عادت تحضيرات مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية لتحتل الصدارة الإعلامية على المستوى المحلي بشكل خاص، السياسي، مع جولة المباحثات التي احتضنتها مدينة زوارة الأحد، وجمعت رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس -الذي تقود بلاده الدعوة للمؤتمر-، والمبعوث الأممي غسان سلامة.

وعلى عكس كافة التكهنات فقد كشفت هذه الجولة المهمة عن تحركات دبلوماسية دولية كانت تدور في الظل خلال الأسابيع الماضية للإعداد لطاولة برلين، لكنها فاقمت الجدل والتساؤلات بشأن الغياب الليبي عن مؤتمر معني بليبيا والليبيين.

لماذا زوارة؟
وأبدى متابعون الشأن الليبي اهتماما باختيار مدينة زوارة الساحلية وليس العاصمة طرابلس -وفق المعتاد بروتوكوليا- لاستضافة مباحثات السراج وسلامة وماس، وهو ما أرجعوه إلى استمرار المخاوف الأمنية الناجمة عن حرب العاصمة، وسيما أن مطار معيتيقة، وهو مطار طرابلس اليتيم كان أقفل بعد تعرضه لسلسلة من القصف الجوي منذ بداية الحرب التي تجاوزت الآن الـ200 يوم.

لكن يبدو أن الهاجس الأمني كان حاضرا أيضا في مطار زوارة، بعدما كشفت جريدة «دي فيلت» الألمانية أن قوات الأمن المرافقة وزير الخارجية الألماني أوقفت مقابلة له مع الصحفيين في مطار المدينة قبل وقت قصير من مغادرته، بسبب رؤية طائرة، اعتقادا أنها تابعة لقوات القيادة العامة، ليضطر الوزير والوفد المرافق له للعودة إلى العربات المدرعة لبضع دقائق. ثم تبين بعدها أن الإنذار كان خاطئا ومجرد شائعة!.

انعقدت مباحثات زوارة لتفضي إلى مصطلح أممي جديد لتوصيف التحضيرات الجارية لمؤتمر برلين باعتبارها «مسيرة برلين»، وفق المبعوث الأممي غسان سلامة، الذي تحدث عن انعقاد ثلاثة اجتماعات متتالية ومعمقة كانت بمثابة المفاوضات السابقة على عقد المؤتمر، على أن يعقد الاجتماع المقبل خلال الأسابيع المقبلة، لكن المبعوث الأممي لم يحدد أسماء أو جدول أعمال المشاركين في الاجتماعات الثلاثة السابقة أو الاجتماع المقبل.

ومن المنتظر أن «تكلل المفاوضات (أو مسيرة برلين) بقمة تؤيد المبادئ التي جرى التوصل إليها عبر التفاوض مع مختلف ‬الأطراف»، حسب تصريحات سلامة، خلال مؤتمر صحفي مع وزيري الخارجية المفوض محمد الطاهر سيالة، والألماني هايكو ماس في زوارة، منبها إلى أنه سيخرج عن القمة «لجنة لمتابعة تنفيذ مقرراتها، وهذا وما يوفر فرص نجاح هذه المسيرة». وفي هذه الأثناء لا يخفي المبعوث الأممي آماله بحل خلافات اللاعبين الدوليين الرئيسيين في الملف الليبي خلال المؤتمر، إذ يقول «هي مسيرة جادة تهدف لترميم الموقف الدولي المتصدع، وهذا ما تطوعت الحكومة الألمانية لمساعدة البعثة به».

أطراف مؤثرة
أما الوزير الألماني، وخلال لقاء مع السراج بحضور سلامة، فقد طرح «وقف إطلاق النار باعتباره أساسا لنجاح المؤتمر»، بيد أنه لم يتطرق إلى تفاصيل بشأن مستوى وحجم المشاركات في طاولة برلين، واكتفى بتأكيد حرص بلاده على «مشاركة جميع الأطراف المؤثرة في مؤتمر برلين للوصول إلى نتائج جوهرية»، متعهدا بـ«ألا يصدر البيان الختامي إلا بعد التوافق الكامل بين المشاركين».

ورغم ذلك، يبدو أن القدر المتيقن من المشاركات -وحسب مراقبين- هو دعوة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي لحضور مؤتمر برلين، وهو ما أكده الوزير الألماني، مرجعا ذلك إلى الحصول على «التزام من المجلس بما يتم التوصل إليه»، مشيرا إلى دعوة دول للحضور من أجل الاطمئنان على «وقف الإمدادات العسكرية لليبيا وترسيخ مبدأ عدم التدخل».

