رشيد خشانة –  بعد مرور تسع سنوات على انتفاضة 17 شباط /فبراير2011 ما زالت الحرب الأهلية مُستعرة في ليبيا، من دون بروز نافذة أمل في نهاية النفق. وشكل إصرار خليفة حفتر على السيطرة على حقول النفط والمطارات انعطافا بالغ الخطورة، انكشف معه هزال الموقف الدولي من انتهاكات وقف إطلاق النار وتنامي الاستعانة بالمرتزقة.

أصيب غالبية الليبيين بالاحباط في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 2510 لأنه لم يُسم بوضوح الأطراف الخارجية والمحلية، الضالعة في استمرار الحرب في جنوب العاصمة طرابلس، منذ الرابع من نيسان/ابريل الماضي. وكان صدور القرار، إثر ولادة عسيرة استمرت ثلاثة أسابيع، مُتزامنا مع خطوة الاتحاد الأوروبي بسحب خبرائه الأمنيين من ليبيا، وقبل أيام من الذكرى التاسعة لاندلاع الانتفاضة التي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي (1969-2011) في 17 شباط/فبراير 2011. وخيب قرار مجلس الأمن آمال قطاعات واسعة من الرأي العام الليبي، الذي كان ينتظر إقرار عقوبات واضحة في حق الأطراف المؤججة للصراع، سواء بإرسال المرتزقة، الذين لم يُسم القرار جنسياتهم، أو بمد الغريمين بالسلاح والعتاد. وقال الأكاديمي الليبي موسى جعفرية لـ”القدس العربي” إن القرار غير مُطمئن لسكان طرابلس، الذين يعيشون تحت القصف منذ أكثر من تسعة أشهر، وخاصة في التخوم الجنوبية للمدينة، ما حمل عشرات الآلاف منهم على النزوح من بيوتهم. واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان الخميس الماضي، قوات حفتر باستخدام قنابل عنقودية في حي سكني بالعاصمة.

محادثات جنيف

وانتشرت في الأوساط العسكرية والمدنية في طرابلس معلومات عن فشل اجتماع اللجنة الأمنية/ العسكرية، في التوصل إلى صيغة لمراقبة وقف إطلاق النار والفصل بين القوات. وأنهى الوفدان، اللذان كانا يمثلان حكومة الوفاق الوطني وقيادة الجيش في المنطقة الشرقية، اجتماعات في جنيف رعتها بعثة الأمم المتحدة، وعادا إلى ليبيا الأسبوع الماضي، من دون الوصول إلى اتفاق. وضمت المفاوضات خمسة ضباط من حكومة الوفاق ومثلهم من الضباط الموالين لحفتر. وأكد ضابط عضو في وفد “الوفاق” فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ”القدس العربي” أن رئيس فريقه اللواء أحمد أبوشحمة قدم خلال الاجتماعات خيارات عدة، من بينها الالتزام بوقف إطلاق النار وسحب الأسلحة والمسلحين من المناطق المأهولة بالسكان، والسماح بعودة النازحين والمُهجرين إلى بيوتهم. وأفاد المصدر أن الوفد طرح أيضا انسحاب قوات اللواء خليفة حفتر مسافة أربعين كلم عن مواقعها الحالية، والفصل بين القوات، لكن الطرف المقابل أصر على رفضها، على ما قال المصدر، بالرغم من التعديلات التي اقترحتها بعثة الأمم المتحدة، على الصيغة التي طرحها اللواء أبوشحمة، وهو آمر غرفة العمليات الميدانية في قوات حكومة “الوفاق”.

ويُشكل المسار الأمني/ العسكري أحد المسارات الثلاثة التي أقرتها مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، الشهر الماضي، إضافة إلى المسار السياسي والمسار الاقتصادي. واعتبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد السلام الحزاري، أن المسارات الثلاثة يمكن أن تتعثر ما لم تكن هناك قناعة لدى الفريقين بأن لا حل عسكريا للصراع في ليبيا، وأن التنازلات المتبادلة هي المخرج الوحيد من الحرب المستمرة منذ 2014. وعزا الحزاري في تصريح لـ”القدس العربي” إخفاق الوساطات السابقة الفرنسية والايطالية والروسية، إلى انحياز هؤلاء إلى أحد طرفي الصراع، مُبديا تفاؤله بالدور الألماني، الذي قال إن فرص نجاحه أوفر، شريطة أن تُعاضده الأمم المتحدة بإقرار عقوبات في حق منتهكي وقف إطلاق النار. واستمرت اجتماعات اللجنة العسكرية خمسة أيام في مقر الأمم المتحدة بجنيف، بمشاركة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة. ومن المقرر أن يعود أعضاء الفريقين إلى مائدة التفاوض بعد غد الثلاثاء في جنيف، في إطار جولة جديدة من التفاوض بين طرفي اللجنة، على أمل الوصول إلى اتفاقية شاملة لوقف إطلاق النار.

