bkm_saleh (1)

تحذيرات من لجنة الخبراء في الامم المتحدة
بالكوارث القادمة في ليبيا اذا لم يحصل حلا للازمة

المعركة بين الخير والشر معركة ازلية، بدأت منذ بدء الحياة البشرية فوق الارض، ولن تنتهي الا بانتهائها، وخلق الله قوة مندورة للشر والدمار وجلب الضرر والبلاء، هي الشيطان، واعطاه رخصة ابدية سرمدية، لاداء مهمته الابليسية، الى ان يرث الله الارض ومن عليها، باعتبار ان الحياة الدنيا ليست مكانا للسعادة مثل فراديس السماء، وانما دار اختبار وكدح ايها الانسان، انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه، وبالمقابل فقد اعطى الله الانسان أمانة العقل، وهي الأمانة التي عرضها الله على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها، واشفقن منها، وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا، ولا وجود في الكون لعبقرية غير عبقرية النص الالهي، يمكن ان تجعل الذم والتعزير، الذي حملته كلمتي ظلوما جهولا، تحملان اكبر معاني التبجيل والاكبار، وهما وسامان يضعهما الخالق العظيم على جبين الكائن البشري.

واذا كان في هذا الكلام شيء من البديهيات، فاننا نحتاج للتذكير بها، لان الانسان ينسى، وربما حقا ما يقال بانه ما سمي الانسان انسانا الا لنسيانه، واعتقد انه تتجلى في الحالة الليبية، منذ ان تفجرت ثورة 17 فبراير ضد نظام الطغيان، صورا كثيرة من صور الصراع بين الخير والشر، في اكثر حالاتها وضوحا وقوة في التعبير والبلاغة، وكان مؤسفا ان هذه الثورة التي اظهرت المعدن الاصيل للشعب الليبي، وسالت فيها دماء الشهادة زكية طاهرة، بكرم وسخاء، تسفر نتائجها عن هذا الوجه الذي ظهر مليئا بالبتور والنذوب والتشوهات والقبح.

وفي حين كان الشعب الليبي يتطلع الى بناء دولة مدنية، تزدهر فيها الحريات، وينتهي فيها القمع الذي كان سائدا على مدى اربعة عقود ونيف، وينعم فيها المواطن بخيرات بلاده التي كان الحاكم  المعتوه، يهدرها بسفه على الارهاب والجماعات المارقة في العالم اجمع، عشية ان تحقق التحرير وتقوض النظام الاستبدادي وتوجت المعركة ضده بالنصر، اذا بقوى شريرة تسيطر على البلاد، وتدخل في دوامة من العنف والاجرام، والتسلط وحكم العصابات المسلحة، التي فتحت الباب فيما بعد للعائدين من افغانستان يؤسسون قاعدة للقاعدة، ويدعون رفاقا لهم من اهل التطرف، ويلحق بهم فريق اخر اكثر تشددا يؤسس داعش، وتصبح البلاد ارضا مفتوحة، لعصابات اخرى محلية ودولية، لا تقتصر على الارهاب الديني والسياسي، وانما تضم عصابات تتاجر بالبشر والسلاح والمخدرات.

خمس سنوات من الاحتراب والفوضي وغياب القانون والتهجير القسري، عاشها الشعب الليبي وهو ينتظر ان يرى نهاية لالامه ومعاناته، الى ان استفحلت الحالة الليبية استفحالا كبيرا واصبحت مصدر توتر وقلقل لشعوب العالم، وشرور كثيرة تفيض على دول الجوار، وتصل الى دول اوروبا، التي تطل على البحر الابيض المتوسط في ضفته الشمالية، هنا ارتفعت الضغوط الدولية، وازدادت وتيرة المساعي التي بذلتها البعثة الاممية، وبذلتها دول الجوار العربي، وبذلتها دول الاتحاد الاوروبي، من اجل ان يصل الليبيون الى مصالحة تضمن ايقافا لحالة الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد.

هناك الان حل معروض على الطاولة، توصلت اليه الاطراف الليبية بقيادة المندوب الاممي السيد برناردينو ليون، وهو الان في نهاية ولايته، ويامل ان يصل الى اقرار الوثيقة النهائية للمفاوضات التي قادها، وحكومة الوحدة الوطنية التي انتهى اليها الحوار، قبل ان يسلم ملفات الازمة الليبية الى خليفته الالماني السيد كوبلر.

وبرناردينو ليون نفسه يقول ان هناك توافقا من كل الاطراف على مخرجات الحوار، على الاقل من حيث المبدا، ولا وجود لاختلافات جوهرية، وانما تعديل بسيط في بعض المسائل الشكلية والاجرائية، وهو قول له ما يبرره، وظهرت به تصريحات لمتكلمين باسم الكيانات السياسية الليبية مثل البرلمان وجماعة فجر ليبيا والحراك السياسي في مصراته واغلبية المنتمين الى المؤتمر الوطني العام السابق.

نعم، هناك تيار قوي يؤيد الوصول الى اتفاق يخرج البلاد من ازمتها، ويضعها على طريق المصالحة وبناء المؤسسات، وهو تيار يدعمه مالا يقل عن تسعة اعشار الشعب الليبي، ولكن هناك ايضا اصوات ترتفع باعلان العداء للمصالحة، والمجاهرة بتخريب اي جهد للوصول الى سلام، ويحتجون على بعثة الامم المتحدة لانها لا تتمتع بالنزاهة والامانة، وانها اداة لتنفيذ اجندة اجنبية، وانها ذات تحيز لجهات دون اخرى، خدمة لمصالح قوى استعمارية وامبريالية، وهو كلام لا يخدم قضية الوطن، ولا يفعل سوى ان يضع العصي في دواليب المصالحة والسلام، ويعمل على استمرار حالة الفوضى، ربما لصالح جماعات لا تستطيع ان تعيش الا في هذا المناخ، الذي يغيب فيه القانون، وتغيب فيه سلطة الدولة، ويبفى المجال فسيحا لاهل الجريمة، عصابات المافيا المحلية والدولة، تعمل دون حساب ولا عقاب.

ولابد هنا من ان ندق ناقوس الخطر، لان كل التقارير تقول بان حجم الجريمة في البلاد يزداد بوتيرة يومية وسريعة، وعمليات سطو تتم كل  دقيقة في العاصمة، وعمليات خطف تتم بنفس المعدل، وقتل على الهوية ،  وصار صعبا ان ينتقل الناس بين  المناطق وبين المدن، وان البلاد في حالة انهيار يستفحل كل يوم، البطالة تزداد، والخزانة العامة على وشك الافلاس، والناس يفرون من البلاد الى حياة خارجها، كلها ضنك ومعاناة،  واذا لم يصل اهل الحراك السياسي، الى اقرار مشروع الحل الموجود الان على الطاولة، وحكومة الوحدة الوطنية التي تم اقتراحها، فان الوطن سيضيع، ضياع  قد لا يعود بعده الى ان يكون وطنا.                      

اللهم انني قد بلغت، اللهم فاشهد…..

تعليقات