اللافت في تصريحات وزير الخارجية الألماني، خلال مؤتمر صحفي مع سلامة وسيالة هو تأكيده أن الهدف هو تشديد على ضرورة «إيجاد شروط بين الأطراف المتنازعة دون تدخل خارجي الذي يعد سببا للأزمة»، وهو ما طرح تساؤلات لدى المراقبين حول ما إذا كانت هناك تناقضات بين ما يجري من تحضيرات للمؤتمر دون مشاركة الليبيين، ثم الحديث عن رفض التدخلات الخارجية لحل الأزمة الليبية.

لكن المجلس الرئاسي، برئاسة فائز السراج، وخلال لقاء مع ماس وسلامة، طرح شرطا أساسيا لنجاح المؤتمر وهو «الاستفادة من الأخطاء الماضية، وضرورة بحث وتقييم أسباب إخفاق اللقاءات التي عقدت في السابق في تحقيق تقدم على الأرض»، معيدا التأكيد على موقفه السابق بأن «الانقسام الدولي إزاء الأزمة الليبية شجع بعض الأطراف على عدم الالتزام بمخرجات المؤتمرات السابقة، وعرقلة محاولات الوصول إلى تسوية».

شروط أمنية
يشار إلى أن الطرف الآخر في الأزمة سبق وأن عبر عن موقفه على نحو واضح من مؤتمر برلين، من خلال تصريحات صدرت عن القيادة العامة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر الأسبوع الماضي تؤكد أن «أي عملية سياسية ما لم تتوافر لها الشروط الأمنية الضامنة لنجاحها، واحترام نتائجها، سيكون من العبث الحديث عنها»، مشيرة على لسان الناطق العسكري اللواء أحمد المسماري إلى ضرورة «القضاء على الإرهاب وحل التنظيمات والميليشيات المسلحة، ونزع جميع سلاحها، حتى يتمكن الليبيون من إيجاد حوار وطني شامل».

على صعيد مواز للتحركات الدولية وآخر محطاتها في زوارة، فإن رقعة الانتقادات الموجهة تتسع للقوى الدولية، التي أقصت عدة بلدان أفريقية ومجاورة من أي دور في المؤتمر، إذ كان تنديد الرئيس الجزائري الموقت، عبدالقادر بن صالح، بإقصاء الليبيين ودول الجوار من المبادرات الدولية الرامية لحل النزاع في ليبيا، خلال كلمة في قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة في عاصمة أذربيجان «باكو»، واستنكر بن صالح «بشدة بتعدد المبادرات التي تقصي الأطراف الليبية، وتهمش دول الجوار وتخلق جوا من المزايدات».

أما تونس التي دخل رئيسها الجديد قيس بن سعيد قصر قرطاج منذ أيام، فلا تزال تعيد ترتيب أوراقها في عدد من الملفات الإقليمية من بينها الملف الليبي، لكن رئيس حركة «النهضة» التونسية، راشد الغنوشي، سارع إلى دعوة الرئيس الجديد إلى التحرك باتجاه وضع حد للأزمة الليبية، وإحلال السلام في الجارة الشرقية لتونس. وسبق أن أكد الرئيس التونسي، الذي تسلم مقاليد الحكم قبل أيام قليلة، أنه سيجعل الملف الليبي على رأس الأولويات في سياسته الخارجية بالنظر للارتباط الوثيق بين تونس وليبيا.

توزيع الثروة والسلطة
وأخيرا، فإن مصر التي تطالب بتنفيذ مبادرة الأمم المتحدة حول ليبيا، تركز بشكل أساسي على أن «الخلل في توزيع الثروة والسلطة هو مكمن أساسي من مكامن الأزمة في ليبيا»، وفق تعبير وزير الخارجية سامح شكري خلال قمة عدم الانحياز، والتي ناشد خلالها الأطراف الليبية بـ«إعلاء المصلحة الوطنية»، مشددا على «أهمية الوقف الفوري للدعم المقدم للإرهاب في ليبيا من دول بعينها».

ووسط هذه التفاعلات الدولية والإقليمية، يخشى محللون من أن يكون الغموض والتعتيم اللذان يترافقان مع تحضيرات مؤتمر برلين هو بداية لفرض حلول من الخارج قد لا ترضي أطرافا في الداخل، وربما تضع برلين على طريق باريس وباليرمو، خصوصا أن وقف إطلاق النار هو شرط أساسي وضعه الجميع لبدء العملية السياسية دون كلمة واحدة عن آليات تنفيذه، التي لا تزال في حكم المعدومة، وهي الأجواء نفسها التي أحاطت بـ«لقاء غدامس» قبل أن تنسفه حرب العاصمة في الرابع من أبريل الماضي.

تعليقات