رفض الفرقاء الليبيون الذين جمعهم أمس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، التوقيع على وثيقة مُلزمة لوضع الأزمة الليبية على سكة الحل، واستعاضت عنها الرئاسة الفرنسية بإعلان مبادئ مؤلف من ثماني نقاط. وأعلن ماكرون في ختام المؤتمر، الذي شارك فيه ممثلو عشرين بلدا، أن اتفاقا حصل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في العاشر من كانون الأول/ديسمبر المقبل، على أن يسبقها اعتماد مرجع قانوني للانتخابات قبل 16 أيلول/سبتمبر المقبل.
وأتى المؤتمر بعد عشرة شهور من اجتماع دعا إليه ماكرون الغريمين فائز السراج رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والمشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي» المُعين من البرلمان. لكن لا اجتماع العام الماضي ولا اجتماع أمس استطاعا كسر الجليد بين الرجلين، اللذين يرفض كل منهما الاعتراف بشرعية الثاني. وإلى جانب السراج وحفتر، شارك في اجتماع باريس رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إلى جانب وفود عدة ليس بينها مندوبون من مدينة مصراتة ذات الوزن السياسي المهم في المعادلة الليبية، والتي تسيطر قواتها على جزء كبير من غرب ليبيا.
وفيما دعت فرنسا دول الجوار الليبي إلى المؤتمر، بالإضافة لدول أفريقية معنية مباشرة بالصراع في ليبيا، لوحظ غياب ممثلين لأمريكا وبريطانيا وإيطاليا، منافسة فرنسا التاريخية على النفوذ في ليبيا. وسعى ماكرون لتدارك الأمر بثنائه مطولا على الدور الإيطالي في الكلمة التي افتتح بها المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع. وتوقع الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، أن تتجاوز المشاركة في الانتخابات المقبلة 50 في المئة، معتبرا أن هذا المؤتمر كرس تلاقيا بين إرادة الليبيين وطموح المجتمع الدولي. وأفاد ماكرون أن هناك اتفاقا على عودة الحكم إلى السلطات المدنية الشرعية بعد الانتخابات، في جواب على سؤال بشأن مصير القائد العسكري المسيطر على إقليم برقة (شرق) المشير حفتر.
وحاول مؤتمر باريس الالتفاف على الخلافات التي عطلت إجراء استفتاء على الدستور بالسماح بالانطلاق في المسار الانتخابي بناء على الإعلان الدستوري الصادر في 2011 إذا ما تعذر إجراء استفتاء لاعتماد مشروع الدستور الجاهز منذ السنة الماضية، مع تعديل القانون الانتخابي ليتلاءم مع الأوضاع المستجدة.
وحدد المؤتمر تاريخ 16 أيلول/سبتمبر حدا أقصى لتذليل العقبات القانونية أمام إجراء الانتخابات، في إطار ثمانية مبادئ وضعها المشاركون لكسر جمود الأزمة الليبية. واعتُبرت خريطة الطريق التي وضعتها باريس وصدق عليها شفويا الفرقاء الليبيون طيا لاتفاق الصخيرات في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي انبثق منه المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوفاق الوطني المُعترف بها دوليا.
غير أن تنفيذ خريطة الطريق الجديدة يبقى مرهونا بموقف قادة الكيانات المسلحة التي تقاسمت البلد منذ عام 2014، والذين لن يُسهلوا إجراء انتخابات ستُجردهم من نفوذهم.
ولم يتطرق مؤتمر باريس إلى كيفية جمع الأسلحة المنتشرة في كامل مناطق ليبيا، وخاصة في الجنوب حيث لا وجود للدولة بالكامل. وتضمن إعلان باريس أيضا تعهد الأطراف المشاركة فيه بقبول متطلبات الانتخابات التي عرضها الموفد الأممي غسان سلامة في 21 الجاري أمام مجلس الأمن، وأرجأ البحث في التفاصيل إلى «مؤتمر سياسي شامل» لمتابعة تنفيذ إعلان باريس. غير أن المشاركين لم يتطرقوا إلى ضرورة إبعاد الجماعات المسلحة عن المدن والمناطق المأهولة بالسكان، وهو شرط جوهري لإجراء انتخابات حرة وشفافة لا يتحكم في نتائجها أمراء الحرب ورؤساء شبكات التهريب. وجدد مؤتمر باريس أمس على لسان الفرقاء الليبيين الأربعة الالتزام «بالعمل على نحو بناء، مع الأمم المتحدة، من أجل إجراء انتخابات سلمية تتحلى بالمصداقية في أقرب وقت ممكن، والتقيد بنتائج الانتخابات بعد إجرائها». لكن هذا الالتزام يفقد معناه طالما أن الميليشيات هي التي تتحكم بالأوضاع، والسياسيون خاضعون لنفوذها بما فيهم حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة، اللذان لا يملكان جيشا ويعتمدان في المقابل على كيانات مسلحة متنفذة في العاصمة لضمان أمن رئيسيهما وأعضائهما.

رشيــد خشــانة

تعليقات