ذكر مراسل وكالة الأناضول التركية للأنباء في تونس صفوان قريرة في تحليل نشر يوم 4 يناير الجاري أن هشاشة الروابط القائمة بين جماعة “بوكو حرام” الناشطة في بلدان حوض بحيرة تشاد (الكاميرون ونيجيريا والنيجر وتشاد) بالقارة الأفريقية، وتنظيم “داعش“، إضافة إلى “التزام” الغرب بالتصدّي للإرهاب بشكل عام، وفقا لمصادر متطابقة، جميعها عوامل تجعل من إمكانية مدّ الجسور بين التنظيمين أمرًا “غير وارد“، بحسب ليون كونوغو، مؤلف كتاب “بوكو حرام.. الكاميرون في مواجهة التحدّيات“.
ووصف سيمون تيسدال، الصحفي بيومية “الغارديان” البريطانية في مارس الماضي، في مقال استشرافي، “تحالف داعش وبوكو حرام” بأنه “ليس سوى دعاية سطحية“، مضيفًا أنّ “التحالف بين التنظيمين لا يمكن أن تكون له تداعيات آنية ومباشرة على التعاون والعمليات المشتركة على الأرض، بل، إنّ هذا التقارب يمكن أن يكون، في واقع الأمر، مجرّد طلب للمساعدة، نظرًا لسلسلة الهزائم التي طالت بوكو حرام“.
وفي مارس من العام الماضي، أعلنت، “بوكو حرام“، ولاءها لـ “داعش“، هذا التنظيم الذي كان، حينذاك، في ذروة قوّته، حيث تمكّن من بسط نفوذه على مناطق شاسعة في كلّ من سوريا والعراق.
وبالنسبة لـ ليون كونوغو، يكمن استبعاد فرضية التقاطع أو مدّ الجسور بين التنظيمين ، قبل كلّ شيء في طبيعة الولاء المعلن، ذي الصبغة “الانتهازية البحتة“، إلى جانب توقيته، بما أنه “يأتي في وقت بدأت فيه إستراتيجية الحرب المشتركة بين البلدان(الأفريقية الأكثر تضررًا من هجمات بوكو حرام) تدخل جزئيًا حيّز التنفيذ“.
تنسيق
ويرى كونوغو أن خلال الفترة نفسها انطلق التعاون العسكري بين الكاميرون وتشاد بعملية “لوغون“، وذلك عبر إرسال نجامينا لوحداتها إلى شمالي الكاميرون، لمساعدة القوات الكاميرونية على التصدّي لهجمات، “بوكو حرام“، التي أثقلت هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع نيجيريا، معقل المجموعة المسلّحة، تعاون عسكري مماثل، مكّن القوات التشادية من التدخّل في الأراضي النيجيرية واسترجاع السيطرة على بعض المواقع المحتلّة من قبل “بوكو حرام“.
وقال كونوغو “لم يمض لصالح المجموعة النيجيرية، ما دفعها إلى إعلان ولائها لـ “داعش“، وإلى تغيير أسلوب قتالها، فمن حرب شبه نظامية لوحظت منذ يناير 2015، عادت “بوكو حرام” إلى الهجمات التقليدية المرتكزة على التفجيرات الانتحارية، ما يمنح قناعة شبه راسخة بأنّ ولاء المجموعة المسلحة لداعش لا يستبطن ولا يعني زيادة لقوّتها“.
ويضيف قريرة أن التقاطع الظاهري بين التنظيمين يرجعه بعض المراقبين إلى الهزائم التي لحقت بـ “داعش” في كلّ من سوريا والعراق، ففي أواخر ديسمبر الماضي، أطردت عناصر التنظيم من مدينة الرمادي وسط العراق من قبل القوات العراقية مدعومة بنظيرتها الأمريكية، هذا بالإضافة إلى التدخل العسكري الروسي، منذ نهاية سبتمبر الماضي في سوريا، واضعا “مسح” هذا التنظيم من على الخريطة، هدفا له، ومن هذا المنطلق، بدأت المخاوف من أن تتحوّل ليبيا، –التي افتتحت فيها “داعش” أول فرع لها في يونيو 2014-، إلى قاعدة خلفية للإرهاب الداعشي بمعية “بوكو حرام“.
