رشيد خشـــانة – العاصمة طرابلس على قاب قوسين من عاصفة شديدة، تُشبه ربما هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الأحياء الجنوبية لطرابلس عام 2019.
اندلع قتال عنيف في العاصمة الليبية طرابلس ليل الجمعة واستمر حتى صباح أمس السبت، حيث تبادلت الفصائل المتناحرة إطلاق النار بكثافة ودوت أصوات عدة انفجارات عالية في أنحاء المدينة.
وقال شهود إن الاشتباكات اندلعت في وسط مدينة طرابلس وسط أزمة سياسية بشأن السيطرة على الحكومة الليبية شهدت حشدا متزايدا للجماعات المسلحة حول العاصمة في الأسابيع القليلة الماضية.
وتشهد طرابلس، منذ فجر السبت، اشتباكات مسلحة بين قوتين تابعتين لكل من المجلس الرئاسي ورئاسة أركان الجيش، أسفرت حتى الساعة عن مقتل الفنان الكوميدي مصطفى بركة.
وجرت الاشتباكات في عدة مناطق بالعاصمة بين مجموعة تابعة «للواء 777» (رئاسة الأركان) وأخرى تابعة لجهاز دعم الاستقرار (المجلس الرئاسي).
وأظهرت صور ومقاطع فيديو تم تداولها على الإنترنت لوسط المدينة، عربات عسكرية مسرعة في الشوارع، ومقاتلون يطلقون النار، وسكان محليون يحاولون إخماد الحرائق.
وسمعت في مناطق متعددة من المدينة أصوات الاشتباكات المستمرة، والقذائف، ونشرت مواقع تواصل اجتماعي مقاطع فيديو تظهر تبادل النيران في منطقتي باب بن غشير، وشارع الزاوية وسط المدينة، واحتراق سيارات في أحد الأحياء.
وأفادت وسائل إعلام ليبية بتعليق جامعة طرابلس الدراسة والامتحانات السبت بسبب الاشتباكات في العاصمة.
يأتي ذلك فيما تتواصل الاشتباكات حيث شوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من مبنى الجوازات بعد سقوط قذيفة عشوائية عليه .
ودانت حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، السبت، الاشتباكات المسلحة بمناطق مدنية في العاصمة طرابلس.
وقالت في بيان: «ما يشهده وسط مدينة طرابلس من اشتباكات عنيفة في أحياء مكتظة بالسكان والمدنيين، هو غدر وخيانة للمفاوضات التي نخوضها للذهاب إلى انتخابات كحلّ للأزمة السياسية».
وأضاف البيان: «هذه الاشتباكات نجمت عن قيام مجموعة عسكرية بالرماية العشوائية على رتلٍ مارّ بمنطقة شارع الزاوية، في الوقت الذي تتحشد فيه مجموعات مسلحة في بوابة الـ27 غرب طرابلس وبوابة الجبس جنوب طرابلس».
وأردف: «تزامنا مع ذلك، وردت معلومات أخرى عن تحشيدات عسكرية ستعبر من الطريق الساحلي إلى شرق طرابلس لزعزعة الأمن والاستقرار في المدينة (لم يحدد جهتها)».
وتابع: «هي محاولة بائسة لتوسيع دائرة العدوان على المدينة، وتنفيذًا لما أعلنه المدعوّ فتحي باشاغا (رئيس الحكومة المكلف من البرلمان) من تهديدات باستخدام القوة للعدوان على المدينة».
واستطرد: «جلسة التفاوض الثالثة التي كان من المفترض أن تعقد الجمعة في مدينة مصراتة لمناقشة تفاصيل الاتفاق، أُلغيت وبشكل مفاجئ بالتزامن مع التصعيدات العسكرية في طرابلس ومحيطها».
واتهم البيان، حكومة باشاغا «بالتهرّب في آخر لحظة، بعد أن كانت هناك مؤشرات إيجابية نحو الحل السلمي بدلًا من العنف والفوضى».
ولم يصدر تعليق فوري من حكومة باشاغا حول هذه الاتهامات.
ولم تصدر وزارتا الداخلية والصحة أي تعليق حتى الآن بشأن القتال أو بخصوص وقوع إصابات.
ونقلت قناة «ليبيا الأحرار» عن الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ أسامة علي قوله إن «هناك إصابات في صفوف المدنيين جراء الاشتباكات في طرابلس» مشيرا إلى صعوبة في التحرك في أكثر من منطقة.
وعرضت القناة، عبر حسابها بموقع «فيسبوك» جانبا من الأضرار التي لحقت بممتلكات المواطنين واحتراق عدد من الشقق والسيارات جراء الاشتباكات .
من جانبها، حملت بلدية طرابلس مجالس النواب والدولة والرئاسي والحكومتين مسؤولية تردي الأوضاع في العاصمة طرابلس مطالبة المجتمع الدولي بحماية المدنيين.
وقالت البلدية، في بيان عبر صفحتها بموقع فيسبوك، إنه «في الوقت الذي دعى فيه كل العقلاء والحكماء والمواطنين والمجتمع الدولي إلى تجنب لغة التحشيد والتهديد نتفاجأ باشتباكات في قلب العاصمة لا تعبأ بحياة المدنيين ولا ممتلكاتهم وهذا نتيجة سوء إدارة الدولة من الجهات التشريعية والتنفيذية ورغبتها في الاستمرار في الحكم وتأجيل الانتخابات إلى ما لا نهاية».
وأضافت أن «المجلس البلدي وسكان طرابلس المركز يحملون البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والحكومتين المسؤولية على تردي الأوضاع في العاصمة ويطالبون المجتمع الدولي بحماية المدنيين في ليبيا كما يدعون السكان إلى الوقوف يدا واحدة ضد هذه التعديات التي أصبحت تعرض حياتهم للخطر».
وكان الناطق باسم مركز طب الطوارئ والدعم الليبي مالك مرسيط أكد مقتل الممثل الكوميدي مصطفى بركة جراء الاشتباكات ونقل جثمانه إلى مستشفى طرابلس الجامعي.
ونقلت قناة «ليبيا الأحرار» عن مرسيط قوله إن فريق الإخلاء التابع لمركز طب الطوارئ والدعم يستعد لتوفير ممرات آمنة للعائلات العالقة في باب بن غشير.
الخطر جديٌ ووشيك
الإدارة الأمريكية أصدرت في وقت سابق، عبر وزارة الخارجية، بيانا تُعرب فيه عن «قلقها الشديد» جراء التهديدات الجديدة باندلاع اشتباكات عنيفة في طرابلس، في مؤشرٌ مهمٌ على أن الخطر جديٌ ووشيك، خاصة أن بيان الرئيس بايدن دعا إلى «وقف التصعيد الفوري من قبل جميع الأطراف». ويُعزى هذا التحذير الأمريكي إلى مصدرين أساسيين أولهما التداعيات الإقليمية المحتملة لاستمرار الأزمة في ليبيا، أما الثاني فمُرتبط بتطورات عالم الطاقة.
من هنا نلحظ في الموقف الأمريكي كلمات تتردد ولها دلالاتها في السياق الراهن، من قبيل «تعمُق الانقسامات الداخلية» أو «المأزق المؤسسي يُهدد بانحراف عنيف» أو ضرورة «نزع فتيل الأزمة». ومدلول هذه العبارات، المتقاربة في معانيها، أن التقارير الأمريكية تؤكد أن العاصمة طرابلس على قاب قوسين من عاصفة شديدة، تُشبه ربما هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الأحياء الجنوبية لطرابلس في العام 2019. وتعززت هذه المخاوف بإعلان الهيئة الطرابلسية الجمعة، أن أي عمل عسكري يهدد طرابلس يضعُ أصحابه تحت طائلة القانون الوطني والدولي. وعبرت الهيئة عن رفضها «جعل طرابلس ساحة اقتتال من أجل السلطة» مُتوعدة أي طرف يهدد بعمل عسكري أو يُنفذه داخل طرابلس، بأنه سيكون تحت طائلة القانون الوطني والدولي، جراء ارتكابه جُرم الخيانة العظمى، التي يحاسب عليها القانون الليبي، وفق بيان الهيئة الطرابلسية.
كما طالبت بإجراء انتخابات تشريعية في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، واختيار حكومة تكنوقراط وطنية، بعيداً عن منطق المحاصصة «تُراعي حرمة الدم والعرض، وتحافظ على ما تبقى من لُحمة وطنية ومقدرات الوطن».
وفي مسار مُواز يتعلق بملف النفط والغاز، تبدو الحاجة الملحة للأمريكيين للترفيع من إنتاج النفط الليبي، الذي لا يتجاوز حاليا 700 ألف برميل يوميا، إلى مليوني برميل. لكن ذلك يتطلب حدا أدنى من استتباب الأمن والاستقرار في البلد. غير أن محللين رأوا أن تلك الحركة كانت جزءا من الانفراج المُسجل في العلاقات بين القوى الخارجية المُتداخلة في الملف الليبي، ومنها الإمارات وتركيا ومصر وإلى حد ما روسيا وفرنسا.
