بن قردان_assabah__أحبطت أمس الاثنين قوات الأمن الداخلي والجيش الوطني مخططا إرهابيا مرعبا كان يستهدفوفق كل القراءاتالسيطرة على معتمدية بن قردان الواقعة على الحدود التونسية الليبية وإعلانها إمارة داعشية، من خلال هجمات مسلحة متزامنة على ثلاثة محاور إستراتيجية وحساسة تتمثل في الثكنة العسكرية الواقعة بمنطقة جلال الواقعة على بعد 3.5 كيلومترات عن بن قردان المدينة ومنطقتي الأمن والحرس الوطنيين، ومداهمة منازل عدد من الأمنيين واغتيال اثنين منهم، قبل أن تتطور العملية إلى مواجهات مسلحة، ومطاردات داخل مواطن العمران والاحياء ومحاصرة منزل تحصن به آخر الفلول وانتهت بسيطرة قواتنا العسكرية والأمنية الباسلة على الوضع وتصفية عدد من الإرهابيين وإيقاف البقية اضافة الى استشهاد عدد من المدنيين بينهم طفلة واستشهاد أعوان من الامن والحرس والجيش والديوانة وسقوط عدد من الجرحى.

اهتزت في الساعات الأولى من فجر أمس الاثنين مدينة بن قردان على صدى إطلاق نار كثيف أعقبه تحليق لطائرات مروحية وعسكرية في سماء الجهة ثم إعلام أمني عبر مكبرات الصوت بالبقاء في المنازل وعدم مغادرتهافتواتر أخبار مقتضبة حول وفاة مدنيين وأمنيين ومصرع إرهابيين..

كل هذه الأحداث المتواترة في حيّز زمني قصير جدا تركت المواطنين في حيرة من أمرهم حول ما يجري في الجهة، الى ان اكتشفوا الحقيقة مع طلوع شمس يوم جديد.. يوم خط ساعاته بالسواد والدماء، بالخيانة للوطن، ولكن ايضا بالبطولة والشهامة والشهادة في سبيل الدفاع عن الارض.. وأمن الوطن والمواطن..

سبعة مواطنين عزّل نالوا الشهادة بعد ان قتلهم الارهابيون بينهم طفلة وتلميذ وحارس وموظف بالمعتمدية وعدد من اعوان الجيش والحرس والأمن والديوانة استشهد عدد منهم اثناء المواجهات وهم يدافعون عن حرمة الوطن، مقبلون غير مدبرين، وآخر (عون الديوانة) كان في طريقه الى مقر عمله عندما اعترضه ارهابيون وانزلوه من السيارة وقتلوه بالرصاص ثم فروا بسيارته وآخران قتلا في منزليهمافيما أصيب آخرون بطلقات نارية بينهم مواطنان وعون ديوانة يدعى رامي المكشر الذي تلقى طلقا ناريا في الساق أمام منزله بطريق صيّاح.. 

هذه الأحداث الماراطونية في ظرف ساعات قليلة طرحت عدة أسئلة حول المخطط الذي حاول الإرهابيون تنفيذه.. وايضا حول اختيار المكان والزمان.. ولماذا بن قردان بالذات، وفي هذا الوقت تحديدا؟

المخطط..

أكدت مصادر أمنية لـ»الصباح» ان معلومات أمنية واستخباراتية توفرت اثر عملية صبراطة التي نفذتها طائرات عسكرية أمريكية على منزل يتجمع داخله عشرات الإرهابيين جلهم تونسيون، مفادها وجود مخطط داعشي لاحتلال مدينة بن قردان وإعلانها إمارة داعشية من خلال هجمات متزامنة على أماكن حساسة دون تحديدها ثم تسهيل توافد عدد كبير من الدواعش التونسيين خاصة المتواجدين في ليبيا هربا من الضربة العسكرية المنتظرة على داعش ليبيا.

مصادرنا أضافت ان المصالح الأمنية والعسكرية اولت هذه المعلومات العناية اللازمة وأجرت تحريات مكثفة تمكنت في أعقابها من القضاء على أربعة إرهابيين في بداية الأسبوع الفارط فيما فجر إرهابي خامس نفسه وفر البقية قبل أن يتم إثر عمليات تمشيط واسعة النطاق حجز سيارات بعضها مجهزة بسلاح مضاد للطائرات، وبالتوازي مع ذلك توفرت معلومات إضافية عن إمكانية تسلل عشرات الارهابيين يوم الأربعاء الفارط عبر الصحراء من ليبيا إلى تونس وإمكانية تخفيهم في بن قردان، إضافة إلى تواتر معطيات استخباراتية عن تواجد الإرهابيين الخطيرين مفتاح مانيطة وعادل الغندري والمعز الفزاني بالجهة استعدادا لتنفيذ أعمال إرهابية وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى نشر بلاغ تفتيش أكيد عنهم يوم السبت الفارط.

