الجمعة 18 يوليو 2025 22 محرّم 1447

كل مقالات Farouk

ليبيا: ملامح تشكُل حاضنة اجتماعية لحل سياسي ينطلق من أجدابيا

 

رشيد خشانة – مع انتقال وفد من القوى القبلية في مدينة أجدابيا، وهي أحد المراكز القوية عسكريا وأمنيا في المنطقة الشرقية، إلى مدينة الزنتان في المنطقة الغربية، بدأت تتبلور معالم مُتغير مهم في المشهد الليبي. وليست هذه الخطوة حدثا عابرا، وإنما هي تشي بوجود مبادرة لتحريك الجمود الراهن، الذي تولد من تعادل القوى العسكرية تقريبا، بين الطرفين المتحاربين منذ الرابع من نيسان/ابريل الماضي. ومن المؤكد أن الوفد سيزور أيضا عدة مدن أخرى من بينها طرابلس ومصراتة. ولا يمكن لخطوة من هذا النوع أن تتم من دون نوع من “الضوء الأخضر” من القيادات القبلية والعسكرية في أجدابيا. والأرجح أن الخطوة الجديدة ستلقى ترحيبا لكون القوتين المتقابلتين مُتشكلتان أساسا من أبناء القبائل، التي ما زالت تتمتع بثقل اجتماعي كبير، خاصة في المنطقة الشرقية.

تأتي الخطوة أيضا في سياق سياسي كثر فيه الحديث عن إعادة توزيع موارد الدولة الاقتصادية. لكن رؤية قوات الشرق لمضمون إعادة التوزيع تختلف عن رؤية المنطقة الغربية له، وإن كانت القوى الفاعلة في طرابلس ومصراتة، على سبيل المثال، ليست على قلب رجل واحد. لا بل إن لدى قوات الشرق العسكرية وقياداتها السياسية مشروعا أكبر من مسألة إعادة توزيع الثروة. ويمكن أن نقول الأمر نفسه عن مناطق أخرى، مثل غريان، في جنوب طرابلس، التي تضم حاضنة قوية غالبيتُها مناهضة لمشروع الشرق، وبعضهم ينحدرون من “الثوار” السابقين ضد نظام القذافي.

جنوحٌ إلى الحوار

ولعل ما شجع على الجنوح إلى الحوار والبحث عن حل سياسي يُنهي الحرب الأهلية، ذلك الجمود الذي خيم على الساحة العسكرية، جراء توازن القوى، الذي جعل قوات الشرق، بقيادة حفتر، تعجز عن اقتحام طرابلس، أو في الأقل، تحافظ على مركزها المتقدم في غريان (80 كلم جنوب طرابلس)، وقوات الغرب أيضا تُخفق في رد المهاجمين على أعقابهم، مثلما وعد بذلك رئيس حكومة الوفاق فايز السراج. والظاهر أن العقبة الرئيسة أمام عقد “المؤتمر الوطني الشامل” بوصفه إطارا للحل السياسي، تتمثل بالصراعات الداخلية في كل معسكر من المعسكرين. وترسَخ الخلاف في المنطقة الشرقية، بين من يدعون لمحاورة الحكومة في طرابلس، ومن يرفض هذا الحوار نهائيا. أما في المنطقة الغربية فهناك من يضع فيتو على مشاركة حفتر في أي حل سياسي، وهو الموقف الذي أعلنه السراج أكثر من مرة، غير أن كيانات سياسية وعسكرية في طرابلس ترى أن إقصاء بعض الوجوه من هنا أو هناك سيُعطل المسار، ويجعله بلا فائدة، مثل الملتقيات السابقة، لا بل وسيُولد أزمة إضافية. وبالمقياس نفسه يُعتبر إعراض بعض الأطراف في الشرق على التحاور مع مجموعات في المنطقة الغربية، خطأ يُعكر أجواء الحل السياسي. من هنا تأتي أهمية إحلال الثقة بين الأطراف المتحاربة، خصوصا إذا ما دخلت الحاضنات الاجتماعية على الخط دعما لخيار الحوار والسلام.

غير أن الخطر الأكبر يأتي من المحاور العربية وغير العربية، التي تُغذي الصراع بشكل بات مكشوفا، والتي لن تكون سعيدة بجلوس الليبيين، مع بعضهم البعض، على مائدة حوار وطني جامع. وعليه، إن لم يكن هناك تفاهمٌ بين القوى الإقليمية، المؤثرة في الصراع الليبي، على كيفية تقاسم الكعكة، لن يكون هناك مؤتمر جامعٌ. وهذا مدلول الكلام المُشفر الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قبل أيام، والذي أكد فيه أن “هناك حاجة إلى دعم كامل وجماعي من المجتمع الدولي، للتوصل إلى حلّ سياسي للنزاع في ليبيا”.

وينطبق هذا الشرط على الفرقاء الليبيين أيضا، بعدما انتشر منطق نفي الآخر واستبعاده من أي حوار مستقبلي، وهو ما يبدو من خطاب حفتر الذي يريد القضاء على الطرف المقابل، بينما يُصرُ السراج على استبعاد أي حوار مع غريمه حفتر. والأرجح أن الجميع أدركوا في قرارة أنفسهم، أنه لم يعد هناك من مكان للحلول العسكرية اليوم، إلا إذا كان أحد الطرفين مُصرا على خوض حرب استنزاف طويلة، تنتهي بالسيطرة على أطلال المدن. واللافت أن هناك حوارات تحت الطاولة بين هؤلاء الفرقاء لا تتسم بروح التشدد التي نراها في وسائل الإعلام. كما أن هؤلاء يتحدثون إلى المجتمع الدولي بخطاب مختلف عن الخطاب المُوجه إلى الداخل.

في المقابل، يُطالبهم المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، بخطوتين مهمتين، أولاهما التوقف عن تجنيد مقاتلين أجانب ومرتزقة في النزاع الليبي الليبي، والثانية حظر تدفق السلاح من الخارج على القوى المتحاربة، في إطار الاحترام الصارم للحظر المفروض على الأسلحة، والساري منذ العام 2011. غير أن الفترة الأخيرة شهدت ظاهرة جديدة تمثلت في إبراز كل طرف للأسلحة المتطورة التي حصل عليها، في خطوة تبدو نوعا من استعراض القوة للتأثير في معنويات الخصوم، بينما قرار الحظر الأممي مازال ساريا. وهذا ما أزعج رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة، الذي كلما شكا إلى مجلس الأمن من هذا الوضع، لا يجد “حدا أدنى من الوحدة اللازمة لمعاقبة هذه التصرّفات، التي تتعارض مع سيادة البلاد وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة في آنٍ معا” على ما قال.

مع ذلك فإن عضوا مهما في مجلس الأمن، وهو فرنسا، يحاول التحرك منفردا، في الساحة الليبية، إذ دعا الفرنسيون إلى اجتماع في باريس، أواخر الشهر الماضي، ضم كلا من بريطانيا وإيطاليا وأمريكا والامارات ومصر، تحت يافطة تقويم الوضع في ليبيا وبحث الخطة التي قدمها سلامة إلى مجلس الأمن، في إحاطته بالجلسة التي عُقدت في 29 تموز/يوليو الماضي. لكن لا توجد مؤشرات على نضوج الأجواء لوقف “حرب طرابلس” والاستعداد للبحث في الحل السياسي، خاصة أن من يدعون لبحث البدائل السلمية هم أنفسهم الذين يُسلحون طرفي النزاع ويُلهبون نار الحرب.

نار الغلاء

ثمة نار أخرى ظل الليبيون يكتوون بلهيبها منذ فترة، والمتمثلة في ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار الإيجار والبيع العقاري في طرابلس، نتيجة تدفق اللاجئين الفارين إليها من مناطق القتال. غير أن الأوضاع تحسنت نسبيا في الأيام الأخيرة، بحسب السكان الذين تحدثت إليهم “القدس العربي” بالهاتف في طرابلس. وعزوا ذلك إلى انخفاض سعر الدولار. وأكد بعضهم أن أسعار التجهيزات المنزلية، مثل البرادات وأجهزة التلفزيون، تراجعت أيضا. والمشكل الكبير الذي ظل يُعقد حياة الناس هو شح السيولة في المصارف. ووجد الليبيون حلا في بطاقات الفيزا المصرفية، التي باتوا يستخدمونها بكثرة في عمليات الدفع الالكتروني، لتغطية غالبية النفقات، عدا شراء الخبز والبنزين. وأوضح أحد هؤلاء السكان أن البذخ الذي يظهر في حفلات الزفاف لا يدل على أن البلد في أزمة. واستدل المصدر أيضا باحتفالات الأسر الليبية بعيد الاضحى أخيرا، حيث تم توفير الخرفان من الخارج بأعداد كافية للجميع تقريبا. بهذا المعنى أصبح الليبيون متأقلمين مع مظاهر العنف، وباتت حياتهم تسير بنسق شبه طبيعي، حتى مع استمرار المعارك في جوارهم الجغرافي المباشر. ويحمل هذا الوضع دلالات كبيرة عن فشل عملية اقتحام طرابلس، التي كان الجنرال خليفة حفتر يسعى من ورائها إلى تجميع أوراق الملف الليبي بين يديه. ومع هذا الفشل، لا يمكن استبعاد حفتر، أو أي طرف آخر، من الحل الذي بدأت الأمم المتحدة “تشتغل” على جناحه الأول، بينما يمكن اعتبار تحرك وفد من قبائل أجدابيا نحو الزنتان، ثم طرابلس ومصراتة، جناحهُ الثاني (الليبي). وسيحظى هذا المسار بدعم من أهم العواصم المعنية بالملف، كونه يشكل أول مبادرة ليبية ترتكز على حاضنة اجتماعية وازنة، ولا تناصر أيا من الغريمين السراج وحفتر.

مطالب مؤقتة

وعن أهمية هذا الدور تقول الدكتورة آمال العبيدي أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنغازي “منذ عام 2011 اتخذ طابع المصالحات المحلية النمط التقليدي السائد عند بروز أي نزاع، إذ يتم ذلك من خلال لجان تُشكل من شيوخ القبائل بالمنطقة، أو من يتم اقتراحه من قبائل خارج النطاق الجغرافي. وأحيانا قد تتم دعوة بعض نشطاء من المجتمع المدني للانخراط في عمليات المصالحة”. وأشارت إلى “وجود شروط وآليات يتم وضعها عادةً للبدء في تسوية النزاعات على المستوى المحلي، وغالباً ما تكتسي نتائج تلك التسويات طابع إدارة أزمات، أكثر منها مصالحة حقيقية بين الأطراف المتنازعة، إذ تسعى تلك المبادرات إلى إنهاء العنف، ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة، وتبادل للأسرى والجرحى، وهي غالباً مطالب مؤقتة لكل الأطراف”. وحذرت من أن كثيراً من تلك الاتفاقات يتم خرقها، وسرعان ما تبدأ المشاكل بالظهور مرة أخرى بين الأطراف المتنازعة، لأن الحلول لم تكن جذرية، ولم تكن مُرفقة بضمانات لاستمرار السلام بين تلك الأطراف.

