الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 23 ربيع الأول 1447

كل مقالات Farouk

نوفا: إيطاليا تتجه لإعادة تشكيل وجودها العسكري في ليبيا

 

قالت وكالة نوفا للأنباء إن مرحلة جديدة من التعاون العسكري الفني يجب أن تبدأ بين ليبيا وإيطاليا في الأسابيع المقبلة، مع انتشار عدد أقل من الجنود في مصراتة مقارنة بالموجود حتى الآن.

وأضافت الوكالة أن المرحلة ستركّز على القطاعات التي يتطلبها الجانب الليبي، وفي مقدمتها التدريب على وجه الخصوص، وكذلك في المجال الصحي.

وفي هذا الصدد، نقلت نوفا عن مصادر ليبية، أن الجنرال “فرانشيسكو باولو فيليوولو” أجرى في مصراتة محادثات حول “إعادة تشكيل” الوجود الإيطالي في ثالث أهم مدينة في ليبيا، وهو ما وصفته بـ”الانسجام التام” مع السلطات المحلية.

وأضافت المصادر أنه من المقرر أن تبدأ المرحلة جديدة من التعاون الفني، مؤكدة أن اجتماع “فيليوولو” كان مهما جدا، لأنه إشارة واضحة أنه بعد اشتباكات 27 أغسطس، إيطاليا موجودة، لا تغير برامجها وتنفتح أمام السلطات الموجودة في طرابلس.

يشار إلى أن رئيس الأركان العامة للجيش الليبي الفريق أول ركن “محمد الحداد”، استقبل قبل يومين رئيس هيئة العمليات الإيطالي الفريق “فرانشيسكو فيليولو” ومساعده، والسفير الإيطالي؛ لبحث آليات التعاون العسكري المشترك بين البلدين وخاصة في مجال التدريب.

وهيبة: المنفي طرح في نيويورك أفكارا جديدة لإجراء الانتخابات

 

قالت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة إن رئيس المجلس محمد المنفي طرح خلال لقاءاته مع قادة الدول الفاعلة في نيويورك, ما سمتها الأفكار الجديدة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وأضافت وهيبة في تصريح للأحرار الجمعة، أن سبب طرح المنفي لهذه الأفكار, هو تعثر مجلسي النواب والدولة في الوصول إلى اتفاق حول قاعدة دستورية وفق جداول زمنية محددة، وانعكاسه سلبا على الوضع السياسي والاستقرار في البلاد. بحسب قولها.

كما نقلت وهيبة عن المنفي اقتراحه على قادة الدول اتخاذ تدابير اقتصادية تتعلق بضبط المال العام, وتحييده عن التجاذبات السياسية, وضمان وصوله إلى مستحقيه دون تمييز سياسي أو جغرافي، وفق تعبيرها.

ليبيا تحتاج إلى أكثر من 100 مليار دولار لإعادة الإعمار


رشيد خشـــانة – على الرغم من استمرار الصراع بين الفرقاء السياسيين، تسعى ليبيا إلى الترفيع من إنتاجها النفطي إلى مليوني برميل يوميا، وهو مستوى لم تبلغه منذ 2011. ويعتمد هذا الهدف على الخطة الثلاثية، التي يتم تنفيذها بالتعاون مع الشركات العاملة في القطاع، ومنها مجموعتا «إيني» الإيطالية و«توتال إينرجيز» الفرنسية. ويقدر الإنتاج الليبي حاليا بمليون ومئة وثلاثة وستين ألف برميل يوميا. وتشرف على هذا الملف «لجنة متابعة ميزانية المؤسسة» بديوان مجلس الوزراء، وفق ما جرى الاتفاق عليه، عند إعداد الموازنة الاستثنائية لزيادة الإنتاج النفطي .

جاء ذلك في الاجتماع العاشر الذي عقدته لجنة المتابعة بديوان مجلس الوزراء الخميس الماضي، والذي تمت فيه مناقشة الخطة الثلاثية للمؤسسة. لكن يخشى الليبيون من التقلبات في الأسواق النفطية العالمية وانعكاساتها على صادراتهم. ولم يُخف محمد عون وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، انتقاد حكومته الشديد للقرار الذي اتخذته الدول الصناعية الكبرى السبع، والقاضي بوضع سقف لسعر النفط الروسي. وحذر عون من عواقب ذلك القرار، مَنبها إلى أنه قد يسبب اضطرابات في الأسواق النفطية العالمية. مع ذلك أبدى عون تفاؤله بأن تماسك منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» و«أوبك بلس» سيساعد على تخطي الأزمة، على ما قال. وشكل غياب الاستقرار السياسي والأمني في البلد، أبرز العوامل التي حالت دون استفادة ليبيا من ارتفاع أسعار النفط. وكانت الاشتباكات التي جدت بين مجموعات مُناصرة للدبيبة وأخرى مؤيدة لباشاغا في العاصمة طرابلس، الشهر الماضي، تسببت بوقف إنتاج النفط أكثر من مرة.

احتياطي غازي

على العكس من ذلك وعلى سبيل المقارنة، تضاعفت أرباح «توتال» الصافية 3 مرات، على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، لتسجل 9.8 مليار دولار، مقابل 3.46 مليار دولار قبل عام، بحسب إعلان الشركة في نهاية تموز/يوليو الماضي. وقال الخبير الليبي في شؤون النفط والغاز طارق شلماني لـ«القدس العربي» إن تصدير الغاز يشكل أحد مصادر الدخل الاقتصادي الرئيسة لليبيا. وتتبوأ ليبيا حاليا الرتبة 21 عالميا من حيث احتياطي الغاز وبطاقة إنتاجية تقدر بقرابة 2.2 ملياري قدم مكعب يوميا. وتصدر ليبيا الغاز إلى إيطاليا منذ 2007 عبر خط أنابيب «الدفق الأخضر» الذي يقدر طوله بـ520 ميلا بحريا. ويعتمد هذا المشروع المشترك بين «المؤسسة الوطنية للنفط» ومجموعة «إيني» الإيطالية، على عقود طويلة المدى مرتبطة بسعر النفط.
وقدر شلماني الدخل العادي من صادرات الغاز الطبيعي في السنوات الماضية بـ1.1 مليار دولار سنويا. ويمكن أن يرتفع إلى 3.3 مليار، إذا ما استقرت أسعار النفط عند حدود 100 دولار للبرميل. وتشير التوقعات إلى أن سعر البرميل سيبقى فوق 100 دولار حتى 22 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
ولا يمكن لليبيا بحكم تلك العقود طويلة المدى ان تتنصل من تعهداتها وتبيع غازها في السوق الفورية، ما يُحقق لها أرباحا تصل إلى 11 مليار دولار. غير أن هذا السلوك يُسيء إلى سمعتها في الأسواق، وربما يُعرضها إلى متابعات قضائية لدفع تعويضات كبيرة، أو الحجز على أية أصول تابعة لها.
وأكد خبراء أن الاقتصاد الليبي عانى من خسائر كبيرة نتيجة عدم التطوير الداخلي وغياب الأمن، فضلا عن الركود الاقتصادي وعدم استقطاب استثمارات من القطاع الخاص. وستواجه ليبيا تحديا كبيرا إذا ما تعثر إنتاج النفط والغاز في الفترة المقبلة بدوافع سياسية، لأنها بحاجة إلى العوائد لتمويل مجهود إعادة الإعمار. وتحتاج ليبيا إلى نحو 500 مليار دينار ليبي (102.5 مليار دولار) في السنوات العشر المقبلة، لكي تتمكن من إعادة إعمار البلد.
يعتقد شلماني أن ليبيا تستطيع تعزيز مكانتها في السوق الدولية كمنتج مهم للغاز، غير أن ذلك يحتاج إلى خطة لتطوير بنيتها التحتية وفتح الباب لمزيد من أعمال التفتيش والاستكشاف. وحسب معلومات من إدارة الإنتاج في «شركة الخليج للنفط» (قطاع عام) أن لدى ليبيا احتياطيا ضخما من الغاز الطبيعي غير مستكشف حتى اليوم. وأماطت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرا اللثام عن استراتيجيا تتضمن زيادة في إنتاج الغاز ليصل إلى 3.5 مليار قدم مكعب يوميا بحلول العام 2024 وبكلفة في حدود 60 مليار دولار من الموازنة الحكومية، والباقي يوفره مستثمرون من المجموعات النفطية العالمية. واستبقت مجموعات دولية نتائج الحرب الروسية الأوكرانية لتبدأ مفاوضات مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، للبحث في إمكان الرفع من الامدادات الليبية من الغاز إلى الدول الأوروبية.
وفي هذا الإطار تم الاتفاق بين الرئيس السابق للمؤسسة مصطفى صنع الله ونائب الرئيس التنفيذي لمجموعة «بريتش بتروليوم» غوردون بيرل على استئناف أعمال الاستكشاف في ليبيا، طبقا للاتفاق الذي توصل له الطرفان في 2018. كما بحث صنع الله هذا الأمر مع الرئيس التنفيذي لمجموعة «توتال» باتريك بواني في آذار/مارس الماضي، إذ تطرقا لتطوير الإنتاج والترفيع من حجمه من خلال الاستكشافات الغازية والنفطية. وتطرق صنع الله للموضوع أيضا مع مجموعة «إيني» الإيطالية، من أجل ضمان مساهمتها في الرفع من الإنتاج بُغية الاستجابة لزيادة الطلب على الغاز في السوق الدولية. ويحتاج تحقيق هذا الهدف إلى استتباب الأمن وترسيخ الاستقرار في كامل ربوع ليبيا، ليس فقط للترفيع من مستويات الإنتاج، وإنما أيضا لضمان المحافظة على تلك المستويات. وهناك تهديدات أمنية تلقي بظلالها على الوضع العام في ليبيا،، بما فيه الوضع الاقتصادي، من بينها انتشار عناصر «فاغنر» الروس سواء في الشرق الليبي أم في دول الجوار. ويُرجح الخبير شلماني أن تضغط أمريكا والقوى الكبرى على الفرقاء الليبيين لكي تفرض عليهم حدا أدنى من الاستقرار السياسي والأمني، من أجل ضمان وصول إمدادات الغاز الليبي إلى البلدان الأوروبية والتعويض، وإن جزئيا، عن نقص إمدادات الغاز الروسي. لكن حتى في حال لجأت القوى الكبرى إلى الضغوط، وتحسن تدفق الغاز فعلا، لن يغير ذلك كثيرا من تداعي صحة الاقتصاد الليبي العليل، إذ أنه يُعاني من تبعات الخلاف السياسي والحروب التي شهدها البلد، بينما تتعاظم بشكل يومي الأزمة المالية المتمثلة في ندرة السيولة لدى المصارف الحكومية والخاصة على السواء، نتيجة احتفاظ التجار بأموالهم في خزائنهم الخاصة، خشية اضطراب الأوضاع الأمنية، أو اندلاع حروب جديدة، تؤثر في عمل المصارف. وتوقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا خلال العام الجاري ليصل إلى 3.7 في المئة وذلك وفق تقرير نقلته وكالة الأنباء الليبية الرسمية في طرابلس.

