يتوافد الليبيون بأعداد كبيرة على تونس، سواء للسياحة أو للانتفاع بالبعض من الخدمات على رأسها العلاج. واتخذ ليبيون كثر من تونس بلدا للاستقرار فيه، واختارت نسبة هامة منهم اقتناء عقارات تستفيد منها فترة إقامتهم بالبلد. وتضاعف كثيرا عدد الليبيين المقيمين في تونس خاصة مع التحولات السياسية التي عاشتها المنطقة منذ العام 2011.
يسمح القانون لليبيين بامتلاك عقارات في تونس على غرار بقية جنسيات بلدان المغرب العربي وفرنسا. وفيما تتحدث مصادر عن زيادة في عدد أملاك حاملي الجنسية الليبية في البلاد، لا تتوفر معطيات رسمية كافية يمكن أن تعطي صورة دقيقة للوضع. وقال جمال العياري، حافظ الملكية العقارية في تونس، في تصريح لـ”العرب”، إنه منذ شهر أكتوبر الماضي تم تسجيل 12 عقارا ليبيا فقط في المصالح التابعة للإدارة التي يشرف عليها.

ورجح العياري أن تكون هناك عقارات أخرى على ملك ليبيين في تونس لكن ليست مسجلة ضمن بيانات إدارة الملكية العقارية، مشيرا إلى أن الوكلاء العقاريين هم من يملكون إحصائيات دقيقة حول عدد عقود الشقق والمنازل على ملك الليبيين باعتبارهم أحد الأطراف الرئيسية في عملية البيع والشراء. وأصدرت إدارة الملكية العقارية تعميما على مصالحها في 31 أكتوبر 2016 يتعلق بإعفاء الليبيين من رخصة الوالي عند اقتناء عقارات بتونس، في إطار تفعيل اتفاقية التوطين المبرمة بين تونس وليبيا التي صدرت عام 1961 وتمت المصادقة عليها في يونيو 1962.

وجاء في مذكرة إدارة الملكية العقارية أنه “مراعاة لمبدأ المعاملة بالمثل، وفي إطار دفع جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين ولأجل تحقيق التطابق بين بيانات السجل والوضعية الواقعية للعقارات، فقد تقرر إعفاء الليبيين من رخصة الوالي التي كانت مشترطة مسبقا في العمليات العقارية”. وصدر بخصوص رخصة الوالي منذ الاستقلال أمر علي ينص على أن كل عملية بيع عقار في تونس يجب أن تتم بترخيص من الوالي وقد تم إلغاء هذا الشرط بالنسبة إلى التونسيين مقابل انسحابه على الأجانب.

وفي عام 2011 ومع موجة قدوم الليبيين إلى تونس هربا من الأوضاع الأمنية غير المستقرة هناك، أصبحت وزارة المالية، نظرا للأعداد الكبيرة للوافدين الليبيين، ترفض تسجيل عقود العقارات بالقباضات المالية من قبل الليبيين وهو ما ترتب عليه رفض إدارة الملكية العقارية تسجيل العقارات بسجلاتها. وأصدر حافظ الملكية العقارية نهاية السنة الماضية مذكرة تحدد شروط تسجيل شراء المواطنين الليبيين لعقارات سكنية في تونس، “في إطار حماية المواطن التونسي وخاصة الطبقات الوسطى والضعيفة ولتوفير الموارد المالية الضرورية لخزينة الدولة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به بلادنا” كما جاء في نص المذكرة.

واشترطت المذكرة رخصة محافظ البنك المركزي وما يفيد ضمان التحويل الذي يسنده البنك المركزي للمقتني على ضوء تمويل عمليات الشراء بالعملة الصعبة، بالنسبة للمواطنين الليبيين غير المقيمين في تونس. وبخصوص المواطنين الحاملين لبطاقة إقامة سارية المفعول، يجب أن تتوفر بالملف موافقة البنك المركزي التونسي على تموين الحسابات الخاصة بمحصول البيع الصافي المحتمل للعقار إذا كانت عملة العقد غير الدينار التونسي.

