعثة.

وأكد القرار على الالتزام بخارطة الطريق الصادرة عن منتدي الحوار السياسي الليبي والتمسك بمبادئه الحاكمة لإنهاء المرحلة الانتقالية والتأسف لعدم تنفيذ بعض بنوده.

ودعم القرار المجلس الرئاسي للمصالحة الوطنية كأساس لتدابير الثقة التي تضمن إجراء الانتخابات والترحيب بجهود الاتحاد الأفريقي بالخصوص، مؤكدًا ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفق توافق سريع بين المؤسسات المعنية.

هذا ورفض القرار أي إجراءات تؤدي إلى العنف، كما أكد علو معاقبة ومحاسبة المعرقلين للانتخابات والانتقال السلمي للسلطة. مشيرًا إلى أهمية إيجاد آلية ليبية تضمن إدارة عوائد النفط بعدالة وبشفافية، لافتًا إلى دعم بناء السلام ودور دول الجوار في تحقيقه مع منظمات الأمم المتحدة.

وفي إحاطته الأولى لمجلس الأمن، قال ممثل الأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي، إن الأزمة السياسية لا تزال قائمة من دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده في شأن السلطة التنفيذية. وأشار إلى استمرار وجود اختلافات كبيرة بين الأطراف السياسيين حول الطريقة التي يمكن من خلالها إجراء الانتخابات، إلّا أنه لفت إلى أن ثمّة توافقاً كاملاً على إدانة وجود المرتزقة والقوات الأجنبية والتدخّل الخارجي المستمرّ في شؤون البلاد، وهو الأمر الذي سيعمل على توظيفه بما يحقّق الاستقرار ويُنهي الوضع الهشّ.

هل تتجه أمريكا للحوار مع عسكر ليبيا بعد تعثر الحل مع السياسيين؟

 

رشيد خشـــانة – الأرجح أن الأمريكيين لو وجدوا اليوم جيشا مُنظما ومدربا على القواعد المهنية في ليبيا، لجربوا التعاطي معه، في أفق لعب دور سياسي يمكن من إنهاء الصراع الأهلي.

عندما تُعلن الولايات المتحدة أنها تتطلع إلى «الشراكة مع جيش ليبي موحد يساعد البلاد على الخروج من أزمتها، رغم التحديات التي تواجه هذا المسار» فذلك يعكس مللا عميقا من الصراعات البيزنطية بين الزعماء السياسيين، وبحثا عن شركاء آخرين. فليس مألوفا أن يتحدث الأمريكيون عن الجيش الليبي، وربما كانت الخيبات التي واجهوها مع أهل السياسة، منذ العام 2014 هي التي جعلتهم يفقدون الثقة بهؤلاء، ويُفتشون عن بدائل من داخل ليبيا، حسب ما قال القائم بالأعمال الأمريكي في طرابلس ليزلي أوردمان، في تغريدة نشرتها السفارة على منصة «تويتر». أكثر من ذلك عبر الدبلوماسي الأمريكي عن «سعادته» بإرسال وفد عسكري ليبي مشترك إلى المعرض الدولي للطيران والدفاع والفضاء في جزيرة جربة التونسية أخيرا.
وقاد الوفد المشترك، في أول بادرة من نوعها، كلٌ من رئيس الأركان العامة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان قوات القيادة العامة الفريق أول عبد الرازق الناظوري، المُقرب من اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وزاد أوردمان إيضاحا بقوله إن الشعب الليبي يستحق أن يكون له جيش موحدٌ، قادرٌ على الدفاع عن سيادة بلاده، كما يستحق حكومة منتخبة ديمقراطيًا تمثل ليبيا موحدة.
ولم يتمكن الجيش الليبي من إعادة اللحمة بين مكوناته منذ قرر الزعيم الراحل معمر القذافي حلهُ، بعد تعدُد المحاولات الانقلابية التي استهدفته، فأحدث «رئاسة أركان الوحدات الأمنية» في العام 1979. إلا أن الحدث الحاسم تمثل بإخراج ذلك الجيش البديل من تشاد، في 1987 إثر حرب دامت ثماني سنوات، إذ عاد بمعنويات منهارة، فاقدا الكثير من العسكريين من جميع الرتب، فتغولت وحدات «رئاسة أركان الوحدات الأمنية» المسماة «كتائب الأمن والحرس» واستأثرت بجميع إمكانات المؤسسة العسكرية، وتم التضييق على القوات المسلحة، التي أعيدت تسميتها «الشعب المسلح».
والأرجح أن الأمريكيين لو وجدوا اليوم جيشا مُنظما ومدربا على القواعد المهنية في ليبيا، لجربوا التعاطي معه، في أفق لعب دور سياسي يمكن من إنهاء الصراع الأهلي. وأثبتت التجارب في بلدان كانت متأزمة، أسوة بمصر والسودان أن الإدارات الأمريكية لا ترفض التحاور مع العسكر، ولا تعترض على منحهم دورا سياسيا، إذا ما تأكد لديها أن مفاتيح الاستقرار في أيديهم.
أما في ليبيا، فبالإضافة لزحف الكتائب القذافية، بقيادة معتصم معمر القذافي، على مدينة بنغازي، لسحق انتفاضة 17 شباط/فبراير 2011 تم استخدام ما تبقى من قوات الجيش الليبي المتمركزة في قاعدة بنينة (بنغازي) ما دفع الحلف الأطلسي إلى ضرب القوات الموالية للقذافي، حتى تقهقرت إلى مدينة أجدابيا (160 كلم جنوب بنغازي) ثم انسحبت إلى سرت. ولم يستطع ما تبقى من التشكيلات العسكرية لعب دور في العملية الانتقالية، إذ دخل في مواجهات جديدة مع التشكيلات الموازية له، وهي «كتائب الثوار» والميليشيات التي تشكلت بعد سقوط النظام. وما زاد الأمر تعقيدا، إعلان القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر أنه قائد «الجيش الوطني الليبي» مع إحكام قبضته ليس فقط على بنغازي، وإنما أيضا على غالبية الحقول والموانئ النفطية في الشرق والجنوب.
ومع انهيار النظام، أقبلت عناصر الميليشيات على مخازن الأسلحة التابعة للجيش تنهب منها ما استطاعت إليه سبيلا، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، وهو ما يُفسر امتلاك كثير من تلك الجماعات، الخارجة عن الدولة اليوم كميات كبيرة من الأسلحة من جميع الأحجام.
وما من شك بأن من قطعوا الطريق على أي دور للجيش، إذا ما توحد، في الوصول إلى الحل النهائي، هم الذين قطعوا رأس المؤسسة العسكرية، من خلال الاغتيالات التي طالت 600 من القادة العسكريين، من جميع الرتب، في مدينة بنغازي. والغريب أن الدولة، مُمثلة في «المؤتمر الوطني العام» (برلمان انتقالي) لم تُحرك ساكنا، حتى وصل الأمر إلى الإعلان عن تشكيل «قيادة عسكرية» بقيادة حفتر تحت عنوان محاربة الإرهاب في بنغازي والمنطقة الشرقية. والأرجح أن الأمريكيين لو وجدوا اليوم جيشا مُنظما ومدربا على القواعد المهنية في ليبيا، لجربوا التعاطي معه، في أفق لعب دور سياسي يمكن من إنهاء الصراع الأهلي. وهذا ما أكده أوردمان حين قال إن الولايات المتحدة تتطلع إلى «الشراكة مع جيش ليبي موحد، قادر على حماية الوطن ويكون مصدر استقرار وفخر للوطن بأكمله». وفي الاتجاه نفسه حض رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باثيلي على استئناف الحوار بين رئيسي الأركان الحداد والناظوري، بُغية توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.

حوارٌ مع العسكر

لكن ملف الأزمة الليبية ما زال بين أيدي المسؤولين السياسيين، بحكم طبيعة المرحلة التي تجتازها الأزمة حاليا، وسيبقى كذلك. وشكل الاجتماع الثلاثي الأمريكي-القطري-الليبي أخيرا في الدوحة، فرصة لمناقشة الحاجة لتوحيد السلطة التنفيذية وتجديد الشرعية، إضافة إلى إيجاد قاعدة دستورية وقانون للانتخابات. والظاهر أن القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة الليبية باتت موافقة على خطة لإعادة توزيع النفوذ بينها، في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان المصالح الروسية المتجددة من جهة، ومقتضيات عدم المساس بالمصالح الأمريكية أيضا، من ناحية ثانية.
ويُعتبر التقارب النشط بين تركيا وقطر من جانب، والإمارات ومصر وروسيا من جانب ثان، حول الملف الليبي تحولا مهما في مسار الحل السلمي في ليبيا. وتسعى أمريكا إلى ضم تركيا إلى مناخ التقارب هذا، إذ أعلن السفير والموفد الأمريكي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أنه أجرى ما وصفها بـ«مشاورات مفيدة» مع مدير عام دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخارجية التركية في أنقرة، محورها الجهود المبذولة لتحديد «ميقات مقبول» للانتخابات، من دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل. ولم تتسن معرفة خريطة الطريق، التي ناقشها أعضاء المطبخ الليبي في الدوحة، لكن الأرجح أنها تمحورت حول ظروف عقد مؤتمر جديد بعنوان «برلين3»، لإعادة قطار الحل السياسي إلى السكة وإحياء خريطة برلين، التي تجاوزتها الأحداث.
وانعكس ذلك في تقارب مماثل بين الفرقاء الليبيين، وخاصة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح (الذي زار الدوحة للمرة الأولى) ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، اللذين اجتمعا في جنيف ثم في المغرب، بعد سنوات من الجفاء. أما وجهة النظر الألمانية فترى أن مناقشة شرعية الحكومتين المتوازيتين، التي لا يوجد إجماع دولي كامل عليها، ليست حلا، وإنما ينبغي الاعتراف بهذه المشكلة أولا، بحسب السفير الألماني لدى ليبيا ميخائيل أونماخت. وشدد أونماخت في حديث أدلى به لإحدى القنوات التليفزيونية العربية، على ضرورة العودة إلى خريطة الطريق، قبل الحديث عن مؤتمر «برلين3».

