في السنوات الأخيرة، وقع الكثير من المهاجرين واللاجئين الأفارقة الذي استطاعوا الوصول إلى ليبيا في الأسر. (صورة من الأرشيف التقطت في منطقة الكارم بمصراته يوم 9 مايو 2015 لمهاجرين غير شرعيين في انتظار نقلهم إلى مركز احتجاز آخر)

 

إنهم في الأساس نساء وأطفال! فقد وصلت أول دفعة من اللاجئين ذوي الحاجة الماسة إلى الحماية يوم الأربعاء الماضي 4 أبريل إلى سويسرا، قادمةً من معسكرات الإعتقال بليبيا.

لقد كان هذا الإستقبال جزءاً من خطة الطوارئ التي وضعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ولكن دعنا نلقي نظرة على رد فعل المجتمع الدولي على أزمة المهاجرين في ليبيا. ففي نهاية العام الماضي، أذاعت محطة سي ان ان الإخبارية الأمريكية تقريراً حول اللاجئين الأفارقة الذين يتم بيعهم في سوق للرقيق بليبيا، أثار السخط على مستوى العالم أجمع. وفي أعقاب ذلك كثف الإتحاد الأوروبي ومنظمة الهجرة الدولية من عمليات إجلاء اللاجئين عن البلد الشمال إفريقي.

من جهتها، أعلنت سويسرا في ديسمبر الماضي عن مشاركتها في خطة الطوارئ التي قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوضعها، والتي سيتم بموجبها إجلاء آلاف الأشخاص من معسكرات الإعتقال الليبية.

في السياق، صرحت وزيرة العدل سيمونيتا سوماروغا أن سويسرا سوف تستقبل 80 لاجئاً ممن هم في حاجة ماسة للحماية. وقد وصفت ذلك بأنه “إجراء إنساني فوري”، يبرره الوضع الكارثي في ليبيارابط خارجي. وفي يوم الأربعاء 4 إبريل 2018 وصلت أول طائرة إلى سويسرا، تحمل على متنها أربعين لاجئاً. وهم – طبقاً لتقرير منظمة الهجرة الدولية – 34 بالغاً وأربعة أطفال ورضيعَان. وبحسب تصريح أمانة (أو كتابة) الدولة للهجرة، فإن أغلبهم من النساء العازبات، المفتقرات للحماية، واللاتي تم إجلاؤهن في مرحلة أولى من ليبيا إلى النيجر.

من جهة أخرى، صرحت أمانة الدولة للهجرة لـ swissinfo.ch أن الكنفدرالية قد تباحثت مع الكانتونات بشأن تسكين اللاجئين. وطبقاً لما هو معمولٌ به في سويسرا، فإنه سيتم وضع اللاجئين تحت رعاية السلطات الفدرالية لبضعة أيام فقط، قبل توزيعهم وفق النسب المتفق عليها على مختلف الكانتونات.

في الأثناء، ترغب دول أوروبية أخرى في استقبال أعداد من اللاجئين في إطار خطة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، أوضح فينسان كوشوتيل، المبعوث الخاص للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمختص بالوضع في حوض البحر المتوسط، أنه قد تم إجلاء 1300 شخص حتى الآن. وقد نُقل 312 منهم إلى إيطاليا وأعداد قليلة إلى رومانيا. أما أغلبية من تم إجلاؤهم حتى الآن، فهم موجودون حالياً في النيجر، حيث سيتم الإعداد لنقلهم من هناك في وقت لاحق.

تعذيب وانتهاك
في السنوات الأخيرة، تكبّد مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين مشقة السفر عبر دول أفريقيا نحو ليبيا. وكان بعضهم يرغب في البقاء في ليبيا، إلا أن أغلبهم كان يحدوهم أمل الوصول إلى أوروبا. “حوالي نصف مليون شخص قاموا بالعبور في السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد فقد عشرة آلاف منهم حياتهم في أثناء تلك المحاولة”، هكذا يقول تقريررابط خارجي أصدرته منظمة العفو الدولية في شهر ديسمبر 2017. “وهناك نصف مليون شخص آخر، إن لم يكن أكثر، لايزالون عالقين في ليبيا حالياً”.

من بين هؤلاء الذين حُوصروا في ليبيا، يُقدر وقوع حوالي 20 ألف مهاجر ولاجئ في أسر معسكرات الإعتقال التابعة لقسم الإستخبارات بوزارة الداخلية الليبية. وقد تم إنشاء هذه المعسكرات للسيطرة على تدفق المهاجرين نحو ليبيا. وطبقاً لتقرير منظمة العفو الدولية، فإن هناك عدة آلاف آخرين يقبعون في معسكرات غير رسمية، تديرها مليشيات وعصابات إجرامية. وفي كلتا الحالتين “يتم اعتقال أناس بصورة مخالفة للقانون وتحت ظروف غير إنسانية، كما يتعرض هؤلاء لتعامل وحشي وغير إنساني ومُهين، ويُعاقبون بطرق شتى، منها العنف الجنسي”. وقد اتهمت العفو الدولية الحكومات الأوروبية آنذاك بـ “التواطؤ”.