توقع نزول التضخم

وتوقع التقرير أن يصل نمو الناتج المحلي الليبي إلى 3.5 في المئة خلال العام الجاري، وأن يرتفع إلى 4.4 في المئة العام المقبل لينزل إلى حدود 3.6 في المئة في 2027. وأشار التقرير إلى أن التوقعات متوسطة الأجل منخفضة أيضا، على خلفية الحرب وضعف القدرات. وفي آذار/مارس المنصرم طالب محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير خلال اجتماع مع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور، ونائب مدير إدارة الأسواق المالية والنقدية ميغال سافاستانو، دعم الصندوق لقدرات المركزي الليبي في مجال الإحصاءات والمؤشرات والسياسات النقدية وبرنامج زيارات الفرق الفنية للصندوق إلى ليبيا. أما منظمة هيومن رايتس ووتش، فحذرت، في تقرير خاص، من أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في تفاقم المشاكل الغذائية في خمس دول عربية، بينها ليبيا، التي ارتفعت فيها الأسعار.
وكشفت المنظمة، في تقرير مطول رصد أزمة الغذاء وتداعياتها، أن الواردات من أوكرانيا تشكل أكثر من 40 في المئة من واردات القمح إلى ليبيا. وأضافت «خلال الأسبوع الأول من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا حلّقت أسعار القمح والدقيق وارتفع معها قلق التجار من انقطاع المخزون، فزادوا الأسعار بنسبة تصل إلى 30 في المئة». كما كشفت المنظمة أنه، طبقا لبرنامج الأغذية العالمي، وقبل أزمة أسواق الغذاء الدولية، جراء الحرب في أوكرانيا، «كان 12 في المئة من الليبيين (أو 511 ألف شخص) يحتاجون إلى المساعدة في 2022». وهذا ما يُرتب أعباء إضافية على أي حكومة تستلم السلطة، خصوصا في ظل الزيادات المتوقعة في الأسعار خلال الأشهر المقبلة. وفيما تبدو حكومتا الدبيبة وباشاغا عاجزتين عن إيجاد حلول حقيقية للأزمة الاجتماعية، أطلقت حكومة الدبيبة مبادرة لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة، تتمثل بتيسير إجراءت الزواج وتملُك شقة للشباب. وفي بلد يشعر فيه الشاب بصعوبة العيش بلا حلم، أتت «مبادرة الاسكان الشبابي» لتُحيي الآمال بالزواج والحصول على بيت. وفي المرحلة الأولى من هذا المشروع، وعدت الحكومة بتمكين 18 ألف شاب من الحصول على قروض، كما وعدت بتوزيع 21 ألف قطعة أرض سكنية.
وفي بنغازي (شرق) تقدم 51759 مرشحا للاستفادة من برنامج الإقراض السكني. وأفاد بيان صادر عن حكومة الوحدة أن اجتماعا لمسؤولين حكوميين وخبراء خُصص أخيرا لدرس آلية العمل في برنامج المرحلة الثانية من «الإقراض وتوزيع الأراضي» على أن يبدأ التوزيع بعد أن تستكمل اللجان الفرعية بالبلديات أعمال الفرز للمتقدمين وتحديد المستفيدين، الذين يحظون بالأولوية. وتندرج هذه المبادرة في إطار محاولة احتواء غضب الشباب، الذي يعاني من أزمات مختلفة، وتُضطر فئات منه للانخراط في شبكات المخدرات أو في الميليشيات المسلحة لضمان الحصول على راتب شهري. من هنا يبدو من الصعب أن يُصلح الاقتصادُ المجتمع في ظل ضغوط الميزانية التي يذهب نصفها إلى المنطقة الشرقية ويُستنفد قسم منها في صرف الرواتب وشراء السلاح، وتُوجه باقي النفقات إلى الوزارات وأعضاء البرلمان والمؤسسات السياسية. وعليه فإن الحكومة الحالية والحكومات المقبلة ستُلاقي صعوبة كبيرة في تمويل خطط إعادة الاعمار.

ليبيا: نحو مؤتمر برلين ثالث وأخير؟

 