دولة مدنية

ما العمل إذا: المؤتمر أولا أم خريطة الطريق في المقام الأول؟ يجيب بعض الليبيين رافضين هذه الثنائية، واضعين إجراء الاستفتاء على الدستور في مقدم الأولويات. ورأى عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ضو المنصوري أن فرص نجاح المؤتمرات الدولية في إيجاد حلول للأزمة الليبية، هي فرصٌ تُحيط بها العديد من المخاوف، وأولها تضارب المصالح بين الدول المؤثرة على الصعيد الدولي، وثانيها رغبة البعض الآخر بتصفية الحساب مع دول أخرى، مُتخذة من الأراضي الليبية مسرحا لها. ويُذكر المنصوري هنا بالإعلان الدستوري الذي أصدره «المجلس الوطني الانتقالي» (غير منتخب) في 2011 والذي احتوى على الخطوط العملية لقيام دولة مدنية. كما يُذكر بانتقال السلطة من المجلس إلى المؤتمر الوطني العام في السنة التالية. وقد حدد القانون طريقة انتخاب الهيئة التأسيسية ومهامها واستقلاليتها. واعتبر التعديل الدستوري السابع، الذي انتخبت بناء عليه الهيئة التأسيسية، أنها مُحددة المهام، ومنها تأسيس الدولة الليبية بوصفها سلطة تأسيسية، لا تتدخل فى عملها أية سلطة قائمة، وهو ما أكدته المحكمة العليا في ردودها على جميع الطعون التي رُفعت إليها.
وعلى هذا الأساس باشرت الهيئة التأسيسية (وهي منتخبة من الشعب في اختيار عام حر) أعمالها في 21 نيسان/ابريل 2014 واستكملت صياغة مشروع الدستور في 29 تموز/يوليو 2017. وعرضت خلاصة أعمالها، في جلسة علنية بواقع 43 صوتا من 44 صوتا كانوا حاضرين جلسة التصويت، وبنسبة تفوق النسبة التي اشترطها الإعلان الدستوري في مادته الثلاثين. لذا استبشر الليبيون بذلك الانجاز، مُتوقعين أن يكون طوق النجاة لإنقاذ المسار السياسي. وبتعبير آخر، أيقن كثيرون أن الاستقرار في ليبيا لن يكون إلا باستكمال المسار التأسيسي، والاستفتاء على مشروع الدستور، واعتبار من يقف ضد ذلك، معرقلاً للعملية السياسية، ومهدداً للأمن والسلم الاقليميين.
لكن ليس هذا رأي المُتنفذين حاليا، وفي مقدمهم عقيلة صالح وخالد المشري. فلئن اجتمعا أخيرا في المغرب، للبحث في ملفات الانقسام الحكومي، وإمكانات التوافق على صيغة لتجاوزه، فإن حوارهما تركز على كيفية تقاسم المناصب السياسية السبعة التي نص عليها الاتفاق السياسي المُوقع في الصخيرات (2015) وهي حاكم المصرف المركزي ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس جهاز الرقابة الإدارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد، بالإضافة لرئيس المفوضية العليا للانتخابات وأعضائها ورئيس المحكمة العليا والنائب العام. وفي الاجتماع الأخير الذي عقداه في جنيف حال الاختلاف على بند مهم في مشروع الدستور دون التفاهم، وهو البند المتعلق برفض ترشيح مزدوجي الجنسية للانتخابات المقبلة، ما يحرم شخصا مثل خليفة حفتر (حليف صالح) من فرصة الترشُح. وبناء على ذلك يعتقد المنصوري أن الاستقرار في ليبيا لن يكون إلا باستكمال المسار التأسيسي، والاستفتاء على مشروع الدستور واعتبار من يقف ضد ذلك، معرقلاً للعملية السياسية. والأرجح أن الاتصالات الجارية منذ مطلع ايلول/سبتمبر، ومنها الحراك المصري التركي القطري الليبي، قد تؤدي إلى تدوير الزوايا، ولربما تعديل شروط الترشح للرئاسة، لكن ماذا سيكون المقابل؟

مؤتمر جامع لـ”المصالحة” قد ترعاه أفريقيا، والدبيبة يرفض تسييس الملف

 

أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة أن ملف المصالحة الوطنية يجب أن يكون بعيدا عن أي تسييس من أي طرف كان.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية إن الدبيبة شدد على ضرورة متابعة صرف منح بدل الإيجار عبر آلية تضمن وصولها لجميع مستحقيها من درنة؛ مبينا أن الاجتماع تطرق إلى الأوضاع والصعوبات التي تواجه النازحين داخل المدينة ممن تعرضت منازلهم للتدمير إضافة إلى المختنقات التي تعانيها درنة.

جاء تأكيد الدبيبة خلال لقائه الاثنين في العاصمة طرابلس وفدا من تجمع رابطة أهالي ونشطاء ونازحي درنة.

إلى ذلك، أكدت بعثة الاتحاد الأفريقي في لقائها باللجنة الاستشارية لمشروع المصالحة استعدادها لتنظيم مؤتمر جامع تنبثق عنه قرارات مهمة، تمهد الطريق لإنجاز كل استحقاقات المرحلة في ليبيا وفي مقدمتها المصالحة.

و أكد رئيس اللجنة رفيعة المستوى لرؤساء وحكومات الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا دينيس ساسو، دعم الاتحاد الأفريقي جهود المصالحة الوطنية في ليبيا، لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفق إطار قانوني، وذلك خلال اجتماع ترأسه النائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي الاثنين بطرابلس.

وفي لقاء آخر، جمع السفير الإسباني في ليبيا “خافيير لاراشي” مع النائب بالمجلس الرئاسي عبدالله اللافي، شدد الأخير على أهمية تفعيل المسار الأمني، وجمع السلاح في البلاد, باعتباره الضمان لإنجاح المصالحة الوطنية، والعملية السياسية في ليبيا, على حد قوله.

ووفقا للمجلس الرئاسي, أكد السفير الإسباني دعم بلاده لخيارات الشعب الليبي وكل ما من شأنه أن يمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

الجزائر تسعى للخروج من القمة العربية بموقف موحد من تسوية الصراع في ليبيا

 

رشيد خشــــانة – يبدو أن الجزائريين باتوا مع تشكيل حكومة مصغرة تُعد للانتخابات، لا يشارك فيها الدبيبة ولا باشاغا، بالرغم من كونهم لا يعترفون سوى بشرعية حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة.

بعد فترة غلب عليها التحفظ والاكتفاء بمتابعة الأوضاع في ليبيا عن بعد، يسعى الجزائريون اليوم إلى لعب دور أساسي في بلورة مسار انتخابي يفتح على حل نهائي للأزمة، مُعززا بدعم عربي في القمة المقبلة للجامعة العربية. ولم تكن هذه المشاركة الجزائرية في توليد الحل لتتيسر لو لم تكن مُتسقة مع الخيار الذي انتهى إليه صُناع القرار الحقيقيون في الغرب، والمُتمثلون في أعضاء «مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا». ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أعضاء «مجموعة الاتصال» اتفقوا على ضرورة استعادة زخم العملية السياسية، عبر دعم المبعوث الأممي الجديد عبد الله باثيلي.
وتتألف المجموعة من ممثلين لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ويُعتبر الدور الجزائري في هذا الإطار عنصرا مساعدا على التقدم صوب الحل السياسي. وهذا معناه أن الجزائريين اختاروا النزول إلى الملعب قبل انطلاق المباراة كي يضمنوا دورا فعالا في مُجرياتها. وتجلت العودة الجزائرية إلى الاهتمام بالملف الليبي في الزيارة التي أداها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى العاصمة الجزائرية الأربعاء والخميس الماضيين، تلبية لدعوة من الرئيس عبد المجيد تبون. ولم ترشح معلومات دقيقة عن فحوى المحادثات بين الرئيسين، إلا أن مصادر جزائرية أفادت أن تبون شجع المنفي على لعب دور أساسي في التقريب بين الحكومتين المتنازعتين على الشرعية، وهما حكومة عبد الحميد الدبيبة وحكومة فتحي باشاغا. كما أتت الزيارة بعد مكالمة هاتفية مهمة بين الرئيس الجزائري ونظيره الألماني فرانك شتاينماير.
والأرجح أن الأخير استطلع موقف الجزائر من فكرة عقد مؤتمر «برلين3» تمهيدا لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا. والأرجح أيضا أن الجزائريين باتوا مع تشكيل حكومة مصغرة تُعد للانتخابات، ولا يشارك فيها عبد الحميد الدبيبة ولا فتحي باشاغا، بالرغم من كونهم لا يعترفون سوى بشرعية حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة. ويتقاطع هذا الموقف مع موقف واشنطن، التي دعا سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى تشكيل حكومة لا يُمثل فيها الغريمان، ما شكل تغييرا مهما في الموقف الأمريكي من الدبيبة.
والظاهر أن المحور الرئيسي في محادثات باشاغا في تونس مع الموفد الأممي الجديد الدكتور عبد الله باثيلي، دار حول التشكيلة الحكومية البديلة (المصغرة) وشروط الرجلين للموافقة على الانسحاب من الحكومتين اللتين يرأسانهما حاليا. وأفادت مصادر جزائرية أن الجانبين تناولا تطورات الوضع السياسي في ليبيا، وضرورة تحقيق المصالحة الوطنية تمهيدًا لإجراء الانتخابات العامة. ويُفترض أن باثيلي قادر على الخوض في المسائل المطروحة، بما فيها أمور التشكيل الحكومي، بحكم كونه مُتابعا للشأن الليبي، في إطار مهمة تقويم عمل البعثة الأممية، التي أوكلتها له الأمم المتحدة، منذ سنة ونصف السنة.
ولم يجتمع باثيلي حتى اليوم مع الدبيبة، غير أن الأخير دافع عن أداء حكومته، ورد على من انتقدوا الاتفاقية التي وقعها مع الأتراك، من أجل التنقيب المشترك عن مصادر النفط والغاز في السواحل الليبية. وبرر ذلك بأن زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز بعد الحرب على أوكرانيا، تُعتبر فرصة ذهبية يجب استغلالها، مشيرا إلى أن ليبيا منبع للنفط والغاز، وعليه «يجب التعاقد مع الشركات وإبرام العقود والمشاريع لاكتشاف النفط والغاز داخل الأراضي الليبية وإنتاجه وبيعه». وحسب الدبيبة هناك الكثير ممن يريدون التعاون، «لكننا نبحث عن مصالحنا، ومن يقف معنا في الضيق من دول ورجال سنقف معه ونساعده في السراء والضراء» في إشارة إلى الاتفاقية التركية الليبية الأخيرة. وشرح الدبيبة أن حكومته خاضت مفاوضات مع تركيا، لما يقرب من عام، بشأن مذكرة التفاهم الجديدة لتجنب الأخطاء، على ما قال في فيديو بثته منصة «حكومتنا» على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
وما يسترعي الانتباه في الاتصالات الجارية والمناقشات المتعلقة بالحل السياسي أن هناك ما يُشبه الاتفاق الضمني على ضرورة المصالحة الوطنية، وهو ما عبر عنه أخيرا نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، في معرض حديثه عن جهود الجزائر الرامية لتسوية الأزمة الليبية، إذ أكد أن هناك لأول مرة «شبه توافق» بين الأطراف الليبية حول مشروع المصالحة الوطنية. ويبدو أن الموقف الدولي انتهى إلى الخلاصة ذاتها، إذ يتكرر الكلام على لسان خبراء وباحثين غربيين عن مشروع المصالحة الوطنية، وإن ظل الشعار بحاجة إلى تعريف وتدقيق. من ذلك ما قاله الخبير الإيطالي دانييلي روفينيتي من أن الانقسام في ليبيا لا يمكن تجاوزه إلا بحل بديل، وهو «حكومة ثالثة» تحظى بثقة الداخل، ويكون هدفها تحقيق الاستقرار وإنجاز الانتخابات والمصالحة. وحض روفينيتي الحكومة الإيطالية الجديدة على «العودة في أقرب وقت ممكن إلى الملف الليبي، الذي أخذ منحى أكثر تعقيدا بعد مواصلة تركيا لعبتها» في إشارة إلى مذكرة التفاهم الليبية التركية. إلا أن روفينيتي أكد في الوقت نفسه، أن «التقارب التركي – المصري قد يضفي شرعية على الحل الجديد، لأن عديد الفاعلين الليبيين يعتبرون هذين البلدين مرجعية».