وتبقى العقبة الرئيسية هنا هي إصرار بعض الفرقاء على وضع مسألة تقاسم الثروة على مائدة الحل السياسي. ويذهب بعضهم في هذا المضمار إلى حد المطالبة بالفدرالية، بوصفها الصيغة “الأنجع والأكثر عدلا” لتقاسم الثروات الطبيعية.

ويحمل هذا الوضع دلالات كبيرة عن فشل عملية اقتحام طرابلس، التي كان الجنرال خليفة حفتر يسعى من ورائها إلى تجميع أوراق الملف الليبي بين يديه. ومع هذا الفشل، لا يمكن استبعاد حفتر، أو أي طرف آخر، من الحل الذي بدأت الأمم المتحدة “تشتغل” عليه، والذي يمكن اعتبار تحرك وفد من قبائل أجدابيا نحو الزنتان ثم طرابلس ومصراتة، جناحهُ الليبي. وسيحظى هذا المسار بدعم من أهم العواصم المعنية بالملف، كونه يشكل أول مبادرة ليبية ترتكز على حاضنة اجتماعية وازنة، ولا تناصر أيا من الغريمين السراج وحفتر. وتبقى العقبة الرئيسة هنا هي إصرار بعض الفرقاء على وضع مسألة تقاسم الثروة على مائدة الحل السياسي. ويذهب بعضهم في هذا السياق إلى حد المطالبة بالفدرالية، بوصفها الصيغة “الأنجع والأكثر عدلا” في توزيع الثروات الطبيعية. وفي هذا الإطار تندرج الفكرة الشائعة والقائلة بأن سبب الحرب هو الصراع على الثروات، وأن الحل يكمن في تقاسمها، إلا أن هذا المنطق لا يمكن أن يقود إلا إلى التقسيم إذا ما تمسك به فريق من الفرقاء المتصارعين.

إندبندنت: في شرق ليبيا.. جيش حفتر يصادر ممتلكات رجال الأعمال ويبيع حديد المخازن في سوق الخردة

 

نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا أعده مراسلها بورزو دارغاهي، عن الطريقة التي يقوم فيها أمير الحرب الليبي خليفة حفتر بتمويل حروبه، في محاولة للسيطرة على كل ليبيا، وذلك عبر أعمال مشبوهة ومصادرة للممتلكات.

وتحت عنوان: “عقار في منطقة مهمة على البحر والنفط والخردة تمول أمير الحرب الليبي”، قال الكاتب إن العقار على البحر يقع في غرب ليبيا، وبالمدينة الثانية في ليبيا، بنغازي، وهو إسكان على البحر الأبيض المتوسط قد يكون مصدرا للمال بعد تسوية مشاكل ليبيا. إلا أن مالكه اضطر لبيعه بسعر أقل من سعره الحقيقي عام 2017، عندما استدعته سلطة غامضة يطلق عليها “لجنة الاستثمار العسكري والأشغال العامة”، التي تتبع ما يطلق عليه الجيش الوطني الليبي بزعامة حفتر.

ولخوفه على مصدر معيشته وأمنه الشخصي، اضطر المالك لبيع العقار بسعر أقل بكثير من السعر الحقيقي، وذلك حسب شهادات حصلت عليها صحيفة “إندبندنت”، خصوصا أن الكثير من الليبيين الذين أغضبوا الجيش الوطني اختفوا أو أجبروا على الهروب إلى المنفى.

وبحسب باحث يزور بنغازي بشكل متكرر وتحدث مع صاحب العقار: “لا يحتاجون لفعل شيء”، مضيفا: “ربما أصدروا تهديدا مباشرا أو استدعوك إلى مكتب وأخبروك عن قواعد اللعبة، وربما أرسلوا مجموعات مسلحة إلى قطعة الأرض أو العقار وسيطروا عليه بالقوة”. ويشن حفتر، الجنرال الليبي المتقاعد المثير للجدل، الذي يحظى بدعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر، وبدعم سياسي من روسيا وفرنسا، حربا منذ خمسة أعوام للسيطرة على الدولة الغنية بالنفط.

ولأن الحرب تحتاج إلى تمويل ونفقات تشمل دفع أجور جماعات الضغط في واشنطن وإرضاء الضباط، فقد بدأ حفتر ما يصفه النقاد بممارسات وضع اليد على الأملاك والأموال، ومن خلال لجنة الاستثمار العسكري والأشغال العامة، وهي لجنة شبه قانونية، يتم من خلالها مصادرة الممتلكات أو شراؤها بأسعار بخسة، وكذا بضائع يتم تصديرها وبيعها في الخارج.

وهناك صعوبة في تقدير عائدات اللجنة، إلا أن باحثا قدرها بما بين 5-10 مليارات دينار ليبي سنويا. وتشرف هذه السلطة على برامج التمويل المزعومة التي تديرها. وعادة ما تتم مصادرة البيوت بناء على زعم ضرورات الأمن القومي، فيما يطلب من رجال الأعمال المساهمة ماليا، ويتم تهريب النفط إلى الخارج وبيعه. وقدرت الحكومة الليبية في عام 2017 حجم النفط الذي يتم تهريبه سنويا بقيمة 5 مليارات دولار.

وتقول الصحيفة إن المخازن تصادر من أصحابها ويتم تفكيكها وبيعها في سوق الخردة. وهذا ما أورده تقرير “اقتصاديات النشل في شرق إفريقيا” الذي صدر في حزيران/ يونيو عن منظمة “غلوبال إنيشيتف أغينست ترانزناشونال كرايم”، أو المبادرة العالمية ضد الجريمة العابرة للحدود. وفي عام 2018، كشفت وثيقة حصلت عليها مؤسسة البحث أن شحنة واحدة من الخردة صدرت بقيمة 750.000 دولار. ويقول جليل حرشاوي، الباحث في معهد غلينغنديل بهولندا: “إنها بالضرورة واضحة وأداة تستخدمها قيادة الجيش الوطني الليبي لعسكرة اقتصاد شرق ليبيا”. وأضاف أن اللجنة التي تقوم بعمليات المصادرة هي “كيان يسمح للضباط الكبار، وفي أكثر الاحتمالات أبناء الجنرالات، لملكية الموانئ والمزارع وشركات الاتصالات”.

وعلى خلاف الأعمال الأخرى، فهذه السلطة لا تدفع ضرائب أو أجورا. وخلافا لصناديق التمويل الأخرى مثل هيئة الاستثمار الليبية، التي تدير عددا من المشاريع العقارية والأسهم التي تملكها الدولة من الناحية الفنية، فلجنة جيش حفتر لا تخضع للرقابة المالية؛ فهي مرتبطة بحفتر فقط، وتظهر صفحة “فيسبوك” التابعة لها صور جنرالات علا الشيب محياهم وهم يعقدون اجتماعات.

ولا يوجد على موقع اللجنة في الإنترنت ما يفيد من معلومات عن دورها أو ما تملكه أو أرقام للاتصال بها. وحاولت الصحيفة الوصول إلى اللجنة مرارا، وبعد موافقة المتحدث باسمها التحدث عبر “فيسبوك”، لم يجب على الأسئلة التي أرسلت إليه. وقال باحث مقيم في ليبيا: “لا يحبون الحديث أو تقديم معلومات”. وأضاف: “يعرفون أنهم يقومون بأعمال ينظر إليها الناس في الخارج على أنها مشبوهة”.

إلا أن الباحث أضاف أن الاتهامات الموجهة ضد السلطة من طرف واحد ومبالغ فيها. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر)، بدأت السلطات المدنية بالحد من نشاطاتها، فيما رفضت محاكم في شرق ليبيا محاولات السلطة السيطرة على أملاك وعقارات. وقال: “بالإضافة لبعض الممارسات التي تقع داخل عمليات النشل، تقع معظم تجارتها ضمن إطار الأعمال القانونية”. و”فشلت اللجنة عندما حاولت القيام بأعمال غير قانونية وتم الوقوف في وجهها، ولهذا فهم يحاولون الآن جعل أعمالهم قانونية بناء على قانون الاستثمار العسكري الذي أقر العام الماضي”.

ويترأس اللجنة الجنرال محمد المدني الفخري، الذي يعد من الموالين لحفتر، فيما يضم مجلس إدارتها عددا من الضباط البارزين في معسكر حفتر. وبحسب الباحثين، فأرصدة اللجنة تضم مؤسسات لتحميل وإنزال البضائع في ميناء بنغازي ومزارع، مما يعطيها نفوذا على الصادرات وإنتاج الطعام. وأصدرت في الأيام القليلة الماضية بيانا قالت فيه إنها مسؤولة عن دخول الأجانب إلى شرق ليبيا، مما يعطيها السلطة لملاحقة رجال الأعمال وابتزازهم.

وقال باحث: “بدأت بالسيطرة على العقارات، ولكنها أصبحت اليوم أكثر تنظيما، وتسارع عملها من خلال رغبة الجيش الوطني الليبي بالحصول على موارد مالية، ورغبة بعض القادة بالحصول على المال”.

وتضيف الصحيفة أن رغبة الجيش الوطني زادت في الأشهر الماضية، فالنفط الليبي لا يزال تحت سيطرة المصرف المركزي الذي يقوم بدفع الرواتب والتقاعد ودعم مؤسسات الدولة مثل المستشفيات. وحاول الجيش الليبي السيطرة على المصرف المركزي وشركة النفط الوطنية الليبية ولكنه فشل. وبعد سيطرته على الشرق والجنوب، قام حفتر بمحاولة للسيطرة على طرابلس في نيسان/ أبريل، ولكنه فشل رغم وعده أنصاره بتحقيق نصر سريع، وتحولت المعركة لحالة جمود وسط إشارات عن نفاد صبر داعمي حفتر في مصر والسعودية والإمارات.

ويقول الكاتب إن حلفاء حفتر العرب، وإن قدموا له الدعم العسكري والدبلوماسي، لكن لا دليل على تقديم الدعم المالي له، مما اضطره للبحث عن موارد لتمويل طموحاته العسكرية وإعادة بناء شرق ليبيا بعد سنوات من الحرب، وكذا توفير الرواتب لحوالي 70 ألف مقاتل.

وتضم نفقات حفتر صفقةً عقدها بمليوني دولار هذا العام مع شركة علاقات عامة أمريكية، مقرها هيوستن، لمساعدته في تحقيق “أهدافه الدبلوماسية” في واشنطن.

