رشيد خشانة

في الوقت الذي أنهى اتفاق وقف إطلاق النار، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ثمانية أيام من المعارك الطاحنة في جنوب العاصمة طرابلس، اندلعت أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وفرنسا بعدما حمَل مسؤولون إيطاليون باريس المسؤولية عن الوضع الراهن في ليبيا. ودعا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج “قوة مكافحة الارهاب” من مدينة مصراتة إلى طرابلس لفرض الهدوء.

ودعمت الولايات المتحدة جهود البعثة الأممية التي جمعت الأطراف المشاركة في المعارك الأخيرة، وخاصة قرار السراج تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم ضباطًا من الجيش (وزارة الدفاع) والشرطة (وزارة الداخلية) اللتين يُعتقد أن القوات المتقاتلة تنتمي إليهما. وكُلفت اللجنة بمتابعة المعارك التي قد تشهدها مدينة طرابلس وتقويمها واقتراح التدابير الكفيلة بصد أي هجوم على العاصمة وضواحيها يهدد أمن المدينة وسلامة المدنيين. وتندرج هذه الخطوة في إطار تنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في الاتفاق السياسي بعد أكثر من عامين من التوقيع عليه.

أضرار فادحة

وأسفرت المعارك الطاحنة الأسبوع الماضي، التي استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والطائرات، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى وخلفت أضرارًا مادية فادحة في الممتلكات. وفي أعنف هجوم على فرنسا اتهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني باريس بالوقوف وراء الأحداث الأخيرة. وقال في تصريحات أدلى بها في أعقاب اجتماع حكومي في قصر كيجي في روما “إني أشعر بالقلق ومن الأكيد أن أحدهم يقف وراء ما يجري. مخاوفي هو أن طرفًا معينًا ولأسباب اقتصادية يجازف باستقرار وأمن شمال أفريقيا بأسره، وبالتالي بأمن واستقرار أوروبا”.

وكان كلامُه أوضح في تصريح أدلى به لصحيفة “إلجورنالي” (الجريدة)، إذ اعتبر أن “الفرنسيين مستمرون في التدخل في ليبيا بسبب المصالح الاقتصادية القومية والأنانية البسيطة، وتسببوا في وقوع كوارث في زمن القذافي، ويحاولون الآن مع (الرئيس إيمانويل) ماكرون الاستمرار في الخط نفسه”. وتعتبر اتهامات سالفيني أعنف هجوم يشنه مسؤول إيطالي على سياسة فرنسا في ليبيا. وويُعزى هذا الصراع إلى التنافس بين مجموعي “توتال” الفرنسية و”إيني” الايطالية، على استثمار النفط والغاز الطبيعي الليبيين، والذي يعود إلى سنوات خلت.

شرق غرب

وهناك خطر آخر يواجه ليبيا في المرحلة الراهنة، إذ تُواجه المؤسسة العسكرية الليبية شرخا كبيرا بين الشرق والغرب منذ اندلاع الصراع بين قوات الكرامة بقيادة خليفة حفتر، الذي عينه البرلمان لاحقا رئيسا للأركان، و”فجر ليبيا” المؤلف من جماعات مركزها مدينة مصراتة. وتسبب انهيار المؤسسة العسكرية، بعد سقوط نظام القذافي، بظهور مئات الجماعات المسلحة التي تتحكم في المدن والمعابر.

وفي خط مُواز يسعى كل من “القاعدة” و”تنظيم الدولة” إلى إثبات أنه مازال موجودا في ليبيا وقادرا على الضرب في أماكن غير متوقعة، على الرغم من الهزيمة التي مُني بها “تنظيم الدولة” في مدينة سرت. لكن هذا الخطر سيستمرُ ويتعاظم ما لم يتفق الوطنيون الليبيون على صيغة توافقية لإزالة العقبات أمام إجراء انتخابات عامة تأتي بسلطات منتخبة ديمقراطيا تُوحد البلد وتنشئ جيشا وطنيا وتُعيد فرض سيطرة الدولة على كل شبر من التراب الليبي.

تعليقات