سلط تقرير في معهد واشنطن للكاتب المتخصص في الشأن الليبي بين فيشمان، الضوء على حرب طرابلس، في مناسبة مرور أكثر من خمسة أشهر على إطلاق قائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر، شرارة بدايتها في محاولة للسيطرة على العاصمة طرابلس، في حرب خلفت مئات القتلى والمصابين وعشرات الآلاف من النازحين.

وفي 4 أبريل الماضي انطلقت حرب مستعرة بين قوات الجيش التابعة للقيادة العامة وقوات الجيش التابعة لحكومة الوفاق الوطني، فيما تحاول العديد من القوى الداخلية والخارجية التوسط لوقف إطلاق النار دون جدوى. ويرى بين فيشمان، في تقريره، أن الحل الأمثل لوقف الحرب في طرابلس، هو حظر جاد لتصدير السلاح لكلا الطرفين المتنازعين، مع استنزاف القتال للمعدات المتاحة مع الطرفين حالياً.

ويقول في تقرير، إنه «بعد مرور خمسة أشهر على الحرب الأهلية في ليبيا، تستمر أعمال العنف بلا هوادة، فمنذ أن أطلق خليفة حفتر هجومه على طرابلس في أبريل الماضي، خلفت الحرب أكثر من 1100 قتيل وأكثر من 100 ألف مشرد، وتحولت طبيعة القتال من هجوم بري عموماً إلى هجوم يعتمد على الضربات الجوية من مجموعة من الطائرات الليبية القديمة والطائرات دون طيار المستوردة».

وفيشمان، هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، ومحرر كتاب «شمال أفريقيا في مرحلة انتقالية: النضال من أجل الديمقراطية والمؤسسات» الذي صدر العام 2015، كما عمل ضمن طاقم «مجلس الأمن القومي» الأميركي في الفترة 2009-2013، بما في ذلك مديراً لشؤون شمال أفريقيا والأردن.

الحل السياسي
وتابع المحلل الأميركي، «بدلاً عن تقليص الأضرار الجانبية، من المرجح أن تكون الطائرات دون طيار مسؤولة عن هجمات الإصابات الجماعية ضد المدنيين»، مؤكداً أن «وقف إطلاق النار أو العودة إلى المفاوضات السياسية بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، أصبح مستحيلاً أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من النداءات المتكررة من المجتمع الدولي التي تدعو إلى إحلال السلام».

وفي الآونة الأخيرة، أعلن قادة مجموعة الدول السبع دعمهم لـ«وقف طويل الأجل لإطلاق النار» في ليبيا، وضرورة التوصل إلى حل سياسي، لكن أصبحت مثل هذه التصريحات الدولية الروتينية «خطابات رنانة خالية من أي معنى»، وفق بين فيشمان. وشدد على أن التقليد القديم بعقد مؤتمرات دولية ترمي إلى تحفيز محادثات السلام يطرح مشكلة بدوره، إذ كان البيان الصادر عن مجموعة الدول السبع بقيادة فرنسا، قد حث على عقد «مؤتمر دولي آخر معد بشكل جيد يجمع كافة أصحاب المصلحة والأطراف الإقليميين ذوي العلاقة بهذا النزاع».

وكرر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، نيته عقد مثل هذا المؤتمر في خطاب أدلى به في 29 أغسطس.

ومنذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً في العام 2017، استضاف مؤتمرين مماثلين حول ليبيا، وذلك قبل اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة، «وكانت مقاربة فرنسا إزاء ليبيا، التي شملت عموماً حفتر باعتباره لاعباً سياسياً أساسياً وسعياً إلى ضمه إلى الساحة السياسية، قد باءت بالفشل»، بحسب بين فيشمان.

ومن شأن عقد مؤتمر دولي آخر له الاستراتيجية ذاتها، سواء عقد في باريس أو في إطار الاجتماعات المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن يكرر «الوعود الفارغة نفسها»، يضيف بين فيشمان: «لكي يحقق أي مؤتمر نتيجة ملموسة، يجب أن يركز على معالجة أحد الأسباب الرئيسية للحرب الأهلية الأخيرة المتمثل في «تسليح الطرفين الفاضح من أطراف خارجية في انتهاك لحظر الأسلحة الساكن المفروض منذ فترة طويلة من قبل مجلس الأمن الدولي».

كان مجلس الأمن فرض حظراً على توريد الأسلحة في إطار تدخله في ليبيا العام 2011، وبقي القرار ساري المفعول على الورق فقط، إذ لا توجد آلية تنفيذ للتحقق من السفن أو الرحلات الجوية التي تنقل شحنات أسلحة محتملة، والأسوأ من ذلك، أن هذا يحصل في وضح النهار، حيث يتم تفريغ المركبات المصفحة على الأرصفة وتحلق الطائرات المسلحة دون طيار في السماء الآتية بوضوح من خارج ليبيا.