مانيطة أول قتلى الإرهابيين

ووفق مصادر أمنية مختلفة فإن ما بين ستة وسبعة إرهابيين هاجموا في وقت متزامن منطقة الأمن الوطني ومجموعة مماثلة تقريبا هاجمت منطقة الحرس الوطني فيما هاجمت مجموعة تضم عددا أكبر من الإرهابيين ثكنة الجيش الوطني بمنطقة جلال، وقامت عناصر أخرى باقتحام عدد من منازل الأمنيين واغتيال اثنين منهم واعتراض سبيل عون ديوانة وقتله إضافة إلى إطلاق آخرين النار عشوائيا على عدد من المواطنين مما أدى إلى استشهاد عدد منهم وإصابة آخرين.

إطلاق نار مفاجئ

أمام منطقة الأمن الوطني ببن قردان بادر اثنان من الإرهابيين أحدهما مفتاح مانيطة بإطلاق النار على الأعوان والمقر فتجند الأعوان للدفاع عن أنفسهم من داخل المقر ومن أعلى سطح المبنى قبل أن ينضم إليهم –وفق مصدرناعون حرس التحق بهم عبر إحدى النوافذ حال سماعه إطلاق النار وأيضا رئيس مركز الأمن الوطني ببن قردان المدينة وعون آخر بعد تفطنهما لما يحدث رغم أنهما لم يكونا مباشرين للعمل، فتمكنوا من قنص الإرهابي الخطير مفتاح مانيطة وقتله قبل أن يقتلوا إرهابيا آخر يرحج أنه جزائري أو ليبي الجنسية ثم فتحوا وابلا من الرصاص على الإرهابيين المتحصنين داخل سيارة «الستافيت» فأصابوا السائق ما دفعهم إلى ترك السيارة «الملغمة» بالأسلحة والفرار، وقد قام الأعوان بسرعة بتأمين السيارة داخل مقر المنطقة في انتظار قدوم مختصين في المتفجرات.

استشهاد 3 أعوان حرس

وأمام منطقة الحرس الوطني ببن قردان باغت الإرهابيون في نفس التوقيت مجموعة من الأعوان كانوا يحرسون المقر الأمني بوابل من الرصاص ما أدى إلى استشهاد الطليع سفيان بن أحمد وهو أول الأمنيين الذين استشهدوا قبل أن يستشهد اثنان آخران من زملائه، ويلتحق بهم أعوان من حرس المرور تم استهدافهم بينما كانوا داخل سيارة، بينما رد بقية الأعوان الفعل بشكل سريع وتمكنوا بعد فترة من تبادل إطلاق النار، من تصفية ثلاثة أو أربعة إرهابيين فيما فر البقية نحو شوارع وأحياء المدينة بعد قدوم تعزيزات كبيرة من الوحدات الخاصة والطلائع ووحدات التدخل والقوات العسكرية.

الجيش «يفتك» بالمهاجمين

وفي منطقة جلال، حاول عدد كبير من الارهابيين الهجوم على ثكنة الجيش الوطني، إلا أن جنودنا البواسل كانوا في حالة استنفار قصوى، وتمكنوا من صد الهجوم الارهابي وقتلوا عددا من الارهابيين وألقوا القبض على عدد منهم جرحى فيما استشهد أحد الجنود، وبالتوازي مع هذه الهجمات المتزامنة نفذ عدد من الارهابيين مداهمات لمنازل أمنيين بالجهة ما أدى إلى استشهاد اثنين منهم إضافة إلى إطلاق النار على عوني ديوانة ما تسبب في استشهاد أحدهما.

مطاردة.. قتل.. وشهادة

إثر ساعات من تبادل إطلاق النار واستغلال الارهابيين لسيارة اسعاف سرقوها من المستشفى وسيارات رباعية الدفع للفرار، وصلت تعزيزات أمنية وعسكرية كبرى إلى مدينة بن قردان تم تعزيزها بغطاء جوي للاسناد والتوجيه ما دفع عددا كبيرا من الارهابيين إلى التفرق وتبادل إطلاق النار مع الاعوان على طريقة «حرب الشوارع»، إلا أن قواتنا الامنية والعسكرية سرعان من سيطرت على الوضع وتمكنترغم استشهاد عدد من عناصرها بينهم عونان بالفوج الوطني لمكافحة الارهاب وإصابة آخرينفي عمليات أمنية مختلفة بمناطق المعمرات والعامرية وجلال والخروبة والطابعي والغرياني ووسط المدينة وتحديدا على مقربة من مركز حرس المرور من القضاء على عشرات «الدواعش» بالرصاص إثر ملاحقتهم أو إثر تفجير منزل تحصن به قياديون، من بينهممبدئيا وفي انتظار إجراء التحاليل الجينيةالارهابيون مفتاح مانيطة والمعز الفزاني وعادل الغندري (رغم وجود أنباء عن إلقاء القبض عليه حياالملاحقين من مصالح وزارة الداخلية والقبض على عدد آخر بعضهم جرحى، وحجز كمية كبيرة من الاسلحة الحربية (بنادق»كالاشينكوف» وقنابل»أر بي جي» وبندقية قنص) ومخازن ذخيرة سلاح «كالاشينكوف» ورمانات يدوية وصواريخ «ستينغر» وألغام وغيرها من الاسلحة وأزياء عسكرية) بعضها كانت بحوزة الارهابيين القتلى أو الموقوفين وأخرى اكتشفت داخل 3 مخازن  بالجهة.

