أثار كشف الحساب، الذي قدمه السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بشأن أول 60 يوما قضاها في منصبه، تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوة إجراء اعتياديا من دبلوماسي رفيع المستوى، أم أنها رد فعل لما تحدثت عنه أوساط أميركية حول ضغوط تمارس على إدارة الرئيس، دونالد ترامب، لتعزيز وجودها في المشهد الليبي، بعد أداء باهت في أحد الملفات الشائكة بمنطقة الشرق الأوسط، وربما يعقبها خطوات أبعد.

السفير الأميركي، وللمرة الأولى، حرص على عرض نشاطاته عبر محورين رئيسيين، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، معددا اللقاءات التي خاضها مع الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة الليبية، وهو الذي سبق أن تعهد في منتصف أغسطس الماضي «بالعمل من أجل إنهاء فوري للصراع في ليبيا»، في أول تصريح رسمي عقب توليه مهام منصبه، معبرا عن «رغبة واشنطن في تكثيف النشاط الدبلوماسي مع جميع أطراف النزاع».

تأييد مبادرات سلامة
المحور الأول لتحركات نورلاند على الصعيد الخارجي كان عبر مشاركته في الاجتماع الثاني لفريق العمل في برلين، الذي هدف إلى تعزيز الحل السياسي للنزاع الليبي، بعد أسبوع من لقاءات عقدها الرئيس ترامب على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع قيادات من الدول الرئيسية المهتمة بحل النزاع. وأكد أن الولايات المتحدة ضاعفت في الأشهر الأخيرة من جهودها لإنهاء القتال، ودعم مبادرات الأمم المتحدة بقيادة سلامة؛ للتوصل إلى حل سياسي تفاوضي للأزمة في ليبيا.

ثم تحدث السفير عن زيارته الجزائر ولقائه وزير خارجيتها، صبري بوقادوم، الذي قال إن استمرار الصراع في ليبيا يسهم في تقويض جهود مكافحة الإرهاب، ويضر بآفاق النمو الاقتصادي في شمال أفريقيا، كما أشار نورلاند إلى اجتماعات عقدها في الإمارات ومصر لحشد الدعم للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، ومنوها بعزمه السفر إلى روسيا وتركيا لتعميق الحوار مع الدولتين حول الجهود المشتركة لتعزيز الحل السياسي للصراع.

وعلى الصعيد الداخلي، أكد السفير الأميركي تنديد الولايات المتحدة بالتصعيد الأخير للعنف في ليبيا، والتزامها العمل مع المجتمع الدولي والأطراف الليبية لإنهاء النزاع وتوفير الفرصة لكي يستعيد جميع الليبيين حياتهم الطبيعية. وقال إن الولايات المتحدة «تظل ملتزمة بالانخراط السياسي مع جميع أطراف النزاع التي تمثل الدوائر الانتخابية في الشمال والغرب والشرق والجنوب، وتحثهم على إنهاء النشاط العسكري ومتابعة أهدافهم من خلال وسائل سياسية فقط».

وأكمل قائلا: «تلتزم الولايات المتحدة بالانخراط القوي مع المؤسسات الاقتصادية الليبية الرئيسية؛ لتعزيز الإصلاح المؤسسي الليبي الذي يهدف إلى توحيد المؤسسات وشفافيتها لصالح جميع الليبيين، وتركز بشكل خاص على الحفاظ على وحدة ونزاهة المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي، اللذين يلعبان دورا حاسما في الحفاظ على الاقتصاد الوطني، ويتعرضان حاليا لخطر التقسيم إلى فروع غربية وشرقية، مما يضع مستقبل ليبيا الاقتصادي في مهب الريح ويعرض ازدهارها للخطر».

وأشار إلى لقاء مسؤولي مؤسسة النفط وزارة الطاقة الأميركية في 10 سبتمبر الماضي بواشنطن، معلنا أن اجتماعا آخر سيعقد في واشنطن الأسبوع الجاري، بتمثيل رفيع المستوى من مؤسسة النفط والمصرف المركزي ووزارتي المالية والتخطيط. وقال إن هذه المناقشات «ستركز على تحديد خطوات مقبولة للطرفين لتعزيز الشفافية والمساءلة للمؤسسات الاقتصادية الليبية، ونتطلع إلى استضافة حوار اقتصادي برعاية الولايات المتحدة في تونس أواخر العام 2019، لمواصلة البناء على رؤيتنا المشتركة من أجل ليبيا مستقرة ومزدهرة».

مبعوث أميركي لليبيا
ولا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذ كان الدور الأميركي سيقتصر على نشاطات مكثفة للسفير الأميركي، تتسع الدائرة لما تطرقت إليه محادثات السيناتور الجمهوري الأميركي، ليندسي غراهام، مع ترامب الشهر الماضي، التي تمحورت حول ضرورة تركيز الإدارة الأميركية والدولية على هذه القضية. وحسب جريدة «واشنطن بوست» على لسان غراهام فإنه يريد إقناع ترامب بتعيين مبعوث خاص إلى ليبيا كما فعل لكوريا الشمالية وسورية وإيران.

وأضاف عضو الشيوخ الأميركي: «ليبيا مهمة إستراتيجيا للولايات المتحدة لعدة أسباب. ستكون هناك موجة ثانية من اللاجئين تتدفق إلى أوروبا، وستصبح سورية الجديدة، ملاذا آمنا جديدا لأنواع داعش وتضغط كثيرا على حلفائنا». وأشارت الجريدة الأميركية إلى حديث لها مع رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، الذي شدد «على ضرورة أن تأخذ الإدارة الأميركية القضية الليبية على محمل الجد وتتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لإنجاز شيء ما».

وعلى ذمتها، فإن السراج يسعى لإقناع ترامب بثلاث مسائل، الأولى: يؤكد أن الولايات المتحدة تتعاون بالفعل مع حكومة الوفاق لمكافحة الإرهاب، وبنجاح ملموس. والثانية: يقول إن الشركات الأميركية يمكن أن تستفيد بشكل كبير من الفرص المتاحة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والأمن في ليبيا، إذا كان من الممكن إيقاف الحرب مع قائد القوات التابعة للقيادة العامة المشير خليفة حفتر. وأخيرا: يحذر من تغيب أميركا مما قد يحول ليبيا إلى ميدان للدول الأخرى لخوض حروب بالوكالة تشبه ما يقع في سورية.

وبالإضافة إلى ذلك، يشير السراج إلى أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي لديها فرصة لإقناع الدول العربية وروسيا بالتوقف عن تأجيج آلة الحرب التي تضم الآن مرتزقة روسيين يقاتلون على الأرض.
ووسط تحركات نورلاند والضغوط الداخلية على إدارة ترامب ومخاوف الأمم المتحدة من الانعكاسات السلبية لاتساع رقعة النزاع، يبقى التساؤل قائما حول فرص التدخل الأميركي المباشر في الملف الليبي، الذي بقي طويلا من خلف ستار، ودون أجندة واضحة.

تعليقات