ومع أن الدول المذكورة لا تبدو على قناعة بقدرة الأمم المتحدة على رعاية الحل النهائي في ليبيا، خاصة في ظل تأخُر تعيين ممثل خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، من أجل استئناف جهود الوساطة بين الفرقاء، فإن تلك الدول ما زالت متشبثة بضرورة إجراء الانتخابات، بوصفها الحل السلمي الوحيد للصراع في ليبيا. وعلى خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن المليوني برميل المحتملين، اللذين يمكن أن تنتجهما ليبيا في اليوم، لهما وزن كبير في العلاقات بين السلطات الليبية، أيا كان الحاكم في طرابلس، والشركاء الخارجيين، وفي مقدمهم إيطاليا.
المدنيون هم الضحايا
إن أي تدهور للوضع الأمني سيُسبب ردود أفعال غاضبة من المدنيين، الذين ذاقوا الأمرين من القتال بين قوات اللواء خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني، قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في خريف 2020. وتسببت تلك المعارك بنزوح أعداد كبيرة من سكان الضواحي الجنوبية لطرابلس، التي شهدت أعنف المعارك في 2019. ومع تعطُل المسار الدستوري وإخفاق محاولات رأب الصدع بين الفريقين المتصارعين، أبدت الأمم المتحدة مخاوف كبيرة من تجدُد القتال. وأفادت مصادر مطلعة أن القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ريزدون زينينغا، نقل تلك المخاوف إلى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، مُشددا على ضرورة الخروج من الأزمة السياسية والجمود في المسار الدستوري، بما يؤدي لتنظيم انتخابات على أسس دستورية وقانونية. وقد تكون الأمم المتحدة لمست لدى الطرفين إصرارا على رفض التنازل، خاصة في ظل تواتر اجتماعات في الجانبين يشارك فيها عسكريون. وفي محاولة لتهدئة الأجواء ترأس رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بصفته (أي المجلس) القائد الأعلى للجيش، اجتماعا حضره كلٌ من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات الفريق حسين العائب، ووزير الداخلية المكلف بدرالدين التومي، ورؤساء الأركان النوعية، إلى جانب رئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري، وفق بيان صادر عن المجلس.
وأشارت أكثر التوقعات تشاؤما إلى سيناريو مفاده «أن الصدام آت ما لم تدرك الفرقاء استفاقة أخيرة» وهي استفاقة تبدو مستبعدة في ضوء بيانات باشاغا المتتالية خلال اليومين الأخيرين، على ما جاء في بوابة «ليبيا المستقبل». والأرجح أن القوى الإقليمية، وخاصة مصر التي تدعم باشاغا، ستغض الطرف عن النار التي قد يُشعلها هذا الأخير، في العاصمة طرابلس. كما يُرجح أن تقف الجزائر إلى جانب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، التي قال الرئيس عبد المجيد تبون إنها الحكومة الوحيدة التي تحظى بالشرعية، والتي تعترف بها الجزائر. أكثر من ذلك سبق للرئيس الجزائري أن أعلن أن «طرابلس خطٌ أحمرُ» ما يعني أن الجزائر لن تبقى مكتوفة اليدين لو اجتاحت جماعات مسلحة تابعة لباشاغا العاصمة طرابلس، من أجل إخراج حكومة الدبيبة منها، والحلول محلها. والأرجح أن تبون تطرق للملف الليبي في محادثاته مع الرئيس الزائر إيمانويل ماكرون في الجزائر. غير أن هذا الملف سيبقى أحد عناوين الخلاف بين باريس والجزائر، منذ التدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا العام 2011 بقيادة فرنسا وبريطانيا. والمؤكد أن الجزائر لن تقبل بتهميشها في أي اتفاق سلام مقبل في ليبيا، مثلما تم استبعادها من اجتماعات الصخيرات، ولاحقا من تفاهمات بوزنيقة في المغرب. والمُلاحظ أن الجزائر كانت مشغولة في تلك الفترة بمجابهة الحركة الاجتماعية الواسعة للمطالبة بتنحية الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ثم بالانتخابات التي أعقبتها. فهل أن سيناريو التدخل الجزائري سيجعل باشاغا ورُعاة معركته، يجنحون إلى الحلول السلمية؟
رئاسة الأندية في ليبيا.. كتائب وأموال وشيء من الرياضة
بعد فوزه بلقب بطل الدوري الليبي لكرة القدم، توجّه فريق “الاتحاد” إلى مكتب رئيس حكومة الوحدة الوطنية والرئيس السابق للنادي عبد الحميد الدبيبة للاحتفال معه وإهدائه كأس البطولة، بحسبما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم رفض الدبيبة الترشح مجددا لرئاسة النادي.
لم يدع هذا الأمر الإعلامي الرياضي يونس ثابت للاستغراب، وقال إن “الرياضة في ليبيا احتلت مكانة خاصة لدى أصحاب القرار والسلطة في السنوات الماضية” من خلال تقديم الدعم المالي للأندية ذات الشعبية على وجه الخصوص، في محاولة لاستمالة الجماهير لا سيما مع الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد.
تحقيقٌ أُطلق في 2014 وما زال جارياً: الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا بإشراف مسؤولين في الدولة
رشيد خشانة – يُبدي قطاع واسع من الليبيين غضبهم من استمرار الفساد بعد إسقاط النظام السابق، مُطالبين بإجراء التحقيقات اللازمة لتحديد قيمة الأضرار ومحاسبة المُذنبين وتطبيق القانون على الجميع.
قد يكون من السهل تجاوز قضية الشرعية في ليبيا اليوم، بإجراء انتخابات عامة وشفافة بمعايير دولية. لكن العقبة الأساسية في طريق الانتقال إلى دولة المؤسسات ستظل قائمة من خلال الجماعات المسلحة، التي لا سلطان عليها سوى أمرائها. والمهم بالنسبة للدول الكبرى المتداخلة في الملف الليبي هو كيفية جمع 20 مليون قطعة سلاح وإبعاد السلاح الثقيل عن وسط المدن مسافة لا تقل عن ثلاثين كيلومترا. ويرتبط هذا السعيُ للاستقرار بالرغبة الأوروبية في زيادة الاعتماد على النفط والغاز الليبيين، كي لا تبقى رهينة لدى روسيا.
وبدا واضحا أن التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي بات يشكل في الفترة الأخيرة، أولوية لدول الاتحاد. وهم يطرحون، تعويضا لشراء الغاز الروسي، فكرة تشكيل «المجموعة الأوروبية المتوسطية للطاقة» مثلما اقترح ذلك جان لوي غيغو مؤسس «معهد الدراسات الاقتصادية المستقبلية للعالم المتوسطي» ومقره في مدريد. ويرى غيغو أن الحرب الراهنة في أوكرانيا تقتضي إيجاد استراتيجيا سياسية واقتصادية تُحرر أوروبا من التبعية للغاز والنفط الروسيين، وتجعلها تلتفت إلى أفريقيا، التي تعاني من تفاوت كبير بين الزيادة السريعة في عدد السكان ونمو اقتصادي متواضع. وسيكون مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا «تيكاد» الذي تستضيفه تونس أواخر الأسبوع المقبل، فرصة لحض المجموعات الصناعية اليابانية، الباحثة عن أسواق جديدة، للاستثمار في القارة الأفريقية، لاسيما بعد بروز منتجين جددا للنفط والغاز.
غير أن اليابانيين لا يُخفون حساسيتهم لظواهر الفساد والرشوة وضعف الحوكمة، خاصة أن فضائح مالية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، وتتعلق بنهب جزء من إيرادات النفط والغاز الليبيين. وكشف تقرير منظمة دولية غير حكومية، أساليب التحايل التي يلجأ إليها المستوردون في ليبيا للتغطية على النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية، وكانت لندن مركزًا لهذه النشاطات. وأثير هذا الموضوع في لندن خلال مهاجمة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني توم توغهاتند رئيس مصرف إنكلترا، أندرو بيلي بعد لقائه الأخير مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير متهمًا إياه (بيلي) بكونه ممولا للميليشيات، حسب تقرير نشرته جريدة «إكسبرس» البريطانية. وحسب توم توغهاتند ما زالت الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن وإلى أيدي رجال الميليشيات. من جهة أخرى بات التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي يشكل أولوية لدول الاتحاد، وبالتالي سيزيد هذا من الاهتمام بالملف الليبي ويدفع للبحث عن الحل السياسي المنشود، بالضغط على المترددين إن لزم الأمر.
فهناك العديد من التحويلات المشبوهة التي قام بها أركان النظام السابق من المسؤولين الحكوميين وأفراد أسرة معمر القذافي. ونقلت جريدة «اكسبرس» عن تقرير استقصائي حديث لمنظمة «غلوبال ويتنس» الدولية غير الحكومية، أن هناك استخداما واسعا لخطابات الاعتماد، بعدما تبين منحُ حوالي 9 مليارات دولار من العملات الأجنبية للشركات والسلطات العامة سنويًا، حسب ما أوردت «بوابة الوسط» الليبية. وكشف النائب العام الصديق الصور، تفاصيل التحقيقات في عملية الاختلاس والفساد التي شابت العقد المبرم بين «المؤسسة الليبية للاستثمار» وشركة «بلادين الدولية لإدارة الاستثمار» بمبلغ 700 مليون دولار.