ويرى الخبراء أن لجنة الاستثمارات العسكرية هي محاولة لتقديم ملمح من القانونية والتغطية على عمليات النهب التي يقوم بها حلفاء حفتر والمقاتلون في جيشه. وتشبه اللجنة محاولات عبد الفتاح السيسي تسهيل اختراق الجيش لاقتصاد مصر، والمؤسسات الدينية في إيران التي قامت بمصادرة بيوت وممتلكات رجال الأعمال.

وقال باحث: “لا يخفون هذا في النموذج المصري الذي استلهموه، من أجل جعل مالية الجيش الوطني مستقلة قدر الإمكان وتنويع مصادره ودخله”.

للحديث حول المسائل الأمنية.. باشاغا يلتقى الأمين العام لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية

محاربة الإجرام والجريمة المنظمة بجميع صورها وأشكالها مما يحقق مصلحة التعاون الدولي

 

زار وزير الداخلية بحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، فتحي باشاغا، اليوم الخميس، المقر الرئيسي لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” بمدينة ليون الفرنسية، وذلك بناء على دعوة مقدمة من الأمين العام للمنظمة.

وأوضحت داخلية الوفاق، في بيانٍ لمكتبها الإعلامي على فيسبوك، أن الأمين العام لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية، “يورغن شتوك ” كان في استقبال باشاغا مع عددٍ من المسئولين بالمنظمة، وذلك للحديث حول المسائل الأمنية ذات الاهتمام المشترك.

باشاغا أشار، إلى أن دولة ليبيا ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية من خلال المكتب المركزي الوطني بطرابلس، يضطلعان بدور حاسم في محاربة الإجرام والجريمة المنظمة، بجميع صورها وأشكالها، مما يحقق مصلحة التعاون الدولي في هذا الشأن.

ووفق البيان، تطرق الاجتماع لمناقشة وبحث الأهمية الإستراتيجية البالغة لدولة ليبيا، في مسائل التعاون الشرطي الدولي، والتي يغلب عليها طابع القانون العام، مؤكدًا تعويل وزارة الداخلية على دور منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” في مكافحة الجريمة على المستويين الإقليمي والدولي، والتي من شأنها تعكير صفو العلاقات الودية والمصالح المشتركة بين الدول.

وأشار البيان، إلى أن باشاغا قام بجولة داخل إدارات وأقسام المنظمة، للاطلاع على نظام عملها الدقيق المتسم بالمهنية والتقنية العالية من أجل الحد من الجريمة والحفاظ على أمن العالم.

ومن جانبه، أعرب مدير عام المنظمة عن استعداد المنظمة لتقديم المساعدة التقنية والوسائل والبرامج التدريبية لدولة ليبيا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والتقنية البارومترية بالنسبة لمنظومة الجوازات والجنسية والهوية والشخصية، كما أكد أن المنظمة مستعدة لإمكانية تقديم المساعدة التقنية في مسائل الهجرة غير الشرعية وما يترتب عليها من سلبيات أرهقت الدولة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

واختتم البيان، بتأكيد باشاغا على أن البرامج التدريبية، والرفع من كفاءة منتسبي الوزارة، وكافة أجهزتها المختلفة، يأتي ضمن أولويات الوزارة الحالية، قائلاً: “ذلك منذ أن تولينا إدراتها، وذلك من أجل النهوض بهذا القطاع علمياً وتقنياً”.

 

 

 

أميركا تجدد التزامها بالحل السياسي للأزمة الليبية

لقاء السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، مع مسئولين بالبلديات، 5 سبتمبر 2019، (صفحة السفارة على فيسبوك)

 

جدد السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، التزام الولايات المتحدة بالحل السياسي والسلمي للصراع الدائر في ليبيا.

والتقى نورلاند، ومساعد مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية للشرق الأوسط، مايك هارفي، اليوم الخميس، المسؤولين المنتخبين في البلديات في ليبيا، وقد وجه الشكر لهم على تفانيهم في تحسين مجتمعاتهم المحلية، حسب بيان السفارة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

واطلع نورلاند عن كثب على التحديات التي يواجهها المسؤولون عن البلديات في كثير من الأحيان، أثناء تقديم الخدمات الأساسية إلى الناخبين، في ظل الوضع السياسي المعقد في ليبيا، الذي يتسم بالصراع.

وفي أول تصريح رسمي له عقب توليه منصبه، تعهد نورلاند «العمل من أجل إنهاء فوري للصراع في ليبيا».

وأضاف: «أنا متحمس للقاء شريحة واسعة من الليبيين في أقرب وقت ممكن»، مبديا تطلعه «إلى اليوم الذي تسمح لنا فيه الظروف الأمنية بالعودة إلى ليبيا»، وأردف: «نعتقد أن جميع الليبيين يستحقون العيش بسلام والاستفادة من ثروات البلاد»، حسب بيان سابق للسفارة.

الطائرات المُسيرة تحسم الصراع في ليبيا وأمريكا تُمهدُ لاستعادة وجودها العسكري على الأرض

 

رشيد خشانة – يتأكد يوما بعد يوم، أن الولايات المتحدة في مقدمة المستفيدين من المآل الذي انتهت إليه الأوضاع في ليبيا، بعد قرابة خمسة شهور من اندلاع الحرب الأهلية الثالثة، أو ما بات يُعرف بـ”حرب طرابلس”. واستطاع الأمريكيون تحصيل غطاء شرعي لتدخلهم المباشر، خلال الاجتماع الأخير، الذي ضم قائد قوات أفريكوم (القيادة الأمريكية لأفريقيا) الجنرال ستيفن تاونسند ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، بمشاركة السفير الأمريكي الجديد لدى ليبيا ريتشارد نورلاند. واتضح من البيان المقتضب، الصادر في أعقاب الاجتماع، أن الجانبين أكدا على أهمية إقامة “علاقات جديدة بينهما” على أساس مواجهة الخطر الراهن، الذي يُمثله “التنظيم العنيف” في إشارة إلى “تنظيم الدولة” وفي درجة ثانية شبكة “القاعدة”.

وفي السياق عبر العقيد كريس كارنس، المتحدث باسم أفريكوم، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة الجيش الأمريكي “ميليتاري تايمز” عن القلق من أن الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في ليبيا، يمكن أن تمنح أوكسجينا للفروع الإرهابية، وتُوفر أرضًا خصبة للمنظمات المتطرفة العنيفة. وأكد أن هذا الوضع “تتم مراقبته بعناية، كما يجري العمل على حوار مكثف وشامل للدفع باتجاه حل سياسي في البلد”. وأفاد أن أفريكوم نفذت ست غارات جوية في ليبيا العام الماضي، وسبع في عام 2017 في إطار عمليات “مكافحة الإرهاب رداً على تهديدات الجماعات العنيفة” على ما قال، مُوضحا أنه لم تُنفذ أي غارات جوية جديدة في عام 2019. وعزا ذلك إلى “تراجع التهديد الإرهابي، إلى حد كبير، قبل تصاعد التوترات الأخيرة في ليبيا” (أي حرب طرابلس).

واللافت أن أفريكوم، التي ظلت تحتفظ بوجود صغير في ليبيا، اعتبارا من عام 2011 في أعقاب الإطاحة بنظام القذافي، بعنوان مساعدة القوات المحلية على مُكافحة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، سحبت قواتها من ليبيا في نيسان/ابريل الماضي، بعد انطلاق هجوم حفتر على طرابلس. إلا أن كارنس أكد أن واشنطن مهتمة بإعادة قواتها إلى ليبيا، وهي تدرس موعد وعدد القوات التي ستعود.

واستهدفت الغارات الجوية الأمريكية، في مناطق ليبية مختلفة، تصفية عناصر تشتبه المخابرات الأمريكية بكونها من قيادات “داعش” و”القاعدة”. والملاحظ أن الادارات الأمريكية المتعاقبة ظلت حذرة من تعزيز وجود قواتها على الأرض، في ليبيا، منذ مقتل سفيرها السابق في بنغازي جون كريستوفر ستيفينز، في أيلول/سبتمبر 2012. والظاهر أن الأمريكيين يطبخون شيئا ما في هذا الاتجاه، سيجعلهم يتخلون عن اعتبار الملف السياسي الليبي من أنظار حلفائهم الأوروبيين، ويتعاطون معه مباشرة، لكن بغطاء أممي، وهذا هو المغزى من اجتماع كل من الجنرال تاونسند والسفير نورلاند مع رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة، أخيرا في تونس. وكان القائد العسكري الأمريكي واضحا، حين شدد على ضرورة ألا تشعر التنظيمات العنيفة أنها تستطيع استثمار غياب الاستقرار في ليبيا “من أجل إحلال الفوضى وتحقيق أهدافها” على ما قال تاونسند. ويجوز القول إن الجانب الأمريكي مهد لهذا الموقف، خلال قمة السبع الأخيرة في بياريتز، التي أصدرت بيانا في شأن الوضع الليبي، يختلف عن البيانات النمطية السابقة.

ثلاثة عناصر جديدة

أتى البيان بثلاثة عناصر جديدة أولها دعم مبدأ إعلان هدنة طويلة الأمد بين الطرفين المتقاتلين، وثانيها عقد مؤتمر دولي لإيجاد حل سلمي للصراع في ليبيا، بالرغم من علم “السبعة” أن ثلاثة مؤتمرات دولية في السنتين الأخيرتين (باريس1 وباريس2 وباليرمو) لم تُحقق هذا الهدف. أما العنصر الثالث فهو دعم مجموعة السبع جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لعقد مؤتمر مصالحة ليبية يساعد على إنجاح المؤتمر الدولي.

لم يُخف السفير نورلاند رغبة حكومته في تأمين الظروف الملائمة لعودة قوات “أفريكوم” إلى ليبيا. وبالرغم من أن “أفريكوم” لم تعد تملك حاليا قوات على الأرض في ليبيا، مثلما أسلفنا، لم ير السفير غضاضة في التصريح بأن القيادة العسكرية الأمريكية تدرس “فرص نشر وجود عسكري أمريكي جديد (في ليبيا) عندما تسمح بذلك الظروف الأمنية”.

إلا أن الوضع الراهن في ليبيا يختلف عن الأوضاع السابقة بعد ثلاثة حروب أهلية، الأولى في 2011 ضد حكم الزعيم الراحل معمر القذافي، والثانية في 2014 بين قوات “فجر ليبيا” (غرب) والقوات المؤيدة للقائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر، والحرب الثالثة هي التي أطلقها الجنرال حفتر للاستيلاء على طرابلس، أكبر مدن البلد في مطلع نيسان/ابريل الماضي.

وكان نجله خالد حفتر على رأس الكتيبة الأولى التي غزت التخوم الجنوبية لطرابلس بشكل مفاجئ، بعد السيطرة على نقطة التفتيش 27 الواقعة بين طرابلس والزاوية، على الساحل المتوسطي. وحققت الحرب الأهلية الراهنة أعلى مستوى من التعبئة العسكرية بين الحروب الثلاثة، حسب الخبراء، ما جعل آثارها السلبية كبيرة في خلخلة البنية المجتمعية وتهديد استقرار الاقتصاد، القائم أساسا على ضمان تدفق النفط والغاز الطبيعي.

