يعد “الاقتصاد الأخضر” العمود الفقري للتنمية الاقتصادية الواعدة في دول المغرب العربي، ليبيا، وتونس، والجزائر والمغرب. فعلى الرغم من توفر بعض الموارد الطبيعية بكميات كبيرة كالغاز والنفط الخام في ليبيا والجزائر والفوسفات في تونس والمغرب، إلا أن هناك ثروات طبيعية أخرى تشكل محركا حيويا للاقتصاديات الوطنية لتلك الدول. فالاقتصاد الأخضر في مدلوله اللفظي يعني توفير البيئة النظيفة والمردودية الإنتاجية ذات الجودة العالية. كما يعتبر القلب النابض والشريان لجميع القطاعات الحيوية للدولة بحيث تتفرع مشتقات الاقتصاد إلى: الاقتصاد المالي والمصرفي، والاقتصاد الصناعي، والاقتصاد الجزئي والكلي، والعام والخاص، والاقتصاد الرقمي، ولكن يبقى أهمها حديثا هو الاقتصاد الأخضر. إن الرهان المستقبلي على هذا النوع لتحفيز الاقتصاديات الوطنية لدول المغرب العربي يشكل أهم محرك رئيسي للتنمية المستقبلية الواعدة التي ترفع من نسبة النمو الاقتصادي وتخلق بيئة نظيفة ومتجددة تعتمد في الأساس على الطبيعة خاصة منها طاقة الشمس والرياح وزراعة البذور المنتجة للزيوت الطبيعية والحيوية. فمما لا شك فيه يعد مناخ تلك الدول محفزا للاستثمار في الاقتصاد الأخضر باعتبار أن الطقس الصحراوي الجنوبي يشكل مصدرا للثروة المالية بحيث يمر بفترة طويلة من الحرارة القصوى، وأيضا سلسلة تلال جبال خمير والأطلس الشمالية تبلغ فيها سرعة الرياح أقصاها. أما الأراضي الصحراوية في جنوب تلك البلدان فتشكل ثروة حقيقية خاصة منها ما يعرف بزراعة البيوديزال “الوقود الحيوي”.

الطاقات المتجددة

إن أراضي الصحراء الجنوبية التي تمتد من ليبيا وصولا إلى المغرب تشكل في مجملها مساحات شاسعة غير مستغلة بحيث يمكن تحويلها إلى منصات لإنتاج الكهرباء من طاقة الشمس بكميات قادرة على توفير الاكتفاء الذاتي وأيضا لتصديره لدول الاتحاد الأوروبي. إذ تبلغ درجات الحرارة في تلك الربوع بين 50 و60 درجة مئوية وذلك بداية من أيار/مايو حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر. بالتالي تشكل الأشهر الستة من كل سنة فترة إنتاج كافية قادرة لشحن الخزانات الكهربائية وتحويلها إلى طاقة للاستهلاك أو للتصدير. وفي هذا الصدد ركزت بعض تلك الدول على مصادر هذه الثروة النظيفة لتخلق منها مداخيل مالية إضافية هامة لخزينتها العمومية. فمخططات إنجاز المشاريع الكبرى ودراسات الاستثمار في الطاقات المتجددة وخاصة منها في مجال توليد الطاقة الكهربائية الشمسية في صحراء دول المغرب العربي تعد مشاريع ربحية وذات إنتاجية عالية. إذ أن بعض الدول الأوروبية المستثمرة في ذلك القطاع بدأت بالفعل في إنجاز بعض مشاريع “الطاقة الطبيعية” في قطاع الكهرباء عبر نشر اللوحات الشمسية في بعض المناطق الصحراوية الجنوبية وإنشاء بعض الشركات المشتركة الأوروبية – المغاربية لإنتاج الطاقة الشمسية الموازية للشركات المحلية. فإنتاج طاقة الكهرباء من شمس الصحراء يتطلب معدات ضخمة ومناطق شاسعة وأسلاكا كهربائية ضخمة تربط بين جميع المناطق الجنوبية ومركزية الإنتاج ثم تحويلها عبر البحر الأبيض المتوسط نحو الأسواق الأوروبية. وفي المقابل يمكن تقليص إنتاج الطاقة الكهربائية عبر تحويل النفط إلى كهرباء بحيث تستهلك تلك المحطات للتوليد كميات كبيرة من المحروقات وهي ذات تأثير سلبي مباشر على البيئة نظرا للملوثات السامة المنبعثة منها. في النتيجة تعتبر الطاقة الشمسية من الأفضل في مجال إنتاج الكهرباء الطبيعي مقارنة مع إنتاجه من المحروقات أو من الطاقة النووية الملوثة للبيئة. ومن الطاقات المتجددة في دول المغرب العربي التي وقع الاستثمار فيها لإنتاج طاقة الكهرباء نذكر الرياح عبر التربونات الهوائية وهي أيضا ما زالت في طور الدراسة خاصة وأن مرتفعات سلسلة جبال خمير الممتدة من تونس إلى الجزائر وجبال الأطلس في المغرب تشكل أفضل المناطق الإنتاجية لتلك الطاقة. فالمناخ الشمالي في تلك البلدان يشكل عاملا مساعدا لتوليد الطاقة من الرياح السريعة والمستمرة لفترة زمن طويلة. ومن المعروف أن الرياح تصل مدتها قرابة ستة أشهر من كل سنة بدءا من تشرين الثاني/نوفمبر إلى نهاية نيسان/أبريل بحيث تقوم تلك التربونات بتحقيق الشحن الكافي القادر على إنتاج طاقة كهربائية من الرياح.

زراعة البترول الأخضر

يعتبر الذهب الأخضر الموضوع البارز على صعيد الاقتصاد العالمي والذي هو يوازي الذهب الأسود. فالاستثمار في زراعة البترول الأخضر يشكل مجالا مربحا للشركات الأوروبية التي أصبحت أسواقها تستهلك البترول الأخضر الطبيعي المعروف بالبيوديزال. فنبتة الغاتروفا الأفريقية تعد ثمرتها منتجة للزيت الطبيعي بكميات كبيرة بحيث يمكن تحويل 100 لتر من الزيوت إلى 100 لتر من البيوديزال. ففي هذا المجال تعد السودان ومصر الرائدة في زراعة تلك النبتة البترولية والتي وصلت إلى ما يقارب مليار شجرة بحيث يمكن تعميمها على المساحات الصحراوية الجافة في دول المغرب العربي لتشكل بدورها دعما إضافيا للتنمية. بالتالي الاستغلال الجيد للاقتصاد الأخضر يعد محركا فعالا للاقتصاديات الوطنية لتلك الدول التي ما زالت تعاني من تراكم المديونية والعجز في الميزانية. فمناخ تلك الدول يتلاءم كليا مع نمو نبتة الغاتروفا بحيث يمكن للشركات البريطانية المتخصصة في مجال إنتاج تلك الطاقة والمتركزة حاليا في السودان والموزمبيق، تعميم استثماراتها ومشاريعها في مجال زراعة البترول الأخضر في تلك المناطق.

لقد أصبحت الشركات الأوروبية تعتمد مؤخرا وبشكل كبير على المشاريع الصديقة للبيئة مثل إنتاج الزيوت الحيوية القابلة للتحويل إلى طاقات متجددة، ومنها في بعض دول المغرب العربي مختصة في إنتاج الزيوت الحيوية من نبتة عباد الشمس التي تنمو بشكل سريع في تلك الدول.

ويعتبر الاقتصاد الأخضر صديقا للبيئة والمجال الحيوي لإنتاج الطاقات المتجددة كونه يقلص من انبعاثات الغازات السامة.

تعليقات