رشيد خشـــانة – على مدى مؤتمرين كبيرين في برلين، وفي حضور جميع الفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين، أعادت ألمانيا العربة الليبية إلى السكة، مطلع العام 2020 من دون ضجيج إعلامي. وظلت خريطة الطريق المُنبثقة من «مؤتمر السلام» الأول في برلين، مرجعية للجهود الدولية والإقليمية الرامية لإنهاء الصراع في ليبيا. واستضافت ألمانيا مؤتمرا دوليا ثانيا قبل نهاية السنة نفسها، أطلق عليه «مؤتمر برلين2». وفي الفترة الأخيرة أطلقت برلين حركة دبلوماسية واسعة، مع قليل من الكلام، استعدادا لاجتماع دولي جديد، يمكن أن يكون «برلين 3» أو يمهد له. وإعدادا لذلك المؤتمر استضافت برلين الخميس والجمعة الماضيين اجتماعا، بالتنسيق مع البعثة الأممية للدعم، شاركت فيه كلٌ من أمريكا وفرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا ومصر وتركيا. وحسب المبعوث الإيطالي إلى ليبيا أورلاندو، يتطلع المشاركون في اجتماع برلين إلى العمل بشكل وثيق مع الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باثيلي «لدعم خريطة طريق ليبية ذات مصداقية، تؤدي إلى وحدة ليبيا واستقرارها وازدهارها». أما السفارة الأمريكية في ليبيا فأفادت أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، شارك في اجتماع برلين، برفقة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال أفريقيا جوشوا هاريس، حيث أكد جميع المشاركين ضرورة إجراء الانتخابات من دون تأخير، على ما قال نورلاند.
هكذا بدأت ألمانيا تعود إلى قيادة الحل السياسي في ليبيا، بتفويض أمريكي، وبأدوار فرعية لكل من تركيا وإيطاليا. ويؤكد الألمان على ضرورة تسريع العملية السياسية، وصولاً إلى انتخابات وطنية برلمانية ورئاسية، وفق إطار دستوري متفق عليه. وينطلق هذا الحرص على تسوية سلمية للصراع، من قناعة مفادها أن استقرار ليبيا شرطٌ ضروري لاستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط. والظاهر أن أمريكا، التي ابتعدت عن الساحة الليبية، في أعقاب مقتل سفيرها لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز، العام 2012 عادت إليها بقوة في السنوات الأخيرة، سواء من خلال الموفد الشخصي للرئيس الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند (وهو في الوقت نفسه السفير المعتمد لدى ليبيا) أم من خلال المواطنة الأمريكية ستيفاني وليامز، التي ترأست البعثة الأممية في ليبيا، بعد استقالة غسان سلامة، وكانت على تواصل دائم مع كافة الزعماء السياسيين والقبليين الليبيين.
ومن المؤكد أن قرار السلام في ليبيا تم اتخاذه من الرئيس جوزيف بايدن، وأن الدول الحليفة المعنية بهذا الملف متفقة على إطفاء الحريق ووضع حد للمرحلة الانتقالية، التي طال أمدها، بُغية الانطلاق في عملية إعمار واسعة، تمنح كل الأطراف حصتها من مسار إعادة البناء. ويمكن تفسير الموقف الأمريكي الساعي إلى حسم الصراع في ليبيا بأربعة مُتغيرات كبرى، داخل ليبيا وفي المنطقة، أولها فشل محاولات الوساطة بين الغريمين عقيلة صالح وخالد المشري في لقاءات جنيف، التي تمت برعاية ستيفاني وليامز، قبل مغادرتها رئاسة البعثة الأممية. وبالرغم من إحراز بعض التقدم، في حوارات المجلسين، إذ توصلا إلى توافق غير مسبوق بشأن غالبية النقاط التي كانت عالقة، بما في ذلك تحديد مقار المجلسين وتحديد عدد المقاعد في غرفتي السلطة التشريعية، وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وبين مجلس الوزراء والحكومات المحلية، والشكل المحدد للامركزية، بما في ذلك ترسيم عدد المحافظات وصلاحياتها، وآلية توزيع الإيرادات على مختلف مستويات الحكم، وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية، مع كل ذلك اتضح للأمريكيين ولغيرهم من المتابعين للاجتماعات أنه لا أمل باتفاق الرجلين عقيلة والمشري على مسودة الدستور، طالما أنهما غير متفقين أصلا على شروط الترشُح للانتخابات. ومن شأن هذه الشروط أن تُقصي حاملي الجنسية المزدوجة والعسكريين، ما يضع اللواء المتقاعد خليفة حفتر خارج السباق الرئاسي. من هنا يبدو أن الأمريكيين وحلفاءهم سئموا من لقاءات الزعماء الليبيين في عواصم عربية وأوروبية مختلفة، وقرروا حسم هذا النقاش البيزنطي. ومن غير المُستبعد أن تلجأ أمريكا، عبر الأمم المتحدة، إلى إنزال عقوبات بمن تُسميهم «مُعرقلي عملية السلام». أكثر من ذلك تؤكد مصادر مقربة من مراكز القرار الأمريكي أن واشنطن ستضغط بقوة لسحب السلاح غير الشرعي من البلد نهائيا، وضبط الجماعات المسلحة. وربما يندرج في هذا الإطار الانسحاب المفاجئ لكتيبة «ثوار طرابلس» بقيادة أيوب بوراس من جميع مقراتها بمنطقة عين زارة، في الضاحية الجنوبية لطرابلس (قوامها نحو 200 دبابة).

ضغوط أمريكية

أما المُتغير الكبير الثاني فيتمثل بتوقُف تدفق الغاز الروسي، عبر «نورد ستريم» على أوروبا الغربية. وفي هذا الإطار كشف موقع «ليبيا المستقبل» أن الإدارة الأمريكية تضغط على الأطراف الليبية، من أجل حسم الخلاف الحكومي بأية صورة من الصور، من دون أن تبدي رأيها في شرعية أي من الحكومتين المتخاصمتين، ولا في مقترح تشكيل حكومة ثالثة. والثابت أن الهدف الاستراتيجي للحكام الروس في المدى المتوسط هو أن يُثبتوا لأوروبا أنها لن تستطيع تأمين حاجاتها من الغاز وحماية مواطنيها من ارتفاع الأسعار، من دون الغاز الروسي. ويُعتبر الغاز، بهذا المعنى، ورقة ضغط مهمة ومصدرا لهز الاستقرار الاقتصادي الأوروبي، الذي يدعم المجهود الحربي الأوكراني. واستطرادا فهو وسيلة لإضعاف الدعم الأوروبي للقوات الأوكرانية.
من هنا تأتي المراهنة الغربية على الغاز الليبي، في المدى المتوسط، لكون مستوى الإنتاج الحالي لا يفي سوى بقدر محدود من حاجات الأوروبيين، وهو ما تم الاتفاق عليه، على الصعيد الثنائي بين ليبيا من جهة، وإيطاليا وفرنسا من جهة ثانية. وفي إطار هذا التحدي لورقة الضغط الروسية، اتجه الأوروبيون إلى الجزائر أيضا للتعويض، وإن جزئيا، عن الغاز الروسي. وتتبوأ الجزائر حاليا الرتبة الثالثة بين مُزودي أوروبا بالغاز الطبيعي، بعد روسيا والنرويج. أما الليبيون فيسعون طبقا للخطة الثلاثية إلى الوصول بالإنتاج إلى مليوني برميل يوميا، حسب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.
وتفطن الإيطاليون باكرا لأزمة الغاز الداهمة، بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب في أوكرانيا، فامتطى رئيس الوزراء ماريو دراغي (قبل استقالته) طائرة خاصة إلى الجزائر، في نيسان/ابريل الماضي، مرفوقا برئيس مجموعة «إيني» للنفط والغاز دسكالزي. ووقع الأخير على اتفاق غازي مع رئيس مجموعة «سوناتراك» الجزائرية، يرفع من حجم واردات الغاز من الجزائربـ 9 مليارات متر مكعب في العام المقبل، ومثلُها في 2024. وتستورد إيطاليا حاليا 21 مليار متر مكعب من الغاز من الجزائر، أي نصف مبيعات الجزائريين من الغاز إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
والأرجح أن ألمانيا، التي تعاني من العرقلة الروسية لتزوُدها بالغاز الضروري لاقتصادها، خاصة في الشتاء، تعمل على إبرام صفقة مماثلة مع الجزائريين وكذلك مع الليبيين، علما أن ليبيا تُزود حاليا إيطاليا بالغاز عبر أنبوب عابر للمتوسط، لكن الكميات في تراجع، بسبب قلة الصيانة والإحجام عن الاستثمار في تطوير البنية الأساسية.
المُتغير الثالث المُؤثر في عودة الاهتمام الأمريكي بمآلات الصراع في ليبيا، ذو طابع إقليمي، ويتعلق بالانتشار غير المسبوق للجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية منها. ويشعر الأمريكيون بأن غريمتهم روسيا لا تتردد في استثمار عدم الاستقرار، والمخاطر التي تُهدد بتقويض الأنظمة العسكرية في المنطقة، من أجل التمدُد أفريقيا. وأثمرت تلك السياسة انتشارا ما انفك يتكاثر لآلاف من عناصر الشركة الأمنية الروسية «الخاصة» فاغنر، ليس فقط على نطاق الجغرافيا الأفريقية، وإنما أيضا في بلاطات الحكام وقصور الرؤساء، وحتى بين حراسهم الشخصيين. ويبدو الأمريكيون على يقين من أن غياب الدولة في معظم مناطق ليبيا وانتشار السلاح وشبكات التهريب عبر الحدود، هي العناصر التي أثرت في زعزعة الاستقرار في الاقليم، وداخل ليبيا.

دورٌمحدودٌ لتركيا

في السياق تأتي عودة الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي، ودفعها الفرقاء نحو تسوية سياسية، منعا لانهيار الدولة، والعودة إلى الحرب الأهلية. والأرجح أن واشنطن فوضت لتركيا دورا محدودا في هذه العملية، إذ أن الأتراك بذلوا جهودا كبيرة للجمع بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لكن جهودهم أخفقت حتى اليوم. أكثر من ذلك دعا الأتراك كلا من الدبيبة وباشاغا إلى اسطنبول حيث يتابع الرئيس أردوغان الملف الليبي بنفسه، وقد وضعاه في صورة مسار التهدئة، الرامي لإنهاء الصراعات المسلحة في ليبيا والاتجاه صوب الانتخابات. ومن خلال قراءة أسماء المسؤولين الأتراك الذين تحاوروا مع الدبيبة والوفد المرافق له، ندرك خطورة المسائل السياسية والعسكرية التي تطرقوا إليها، إذ حضر الاجتماع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان. ويبدو أن الأتراك عاتبون على باشاغا لأن اللواء أسامة الجويلي، المُقرب منه والمُقال من إدارة الاستخبارات العسكرية بقرار من الدبيبة، أعلن أن القوات التابعة للحكومة الموازية تعرضت لضربات بـ18 صاروخًا من طائرة مسيرة تركية، وهو ما نفاه الأتراك.
في خط مواز للدور التركي، تسعى مجموعات ليبية إلى البحث عن مخارج من المأزق الذي تردت إليه الأزمة، ومن أبرزها مبادرة ستين عضواً من المجلس الأعلى للدولة بالدعوة لإجراء انتخابات تشريعية في المرحلة الأولى، تفضي إلى برلمان تنبثق عنه حكومة، على أن تكون المهمة الأساسية للبرلمان الجديد هي «إنجاز الاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات الرئاسية» وفق ما جاء في بيان مشترك أصدروه أخيرا. وطبقا لرأي أولئك الأعضاء، يمكن إجراء الانتخابات التشريعية بناء على القانون رقم 4 لسنة 2012 الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي (برلمان مؤقت) من دون الحاجة إلى اعتماد قانون جديد، أو قاعدة دستورية.