وطفت على السطح مجددا الانقسامات القديمة بين كتائب الثوار والقوات الموالية للنظام السابق في حرب 2014 إذ تماهت غالبية “الثوريين” مع حكومة الوفاق في طرابلس، فيما اصطفت المناطق والقوى المتحدرة من النظام السابق مع الجنرال حفتر. ولعبت أطراف أخرى على الحبلين ساعية إلى تحقيق منافع أكبر أسوة بالكانيات (أسرة كاني) في ترهونة، التي انضمت إلى حفتر، بعدما وعدت أقطاب مدينة مصراتة بالوقوف في صفهم. كما أن القائد العسكري الزنتاني أسامة الجويلي، ساهم في الإبقاء على غالبية الجماعات المسلحة في مدينة الزاوية الاستراتيجية (غرب طرابلس) في صف الموالين لحكومة الوفاق.

أكثر من ذلك كانت هناك شخصيات من مصراتة تناقش مع موفدين لحفتر إسناد حقائب وزارية ومناصب عسكرية لها في إطار الاتفاق الذي كان السراج توصل إليه مع حفتر خلال لقائهما في أبو ظبي أواخر آذار/مارس الماضي، لتشكيل حكومة انتقالية. بهذا المعنى كانت الأوراق مختلطة، قبيل إطلاق الهجوم على طرابلس، إذ كان قادة جماعات مسلحة من طرابلس ومصراتة فاتحين خطوطا مع القائد العسكري المعين من البرلمان، إلا أن الغالبية الساحقة لتلك القوى تكتلت مع بعضها البعض، منذ الأيام الأولى لاندلاع “حرب طرابلس” مُعتبرة أن حفتر خدعها.

احتكاكات بين الجماعات

مع ذلك لا يستبعد خبراء في الشأن الليبي أن يكون الصراع الحالي في غرب البلد فرصة للمضي سريعا في إيجاد حلول لهشاشة الأمن في العاصمة طرابلس، من خلال تسريع تدريب القوات النظامية التي تعمل حكومة الوفاق على تشكيلها. غير أن المنافسة، والاحتكاكات في كثير من الأحيان، بين الجماعات المُنتشرة في العاصمة تُعطل هذا المسار. ويجوز القول إن ما يُوحدها حاليا، ليس أكثر من الصراع مع قوات حفتر، الذي بات العنصر الحاسم في التآلف بينها.

وفي تقدير لحجم القوات المتقابلة على الجانبين في “حرب طرابلس” توقع الخبير أرنو دولالند ألا تتجاوز القوات الموالية لحفتر 25 ألف عنصر، علما أن عملها بات معقدا وصعبا بعد خسارتها مقر قيادتها السابق في غريان أواخر حزيران/يونيو الماضي. وتستخدم قوات حفتر، بحسب دولالند، 15 طائرة حربية غالبيتها من طرازي “ميغ 21″ و”ميغ 23” سوفييتية الصنع، وعددا لم يُحدده من المروحيات، بعضها مخصص للنقل وبعضها الآخر قتالي.

والأرجح أن حكومة الوفاق تملك عددا مماثلا من الطائرات الحربية من طراز “ميراج” فرنسية الصنع. واستخدم الطرفان ما يملكان من مقاتلات وقاذفات في الأيام الأولى من الحرب، إلا أن إسقاط بعضها، حملهما على إعطاء الأولوية للطائرات المُسيَرة. وما لبثت أن ظهرت في سماء غريان، في الأيام الأولى للهجوم العسكري، صواريخ مضادة للمدرعات من طراز “بلو أرو 7” صينية الصنع، أطلقتها قوات حفتر، وكانت تحملها طائرات مُسيرة.

وكان الاماراتيون دعموا حفتر اعتبارا من حزيران/يونيو 2016 بأسطول من طائرات بلا طيار من طراز “وينغ لونغ” صينية الصنع، كانت متمركزة في قاعدة “الخادم” الجوية، شرق المرج، معقل حفتر. في المقابل قبلت تركيا تزويد القوات المؤيدة لحكومة الوفاق، أربع طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار” يبلغ طول الواحدة منها ستة أمتار، وحمولتها نحو 650 كيلو، ويمكن أن تصيب هدفها من مسافة لا تقل عن ثمانية كلم. كما أرسلت تركيا أيضا، في الفترة نفسها، أكثر من 50 عربة مصفحة إلى حكومة الوفاق، عبر ميناء طرابلس. وتم توزيع الطائرات على القاعدتين الجويتين في معيتيقة قرب طرابلس ومصراتة.

ويعتقد دولالند أن اقتناء طائرات عسكرية مسيرة أتاح للطرفين المتحاربين التعويض عما خسراه من طائرات حربية، ومنها طائرة “ميغ” التي فر الطيار على متنها إلى تونس، رافضا تنفيذ أوامر من قوات حفتر، بقصف مناطق مأهولة بالسكان. كما أن خبراء أتراكا رافقوا طائرات بيرقدار المُسيرة، لمساعدة الليبيين على تشغيلها، لأنهم لا يملكون خبرة في استخدام هذا النوع من الطائرات المُسيرة. وحسب دولالند تم تدمير اثنتين منها بينما كانتا رابضتين في مطار معيتيقة العسكري. ويُرجح أن طائرات إماراتية قصفت أيضا مطار قاعدة معيتيقة العسكري يوم 6 حزيران/يونيو الماضي، في إطار حرب مفتوحة مع حكومة الوفاق برئاسة السراج.

بهذا المعنى أضحت ليبيا حقل تجارب للأسلحة الجديدة، فقد تزايد الاعتماد على الطيران المُسير في عمليات الاستطلاع والتوجيه وضرب الأهداف المعادية، ما شكل فرصة لاختبار أنواع مختلفة من السلاح. ولوحظ أن القواعد الجوية في الشرق، كما في الغرب، باتت الهدف الرئيس لهجمات بالطائرات المُسيرة، وأن كل غارة جوية من أحد الطرفين يردُ عليها الثاني بضربة جوية من طائرة مُوجهة، من دون الحاجة إلى استخدام القاذفات التقليدية.

ومع تصاعد المعارك، تسعى الأطراف الدولية للدفع في اتجاه عودة الفرقاء إلى مائدة الحوار، بحثا عن حل سياسي. غير أن المؤسسات التي يمكن أن تقود هذا المسار باتت اليوم فاقدة للشرعية، من “المؤتمر الوطني العام” (2012) إلى البرلمان (2014) إلى حكومة الوفاق المُعترف بها دوليا (2015) وانتهاء بالحكومة المؤقتة في الشرق، الموالية لحفتر. وعندما يُشدد قائد قوات “أفريكوم” الجنرال تاونسند في تصريحاته الأخيرة على “إصرار” الولايات المتحدة على إطلاق “حوار مفتوح وشفاف” حول المسائل الأمنية المستعجلة في ليبيا، فذلك يُؤشر على بداية اهتمام أمريكي جديد بالملف الليبي ما زالت ملامحه لم تتوضح بعدُ.

تمدُد “تنظيم الدولة” في جنوب ليبيا ودول الساحل يُقربُ الحل السياسي

 

رشيد خشانة – الأرجح أن تمدُد “تنظيم الدولة” وشبكة “القاعدة” في جنوب ليبيا، وبعض دول الساحل والصحراء، مُستفيدتين من “حرب طرابلس”، شكل عنصرا حاسما في جنوح الأطراف الغربية، المؤثرة في المشهد الليبي، أخيرا، نحو الحل السياسي. وعلى مدى أربعة أشهر من القتال في الضواحي الجنوبية لطرابلس، ظلت العواصم الغربية ترفع صوتها، في الاعلام فقط، مطالبة بحل دبلوماسي، فيما هي تمُد الأطراف المتقاتلة بالأسلحة تحت الطاولة. ولم تكن الأمم المتحدة بعيدة عن هذا الموقف، من خلال اجتماعاتها العقيمة. في هذا الإطار يمكن أن نفهم إعلان مبعوث الأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، غسان سلامة، أننا نقترب من الانتقال إلى مرحلة “حل الأزمات”، استكمالا للهدنة القصيرة في عيد الاضحى.

“تنظيم الدولة” عندنا…

قد يكون سلامة يقصد بذلك المخاطر التي نتجت ومازالت عن استمرار الأزمة الراهنة، والتي أثبتت أنه لا يمكن أن يكون هناك غالب ومغلوب، بالرغم من الهزيمة الاستراتيجية لقوات الجنرال خليفة حفتر في مدينة غريان. وعزز “تنظيم الدولة” انتشاره في الجنوب، وسط انشغال الجميع بالحملة على طرابلس، التي أوقعت أكثر من 1200 قتيل. كما حقق انتقالا سلسا لعناصره، من شمال ليبيا، وبخاصة مدينتي سرت ودرنة، نحو الجنوب.

وبعدما استطاع معاودة بناء معقل له هناك، صعَد من هجماته، التي استهدفت منشآت في مدن الجنوب وأشخاصا يُعتقد أنهم من الرافضين لسلطة “داعش”. أكثر من ذلك، لم يتوان التنظيم، الذي خسر آخر معاقله في العراق وسوريا، عن اتخاذ مدينة الفقهاء في الجنوب الليبي معقلا جديدا له، بحسب موقع “يورونيوز” الأوروبي. وما يُستشف من التقارير العسكرية هنا وهناك، أن عناصر التنظيم بدأت تظهر في المزارع بالجنوب، وأن عناصر غير ليبية من دول الجوار انضمت إليها، وخاصة من تشاد والنيجر المجاورتين لليبيا.

وتُرجح تلك التقارير أن التنظيم قد يُعلن ولاية جديدة في ليبيا، لاسيما بعدما ظهر زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، آمرا أتباعه بتنفيذ “عمليات استنزافية” في ليبيا وبعض البلدان الأخرى، مُركزا على تصفية العسكريين والأمنيين، لقطع الطريق أمام محاولة إعادة بناء الجيش النظامي، والمؤسسات الأمنية. وفي أقل من شهرين شنت عناصر التنظيم هجومين على بلدة غدوة، جنوب سبها (عاصمة الجنوب)، واغتالت شخصين من منتسبي الجيش وأحرقت مقر المجلس المحلي وعددا من منازل سكان القرية. وكانت شنت قبل ذلك هجوما على معسكر للتدريب في مقر الكتيبة 160 مشاة، أسفر عن مقتل سبعة من جنود الكتيبة، قُتل أحدهم ذبحا على الطريقة الداعشية.