 القضاء على 36 إرهابيا..18 شهيدا

تونس (وات)- ارتفعت حصيلة المواجهات بين القوات الأمنية والعسكرية ومجموعات إرهابية، التي جدت أمس في بن قردان من ، ليصل عدد الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم إلى 36 ، فضلا عن القبض على 7 آخرين، حسب بلاغ مشترك لوزارتي الداخلية والدفاع الوطني.
وتتواصل العملية الأمنية والعسكرية،التي انطلقت منذ فجر أمس الإثنين بمدينة بنقردان واستشهد خلالها 18 من أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية ومن المدنيين إضافة إلى إصابة 13 آخرين.

 الطليع سفيان بن أحمد أول شهداء الأمن

علمت «الصباح» أن الطليع بالحرس الوطني سفيان بن أحمد شهر الضاوي هو أول شهداء المؤسسة الامنية الذين سقطوا في عملية بن قردان أمس، والشهيد سفيان عمره 25 سنة وهو أصيل معتمدية ملولش من ولاية المهدية، وقد كان رفقة زملائه البواسل يؤمنون منطقة الحرس الوطني ببن قردان عندما فاجأهم الارهابيون بوابل من الرصاص، ومن المنتظر أن تشيع جنازته اليوم بمسقط رأسه.

 هكذا تم قنص الارهابي مفتاح مانيطة

أكد مصدر أمني مطلع في اتصال مع «الصباح» أن القيادي الارهابي مفتاح مانيطة كان أول قتلى الارهابيين الذين تمت تصفيتهم خلال صد الهجوم الارهابي على منطقة الأمن الوطني ببن قردان، بعد أن تم قنصه من سطح المنطقة الأمنية وإصابته في العين، ومانيطة إرهابي خطير ومحل عدة مناشير تفتيش لفائدة المصالح الامنية والقضائية للاشتباه في مسؤوليته عن عدة عمليات إرهابية جدت بلادنا، وهو أصيل معتمدية بن قردان من مواليد غرة فيفري 1977، تسلل منذ مدة إلى ليبيا حيث انضم إلى معسكرات داعش وتدرب على استعمال مختلف الأسلحة قبل أن يتسلل إثر عملية صبراطة إلى بن قردان رفقة عشرات الارهابيين على مراحل استعدادا لتنفيذ هذا الهجوم، إلا أنه ومن معهم منيوا بفشل ذريع بفضل الوقفة الحازمة لقواتنا الأمنية والعسكرية.

 حكاية حذاء عسكري ملطخ بالدماء كشف مخطط تسلل الإرهابيين

كشف مصدر مطلع لـ«الصباح» أن مواطنين عثروا منتصف الأسبوع الفارط على حذاء عسكري وبداخله جوارب ملطخة بالدماء متروكة في أحد الانهج فأشعروا السلط الأمنية وهو ما يوحي وفق نفس المصدر بإمكانية تسلل عدد من العناصر الارهابية حينها إلى بن قردان قادمين من ليبيا ومن بينها على الأرجح عنصر مصاب بطلق ناري في الساق.

 لماذا بن قردان؟

هذه الأحداث الماراطونية طرحت كما قلنا في بداية المقالعدة أسئلة حول المخطط الذي حاول الارهابيون تنفيذه.. وايضا حول اختيار المكان والزمان.. ولماذا بن قردان بالذات، وفي هذا الوقت تحديدا؟ وحول هذه الأسئلة أكدت مصادر مختلفة بينها أمنية في اتصال مع «الصباح» أن المجموعات الارهابية المنتمية لما يعرف بتنظيم الدولة (داعش) ومنذ تضييق الخناق عليها في العراق وسوريا ثم التصدي لهم في ليبيا، خططوا منذ مدة لاحتلال جانب من ولايتي مدنين وتطاوين لتركيز أنفسهم ثم تلقي الدعم من الحاضنة، ولكن لم يتوقع أن تنفذ العملية الآن، ولكنودائما وفق نفس المصادرفإن تسريع تنفيذ عملية بن قردان جاء على خلفية ضربة صبراطة.

وفي هذا الإطار قال الخبير الأمني مازن الشريف إن الارهابيين اختاروا بن قردان بالذات باعتبارها منطقة حدودية استراتيجية ولوجود بعض الخلايا الارهابية النائمة داخلها رغم أن جل متساكني هذه الربوع لا ولاء لهم إلا للوطن، مضيفا أن الارهابيين أرادوا تحويل الانظار إثر عملية صبراطة والتأكيد على أنهم يتحكمون في «جغرافية الصراع»، مؤكدا على أن الارهابيين وجل المهربين «نسيج واحد» في الارهاب.

تعليقات