الموفد الأممي الثامن

في هذه الأجواء تأتي أهمية المُتغير الرابع، وهو توصُل مجلس الأمن إلى اتفاق على تسمية الدبلوماسي السينغالي عبد الله باثيلي، مبعوثا أمميا إلى ليبيا، بعد حوالي 11 شهرا من خلو المنصب الأممي. ولئن لن تكون العلاقة بين الأمريكيين والمبعوث الأممي الثامن بمثل انسيابية العلاقة مع مواطنتهم وليامز. إلا أن المبعوث الجديد يُدرك، بخبرته الطويلة في الشؤون الأفريقية، أن المُنتظر منه هو أن يكون قابلة الحل السياسي، بعد إخفاقات متتالية لأسلافه السبعة. وقد عجز سلفُهُ السلوفاكي يان كوبيش عن إنجاز أية خطوة نحو الحل السياسي، لأنه كان يعمل من جنيف ولا يعرف تعقيدات المجتمع الليبي.
وفي سياق الحل الذي هو قيد التبلور حاليا، في مطابخ القرار الأمريكية-الأوروبية، ستتحول حكومة الدبيبة إلى حكومة تكنوقراط مُصغرة يقتصر دورها على تصريف الأعمال، في إطار توافق المجتمع الدولي على أنّ خريطة الطريق الليبية «يجب أن تنتهي بانتخابات». وهذا ما يقتضي تفويض حكومة واحدة لقيادة المشهد والاشراف على الانتخابات ووضع حد للانقسام، لاسيما بعد تحوُل الأزمة إلى صراع مسلح. ويتطلب ذلك الضغط على مجلسي النواب والأعلى للدولة في اتجاه القبول بحكومة موحدة، قادرة على إنجاز قوانين انتخابية ومرجعية دستورية، متفق عليها تقود إلى الانتخابات.
بهذا المعنى يمكن تفسير اللقاء الذي جمع بين السفير نورلاند وفتحي باشاغا في أعقاب عودة الأخير من زيارة تركيا، حيث أقنعه الأتراك على الأرجح بالانسجام مع الوضع الجديد، والتخلي عن محاولات استخدام القوة للإطاحة بحكومة الوحدة. وفي حقيقة الأمر يصعب القول اليوم إن الزعماء الليبيين يملكون قرارهم، بل هم مضطرون للانسجام مع القرار الدولي الذي يتم إبلاغه إليهم. وكان رد الفعل على تعيين باثيلي موفدا أمميا إلى ليبيا، مثالا واضحا على أن القرار النهائي ليس بأيديهم، فقد اعترض مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة طاهر السني علنا على تسمية باثيلي، ثم لم يلبث رئيس حكومته الدبيبة أن أعلن موقفا معاكسا قائلا «نؤكد من جانبنا دعمنا الكامل لعمله، وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يُعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية، لإجراء الانتخابات».
هذا الحل السياسي الشامل سيأتي بلا ريب من العواصم المتداخلة في الأزمة الليبية، فقد حاولت كل من فرنسا، وبدرجة أقل إيطاليا، قيادة مسار التسوية السلمية في ليبيا، لكن بلا نتيجة. ومنذ 17 كانون الأول/يناير 2020 دخل الألمان على الخط، بالتنسيق أساسا مع الأمريكيين، فأقاموا مؤتمرا دوليا في برلين، بمشاركة قادة وممثلي 14 دولة بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. وأثمرت تلك المبادرة وضع خريطة طريق، باتت تُعرف بـ«خريطة برلين» لحلحلة الأزمة في ليبيا من خلال إجراء انتخابات عامة في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2021. ثم دعا الألمان إلى مؤتمر دولي ثان اقتصر على يوم واحد، تبنى وثيقة ختامية من 58 بنداً، بالتوافق بين ممثلي الدول المشاركة وعددها 17 دولة.
وبسبب تعطل المسار الانتخابي، يُرجح أن يدعو الألمان إلى مؤتمر دولي جديد حول ليبيا، بمشاركة الدول المعنية بالملف الليبي، بما فيها أعضاء مجلس الأمن الدولي. والأرجح أيضا أن المشاركين في المؤتمر سيُركزون على تحديد آليات ناجعة لتنفيذ الخطوات التي قررها مؤتمر برلين2، ومن أبرزها سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلد من دون تأخير، وإصلاح قطاع الأمن ووضعه تحت إشراف سلطة رقابية مدنية موحدة وتوحيد الجيش، إضافة إلى حسم المرجعية القانونية اللازمة لإجراء انتخابات حرة وشفافة. وعلى الرغم من المخاوف التي أبداها البعض من أن تلقى هذه المقررات مصير سابقتيها في مؤتمري برلين الأول والثاني، فإن الحزم الذي تتحدث به أمريكا يُعزز التوافق الدولي على ضرورة الإسراع بحل سلمي للقضية الليبية، بما يضمن سيادة البلد ووحدته. وانطلاقا من قناعة الأمريكيين والأوروبيين بأن أمنهم مرتبطٌ بالأمن في الضفة الجنوبية للمتوسط، لا يُستبعد أن تلجأ أمريكا إلى شكل من أشكال الضغط غير الكلاسيكي لإخراج الأزمة الليبية من عنق الزجاجة.

فسيفساء ليبيا ومسارح السيسي

 

وزير الخارجية المصري سامح شكري مشهود له بمواقف دراماتيكية، يرقى الكثير منها إلى الميلودراما، ناجمة عن كونه صوت سيّده على منوال غالبية حاملي هذه الحقيبة في أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية، في المقام الأوّل؛ ولكنها، في المقام الثاني، ليست بعيدة عن، أو من المنطقي أن تعكس، تمثيل شخصيته المولعة بالأداء المسرحي. يُذكر له، مثلاً، أنه خلال أحد المؤتمرات الصحفية أبعد ميكروفون قناة «الجزيرة» عن الطاولة الحاشدة بميكروفونات شتى، ثمّ ألقى به إلى الأرض؛ وذلك تجسيداً لقرارات مقاطعة قطر التي كان نظام عبد الفتاح السيسي قد انخرط فيها، صحبة السعودية والإمارات والبحرين.
انسحابه، مؤخراً، من الجلسة الافتتاحية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، احتجاجاً على تسليم الرئاسة إلى نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية؛ لم يكن من طينة واقعة الميكروفون لجهة الوفاء بالميلودراما، ولكنه في المقابل ظلّ أميناً للنزوع المسرحي الذي دأب عليه شكري. لقد علم مسبقاً أنّ المنقوش ستترأس الجلسة، ولكنه حضر وجلس واختار أن ينسحب لحظة وصول الوزيرة الليبية إلى سدّة الرئاسة. وعلم، كما يعلم جيداً ودائماً، أنّ الأمين العام للجامعة هو صوت سادته في الرياض وأبو ظبي أساساً، وأنّ هؤلاء السادة لم يقرروا الانسحاب وإلا لاستُبعدت المنقوش قبل انعقاد الجلسة. وكان، أخيراً وليس آخراً، يعلم أنّ الزعم بانتهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة تناقضه مزاعم أخرى تؤكد شرعية بقائها حتى تنظيم الانتخابات، طبقاً لاتفاقيات تمّ إبرامها في باريس والصخيرات وسواها.
غير أنّ سلوك شكري ليس سوى تفصيل تراجيكوميدي، ما دُمْنا في سياق مصطلحات المسرح، بالمقارنة مع التفاصيل الأشدّ جسامة والأكثر انطواء على مخاطر راهنة وأخرى وشيكة أو ينذر بها المستقبل القريب؛ جراء تكريس حكومة أولى في طرابلس يقودها الدبيبة وأخرى في طبرق ترأسها فتحي باشاغا بقرار من البرلمان، وما يتفرّع عن هذا الانشطار الثنائي من انقسامات متعاقبة تصنعها سلطات وصلاحيات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. هذا فضلاً عن ضباط مجموعة الـ5+5 في ما تبقى لهم من أصداء حضور الغائب، وضباط على شاكلة أبو راس والضاوي والتاجوري والجويلي ممّن قادوا أو سوف يقودون تجارب اجتياح العاصمة بالنيابة عن مطامح باشاغا وصالح وربما بالأصالة عن المشير الانقلابي خليفة حفتر في الخلفية المعتمة…
فوق هذا وذاك فإنّ فسيفساء انشطارات القوّة هذه لا ترقى، إلا في هوامش استدراكية ضئيلة، إلى الشطرنج السياسي والعسكري والميليشياتي الذي تنخرط فيه قوى تشمل مصر والإمارات والسعودية وروسيا وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا؛ ومجموعات مسلحة أو إرهابية تمرّ من «تنظيم الدولة» المنتعش والمزدهر والمنتشر في الجنوب، ولا تنتهي عند مرتزقة «فاغنر» الروسية ورفاقهم في الارتزاق من المجموعات التشادية والسودانية. وأمّا خارج اليابسة، في عباب البحر الأبيض المتوسط، فالتحالفات المصرية/ اليونانية/ القبرصية/ الإسرائيلية في ميادين استثمار الغاز لا تواجه المنافس التركي في المياه وحدها، بل كذلك في هدير مسيّرات «بيرقدار» التي تؤرّق جنرالات باشاغا وحفتر مثلما تُطمئن نظرائهم في صفّ الدبيبة.
وهذه حال تعيد الذاكرة إلى أيّ أثر متبقٍّ من «الخط الأحمر» الذي رسمه السيسي ذات يوم غير بعيد، وحدّد أمن مصر القومي في تجاوز محور سرت والجفرة؛ بحيث يلوح اليوم أنّ المسرح الذي يمثّل على خشبته أمثال الوزير المصري شكري هو الشطرنج الأبرز الذي تدير القاهرة حركاته، بين عقيلة/ باشاغا/ حفتر من جهة أولى؛ ولعله، من جهة ثانية، أطلال نظرية السيسي حول «شرعية» تدخّل مصر في ليبيا. وأمّا مصائب أبناء ليبيا، المعيشية والإنسانية قبل السياسية والعسكرية، فإنها ليست في حسبان الخطوط الحمراء، ولا حتى على خشبة المسرح.