طبقاً لمنظمة الهجرة الدولية، تمكن 17 ألف شخصاً من مغادرة معسكرات الإعتقال بليبيا منذ تكثيف نسق العملية المشتركة في نهاية العام المنقضي. وقد عاد منهم 11 ألف شخصاً طوعاً إلى أوطانهم. ولا يزال 3500 شخصاً فقط قيد الأسر في معسكرات الإعتقال الرسمية. ومما لا شك فيه أن “كثيرين لا يزالون في قبضة الميليشيات”، بحسب قول فلورنس كيم، المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية لمنطقة غرب ووسط أفريقيا، إلا أنه من المستحيل الدخول إلى هذه المعسكرات.

لاجئون ومُهاجرون
في معسكرات الإعتقال الليبية، يتوقف الأمر على تصنيف المرء كمهاجر لأسباب اقتصادية أو كلاجئ. وتقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتحقق من اللاجئين، بينما تتولى منظمة الهجرة الدولية إعادة المُهاجرين طوعاً.

ولكن ما هي المعايير التي يصنف المرء وفقاً لها على أنه لاجئ مفتقر إلى الحماية؟ إن هؤلاء هم – بحسب تصريحات فينسان كوشوتيل – “ضحايا التعذيب، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية، والنساء العازبات، والقاصرون بدون مرافق، وكذلك الأشخاص ذوي العجز”.

“ولكن حالياً يفتقر الجميع تقريباً للحماية، إذن فالتعرض للخطر لم يعد معياراً في حد ذاته. فلابد لنا من التأكد ما إذا كان هؤلاء الناس لاجئين أم مُهاجرين. فلا يجب إجبار اللاجئين على العودة، وإلا أصبحوا مُعرّضين للتعقب أو للخطر”، كما يستكمل السيد كوشوتيل حديثه.

ولكن كيف تتأكد منظمة الهجرة الدولية من أن برنامجها لإعادة المهاجرين يقوم حقاً على أساس طوعي؟ توضح السيدة كيم أن المنظمة تعمل على “معرفة الناس بأن لديهم الخيار، وأن لا يُمارس عليهم أي ضغط نفسي. ولكننا نعلم في نفس الوقت أيضاً، أن برنامج الإعادة هو أحد الخيارات القليلة التي يمتلكونها لإنقاذ حياتهم”.

أوضاع مختلفة
تقول السيدة كيم إن “حوالي 80% من العائدين كانوا قد اعتقلوا في ليبيا”. أما أغلبية الراغبين في العودة فينحدرون من دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا، وغامبيا، وغينيا، وساحل العاج. وكان وضعهم الخاص يتوقف على تلك الدولة التي ينحدرون منها.

“على سبيل المثال فإن 70 إلى 80% من المهاجرين من ساحل العاج هم رجال ما بين سن الثامنة عشرة وسن الثلاثين، وأغلبهم متعلمون”، تصرح المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية لـ swissinfo.ch. “أما المهاجرون من نيجيريا فإن أكثرهم نساء، بخلاف الدول الأخرى، وحوالي 80 إلى 90% من تلك السيدات هن ضحايا لتجارة الرقيق”. فضلاً عن ذلك، هناك الكثير من القاصرين بدون مرافق.

تعتبر مساعدة هؤلاء المهاجرين في الاندماج في المجتمع أحد الجوانب الجديدة لبرنامج العودة الطوعية. ولا تعمل منظمة الهجرة الدولية في هذا الشأن مع الشخص المعني بالأمر وحده، وإنما مع المجتمع الذي ينحدر منه أيضاً. “إننا لا نترك العائدين وحدهم في برنامج العودة، بل نحاول أن نربطهم مع أناس آخرين”، كما توضح كيم، وتضيف “فإذا ما ساعدنا شخصاً ما في إنشاء مزرعة دواجن على سبيل المثال، فإنه قد يدير هذه المزرعة بالإشتراك مع عائدين آخرين. كما نحاول إشراك مهاجرين مُحتملين”. بذلك يُمكن تجنب حدوث توترات في بلدان المنشأ، على حد قول كيم.

المجيء إلى سويسرا
في سياق متصل، ستقوم سويسرا باستقبال المزيد من اللاجئين من مراكز الإيواء المؤقتة في النيجر.

وقد قام ممثلون عن أمانة الدولة للهجرة بإجراء بعض من المراجعات. فضلاً عن ذلك، تبحث المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن بلدان مُضيفة أخرى لاستقبال اللاجئين.

“إننا نلتمس من سويسرا وكذلك من دولٍ أخرى أوروبية وغير أوروبية استقبال المزيد من اللاجئين، لأنه يجب علينا التكفل بإجلاء أكبر عدد مُمكن من الناس من النيجر”، بحسب تصريحات السيد كوشوتيل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

تعليقات