في خطوة تعكس استمرار سباق التسلح بين البلدان المغاربية، اتفقت الجزائر وروسيا أخيرا على صفقة لشراء 18 طائرة حربية من طراز “سوخوي 35”. وتعزو أوساط جزائرية مسؤولة هذه الصفقة إلى ضرورة تعويض الطائرات الاعتراضية ميغ 25 القديمة، التي انتهى عمرها الافتراضي، والتي من المقرر أن تُسحب من الخدمة مع أواخر العام الجاري. وبحسب رئيس مجموعة التصنيع العسكري الروسية “روسوبورون إكسبورت” export Rosoboron تأتي الجزائر في الرتبة الثالثة عالميا بين زبائن “سوخوي 35″، التي تُعتبر فخر الصناعة الحربية الجوية الروسية، إذ أنها مُتعددة الوظائف، وقادرة على حمل ثمانية أطنان من الأسلحة، ومُجهزة برادار متطور. وباشر الجزائريون تجريب هذا الطراز من الطائرات منذ عشر سنوات لدى شرائهم الدفعة الأولى من “سوخوي 34”.

سعيٌ محمومٌ للتفوق

الصفقة تُشكل تماديا في المنافسة الشديدة بين الجزائر والمغرب، اللذين يسعى كلٌ منهما إلى ترجيح كفة الميزان العسكري في المنطقة لصالحه، وتحقيق التفوق على الجار، في سياق الصراع الذي يدور محوره حول الصحراء الغربية منذ العام 1974. وتتبوأ الجزائر الرتبة الثانية في أفريقيا والثالثة والعشرين في العالم من حيث التسلح وعدد المجندين وعدد الطائرات الحربية والقوة البحرية، بحسب الموقع الأمريكي المتخصص بشؤون الدفاع “غلوبل فاير باور” Global Fire Power. أما المغرب فحلَ في الرتبة 55 من لائحة الموقع المذكور.

يلحظُ المتابع لسباق التسلح الاقليمي، والذي كانت ليبيا القذافي جزءا منه قبل 2011، تزايدا مضطردا في النفقات العسكرية، التي تزحف على الموازنات الاجتماعية وتقضم منها. ومنذ سنة 2013 حدث انعطاف في نفقات التسلح الجزائرية إذ بلغت 13 مليار دولار، وهي تقدر حاليا بأكثر من 5 في المئة من الناتج الوطني الخام. وفيما انتقد بعض الجزائريين استمرار الإنفاق العسكري الكبير حتى بعد إطلاق الجزائر خطة تقشفية، في أعقاب أزمة 2014 الاقتصادية، وفي ظل تراجع إيرادات البلد من النفط والغاز، دافع آخرون عن هذا الخيار، مستدلين بوجود تحديات اقليمية كبيرة، بينها الصراع المسلح في ليبيا وتداعياته على المناطق الحدودية، والحرب التي تشنها قوات فرنسية على الجماعات المسلحة في النيجر ومالي، البلدان المحاذيان للجنوب الجزائري، ومن بينها أيضا بقايا العناصر المسلحة التي مازالت تتحرك في المناطق الجبلية الشرقية، وإن تراجع خطرُها على أمن البلد، بعد الضربات التي تلقتها في السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن أنصار تحديث المؤسسة العسكرية أكثر عددا من المنتقدين، بالنظر لحجم التحديات الأمنية الراهنة التي تواجهها الجزائر على مدى 7000 كيلومتر من الحدود المشتركة مع ستة بلدان مجاورة، ما يستدعي وجود جيش قوي لمراقبتها. ويبلغ تعداد القوات العسكرية الجزائرية 400 ألف جندي وهو الجيش الأقوى حاليا في شمال أفريقيا. لكن من المتوقع أن يتراجع حجم الانفاق العسكري في السنوات المقبلة بعدما تستكمل الجزائر تجديد الأسطول الحربي الجوي وتحديث باقي القطاعات العسكرية.

القوة الثالثة

وبرز سباق التسلح الاقليمي بإقدام المغرب قبل بضع سنوات على إبرام صفقة اشترى من الولايات المتحدة بموجبها 24 مقاتلة من طراز أف 16 و60 دبابة وثلاث مروحيات قتالية و24 طائرة تدريب، بالاضافة لتحديث 200 دبابة من طراز “أبرامس”. وصنف “معهد البحث الإستراتيجي الدولي” في بروكسل الجيش المغربي في الرتبة الثالثة أفريقيا، مُتقدما على كل من ليبيا وجنوب أفريقيا، بالاعتماد على مقياسي التسلح والتجهيز. واعتبر التقرير الذي صنّف أقوى 50 جيشا في العالم، القوات المسلحة الملكية المغربية ثالث أكبر جيوش القارة الإفريقية بعد الجيشين المصري والجزائري.