دفاعا عن النفس

اللافت أن قوات الجيش الذي يقوده الجنرال حفتر لم تستطع احتواء التمدُد الداعشي، ولا استطاعت أن تفعل ذلك القوات المؤيدة لحكومة الوفاق في طرابلس، بسبب اتساع الرقعة الجغرافية، وصعوبة تأمين خطوط الإمداد والإسناد. وفي النتيجة اضطر السكان للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. وأصاب عميد بلدية سبها حامد الخيالي، حين أكد أن السكان واجهوا المهاجمين المسلحين بوسائل بسيطة لم تساعدهم على الصمود. ولا يُستبعد أن تطال الهجمات في المستقبل مدينة سبها نفسها، عاصمة اقليم فزان، بسبب غياب الدولة التام من الجنوب.

ولا يختلف الوضع في بلدان الساحل والصحراء عن الجنوب الليبي كثيرا، إذ ترتع فيها الجماعات المسلحة، عابرة الحدود بلا صعوبات، عدا حذرها الدائم من الضربات الجوية الأمريكية. وتكثفت الهجمات المسلحة في الفترة الأخيرة، مع أن فرنسا شكلت، بغطاء من الأمم المتحدة، البعثة الأممية في مالي (مينوسما) منذ العام 2013. لكن تقارير كثيرة أكدت أن تلك القوة تتفادى الاحتكاك بالجماعات الارهابية، وتتحاشى التنقل إلى المناطق التي تستهدفها الهجمات الانتحارية. وبالنتيجة اضطر السكان للاعتماد على أنفسهم في التصدي لهجمات عناصر “داعش”. وذكر أحد التقارير الصادر عن إحدى المنظمات غير الحكومية الغربية، أن 845 قرويا افريقيا قُتلوا خلال تلك الهجمات منذ بداية العام الجاري، وهو جانب منسييٌ من الحروب الدائرة في محيط ليبيا. ويُظهر الخط البياني للهجمات أنها في ارتفاع مطرد، فبعدما كان تنظيم الدولة يُنفذ عملية انتحارية كل ستة شهور في المتوسط، قبل اندلاع “حرب طرابلس” في أبريل/ نيسان الماضي، تجاوز عدد عملياته منذ ذلك الحين سبع عمليات.

قلق أمريكي

الأرجح أن الأمريكيين قلقون من اتساع نفوذ “تنظيم الدولة” وجماعات إرهابية أخرى في الجنوب الليبي، وهو ما عبر عنه السفير ألأمريكي الجديد لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، لدى تسليم أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية الليبي محمد طاهر سيالة في تونس الخميس الماضي. ومن نتائج ذلك القلق ارتفاع نبرة الدعوة الأمريكية، في الفترة الأخيرة، إلى “وقف دائم لإطلاق النار وحل سياسي تفاوضي يُكرس الأمن والاستقرار”. ويتقاطع هذا الموقف مع مساعي البعثة الأممية إلى ليبيا بقيادة غسان سلامة، الذي اقترح على القوتين المتصارعتين القيام بثلاث خطوات لحلحلة الأزمة، أولاها تكريس الهدنة، ثم عقد اجتماع رفيع المستوى للبلدان المعنية بالملف الليبي، من أجل ترسيخ وقف الأعمال العدائية، وثالثتُها إقامة اجتماع دولي يعقبه اجتماع ليبي، يضم الشخصيات القيادية المؤثرة، من جميع أنحاء البلاد، للاتفاق على خريطة طريق.

والظاهر أن البعثة الأممية تعمل على إنضاج الظروف لهذا الحل السياسي من خلال الاتصال بعمداء البلديات وأعضائها، وممثلين عن المجتمع المدني وزعماء القبائل، وكذلك ممثلين عن المرأة والنشطاء الاجتماعيين. وبالنظر للوزنين السياسي والاقتصادي الكبيرين لمدينة مصراتة، ذهبت إليها أخيرا نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ستيفاني ويليامز (أمريكية الجنسية)، واجتمعت إلى قياداتها للبحث في سُبُل إنهاء الأزمة الراهنة. الجديد هنا هو أن القيادات المصراتية، المُلتفة حول المجلس البلدي، قدمت شرطا لم يكن يُذكر قبل شن الهجوم العسكري على طرابلس، في الرابع من أبريل/ نيسان الماضي، ويتمثل باستبعاد الجنرال حفتر من أي حوار ليبي ليبي. وكان واضحا أن مخاطبي ويليامز لا يرغبون في قيام نظام عسكري على شاكلة السلطات التي يتمتع بها حفتر في المنطقة الشرقية، وأنهم يعملون على “بناء الدولة المدنية” على ما جاء في بيان لبلدية مصراتة بعد اللقاء مع الموفدة الأممية.

وعود… وعود

من هنا بدأ التباعد يتكرس ويتعمق بين الجنرال حفتر والعواصم الدولية التي كانت تحميه، لكن لاشيء يؤكد حتى الآن، أنها في سبيلها لنفض أياديها منه، بعدما عجز عن الايفاء بوعوده، بالقضاء على الارهاب في ليبيا “قريبا”. وباتت تلك العواصم على قناعة بأن الجنرال وقف عند أبواب طرابلس، ولن يستطيع التقدم بعد المعارك التي أنهكت قواته واستنزفت أسلحته وعتاده. وأشارت تقارير إلى أن تلك القوات غاصت في أوحال “معركة طرابلس”، إلا أن قائدها زاد تعنتا وإصرارا على متابعة الهجمات الجوية والبرية، من دون اعتبار لأخطارها على السكان المدنيين. ويعتقد الباحث الليبي طارق مقريسي أن إخفاق حفتر في معركة طرابلس، نزع عنه الصفة التي كان يحاول ترسيخها، باعتباره الجدار الأقوى أمام انتشار التطرف والإرهاب، كما أفرغ شعارات أخرى من مضمونها، مثل قولهم إنه الرجل القوي في الشرق، وهو لقب ثبت أنه لا يستحقه.

وفي مالي، كما في النيجر تندلع، من وقت إلى آخر، معارك عنيفة ترتدي أحيانا طابعا قبليا، وتكون أحيانا أخرى هجمات يُنفذها “تنظيم الدولة”، من دون أن تكون للسلطات المركزية قدرة على الرد عليها، وحماية المدنيين. ويتفق الخبراء على أن قوة التنظيم وقدراته الهجومية تضاعفت، منذ حلول عناصره الأولى في المنطقة عام 2016. وتمكن خلال الفترة الماضية من إحكام سيطرته على قسم من شبكات التهريب عبر الصحراء والاستثمار في تجارة السلاح، وخاصة مع الجماعات القبلية المتمردة في غرب افريقيا.

مستنقع طرابلس

من هذه الزاوية يبدو إصرار حفتر على مواصلة الحرب في طرابلس جزءا من سياسة هجومية لا يمتلك كثيرا من وسائلها وأوراقها. وهو يسعى إلى الثأر لسمعته بعد هزيمته في غريان، ويأمل مع كل هجوم جديد، أن قواته ستنتصر. لكن كلما غاص في المستنقع، إلا ولجأ أكثر إلى العنف، ما يجعل سكان الضواحي الجنوبية لطرابلس في مرمى مدفعيته وطيرانه الحربي. وأثبتت الغارات التي شنها طيرانه بعد هدنة العيد، أنه بات يُعوض عن تعثر قواته البرية باللجوء للطيران، لقصف غريان ومصراتة وأخيرا مُرزق (جنوب غرب). وهذا الاصرار يُترجم سياسيا برفض العودة إلى المسار السلمي والجنوح إلى التفاوض مع خصومه.

وأشارت تقارير من منطقة برقة (الشرق) حيث يُسيطر الموالون لحفتر على بنغازي ومدن الشرق الأخرى، بقبضة من حديد، إلى أن استمرار الحرب في شكل عبثي جنوب طرابلس، زاد من منسوب الغضب لدى النخب السياسية والقيادات القبلية، التي لم تعد تقبل أن يعود أبناء منطقتهم من ضواحي طرابلس في أكفان. وبالنتيجة أذكى هذا الشعور الصراعات التي كانت مكتومة في الشرق نفسه، وخاصة مع انتشار قصص الفساد في أذرع الجيش الذي يقوده الجنرال المتقاعد وأبناؤه. والأرجح أن هذا سيحفز حلفاءه وداعميه، الاقليميين والدوليين، على مراجعة حساباتهم، بعدما كانوا على قناعة بأن حفتر يُمثل المال والسلاح والاستقرار في آن معا.

القبائل على الخط

الظاهر أن شرخا كبيرا أصاب هذه الصورة بعد فشل الجنرال في تحقيق وعده بالدخول إلى طرابلس غازيا، ما قد يفتح باب الصراع بينه وبين المكونات القبلية، وخاصة قبيلة العواقير، والكيانات المدنية في الشرق. وشمل هذا التباعد أيضا قبائل أجدابيا، التي اضطهدها حفتر إبان سيطرته على الهلال النفطي في 2016، والتي قُتل كثير من أبنائها في “حرب طرابلس”. ودخل تنظيم الدولة على الخط أيضا لتغذية هذا الصراع، من خلال عمليتين انتحاريتين بسيارة مفخخة، في بنغازي، استهدفت الأولى ضباطا من قوات حفتر، والثانية موكبا لبعثة الامم المتحدة. وقد يتنامى هذا الخطر في الفترة المقبلة مع الشعور بالفراغ الذي ستُخلفه هزيمة غريان.

غير أن كثيرا من الخبراء والمتابعين للشأن الليبي، يُرجحون أن الدول التي استثمرت في حفتر، لن تتخلى عنه بسهولة، بالرغم من الضربات العسكرية والرمزية التي أضعفته، فهي لا تتنازل عن استثمار تواصل منذ خمس سنوات، من دون أن تكون لديها خيارات بديلة. واستطرادا سيشكل هذا الوضع عنصر تعطيل للعملية السياسية، وقوة دفع إلى الخلف لا تخدم سوى مصالح المستفيدين من عدم الاستقرار.

ليبيا: تكثيف الغارات يُؤشر على الانتقال إلى حرب جوية لا تقتصر على طرابلس

 

 

رشيد خشانة – لم تُعمر هدنة العيد أكثر من أربع وعشرين ساعة، قبل أن تنتهكها القوات التي تأتمر بأوامر القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر. وفي خط مُواز كثفت هذه القوات من الاعتماد على الضربات الجوية، محاولة إيقاع أكبر الخسائر البشرية والمادية بالقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني. ولوحظ أن تلك الضربات باتت تستهدف أكثر فأكثر المطارات والمنافذ الجوية، في محاولة لشل حركة الملاحة والطيران المدني. وكان آخر المطارات المُستهدفة مطار معيتيقة في طرابلس ومطار زوارة غرب العاصمة، القريب من الحدود المشتركة مع تونس. ويمكن القول إن الفترات التي يكون فيها مطار معيتيقة مُقفلا في وجه الملاحة الجوية، صارت أطول من الفترات التي يستقبل فيها الرحلات الجوية (المدنية)، بسبب مخاوف سلطات المطار من تعريض الطائرات والمسافرين للخطر، نتيجة القذائف التي تطلقها قوات الجنرال حفتر على المطار، بدعوى أنه يُستخدم لأغراض عسكرية.