صندوق الاقتراع

أما الرئيس تبون فأكد في المؤتمر الصحافي المشترك مع المنفي أن الحل الليبي للأزمة هو الوحيد الكفيل بتحقيق الاستقرار والرخاء والازدهار في ليبيا، ويتمثل في الرجوع إلى الشعب الليبي، لكي يختار من أراد ويعطي الشرعية لمن يمثله عبر العالم، من خلال صندوق الاقتراع. وأشاعت زيارة المنفي إلى الجزائر شعورا بالأمل لدى الليبيين، لأن الجزائريين سيستضيفون القمة العربية المقبلة يومي 1 و2 الشهر المقبل. ويتطلع الليبيون في هذا الإطار إلى دور جزائري حازم لوقف التداخلات الخارجية في الملف الليبي، ودفع الدول العربية إلى الالتزام بموقف الحياد، والامتناع عن تأجيج الصراع وتغذيته بالسلاح وحتى بالمقاتلين.
في السياق لوحظ أن الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل، المعنية بالقانون الإنساني الدولي، والمنبثقة من عملية برلين، عقدت أخيرا اجتماعا بحضور خبراء دوليين، محورها المصالحة الوطنية القائمة على الحقوق، بمشاركة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وأكد عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، خلال مشاركته في الاجتماع، أن المصالحة الوطنية «هي طريق نجاح أي حل سياسي لتحقيق الاستقرار والسلام المستدام في ليبيا» مشيرا إلى أن المجلس الرئاسي عازمٌ على المُضي في هذا المسار، الذي يعمل عليه منذ أشهر، على ما قال.
بالمقابل هناك فريق ليبي يائس من فرص نجاح الوساطات، إن كانت عربية أم غربية، انطلاقا من أن الفرج لو كان آتيا فعلا لبرزت أماراته ورسائله منذ الآن. ويعتقد هذا الفريق أن وجود قوة داخلية أو خارجية متفوقة (فاغنر أو خبراء الطائرات المسيرة الأتراك أو سواهم) هو الكفيل وحده بإنهاء الحرب ووقف النزيف. وفي السياق اعترف رئيس الحكومة المُنبثقة من البرلمان فتحي باشاغا، في حوار مع قناة «الوسط» الليبية، بأن هناك قوة خارجية «هي التي كانت سدا منيعا لعدم الدخول (دخول قواته) إلى طرابلس». وبالرغم من أن باشاغا رفض تسمية هذه القوة، فالواضح أنها الولايات المتحدة. وبتعبير آخر فمن يمتلك القوة هو من يتفوق ويملك الحسم. غير أن استئناف القتال مستبعد في الظرف الراهن، بسبب فيتو دولي على عودة الحرب إلى ليبيا.

أين الجيش الليبي؟

ولسائل أن يسأل: أليس الجيش الليبي قادرا على أن يكون هو تلك القوة التي تحتكر العنف الشرعي، حسب المصطلح الشهير للمفكر الاجتماعي ماكس فيبر؟ يختلف الجيش الليبي عن الجيوش الأخرى، لأن تاريخ الدولة في ليبيا كان، في أحيان كثيرة، مليئا بظواهر اللادولة وضعف الاندماج في المؤسسات، فلا السلطة استطاعت في عهدها الملكي الادماج الوطني، الذي لا يتزعزع، ولا الناس كانوا يسيرون في منهج الاندماج هذا. أما معمر القذافي الذي فقد ثقته في القوات المسلحة، بعد تعدد المحاولات الانقلابية ضده، فأحدث «رئاسة أركان الوحدات الأمنية» عام 1979وأسند لأبنائه قيادة الكتائب بعد حل الجيش الليبي رسميا.
ومع اندلاع انتفاضة 17 شباط/فبراير 2011 استقدمت حكومة القذافي كتائب أمنية ضمت متطوعين للقضاء على الثورة في بنغازي، وسرعان ما دخل ما تبقى من الجيش المُنحل في مواجهات مع التشكيلات الموازية، وهي «كتائب الثوار» والميليشيات التي تشكلت بعد سقوط النظام. لا بل تم دعم تلك الميليشيات، التي استأثرت بكامل موازنة المؤسسة العسكرية، بموافقة المؤتمر الوطني العام (برلمان انتقالي) بينما تم تهميش الوحدات النظامية ومعسكراتها. وفي مناخ شبيه بالحرب الأهلية، كثرت اغتيالات العسكريين من جميع الرتب في مدينة بنغازي، وخاصة الضباط، إذ بلغ عدد الاغتيالات قرابة 600 عسكري.

فرض الولاء للدولة

لم تحرك الدولة، مُمثلة في «المؤتمر الوطني» ساكنا إلى أن وصل الأمر إلى الإعلان عن تشكيل «قيادة عسكرية» برئاسة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعنوان محاربة الإرهاب في بنغازي، بعدما سيطرت على معظم مناطقها ميليشيات أصولية مسلحة. وفتح الجيش في أعقاب دخوله إلى بنغازي في 2014 حربا على تلك الأجسام العسكرية، بالرغم من أن غالبية أسلحته صارت في قبضتها. لهذه الأسباب التاريخية ليست هناك اليوم قوة داخلية يمكنها التغلب على القوات غير الشرعية وفرض الولاء للدولة عليها.
يُضاف إلى ذلك تركيز الأوروبيين حتى الآن على المنطقة الشرقية متناسين الجنوب (اقليم فزان) ومن المهم للغاية، مثلما تقول رافاييلا ديل سارتو الأستاذة في جامعة جونز هوبكنز، البدء في وضع الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط على الأجندة السياسية لأوروبا. لكن من الواضح أن الحرب الأوكرانية باتت تتصدر سلم الأولوية الجيوسياسية للغرب. لهذا السبب تتجه بوصلة الليبيين إلى القمة العربية المقبلة في الجزائر عساها تنجح في تعبيد الطريق للحل السياسي في بلدهم، من خلال اتفاق الدول العربية على موقف موحد يُنهي الصراع المسلح في جوار الجزائر. ومن أهم شروط النجاح في بلورة ذلك الموقف الموحد، وجود توافق مصري جزائري على الحل السياسي. وستكون القمة العربية محكا لمدى واقعية هذا الطرح.

رئيس الموساد السابق يروي تفاصيل اكتشاف «المشروع النووي الليبي»

 

صورة مركبة للعقيد معمر القذافي والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش خلال تفقده معدات البرنامج النووي الليبي التي سلمها القذافي للولايات المتحدة في 19 ديسمبر 2003. (الإنترنت).


قدم رئيس قسم المخابرات العسكرية بـ«الموساد» سابقا، أمنون صفرين، للمرة الأولى في شهادة له ملابسات اكتشافهم ما أسماه «المشروع النووي الليبي» الذي جرى إخفاؤه في مدرسة ومزرعة ريفية، والذي كان في مرحلة متقدمة جدا ويقف وراءه أبوالقنبلة النووية الباكستانية عبدالقدير خان.

معلومات إسرائيلية جديدة سردها صفرين بمناسبة مرور الذكرى الـ15 لتدمير تل أبيب ما زعم أنه مقر المفاعل النووي السوري بدير الزور، بعدما اكتشفته فجأة. وبدأ صفرين في تقديم مسيرته المهنية خطوة بخطوة في الاستخبارات العسكرية ثم التحاقه بوكالة التجسس التابعة للموساد، وفق ما صرح لجريدة «ذا تايمز أوف إسرائيل» الصهيونية يوم 9 أكتوبر الجاري.

تتبع البنية التحتية لـ«النووي الليبي»
وعاد إلى تاريخ إعلان البريطانيين والأميركيين في ديسمبر 2003 أنهم تمكنوا بعد عدة أشهر من المفاوضات من إقناع العقيد معمر القذافي بالتخلي عن خططه للأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات، وزعم رئيس الموساد الأسبق متسائلا «أتأمل هذه الحادثة وأسأل نفسي: هل علمنا بها؟ لقد أدركنا أن هناك نوعا من البنية التحتية في ليبيا، لكننا كنا بعيدين جدا عن فهم الموقف ومدى قرب القذافي من السلاح النووي.. لقد أدركنا جميعا أن إسرائيل مستبعدة من العملية، وهذا يتطلب منا التوصل إلى نتائج فورية».

ومما ساقه المسؤول العسكري الإسرائيلي أن المشروع النووي في ليبيا «اتضح أنه كان في مرحلة متقدمة جدا وأن الشخص الذي كان يقف وراء المشروع هو عبدالقادر خان، وهو عالم فيزياء باكستاني باع خبرته النووية لكل من يرغب، وكان علم أن دولتين على الأقل اشتريتا خدمات خان هما إيران وليبيا».

وفي ديسمبر العام 2003، قررت ليبيا التخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، نتيجة مفاوضات سرية بشأن ملف البرنامج النووي الليبي جرت على مدى تسعة أشهر بين طرابلس وكل من واشنطن ولندن، وفق سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي. وحينها، قال سيف الإسلام القذافي لقناة «الجزيرة» إن «القرار سيجنب ليبيا أي تهديدات غربية وأميركية على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن ليبيا كانت تملك برنامجا نوويا فعالا، غير أنه نفى امتلاكها أسلحة دمار شامل.

ودافع القذافي عن موقف بلاده من التخلي عن برامجها في مجال أسلحة الدمار الشامل طواعية. وأضاف في بيان وزعته وكالة الأنباء الليبية الرسمية أن ليبيا ستتخلى عن جميع المواد والمعدات التي لها علاقة ببرامج تلك الأسلحة وأنها ستلتزم بمعاهدات الحد من انتشار الأسلحة وتسمح بعمليات التفتيش من قبل الوكالات الدولية.

وفور إعلان القرار في العام 2003، رحب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش به، معتبرا أنه وضع ليبيا على طريق العودة إلى المجتمع الدولي. فيما قال رئيس الوزراء البريطاني (وقتذاك) توني بلير إن القذافي تعهد بالتعاون التام وبشفافية مع المؤسسات الدولية التي ستبحث في أسلحة الدمار الشامل الليبية. وقال إن طرابلس أعربت عن رغبتها في التعاون لإيجاد حل لقضية أسلحة الدمار الشامل بنفس طريقة حل قضية لوكيربي.