ونقلت جريدة «اكسبرس» الانتقادات التي وجهها النائب توم توغهاتند إلى كل من محافظ بنك انكلترا وحاكم بنك ليبيا معتبرا أن الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن، وإلى أيدي رجال الميليشيات على حد قوله. وكشف التقرير الاستقصائي المذكور أن لندن هي موطن عشرات البنوك الليبية، وقد لعبت دورا رئيسا في العملية، إذ انطلقت «غلوبال ويتنس» لفحص مسار الأموال، من خطاب الاعتماد الموجه من مصرف ليبيا المركزي، إلى المصارف المملوكة لليبيين في قلب لندن. كما بين كيف يشرف النظام المصرفي الليبي على عمليات الاحتيال واسعة النطاق محليًا، وفق ما نقلته الجريدة.
تحويلات مشبوهة إلى مالطا
لكن لندن ليست المركز الوحيد لتلك المغامرات، التي ترمي إلى التغطية عن النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية. وقال مسؤولون قضائيون إن صفية فركاش محمد، أرملة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي طعنت في قرار أصدرته محكمة في مالطا قضى بإعادة «بنك فاليتا» 100 مليون دولار إلى ليبيا، رغم أن من أودعها هو المعتصم نجل القذافي. ودفعت صفية فركاش ومحاموها في طعنهم بأن محاكم مالطا غير مختصة بالنظر في القضية، ولا يمكنها البت في قضية مالية. وصدر الحكم في نهاية حزيران/يونيو بعد معركة قانونية بدأت في العام 2012 أي بعد سنة من الإطاحة بالقذافي ومقتله عقب ذلك.
وعُثر بحوزة المعتصم، الذي قُتل أيضا، على العديد من البطاقات الائتمانية الصادرة عن بنك فاليتا بصفته مالكا لشركة مسجلة في مالطا. وكانت المحكمة الأصلية أيّدت دفوع النائب العام الليبي بأن المعتصم، بصفته ضابطا في الجيش، ممنوع من الاستفادة من أي مصالح تجارية، بموجب القانون الليبي. وفضلا عن ذلك، لم يقدم المعتصم إقرارا كاملا بالأصول، كما يقتضي القانون. وفي معرض طعنها، قالت أرملة القذافي إن القوانين الليبية التي استُند عليها في القضية هي قوانين جنائية، في حين لم تُرفع أي دعوى جنائية على المعتصم أو ورثته.
وطالت شبهات تهريب الأموال إلى الخارج أحد مساعدي القذافي البارزين، وهو علي الدبيبة، عمُ رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة. وكانت صحيفة «صاندي تايمز» البريطانية نشرت تقريرا مفصلا مقتبسا من تحقيق أجرته الشرطة الاسكتلندية، يتحدث عن تحويل مئات الملايين من الجنيهات من ليبيا، عبر «شبكة سوداء». لكن الدبيبة نفى وجود التهم التي ذكرتها الصحيفة. وكان علي الدبيبة مُشرفا على مشاريع البنية التحتية الرئيسة في ليبيا بين عامي 1989 و2011 واستثمر ملايين الجنيهات في عقارات فاخرة في إدنبرة ولندن، على الرغم من أن راتبه السنوي كرئيس «جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية» في ليبيا لا يتجاوز 12 ألف جنيه استرليني. وأكد مسؤولون ليبيون أن الأموال تم توجيهها من خلال شركات يبدو أنها مملوكة من قبل العديد من رجال الأعمال في اسكتلندا ولها صلات بعلي الدبيبة.
وأكد مكتب التاج والنيابة العامة في اسكتلندا من جهته أن التحقيق الذي أُطلق في العام 2014 ما زال جارياً، ما دفع رجال الأعمال الاسكتلنديين إلى التحدث علناً عن القضية للمرة الأولى، نافين أن يكونوا ضالعين في عمليات غسيل الأموال. وكان علي الدبيبة، بصفته رئيس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية في ليبيا آنذاك، مسؤولاً عن ميزانية سنوية تقدر بحوالي 6 مليارات دولار. إلا أن المحققين والمحامين الذين استأجرتهم السلطات الليبية، شككوا في الروابط بين رجال الأعمال الليبيين والاسكتلنديين وشركاتهم، مؤكدين أنها شركات مرتبطة بعائلة الدبيبة، وأن جميع العلاقات بين الجانبين انتهت في العام 2009.
179 مليارا في جنوب أفريقيا
ومن بين الدول الرئيسية التي وجه إليها القذافي أموال ليبيا، جنوب أفريقيا، إذ أكدت تقارير إعلامية عدة أن الأموال الليبية المهربة إلى هناك تقدر بعشرات المليارات، بالإضافة إلی مئات الأطنان من الذهب وملايين القراريط من الألماس. ولم يتسن التعرف على تلك الثروة المهربة إلا عندما نشرت صحيفة «إندبندنت أون سنداي» تقريرا في العام 2014 قالت فيه إنها اطلعت على وثائق رسمية من حكومة جنوب أفريقيا تؤكد وجود 179 مليار دولار، في أدنى التقديرات، محفوظة بشكل غير قانوني، في مرافق للتخزين في محافظة غوتنغ في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى أطنان من الذهب و6 ملايين قيراط من الألماس.
وتحتاج السلطات الليبية أيضًا إلى تعاون جدي من سلطات جنوب أفريقيا حتى تتقدم خطوات في مهمة البحث عن الأموال في مرحلة أولى، ثم في مرحلة ثانية استرجاعها أو إعادة استثمارها هناك، حتى تعود بالفائدة على الطرفين. لكن خبراء يؤكدون أنه لا ينبغي انتظار حلحلة هذا الملف في الظروف الحاليّة بسبب عدم وجود جهة رسمية تتمتع بالشرعية في ليبيا. كما أن السلطات الليبية بدورها تبدو غير مهتمة اهتماما جديا باسترجاع تلك الأموال. أكثر من ذلك، هناك تأكيدات مفادها أن الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا إلى اليوم، وأن من يشرف على ذلك مسؤولون في الدولة، بالتعاون مع ميليشيات في الداخل، وجهات خارجية بعضها عربي.
والمؤكد أن هناك، إلى جانب العمل على استرداد تلك الأموال المهربة، علاجات أخرى تساعد الدولة على الحد من النزيف المالي، أبرزها الكشف عن أرقام وطنية مزورة تُستخدم للحصول على رواتب غير مستحقة من المال العام. وأعلن الصديق الصور مؤخرا اكتشاف حوالي 63 ألف رقم وطني مزور، أي أنها أرقامٌ غير موجودة في منظومة السجل المدني، ما يستوجب مراجعة تلك القوائم مراجعة دقيقة. ودلت المعلومات التي عرضها النائب العام، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، على اتساع دائرة الفساد في ليبيا بعد سقوط النظام السابق، مؤكدا أنه تغلغل في مفاصل الدولة وفي جميع القطاعات. وأشار المستشار الصور إلى وجود عيوب في الأجهزة الشرطية ونهب للمال العام وجرائم تزوير للأرقام الوطنية بالآلاف. وحسب الصور استفاد 88 ألفاً و819 رقماً وطنياً غير صحيح من نحو 208 ملايين دينار، و29 ألف شخص من المنح دون وجه حق.
ويُبدي قطاع واسع من الليبيين غضبهم من استمرار الفساد في ظل الحكومات التي أتت بعد إسقاط النظام السابق، مُطالبين بإجراء التحقيقات اللازمة لتحديد قيمة الأضرار ومحاسبة المُذنبين وتطبيق القانون على الجميع. وهم يستغربون من أن التحقيق الذي أُطلق في اسكتلندا العام 2014 ما زال مفتوحا إلى اليوم، على سبيل المثال، كما أن قضايا الفساد التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة لم يتم التعاطي مع المشتبهين فيها بالحزم المطلوب. ولذلك شاهدنا لافتات في المظاهرات الأخيرة تدعو إلى مكافحة الفساد وملاحقة مهربي الأموال إلى الخارج، فهل يرى الليبيون يوما رؤوس الفساد تُضبط وتُساق إلى المحاكم؟
مصـادر ديبلومسية: السنغالي بتيالي رئيسا جديدا للبعثة الأممية في ليبيا في انتظار إعلان رسمي
قالت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة، إنه لا توجد اعتراضات من أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15 على تعيين الوزير السنغالي السابق عبد الله بتيالي، رئيسا جديدا للبعثة الأممية في ليبيا.
وأكدت المصــادر التي طلبت عدم نشر أسمائها لوكالة “الأناضول” أن هناك موافقة ضمنية من كل أعضاء المجلس على تعيين بتيالي، وأن الأمر يتعلق الآن بإعلان رسمي يصدره مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وأوضحت الوكالة أن غويتريش لم يتسلم أي اعتراض من رئيس مجلس الأمن الصيني “جيون تشانغ” على ترشيح الوزير السنغالي للمنصب، في مقابل اعتراض المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة طاهر السني.
وتعليقا على اعتراض السني، قالت المصادر إن الأمر يعود الآن إلى الأمين العام للأمم المتحدة لاتخاذ القرار المناسب.
والإثنين، أعلن المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك أن “غوتيريش سيمضي قدما، قدر الإمكان، في عملية اختيار مبعوث جديد له في ليبيا”.
وأضاف دوجاريك، في تصريح صحفي: “بعد أن يصلنا خطاب من رئيس مجلس الأمن يبلغنا فيه بأنه أحيط علما بالموضوع، بما يعني عدم وجود اعتراض من قبل أي عضو بالمجلس، نكون قد وصلنا إلى اسم المرشح”.