مصر: على السلطات أن تُسقط فورًا جميع التُهم ضدّ أربع صحفيات مُستقلات من مدى مصر (بيان)

 

قال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، تعقيبًا على فتح تحقيقات جنائية ضد رئيسة تحرير وثلاث صحفيات من مدى مصر، إحدى المنصات الإعلامية المستقلة القليلة المتبقية في مصر، فيما يتعلق بمقال عن شبهات فساد مزعوم لحزب موالٍ للحكومة:

“إنَّ هذا الهجوم الأخير على صحفيات تجرّأن على الابتعاد عن السردية الرسمية في مصر يفضح الهوة بين التزام السلطات المصرية المعلن بحقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير، والواقع القاتم. إنّ مضايقة إحدى المنصات الإعلامية المستقلة القليلة المتبقية في مصر تُعزز المخاوف بشأن قدرة الجهات الفاعلة المستقلة في المجتمع المدني وغيرها على التعبير عن آرائها من دون خوف من الانتقام في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي الوشيك في شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني”.

“على السلطات أن تُسقط فورًا جميع التُهم الزائفة وأن تُغلق هذا التحقيق ذات الدوافع السياسية ضد صحفيات مدى مصر. كما يجب عليها الإفراج عن جميع الصحفيين الذين احتجزوا لمجرد ممارستهم عملهم الإعلامي المشروع وممارسة حقهم في حرية التعبير؛ وإنهاء جميع أشكال الرقابة والمضايقة والترهيب التي يتعرض لها الصحفيون؛ وإلغاء قوانين الإعلام الصارمة التي تقوّض الحريات الصحفية”.

في 7 سبتمبر/أيلول، استجوبت النيابة العامة رئيسة تحرير مدى مصر لينا عطالله وثلاث صحفيات هنّ رنا ممدوح وسارة سيف الدين وبيسان كسّاب بتهمة “نشر أخبار كاذبة” و”القذف” بأعضاء حزب مستقبل وطن و”تعمد إزعاجهم”، بالإضافة إلى “إنشاء موقع دون ترخيص” بالنسبة للينا عطالله. ووفقًا لمحامي مدى مصر، طلبت النيابة العامة من رئيسة التحرير تسمية مؤلفي ومحرري المقال المعني، فضلاً عن المصادر الصحفية للمنصة وآلية عمل المؤسسة ومصادر تمويلها.

وأفرج عن الصحفيات الأربع بكفالة، لكنهن قد يواجهن المحاكمة، وعقوبة سجن قد تصل لعامين وغرامات في حال إدانتهن بالتُهم الموجهة.

أحكمت السلطات المصرية قبضتها بشكل متزايد على وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة من خلال تشديد الرقابة على الإنترنت، ومداهمة وإغلاق وسائل إعلام مستقلة، والسيطرة على المحتوى في وسائل الإعلام العامة والخاصة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، داهمت قوات الأمن مكتب مدى مصر في القاهرة واحتجزت لفترة وجيزة أربعة صحفيين، بمن فيهم رئيسة التحرير لينا عطالله، فيما بدا أنه انتقام مباشر عن نشر تقرير عن تهميش نجل الرئيس المصري محمود السيسي من منصب استخباراتي عالٍ. وكان موقع مدى مصر قد سعى إلى الحصول على ترخيص منذ 2018 من دون جدوى.

منذ 2013، اعتقلت السلطات تعسفًا صحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل إعلام و/أو احتجزتهم و/أو حاكمتهم و/أو أدانتهم لمجرد تعبيرهم عن آراء نقدية أو قيامهم بعملهم الإعلامي. ولا يزال ما لا يقل عن 23 صحفيًا يقبعون خلف القضبان، بمن فيهم ستة اعتقلوا خلال الأشهر الخمسة الماضية، لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
منظمة العفو الدولية، 9 سبتمبر 2022

اشتباكات طرابلس.. الجويلي يكشف عن تعرض قوات باشاغا لـ 18 ضربة من مسيرات تركية




حذر تقريران تحليليان من مخاطر عودة الاشتباكات المسلحة إلى العاصمة طرابلس مجددا في حال عدم التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة المستمرة في ليبيا.

التقريران اللذان نشرتهما صحيفتا “فاينانشيال تايمز” و”الغارديان” البريطانيتان، نقلا عن ديبلوماسيين ومحللين مخاوفهم من غياب الهدنة المستقرة وعدم إفضائها لمحادثات بين رئيسي حكومتي الوحدة المؤقتة والاستقرار عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.

وأضاف التقريران، أنن هذا الغياب يمثل كسبا للوقت بالنسبة للدبيبة قبل جولة تالية من الاشتباكات فيما قال الكاتب والباحث محمد الجارح:”لا منتصر حاليا ولكن واقع الحال الآن يبين أن الدبيبة وكل من حوله سيتشجعون وسيتعين على باشاغا إما أن يقول حسنا أنا أستسلم وهو أمر غير مرجح أو أن يصبح أكثر عنفا وأقل مساومة”.

ووفقا لأسامة الجويلي اللواء المُقال من إدارة الاستخبارات العسكرية الليبية بقرار من الدبيبة، فقد تعرضت القوات التابعة للغرفة لضربات بـ18 صاروخًا من طائرة مسيرة تركية وهو ذات ما أكده مسؤول غربي رغم تأكيدات ليبية نقلت عن تركيا تأكيدها لمصر عدم التدخل.

وبحسب التقريرين لا زال باشاغا محتفظًا بالدعم المصري رغم خيبة أمل مسؤولين من عدم قدرته على السيطرة على العاصمة طرابلس في وقت قال فيه مستشار الأمن القومي لرئيس حكومة الاستقرار فاضل الأمين أن من يعمل لصالحه سيبادر لكسب ولاءات المؤيدين عسكريا للدبيبة عوضًا عن معاودة الهجوم العسكري.

وقال المحلل السياسي عماد الدين بادي:”الاشتباكات لا تحسم شيئًا سياسيًا والديناميكيات العسكرية تساعد على التغيير وهذا يمكن توجيهه لإطلاق عملية سياسية جديدة وإن كان ذلك صعبًا” فيما نبه مستشار بعثة واشنطن بالأمم المتحدة “جيفري ديلورينتيس” لخطورة أمر مهم.

وبحسب “ديلورينتيس” تكمن الخطورة في فقدان الليبيين الأمل في خلو بلادهم من الفساد والنفوذ الأجنبي وتوحيد القوات المسلحة وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة في ظل عدم ثقتهم في إنهاء ساستهم الصراع والتوقف عن سرقة ثروات البلاد من قبل الميليشيات المسلحة والسياسيين.