عائلة تينر السويسرية والمشروع الليبي
وزعم المسؤول الاستخباراتي الصهيوني أن ما وصفه بـ«إخفاء» المشروع الليبي كانت تقف وراءه عائلة تينر السويسرية، التي زودت مواقع التخصيب بأجهزة الطرد المركزي وبمواد البناء باستخدام سندات شحن مزورة قدمت إلى السلطات السويسرية. في حين جرى إخفاء الموقعين النوويين الرئيسيين في ليبيا في مدرسة ومزرعة ريفية لم يحدد موقعهما بدقة.

وتابع رئيس الموساد السابق يقول «في مرحلة ما، وصلت المعلومات حول تورط عائلة تينر إلى وكالة الاستخبارات المركزية، ما جعل أفرادها، بشكل فعال، عملاء مزدوجين يقدمون معلومات حول التقدم المحرز في المشروع النووي الليبي الذي يشرف عليه خان».

تهديد أميركي بريطاني للقذافي وشبح مصير صدام
وأكد أن هذه هي المعلومات الاستخباراتية التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا عندما اقتربتا من القذافي وهددتا بمهاجمة المنشآت، مبينا أن القذافي أجرى حسابات سريعة وأدرك أن مصيره سيكون مثل صدام حسين في العراق، ووافق على الكشف عن المشروع بأكمله والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بتفكيكه.

وأشار صفرين إلى أنهم قرروا تتبع عبدالقادر خان لمعرفة الدول التي زارها في المنطقة والتي كان من بينها سورية. وقال إن معلومات محددة وصلت إسرائيل من أحد الأطراف أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حول الأنشطة السورية المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي النووية. فقد كانت المعلومات أولية ولم تتطور لتكون كافية لإطلاق عملية استخباراتية، إلى أن جرى الإعلان الأميركي البريطاني عن تفكيك مشروع القذافي.

نوايا سورية بعد القذافي
وفي سياق القضية الليبية كشف المسؤول الاستخباراتي في تلك الفترة تكليف باحثين اثنين بتفحص جميع المواد من العقد الماضي لتحليل نوايا سورية بناءً على ما أقدم عليه القذافي، وأن هذين الخبيرين المتخصصين عادا بعد شهر ونصف من العمل باستنتاج جلي يفيد بأن سورية لديها برنامج نووي، لكنهما لم يتمكنا من تحديده بالتفصيل. وتابع مزاعمه عن بدء تشييد قدرات نووية، وهذا جرى بالفعل في يناير 2004، ليصدر الموساد في فبراير 2004، أول تحذير حول احتمال وجود مشروع نووي في سورية، مشيرا صفرين، إلى نشاط مشبوه على أساس التجربة الليبية وتورط العالم الباكستاني.

ولفت صفرين إلى قرب خطأ الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد مسار البرنامج النووي السوري فظنت في البداية أنه على خطى عبدالقادر خان المتخصص في التخصيب وكان الافتراض العملي هو أن سورية كانت تتبع المسار نفسه، وهو تقييم ثبت لاحقا أنه خاطئ.

نشاط «نووي» في سورية
وواصل رئيس الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي الأسبق في سرد حيثيات التجربة السورية ففي نهاية 2006 قال «بدأنا في تكوين فكرة حول وجود عدة أماكن بها نشاط مشبوه في هذه المرحلة لم نتمكن من تحديد ما الموجود في كل مكان، لكننا قيمنا أن هناك نشاطًا نوويا».

وبعدها توصل الصهاينة إلى أن الافتراض الرئيس المتوفر لديهم يتعلق بأجهزة الطرد المركزي في حين أن الاتجاه الصحيح هو في الواقع مفاعل «بلوتونيوم» على حد قوله. وبعد أبحاثها توصلت الاستخبارات العسكرية الصهيونية إلى أن المفاعل النووي السوري لا يتفق مع النموذج الباكستاني بل الكوري الشمالي. وعاد صفرين إلى رصد خلال تلك الفترة نشاطا للكوريين الشماليين في سورية، حيث دخلت في سباق مع الزمن خشية أن تكون شحنة البلوتونيوم موجودة بالفعل في سورية وأن المفاعل سيتم تشغيله. إذا كان الأمر كذلك، فإن أي هجوم عليه سيعني انفجارا نوويا لا يمكن السيطرة عليه.

وناشدت تل أبيب الأميركيين مهاجمة الموقع، إلا أن جورج بوش الابن رفض وأنهى الرئيس السابق أيهود أولمرت الحديث بجملة تقول «إسرائيل ستفعل ما يجب عليها أن تفعله». وبدأت إسرائيل التحضير لتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور، مع وضعها افتراض أن يقدم الرئيس السوري بشار الأسد بعد قصف المفاعل، على شن حرب ضد دول الكيان.

ذخائر أميركية لقصف المفاعل السوري
وكشف صفرين نقل ذخائر خاصة استجلبت من الولايات المتحدة لاستعمالها في قصف المفاعل النووي السوري، فقد رست السفينة الأميركية في جزيرة كريت بدلا من ميناء أشدود بسبب حجمها الضخم، وعلى مدار ثلاثة أيام قامت السفن الإسرائيلية بتحميل الشحنة في الجزيرة ونقلها إلى إسرائيل دون أن يلاحظ أحد النشاط الإسرائيلي المكثف في البحر الأبيض المتوسط.

وفي 6 سبتمبر 2007 أطلقت تل أبيب عملية تحت اسم «خارج الصندوق»، بدأت بقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي المفاعل السوري وتدميره بالكامل، لافتا صفرين إلى أن المشروع النووي السوري لم يبدأ مع بشار الأسد بل مع والده حافظ الأسد، وربما كان ذلك في منتصف الثمانينيات، معترفا بأنهم لم يفهموا ترديد الأخير عبارة «التوازن الاستراتيجي» والتي كانوا يعتقدون أنها تعني تعزيز كبير لقدرته العسكرية التقليدية لمواجهة إسرائيل.

الروس من الجنوب والأتراك من الشمال: ليبيا تغرق في الاستقطابات الإقليمية

 

رشيد خشــانة – المناكفات الليبية الليبية قد تُعطل الحوار الدائر بين بعض الأطراف الإقليمية، بوساطة قطرية، للإعداد لمؤتمر جامع يُعيد عربة الحل السياسي إلى السكة.

ثلاث مذكرات تفاهم جديدة بين ليبيا وتركيا قصمت ظهر حكومة عبد الحميد الدبيبة، إذ عمقت الاستقطابات الإقليمية ضده، وأتاحت لخصومه مطاعن أضعفت موقعه داخليا وخارجيا. وكان لافتا أن أنقرة أرسلت وفدا رفيع المستوى إلى طرابلس، برئاسة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. وفي خطوة كررت ما تم في العام 2019 من تبادل مذكرات تفاهم بين حكومة فايز السراج والحكومة التركية، تخص ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وقعت وزيرة الخارجية الحالية نجلاء المنقوش، مع نظيرها أوغلو مذكرة تفاهم للتنقيب المشترك عن النفط والغاز في المياه الليبية.
عمليًا، ستفتح هذه الاتفاقية مساحات أكبر أمام تركيا للتنقيب عن مصادر الطاقة في شرق البحر المتوسط وجنوبه، في مناطق تعتبرُ اليونان وقبرص أنها تابعة لهما. كما وصفتها مصر من قبل بأنها «غير قانونية». وكانت هذه المذكرة واحدة من ثلاث مذكرات تفاهم مع أنقرة بشأن التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والإعلام.
وستبقى المذكرة «سارية المفعول لمدة ثلاث سنوات، ويتم تجديدها لفترات متتالية ما لم يُخطر أحد الأطراف بإلغائها». كما يجوز إنهاء المذكرة ببادرة من أي طرف في أي وقت، عن طريق إعطاء إشعار كتابي مسبق بثلاثة أشهر. ونفخت المذكرات الجديدة النار في رماد الخلافات الليبية-الليبية والإقليمية إذ أثارت حفيظة الجيران، وأساسا مصر واليونان، كما أغضبت الاتحاد الأوروبي غريم تركيا. وتبلور نوع من الاجماع على كون حكومة الدبيبة غير مؤهلة للتوقيع على هكذا اتفاقات، بوصفها مؤقتة تقتصر مهمتها على الإعداد للانتخابات. وشمل طيف المُعترضين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي خالد المشري، على الرغم من انتماء الأخير للتيار الإخواني الليبي، القريب من تركيا.
كما شمل الاعتراض أيضا رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب الليبي، عيسى العريبي، الذي اعتبر الاتفاقات الموقعة مع الجانب التركي «غير قانونية وغير ملزمة». وعزف العريبي على وتر المناطقية، إذ اعتبر في بيان له أن هكذا اتفاقات «تسلب برقة (شرق) حقها النفطي، بسبب الحكومة منتهية الولاية بطرابلس (غرب) والتي لا تملك السيطرة ولا الحكم على برقة وفزان (جنوب)».
وفي السياق أعلن ثلاثة وسبعون عضوا بمجلس الدولة، أن توقيع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة على مثل هذه المذكرات الغامضة «وفي مثل هذا التوقيت يمثل محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع». ورفضوا ما سموها «انتهازية سياسية من الأشقاء الأتراك» معتبرين أن ذلك قد يضعهم، أي الأتراك، مستقبلا في مواجهة المصالح الوطنية الكبرى لليبيا، في الوقت الذي يسعى فيه الليبيون للتوافق من أجل استعادة الدولة وقرارها الوطني.
أكثر من ذلك، أثارت المذكرات خلافات داخل حكومة الدبيبة ذاتها، إذ أبدى وزير النفط والغاز محمد عون ملاحظات جوهرية على النسخة التي اطلع عليها قبل يوم التوقيع. ولم تُؤخذ تلك الملاحظات في الاعتبار، بالرغم من كونه أشعر زملاءه في الحكومة بأنه لن يُوقع على مذكرة التفاهم المتعلقة بالتفتيش المشترك عن النفط والغاز في المياه الليبية. وفي يوم التوقيع كان عون موجودا في مهمة رسمية بأفريقيا الجنوبية، فأتت الصدفة مواتية لتكليف وزير الاقتصاد محمد الحويج بالتوقيع على الوثيقة بوصفه «وزير النفط والغاز بالوكالة». والأرجح أن الدبيبة ثبت هذا الأمر الواقع، واعتبر عون مستقيلا وسمى في مكانه الحويج وزيرا للنفط بالوكالة. وأتى الرد الرسمي الوحيد على تلك الانتقادات من الحويج الذي اعتبر أن المذكرة ليست اتفاقية وإنما مذكرة تفاهم، «ترمي إلى الاستثمار واستغلال الظرف الدولي، والحاجة الملحة للطاقة بعد الحرب الروسية-الأوكرانية».