يذكر أن تعيين رؤساء البعثات الأممية يتطلب عدم اعتراض أي دولة من الدول الـ15 الأعضاء بمجلس الأمن.
تأكيدا لانفراد «بوابة الوسط».. النائب العام يكشف ملابسات قضية محفظة «بلادين»
رشيد خشانة – كشف النائب العام المستشار الصديق الصور، تفاصيل التحقيقات في عملية الاختلاس والفساد التي شابت العقد المبرم بين المؤسسة الليبية للاستثمار وشركة «بلادين – Palladien» الدولية لإدارة الاستثمار، بمبلغ 700 مليون دولار، وهي التفاصيل المطابقة لمعلومات نشرتها «بوابة الوسط» في يوليو الماضي.
وقال الصور، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة طرابلس اليوم الأربعاء، إنه في العام 2007 أبرمت المؤسسة الليبية للاستثمار و«محفظة ليبيا أفريقيا صندوق الإنماء الاقتصادي»، عقد إدارة استثمار مع شركة «بلادين» الدولية لإدارة الأصول المسجلة بمملكة هولندا تتعهد بموجبها الشركة بإدارة أسهم قابلة للتحويل وسندات استثمارية بديلة بقيمة 700 مليون دولار أميركي بواسطة ثلاث شركات أسست في جزر الكناري، بغرض تملك الأصول.
وفي السادس من يوليو الماضي، حصلت «بوابة الوسط» على معلومات بشأن وقائع فساد محفظة «بلادين»، تتعلق بإدارة الاستثمار وهوامش الربح ومقابل أتعاب الإدارة، إلى جانب وجود تحايل للحصول على العقد من خلال تأسيس شركة أخرى تحت اسم مشابه لشركة (بلادين)، وهي شركة (بلادين) الدولية لإدارة الأموال.
بداية التحقيق وفحص المستندات
وأشار النائب العام إلى أن التحقيقات في القضية بدأت في العام 2017 ولا تزال جارية حتى الآن، حيث تجرى زيارات إلى هولندا، في إطار التعاون مع المدعي العام الهولندي، ووكالة الجريمة المنظمة في بريطانيا، لفحص المستندات المتعلقة بالعقد، وفق ما قال الصديق الصور.
وأضاف الصور أن أعضاء التحقيق زاروا هولندا، و«في بعض الأحيان بقوا في قاعدة بحرية في هولندا أسبوعًا كاملًا للاطلاع على المستندات ومذكرات وزير سابق بالتعاون مع المباحث المالية في هولندا».
تجميد حسابات المسؤولين في «بلادين»
وأوضح النائب العام أن القضاء الهولندي جمد حسابات المسؤولين في «بلادين»، بناء على طلب النائب العام، لادعائهم أنها شركة أميركية و«هي شركة يملكها ليبيون، وجرى التعاقد معها بتعاقد لا جدوى فيه، مقابل نسب وعمولات من بعض الأشخاص والمسؤولين خلال 2006، واستمر العبث ربما في السنوات الأخيرة».
دور شركة (LY) الأميركية للتدقيق
وتابع: «كلفنا شركة (LY) الأميركية المختصة في مجال المباحث الجنائية والمالية، وقامت بالتدقيق ووافتنا بالنتائج أخيرًا، بعد سنتين من العمل المضني، حيث اجتمع أعضاء النيابة معها في عديد الدول، وانتهت إلى وجود فساد وسرقة».
نشرات حمراء بحق 4 متهمين
وأشار إلى أن النيابة كلفت شركة أميركية لتتبع العملة حول العالم، وهو ما قاد إلى الوصول لأحد المسؤولين الذين أبرموا التعاقد، وبناء على ذلك أصدر النائب العام أوامر ضبط داخلية ودولية، وصدرت في حق المتهمين نشرات حمراء، وهم متهم يقيم في فرنسا، وآخر في هولندا، وثالث في النرويج، ورابع في الإمارات، دون أن يذكر أسماءهم.
وقال إن مبلغ الـ700 مليون دولار، موجود في «دويتشه بنك» في ألمانيا، و«بنك سيتي ستريت» في بريطانيا، وهي محل متابعة واتخاذ إجراءات متابعة.
ليبيا: مشروع الحكومة الثالثة يكسب مزيدا من الأنصار
رشيد خشـانة – لعبت الاحتجاجات الصاخبة في الساحة الخضراء ضد السلطات في الشرق والغرب، دورا مهما في جعل الخصوم يُفكرون مليا قبل اللجوء للقوة والاندفاع نحو قتال بعضهم البعض.
لكأن حرارة الطقس المُتقدة شحنت أعصاب السياسيين الليبيين في هذا الشهر الخانق، فسيطر على أحاديثهم التهديدُ المعجونُ بالوعد والوعيد. ومحور هذا الغليان صراعُ شرعيتين: الأولى لعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية وزير الدفاع، ويتبعه رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، وقادة الأركان والمناطق العسكرية والفروع الرئيسة للجيش.
في المقابل هناك الشرعية التي استمدها صاحبها فتحي باشاغا، رئيس حكومة الاستقرار، من مجلس النواب، ومعه مجموعات شبه عسكرية، أبرزها قوات وزير الدفاع الأسبق أسامة الجويلي. وأسمع الجويلي صوته في هذه المواجهة الكلامية، فكان الصوت الأعلى، إذ أنه الوحيد الذي لوح بالدخول إلى طرابلس بالقوة، والإطاحة بالدبيبة وحكومته. وتأتي خطورة هذا الصراع من امتلاك كل طرف ذراعا مسلحة، ما يُهدد بالعودة إلى الحرب مجددا.
ومن أجل تفادي هذا الخطر المُحدق بالبلد، تحركت وساطات بحثا عن حل سياسي، من بينها تركيا التي جمعت رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح حول مائدة واحدة، بعدما تحسنت علاقات أنقرة مع قادة المنطقة الشرقية. ولئن لم يصدر بيان رسمي عن الاجتماع فإن التسريبات المتداولة تؤكد أن أيا من الطرفين لم يستبعد احتمال الوصول إلى حل وسط بين الخصمين. والأرجح أن أنقرة لن تعطل إعادة صياغة الحكومة بما يُحدث توازنا بين الطرفين، لا بل قد تكون هي الراعي الرسمي له. ومن العناصر التي تساعد على السير نحو خيار وفاقي ما أظهرته الاشتباكات، التي جرت مؤخرا في طرابلس ومصراتة، من تعادل في القوة، ما سيجعل أي صراع جديد إنهاكا لجسد مثخن بالجراح أصلا، بعد جميع المعارك التي جرت بين الإخوة الأعداء، والتي جعلت رجل الشارع الليبي أينما كان يقف بقوة ضد الحرب، كيفما كانت مبرراتها.
ويجوز القول إن الأتراك استثمروا انشغال أمريكا وأوروبا بالحرب الأوكرانية، وغياب الأمم المتحدة بعد نهاية مهمة ستيفاني ويليامز، ليتوغلوا أكثر في المشهد الليبي، بدعم من القوى الكبرى المؤثرة في هذا المشهد. وأتى البيان الخماسي لتلك القوى متناسقا مع الجهود التي تبذلها أنقرة لمنع تدهور الوضع والسير نحو الحرب مجددا، إذ أكد البيان على «ضرورة إيجاد سلطة تنفيذية جديدة» في إشارة غير مباشرة إلى الحكومة الثالثة. وهذه الدول هي أمريكا بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. كما أن الإيطاليين بشكل خاص يدفعون نحو إقرار حل وسط، لاسيما بعدما تحسنت علاقاتهم مع الزعامات السياسية والعسكرية في المنطقة الشرقية، في أعقاب قطيعة استمرت سنوات. ومن تجلياتها غلق القنصلية الإيطالية في بنغازي، التي سيُعاد فتحها قريبا حسب تصريحات وزير الخارجية. ورأى الخبير الإيطالي دانييلي روفينيتي أيضا أنه يمكن إيجاد حل قريبًا للخروج من المأزق المؤسسي يتمثل في حكومة ثالثة تكون مهمتها الوحيدة هي بناء المسار الانتخابي.
ويسعى الأتراك، إلى وضع بصمتهم على أي اتفاق مقبل بين الفصائل الليبية، وهم يُمنون النفس بحصة مُعتبرة من مشاريع إعادة الإعمار، بما في ذلك في المنطقة الشرقية، التي أعادوا ترميم الجسور معها. وتجسيدا لهذا التغيير أكد السفير التركي لدى ليبيا كنعان يلماز، أن القنصلية العامة المغلقة في مدينة بنغازي، ستعود لتقديم خدماتها، من دون تحديد ميقات لذلك. واعتبر أن مصلحة تركيا تكمن في «التعاون مع حكومة قوية تتولى السلطة في ليبيا، وإزالة الخلافات السياسية وتحقيق المصالحة وإجراء الانتخابات». ودلت الحفاوة التي استقبل بها الأتراك رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في أنقرة، مطلع آب/اغسطس الجاري، على حرصهم على أن يكونوا على مسافة واحدة من الجميع. ومن المحطات البارزة في تلك الزيارة استقبال الرئيس اردوغان لصالح واجتماع هذا الأخير مع نظيره التركي مصطفى شنطوب. ويجري التخطيط حاليا لترتيب زيارة لأعضاء مجموعة الصداقة البرلمانية التركية، إلى مدينة بنغازي، برئاسة النائب أحمد يلدز.