قوسٌ حول العاصمة

الظاهر أن الهدف من شل رئة التنفس الوحيدة لسكان العاصمة (3 ملايين ساكن)، بعد إقفال مطار طرابلس الدولي في العام 2014، هو تأليب السكان على السلطات السياسية (حكومة الوفاق) وتعميق الفجوة بين الجانبين، وسط مناخ من الغضب بسبب تردي الأوضاع المعيشية والبيئية. أما زوارة، المدينة المعروفة بتجانسها واستقرارها، فالغاية من قصف مطارها أخيرا وإخراجه من الخدمة، هي معاقبتها على ولائها للدولة، ورفض حكمائها أن تكون جناحا غربيا للقوس الذي حاول حفتر أن يُطوِق به العاصمة، وفي القلب منه مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) التي طُردت منها قواته. ويمتد هذا القوس من صبراتة على ضفاف المتوسط غربا، إلى ترهونة شرقا، مرورا بقصر بن غشير وخلة الفرجان.

تُدرك العواصم الاقليمية والدولية المعنية بالنزاع في ليبيا أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية بلغت مستوى غير مسبوق من التدهور منذ 2011، وأن البلد يقترب من منزلة الدول الفاشلة. إلا أن تلك العواصم تكتفي بالفرجة، مع إصدار بيانات من وقت إلى آخر، لرفع العتب. وفي حركة غير معهودة في هذا الملف، أصدرت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا وإيطاليا بيانا مشتركا حضت فيه على تحويل هدنة العيد إلى وقف دائم لإطلاق النار، واستئناف المفاوضات من أجل إطلاق عملية سياسية، للتغلب على الأزمة الراهنة

. لكن ما أن تم خرق الهدنة حتى لاذ الخماسي بالصمت، فلم يتعامل مع هذا الاختراق بجدية، ولم يسع إلى مراقبة تنفيذ الهدنة. وغير خاف على أحد أن لدى الخماسي وسائل ضغط مباشرة وأخرى عبر الأمم المتحدة لرفع الغطاء عن أمراء الحرب وإخضاعهم للعقوبات.

كاد المُريب…

وصلت ازدواجية المواقف إلى حد أن الدول الخمس طالبت في بيانها بـ”تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بحظر صادرات السلاح إلى ليبيا”، وهي المُصدِرُ الرئيس للأسلحة إلى الفريقين المتقاتلين، فهل من نزق أكثر من هذا، وهل من رياء أشدُ من هكذا رياء؟ أكثر من ذلك، دعت الناطقة باسم الخارجية الروسية “جميع القوى السياسية والعسكرية في ليبيا إلى الانخراط في المفاوضات واتخاذ إجراءات لاستعادة عملية سياسية شاملة”، تهدف إلى التغلب على انهيار البلاد وإنشاء مؤسسات دولة موحدة وفعّالة، تكون قادرة على استعادة السلام والازدهار على الأراضي الليبية. كلامٌ جميلٌ، لكن لا أثر له في الواقع، فالمسؤولون الروس لا يعرفون الطريق إلى طرابلس، لكنهم يعرفون جيدا مقر الجنرال حفتر في قاعدة المرج، حيث زارته وفود من المسؤولين العسكريين والسياسيين الروس، مثلما يعرف هو أروقة وزارة الدفاع في موسكو، وحتى إحدى قطع البحرية العسكرية الروسية التي استُقبل على ظهرها.

غارة وتفجير

لم تُعلق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن على الغارة التي نفذتها قوات حفتر على مستشفى ميداني تابع لقوات “الوفاق” السبت الماضي، والتي أدت إلى وفاة خمسة أطباء وإصابة ثمانية مُسعفين بجروح، فيما استنكر أعضاء المجلس التفجير الذي استهدف سيارة كان يستقلها موظفون في بعثة الأمم المتحدة في بنغازي، والذي ذهب ضحيته ثلاثة من الموظفين، ووقف أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت ترحُما على أرواحهم.

وتشير تقارير متواترة إلى أن المستشفيات الميدانية، القريبة من مواقع الاشتباكات، جنوب طرابلس، تتعرض لقصف جوي متكرر يُنفذه طيران قوات حفتر، بالرغم من الدعوات المتكررة التي وجهتها منظمة الصحة العالمية، إلى تجنُب استهداف الطواقم الطبية، مُذكرة بأن دورها يقتصر على تقديم خدمات الإسعاف لضحايا المعارك. وينبغي توقُع مزيد من “الأخطاء” من هذا القبيل في الفترة المقبلة، لأن الضربات الجوية المتبادلة تكثفت في المدة الأخيرة، فقد لجأت قوات حفتر إلى قصف قواعد عسكرية ومواقع تمركز قوات “الوفاق” في الجنوب، بعد إخفاقها في الزحف على طرابلس. وردت قوات “الوفاق” باستهداف قواعد منها قاعدة الجُفرة في الجنوب. كما لوَح اللواء أسامة الجويلي قائد قوات “الوفاق” بضرب مطار بني وليد (وسط)، متهما الطرف المقابل باستخدامه لأغراض عسكرية. وفي السياق هاجمت طائرات حفتر مطار الأكاديمية العسكرية بمصراتة ردا على استهداف قاعدة الجُفرة، ما يُؤكد الانتقال إلى حرب جوية بالأساس، مثلما أسلفنا، واستطرادا فهو يُؤشر على انتشار الحريق إلى مناطق عدة من البلد شمالا وجنوبا، بعدما كانت المعارك تقتصر تقريبا على التخوم الجنوبية لطرابلس.

ضربات متبادلة

خلال الضربة الجوية التي نفذها طيران “الوفاق”، أواخر الشهر الماضي على قاعدة الجُفرة، التابعة لقوات حفتر، بواسطة طائرات بلا طيار، استطاع أن يُصيب طائرتي نقل أوكرانيتين ويقتل قائد إحديهما. وأتى رد قوات حفتر في فجر اليوم التالي باستهداف مهبط الطائرات في مطار الأكاديمية العسكرية بمصراتة، بواسطة طائرات بلا طيار، ما أدى إلى إصابة طائرة نقل عسكري تركية. وعزا خبراء عسكريون دقة الضربات الموجهة إلى تلك الأهداف، إلى استعانة قيادة حفتر بأجهزة استخبارات عربية وأجنبية، تحت يافطة “مكافحة الجماعات الارهابية”.

ولئن نفى طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي (مقره في طُبرق – شرق) وجود خلافات بين الجنرال حفتر وضباطه، تُؤكد مصادر أخرى بروز تلك الخلافات على السطح، وخاصة مع ضباط كبار، بينهم المهدي البرغثي قائد كتيبة الدبابات والمتحدث السابق باسم “قوات الكرامة” الرائد محمد حجازي، الذي انفصل عن حفتر منذ فترة، والعقيد فرج البرعصي واللواء عبد السلام الحاسي، الذي يتردد أن حفتر يُحمله المسؤولية عن هزيمة غريان، في الأقل جزئيا.

غطاء دولي
من أجل تأمين غطاء دولي لكل منهما تسعى حكومة الوفاق من جهة والبرلمان المؤيد لحفتر من جهة ثانية إلى كسب دعم العواصم المعنية بالنزاع في ليبيا، وبخاصة أعضاء مجلس الأمن. وزار أخيرا وفد من مجلس النواب (جناح طُبرق) واشنطن، حيث أجرى اتصالات مع أعضاء في الكنغرس والادارة الأمريكية، وزار أيضا فرنسا حيث اجتمع مع وفد من وزارة الخارجية برئاسة مساعد الوزير لشؤون شمال أفريقيا والمغرب العربي والشرق الأوسط. وضم الوفد الذي قاده طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، كلا من النائب الثاني لرئيس المجلس أحميد حومه، ورئيس لجنة الخارجية والتعاون الدولي يوسف العقوري، وعدد آخر من رؤساء اللجان.
وبحسب رئيس الوفد تم تسليم وثائق تُثبت “تورُط” حكومة الوفاق مع أطراف اقليمية ودولية، مع التأكيد على أن “غالبية أهالي طرابلس مؤيدة لدخول الجيش (قوات حفتر) إليها” على ما جاء في تصريح صحفي للميهوب. غير أن عددا كبيرا من الطرابلسيين كتبوا تدوينات كذبوا فيها ما ورد في تصريحاته.

تواصل الاستنزاف

في المقابل فتحت حكومة الوفاق خط اتصال مع روسيا، من خلال إرسال وفد من أعضاء البرلمان المقيمين في طرابلس، إلى موسكو أخيرا. ونقل أعضاء الوفد عن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، أن موسكو تعارض الهجوم على طرابلس، داعيا جميع القوى السياسية والعسكرية في ليبيا إلى الانخراط في المفاوضات والجنوح إلى الحل السياسي.

ويأتي الموقف الروسي في سياق موقف إقليمي ودولي أشمل يطالب أطراف الأزمة بوقف القتال الدائر في محيط طرابلس، واستئناف العملية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بقيادة غسان سلامة. لكن الأرجح أن الموقف الحقيقي للعواصم المهتمة من قريب بالشأن الليبي، يميل إلى ترك الطرفين المتقاتلين يستنزفان بعضهما بعضا، في حرب شبيهة بحرب داحس والغبراء، لا تُعرف لها نهاية، بما أن السلاح الذي تم نهبُهُ من مخازن النظام السابق لم ينفد بعدُ، وطالما ظلت الحكومتان في الشرق والغرب تشتريان المزيد من العتاد والأسلحة على أمل تعديل الموازين العسكرية لصالحها، في لعبة عبثية ليس لها سقفٌ ولا حدود. مع ذلك يمكن لشخصيات عامة، سياسية وعسكرية، من الذين يحظون بمصداقية شعبية، أن يتخذوا مبادرة مواطنية للدعوة إلى مؤتمر سلام داخل ليبيا، وأن يُحصِلوا دعما من الأمم المتحدة، ويستقطبوا التأييد من فئات ومناطق عديدة، تمهيدا لوضع خارطة طريق لحلً سياسي وروزنامة لتنفيذ مراحله.

بشير صفصاف القائد السابق للقوات البحرية الليبية: الأجندات الخارجية ساعدت حفتر على إجهاض الحل السياسي في 2014 و2019

 

حاوره: رشيد خشانة

قال الأدميرال بشير صفصاف القائد السابق للقوات البحرية الليبية إن عملية “طوفان الكرامة” أتت لإجهاض ملتقى غدامس الذي شارك في إعداده 6000 ليبي بـ22 ألف ورقة. وروى في حديث لـ”القدس العربي” الاجتماعات التي عقدها عسكريون من المنطقتين الشرقية والغربية لمعاودة بناء الجيش الليبي واستبعاد الهجوم على طرابلس. وأكد أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر رد عليهم باستهداف العاصمة، بمخطط من الخارج يرمي لاستنزاف قوى الطرفين وإنهاكهما، على أساس ألا يدخل حفتر إلى طرابلس ويبقى عند تخومها في معارك كر وفرٍ.