سحب المرتزقة

هذه المناكفات الليبية الليبية قد تُعطل الحوار الدائر بين بعض الأطراف الإقليمية، بوساطة قطرية، للإعداد لمؤتمر جامع يُعيد عربة الحل السياسي إلى السكة. وتزايد الحديث في الفترة الأخيرة عن مشروع إقامة مؤتمر ثالث في برلين يُمهد لانتخابات تُفضي إلى تشكيل حكومة منتخبة. وكان هذا الأمر في قلب الزيارة الأولى التي أداها المبعوث الألماني الخاص إلى ليبيا كريستيان باك، حيث اجتمع مع الوزيرة المنقوش وبحث معها إمكان عقد مؤتمر «برلين 3» ما اعتُبر أمارة على عودة ألمانيا إلى دور قيادي في العملية السياسية. وتحدثت المنقوش بعد اجتماعها مع الموفد الألماني الخاص عن «خريطة طريق مختصرة وواضحة المعالم، تحدد الالتزامات تجاه العملية الانتخابية» من دون إعطاء تفاصيل.
وتُعزى عودة الاهتمام الألماني بالملف الليبي إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، وانعكاساتها على أسواق الغاز في العالم. ويمكن القول إن ألمانيا حازت على وكالة من الأمريكيين لإدارة الحل السلمي في ليبيا، بعد إخفاق الدبلوماسيتين الفرنسية والإيطالية في تحقيق اختراق نوعي على طريق المصالحة والتسوية السلمية للصراع. وساهم الانسحاب الفرنسي الاستراتيجي من منطقتي الساحل والصحراء، في فسح المجال أمام روسيا، لكي تدخل على خط الصراعات، وتتمدد عسكريا واستراتيجيا في المنطقة المُتاخمة للجنوب الليبي، لا بل وتنتشر شرقا وجنوبا عن طريق قوات «فاغنر» الداعمة للحاكم العسكري للمنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولم يتحرج ثعلب الدبلوماسية الروسية ميخائيل بوغدانوف من التصريح لإحدى وكالات الأنباء بأن غاية روسيا اليوم هي «استعادة الوجود الذي كان لها قبل تفكك الاتحاد السوفييتي». وأعلن بوغدانوف أن روسيا اتخذت قرارا باستئناف عمليات قنصليتها العامة في بنغازي، وهي تستعد لتعيين سفير روسي لدى ليبيا «في المستقبل القريب» وأن فريقا فنيا وصل إلى ليبيا، ليرى كيفية الإعداد العملي لمعاودة فتح السفارة الروسية في طرابلس. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال قبل أيام إنه «يُعلق أهمية كبيرة على العلاقات مع ليبيا، ويهتم بالتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للصراع الداخلي الذي طال أمده في ذلك البلد».
وتشكل هذه العودة الروسية إلى الملعب الليبي أمرا منتظرا بعد الانسحاب الفرنسي المرتبك من منطقتي الساحل والصحراء، وانتشار روسيا في القارة الأفريقية بواسطة الشركة العسكرية والأمنية «الخاصة» فاغنر، التابعة للكرملين. وتُجمع التقارير على أن «فاغنر» تغلغلت في بلدان محددة أهمها مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو والسودان وتشاد، ما يشكل خطرا على جنوب ليبيا حيث ما زالت مؤسسات الدولة مشلولة منذ 2011. وكان اللواء المتقاعد خليفة حفتر اعتمد على عناصر «فاغنر» في تسيير هجومه على طرابلس، الذي انطلق في الرابع من نيسان/ابريل 2019 وانتهى من دون تحقيق هدفه. ويُقدر عدد عناصر شركة «فاغنر» في شمال شرق ليبيا حاليا بـ1200 عنصر مسلح، ما يُشكل تحديا مستمرا للسيادة الليبية مأتاه الجنوب.
ويأتي التحدي الآخر من الشمال حيث تتعاطى تركيا مع ليبيا بكثير من الصلف، الذي يقترب من الإملاء، مستثمرة وهن الدولة الليبية وانقسام مؤسساتها. ولعل هذا ما عناه البيان الصادر عن ثلاثة وسبعين عضوا بمجلس الدولة، رفضوا مذكرة التفاهم مع تركيا في المجال النفطي، واصفين إياها بـ«الانتهازية السياسية من الأشقاء الأتراك» ومُحذرين من أن ذلك قد يضع الأتراك مستقبلا «في مواجهة المصالح الوطنية الكبرى لليبيا وكل المحاولات الوطنية الجادة للتوافق بين الليبيين نحو استعادة الدولة وقرارها الوطني». ولا يمكن أن تتحقق تلك السيطرة طالما ما زالت جماعات مسلحة تستقوي على الدولة. ولهذا السبب تدعو الحاجة للتوصل إلى اتفاق مع أولئك الذين يسيطرون على الأسلحة ووسائل العنف.
ووسط هذه الأجواء المتوترة، ما زالت الجزائر تثق في قدرة حكومة الدبيبة على قيادة المسار المُفضي إلى الحل السياسي، إذ أنها تعتبرها السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا. ويبدو أن هذا هو الموقف الذي أبلغه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الرئيس الألماني فرانك شتاينماير، خلال مكالمتهما الهاتفية الأربعاء الماضي، حيث أكدا على ضرورة إنهاء أزمة ليبيا عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية. ومن الواضح أن عين الألمان أيضا على مصادر الغاز الليبية، التي لئن كانت صعبة الاستغلال في وضعها الراهن، فإنها واعدة بمنتوج وفير. وقدر قائد البحرية التركية السابق الجنرال جهاد يازجي احتياطي الغاز في شمال المنطقة الليبية البحرية بـ 30 تريليون دولار.
بالإضافة إلى ملف الغاز، يُرجح أن الرئيس الألماني استمزج نظيره الجزائري في شأن فكرة عقد مؤتمر «برلين3». ويُثير هذا التقارب الألماني الجزائري ردود فعل سلبية في القاهرة، التي ترفض الاعتراف بحكومة الدبيبة وتُفضل التعاطي مع الحكومة الموازية التي يرأسها فتحي باشاغا. والأرجح أن هذا الخلاف الحاد ستكون له استتباعات سلبية في الاجتماعات الإقليمية والدولية المقبلة، أسوة بالخلاف بين الوفدين المصري والليبي في الاجتماع الأخير لمجلس جامعة الدول العربية، في السادس من أيلول/سبتمبر، في القاهرة حيث غادر الوفد المصري القاعة عندما أحيلت رئاسة الاجتماع على رئيسة الوفد الليبي وزيرة الخارجية المنقوش. ومن تداعيات هذه الخصومة ما كشفه موقع «أفريكا أنتليجنس» الاستخباراتي في شأن تأجيل قمة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية المقرر عقدُها غدا في القاهرة إلى أجل غير مسمى. وعزا الموقع الفرنسي قرار الإرجاء إلى معارضة مصر رئاسة ليبيا للجامعة العربية، إذ ستكون مشاركة في رئاستها، حسب التداول على الرئاسة بين الدول الأعضاء. ورجح الموقع إرجاء قمة الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية إلى الربع الأول من العام المقبل، عندما تترأس مصر الجامعة.

مجلس رئاسي جديد؟

في غضون ذلك ظهرت تسريبات تُشير إلى وساطة قطرية بين الفرقاء الليبيين لتفادي عودة الحرب الأهلية من جديد، ولا سيما بعد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية في آب/اغسطس الماضي. وأفاد تقرير بثه موقع صحيفة «المرصد» الليبية، أن فترة محمومة من الدبلوماسية وزيارات لاعبين رئيسيين للدوحة، قادت إلى وضع اقتراح جديد على الطاولة قد يؤدي إلى الاستقرار. ويتمثل الاقتراح بتشكيل مجلس رئاسي جديد برئاسة عقيلة صالح رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري وعضو آخر من الجنوب، مع الأخذ في الاعتبار الثقل السياسي الذي يمثله اللواء المتقاعد خليفة حفتر، صاحب النفوذ في المنطقة الشرقية. واستطرادا يتم تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، تضع حدا للصراعات بين حكومتي الدبيبة وباشاغا. ولدى القطريين خبرة طويلة في الوساطات من هذا القبيل، بما فيها الأكثر صعوبة وتعقيدا، وهي الوساطة في الصراع الأفغاني. لكن هناك دوما مخاوف، في ظل استمرار تدفق السلاح والمرتزقة، على ليبيا، من لجوء أطراف خارجية إلى تفجير أي اتفاق سياسي لا يخدم مصالحها، وخاصة إذا كان سيؤدي إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة عبر انتخابات حرة وشفافة.

في العدد الجديد من مجلة “شؤون ليبية” : الشمال منقسمٌ على نفسه والجنوب بلا دولة

 

استعرض العدد 26 من مجلة “شؤون ليبية” مختلف الأجسام السياسية الليبية، ومنها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا، وبينت الباحثة نجاة فقيري في ضوء هذا العرض أن جميع الأجسام انتهت صلاحيتها، لكن أعضاءها متمسكون بالمناصب وما تدرُهُ من مكاسب. وفي هذا السياق كتب الباحث سامي الحاج حسن عن تهريب الأموال من ليبيا وضعف رقابة الدولة، مُشيرا إلى الفضائح المالية التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، وتتعلق بنهب جزء من إيرادات النفط والغاز الليبيين. وكشف الباحث أساليب التحايل التي يلجأ إليها المستوردون في ليبيا للتغطية على النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية. وبحسب الخبير توم توغهاتند مازالت الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى الخارج.

وتطرق العدد الجديد أيضا إلى التأثيرات الخارجية في الصراع الدائر في ليبيا منذ 2014، ودور القوى الدولية والاقليمية في تموين الفريقين بالسلاح والعتاد، ما يُهدد بالانفصال بين الغرب والشرق، فضلا عن الجنوب (فزان وعاصمته سبها)، الذي يعيش بلا دولة منذ سنوات. وتناول عدة باحثين في هذا العدد جوانب مختلفة من الأوضاع الدقيقة التي تمر بها ليبيا، والتي كادت تفجر حربا جديدة بعد دخول قوات موالية للحكومة الموازية إلى طرابلس الشهر الماضي. ومن كتاب العدد، الصادر عن “المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا”سهيل اللافي وجان بيار فيليو ورشيد خشانة (مدير المركز) وعاشور الزنتاني وشادي حميد وحكيم بن حمودة ورامز رمضان النويصري.