والظاهر أن مصر باتت تشجع، هي الأخرى، على إيجاد صيغة ثالثة للخروج من عنق الزجاجة، عن طريق حكومة مصغرة مهمتها المركزية الإعداد للانتخابات. وساهم التقارب بين القاهرة وأنقرة في ضم مصر إلى المساعي التوفيقية بشأن تشكيل الحكومة الثالثة. ويُعتقدُ أن التحرك المشترك للثنائي مصر وتركيا يضفي شرعية على الحل الجديد الذي ما زال قيد التبلور، علما أن العديد من الفاعلين الليبيين، من هذا الفريق أو ذاك، يعتبرون البلدين تركيا ومصر، في مثابة مرجعية لهم. أما الجزائر التي يُؤكد قادتها دوما أن لا حل في ليبيا من دون الجزائر، فستدعم التسوية السياسية طالما أن هذه التسوية تضمن عودة الاستقرار إلى ليبيا، واستطرادا فهي تخدم الأمن القومي للجزائر، الذي تزايدت التهديدات المُحدقة به، مع انتشار الجماعات المسلحة في دول جنوب الصحراء، بما فيها تلك التي تملك حدودا مشتركة مع الجزائر. ويرى الجزائريون أن الانتخابات هي أسلم الحلول لتجاوز الأزمة الليبية. وما يُرجح أن الجزائر ستدعم الحل الوسط، أن خطابها يشدد في كل مناسبة على أن «الانتخابات هي أفضل الحلول لتجاوز الأزمة الليبية». ومع أن الرئيس تبون سبق أن أعلن في تصريحات للتلفزيون الجزائري أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة «هي الحكومة صاحبة الشرعية في ليبيا» فإنه لن يكون المُعرقل لأي حل سياسي للأزمة. وما يُعزز هذه القناعة أن الجزائر ستستضيف القمة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل تحت شعار «المصالحة العربية» وبالتالي ستسعى للخروج من القمة بنتيجة تختلف عن السردية العربية التقليدية في القمم السابقة.
من هم المُعرقلون؟
من الذي يعرقل إذا؟ لاشك بأن الدبيبة، الذي يمارس السلطة من موقع رئيس الحكومة منذ أكثر من سنة، لن يقبل الخروج من الباب الخلفي وتسليم المفاتيح إلى رئيس حكومة جديد سيعتبره أدنى منه كفاءة وخبرة بدواليب الدولة. وسبق أن ردد على مسامع من التقاهم في الداخل والخارج أنه لن يُسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة. مع ذلك لو حصل إجماع من مجموعة الخمسة (أمريكا بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا) بالاضافة لتركيا ومصر والجزائر والإمارات، على ملامح الحل السياسي، فلن يصمد الدبيبة طويلا، لكنه سيطلب ثمنا باهظا لانسحابه، بما يخدم هدفه المُعلن بالترشُح للانتخابات الرئاسية المقبلة. ويمكن وضع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في لائحة المُعطلين، وفي مكان بارز، لأنه لا يرضى بالسيطرة على المنطقة الشرقية فقط، وإنما يسعى لوضع رجاله (ومن بينهم أولاده) في مؤسسات الدولة، تمهيدا للجلوس على سدة الرئاسة، التي كان يجلس عليها رفيقه الأسبق وغريمه الدائم معمر القذافي. وقبل خمسة أيام صرح الناطق الرسمي باسم «القيادة العامة» (قوات حفتر) أحمد المسماري أن «الشعب الليبي يرى في المشير خليفة حفتر الشخص الأصلح لقيادة المرحلة القادمة في ليبيا» بما يعني أن البلد ليس بحاجة لانتخابات أصلا وإنما إلى بيعة. والأرجح أن ثمن الصفقة بين حفتر والدبيبة تمثل بعزل رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، الذي عين الدبيبة في مكانه الخبير المصرفي فرحات بن قدارة. ومع هذا التغيير على رأس أكبر مؤسسة في ليبيا، لن يلجأ حفتر مستقبلا إلى غلق الحقول والموانئ النفطية للضغط على الحكومة في طرابلس. وتوقع بعض المحللين أن تسمية بن قدارة على رأس مؤسسة النفط، «قد يفتح فصلًا جديدًا من التعاون مع برقة (الشرق) من خلال حفتر».
هذا الفصل الجديد عنوانه فتح الدبيبة خط اتصال مباشر مع حفتر، في إطار سعي الأول لتحصيل دعم متنوع، يجعله يبرز قبيل الانتخابات، في صورة رجل الاجماع. أما المؤيدون لحكومة الحل الثالث (لا الدبيبة ولا باشاغا) ففي مقدمهم عقيلة صالح، على أن تُسند رئاسة الحكومة المصغرة إلى عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي. ويتردد أن عقيلة صالح لم يستلطف عقد صفقة بين اللواء المتقاعد حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة برعاية إماراتية. ومن الواضح أن المحور الجديد حفتر/الدبيبة يندرج في إطار التغييرات الإقليمية، التي حملها إحياءُ التفاهمات السابقة بين الإمارات وتركيا. ويمكن القول إن التحالف الجديد بين الرجلين يشكل إحدى ثمار زيارة رئيس دولة الإمارات (ولي العهد آنذاك) محمد بن زايد لتركيا، وحواراته مع الرئيس التركي اردوغان.
ومن الطبيعي أن عقيلة صالح لا يستلطف هذه الاستدارة لأنه كان يحظى بدعم إماراتي، بل وكان من المترشحين لتولي منصب رئاسة الدولة في قائمة ضمت أيضا اسم باشاغا، في ملتقى الحوار الليبي بجنيف. وأفضى تصويت الحضور في الملتقى لتولي الدبيبة رئاسة الحكومة ومحمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي وذلك في شباط/فبراير 2021. ومن الداعمين للحل السياسي أيضا قيادات الجيش في المعسكرين، لأنهم باتوا يرفضون اندلاع حرب أهلية رابعة وسفك دماء الليبيين مجددا. ولا ريب في أن اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5 لعبت دورا مهما في التقريب بين قيادات المنطقتين الشرقية والغربية، التي أصبحت تؤكد على تشبثها بدورها الرئيس، المتمثل في الدفاع عن الوطن، وليس قمع الشعب. ولعبت الاحتجاجات الصاخبة في الساحة الخضراء (أو ساحة الثورة) ضد السلطات في الشرق والغرب على السواء، دورا مهما في جعل الخصوم يُفكرون مليا قبل اللجوء للقوة والاندفاع نحو قتال بعضهم البعض.
السيناريو الأسود
مع ذلك يُرجح مراقبون غير متفائلين تفجر الأوضاع من جديد وإخفاق المساعي الداعية إلى حل سياسي من خلال حكومة ثالثة. وهم يعتمدون في رؤيتهم المتشائمة على عدة وقائع ومؤشرات سلبية، من بينها التصريحات الحربية، التي تُطلق من هنا وهناك، مليئة بالتهديد والوعيد، وتدفق السلاح المُهرب نحو ليبيا من مصادر مختلفة، وغياب الأمم المتحدة من مسرح الأحداث، بعد استقالة ستيفاني وليامز، مطلع الشهر الجاري، وعجز مجلس الأمن عن التوافق على شخصية تحل محل الموفد الأممي يان كوبيش، المستقيل منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وبالرغم من تداول اسم السياسي والأكاديمي السينغالي الدكتور عبد الله باتيلي بوصفه المرشح الذي سيصوت له أعضاء مجلس الأمن، في جلسة يعقدونها غدا الاثنين، فإن المتشائمين يُقللون من فرص نجاح أي موفد أممي جديد، بعد استفحال الصراعات بين الفرقاء الليبيين، بامتداداتها الخارجية، التي لم تعد تخفى على أحد.
هل تكون أنقرة بوابة للحل الليبي؟
يبدو أن الملف الليبي يستعد لتطورات جديدة، متأثراً بمستجدات الصراعات الدولية الكبرى. يبدأ هذا الاستعداد بإفساح المجال أمام لاعب إقليمي فاعل في هذا الملف، ممثلاً في تركيا التي بدأ دورها يتصاعد وسط الخلافات والصراعات الدولية.
أول ملامح هذا التوجه تجميد الدور الأممي بعد فشل كل محاولات المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز، لصنع مقاربات جديدة لحل الأزمة الليبية، بناء على اتفاق جنيف، ومغادرتها لمنصبها.
تظهر ملامح الإفساح لدور تركي أيضاً في التراجع الواضح لمواقف الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف الليبي. فلا تصريحات ولا مبادرات جديدة على خلفية الجمود والانسداد الحاد الذي يعيشه الوضع الليبي. ووسط كل هذا تنشط أنقرة مجدداً في اتجاه فتح آفاق صوب معسكر شرق ليبيا، الذي طالما وصف قادته تدخلها بـ”الغزو”.
صحيح أن أنقرة استقبلت نواباً مقربين من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومن اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السابق، لكن دعوتها لصالح، واجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حصلا هذه المرة في ظل متغيرات وشد وجذب دولي كبيرين. وأبسط الأسئلة التي قد تثار حول هذه الدعوة، ما دلالاتها في هذا التوقيت الحساس؟
من الممكن قراءة اتجاه صالح لربط علاقة جديدة مع تركيا بخلفيات تغير مواقف حلفائه في الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، من الجانب التركي.