وتحرص إدارة الملكية العقارية على أن يمس الحق في ملكية المساكن ومقاسم البناء في إطار برامج الإسكان الاجتماعية التي تستفيد منها الطبقة الوسطى محدودة الدخل من التونسيين. وأضافت المذكرة “خاصة بالنسبة للعقارات التي اقتضى تمويل شرائها من قبل المالك التونسي منحه امتيازات ضريبية (مشروع تمويل المسكن / المساكن الاجتماعية…) أو تنازلات على حساب موارد الميزانية (مساكن الشركة الوطنية للنهوض بالمساكن الاجتماعية، تقاسيم الوكالة العقارية للسكنى…)”. ولا يسمح القانون التونسي بتسجيل عقود شراء عقارات رسميا لفائدة حاملي الجنسية الليبية يقل ثمن البيع فيها عن 200 ألف دينار أو يكون موضوعها أرضا بيضاء.

وقال فهمي شعبان رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين في تونس، في تصريح لـ”العرب”، إنه في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء وغلاء الأسعار بشكل عام وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن التونسي “تناسبنا كباعثين عقاريين الإجراءات الحكومية الأخيرة في سياق تسهيل اقتناء الليبيين للعقارات في تونس بما يضمن حركة في قطاع العقارات”. ويعيش قطاع العقارات في تونس مشاكل صعبة بسبب غلاء أسعار مواد البناء الأساسية، حيث نتج عن ذلك ارتفاع كبير في أسعار الشقق والمساكن مما جعل امتلاك مسكن حلما بالنسبة للكثير من التونسيين.

وأكد شعبان أن عدم تشدد التشريعات التونسية أمام الأجانب الراغبين في شراء منازل في تونس يساعد في تعزيز موارد الدولة التونسية من العملة الأجنبية وهو ما يساعد أيضا على التخفيف من حدة أزمة اقتصادية ومالية حادة تعيشها تونس خلال السنوات الأخيرة. وأشار شعبان إلى أن البعض من الليبيين اشتروا منازل وشققا ثم اتبعوا الإجراءات القانونية لتسجيلها وتثبيت ملكيتها، “لكن نسبة هامة اقتنت عقارات دون أن تكمل إجراءات تسجيلها رسميا”. ويرى أن تونس خسرت فرصا كثيرة منذ العام 2011 في مسألة بيع العقارات للليبيين “فالعديد من الليبيين اتجهوا إلى بلدان أخرى لامتلاك عقارات بها من بينها مصر وتركيا”.

وحاولنا الحصول على أرقام بخصوص عدد العقارات في تونس التي تعود ملكيتها إلى ليبيين، لكن الأمر لم يكن ممكنا في غياب معطيات رسمية دقيقة. ويهدد عدم تسجيل العقارات في السجلات الرسمية هذه الأملاك إذ تصبح عرضة للتحايل والنصب، ويمكن أن يتعرض العقار للبيع مرتين من قبل المالك الأصلي بما أنه غير مسجل من قبل الليبي الذي اشتراه، كما يمكن أن تصبح تلك العقارات رسوما مجمدة.

وفي تصريح سابق، قال جمال العياري إن هناك أكثر من 300 قضية منشورة بالمحكمة الإدارية بخصوص عدم تسجيل عقود شراء لعقارات من قبل مواطنين ليبيين. ولم يكن بوسع القباضة المالية قبل 2016 تسجيل هذه العقود مما حرم خزينة الدولة من 6 بالمئة من كلفة كل عقد حسب حافظ الملكية العقارية. وأكد العياري أن تسجيل هذه العقود انطلق منذ بداية 2016، بعد منشور صادر عن وزير المالية آنذاك، مما سمح للقباضة بتسجيل هذه العقود.

وتقدر نسبة تسجيل العقارات بـ 6 بالمئة، منها 5 بالمئة لفائدة القباضة المالية و1 بالمئة لفائدة إدارة الملكية العقارية. يشار إلى أنه توجد اتفاقيات توطين مماثلة مع المغرب والجزائر وكذلك النيجر وفرنسا. وانتقدت أطراف إجراءات تسهيل امتلاك العقارات للأجانب. وقالت جمعية “فورزا تونس” إن “قرار الحكومة برفع شرط رخصة الوالي سيساهم في ارتفاع أسعار العقارات التي باتت خارج المقدرة الشرائية للشعب التونسي الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة”.

وتم إحداث إدارة الملكية العقارية في يوليو 1885، وأصبحت في العام 1970 مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية بمقتضى قانون صدر العام 1970 ويتعلق بضبط قانون المالية لعام 1971. ومع توسيع صلاحيات وزارة أملاك الدولة (أحدثت العام 1990) في العام 1991، ألحقت إدارة الملكية العقارية بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. وتتمثل مهام إدارة الملكية العقارية في أربع وظائف: تسجيل وتحرير عقود العقارات والإعلان عنها وحفظ الوثائق.

تعليقات