وهنا نص الحوار:

*هل أصبح الحل العسكري هو الخيار الوحيد المتاح في ليبيا مثلما يقول البعض؟

**لا يمكن حل الأزمة في ليبيا عسكريا، وهي الفكرة التي راودت البعض عند التحول من الثورة إلى الدولة. ما حال دون ذاك التحول هو وجود مجموعات مسلحة وسلاح ليس في يد الدولة، بل في أيدي مجموعات حاول شخص في المنطقة الشرقية أن يسيطر عليها، وهو خليفة حفتر، مُدعيا أنه شكل منها “جيشا وطنيا”. وهناك قوى لديها أجندات خارجية ساعدته على ذلك، بينما في المنطقة الغربية لم تسيطر الدولة على تلك المجموعات. وهناك مجموعتان في المنطقة الغربية تعتبران شبيهتين بجيش، هما “البنيان المرصوص”، الذي استطاع أن يقضي على الدواعش في سرت، ويجتثها من جذورها، بالتعاون مع القيادة الأمريكية في أفريقيا (المعروفة بـ”أفريكوم”)، على صعيد الاستطلاع والمعلومات والطيران، ودفع ثمنا باهظا وصل إلى 740 شهيدا وحوالي ألفي جريح. أما القوة الثانية فهي “قوة مكافحة الارهاب”، وهي منظمة جدا ومدرَبة تدريبا عاليا، بالتعاون مع الأمريكيين، بقيادة اللواء محمد الزين (ينحدر من مصراتة).

*كيف واجهت القوتان هجوم حفتر على طرابلس؟

**هما اللتان امتصتا الصدمة في اليومين الأولين من الهجوم، وهي الصدمة التي كان حفتر يُعول عليها، فالاشكالية اليوم هي كيف يمكن للدولة ان تضبط السلاح وتحتكره وهو منتشر خارج مؤسساتها؟

*ولماذا لم يتخذ مجلس الأمن قرارا ضد زحف حفتر على طرابلس؟

**الهدف هو استنزاف الطرفين ولذلك كانت الحملة على طرابلس معركة طويلة على مدى نحو تسعين يوما، للوصول إلى تخومها الجنوبية فقط.

*وكيف يمكن التعاطي مستقبلا مع تلك المجموعات المسلحة في رأيك؟

**الرؤية المستقبلية ينبغي أن تقوم على إدماج المجموعات المسلحة عبر كامل التراب الوطني، فالترتيبات الأمنية ينبغي أن تبدأ من وضع السلاح الثقيل في يد الجيش. وكانت هناك خطوة نحو توحيد المؤسسة العسكرية في 2016، إذ وُضع مشروع وطني تضمن المبادئ الحاكمة للمؤسسة العسكرية، بما في ذلك البنية التنظيمية والاشتراطات الواجب اتخاذها في هذا السبيل. وكان لي شرف ترؤُس اللجنة المكلفة بوضع هذا المشروع، وفعلا شكلنا لجنة للتواصل من أجل الحوار مع جميع العسكريين. وتوزعت اللجنة إلى لجنتين واحدة للتواصل الخارجي وعلى رأسها العقيد (العميد حاليا) سالم جحا، وهو من الثوار السابقين في 2011، وقاد العمليات ضد النظام السابق، وكان معارضا للقرار الرقم 7 القاضي بالدخول لمدينة بني وليد، أما اللجنة الثانية فتوليت رئاستها مع اللواء جبو، واتصلت بالضباط في الداخل لإقناعهم بالمشروع. ولما طُرحت مبادرة عقد الملتقى الوطني في غدامس بين 14 و16 نيسان/ابريل الماضي، كانت هذه العملية جزءا من المشروع، ووضعنا رئيس الأركان العامة محمد الشريف ونائبه سالم جحا في الصورة، على أساس أن هذه المبادرة تكون جزءا من المشروع الوطني العام لدى مناقشته واعتماده في ملتقى غدامس. غير أن العدوان على طرابلس أفشل المشروع مثلما هو معروف، بمخطط من الخارج يرمي لاستنزاف قوى الطرفين وإنهاكهما، على أساس ألا يدخل حفتر إلى طرابلس ويبقى عند تخومها في معارك كر وفرٍ.

*لكنه كان مُصرا على الدخول إلى قلب طرابلس…

**خطة حفتر العسكرية كانت تقوم على ثلاثة عناصر: أولا قاعدة إدارية في الجفرة (مقر قيادته في ضواحي بنغازي) تستقبل السلاح والعتاد والأفراد، ثم توزع على الجبهات. ثانيا السيطرة على غريان، وهي مدينة جبلية على ارتفاع 800 متر عن مستوى سطح البحر، وثالثا جناحان وهما صبراتة – صُرمان في أقصى الغرب وترهونة ذات الموقع الاستراتيجي شرق طرابلس، فإذا كانت لديك قاعدة عملياتية وجناحان، يمكنك الإطباق على العاصمة. هذا صحيحٌ مئة بالمئة من ناحية التخطيط العسكري، لكن الحسابات كانت خاطئة، إذ كان حفتر يُعول كثيرا على الجبهات الداخلية، فهو يعتقد أن تلك المدن مؤيدة له. والضربة الأولى التي تلقاها تمثلت في أسر المجموعات التي كانت قادمة من صبراتة – صرمان في اليوم الأول، ففشل بذلك جزءٌ كبيرٌ من الخطة، أقلُهُ على صعيد المعنويات. فالتحرك الطبيعي كان ينبغي أن يكون نحو ترهونة، لأنها أقرب إلى جبهة وادي الربيع، وهي أكثر الجبهات سخونة. وما زاد من شدة القوة في مقاومة حفتر، هو توحُد القوى الموجودة في طرابلس، بالرغم من التناقضات بينها، وهذا لم يتم في يوم الهجوم على طرابلس، وإنما قبل ذلك.

وكانت الانطلاقة من مبادرة عناصر من ترهونة بإلقاء القبض على أفراد من ككلة (وهي مدينة غنيوة الككلي الذي يوجد معقله في بوسليم جنوب طرابلس)، لذا نزل شيوخ ككلة إلى طرابلس وحصل اتفاق على إطلاق المخطوفين وعلى تشكيل “قوة حماية طرابلس”، وتم كل ذلك قبل فترة من انطلاق هجوم حفتر على العاصمة.

*ماذا يعني هذا التوحيد من الناحية العسكرية؟

**بعد 2011 سيطرت قوة الزنتان على طرابلس، ثم أتت كتائب مصراتة لتُخرج الزنتان في إطار عملية “فجر ليبيا” في 2014، ومن الطبيعي أن تكون العاصمة هي المستهدفة من ذلك الصراع، فهي مركز المال والقرار السياسي، لذلك استهدفها الجميع، لكن كان لزاما على جميع التشكيلات الموجودة فيها أن تتوحد لمجابهة الخطر المشترك.

*وهل قبلت الخضوع لقيادة موحدة؟

**شكلنا غرفة عمليات موحدة ووضعنا مهام محددة لكل تشكيل، بينما أعطيت القيادة للـ”النواصي”، وهم أقل قوة من الآخرين لكنهم أكثر حكمة. كان هناك يوم مفصلي كان يُفترض أن تختطف فيه ترهونة عناصر من ككلة، فيكون ذلك مبرر للهجوم على غنيوة في العاصمة باعتباره ككليا (من ككلة). وفعلا جاء جماعة ككلة إلى العاصمة وكان الجو مشحونا ومتوترا، فطلبتُ منهم أن يُبرزوا قوتهم للطرف المقابل، فتوجهت قوة كبيرة منهم إلى ترهونة وحاصرتها، فسلموا لهم الرجال المعتقلين. كانت هذه الحادثة النقطة الحاسمة التي جعلت مصراتة تأتي إلى طرابلس ويتم إبرام اتفاق ضد حفتر. كل ذلك تم قبل بدء الحملة العسكرية على العاصمة. لذا لما جاءت قوات حفتر، كانوا جاهزين. ولاحظنا عندما جاءت تشكيلات مصراتة إلى طرابلس، قبل ذلك، أن قوات البنيان المرصوص لم تكن بينها، ولا قوة مكافحة الارهاب. كما لم توجد في المنطقة الغربية قيادة عسكرية. كانت هناك إدارات ومؤسسات إمداد وأجهزة استخبارات، وكان العمل سائرا بشكل طبيعي في المنطقة الغربية. إلا أن كل ذلك لم يكن بارزا كما هو في الشرق، حيث هناك رئاسة أركان وقائد عام، مما أضفى عليها رمزية دولية. تُضاف إلى ذلك حملات الدعاية (البروباغندا) وتجميع الألقاب العسكرية بإفراط.

في البداية كنت أنا وكثير من العسكريين مع حفتر في الحرب على الإرهاب فالهدف الأول الذي جعله نقطة استقطاب للعسكريين هو التصدي للدواعش الذين كانوا يغتالون العسكريين بإفراط، في سرت وبنغازي ودرنة وغيرها، فلما وجدنا من يستطيع حمايتهم، كنا ننتظر تجسيد المُعلن عنه. وسأروي لك حادثة مهمة في هذا الصدد، فقبل أن يتحرك حفتر نحو طرابلس بستة أشهر تقريبا أرسل لنا شخصا هو مدير مكتب القائد الأعلى فايز السراج (المعترف به دوليا) واسمه اللواء محمود عبد الجليل، وأخبرني أن السراج يقول لي “هناك شخص من المنطقة الشرقية سيصل غدا إلى طرابلس وأريدك أن تقابله”. ذهبت في اليوم الموالي في الموعد فوجدت كافة القيادات العسكرية في المنطقة الغربية، واتضح أن الشخص المعني هو الدكتور علي الترهوني.

*ماذا كانت مهمة علي الترهوني؟

**كنت أظن أنني سأقابله بمفردي فوجدت هذه الكوكبة من القادة، فقال لنا الآتي “أنا لا أتقلد أي مسؤولية رسمية وأنا مصاب بالسرطان ولا أعرف متى تحين ساعتي، لكنني متطوع لإصلاح ذات البين، وتربطني وشائج بحفتر والسراج، فقد كنت مقيما في أمريكا مع حفتر، وأتيت لأبلغكم رسالة فحواها أن حفتر له ميزتان فهو ضابط من الضباط الوحدويين الأحرار، وكان يطمح، كتنظيم، إلى توحيد الوطن العربي فما بالك بليبيا، فهو لن يرتضي بتقسيمها أبدا. أما الميزة الثانية فهي أنه ضد الارهابيين وخاصة الأجانب. غير أنه يعتقد أن المؤسسة العسكرية ينبغي أن يكون لها قائد واحد، وبالذات في المرحلة الراهنة، ولا يريد أن يكون فوقه قائد أعلى، فما رأيكم؟”. أجمع الضباط الحاضرون الذين هم في الخدمة، على أنهم عسكريون تحت القانون ولا تهمهم مسألة من هو القائد الأعلى، فالمهم أن تكون هناك قيادة عليا يأتمرون بأمرها.