ويمكن أيضاً قراءته بأنه جاء بدفع مصري، خصوصاً أن وسائل إعلام مقربة من صالح كشفت عن زيارة غير معلنة أجراها للقاهرة إثر عودته من أنقرة. لكن هذه الخلفيات والدوافع لا يمكن أن تكون وحدها وراء دعوة تركيا لصالح، ولا قبول الأخير لها.
يبدو أن الجواب على ذلك يتجلى في جانبين. الأول، فشل مبادرات ومساعي كل الفاعلين الإقليميين والدوليين، بل والأمم المتحدة، في اختراق جدار الانسداد السياسي الليبي، وجاء الدور لإفساح المجال أمام تركيا، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع قادة طرابلس، لكن عليها رفع مستوى العلاقة مع الشرق الليبي.
والثاني، متعلق بالمتغيرات الدولية. فتركيا، النقيض العسكري للوجود الروسي في ليبيا، يمكن أن تؤدي دوراً محورياً ضد الوجود الروسي في الملف الليبي والمنطقة بالتنسيق مع الأميركيين والأوروبيين، خصوصاً مع تعاظم دور أنقرة الإقليمي في المنطقة.
تركيا لن تقبل بدور مرجح في ليبيا من دون مقابل. فعلاوة على مصالحها الكبيرة في البلد، يبقى تنفيذ الاتفاق التركي الليبي، الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، خصوصاً في الشق الاقتصادي المتعلق بمنابع الغاز في شرق المتوسط، رهن موافقة مجلس النواب وحليفه حفتر.
لكن تبقى الأسئلة كبيرة بشأن الدور التركي، وقدرته على إدارة الصراع بين الأطراف في ليبيا، خصوصاً حل الخلاف الحكومي، وكذلك حفظ مصالح جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين. وأكثر من ذلك، مدى قدرة تركيا على تحقيق الهدف الأميركي ــ الأوروبي بشأن تحجيم التغول الروسي في المنطقة، من دون تحول ليبيا إلى ساحة مواجهة دولية جديدة.
ليبيا: نُذُرُ حرب قد تندلع بين الدبيبة وباشاغا
رشيد خشانة – لقاء عقيلة صالح وخالد المشري، وباشاغا في تركيا، لا يدل فقط على انقلاب التحالفات، وإنما على رعاية تركيا هذا التغيير الجوهري، والذي يُرجح أن يكون الدبيبة ضحيته الأولى.
ستكون جلسة الإحاطة التي يعقدها مجلس الأمن يوم الأربعاء 24 الجاري، حول الوضع في ليبيا صعبة، ليس فقط بسبب الخلاف العلني بين الدول الكبرى حول الخطوات العاجلة الواجب اتخاذها لمنع اندلاع مواجهات عسكرية، وإنما أيضا بالنظر لعدم الاتفاق على تسمية موفد خاص جديد للبعثة الأممية للدعم في ليبيا. واضطر مجلس الأمن لإقرار تمديد قصير الأجل للبعثة، لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من الأول من آب/اغسطس حتى 31 تشرين الأول/اكتوبر المقبل، وذلك للمرة الخامسة بسبب الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول إدارة البعثة. وأعرب العديد من أعضاء المجلس، منهم أمريكا وألبانيا والنرويج، عن دعمهم لتجديد ولاية البعثة لمدة عام واحد، فيما حضت روسيا الأمين العام على مضاعفة جهوده لتعيين ممثل خاص في ليبيا. تزامنت هذه التطورات مع الإعلان عن تنظيم اجتماع موسع، الخميس الماضي، ضم أركان الدولة الليبية، وفي مقدمهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونائبي المجلس عبد الله اللافي وموسى الكوني، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية سليمان الشنطي.
ولم يرشح شيء عن الفحوى الحقيقي للاجتماع، ولا عن حضور ممثل تركي من عدمه، لكن المُلاحظ أن عقيلة صالح نطق بجملة مهمة وخطرة لدى زيارته الأخيرة لتركيا، إذ شدد على «ضرورة السماح لحكومة الاستقرار الوطني الموازية، برئاسة فتحي باشاغا، بممارسة عملها وسلطاتها على كامل الأراضي الليبية». ويقود هذا الموقف، في ظل رفض الدبيبة القاطع تسليم السلطة، إلى مواجهة جديدة، قد تتطور إلى حرب أهلية رابعة. كما أن لقاء كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي (العدو اللدود للدبيبة) خالد المشري، ورئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب باشاغا في تركيا، لا يدل فقط على انقلاب التحالفات، وإنما أيضا على رعاية تركيا هذا التغيير الجوهري في ملامح المشهد الليبي، والذي يُرجح أن يكون الدبيبة ضحيته الأولى. ومما يُؤكد هذه القراءة تحذير قائد الاستخبارات في حكومة الوحدة الوطنية المقال اللواء أسامة الجويلي، من أن هذا الفريق قد يُضطر لاستخدام القوة مكرها، لتأمين عمل حكومة باشاغا الموازية من العاصمة طرابلس. واعتبر الجويلي في تصريحات نقلتها قناة «ليبيا بانوراما» أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، باتت فاقدة للشرعية منذ منح مجلس النواب الثقة لحكومة باشاغا، مُوجها لها إنذارًا لمغادرة السلطة، دافعًا بتعزيزات عسكرية إلى طرابلس. أكثر من ذلك اجتمع الجويلي مع قادة تشكيلات مسلحة من طرابلس ومصراتة للاستفسار منهم عن سبب اعتراضهم على دخول باشاغا وأعضاء حكومته العاصمة. وكان الدبيبة أقال اللواء الجويلي من منصبه كرئيس لجهاز الاستخبارات العسكرية، في أيار/مايو الماضي، بسبب دوره في إدخال باشاغا إلى طرابلس. وشغل الجويلي منصب وزير الدفاع في حكومة عبد الرحيم الكيب الانتقالية (2012) وأمكن لـ«ثوار كتيبة الزنتان» التي كان يقودها من أسر سيف الاسلام نجل القذافي، واحتفظ به سنوات في الأسر. وأفيد أن الجويلي طلب مغادرة الدبيبة بشكل سلمي، «لتجنيب طرابلس الحرب والخسائر، بسبب انتهاء ولايته وفق القانون واتفاق جنيف». وحسب موقع «إرم نيوز» كانت أغلب الكتائب المسلحة «غير متشبثة ببقاء الدبيبة بشكل قوي».
ومن أجل فرض نفسه على رأس الحكومة، تحالف باشاغا، مع غريميه السابقين في الشرق عقيلة صالح وخليفة حفتر. أما في طرابلس، فأبرم باشاغا اتفاقًا مع الميليشيات، بما في ذلك كتيبة «النواصي» وهي جماعة مهمة في العاصمة. وخارجيًا، كان هذا التحالف المناهض للدبيبة مدعومًا من عدة دول من بينها فرنسا وروسيا ومصر والإمارات. وعلى الجانب المقابل، يحظى الدبيبة، وهو أيضًا من مواليد مصراتة، بدعم من ميليشيات هذه المدينة، بالإضافة إلى جماعات طرابلس، وكذلك تركيا والجزائر وإيطاليا. وتوقع مراقبون أن يؤدي فشل التحالف غير الطبيعي، الذي شكله باشاغا مع اللواء حفتر إلى نهاية طموحاته. غير أن الأخطر من ذلك، برأي خبراء عسكريين ومُحللين للشؤون الدفاعية، أن الأسلحة ستستمر بالتدفق على الفرقاء الليبيين في الشرق كما في الغرب. وسينتهي الأمر ببعض الأسلحة التي تستلمُها أوكرانيا، إلى أماكن غير متوقعة من بينها ليبيا، وفي أيدي جيوش وميليشيات أخرى، على المدى البعيد. من هنا تشكل الأسلحة الأوكرانية مصدر خطورة على أمن ليبيا ومنطقة الساحل عموما. ويستدل الخبراء على ذلك بأن الأسلحة التي كانت موجودة في البلقان العام 2012 انتهى أمرها إلى بنغازي. وفي تقدير سياسيين ليبيين لا يمكن علاج هذه المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إلا بإنهاء المراحل الانتقالية وإجراء الانتخابات، وصولا إلى الاستقرار. ومع نهاية مهمة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز يوم 31 الشهر الماضي، توقع البعض عودة ليبيا إلى الفوضى، إذ لم ينجح مجلس الأمن الدولي في الاتفاق على اسم ممثل خاص للأمين العام في ليبيا، بعد اعتراض أمريكا الصريح على ترشيح وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم، في إطار مواجهة أشمل بين واشنطن وموسكو. وعلى الرغم من أن مجلس الأمن سيعقد جلسة الاحاطة الخاصة بالملف الليبي، يوم 24 الجاري، تليها مشاورات جديدة، من المستبعد أن تُسفر هذه الجلسة عن قرارات حاسمة، بالنظر لحدة الصراع في المجلس بين روسيا وأمريكا، وإن لوحظ أن البلدان الأفريقية تدفع بقوة لكي يكون الموفد الخاص الجديد إلى ليبيا من القارة الأفريقية.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
وعلى المستوى الشعبي زاد من تفاقم الاحتقان والقلق، تفجّر فضائح فساد بشكل يكاد يكون يوميا، في أجهزة الدولة، بالرغم من رصد مليارات الدينارات لإصلاح قطاع الصحة العمومي وصيانة محطات الكهرباء وبناء أخرى، إلى جانب دعم السلع الغذائية والوقود. وكانت آخر القضايا المثيرة للجدل، في هذا المضمار، توجيه النائب العام أمرا بحبس سفير ليبيا لدى إيطاليا، وهو ممثل لحكومة الوحدة الوطنية الموقنة برئاسة الدبيبة. وتجدر الاشارة هنا الى أن الغزو الروسي لأوكرانيا في منتصف شباط/فبراير الماضي، ساهم في تفاقم هذه الأزمات المُتراكبة، إذ أكد تقرير حديث للبنك الدولي، أن أسعار المواد الغذائية في ليبيا ارتفعت بشكل ملحوظ، وبخاصة أسعار الدقيق. كما تجدر الاشارة أيضا إلى أن أكثر من نصف استهلاك الحبوب يأتي من أوكرانيا وروسيا، فليبيا تستورد 54 في المئة من قمحها و62 في المئة من شعيرها و69 في المئة من محاصيلها من الذرة من أوكرانيا وروسيا، وهي إحدى دول الشرق الأوسط، إلى جانب مصر ولبنان واليمن وتونس، التي تعتمد بشكل كبير على المُنتجات الغذائية الروسية والأوكرانية. وبحسب أحدث البيانات التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة، تستورد ليبيا نصف استهلاكها السنوي من القمح المقدر بحوالي 1.3 مليون طن، من أوكرانيا وروسيا.
