د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث ليبي

 

«ليبيا و(فبراير) والسبع العجاف»، قد يكون أقرب توصيف للحالة الليبية بعد سبع سنوات من معاناة الشعب الليبي من تعثر أو فشل انتفاضة فبراير التي حدثت على نظام شمولي لم ينجح طيلة أربعين عاماً في إحداث نقلة نوعية للشعب الليبي، تجعله في مصاف الدول المتقدمة لما للبلاد من ثروات ضخمة كانت تؤهلها لذلك.
كانت انتفاضة فبراير فرصة تاريخية لليبيين، لكن للأسف لم تُستثمر، بل أجهضت، وكانت -بدون مبالغة- أكثر قسوة من النظام السابق، بعد أن أوصلت المواطن الليبي إلى ضنك العيش، وأهدرت كرامته بشتى أنواع الأزمات حتى طالت رغيف الخبز.
بعد مرور سبع سنوات في ليبيا لم يتحقق شيء من أهداف ما يسميها أصحابها «ثورة»، التي لم يتفق عليها أي فريق شارك فيها، ولا يستطيع أحد الزعم بأنه يعرفها، ليبقى السؤال: هل فعلاً تخلصنا من الظلم والفساد والديكتاتورية؟
عقب أي «ثورة» يصبح تحقيق مبدأ العدل والأمن، هو مفتاح الحرية، ومن أهم ما يواجه بناء الدولة، فلا يمكن أن تستقيم الحياة عامةً والسياسية خاصةً ما لم يتوفر العدل والأمن، خصوصاً أن هناك جزءاً من الشعب يعيش في العراء والخيام، مهجراً ونازحاً، بسبب سياسة العقاب الجماعي وتوريث الجرم، كما هو حاصل مع سكان مدينة تاورغاء، فبعد سبع سنوات ولد جيل في المخيمات لم يشهد ثورتي «فبراير» ولا «سبتمبر»، ولكنه يدفع ثمن الثارات بينهما طوال هذه السنوات السبع العجاف.
فشل «انتفاضة فبراير» قد يكون مرده إلى أسباب عدة؛ منها أن ليس جميع من خرج في «حراك فبراير 2011» كان يريد إنهاء الظلم وإسقاط طاغية وبناء دولة مدنية؛ بل كان الكثيرون يريدون الوصول إلى كرسي الحكم وممارسة دور الطاغية بدلاً منه، لذا تناهش التدخل الخارجي ليبيا، وألب جماعات الإسلام السياسي ودعمها دعماً كبيراً ضد إرادة معظم الليبيين الذين لا يريدون لبلدهم أن يحكم من قبل هذه الجماعات، ونقلت هذه الجماعات صراعها الشخصي بشوفونية ونرجسية إلى صراع استخدم فيه الشعب تحت شعارات مختلفة، خصوصاً ممن كانوا زمناً طويلاً في المعارضة، الذين سقط جلهم بمجرد سقوط القذافي، فلم يصمدوا طويلاً، بل اتضح أن أغلبهم مجرد منافسين للقذافي لا معارضين حقيقيين يبحثون عن مصلحة الوطن، فبمجرد أن جاء بعضهم إلى دائرة الحكم بعد سقوط القذافي، طفقوا في جمع المال والرحيل بمجرد سماع طلقات رصاص بجانب مكاتبهم، أو بعد أن طالت سياراتهم المصفحة رصاصات طائشة، فلم يثبتوا أي قدر من التضحية للنهوض بالوطن، حتى بالبقاء داخله، في دولة أسقطها تحالفهم المسبق مع «حلف الناتو»، فلم يسقط نظام القذافي فقط؛ ولكنه أسقط دولة، ومزق وطناً وشرد شعباً كان في أسوأ الظروف آمناً في وجود «ديكتاتورية» مستقرة. فيما احتمى آخرون وهم جماعة الإسلام السياسي بالمال القطري والدعم التركي لتثبيت أقدامهم في طرابلس ومصراتة.
فشل مجلس الأمن وحلف الناتو الذي عسكر «الثورة» بقرارات «حماية» المدنيين في إيجاد بديل آمن للشعب عن الميليشيات المؤدلجة، بالخروج المبكر بمجرد انتهاء العمليات العسكرية، من دون أي خطة دولية لجمع السلاح والتخلص منه وتفكيك الميليشيات وإعادة استيعاب أفرادها في المؤسسة العسكرية ومؤسسات الشرطة، مما تسبب في صعود الإسلام السياسي لسد الفراغ السياسي والعسكري والأمني بميليشيات مؤدلجة تحاكي «حزب الله» اللبناني. فتعدد مشارب ومطالب الخارجين وغاياتهم، كان السبب في اختلافهم بمجرد سقوط عدوهم المشترك القذافي، وكان السبب في انحراف مسار «انتفاضة فبراير» أنها استبدلت بطاغية طغاةً جدداً، ولهذا كفر بها جل من خرجوا معها يومها مؤيدين، فخيبة الأمل كانت حاضرة باستمرار حتى في من ظنوهم يوماً ثواراً ضد القذافي، ليس فقط من جماعة «الإسلام السياسي»؛ بل حتى ممن أظهروا تأييداً للدولة المدنية، مما تسبب في حنين البعض لـ«طاغية» بدلاً من «مجموعة طغاة» جدد همهم الجلوس على كرسي الحكم لا غير.
فـ«فبراير» اليوم ليست هي التي حلم بها الليبيون مخرجاً من دولة الفرد المستبد؛ بل أصبحت مجرد تاريخ يحمل معه حزمة من الهموم والذكريات والحوادث المؤلمة.

تعليقات