وبين “ديلورينتيس” إن الشعب الليبي محروم من الخدمات العامة الأساسية فيما قال المحلل السياسي كريم ميزران إن هذه الميليشيات هي منظمات إجرامية مكرسة بالكامل للسلطة والمال والاستيلاء على الموارد بأي ثمن ولها مصلحة راسخة في منع تطور دولة فاعلة وأن من الخطأ الاعتقاد أنها تملك آيدولوجية سياسية.

الإعلان عن حكومة ليبية ثالثة أصبح وشيكا والمشري قد يكون رئيسها


أكد مصدر مطلع على الاجتماعات الجارية في القاهرة بين رئيسي الأعلى للدولة والبرلمان الليبي أن “المشري أخبر بعض أعضاء مجلس الدولة قبيل الزيارة أنه مسافر إلى القاهرة للقاء عقيلة من أجل حلحلة كل الملفات العالقة وسط دعم إقليمي ودولي للتوافق بينهما.

وقال المصدر في تصريح لـ”العربي 21″، إن هناك مقترحا بتشكيل حكومة ثالثة مقابل أن يوافق مجلس الدولة على شرط ترشح مزدوجي الجنسية ومنهم حفتر على أن يقوم البرلمان بسحب الثقة من حكومة باشاغا”، وفق معلوماته.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه أن “الإعلان عن حكومة ثالثة أصبح وشيكا وأن المشري شخصيا من المرشحين لرئاسة هذه الحكومة إضافة إلى ثلاث شخصيات أخرى، لكن تأخر الإعلان حتى يتم التوافق مع عدة مؤسسات وربما قوى إقليمية ودولية”.

وحتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من البرلمان أو مجلس الدولة بخصوص لقاء عقيلة والمشري أو أجندة اللقاء أو نفي ما تردد عن صفقة بينهما من أجل تشكيل حكومة ثالثة تكون مهمتها تنظيم الانتخابات وإقصاء حكومتي الدبيبة وباشاغا.

وتعليقا على هذه اللقاءات، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، مصطفى التريكي إن “ما يتردد بخصوص لقاءات أو اتفاقات بين رئيسي المجلسين لا تعنينا ونعتبرها اتفاقات فردية لأعضاء هم أحرار في تواصلاتهم، ما يعنينا هو المؤسسة والتصويت داخل القاعة، والمشهد السياسي من جانب مجلس الدولة تمتلكه قاعة التصويت ولا يمتلكه شخص لا المشري ولا الدبيبة ولا غيرهما”.

وأضاف في تصريحات لـ”عربي21″: “تقدمنا ومعي 63 عضوا بمجلس الدولة بمبادرة من أجل إجراء انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري، وننتظر الرد الرسمي من قبل البرلمان على هذا المقترح الذي سنبلغ به جهات دولية وأممية وهذا ما يعنينا أما اللقاءات الفردية فيسأل عنها أصحابها”، وفق تعبيره.

ليبيا: أجسامٌ سياسية مُنتهيةُ الصلاحية وشارع يُطالب باستقالة القائمين عليها

 

 

رشيد خشـــانة ـ لعل الكلمة الأكثر تداولا على شفاه القادة الليبيين هذه الأيام هي كلمة «الشرعية». الجميع يسحبها إليه كي يجعل منها بساطا يسافر عليه إلى المراكز العليا في دولة، مؤسساتها مؤقتة ومتصدعة. ومع نهاية المعارك التي أقضت مضاجع الطرابلسيين الأسبوع الماضي، على مدى أيام وليال، صار الرأي العام، إن جاز الكلام عن رأي عام في الظرف الراهن، مُصرا على طرد أي جسم من الأجسام السياسية أو العسكرية من العاصمة. وعليه إذا ما حاول رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب، فتحي باشاغا المغامرة مجددا بالدخول إلى طرابلس عُنوة، فسيتصدى له المدنيون قبل العسكريين. والثابت أن وزير الدفاع الأسبق أسامة الدغيلي الذي خطط وقاد الهجوم على مناطق في طرابلس، وقبل ذلك في مدينة مصراتة، لا يُحسن تقدير القوة العسكرية للخصم، فيُضطر في كل مرة إلى الانسحاب في صفوف مُبعثرة ومُرتبكة. لكن ما زال باشاغا يعتبر حكومته هي الحكومة الشرعية بوصفها مُنبثقة من البرلمان. أما غريمه عبد الحميد الدبيبة فيتمسك بكرسي رئاسة الوزراء، ولن يُسلمه إلا إلى حكومة منتخبة، طبقا لمخرجات «منتدى الحوار السياسي الليبي» في جنيف.

حرب شرعيات

في حرب الشرعيات هذه، ينزع كل طرف صفات الشرعية عن غريمه، وينسبها لنفسه حصريا، مع أن الجميع فقدوها منذ زمن. وبمراجعة السياقات التي ظهر فيها كل جسم، نُدرك أن التشبث بأشلاء الشرعية ليس سوى ورقة توت للاستمرار في الحكم، بلا سقف واضح، بالرغم من انتهاء التفويض الممنوح لها. وأفضل مثل يمكن أن نضربه عن المؤسسات مُنتهية الشرعية مجلس النواب، المؤلف نظريا من مئتي عضو، وقد انتُخب ليبقى أربع سنوات، يُشرف خلالها على عملية الانتقال إلى دستور جديد. لكنه باق ومُتشبث بالبقاء، ما يجعله جسما منتهي الصلاحية. ومنذ 2014 بات رئيسُه المستشار القانوني عقيلة صالح (78 عاما) أكبر داعم للواء المتقاعد خليفة حفتر (79 عاما) الذي استحوذ على جميع السلطات في المنطقة الشرقية، مُتمردا على السلطة المركزية في طرابلس. وأجرى عقيلة صالح سلسلة مباحثات مع غريمه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الشهر الماضي في القاهرة، للوصول إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا، لكنها باءت بالفشل.
ومنذ البدء ظهرت شروخ وتصدعات أضعفت مجلس النواب، فمقرُه هو مدينة بنغازي (شرق) غير أن الغالبية فضلت لأسباب أمنية أن يكون في مدينة طبرق، وهو ما لا يتعارض مع «الإعلان الدستوري» الذي يُبيح عقد اجتماعات المجلس في أية مدينة ليبية. وبموجب الاتفاق السياسي الليبي المبرم العام 2015 في منتجع الصخيرات المغربي، تعزز الاعتراف الدولي بمجلس النواب، بوصفه البرلمان الشرعي، وبالمجلس الأعلى للدولة، باعتباره الغرفة الثانية الاستشارية بالبرلمان، وبحكومة الوفاق الوطني المؤقتة، برئاسة فايز السراج، بوصفها حكومة كل ليبيا.