ويرى خبراء أن تعدد الأزمات في ليبيا، وتأثيرها في أكثرية القطاعات، يؤديان في الغالب إلى تهميش مسألة الأمن الغذائي، إذ تفاقمت أزمة القمح بسبب تداعيات الحرب الأهلية والجفاف والتصحر وجائحة كورونا. ولوحظ أن ليبيا بدأت، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في البحث عن أسواق بديلة لإمدادها بالقمح، لاسيما الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين ويوروغواي، لكنهم يؤكدون أيضا أن مثل هذا الانعطاف يستغرق وقتا طويلا، وأن ارتفاع الأسعار لا مهرب منه، بسبب مسافات الشحن الطويلة وارتفاع أسعار الوقود. والأرجح أن هذه الضغوط ستجعل سلاح الدبيبة، المتمثل بشراء الاستقرار الأمني والاجتماعي بإجراءات ذات صدى شعبي، سلاحا غير قابل للاستمرار فترة أطول، خاصة أن ليبيا لم تستطع الاستفادة من الارتفاع العالمي لأسعار النفط، بسبب غلق الحقول والموانئ النفطية، الذي استمر لمدة ثلاثة أشهر، اعتبارا من نيسان/ابريل الماضي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن ليبيا حازت على الرتبة الأولى أفريقيا من حيث احتياطاتها الأجنبية، على مدار أكثر من نصف قرن، بحسب تصنيف جديد للبنك الدولي. ووفق التصنيف بلغ حجم احتياطات ليبيا أكثر من 84 مليار دولار، ما بوأها المركز الأول، بينما حلت جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية وبلغت احتياطاتها 57 مليار دولار، وحلت الجزائر ثالثة باحتياطات قُدرت بأكثر من 56 مليار دولار. من هذه الزاوية يُنظر إلى الصراع الدائر بوطيس حام بين الدبيبة وباشاغا، في معركة كسر عظم، تُشجعها وتُغذيها قوى خارجية، ومن أخطر نتائجها إرجاء الحل السياسي، والإبقاء على مصير البلد مُرتهنا بين أيدي الجماعات المسلحة، بالرغم من التراجع النسبي لنفوذها.
رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر: شكوك في ليبيا.. وجلسة إحاطة يوم 24 أغسطس

شددت الصين على أن قضايا ليبيا واليمن وأوكرانيا تتطلب من مجلس الأمن الدولي الاستفادة من أدواته للعب دور صحيح في حلها، وذلك خلال رئاسة بكين المقررة للهيئة الأممية في أغسطس الجاري.
ولفت الممثل الدائم للصين ورئيس مجلس الأمن لشهر أغسطس تشانغ جون، اليوم الأربعاء، لى «الوضع في اليمن .. بينما لا تزال هناك شكوك في ليبيا، كما تتواصل الأزمة الأوكرانية، لذا فإن كل هذه القضايا ستتطلب من مجلس الأمن الاستفادة بشكل جيد من أدواته ولعب دوره الصحيح في ضوء الظروف المحددة لكل صراع وكل دولة»، متعهدًا بصفته رئيس مجلس الأمن بالعمل عن كثب مع جميع أعضائه، كما نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء.
إحاطة بمجلس الأمن حول ليبيا يوم 24 أغسطس
وأكد الدبلوماسي الصيني أن بكين ستعمل خلال رئاستها مجلس الأمن على تعزيز الحوار والمشاورات والتعاون بين جميع الأطراف المعنية للحد من التوترات وتسوية المشاكل المستعصية.
وخلال ترأس الصين الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في شهر أغسطس، ستكون هناك جلسة إحاطة مفتوحة حول الوضع في ليبيا بمجلس الأمن يوم 24 من هذا الشهر تعقبها جلسة مشاورات مغلقة بين الدول الأعضاء.
مجلس الأمن يمدد ولاية البعثة الأممية في ليبيا 3 أشهر
ومدد مجلس الأمن الدولي ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتفويض قصير الأجل لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من الأول من أغسطس حتى 31 أكتوبر المقبل، للمرة الخامسة بسبب الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول إدارة البعثة.
وتعد الصين من الدول المتحفظة منذ البداية على تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، المستقيلة من منصبها، مستشارة للشؤون السياسية للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، وطالبت بإصدار تكليف واضح لمهمتها وهو موقف تشاركه مع حليفتها روسيا.
تونس: أخطر ما ستقود إليه نتائج الاستفتاء تقسيم البلد والشعب إلى موالين ومناوئين
رشيد خشــانة – لم تأت الأرقام المعلنة رسميا عن نتائج استفتاء 25 تموز/يوليو الماضي في تونس، بمفاجآت كبرى، فالفصل 139 من الدستور الجديد لا يتضمن أي فرضية للرفض أو لكيفية التعاطي مع أي حالة خارج الموافقة. من هنا أتى توصيف غالبية المحللين لما جرى في تونس على أنه مبايعة للرئيس قيس سعيد (64 عاما) فغالبية التونسيين لم يقرأوا المشروع المعروض عليهم، قبل الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وبالتالي فقد منحوا أصواتهم إلى قيس سعيد، لأنهم كانوا يرون فيه مرآة تعكس آمالهم، وخاصة في مكافحة الفساد. لكن اقتصار نسبة المشاركة على 30 في المئة من الناخبين المسجلين فقط، حسب الأرقام الرسمية، كسر تلك المرآة، بالرغم من تعبئة جميع وسائل الدولة الإعلامية والإدارية والأمنية، بشكل مُناف للقانون، من أجل “إنجاح الاستفتاء”. ولم تجد الهيئة العليا للانتخابات من الشجاعة ما يكفي لتقول لرئيس الدولة إنه ارتكب خطأ، فأنحت باللائمة على التلفزيون الرسمي الذي بث الكلمة، ما أفقدها نهائيا المصداقية والشفافية.
الأغرب من ذلك أن الرئيس سعيد، الذي كان يُفترض أن يكون قدوة في احترام القانون، خرق مقتضيات الصمت الانتخابي، بتوجيه خطاب إلى التونسيين، عبر التلفزيون العمومي يوم السبت، بعد ساعات من سريان الصمت الانتخابي، لتحريضهم على التصويت بنعم. واستطرادا انهارت الثقة في الهيئة العليا للانتخابات، التي جعلها طوع بنانه منذ أمر بعزل رئيسها السابق وإعادة تشكيل قيادتها على نحو أفقدها المصداقية والحياد.
كان هذا المسار الاحتوائي مبنيا على المرسوم 117 الذي فوض الرئيس بموجبه كل السلطات لنفسه، بما فيها وضع اليد على المجلس الأعلى للقضاء، الذي أصبح أعضاؤه موظفين مُعينين من الرئيس. مع ذلك لم يعد ممكنا له أن يسوس البلد مثلما كان يفعل قبل الاستفتاء وسط مشروعية متآكلة ومهتزة، فيما الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية تضع طوقا حديديا حول رقبة الحكومة، التي ليست لها القدرة على التفاوض خارج الحدود المرسومة من الرئيس. وعن تضعضُع المشروعية في ضوء النتائج الرسمية للاستفتاء، تقول خبيرة القانون الدستوري سلسبيل القليبي “الدستور نصٌ حيويٌ للدولة كما للمجتمع، وضآلة عدد المقترعين ستكون لها مضاعفات، إن على طول عمره (الدستور) أم على مدى تقبُله من الطبقة السياسية”.