الفهرس :
خداع للرأي العام
5 – رئيس التحرير
قراءة في كتاب: العالقات الليبية الفرنسية
10 – امز رمضان النويصري
لصوص األموال والنصوص
17 – عبد الرحمن شلقم
من هي األجسام السياسية الليبية ؟
21 – جناة فقيري
بيغن وريغان وتوطين الفلسطينيين في ليبيا
24 – وثيقة
التنظيمات السياسية في ليبيا 1952-1969
26 – سالم الكبتي
أجسام ُ سياسية م ُ نتهية ٌ الصالحية وشارع ُ يطالب باستقالة القائمين
عليها
33 – رشيد خشانة
النفط والتغييرات الجيوستراتيجية في ليبيا
40 – عبادة احلاسي
تهريب األموال من ليبيا وضعف رقابة الدولة
45 – سامي احلاج حسن
ليبيا: نحو مؤتمر برلين ثالث وأخير ؟
50 – سهيل الالفي
ليبيا تحتاج إلى أكثر من 100 مليار دوالر إلعادة اإلعمار
57 – سعيد الفزاني
مشروع الحكومة الثالثة يكسب مزيدا من األنصار
62 – عمر أبو القاسم الككلي
الهوية قدر، واإلنتماء هوى…
67 – رزان نعيم املغربي
الدين والدولة والدستور ّ : مقاصد اإلسالم أم مقاصد الساسة ؟
69 – عبد اللطيف الهرماسي
أزمة طاقة : فرنسا وسراب الغاز الجزائري
95 – جان بيار سيريني
مركز »مدافع« ينشر ورقة حول العدالة االنتقالية في ليبيا
99 – تقرير
المنقوش تطالب بتطبيق العدالة في قضية اغتيال سلوى بوقعيقيص
100 – في الذاكرة
وضع اإلعالمببن في ليبيا صعب
102 – بيان مراسلون بال حدود

الأكاديمي الليبي الدكتور أحمد الأطرش: تقارير الرقابة الإدارية عن الفساد حبرٌ على ورق


حاوره: رشيد خشــانة
– استبعد الأكاديمي الليبي الدكتور أحمد الأطرش إيجاد مخرج من الأزمة السياسية في ليبيا «لأن التوصل إلى توافق حول قاعدة دستورية سينهي كل الأجسام الحالية، التي أصبحت تتنفس فساداً وقبحاً» على ما قال. واعتبر الدكتور الأطرش، وهو أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة طرابلس، أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ما زالت تتأرجح في مواقفها حيال الملف الليبي منذ اندلاع «الثورة» عام 2011. لكنه استدرك أن هذا لا ينفي أن ليبيا ليست ضمن أولويات الاهتمام بالنسبة للمطبخ السياسي الأمريكي، وإنما هي تشكل مكونا من ملفات أكبر. وهنا نص الحوار:

○ ما هي أبرز التغييرات التي عرفها المجتمع الليبي بعد 2011؟
•ما حدث مجرد تراكمات ناجمة عن حقبة «النظام» السابق ما أفضى إلى رفض وكشف وممارسة كل ما كان ممنوعاً أو مرفوضاً أو مكبوتا، بما فيها من إيجابيات وسلبيات. ولعل أبرزها إفرازات التحول من التفرد بشمولية الحكم، إلى تعددية الأقطاب المتسلطة في المشهد الليبي. وقد يرى البعض أن ليبيا كانت أكثر أماناً إبان حكم النظام السابق، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن يجب التمييز بين أمن السلطة وأمن الدولة بكافة عناصرها الرئيسة، المتعارف عليها في نظرية الدولة (شعب وإقليم وسلطة). ما كان في ليبيا، وغيرها من الدول ذات الطابع الأوتوقراطي، هو تكريس أمن الحاكم، أما أمن المحكوم/المواطن فهو مسألة تحصيل حاصل.

○ دأب النظام السابق على مطاردة معارضيه وسجنهم، هل كان ذلك يستهدف تيارا بعينه أم شمل كل التيارات؟
•كان الهدف تصفية أي خصوم في حلبة التنافس على السلطة وإزاحته عنها، وذلك من أجل ديمومة التمسك والاستئثار بها، وقد شملت التصفية كل التيارات المعادية له والمتمثلة في شخص رأس «النظام» تحديداً (أي معمر القذافي) ولم تكن مقتصرةً على تيار بعينه، كالتيار الإسلامي كما يدّعي البعض.

○ من كان يحكم: العائلة أي أولاد القذافي، أم مربع المخلصين له؟
•لم يكن أحد، مهما كانت علاقته به، يجرؤ على مقارعة القذافي في ممارسة السلطة المطلقة. بالنسبة لعائلته كان دورها مكملاً لممارساته وتحسين صورته محلياً ودولياً عندما يستدعي الأمر ذلك. أما من تصفونهم في سؤالكم بـ«المخلصين له» وما يصفهم البعض الآخر بـ«أنصار النظام السابق» فهو ضرب من المبالغة. في تقديري، أن هذه التوصيفات والنعوت لا تمت لواقع الأمر بصلة. بل أزعم أن الوصف الواقعي لهم بأنهم «أنصار المصالح المرتبطة بالنظام السابق» ومبرر هذا أن جل هؤلاء، وإثر إندلاع «ثورة 17 فبراير» إما «انشقوا» (مع التحفظ على هذا المصطلح لما تشوبه من انتهازية) أو فروا من ليبيا بأموال منهوبة من قوت الليبيين، أو التزموا الصمت خوفاً. كما أن العديد منهم أسهموا لاحقاً في تأجيج حالة اللاّ أمن واللاّ استقرار عبر كافة السبل، إما خشية من جرجرتهم للعدالة أو تشويه الثورة، بسبب حرمانهم من الإدمان على ممارسة السلطة واللصوصية، وعلى رأسها ما نجم عن سلوكات «الدولة العميقة». وهنا يمكن الإشارة إلى أن العديد ممن كانوا يصدحون في «ملتقيات اللجان الثورية» بشعارات ومقولات «القائد» وكتابه الأخضر مثل «التمثيل تدجيل» و «من تحزب خان» ترشحوا (عقب إلغاء «قانون العزل السياسي») لانتخابات برلمانية ورئاسية، وأصبحوا مؤسسين أو منخرطين في أحزاب سياسية!

○ كيف كان يُهدر المال العام؟
•كان وما زال يُهدَر عبر تولي السلطة، وخاصة المناصب السيادية القيادية، وفي أنظمة فاسدة مُفسدة أُبقيت الدولة (عمداً) معولة على الاقتصاد الريعي. والدليل على ذلك التهافت على تولي المناصب، ليس بالاستحقاقات المشروعة، بل بالرشى وشراء الذمم والعمالة للأجنبي ولعق الأحذية.

○ جرت محاولة لوضع دستور في إطار مشروع «ليبيا الغد» هل كانت مبادرة جدية؟
•ربما، وعلى الرغم من احتمالية توافر حسن نوايا القائمين عليه، إلا أنني أعتقد أنه كان من سلوكات وتكتيكات «رأس النظام» الماكرة والمتمثلة في تمويه الآخر، وخاصة المجتمع الدولي، عبر مسكنات موضعية تطيل أمد تمترسه في السلطة ردحا أكبر من الزمن.
○ هناك ثلاثة مظاهر ارتبطت بشخصية القذافي هي الأمازونيات والملابس غير المألوفة والخيمة العريية، هل كان ذلك لمجرد لفت الأنظار، أم هناك رسالة يتعمد إيصالها؟
•مجرد «جنون عظمة» (Megalomania) ليس إلا !

○ بعد اندلاع ثورة 17 فبراير اختلفت القراءات بين من اعتبر التدخل الأطلسي عدوانا ومن يقول إن الثورة كانت ستفشل بدونه؟
•في هذا الصدد لكل طرف قراءة من منظوره ووفقاً لمصالحه، كما أن لكل ظرف تداعياته وتأثيراته على نمط التفكير. في المراحل الأولى للثورة كان هناك موقف إيجابي قوي من جانب مؤيدي ثورة فبراير حيال التدخل الأجنبي بشكل عام، مع استهجان تام لهذا التدخل من قبل «أنصار» النظام السابق، إلى حد وصل بالبعض إلى الحاجة إلى تبرير إسقاط النظام، ولكن دون تدخل أطراف أجنبية، وهذا لم يكن ممكناً في تلك الفترة نظراً للتفاوت الكبير في ميزان القوة الداخلي. وفي مراحل لاحقة، أي منذ 2014 وبدء حالة التأزم والصراعات داخل ليبيا، ومنها الحرب بالوكالة تغيرت المواقف وفق المصالح المستجدة.

○ هل يمكن اعتبار قضية لوكربي الضربة التي قصمت ظهر النظام؟
•لا أعتقد ذلك، قضية لوكربي تم توظيفهاً سياسياً (وكورقة تفاوضية في مراحل لاحقة) من قبل «النظام السابق» والدول الغربية المعنية على حد سواء. في تقديري، أن الظروف الإقليمية والدولية المتقاطعة والمتشابكة، ناهيك عن البحث عن وسيلة لتعزيز حال اللاّ استقرار لأمد طويل في المنطقة العربية، ولأسباب تتعلق بمصالح قوى وأطراف إقليمية ودولية، هي التي تكاتفت لتشكل هذه القبضة التي ما زالت تضرب الأنظمة «المارقة» طالما أنها تشكل خطرا.
○ بماذا تفسر انتشار السلاح والميليشيات بعد 2011 هل هي «مؤامرة» كما يقول البعض؟
•هي نتاج لعوامل متداخلة ومعقدة، منها ما هو داخلي (توزيع السلاح دون ضوابط من قبل النظام السابق والحاجة إلى الحصول عليه من قبل المناهضين له) وخارجي ترسخ عبر الحرب بالوكالة.

○ هل تعتقد أن ليبيا ستشهد فعلا انتخابات قريبا؟
• لا أعتقد ذلك في المنظور القريب، والسبب، باختصار شديد، أن العوائق والعراقيل التي تحول دون ذلك ما زالت قائمة، بل وتجذرت.

○ ما هو المخرج من أزمة البحث عن مرجعية دستورية للانتخابات؟
•لا مخرج محتملٌ لأن التوصل إلى توافق حول قاعدة دستورية سينهي كل الأجسام الحالية، التي أصبحت تتنفس فساداً وقبحاً. إنهم، ومن واقع الحال، مختلفون حول كل شيء يؤسس لقيام دولة، ولكنهم متفقون على شيء واحد فقط، ألا وهو عرقلة أي مسعى لقيامها.

○ هل ستكون انتخابات برلمانية أم رئاسية؟
•لا هذه ولا تلك، ما لم تخرج الجماهير لمقارعة هذا العبث سواء باحتجاجات شعبية عارمة ومتواصلة، وهذا سيجابه بعدوانية وعنف وسفك دماء، أو – وهذا ما نأمله ونؤيده – القيام بعصيان مدني شامل ومستمر حتى تتحقق مطالب شعبنا الذي مورست ضده كافة أنواع الظلم والحيف منذ عقود، وفي دولة أنعم الله عليها بالخيرات الوافرة.