ويملك المغرب أكثر من 100 طائرة حربية و24 مروحية هجومية ويصل قوام الجيش المغربي، بحسب مؤسسة “فوركيست” الدولية، المختصة في الشؤون العسكرية والدفاع، إلى 250 ألف جندي، 175 ألفا منهم في القوات البرية موزعين بين منطقتين عسكريتين كبيرتين: الشمالية التي يوجد مقرها في الرباط ومهمتها الدفاع على الحدود المشتركة مع الجزائر والمحافظة على الأمن الداخلي، والمنطقة الجنوبية ومقرها مدينة أغادير، القريبة من الصحراء الغربية، وهما منطقتا التوتر الرئيستين في المنظور الدفاعي المغربي. وعلى هذه الخلفية أبصرت الموازنة العسكرية المغربية ارتفاعا ملحوظا اعتبارا من 2009، إذ أنفق المغرب أكثر من مليارين وثلاث مئة مليون دولار على صفقات الأسلحة خلال ذلك العام. وعزا المغاربة ذلك الارتفاع إلى مباشرة تطبيق خطة خمسية لتحديث قواتهم، والتي كلفت موازنة الدولة نفقات كبيرة.

وقودُ الحرب الأهلية

انخرطت ليبيا في وقت مبكر في هذا السباق نحو التسلح اعتبارا من سبعينات القرن الماضي، على حساب خطط التنمية. وشكل ذلك السلاح وقودا للحرب الأهلية التي يكتوي أبناء البلد بنارها منذ 2014. واستفاد القذافي من ثمار الطفرة النفطية وتحسُن علاقاته مع الدول الكبرى بعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا، لكي يُجدد ترسانته المؤلفة أساسا من أسلحة روسية الصنع، ويُحافظ على مسافة مهمة من التفوق العسكري على الجيران، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، التي كان يعتبرها المجال الحيوي لنفوذه الإقليمي.

وعلى الرغم من العلاقات المتينة بين روسيا وليبيا القذافي، أبرمت طرابلس صفقات كبرى مع فرنسا، كانت أولاها في أواسط سبعينات القرن الماضي للحصول على طائرات حربية من طراز “ميراج”. وتكررت الصفقات الضخمة بعد نهاية العقوبات الدولية التي أخضعت لها ليبيا في القرن الماضي. في هذا الإطار أبرمت باريس وطرابلس بمناسبة زيارة العقيد القذافي لفرنسا في 2008 عقودا عسكرية قُدرت قيمتها بـ4.5 مليار دولار. وتضمنت قائمة المشتريات 14 طائرة عسكرية من طراز “رافال” و35 مروحية و6 طرادات سريعة وسفينتين عسكريتين وبطاريات صواريخ و150 آلية مصفحة، لكن تلك العقود كانت ما تزال قيد الانجاز لدى الاطاحة بالقذافي في 2011.

وأبرم النظام السابق عقودا أخرى أيضا مع روسيا، في إطار الخطة الليبية للتسلح، على إثر رفع العقوبات الدولية عنه. وشملت العقود عشرين طائرة حربية من طرازي “سوخوي 34″ و”ياك” المخصصة للتدريب. وكان الليبيون اشتروا أسلحة روسية بقيمة فاقت ملياري دولار خلال زيارة القذافي لموسكو في 2008. وأفادت وكالة “إنتر فاكس” في حينه أن ليبيا أبدت اهتماما بشراء أنظمة صواريخ أرض/جو من طراز “أس 300” و “تي أو آر أم 1” و”باك”، إلى جانب عدد من الطائرات المقاتلة والعشرات من المروحيات ونحو 50 دبابة. واتفقت روسيا مع ليبيا أيضا على عقود لتطوير الأسلحة الليبية التي تعود لأيام الحقبة السوفياتية. وسهل الجانب الروسي إبرام تلك الصفقات بإقدامه على شطب الديون المستحقة على طرابلس، مقابل شراء الأسلحة الجديدة.