*ماذا كان تعليقك؟

**قلت: أنا متقاعد ورأيي أعطيه بكل حرية في الدولة وفي العلاقة بين السياسة والدفاع، فالسياسة هي التي تبني الجيوش وهي التي تعطيها الموازنات. والعسكري ببزته العسكرية لابد أن يكون له رئيس، وهو رئيس الدولة في بعض الأنظمة ورئيس الوزراء في أنظمة أخرى. ويمكن للعسكري أن يصبح وزيرا للدفاع لكنه يبقى تحت سلطة رئيس الحكومة. وما على المسؤول العسكري الذي يريد أن يكون المرجع الأعلى إلا أن يخلع بزته العسكرية ويخوض انتخابات. هذه كانت رسالتنا الجوابية لحفتر عبر الترهوني.

*وكيف كان الردُ؟

**الهجوم على طرابلس بعد أيام…

*نأتي إلى غريان، ماذا يعني أن يخسرها حفتر ويُضطر للانسحاب منها؟

**فقد حفتر بخروجه من غريان موقعا استراتيجيا كان يمكن أن يكون منطلقا للسيطرة على طرابلس.

*يبدو أن هناك أشخاصا من داخل غريان ساعدوه على اقتحامها والسيطرة عليها، أليس كذلك؟

**هؤلاء اشترى ضمائرهم بخمسة ملايين دينار والأسماء معروفة. وأحدهم هو من الثوار السابقين وقد أصيب إصابة بالغة في معارك غريان.

*هل لعملية طوفان الكرامة علاقة مباشرة باتفاق أبو ظبي؟

**ما كان مطروحا في أبو ظبي هو التوافق على حزمتين من القرارات، الأولى تتمثل بتقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة فقط (السراج من الغرب وسيف النصر من الجنوب والعبَار من الشرق) وتحت المجلس حكومة، وكان هناك اتفاق على أن تكون حكومة تسيير أعمال لا تتخذ قرارات استراتيجية، ومهمتها الأولى هي تنظيم الانتخابات. وهناك شخصان فقط يمكن أن يضعا فيتو على القرارات، هما السراج وحفتر. أما الحزمة الثانية فتخص تشكيل مجلس الدفاع والأمن القومي المؤلف من أربعة أعضاء هم السراج والقائد العام (حفتر) ووزيرا الداخلية والخارجية. وكنا ننتظر أن يتم دفع المشروعين إلى الأمام في الملتقى الذي كان مقررا عقده في غدامس مع أواسط نيسان/ابريل الماضي.

*من الذي عطله؟

**الإمارات. حدث هذا أيضا في أعقاب انتخابات 2014، إذ كان كل شيء مرتبا لتسليم المشعل للمجلس المنتخب. حتى السجاد الأحمر كان جاهزا، والكلمات جاهزة. لكن أتت مكالمة في اللحظة الأخيرة من أبو ظبي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح ألا تُسلموا ولا تتسلموا (من المؤتمر الوطني العام). هذه العملية أنشأت اتفاق الصخيرات (2015) وتم تقسيم البلد. ولما قمنا بالإعداد لملتقى غدامس تم إجهاضه أيضا بنفس الطريقة، بعد عقد 77 اجتماعا شارك فيها 6000 ليبي وأنتجت 80 ألف ورقة، لُخصت في 22 ورقة، وشملت الأوراق كل المجالات مع ملخصاتها. لذا عندما أجهضوا المشروع كانت حساباتهم ورهاناتهم خاطئة، والدليل فشل عملية “طوفان الكرامة”.

إيرادات ليبيا من الضرائب والجمارك عند مستواها في العام 2000

 

كشف تحليل بيانات النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي أن الإيرادات الفعلية غير النفطية للميزانية العامة بلغت 2.43 مليار دينار العام الماضي، توزعت إلى إيرادات من الضرائب بواقع مليار و63 مليون دينار، وإيرادات من الرسوم الجمركية بحوالي 449 مليون دينار، بالإضافة إلى نحو 922 مليون دينار إيرادات أخرى لم توضحها النشرة.

لكن بمقارنة بيانات وأرقام النشرة، يتضح أن تلك الإيرادات ظلت عند مستواها تقريبًا الذي كانت عليه قبل 18 عامًا، عندما بلغت 2.45 مليار دينار في العام 2000.

حين بلغت 8.32 مليار دينار بزيادة تصل إلى 76.2% عما كانت عليه في العام السابق (4.72 مليار دينار)، إلا أنها ظلت في تناقص مستمر بنسبة 22.7% في العام التالي، وبنسبة 10% في العام 2010، ثم بنسبة 83% في العام 2011 لتهبط إلى أقل من مليار دينار.

وفي العام 2012 قفزت الإيرادات غير النفطية إلى ثلاثة مليارات و199 مليونًا، لكنها تراجعت في العام التالي إلى 2.98 مليار دينار، ثم إلى حوالي 1.56 مليار دينار في العام 2014، لتشهد هذه الإيرادات تذبذبًا وصل في العام الماضي إلى مليارين و435 مليون دينار، وهو ما يقارب مستواها في العام 2000 أي قبل 18 عامًا.

تحلية المياه.. بديل «ضروري» لكنه مكلف للنهر الصناعي

 

مع استمرار الاعتداءات على منظومة النهر الصناعي، وما تسببه من انقطاع مستمر للمياه قد يدوم أيامًا، بدأ مسؤولون محليون في خطوات نحو الاتجاه إلى خيار تحلية المياه بهدف تخفيف الضغط على المنظومة، والمساهمة في تقليل فترات انقطاع المياه، لكن محللين ينظرون بحذر إلى تلك الخطوة في ضوء التكلفة الاقتصادية العالية لها.

ومنذ الأحداث التي أعقبت ثورة 17 فبراير، تعرضت مواقع النهر إلى السرقة والنهب والتخريب، فمن بين 1149 بئرًا في المنظومة تعرضت 101 بئر للتخريب والاعتداء والسرقة، أغلبها في الحقل الشمالي الغربي لحقول منظومة الحساونة – سهل الجفارة.

انقطاعات متكررة
ويتكرر انقطاع المياه في منظومات المياه، نتيجة هذه الاعتداءات، التي تخلف خسائر تقدر بمئات ملايين الدينارات، حيث يضم النهر الصناعي 6 منظومات هي الحساونة ـ سهل الجفارة، والسرير سرت، وتازربو بنغازي، والجغبوب طبرق، والكفرة تازربو، والقرضابية السدادة.

لكن مسؤولي بلدية سرت بدؤوا خطوات نحو تفعيل مشروع محطة تحلية مياه البحر من أجل استمرار تدفق مياه الشرب في حال أي اعتداء على خط النهر الصناعي الرابط ما بين مدينتي أجدابيا وسرت.

ويقول عميد بلدية سرت، مختار المعداني، لـ«الوسط» إن «محطة تحلية المياه هي حل بديل لغياب الدولة، للمحافظة على سير تدفق مياه الشرب إلى بلدية سرت دون توقف الذي يأتي من خلال تفعيل مشروع محطة تحلية المياه». ويشير إلى أن «البلدية عانت خلال الفترة الماضية من الاعتداءات المتكررة على خط النهر الصناعي بين أجدابيا وسرت».

والثلاثاء الماضي اتفق المعداني مع مسؤولين بإدارة الموارد المائية وشركة المياه والصرف الصحي على تشكيل فريق فني يعاين المكان المقترح لإنشاء المحطة حتى تساهم في تغذية البلدية بالمياه دون توقف، بعد تذبذب مخزون المياه في خزان أجدابيا. ويعد هذا الخزان مصدرًا للإمداد الرئيس للمياه بمدينة سرت، إذ يرسل 233 ألف متر مكعب من المياه إلى خزان القرضابية بعد أن يتلقاها من حقول آبار تازربو والسرير.

وصلات غير شرعية
ويمثل الخزان موقع القلب في استقبال وإرسال المياه إلى منظومة خط الأنابيب بطول حوالي 402 كيلو متر من أجدابيا إلى سرت و 120 كيلو مترًا من أجدابيا إلى بنغازى، وتوجد فى هذه المنظومة معدات كل معدة لها خاصيتها. ويشير مصدر من جهاز النهر الصناعي إلى وجود « ارتباك في مخزون المياه بسبب الوصلات غير الشرعية على طول خط المنظومة، وعدم التزام فتحات التغذية بكمية معينة»، منوهًا إلى أن «الكمية المرسلة ترتفع وتنخفض على حسب الاستهلاك البشري».

لكنه يقول لـ«بوابة الوسط»: «إنشاء محطة تحلية مياه البحر في بلدية سرت هو أمر مهم لأنه يخفف الضغط على خزان النهر الرئاسي». ويضيف «لا يعلم الكثيرون أن الدولة الليبية أنشأت خزان النهر الصناعي من أجل الصناعة والزراعة على أن تعتمد المدن والقرى الليبية على محطات تحلية مياه البحر، ويكون خزان النهر الصناعي للطوارئ فقط».

تكاليف باهظة
ووضع النظام السابق حجر الأساس لمشروع النهر الصناعي في منطقة السرير في مدينة جالو في العام 1984، ويبلغ طول شبكة الأنابيب الممتدة في النهر الصناعي نحو 4 آلاف كيلو متر. ورغم طرح محطات تحلية المياه كحل بديل لنقص المياه عبر منظومة النهر الصناعي، إلا أن الخبير الاقتصادي د. محمد أحمد يرى أن النهر الصناعي كان يوفر حلًا اقتصاديًّا كفؤًا للبلاد، في ضوء حاجة تلك المحطات إلى الوقود أو الغاز.

وقال: «مشكلة تحلية المياه هي التكلفة الباهظة لنقل الوقود والغاز بين المدن الليبية التي تتوزع على مساحات شاسعة على الساحل ما يجعل نقل الغاز مكلفًا جدًّا». ويضيف: «هناك محطات تحلية في بعض المدن مثل درنة وأجدابيا في الزويتينة»، مشيرًا إلى أن «مرور الغاز في بعض المدن التي يصل لها خط الغاز من الممكن أن يقلل التكلفة».

وما بين الحلول البديلة والتكلفة الباهظة، يبقى الانقسام هو العقبة الرئيسة أمام نجاح أية خيارات، خصوصًا مع استنزاف موارد البلاد بما يضيع فرصًا كثيرة ويعمق الأزمات.