○ منذ سنوات ونحن نشهد اغتيال شخصيات عامة تتصف بالجسارة، ما الهدف من تلك التصفيات؟
•إقصاءات وتصفية حسابات شخصية أو لمصالح ضيقة، ولا علاقة لها البتة بالوطنية.

○ عندما يقول السفير الأمريكي نورلاند إن الحكومتين الحاليتين غير قادرتين على إدارة البلاد، فماذا يعني هذا الموقف؟
•الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ما زالت تتأرجح في مواقفها حيال الملف الليبي منذ إندلاع الثورة عام 2011. لذا، فإن هذا النهج هو تعبير على هذه اللاّيقينية. هذا لا ينفي حقيقة أن ليبيا ليست ضمن أولويات الاهتمام بالنسبة للمطبخ السياسي الأمريكي، بل تشكل مكونا من ملفات أكبر وأكثر إلحاحية وتعقيداً، ناهيك عن حقيقة أن لكل دولة مبرراتها في الكيفية التي توجه بها بوصلة سياساتها الخارجية وتحقيق مصالحها ومآربها، لأنها ليست بجمعيات إنسانية خيرية كما يتوهم البعض، على الرغم مما لهذه المواقف من تداعيات سلبية وخيمة على الأوضاع في ليبيا، وحياة المواطن الليبي البسيط تحديداً.

○ كيف تنظر إلى عودة الاهتمام الروسي بليبيا كما ظهر ذلك من تحركات نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف وإعلانه مؤخرا عن قرب إعادة فتح السفارة الروسية في ليبيا؟
•كما هو الحال مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من انحياز روسيا (العلني والخفي) لأطراف معينة في الصراعات داخل ليبيا (وليس النزاع الليبي- الليبي كما يروج له) إلا أن لغة المصالح وهلع التنافس على النفوذ في السياسة الدولية يستدعيان بعض المراجعات، خاصة إثر الحرب الروسية الأوكرانية، التي لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيتمخض عنها.

○ كيف تنظر إلى الدور لتركي في الساحة الليبية؟
•ينطبق عليه ما قلتُهُ حول الدور الأمريكي والروسي، ولكن وفق دائرة النفوذ الإقليمية، مع استثناء نهج تركيا العلني والمغلف بغطاء «الشرعنة» ولو مع أطراف لا تمتلك الشرعية والمشروعية.

○ هل سيقبل أمراء الميليشيات حل هذه الأجسام وجمع سلاحها؟
•لا أرى ذلك، لأن عودها تصلب إلى حد لا يمكن أن تقبل بمثل هكذا تسويات دون إنخراطها في ممارسة السلطة وفق سياسة المحاصصة وتقاسم الغنيمة (عبر أتباعها ووكلائها) وبغض النظر عن معايير الكفاءة والنزاهة. لذا سيبقي الحال كما هو عليه. والخيار الآخر، وهو مستبعد وفق الظروف الراهنة، هو إجبارها (بمساندة قوى خارجية) على الخروج من المشهد؛ وذلك بالإدماج في مؤسسات عسكرية وشرطية وأمنية أو وطنية حقيقية أو تسريحها وإعادة تأهيلها وتوظيفها في قطاعات مدنية عامة وخاصة.

○ مع اقتراب القمة العربية في الجزائر هل تثق في دور عربي يمكن أن يساهم في حلحلة الأزمة الليبية؟
•○ القمم العربية، ومنذ بدء انعقاداتها في عام 1964 لم تكن عناوينها ومخرجاتها إلا الفشل وخيبات الأمل، لأنها، وفق مراجعة تاريخها، لم تكن إلا مسرحاً للصراعات والتلاسنات الشخصية والضيقة، وليست آلية لحل المنازعات العربية الداخلية أو البينية.

○ كشفت هيئة الرقابة الإدارية 216 قضية تتعلق بمخالفات مالية في 2021 هل تتوقع أن تكون هناك متابعة ومحاسبة حقيقيتين؟
•عبارة عن حبر على ورق كما حصل سابقاً. لا يمكن مطلقاً محاربة الفساد بآليات فاسدة، وفي واقع متسم بالفوضى والانفلات الأمني، مع تفشي ثقافة الفساد منذ عقود.

○ حذر البنك الدولي من مخاطر داخلية وخارجية ستواجه الاقتصاد الليبي، هل تشاطر هذه التوقعات؟
•لست متخصصاً في هذا الشأن، وبالتالي يتوجب إحالة هذا السؤال لذوي الاختصاص، مع تأكيدي على ضرورة احترام هذا المبدأ من قبل الجميع لأنني أستهجن أزمة استفحال التجني على التخصصات المنتشرة في عالمنا العربي (على الصعيدين الرسمي والشعبي) وهنا يحضرني المثل الشعبي العربي القائل: «أعط الخبز لخبازه».

تقرير جديد يوثق مقتل 581 مدنيا في ليبيا خلال عامين


غلاف تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) بشأن حالات قتل المدنيين في ليبيا (الإنترنت)

 


وثّقت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT)، في تقرير نُشر اليوم الثلاثاء، مقتل ما لا يقل عن 581 مدنيًا، مواطنين ومهاجرين، بين يناير 2020 ومارس 2022، على أيدي «عناصر إنفاذ القانون والمجموعات المسلحة الليبية».

تعذيب حتى الموت
وذكر التقرير، الذي يحمل عنوان «كانت تلك آخر مرة رأيت فيها أخي»، أن عدد الضحايا يشمل الأشخاص الذين أُعدموا في مراكز الاحتجاز أو تعرضوا للتعذيب حتى الموت.

والتقرير، الذي يقدم توصيات مفصلة للسلطات الليبية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، هو أول بحث يركز على عمليات القتل خارج نطاق القضاء في ليبيا. ويستند إلى مقابلات مباشرة مع الشهود والناجين أُجريت في جميع أنحاء البلاد من قبل «شبكة مناهضة التعذيب الليبية» (LAN)، وهي مجموعة من منظمات المجتمع المدني.

وأشارت المنظمة إلى إعاقة التحقيق الذي استمر لمدة عامين، والذي قام به أعضاء الشبكة المحلية في مواجهة مخاطر شخصية كبيرة، بسبب جائحة «Covid-19» والخوف من الانتقام. وكان من بين الشهود ناجون من الفظائع، وفي بعض الحالات، حراس أو أفراد من قوات الأمن.

487 ليبيًا.. و83 مهاجرًا
وغالبية الحالات الموثقة (487 من أصل 581) كانت من المدنيين الليبيين، بينما كان الضحايا الـ83 الباقون مهاجرين أو لاجئين من جنسيات مختلفة، بما في ذلك نيجيريون وسودانيون وسوريون. وتأتي هذه الأرقام بالإضافة إلى 11 حالة موثقة من مقابر ترهونة الجماعية، حيث جرى دفن عشرات الجثث في أبريل 2019.

ستابيروك: عمليات القتل خارج نطاق القضاء أصبحت متوطنة في ليبيا
من جانبه قال جيرالد ستابيروك، الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: «الحالات التي تمكنا من توثيقها لا تمثل سوى غيض من فيض»، لافتًا إلى أن «عمليات القتل خارج نطاق القضاء بحق المدنيين العزل، التي غالبًا ما تكون مصحوبة بتعذيب مروع، أصبحت الآن متوطنة في ليبيا، حيث يطلق متعاونون مع الحكومة والمجموعات المسلحة العنف العشوائي مع الإفلات التام من العقاب».

و«المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب» هي أكبر مجموعة من المنظمات غير الحكومية العالمية التي تتصدى بنشاط للتعذيب، وتحمي المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولديها أكثر من 200 عضو في 90 دولة، حيث يقع مقر أمانتها الدولية في جنيف بسويسرا.

 

ليبيا تغوص في امبراطورية فساد تعرقل الحل السلمي

 

رشيد خشــانة – المسار الانتخابي سيبقى مؤجلا، والجماعات المسلحة ستبقى المُتحكمة في ظل تنازع الحكومات على السلطة شرقا وغربا، وفكرة إدماج الحكومتين في حكومة واحدة مصغرة طُويت نهائيا.