صفقة لم تكتمل

في الوقت نفسه كانت باريس تتفاوض مع ليبيا على صفقة لتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف1 كانت اشترتها منها قبل فرض الحظر على تصدير الأسلحة إليها. وتعهدت شركتا “أستراك” و”داسو للطيران” الفرنسيتين بمتابعة المفاوضات الفنية لتحديد سعر كلفة التحديث، غير أن انتفاضة 2011 قوضت تلك المفاوضات.

وفي خط مواز لوحظ أن البلدين الأقل إنفاقا على التسلح في شمال أفريقيا، وهما تونس وموريتانيا، زادا من النفقات المخصصة للقوات المسلحة في السنوات الأخيرة بشكل لافت، لكن ليس بسبب وجود خلافات مع الجيران، وإنما جراء تنامي خطر الجماعات الارهابية التي نفذت عمليات دموية في البلدين.

في المُحصلة يبدو السباق نحو التسلح في مثابة كرة حديد في ساقي كل بلد مغاربي، تُعطل تقدُمهُ نحو تنفيذ مشاريع اجتماعية، وبخاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتُؤخر إيجاد فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب المتخرجين من الجامعات والعاطلين عن العمل. ويمكن أن نحتسب كم من فرصة عمل أهدرت بسبب شراء صاروخ أمريكي واحد جو جو من طراز أمرام 120 amraam والذي كان سعره لا يقلُ عن 400 ألف دولار في حينه، أو الصاروخ المضاد للرادارات من طراز “إي جي أم- 88 هارم” AGM-88 HARM ، والذي لا يقلُ سعر الواحد منه عن 300 ألف دولار (وهي الصواريخ التي تزوَد بها المغرب على سبيل المثال)، لكي نُدرك أن هذا السباق في مثابة بئر بلا قاع. وتنطبق الكلفة الاجتماعية الباهظة للتسلح كذلك على البلدين اللذين يملكان إيرادات كبيرة من النفط والغاز، الجزائر وليبيا، ولكن أيضا على البلدين الأصغرين من حيث الانفاق العسكري وهما تونس وموريتانيا، اللذين نقلا قسما من اعتمادات الموازنة من المجالات الاجتماعية إلى المجال الدفاعي.

في خطوة تعكس استمرار سباق التسلح بين البلدان المغاربية، اتفقت الجزائر وروسيا أخيرا على صفقة لشراء 18 طائرة حربية من طراز “سوخوي 35”. وتعزو أوساط جزائرية مسؤولة هذه الصفقة إلى ضرورة تعويض الطائرات الاعتراضية ميغ 25 القديمة، التي انتهى عمرها الافتراضي، والتي من المقرر أن تُسحب من الخدمة مع أواخر العام الجاري. وبحسب رئيس مجموعة التصنيع العسكري الروسية “روسوبورون إكسبورت” export Rosoboron تأتي الجزائر في الرتبة الثالثة عالميا بين زبائن “سوخوي 35″، التي تُعتبر فخر الصناعة الحربية الجوية الروسية، إذ أنها مُتعددة الوظائف، وقادرة على حمل ثمانية أطنان من الأسلحة، ومُجهزة برادار متطور. وباشر الجزائريون تجريب هذا الطراز من الطائرات منذ عشر سنوات لدى شرائهم الدفعة الأولى من “سوخوي 34”.

سعيٌ محمومٌ للتفوق

الصفقة تُشكل تماديا في المنافسة الشديدة بين الجزائر والمغرب، اللذين يسعى كلٌ منهما إلى ترجيح كفة الميزان العسكري في المنطقة لصالحه، وتحقيق التفوق على الجار، في سياق الصراع الذي يدور محوره حول الصحراء الغربية منذ العام 1974. وتتبوأ الجزائر الرتبة الثانية في أفريقيا والثالثة والعشرين في العالم من حيث التسلح وعدد المجندين وعدد الطائرات الحربية والقوة البحرية، بحسب الموقع الأمريكي المتخصص بشؤون الدفاع “غلوبل فاير باور” Global Fire Power. أما المغرب فحلَ في الرتبة 55 من لائحة الموقع المذكور.