حكومة موازية

لكن هذا الاتفاق لم يُخمد الحرب الأهلية الأولى، التي أضرم نارها اللواء حفتر بعنوان «عملية الكرامة» في مواجهة قوات «فجر ليبيا». كما دعم عقيلة صالح وغالبية أعضاء مجلس النواب حكومة موازية في الشرق برئاسة عبد الله الثني. وانخرط صالح وأنصاره في لعبة التحالفات والمحاور، من خلال علاقات شخصية، أقامها مع كبار المسؤولين في بلدان متداخلة في الملف الليبي، أبرزها مصر وروسيا والإمارات، عوض الالتزام بالتفويض الذي منحه إياه مجلس النواب، لمدة أربع سنوات، ليكون البرلمان الوطني لكامل البلد، ويُشرف على الانتقال إلى دستور جديد، يضعه كيانٌ آخر مُنتخب.
المجلس الأعلى للدولة: تشكل بعد الاطاحة بنظام معمر القذافي (1969-2011) تحت اسم «المؤتمر الوطني العام» (200 عضو في البداية) وتألف من الفائزين في انتخابات العام 2012، إلا أن زعماءه، وغالبيتهم من التيار الأصولي، يشككون في شرعية انتخابات 2014 التي كان تيارُهم أكبر الخاسرين فيها. مع ذلك تم نقل السلطة رسميا من «المجلس الوطني الانتقالي» (برلمان مؤقت غير منتخب) إلى المؤتمر الوطني العام. وسلم مصطفى عبد الجليل منصبه كرئيس للدولة إلى محمد علي سالم، أكبر أعضاء المؤتمر سنا. وأدى أعضاؤه القسم برئاسة سالم. فهل تحلحلت الأزمة السياسية والدستورية؟ على العكس من ذلك، تعمقت الانقسامات، وطفت على السطح. وكان من الواضح أن المؤسسات السياسية الليبية، التي أخفقت في التغلب على الخلافات العميقة بين السلطات المتنافسة، في شرق البلاد وغربها، لم تصل إلى حل سياسي للأزمة. ولم تُجد نفعا سلسلة الاجتماعات التي أجراها عقيلة صالح وخالد المشري في القاهرة وجنيف، للاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة ومصغرة، بُغية وضع قطار الانتخابات على السكة.
ويتعرض المجلس الأعلى للدولة إلى انتقادات حادة بالنظر إلى انتهاء تفويضه، الذي يعتبره منتقدوه فاقدا للشرعية، وباستعمال رئيسه منصبه لتنفيذ أجندته الخاصة. وتعتبر عقدة المنشار في هذا الصدد إصرار بعض زعماء المنطقة الشرقية، على رفض ما نص عليه مشروع الدستور بشأن منع مزدوجي الجنسية من الترشح للرئاسة، وهو شرط يضع اللواء حفتر، الحامل للجنسية الأمريكية، خارج الملعب الانتخابي. وأخفقت اللجنة الدستورية المشتركة، المشكَّلة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، في التوافق على القوانين الانتخابية، خلال جولتين من المفاوضات استضافتهما القاهرة، منتصف العام الجاري، وذلك قبل أن يفشل أيضاً اللقاء الذي عُقد في مدينة جنيف السويسرية في يونيو/حزيران الماضي، بين صالح والمشري، في التوصلّ لحل بشأن المواد الخلافية، والتي تتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وقد كانت السبب الأساس في إرجاء العملية الانتخابية، التي كانت مقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى تاريخ غير مُسمى.
المجلس الرئاسي: بموجب الاتفاق السياسي، المًوقع في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015 في منتجع الصخيرات بالمغرب، برعاية الأمم المتحدة، تمت الموافقة بالإجماع على إنهاء الحرب الأهلية وتشكيل مجلس للرئاسة وحكومة تنفيذية تُسمى «حكومة الوفاق الوطني». وتم الاتفاق أيضا على ترؤس فايز السراج (عضو سابق بمجلس النواب) الحكومة، التي أصبحت الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا. لكنها حكومة غير منتخبة، إذ أنها تستمد شرعيتها من مصدرين هما الاتفاق السياسي ودعم مجلس الأمن الدولي لها. ونتيجة لهذا الاتفاق، انسحب رئيس الحكومة الموازية خليفة الغويل من العاصمة طرابلس، واستقر في مصراتة، قبل أن ينتهي دوره السياسي.
وتألف المجلس الرئاسي في البدء من تسعة أعضاء، وهم رئيس المجلس وخمسة نواب للرئيس وثلاثة وزراء دولة من مناطق مختلفة. ويضطلع المجلس بمهام رئيس الدولة بصفة مشتركة، ويتولى القيادة العليا للجيش. ويشترط الاتفاق موافقة الرئيس وجميع نوابه قبل إجازة أي قرار. ويُعاني المجلس الرئاسي بدوره من أزمة شرعية، لكونه جسما غير منتخب، ومتأثرا بموازين القوى السياسية داخل المجلس وخارجه. وفي الخامس من شباط/فبراير العام الماضي، تجددت تشكيلة المجلس، فإلى جانب تثبيت رئيسه محمد المنفي، تم ضم عبد الله اللافي وموسى الكوني إلى المجلس، بوصفهما نائبين للرئيس، إضافة للعضو الرابع وهو رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة. وواضح أن تلك التسميات تمت في إطار توافقات بين السياسيين في جنيف، بإشراف مباشر من الأمم المتحدة، ولا دخل لعموم الليبيين فيها، ذلك أن الجهة التي تولت «انتخاب» أعضاء المجلس الجُدد، هي الإطار المُسمى «منتدى الحوار السياسي الليبي». ويتألف المنتدى من 75 عضوا مُعينين من بعثة الأمم المتحدة، بهدف الإعداد للانتخابات الوطنية، التي كان مقررا إجراؤها في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021 وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية، طبقا لخريطة الطريق، التي اعتمدها المنتدى في تونس، منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط: على الرغم من الطابع الاقتصادي لهاتين المؤسستين الرئيستين في ليبيا، ألقت الخلافات السياسية بظلالها عليهما، على نحو جعلهما محل تجاذبات حادة بين الأطراف المتصارعة. وأدى ذلك إلى عزل الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، الشهر الماضي، بشكل مفاجئ، وتسمية أحد المقربين من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة مكانه. وكانت المؤسسة عُرضة لضغوط عديدة ومستمرة لإخضاعها إخضاعا كاملا لهذا الطرف أو ذاك، ما اضطرها إلى صرف أموال طائلة للفريقين المتصارعين، تحت ضغوط أمراء الحرب. وتُعتبر المؤسسة القلب النابض للاقتصاد الليبي، إذا لم يُبادر رؤساء الميليشيات وحراس الحقول والموانئ النفطية، إلى غلقها لإحراج السلطات السياسية وابتزازها، مثلما فعلوا عديد المرات.
أما مصرف ليبيا المركزي، الذي نُهبت منه أموال كثيرة في أعقاب انتفاضة 2011 فظل محافظا نسبيا على توازناته، واستطاع الاستمرار في تمويل الموازنات السنوية للحكومة. غير أن الانقسام بين الشرق والغرب ألقى عليه بظلال كثيفة هو الآخر، ما جعل فرعه في المنطقة الشرقية يقطع علاقته بالمؤسسة الأم في طرابلس. والتجأ فرع المصرف في بنغازي إلى روسيا لطبع أوراق نقدية من دون المرور بالمؤسسة التي هي مرجعُ نظره.
أكثر من ذلك، تجري حاليا محاولات لنقل مقر المحكمة العليا من العاصمة طرابلس إلى مدينة البيضاء. وأرسل عقيلة صالح مذكرة في هذا المعنى إلى كل من رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ومستشاري المحكمة العليا، طلب فيها «نقل مقر انعقاد جلسات المحكمة العليا مؤقتا إلى مدينة البيضاء». وعزا هذا الطلب إلى «الحرص على وحدة واستقلال السلطة القضائية» إلا أن رئيس المجلس الأعلى ومستشاري المحكمة العليا رفضوا ما جاء في المذكرة، مستندين إلى القانون رقم 6 لسنة 1982 الذي يُحدد مقر المحكمة العليا في طرابلس.
وفي السياق وجه سياسيون ليبيون أصابع الاتهام للميليشيات بالتسبب في الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس، وحملوها وزر المواجهات المسلحة في العاصمة. إلا أن هؤلاء ينسون أن تلك الأجسام المسلحة تخضع لقيادات سياسية تأتمر بأوامرها. واستطرادا فإن البحث عن حل للأزمة موكولٌ إلى من يُمسكون بالسلك الكهربائي، ومن يُديرون شبكات الإتجار بالأسلحة. وحسب ما نقلته صحيفة «ليبيا المستقبل» يشهد البلد تصاعدا لافتا للغضب حيال الميليشيات المسلحة، وحيال ما يصفها متابعون بـ«فوضى السلاح» التي تقوض فرص التوصل إلى تسوية تفاوضية، وتُعيق إجراء الانتخابات.

غضب في غالبية المدن

وتأثرت أجسام ومؤسسات أخرى بالاضطرابات السياسية وغياب الاستقرار، ما انعكس سلبا في سير دواليب الدولة، وأثار موجة من الغضب والاستياء لدى الليبيين انفجرت في مدن عدة، مُوجهة أصابع الاتهام إلى الطبقة السياسية برمتها. ومن خلال الحديث إلى مواطنين ليبيين في طرابلس، يتضح أن هناك شعورا عارما بأن شرعية الأجسام المُسيطرة انتهت، وأن عليها أن ترحل وتفسح المجال لإجراء الانتخابات الموعودة. وانطلاقا من هذا الشعور لوحظ أن الشعارات التي رفعها المتظاهرون في ميدان الشهداء بالعاصمة، وكذلك في المدن الأخرى، تُشدد على ضرورة التخلص من الأجسام القائمة، والذهاب مباشرة إلى الانتخابات. وهي تنتقد بشدة تمسك الحكومات السابقة بالسلطة وتمديد المرحلة الانتقالية من دون وضع سقف لها. وزاد تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاعات الكهرباء وشح السيولة في المصارف من غضب الشارع على السلطات المؤقتة، بسبب إخفاقها في تسوية الخلافات بينها. وسيكون لهذا الضغط الشعبي تداعياته على النخب السياسية سواء في الحكم أم خارجه.
ولوحظ أن الاحتجاجات المتزامنة في أكثر من عشر مدن ليبية، والتي لم تشهد ليبيا مثيلا لها في السنوات الأخيرة، ركزت على مطلب إسقاط الأجسام القائمة واستقالة القائمين عليها، بوصفها فقدت الشرعية. ووصلت موجةُ السخط إلى حد اقتحام مقر مجلس النواب في مدينة طبرق. كما ارتفع منسوب الغضب بعد الإعلان عن فشل اللقاءات الأخيرة التي استضافتها القاهرة وجنيف بين عقيلة صالح وخالد المشري. وقد دعت إلى هذه الحركة الاحتجاجية تيارات شعبية، التأمت تحت مسمّى «حراك بالتريس الشبابي»، الذي يدعو إلى إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ورفض العسكرة وتسلط الميليشيات.