استيراد السلاح
ومع استمرار الحرب، يعتمد كل طرف على مزودين خارجيين من أجل أن يضاهي الأسلحة والأنظمة المتطورة بشكل متزايد من الطرف الآخر. وكما صرح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، أمام مجلس الأمن في أواخر يوليو الماضي، «فقد تم أخيراً نقل طائرات مسلحة دون طيار ومركبات مصفحة وشاحنات نقل صغيرة محملة بالأسلحة الثقيلة والمدافع الرشاشة والبنادق عديمة الارتداد وقذائف الهاون والصواريخ إلى ليبيا بتواطؤ مع حكومات أجنبية ودعمها الواضح بالفعل».

ويتابع بين فيشمان: «من جهة، تردد أن تركيا، التي لم تنضم أبداً إلى توافق دولي يدعو إلى وقف إطلاق النار، زودت حكومة الوفاق الوطني بمركبات مصفحة وطائرات دون طيار، فيما تدعي الإمارات العربية المتحدة علناً أنها تدعم وقفاً لإطلاق النار، ولكنها لطالما دعمت قوات المشير حفتر من خلال بناء قاعدة جوية عسكرية في شرق ليبيا وتزويد الجيش الوطني الليبي، بطائرات دون طيار صينية الصنع، إلى جانب مركبات مصفحة ومواد إضافية».

ويضيف: «أما فرنسا، التي كشفت دعمها لحفتر في 2016 حين لقي ثلاثة عناصر من القوات الخاصة الفرنسية حتفهم في تحطم مروحية في بنغازي، فقد أرسلت أخيراً قواتها لمرافقة الجيش الوطني الليبي في هجومه على طرابلس»، وفق قوله، موضحاً أنه «تم كشف وجودها من خلال اكتشاف صواريخ جافلين المضادة للدبابات، بعد أن قامت قوات حكومة الوفاق الوطني بطرد الجيش الوطني الليبي من مدينة غريان الاستراتيجية.. وبررت فرنسا وجود صواريخ جافلين الأميركية الأصل لحماية قواتها، مقرة بشكل أساسي أنها نشرت قوات لمساعدة حفتر، ومع ذلك، تدعو باريس باستمرار إلى وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات السياسية، على الأقل تسع مرات منذ هجوم حفتر، بأشكال مختلفة ومتعددة الأطراف».

ويرى بين فيشمان أن عقد مؤتمر آخر حول ليبيا يعتبر سبباً لاستمرار الجمود السياسي، ما لم يعالج بشكل ملموس مسألة استيراد الأسلحة بطريقة غير قانونية، «فحتى الآن لم يصل أي من الطرفين المتنازعين إلى النقطة التي يفضل فيها التسوية السياسية على استمرار الحرب، لا سيما بالنظر إلى الانقسام المتنامي في البلاد.. وبالتالي، تتمثل الطريقة الوحيدة لتغيير إمكانية استئناف المفاوضات السياسية في البدء باستنزاف مصدر الأسلحة والمعدات الخاصة بكل طرف».

مطالب بالتفتيش الدولي
ويؤكد أن واشنطن تعد المرشح الأفضل لقيادة مثل هذه المبادرة، فبما أن مصر وفرنسا والإمارات وافقت على «منع شحنات الأسلحة المزعزعة للاستقرار» إلى ليبيا في 16 يوليو الماضي، يتعين على الولايات المتحدة دعوة هذه الدول إلى الوفاء بهذا الالتزام وإلى مناقشة إعداد آلية لفرض حظر توريد الأسلحة، وإذا وافقت هذه الدول الحليفة، فقد يؤدي ذلك إلى عزل تركيا ويعرض هذه الدول إلى حظر إمدادات الأسلحة بطريقة قد لا تناسبها، علماً بأن آلية تطبيق محدودة لن تتطلب فريق تفتيش دولياً كبيراً على الأرض أو نشر قوات بحرية، وفق بين فيشمان.

وبدايةً، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم تحليلاً علنياً للصور يكشف استخدام أي من الطرفين طائرات مسلحة دون طيار.. «ومن شأن تجريد حفتر من قدرته على تنفيذ هجمات جوية، أن يحد بشكل كبير من قدرته على مواصلة الهجوم في الغرب». كما أن منع الشحنات التركية من شأنه أن يقلل قدرة قوات حكومة الوفاق على إعادة التسلح.

ولا تزال «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» الجهة الأفضل للدعوة إلى حوار سياسي متجدد بين كافة الليبيين، وليس فقط طرفي النزاع، لكن من دون دعم المجتمع الدولي والجهود الحثيثة لمنع الطائرات دون طيار من التحليق ووقف إمدادات الأسلحة تتمتع الأمم المتحدة بنفوذ ضئيل لتجديد محادثات السلام ومساعدة عملية الانتقال السياسي المتوقفة في ليبيا منذ فترة طويلة.

 

تعليقات