يبدو مصير العام الدراسي لأكثر من 122 ألف طالب في ليبيا أجبرتهم المعارك مع ذويهم على الفرار من مدنهم والمناطق التي يقطنونها خصوصًا جنوب العاصمة طرابلس، في مهب الريح، مع دخول الحرب أسبوعها الثامن.

وتقول ميار مصطفى، الطالبة في الثانوية العامة، لوكالة «فرانس برس»: «هجرنا من بيوتنا مع بدء الاشتباكات، ونحن في سنة دراسية حساسة كوننا سننتقل إلى الجامعة نهاية العام (…)، على المستوى النفسي نحن مضطربون ولا نعرف مصيرنا»>

أصوات المدافع والأسلحة
وكانت ميار تقطن مع عائلتها منطقة وادي الربيع، واستيقظت يومًا على أصوات المدافع والأسلحة الرشاشة مع اندلاع اشتباكات عنيفة خلال محاولة قوات الجيش الليبي التابعة للقيادة العامة التقدم صوب العاصمة طرابلس من ضاحيتها الجنوبية، منذ الرابع من أبريل.

ففرت ميار مع عائلتها، تاركة على عجل مدرستها التي طالها القصف وكتبها وقرطاسيتها.

ويؤكد رئيس لجنة الأزمة بوزارة التعليم بحكومة الوفاق رشاد بشر أن هناك مناطق كثيرة توقفت فيها الدراسة نظرًا لوقوعها في مناطق الاشتباكات، فيما تسير الدراسة بشكل طبيعي في مناطق أخرى في طرابلس.

وقال لـ«فرانس برس»: معظم المدارس في طرابلس لم تتوقف الدراسة فيها، لكن بلديتي عين زارة وأبو سليم استثناء، كونهما الأكثر تضررًا جراء الأعمال العسكرية، ويتعدى عدد المدارس المغلقة فيهما المئة مدرسة.

ويدور جزء كبير من العمليات العسكرية جنوب طرابلس في معظم أحياء عين زارة المكتظة بالسكان وأجزاء من أبو سليم.

وعن احتمال إيجاد حل لهذه المشكلة، قال بشر: «نأمل انتهاء الحرب قريبًا، لكن في حال استمرارها نتوقع وضع خطة بديلة لمعالجة أوضاع الطلبة النازحين لضمان عدم ضياع العام الدراسي عليهم».

وأصدرت وزارة التعليم في حكومة الوفاق الوطني، نهاية الشهر الماضي، قرارات نتيجة لاستمرار المعارك جنوب طرابلس وفي غرب البلاد، فحددت عطلة للمعلمين وعلقت الدراسة بشكل مؤقت طيلة شهر رمضان.

وأقر موعد الامتحان النهائي لمرحلتي التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي) والثانوي في الفترة الممتدة بين 21 يوليو وحتى 29 أغسطس المقبلين.

كما أكدت الوزارة استمـرار منح السلـطة التقديرية لمـراقبي التعليم فيما يتعلق باستمرار الدراسة بمناطقهم من عدمها أو استمـرار الـدراسة في بعض المـدارس ووقفهـا فـي مـدارس أخرى نتيجة للظروف الأمنية الراهنة.

مبادرة تطوعية
وسُرَّت ميار مصطفى كغيرها من الطلبة النازحين، بعدما أطلقت مدارس عدة في المناطق الآمنة بالعاصمة طرابلس، مبادرة تطوعية تبناها معلمون، لتقديم دروس منهجية تعوض الطلبة ما فاتهم في مدارسهم.

وتقول بفرح خلال مشاركتها داخل مدرسة سوق الجمعة في حصة الرياضيات التي تحضرها مع 25 طالبة أخريات، «مبادرة المعلمين طيبة. قطعوا إجازة رمضان ويقدمون لنا دروسًا منهجية (…)، نحن ممتنون للطفهم ووقوفهم مع أبنائهم الطلبة في هذا الوقت العصيب».

لكنها قلقة إزاء مصير الامتحان. وتقول «نحن طلبة نازحون وتأخرنا في استكمال المنهج المقرر، ومدرستي مغلقة جراء الحرب (..) أين سأقدم امتحاناتي النهائية وكيف سيتم احتساب الأعمال السنوية؟».

وتعبر ميار عن أملها في تحديد وزارة التعليم نظامًا خاصًا للطلبة النازحين، لكنها تستدرك «ليس المهم تحديد موعد الامتحان النهائي، بل مدى جاهزيتنا من الناحية النفسية والعلمية لأداء الامتحان في ظل آثار الحرب».

وتشير غفران بن عياد، معلمة اللغة الإنكليزية، إلى أن المبادرة تمثل أهمية خاصة للطلبة الذين لديهم رغبة في مقارعة الظروف لاستكمال تعليمهم.

وتضيف «اللافت أن معظم الطلبة متفوقون، وأظهروا حرصًا كبيرًا على التحصيل العلمي بالرغم من الآثار النفسية لنزوحهم القسري». ويبدي الطالب أحمد بشير مخاوفه، بالرغم من أهمية المبادرة، على مصير العام الدراسي.

ويقول وقد جلس على مقعد خشبي في فصل دراسي، «تفاعلت مع المبادرة عن طريق الإنترنت وإعلان فرصة الالتحاق بالمدارس التي يقطن فيها النازحون. توجهت مباشرة إلى مدرسة سوق الجمعة (بنين) لتعويض ما فاتني من دروس».

وبحسب بيانات مكتب اليونيسف في ليبيا، فإن أكثر من 122 ألف طالب لا يمكنهم الالتحاق بمدارسهم في طرابلس بسبب المعارك الدائرة.

وأسفرت المعارك عن مقتل 510 أشخاص وإصابة 2467 آخرين بجروح، ونزوح نحو 60 ألف من مناطق الاشتباكات، وفق آخر حصيلة لمنظمة الصحة العالمية.

ويعبر أحمد عن أمله بوضع وزارة التعليم حلًا جذريًا يراعي خصوصية أوضاعهم لتفادي ظلمهم في الامتحان النهائي مقارنة مع طلاب لم تتوقف الدراسة في مدنهم. ويتساءل وعلامات الحيرة تعلو وجهه، «كيف سيكون المستقبل بعد أكثر من شهر ونصف على الحرب؟».

تعليقات