أهم ما ورد في كلمة رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب فتحي باشاغا، إثر عودته من زيارة مطولة إلى تركيا، تأكيدُه أن حكومته ستمارس عملها من مدينتي سرت وبنغازي، ما يعني الإصرار على إعادة البلد إلى مربع التقسيم، بوجود سلطتين متوازيتين ومتصارعتين في الشرق والغرب. ويعني هذا أن المسار الانتخابي سيبقى مؤجلا، وأن الجماعات المسلحة ستبقى المُتحكمة بالكانتونات التي سيطرت عليها في ظل تنازع الحكومات على السلطة شرقا وغربا. كما يعني أيضا أن فكرة إدماج الحكومتين في حكومة واحدة مصغرة طُويت نهائيا. ولم يتوان باشاغا عن إلقاء مسؤولية الانقسام الحالي على «وضع إقليمي ودولي» لم يُعرفه قائلا إنه «لا يريد تقارب الليبيين أو تحقيق المصالحة بينهم». وليت باشاغا حدد بوضوح من هي الأطراف الإقليمية والدولية التي تُعطل مسار الانتخابات في ليبيا، مثلما اعترف، لأول مرة، بأن أنصاره أخفقوا في الدخول إلى طرابلس والسيطرة عليها.
والأرجح، أنه سيكون تحت حماية الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وأولاده المسيطرين على الشرق الليبي، فالقوة العسكرية لباشاغا لا يُعتدُ بها، وهو الأمر الذي انكشف لدى محاولة الدخول عُنوة إلى مصراتة ثم إلى طرابلس. وتذكر مصادر قريبة من مجلس النواب أن باشاغا تلقى 6 مليارات دينار ليبي لتصريف أعمال حكومته، لكن لم يُعرف ما إذا كان ذلك من مصرف ليبيا المركزي (الذي يُشرف عليه الدبيبة) أم من جهة أخرى. وحدد باشاغا طريقة تدخُل حكومته مستقبلا بالعمل من خلال «وضع الخطط لدعم البلديات». غير أن غالبية العمداء وأعضاء المجالس البلدية المنتخبون غادروا مواقعهم في السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة، فضلا عن انقطاع الموارد عن البلديات جراء الأزمة السياسية، ما حال دون تنفيذ المشاريع الموكولة إليها. والأرجح أن هذا التعطل سيستمر في الفترة المقبلة، وهناك من توقع أن يستمر إلى 2024. ولا يُنتظر من البعثة الأممية أن تُحرك السواكن وتلعب دور الجسر بين الحكومتين المتنافستين، بسبب شدة الخلاف الذي يزداد تعقيدا من يوم إلى آخر، وخاصة جراء تصريحات باشاغا النارية.
ويُحاول الدبيبة أن يُعطي الانطباع بأن حكومته باقية وأنها ما انفكت تخدم الليبيين وتنفذ مشاريع يمكن أن تغير من حياتهم، من قبيل ترميم محطة المسافرين في مطار طرابلس الدولي، لإنهاء معاناة المسافرين حاليا من السفر عبر مطار معيتيقة. وترأس الدبيبة مؤخرا اجتماعا في مكتب رئيس الوزراء، شارك فيه الجانب الإيطالي، لدرس ما وصل إليه المشروع، الذي يرتدي أهمية كبيرة لسكان طرابلس والمنطقة الغربية بأسرها. وكان مطار طرابلس الدولي أغلق منذ صيف 2014 بعدما دمرته الاشتباكات المسلحة التي جرت في محيطه. وتبلغ الكلفة الإجمالية للمشروع الذي تنفذه شركات إيطالية، نحو 80 مليون يورو، ويشمل بناء محطتين، واحدة محلية والثانية دولية.
ولا يُعرف إن كان قائد الجيش الإيطالي فرانشيسكو باولو فيليوولو، رئيس العمليات المشتركة لهيئة أركان الدفاع، معنيا بذلك الاجتماع، لمناسبة زيارته إلى مدينتي طرابلس ومصراتة مؤخرا، إذ خُصص الاجتماع لدرس «إعادة تشكيل التعاون الليبي الإيطالي في مصراتة». وكانت إيطاليا أرسلت مستشفى ميدانيا إلى مصراتة أثناء الحرب على تنظيم «داعش» كما أرسلت مئتي جندي لحراسة المستشفى.
على هذه الخلفية تتكثف الجهود الدولية المتداخلة في الملف الليبي، وفي مقدمها الدور التركي، الحريص على المحافظة على ساق مع حكومة الدبيبة وأخرى مع باشاغا. والظاهر أن تركيا العضو في الحلف الأطلسي، تقوم بدور مُتفق عليه مع الأمريكيين، لتذويب الخلافات بين الأطراف الليبية المتصارعة، وهو ما استدعى إطالة زيارة باشاغا إلى تركيا، ثم توجيه الدعوة إلى عقيلة صالح لزيارة موسكو في الفترة المقبلة. كما أن عقيلة صالح أدى أيضا زيارة غير مسبوقة إلى قطر، التي كان يكيل لها الاتهامات بالتدخل في شؤون ليبيا. وامتدت هذه الاختراقات والمراجعات إلى روسيا، إذ فتحت موسكو صفحة جديدة مع غرمائها السعوديين حول الملف الليبي.
وفي السياق عقد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اجتماعا مع سفير السعودية في موسكو. وأفادت قناة «الوسط» الليبية أنه جرى خلال الاجتماع تبادل مُعمق لوجهات النظر حول القضايا الإقليمية الراهنة، مع التركيز على الوضع في ليبيا. وأفاد بوغدانوف، وهو في الوقت نفسه الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، أن بلاده تبحث عن مقر جديد لمكاتب السفارة الروسية لدى ليبيا، تمهيدا لمعاودة فتحها، كما أنها تستعد لتسمية سفير جديد في طرابلس. وليس التعطُل السياسي في ليبيا هو الملف الوحيد الذي بحثه الرجلان، وإنما شمل الاجتماع أيضا موضوع الغاز والنفط، في علاقة بكل من السعودية والإمارات. وتعمل الدول الثلاث (ليبيا وروسيا والسعودية) ضمن تحالف «أوبك بلس» الذي يضم بعضًا من أكبر مصدري النفط في العالم، وهو يحاول إيجاد توازن في السوق العالمية، التي شهدت تذبذبًا في أعقاب إعلان الحرب الروسية على أوكرانيا، وبعدما أدت العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى خفض صادرات النفط الروسية.
فبعد الصعوبات التي واجهتها روسيا في أوكرانيا تبدو الوجهة الرئيسة لتمدُد المصالح الروسية في العالم، ممثلة في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، حسب الباحث الفرنسي جان بيار فيليو. ويُرجح فيليو أن موسكو ستعوض بتقدُمها على الساحتين الشرق أوسطية والأفريقية عن عثراتها في أوكرانيا. كما يعتقد أن إحدى نقاط القوة في شخصية بوتين تتمثل بقدرته على إدارة سياسات هجومية عدة في ساحات مختلفة بشكل متزامن، بينما ما زال القادة الغربيون يتعاطون مع الصراعات بأشكال مختلفة حسب المناطق. ولوحظ أن بوتين أعلن في كلمته الترحيبية بالسفير الليبي الجديد لدى روسيا محمد المغراوي، أن الروس «يتطلعون إلى استئناف التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، مع استقرار الوضع الداخلي في ليبيا».
وفي معلومات مصادر دبلوماسية غربية أن الجماعات التي كانت تسيطر على عدد من موانئ وحقول النفط لم ترفع عنها الحصار في أواسط تموز/يوليو الماضي، إلا بعد مفاهمات بين الدبيبة والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، تقضي بأن يصرف الأول للمناطق التي يسيطر عليها الثاني حصة لم يُعرف مقدارها من إيرادات النفط والغاز. كما شملت هذه المقايضة عزل رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وهو تكنوقراطي يحظى بالاحترام من المجموعات النفطية العالمية، وإحلال فرحات بن قدارة، المقرب من الإمارات، في مكانه. لكن لم يتسن التأكد من وجود هذه الصفقة.

مجلس رئاسي؟

على صعيد متصل تجري حاليا اتصالات بين الروس وعقيلة صالح استعدادا للزيارة التي سيؤديها الأخير إلى موسكو قريبا. وتندرج الزيارة، بعد زيارتين مماثلتين إلى كل من قطر وتركيا، في إطار حملة سياسية لتسويق مبادرة ترمي لتشكيل مجلس رئاسي برئاسته في مقابل تسهيل إجراء انتخابات نيابية. والأرجح أن هذه المبادرة هي أهم مسألة سيناقشها صالح مع الروس، بعدما طرحها على ما يبدو، على غريميه السابقين قطر وتركيا، لدى زيارتيه الأخيرتين إلى كل من الدوحة واسطنبول. ويأخذ أعضاء مجلس النواب على رئيس مجلسهم تهرُبه من الاجتماع معهم لوضعهم في صورة الاتصالات المكثفة التي يقوم بها. وتوجس عديد النواب من أن عقيلة يتحرك في إطار مشروع شخصي، ولذلك فهو لم يصطحب معه وفدا من النواب خلال زيارتيه لاسطنبول والدوحة.
في السياق يؤكد عارفون بشؤون مجلس النواب أن العدد الأقصى من النواب المُباشرين للنيابة حاليا لا يتجاوز 47 نائبا من أصل الفائزين في انتخابات 2014 وعددهم 200 نائب. ويُعزى ذلك إلى الاستقالات والوفيات، لا بل هناك من أعضاء المجلس من فضل الهجرة إلى بلدان عربية أو أجنبية والاقامة فيها، لاعتبارات أمنية. وعموما لم يترك مجلس النواب صورة لامعة عن أدائه السياسي والأخلاقي لدى الرأي العام الليبي. ويتأكد ذلك بالخصوص حين تُنشر وثائق تخص الفساد وهدر المال العام، أسوة بالتقرير الأخير لديوان المحاسبة. وأظهر التقرير ارتفاعا ملحوظا في باب الرواتب وانتداب قرابة 270 ألف موظف جديد في 2021. وعلى سبيل المثال ورد في التقرير أن الترفيع من رواتب الدبلوماسيين خلال السنة نفسها كلف الميزانية 544 مليون دولار، بالإضافة لتضخم رواتب الموظفين التابعين لمجلس الوزراء.
ومن المخالفات الأخرى التي رصدها تقرير ديوان المحاسبة، نفقات السفر والمبيت لموظفين تابعين لمجلس الوزراء، والتي بلغت إجمالا أكثر من 4 ملايين دينار. كما لوحظ إيفاد أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية برئاسة مجلس الوزراء، وسداد قيمة حجوزات إقامة بالفنادق، داخل العاصمة طرابلس، لأشخاص من دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم الإدارية لمجلس الوزراء. وأبرز التقرير إجراءات انتداب لموظفين بأضعاف رواتبهم، وتكليف مستشارين لمجلس الوزراء، من دون عقود تُحدد مدة عملهم ومقرات أعمالهم، ومن دون إرفاق مستندات بمؤهلاتهم العلمية وسنوات الخبرة التي تلقوها، إن تلقوا فعلا خبرة. وفي السياق اتهم ديوان المحاسبة مصلحة أملاك الدولة بـ«التراخي» و«التقاعس عن أداء مهامها» والمتمثلة في متابعة وحصر أملاك الدولة، سواء في الداخل أو الخارج. ورصد مُحررو التقرير تضاربًا في الاختصاصات، لاسيما في ما يتعلق بإجراءات تخصيص المشاريع الاستثمارية بين مصلحة أملاك الدولة وعدة جهات استثمارية أخرى. أكثر من ذلك، لاحظ واضعو التقرير عدم التطابق بين أسعار البيع المعتمدة داخل مصلحة أملاك الدولة والواقع الراهن، إذ يجرى التعامل بالأسعار المعتمدة منذ العام 1964 مع إضافة زيادة سنوية لا تتجاوز 5 في المئة.
وتوالى في الأيام الأخيرة صدور التقارير التي تكشف النقاب عن اتساع الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة، ومنها دراسة لمعهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة، نقل فحواها مركز «أوراسيا ريفيو» للدراسات والبحوث الأمريكي. وقد أظهرت الدراسة أن متوسط الخسارة السنوية من التدفقات المالية غير المشروعة في ليبيا يقدر بـ1.2 مليار دولار. وأوضح المركز أن هذه الخسارة تستفيد منها مافيا تهريب المهاجرين، التي تدر سنويا حوالي 236 مليون دولار، بالإضافة إلى حوالي 30 مليون دولار من تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة، في ظل ضعف السيطرة الفعالة على الأراضي الليبية الشاسعة، وغياب سلطة الدولة من بعض المناطق، وخاصة الجنوب. وفي السياق أكد التقرير أن قيمة تجارة السلاح الليبي، في فترة ما بعد سقوط القذافي، تراوحت بين 15 و30 مليون دولار سنويا، مشيرا إلى أن تهريب النفط يشكل 20 في المئة من دخل الميليشيات.
في هذا المناخ اهتزت الثقة بين النخب السياسية والمواطن الليبي، الذي يعاني من تدهور أوضاعه المعيشية واضطراب حبل الأمن، ما جعله يشعر بالنقمة على جميع الحاكمين من أي فريق كانوا، وهذا ما يُهدد باندلاع حركات رفض واحتجاج واسعة لا قبل لأجهزة الدولة بمواجهتها. وعليه فإن الحل الوحيد لاحتواء الانفجارات الاجتماعية المتوقعة يمرُ عبر التعجيل بإجراء الانتخابات وقبول جميع الأطراف بنتائجها.