يلحظُ المتابع لسباق التسلح الاقليمي، والذي كانت ليبيا القذافي جزءا منه قبل 2011، تزايدا مضطردا في النفقات العسكرية، التي تزحف على الموازنات الاجتماعية وتقضم منها. ومنذ سنة 2013 حدث انعطاف في نفقات التسلح الجزائرية إذ بلغت 13 مليار دولار، وهي تقدر حاليا بأكثر من 5 في المئة من الناتج الوطني الخام. وفيما انتقد بعض الجزائريين استمرار الإنفاق العسكري الكبير حتى بعد إطلاق الجزائر خطة تقشفية، في أعقاب أزمة 2014 الاقتصادية، وفي ظل تراجع إيرادات البلد من النفط والغاز، دافع آخرون عن هذا الخيار، مستدلين بوجود تحديات اقليمية كبيرة، بينها الصراع المسلح في ليبيا وتداعياته على المناطق الحدودية، والحرب التي تشنها قوات فرنسية على الجماعات المسلحة في النيجر ومالي، البلدان المحاذيان للجنوب الجزائري، ومن بينها أيضا بقايا العناصر المسلحة التي مازالت تتحرك في المناطق الجبلية الشرقية، وإن تراجع خطرُها على أمن البلد، بعد الضربات التي تلقتها في السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن أنصار تحديث المؤسسة العسكرية أكثر عددا من المنتقدين، بالنظر لحجم التحديات الأمنية الراهنة التي تواجهها الجزائر على مدى 7000 كيلومتر من الحدود المشتركة مع ستة بلدان مجاورة، ما يستدعي وجود جيش قوي لمراقبتها. ويبلغ تعداد القوات العسكرية الجزائرية 400 ألف جندي وهو الجيش الأقوى حاليا في شمال أفريقيا. لكن من المتوقع أن يتراجع حجم الانفاق العسكري في السنوات المقبلة بعدما تستكمل الجزائر تجديد الأسطول الحربي الجوي وتحديث باقي القطاعات العسكرية.

القوة الثالثة

وبرز سباق التسلح الاقليمي بإقدام المغرب قبل بضع سنوات على إبرام صفقة اشترى من الولايات المتحدة بموجبها 24 مقاتلة من طراز أف 16 و60 دبابة وثلاث مروحيات قتالية و24 طائرة تدريب، بالاضافة لتحديث 200 دبابة من طراز “أبرامس”. وصنف “معهد البحث الإستراتيجي الدولي” في بروكسل الجيش المغربي في الرتبة الثالثة أفريقيا، مُتقدما على كل من ليبيا وجنوب أفريقيا، بالاعتماد على مقياسي التسلح والتجهيز. واعتبر التقرير الذي صنّف أقوى 50 جيشا في العالم، القوات المسلحة الملكية المغربية ثالث أكبر جيوش القارة الإفريقية بعد الجيشين المصري والجزائري.

ويملك المغرب أكثر من 100 طائرة حربية و24 مروحية هجومية ويصل قوام الجيش المغربي، بحسب مؤسسة “فوركيست” الدولية، المختصة في الشؤون العسكرية والدفاع، إلى 250 ألف جندي، 175 ألفا منهم في القوات البرية موزعين بين منطقتين عسكريتين كبيرتين: الشمالية التي يوجد مقرها في الرباط ومهمتها الدفاع على الحدود المشتركة مع الجزائر والمحافظة على الأمن الداخلي، والمنطقة الجنوبية ومقرها مدينة أغادير، القريبة من الصحراء الغربية، وهما منطقتا التوتر الرئيستين في المنظور الدفاعي المغربي. وعلى هذه الخلفية أبصرت الموازنة العسكرية المغربية ارتفاعا ملحوظا اعتبارا من 2009، إذ أنفق المغرب أكثر من مليارين وثلاث مئة مليون دولار على صفقات الأسلحة خلال ذلك العام. وعزا المغاربة ذلك الارتفاع إلى مباشرة تطبيق خطة خمسية لتحديث قواتهم، والتي كلفت موازنة الدولة نفقات كبيرة.

وقودُ الحرب الأهلية

انخرطت ليبيا في وقت مبكر في هذا السباق نحو التسلح اعتبارا من سبعينات القرن الماضي، على حساب خطط التنمية. وشكل ذلك السلاح وقودا للحرب الأهلية التي يكتوي أبناء البلد بنارها منذ 2014. واستفاد القذافي من ثمار الطفرة النفطية وتحسُن علاقاته مع الدول الكبرى بعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا، لكي يُجدد ترسانته المؤلفة أساسا من أسلحة روسية الصنع، ويُحافظ على مسافة مهمة من التفوق العسكري على الجيران، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، التي كان يعتبرها المجال الحيوي لنفوذه الإقليمي.

