رشيد خشانة – الطرابلسيون متفائلون هذه الأيام، مع تواتر الأخبار عن اهتمام الدول الكبرى بأزمتهم، في سياق الإعداد لمؤتمر برلين. وعلى الرغم من أن طرابلس مُزنرة بالقوات التي تُهدد باقتحام الأحياء السكنية، في وسط المدينة، في أي لحظة، فإنك تقرأ في عيون الطرابلسيين شعورا بالأمل، لأن الأسعار نزلت بشكل ملحوظ، والسيولة باتت متوافرة في المصارف.

وينزل الليبيون في تونس كلما أرادوا السفر إلى بلد أوروبي، فيقضون فيها أياما، ثم يعودون إليها في طريق العودة إلى بلدهم، لأيام أُخر، هذا عدا عن الذين يحلون فيها للعلاج أو يختاروها لإقامة دائمة. ويمكن أن تسمع منهم هذه الأيام كلاما يفتح على التفاؤل، للمرة الأولى منذ انطلاق الحملة العسكرية، التي يقودها اللواء خليفة حفتر، للاستيلاء على طرابلس، في نيسان/ابريل الماضي. ويقول سفيان العمري (29 عاما) وهو من سكان ضاحية بوسليم، إن الطوابير التي كانت تصطف أمام فروع المصارف، بسبب شح السيولة، اختفت تماما في الفترة الأخيرة، بعدما صار المواطن لا يعتمد على المصرف، وإنما على المعاملات الالكترونية. ومضى سفيان شارحا أن الليبي “بات واعيا فهو يشتري الدولار من المصرف بالسعر الرسمي، ثم يبيعه في السوق الموازية بأعلى من سعر الشراء”. وأكد مصطفى السميري (55 عاما) وهو من مدينة الخُمس، أن المنحة التي أعطتها حكومة الوفاق (غرب) لأرباب الأسر، والتي أطلق عليها اسم “المنَة” وقدرُها ألف دولار، بيعت أيضا في السوق الموازية.

تراجع الأسعار

وقضية الصرف على قدر كبير من الأهمية هذه الأيام في ليبيا، لأنها إبرة الميزان في حسابات كل رب أسرة. وتحمس سفيان العمري ليشرح أن تدخل السلطات البنكية لتعديل سعر الصرف في آذار/مارس الماضي، أدى إلى ارتفاع قيمة الدينار، إذ كان الدولار يُستبدل بـ7 دنانير قبل سنة من الآن، فصار اليوم يساوي 3.90 دنانير، وفي المصارف 3.66 دنانير فقط. ونتيجة لهذا التحسن في سعر العملة، تراجعت أسعار كثير من المواد الاستهلاكية وقلَت المضاربات بالسلع” على ما قالت جيهان المغربي (49 عاما) وهي من سكان مدينة الزاوية القريبة من طرابلس. غير أن ليبيين آخرين من زُوار تونس الذين تحدثت إليهم “القدس العربي” لم يوافقوا على أن أسعار الخدمات تراجعت، وخاصة المطاعم والمقاهي، مع إقرارهم بأن أسعار السيارات والعقارات ومواد الانشاءات انخفضت فعلا. وضرب مصطفى السميري مثلا بعلبة دواء كان يشتريها بـ150 دينارا ونزل سعرها إلى 65 دينارا حاليا. أما صالح التركي (25 عاما) من سكان ضاحية عين زارة، الواقعة في قلب الاشتباكات جنوب طرابلس، فانتقد حكومة الوفاق لأنها لم تفكر بشراء بيوت متنقلة من كوريا، لإيواء النازحين من أحيائهم، بسبب الحرب في جنوب العاصمة، مؤكدا أن هكذا صفقة لن تثقل موازنة الحكومة.

هل يعود المهجرون؟

بالمقابل، بثت الحكومة الموازية في الشرق أخبارا عن اهتمامها بإعادة المُهجرين من مصر. وقال رئيس اللجنة المكلفة بعودة المهجرين الدكتور علي الصغير، عبر صفحة الحكومة المؤقتة على “فيسبوك” إن الأيام المقبلة ستشهد عودة أول دفعة من الليبيين المُهجّرين في مصر منذ أكثر من تسع سنوات. وحسب الصغير تستهدف العملية المُهجرين الذين غادروا البلاد منذ العام 2011. وذكرت الحكومة المؤقتة غير المعترف بها دوليا، والتي اتخذت من مدينة البيضاء (شرق) مقرا لها، أنها ستتكفل بنفقات العودة، وتأمين مساكن للعائدين لفترة محدودة، وستقدم لهم منحة شهرية لمدة محددة أيضا.

في الجانب الآخر، أشار سفيان إلى أن حكومة الوفاق خصصت اعتمادات كبيرة للنازحين أيضا، وصرفت لهم مساعدة لشراء المواد الاستهلاكية تُدعى “القضية” (بتسكين الضاد وتخفيف الياء) كما وفرت لهم الأغطية عن طريق المجالس المحلية ولجان الأزمة في البلديات. إلا أن البلديات ظلت تعاني من أزمات شديدة طيلة السنوات الأخيرة، بسبب الخلافات السياسية. أكثر من ذلك، تم إنشاء بلديات من دون توافر المقومات اللازمة لهكذا قرار، على ما قال المهندس عبد المنصف التلالي (60 عاما). واستدل بعدد الأحياء التي تحولت إلى بلديات مثل حي الأندلس وعين زارة وخلة الفرجان.

طرابلس تنام باكرا

اشتكت جيهان المغربي من أن طرابلس صارت تنام باكرا بسبب المخاوف الأمنية لسكانها، فالمحلات التجارية تُقفل عموما حوالي التاسعة مساء في أحياء العاصمة، كما تقل حركة السير في المساء، فيما يُسمعُ صوت الاشتباكات الآتي عموما من التخوم الجنوبية للمدينة. وأوضحت أن جميع المواد التموينية متوافرة، ومعظمها مستورد من تونس، مشيرة إلى أن بعض السكان باشروا تخزين كميات من تلك المواد التموينية، في أعقاب انطلاق الحرب التي يشنها اللواء حفتر على طرابلس، لكنهم تخلوا عن ذلك بعدما طالت الحرب واستقر الوضع العسكري في حالة لا غالب ولا مغلوب.

ويتطلع الطرابلسيون المتابعون لوسائل الإعلام المحلية والعربية إلى السلام الموعود، الذي يُبشر به أصحاب المبادرة الرامية لعقد مؤتمر برلين، إلا أن تفاؤلهم مشوب بالمرارة لكثرة ما بنوا من أحلام لم تتحقق بالسلم والأمان والعودة إلى الحياة الطبيعية.

تعليقات