قال لأصدقائه: سأقوم بعمل يقف له العالم... سأحرق نفسي
قال لأصدقائه: سأقوم بعمل يقف له العالم… سأحرق نفسي

قبل أن يُكتب فصل جديد في تاريخ الشعب التونسي، يوم 17 كانون الأول / ديسمبر 2010 على رصيف الباعة المتجولين، في ولاية «سيدي بوزيد»، حين أحرق الشاب محمد البوعزيزي جسده، فتحول إلى كرة لهب، التهمت معها أنظمة، كان مفجر الثورة التونسية، قد بشّر أصدقاءه، بيوم «سيقف فيه العالم له».
لسعد البوعزيزي، الذي رافق محمد في سوق الخضار، يروي كيف كان صديق الرصيف، قبل أن يقرر إحراق جسده بعد أن صفعته شرطية حاولت مصادرة بضاعته، حيث لا اهتمامات سياسية له، عدا أنه «شهم»، يكسب قوت يومه، في سبيل حياة كريمة.
قبل الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 كانون الثاني / يناير 2011، عمل لسعد، في سوق الجملة للخضار، كحمّال بـ7 دنانير (3 دولارات أمريكية)، ومن ثم مراقب بباب السوق، على الرغم من شهادته الجامعية، قبل أن يعمل بوظيفة حكومية بعد الثورة.
لسعد الذي نظم ورفاق له، أول مسيرة احتجاجية بعد حادثة البوعزيزي، بيوم واحد، يقول: «كنا مجموعة قبل الثورة منخرطين بالحزب الديمقراطي التقدمي (الجمهوري حالياً)، نعتصم مطالبين بالحريات وغيرها من المطالب».
«
وفي أحد الأيام، وبالتحديد قبل 3 أشهر من الثورة، جاءتني مجموعة من أقارب البوعزيزي، من منطقة الرقاب (بمحافظة سيدي بوزيد)، صادر لهم أحد البنوك، أراضي فلاحية، فاعتصمنا، وشارك معنا محمد في هذا الاعتصام». ويضيف «على الرغم من أن محمد شارك معي في فعاليات سياسية، إلا أننا لا يمكن أن نقول أن له أفكاراً سياسية، أو أنه اختار الانتماء لحزب معين، لكنه هدد بحرق نفسه لو داهمت الشرطة اعتصامنا هذا». ويتابع: «كان البوعزيزي يقول لأصدقائه في سوق الخضار: سأقوم بعمل يقف له العالم، وسمعت منه كلمة أحرق نفسي في العديد من المرات».
يعتبر لسعد (46 عاماً)، أحد أهم قادة الثورة في سيدي بوزيد، وناضل في اتحاد الشباب الشيوعي التونسي (تابع لحزب العمال)، ومنذ عام 2004 انخرط في الحزب الديمقراطي التقدمي، بقيادة واحدة من أبرز معارضي نظام بن علي، المحامي نجيب الشابي، وتعرض للسجن عدة مرات، بينها على خلفية الانتماء لهذا الحزب.
يُعرف نفسه، أنه أول الذين انتبهوا بأن حرق البوعزيزي، بات بمثابة «فرصة لفضح النظام الديكتاتوري لابن علي»، ولذلك نظم هو ورفاقه، أول مسيرة، بعد الحادثة بيوم، أمام مقر محافظة سيدي بوزيد. ويمضي قائلاً: «قبل أن يحرق نفسه ب4 ساعات، التقيت به في باب سوق الجملة للخضار، فحيّاني بشدة وخرج ببضاعته».»بعد وقت قليل، أبلغني صديق أن محمد أحرق نفسه أمام مقر المحافظة، وعندما وصلت إلى المكان، وجدت أن أهله وأشخاصاً آخرين، حملوه إلى المستشفى». يكمل ضيفنا : «عندما وصلنا أردنا نقل العملية بالفيديو، لنشر فضيحة النظام، وتمكنا من ذلك، رغم رفض الشرطة، وقمنا بتوزيع المادة المصورة على وسائل إعلام مختلفة». ويستطرد: «بحسب من رأى محمد، كان يهدد بالحرق، وقد سكب البنزين على جسده، قبل أن يشعله بقداحته، فالتهمت النار جسده».
يوم الحادثة، يقول المتحدث، إن نشطاء دعوا لمسيرة احتجاجية، لكن لم تحدث، واكتفوا بإلقاء الحجارة والبيض على مقر المحافظة، إلا أنه في اليوم الثاني، خرجت مسيرة ولأول مرة رفعنا شعار «التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق»، وكان أحد النشطاء ويدعى محسن دعموني، أول من رفع شعارات ضد عائلة أصهار بن علي (الطرابلسية).
يسرد لسعد تفاصيل تلك الايام قائلاً: «يوم 18 كانون الأول / ديسمبر 2011، تكونت لجنة للمتابعة في اتحاد الشغل (المركزية النقابية)، لم تكن لنا فيها ثقة، فكوّنا مجموعة من النشطاء تحت مسمى، لجنة المواطنة، لمتابعة التحركات على خلفية هذه الحادثة. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أحياء «النور الغريب»، و «أولاد بلهادي»، و«الفرايجية»، و»الرفالة»، بالمحافظة، تتحرك ليلاً، وسط تساؤلات من قبل النظام، حول تنسيق هذه التحركات التي قادها شباب من هذه الأحياء الفقيرة، وفق المتحدث نفسه.
تواصلت تحركات لسعد ورفاقه، حيث نظموا يومي 22 و23 من الشهر نفسه، مسيرتين احتجاجيتين، بالمحافظة، وفي اليوم الأول وصل إليهم محمد البراهمي والحبيب الحمدوني (حقوقي) لمؤازرتهم، قبل أن ينتقلوا إلى مكان ما للحديث عن «الانتفاضة»، كما يقول لسعد.
وبحسب لسعد، توسعت التحركات في المحافظة، فدخلت يومي 23 و24 كانون الأول / ديسمبر، إلى منطقة منزل بوزيان، وقتل فيها الشاب محمد العماري، الذي منعت السلطات آنذاك، أهله من تقبل العزاء، قبل أن يقتل شوقي الحيدوري في نفس المنطقة، يوم 25 من الشهر نفسه. ويتابع: «وصلنا خبر وفاة محمد البوعزيزي، يوم 4 كانون الثاني / يناير 2011، حاولنا الخروج، فمنعتنا قوات الأمن من الوصول للشارع الرئيسي في المحافظة، إلى أن وصل جثمانه فخرجت كامل سيدي بوزيد في جنازته إلى مقبرة لسودة (على بعد أكثر من عشرة كلم من منزله)».
ويردف بقوله: «يوم 10 كانون الثاني / يناير، وبعد خطاب بن علي الثاني، تم اقتحام منزلي، ليلاً، وتم إيقافي ومجموعة أخرى من الشباب، بتهمة إشعال البلاد، قبل أن يلقي محمد الغنوشي (وزير أول آنذاك)، خطاباً يوم 12 من الشهر نفسه، ويعلن فيه إطلاق سراح جميع المعتقلين، وإقالة عبد العزيز بن ضياء (مستشار سياسي لدى بن علي) ورفيق الحاج قاسم (وزير الداخلية). أما يوم 13، وبعد خطاب بن علي، الثالث، كان هناك حشد كبير من الناس، بالليل، يطالبون برحيل بن علي إلى أن أُعلن في اليوم التالي عن رحيل زين العابدين».

تعليقات