400 ألف صوت ما مصدرها؟
تغيرت ملامح المشهد السياسي منذ الزمن الذي فاز فيه سعيد بالرئاسة بنسبة 72 في المئة في تشرين الأول/اكتوبر 2019 (2.7 مليون صوت) فقد تآكلت اليوم كتلة مؤيديه لتصل إلى النصف. وبدا من المُريب أن 400 ألف صوت أضيفت إلى معسكر الـ”نعم” بعد غلق مكاتب الاقتراع، في العاشرة مساء، بالإضافة لغياب المراقبين من عدة مكاتب في مناطق نائية. واتسمت أعمال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ببُعدها عن الاستقلالية والحياد، ما جعل شركاء تونس الخارجيين، وأساسا الأمريكيون والأوروبيون، لا يترددون في التعبير عن قلقهم من تدني نسبة المشاركة والسياقات غير الطبيعية التي جرى فيها الاستفتاء. من ذلك أن وليم لورانس، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، رجح أن واشنطن ستقرر المزيد من خفض مساعدتها العسكرية لتونس، بعدما كانت خفضتها إلى النصف في وقت سابق. وبات الأمريكيون يربطون تقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية لتونس بمدى تقدم المسار الديمقراطي أو انتكاسه. ويُلقي هذا التلويح ببعض العقوبات ظلالا كثيفة على الموقف الأمريكي، الذي كان دوما الضامن لتونس لدى المؤسسات النقدية الدولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، ما يسر لها الحصول على قروض كثيرة في الماضي وبسلاسة.
أما اليوم، وبعد الاستفتاء، فنلحظ في كلام وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في بيانه يوم الجمعة الماضي، استخداما للعصا والجزرة، إذ أنه جمع بين التهديد المبطن والتلويح بحوافز إذا ما التزم سعيد بإعادة البلد إلى سكة الانتقال الديمقراطي. وفي السياق أكد السفير الأمريكي الجديد لدى تونس جوي هود، عند عرض برنامجه على لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، أنه سيسير على الخط نفسه، قائلا “سنفحصُ خطط المساعدات (لتونس) للتأكد من أنها مُطابقة لأهدافنا السياسية وقيمنا، مع المحافظة في الوقت نفسه على شراكتنا”. وزاد هود بشكل أوضح “سأستخدم كل وسائل التأثير الأمريكية من أجل الدعوة للعودة إلى حوكمة ديمقراطية، والتخفيف من آلام التونسيين، جراء الحرب المدمرة في أوكرانيا وسوء إدارة الاقتصاد (المحلي) والتقلبات السياسية”. أما وزيرة خارجية كندا التي زارت تونس قبل أيام، فحذرت من أن قمة المنظمة العالمية للفرنكفونية (54 دولة عضو) التي تستضيفها تونس في نهاية العام، ينبغي أن تُعقد في بلد يُجسد في أقواله وأفعاله مبادئ الإعلان التأسيسي للمنظمة، وهي الديمقراطية وحقوق الانسان، من أجل مسار انتقالي مُثمر.
تقسيم البلد إلى شعبين؟
وربما أخطر ما ستقود إليه نتائج الاستفتاء هو تعميق تقسيم البلد والشعب إلى موالين لسعيد في جانب، ومناوئين له ولمشروعه في الجانب الثاني. ومن القضايا التي كانت خلافية وحسمها دستور 2014 الذي شطبه سعيد، علاقةُ الدولة بالدين، إذ توافق الآباء المؤسسون في الدستور الأول للجمهورية (1959) إلى إيجاد صيغة واضحة وبسيطة، هذا نصها: “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها”. وقد رأى التونسيون، على اختلاف اتجاهاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية، ملامح هويتهم في مرآة هذه التوطئة. ولذلك تم تثبيت التعريف نفسه في الفصل الأول من دستور 2014. أما دستور قيس سعيد فعاد بالتونسيين إلى مناخات الجدل السابق العقيم، عن الفرق بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وفتح مجددا أبواب النقاش الذي طُوي منذ سنوات عن اللائكية.
وأدت الصيغة التي استعاض بها سعيد عن تلك الفقرة في دستوره الجديد، إلى مزيد من التقسيم والاستقطاب، خاصة في تحديد علاقة الدولة بالدين، إذ جاء في دستور سعيد أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف”. ولأن الرئيس سعيد لا يعتمد على مستشارين وخبراء، ويستبعد الكفاءات التي لا تُواليه، بمن فيهم الخبيران الدستوريان صادق بلعيد وأمين محفوظ، ارتكب كثيرا من الأخطاء التي هزت الثقة في مشروعه، وبخاصة بعد سن المرسوم 117 الذي فوض الرئيس لنفسه بموجبه كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، عن طريق المراسيم.
وكان سعيد كلف زميليه السابقين في كلية الحقوق بلعيد ومحفوظ بإعداد مسودة للدستور الجديد، ولما سلماه الوثيقة ألقى بها عرض الحائط، وسحب من جيب سترته مسودة بديلة أعدها بنفسه، واكتشف الناس أنها احتوت على 46 خطأ شكليا ومضمونيا، ما اضطره لتصحيحها. ورهانه الأساسي في مغامرة الهروب إلى الأمام هذه، هو الثقة بقدرته على فرض أمر واقع، مثلما يتصوره في مشروعه الموسوم بـ”البناء القاعدي” وإجبار الجميع على الخضوع له. لكن في ظلّ اتساع مساحة المعارضة للمسار والقطيعة الحاصلة بين النخب والرئيس، سيعمّق ذلك من الأزمة السياسية والاجتماعية، ويجعلهما مفتوحتين على كلّ أنواع الاحتمالات.
نحو انتخابات ديسمبر
والأرجح أن سعيد سيعمل في الفترة القريبة على وضع قانون انتخابي طبقا للدستور الجديد، وقد يُكلف لجنة من “الثقاة” بإعداده، ثم يُحرره بنفسه، بذريعة وجود استحقاقات مستعجلة. بهذا المعنى ستستأثر انتخابات 17 كانون الأول/ديسمبر باهتمام الرئيس، الذي باتت قاعدة حكمه فاقدة للشرعية، طالما أن الدستور الذي أقسم عليه وتعهد بالذود عنه لم يعد موجودا. من هنا سيتطرق الجدل في المرحلة المقبلة إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مثلما تطلب المعارضة، أو الاستغناء عنها. أما سعيد فينبني مشروعه على البقاء على سدة الرئاسة إلى ما بعد إجراء انتخابات الغرفتين الأولى والثانية، وصولا إلى تركيز نظام سياسي “جماهيري”. و”الجماهيري” مثلما كان يُعرف في عهد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، يقوم على “التصعيد” وليس على الانتخاب الحر والشفاف، فسعيد يمقت الديمقراطية التمثيلية، ويُبشر بنظرية جديدة ذات بُعد عالمي، لا تعدو أن تكون قولبة جديدة لـ”النظرية العالمية الثالثة” التي ابتدعها القذافي.
غير أن مشاريع الرئيس لا تجد آذانا صاغية لدى النخب، الجديد منها والقديم، فتراها تنزل إلى الشارع احتجاجا ولا تُعير اهتماما لخطاباته. وكانت انتقادات مكونات المجتمع المدني النابض بالحركة، لا تقل راديكالية عن موقف أحزاب المعارضة، التي تجمعت في كتلتين كبيرتين، بالإضافة لاتحاد النقابات العمالية، الذي انكسرت جرة التفاهم معه مُذ شعر أن سعيد يريد تهميشه وقصقصة أجنحته. ويزداد هذا الأمر خطورة مع انطلاق مفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، الذي اشترط أن تكون النقابات الكبرى مطلعة وموافقة على أي خطوات تخطوها الحكومة على طريق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. ويقول الخبير في العلوم السياسية لوك دوباروشي إن أكبر خطأ ارتكبه سعيد أنه بينما النار تلتهم جدران البيت، كان هو ينظر في الاتجاه الآخر. كان مهووسا بوضع دستور جديد على المقاس يمنح صلاحيات غير محدودة لرئيس الجمهورية، الذي يُسمي رئيس الحكومة ويعزله من دون الرجوع إلى البرلمان. وهو رئيس لا يُساءل ولا يُراقب طالما أنه يُجمع كل السلطات في قبضته. من هنا أتت التحذيرات، في الداخل والخارج، من نزول البلد درجات جهنم، وصولا إلى إرساء حكم استبدادي جديد، يعود بالبلد إلى أزمة شاملة، شبيهة بتلك التي قادت إلى تنحية زين العابدين بن علي 2011-1987.
المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
تعريف:
تأسس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا في جوان - يونيو 2015 في تونس، وهو أول مركز من نوعه يعمل بكل استقلالية من أجل تعميق المعرفة بليبيا في جميع المجالات والقطاعات، ويرفد بالمادة العلمية جهود المجتمع المدني في ليبيا لإقامة الحكم الرشيد، المبني على التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان . مؤسس المركز: الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة يقوم المركز بنشر مقالات وأوراق بحثية بالعربية والأنكليزية والفرنسية، ويُقيم مؤتمرات وندوات علمية، وباكورة نشاطاته ندوة حول "إسهام المجتمع المدني في إعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي بليبيا" يومي 5 و6 أكتوبر 2015 بتونس العاصمة.
موقع "ليبيا الجديدة"
موقع إخباري وتحليلي يبث الأخبار السريعة والتقارير السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن ليبيا، ديدنُه حق المواطن في الإعلام، ورائدُه التحري والدقة، وضالتُه الحقيقة، وأفقهُ المغرب العربي الكبير. يتبنى الموقع أهداف ثورة 17 فبراير ومبادئها السامية ويسعى للمساهمة في بناء ليبيا الجديدة القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.