وعلى الرغم من العلاقات المتينة بين روسيا وليبيا القذافي، أبرمت طرابلس صفقات كبرى مع فرنسا، كانت أولاها في أواسط سبعينات القرن الماضي للحصول على طائرات حربية من طراز “ميراج”. وتكررت الصفقات الضخمة بعد نهاية العقوبات الدولية التي أخضعت لها ليبيا في القرن الماضي. في هذا الإطار أبرمت باريس وطرابلس بمناسبة زيارة العقيد القذافي لفرنسا في 2008 عقودا عسكرية قُدرت قيمتها بـ4.5 مليار دولار. وتضمنت قائمة المشتريات 14 طائرة عسكرية من طراز “رافال” و35 مروحية و6 طرادات سريعة وسفينتين عسكريتين وبطاريات صواريخ و150 آلية مصفحة، لكن تلك العقود كانت ما تزال قيد الانجاز لدى الاطاحة بالقذافي في 2011.

وأبرم النظام السابق عقودا أخرى أيضا مع روسيا، في إطار الخطة الليبية للتسلح، على إثر رفع العقوبات الدولية عنه. وشملت العقود عشرين طائرة حربية من طرازي “سوخوي 34″ و”ياك” المخصصة للتدريب. وكان الليبيون اشتروا أسلحة روسية بقيمة فاقت ملياري دولار خلال زيارة القذافي لموسكو في 2008. وأفادت وكالة “إنتر فاكس” في حينه أن ليبيا أبدت اهتماما بشراء أنظمة صواريخ أرض/جو من طراز “أس 300” و “تي أو آر أم 1” و”باك”، إلى جانب عدد من الطائرات المقاتلة والعشرات من المروحيات ونحو 50 دبابة. واتفقت روسيا مع ليبيا أيضا على عقود لتطوير الأسلحة الليبية التي تعود لأيام الحقبة السوفياتية. وسهل الجانب الروسي إبرام تلك الصفقات بإقدامه على شطب الديون المستحقة على طرابلس، مقابل شراء الأسلحة الجديدة.

صفقة لم تكتمل

في الوقت نفسه كانت باريس تتفاوض مع ليبيا على صفقة لتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف1 كانت اشترتها منها قبل فرض الحظر على تصدير الأسلحة إليها. وتعهدت شركتا “أستراك” و”داسو للطيران” الفرنسيتين بمتابعة المفاوضات الفنية لتحديد سعر كلفة التحديث، غير أن انتفاضة 2011 قوضت تلك المفاوضات.

وفي خط مواز لوحظ أن البلدين الأقل إنفاقا على التسلح في شمال أفريقيا، وهما تونس وموريتانيا، زادا من النفقات المخصصة للقوات المسلحة في السنوات الأخيرة بشكل لافت، لكن ليس بسبب وجود خلافات مع الجيران، وإنما جراء تنامي خطر الجماعات الارهابية التي نفذت عمليات دموية في البلدين.

في المُحصلة يبدو السباق نحو التسلح في مثابة كرة حديد في ساقي كل بلد مغاربي، تُعطل تقدُمهُ نحو تنفيذ مشاريع اجتماعية، وبخاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتُؤخر إيجاد فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب المتخرجين من الجامعات والعاطلين عن العمل. ويمكن أن نحتسب كم من فرصة عمل أهدرت بسبب شراء صاروخ أمريكي واحد جو جو من طراز أمرام 120 amraam والذي كان سعره لا يقلُ عن 400 ألف دولار في حينه، أو الصاروخ المضاد للرادارات من طراز “إي جي أم- 88 هارم” AGM-88 HARM ، والذي لا يقلُ سعر الواحد منه عن 300 ألف دولار (وهي الصواريخ التي تزوَد بها المغرب على سبيل المثال)، لكي نُدرك أن هذا السباق في مثابة بئر بلا قاع. وتنطبق الكلفة الاجتماعية الباهظة للتسلح كذلك على البلدين اللذين يملكان إيرادات كبيرة من النفط والغاز، الجزائر وليبيا، ولكن أيضا على البلدين الأصغرين من حيث الانفاق العسكري وهما تونس وموريتانيا، اللذين نقلا قسما من اعتمادات الموازنة من المجالات الاجتماعية إلى المجال الدفاعي.

تعليقات