اردوغان على الخط

كان لافتا أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دخل على خط الأزمة الليبية الجديدة، داعيا الغريمين الدبيبة وباشاغا للحضور إلى اسطنبول. ولم يُعرف ما إذا كانت تركيا وضعت الأطراف الاقليمية والدولية، وفي مقدمها أمريكا ومصر وقطر، في صورة المبادرة الجديدة أم لا. والأرجح أن اردوغان سيطلب من الطرفين المتصارعين التعهد بوقف الاشتباكات في الأحياء والضواحي السكنية لطرابلس. لكن ليس أكيدا أن الوساطة التركية ستُكلل بالنجاح، وتختلف نتائجها عن المبادرات السابقة، بالرغم من أهمية الأوراق التي تحتفظ بها أنقرة في جعبتها. وقد يكون غريمُها حفتر قادرا على إفشال المبادرة، بالتعاون مع داعميه الاقليميين والدوليين، لكونه أحد المستفيدين من استمرار الوضع القائم.

الدبيبة يؤكد «انتهاء العدوان» على طرابلس… ويتوعد خصومه بـ«العقاب»

 

أعلن عبد الحميد الدبيبة، رئيس «حكومة الوحدة» الليبية «انتهاء العدوان» على العاصمة طرابلس بهزيمة منافسه فتحي باشاغا، رئيس «حكومة الاستقرار»، وتوعد بـ«ملاحقة كل المتورطين من عسكريين أو مدنيين، وعدم إفلاتهم من العقاب»، في وقت شرعت فيه قواته بمطاردة «فلول الموالين» لباشاغا.
وعلى الرغم من توقف الاشتباكات على نطاق واسع فإن مجموعة تابعة لـ«الحرس الرئاسي»، بقيادة نائب رئيسه أيوب أبو راس، هاجمت مجموعة تابعة لهيثم التاجوري، المحسوب على باشاغا داخل ضاحية عين زارة بجنوب العاصمة، حيث سُمع دوي انفجار قوي في ساعة مبكرة من صباح أمس، تزامنا مع تحليق طائرات من دون طيار. وأظهرت لقطات مصورة دفع ميليشيات «القوة المشتركة» التابعة للدبيبة بتعزيزات عسكرية على الطريق الساحلي، من زليتن إلى الدافنية بهدف منع تقدم أي قوة تابعة لحكومة باشاغا.
وانسحبت كافة قوات حكومة باشاغا إلى خارج طرابلس، فيما أعلنت قوات حكومة الدبيبة «فرض السيطرة» على جميع المقار العسكرية والمدنية، وطرد المجموعات المسلحة التي تمركزت فيها. ورصدت وسائل إعلام محلية احتفال عناصر «لواء البقرة»، ومجموعات أخرى موالية للدبيبة في تقاطع طريق المطار – الجبس، بعد السيطرة على «معسكر 7 أبريل»، وانسحاب القوات الموالية لباشاغا، بقيادة أسامة الجويلي.
في غضون ذلك، بدأت «قوة الردع» الخاصة، بقيادة عبد الرؤوف كارة، في تنفيذ قرار هدم وإزالة مقرات عسكرية وأحد المصايف التابعة لـميليشيا «القوة الثامنة»، المعروفة بالنواصي، بإمرة مصطفى قدور نائب رئيس جهاز المخابرات السابق والداعم لباشاغا، بينما ردت الكتيبة باتهام القوة بـ«الغدر والخيانة»، ووصفت قائدها كارة بـ«اللئيم المنافق».
واعتبر الدبيبة في كلمة متلفزة مساء أول من أمس أن «العدوان على طرابلس انتهى دون رجعة، وانتهى معه مشروع التمديد للجاثمين على صدور الليبيين لعشر سنوات»، مؤكدا أن «حلم الانتخابات اقترب». وقال إن «من شنوا العدوان على طرابلس كانوا مطية لأجندات دولية لا تريد الاستقرار للبلاد»، لافتا إلى أن «مجموعات انقلابية حشدت في حدود طرابلس، وفخخت أحياء سكنية بداخلها للتمكن من السيطرة عليها».
وتابع الدبيبة، الذي زار أمس مقابر بعض قتلى اشتباكات طرابلس، مؤكدا «دحر هذا العدوان، وولى العدو الأدبار منهزما، ورجع يجر ذيول الخيبة وهو يمشي على دماء الأبرياء التي سفكها من أجل السلطة». وقال مخاطبا رئيسي مجلسي النواب والدولة: «لقد فشلت الحكومة الموازية، والشعب ليس قاصرا حتى ينخدع بفكرة ظاهرها حكومة جديدة، وباطنها التمديد لأجسامكم التي فقدت الشرعية»، وطالبهم بإصدار قاعدة دستورية للانتخابات، معتبرا أن «الديمقراطية في ليبيا لم تتحقق حتى اليوم… ولنرحل جميعا لكن عبر الانتخابات».
في سياق ذلك، أصدر المدعي العام العسكري، التابع لحكومة الدبيبة، أمرا باعتقال باشاغا ومسؤولين آخرين، على خلفية اشتباكات طرابلس، كما طالب الشرطة والاستخبارات العسكرية وأجهزة المخابرات والأمن الداخلي والردع، ودعم الاستقرار والبحث الجنائي، باعتقال أسامة الجويلي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، وعثمان عبد الجليل الناطق باسم حكومة الاستقرار ووزيرها للصحة، ومحمد صوان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين ومنعهم من السفر، بتهمة العدوان على طرابلس وترويع الآمنين.
من جانبه، أكد بدر الدين التومي، وزير الداخلية المكلف بحكومة الدبيبة، لدى تفقده الأحياء والمقار الأمنية والمؤسسات الخدمية المتضررة جراء الاشتباكات الأخيرة على ضرورة إثبات الوقائع بمراكز الشرطة حتى يتسنى للجنة المختصة حصر الأضرار بعد أن بدأت أعمالها أمس. كما ادعت وزارة الداخلية أن اجتماعا عقده وكيلها للشؤون العامة، محمود سعيد، لمناقشة الترتيبات الأمنية اللازمة لتأمين العاصمة، ومنع حدوث أي خروقات أمنية، وتكثيف عمل الدوريات لحفظ الأمن والمجاهرة به، والمحافظة على المرافق والأهداف الحيوية والممتلكات العامة والخاصة.
في المقابل، حمل باشاغا، حكومة الدبيبة مسؤولية الاشتباكات المسلحة في طرابلس، وقال في بيان: «تابعنا بكل أسف حالة الفوضى الأمنية وترويع المدنيين في طرابلس، التي أحدثتها مجموعات إجرامية بإمرة الدبيبة، الذي انتهت ولايته وفقاً لمخرجات جنيف». مبرزا أن «الدبيبة ومن معه من عصابات مسلحة مسؤولون عن الدماء التي سفكت، ومسؤولون عما سيحدث، بسبب تشبثهم بالسلطة، وعدم قبولهم بإرادة الليبيين ومبدأ التداول السلمي للسلطة». كما دافع باشاغا عن شرعية حكومته، باعتبارها نتيجة عملية سياسية دستورية خاضعة لقواعد الديمقراطية، وقال إنها «تضع نفسها رهن إرادة الشعب ومؤسساته التشريعية ولا تستهدف إلا المصلحة العامة».
بدوره، دعا المجلس الرئاسي، عقب اجتماع استثنائي مساء أول من أمس خصصه لبحث آخر المستجدات، الجميع لتحمل مسؤولياتهم من أجل استقرار الوطن، وتجنيب البلاد أتون أي حرب محتملة، وأكد في بيان أنه يسير بخطوات ثابتة نحو الاستقرار والمصالحة الوطنية، وأنه لن يفرط فيما حققه من مكتسبات لإنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات.
من جهة أخرى، أعلنت لجنة الإنقاذ الدولية تعليق بعض برامجها مؤقتاً داخل طرابلس نتيجة القتال، وقالت في بيان لها إنه «على الرغم من أن القتال قد هدأ، فإن الوضع على الأرض لا يزال متوتراً، ويمكن أن يتصاعد في أي لحظة ليسفر عن وقوع مزيد من الضحايا أو خسائر في الأرواح»، وحثت جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية وضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية.
وعلى صعيد متصل، أعرب طارق أحمد، وزير شؤون شمال أفريقيا بالحكومة البريطانية، عن إدانة المملكة المتحدة لأعمال العنف التي وقعت في طرابلس، وقال في بيان مساء أول من أمس إن بلاده تدعو إلى وقف القتال فورا، وأن تنخرط جميع الأطراف لحوار برعاية الأمم المتحدة.