وذكر المحلّل النيجيري، يعقوب زان، في مقال له بمجلة “ذو سانتينال” الصادرة عن مؤسسة “جيمس تاون“، ومقرها واشنطن بالولايات المتحدة ، أنّ عددا يتراوح بين 80 إلى 200 عنصر من “بوكو حرام“، يرجح وصولهم إلى سرت الليبية، معقل “داعش“، استنتاج تدعمه تقارير صحفية نقلتها، على وجه الخصوص، صحيفة “نيويورك بوست“، أشارت من خلالها إلى أنّ “الآلاف من المشتبه بهم وقع إيقافهم، بينما كانوا بصدد مغادرة نيجيريا“، متّجهين، على الأرجح، نحو ليبيا.
ويعتر سيناريو مدّ الجسور “مرعبا“، على حدّ تعبير الخبير الكاميروني، بما أنّ المنطقة بأكملها تنتصب على قاعدة خلفية للإرهاب الدولي، وأنّ جميع القرارات المتخذة في إطار التصدّي لهذه الآفة، ستأخذ مصالح الغرب بعين الاعتبار، مضيفا أنّ المخاوف من حدوث التقاطع والتقارب مع منظمات إرهابية أخرى، تجد سندها في انتهازية تلك المجموعات، التي لا تستبعد أيّ حلول من أجل تحقيق مآربها، فبالنسبة لتنظيمات مثل “داعش” و“القاعدة“، تعتبر من العلامات التي يمكن أن تستثمر من أجل إقامة شراكات بأهداف دنيئة“، بحسب كونوغو، ما يمكن أن يقود إلى “تحالفات تمليها الظروف والمصالح“.
معطيات تظلّ هشّة بالنسبة للخبير الكاميروني، ولا تمثّل أرضية صلبة من أجل مدّ الجسور بين “بوكو حرام” و“داعش“، يضاف إليها الموقف الغربي، وخصوصا الفرنسي، حيال مسألة الإرهاب بشكل عام، فـ “باريس أنشأت قاعدة عسكرية في “ماداما” شمالي النيجر على الحدود مع ليبيا، وهي قاعدة متقدّمة لعمليتها العسكرية “برخان“، ما يعني، من الناحية الجغرافية، أنّ هذه القاعدة تماما مثل التراب النيجري بأكمله، تقع تحت سيطرة العملية الفرنسية، ما يعني أن جميع هذا المجال الجغرافي يدخل ضمن نطاق المنطقة العازلة“، هذا إضافة إلى إرسال واشنطن، منتصف أكتوبر الماضي 300 جندي إلى شمالي الكاميرون، من أجل القيام بمهام استخباراتية ومراقبة واستطلاع جوي، في إطار التصدّي لهجمات “بوكو حرام“.
وعلى هذا الأساس، يتابع المحلل أن في ظل تصاعد قوة “برخان“، ودخول التحالف الأفريقي المشترك للتصدي لـ “بوكو حرام” حيّز التنفيذ، إضافة إلى استئناف التعاون العسكري المجمّد في 2014 بين القوى الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا)، ونيجيريا، وتنفيذ مبادرة “مجموعة الـ 5″ لبلدان الساحل الأفريقي بشأن تبادل المعلومات والاستخبارات، فإنّه “من الصعب حدوث أي تقاطع بين الفصائل المتشدّدة الناشطة في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية“.
ويبقى هذا السيناريو مستبعدا بالنسبة للخبير الذي ختم حديثه، مشيرا إلى أنّ “إستراتيجية الحرب الشاملة في إطار شبه إقليمي، إلى جانب التدخل الفرنسي– الأمريكي، لا يفسحان المجال لمدّ الجسور بين القوى المتشدّدة، علاوة على إدراك الغرب تماما لخطورة حدوث سيناريو مماثل“.