لجان… لجان

أما اللجنة الاقتصادية/ المالية فلم يكن حظها أفضل من اللجنة العسكرية، وقد اجتمع أعضاؤها من الفريقين في القاهرة، على مدى يومين، بحضور مساعدة المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا ستيفاني وليامز. وأسوة بالاجتماعات العربية الفاشلة، اقتصرت مخرجات اجتماع القاهرة على تشكيل ثلاث لجان، مؤلفة من خبراء اقتصاديين ومصرفيين ستجتمع في غضون أسبوعين في القاهرة مجددا. وتكتسي هذه اللجنة أهمية كبيرة، وخاصة عند الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، إذ طرحت خلال اجتماعاتها مسائل جوهرية، من بينها توزيع الثروات وإزالة آثار الحرب وتوحيد المؤسسات الاقتصادية وتهيئة البنية التحتية. وأثارت هذه المسائل خلافات في وجهات النظر بين الفريقين المتحاورين، لاسيما في توزيع الثروات، إذ اقترح البعض أن تكون حصة الاقليم الغربي (طرابلس) 50 في المئة من الايرادات، المُتأتية أساسا من النفط والغاز، فيما تكون حصة إقليم برقة (الشرق) 30 في المئة، ويحصل إقليم فزان (الجنوب) على 20 في المئة، حسب ما أفاد “القدس العربي” خبيرٌ مشارك في الاجتماعات. غير أن المصدر لم يُفصح عن اسم الوفد الذي قدم هذا الاقتراح.

مع الصخيرات أم ضده؟

أما اللجنة السياسية فستجتمع أواخر الشهر في جنيف، لكن من المستبعد أن تُقرب بين وجهات نظر الفريقين، لأن الأرجح أن وفد حكومة الوفاق سيدافع عن اتفاق الصخيرات (2015) بالنظر إلى كونه المرجعية التي انبثق منها المجلس الرئاسي، وهو الذي منح الشرعية لحكومة “الوفاق”. في المقابل يرفض فريق حفتر مرجعية الصخيرات، حتى لو تمت الموافقة على مُراجعة بنود منها، مُستقويا في ذلك بالبلدان التي تعترف بشرعيته المنبثقة من البرلمان. وأتيحت فرصة العام الماضي لعقد مؤتمر جامع في مدينة غدامس الليبية والخروج بخريطة طريق جديدة، إلا أن القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء خليفة حفتر استبق غدامس بحملة عسكرية واسعة لاحتلال طرابلس، مستقويا بالشق المؤيد له من أعضاء البرلمان. ويعتبر مراقبون أن البرلمان، الذي نقل مقره من العاصمة طرابلس إلى مدينة طبرق (شرق)، خاضعٌ لضغوط اللواء حفتر، الذي بات يتحكم بقرارات رئيس البرلمان عقيلة صالح.

في الجانب الآخر من المشهد، لوحظ أن البلدين الأوروبيين الأكثر تداخلا في الأزمة الليبية وهما إيطاليا وفرنسا، عاودتا اللعب في الملف الليبي مجددا، على الرغم من انطلاق مسارات الحوار في إطار لجنتين على الأقل من اللجان الثلاث المذكورة. وأرسلت روما وزير خارجيتها لويجي دي مايو إلى بنغازي حيث اجتمع مع اللواء حفتر. ولم يرشح شيء عن الاجتماع. وكان دي مايو زار طرابلس قبل سفره إلى بنغازي.

أما باريس فأوفدت مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية كريستوف فارنو، الذي نقل دعوة إلى حفتر لزيارة باريس، موجهة من الرئيس الفرنسي ماكرون. وأرسلت أيضا دعوة من وزير الداخلية الفرنسي إلى نظيره في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، لزيارة باريس والاجتماع مع نظيره الفرنسي، من أجل “بحث عدد من المواضيع الأمنية المتعلقة بمجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية” طبقا لما أفادت وسائل إعلام فرنسية. واجتمع المسؤول الفرنسي في طرابلس مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير الداخلية باشاغا. ويدلُ تزامن الزيارتين على اشتداد المنافسة بين باريس وروما في وقت أكد مؤتمر برلين على وقف جميع التداخلات الخارجية في الصراع الليبي. وقال المهندس بلقاسم عبد الحكيم الزاوي، الذي يعمل في أحد حقول “المؤسسة الوطنية للنفط” مُعلقا بسخرية “من غرائب الأمور أن الدول التي ما فتئت تتداخل في الشأن الليبي، هي الأعلى نبرة في انتقاد التداخلات الخارجية…”.

ميونخ بعد برلين

وتستضيف مدينة ميونخ الألمانية اليوم الأحد اجتماعا وزاريا لمتابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، يحضره عدد من وزراء الخارجية الذين حضروا إلى برلين، من بينهم الألماني هايكو ماس والروسي لافروف والإيطالي دي مايو والفرنسي لودريان. أما أمريكا، التي تتحاشى التعاطي المباشر في الملف الليبي منذ مقتل سفيرها لدى ليبيا (2012) فحضت الأطراف الحاضرة في برلين على حل الصراع عن طريق التفاوض. وفي هذا الإطار أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، في إفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أن المتسببين في تأجيج الصراع داخل ليبيا “لن يفلتوا من العقاب، بما في ذلك روسيا”. واعتبر شينكر أن تداخل اللاعبين الخارجيين “يعرقل جهود إعادة الليبيين إلى مائدة التفاوض” مؤكدا أن “ليبيا ليست مكانا للمرتزقة الروس أو المقاتلين من سوريا أو تشاد أو تركيا” في تهجم نادر على دولة عضو في الحلف الأطلسي. وشدد شينكر، في إفادته أمام لجنة العلاقات الخارجية على ضرورة حل الصراع الليبي عن طريق التفاوض، مؤكدا أن واشنطن “عاقبت من يهدد السلام والاستقرار في ليبيا”.

واتهم نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوروآسيوية كريستوفر روبنسون، في إفادة مماثلة أمام مجلس الشيوخ، موسكو بالسعي لإيجاد مسارات موازية لمسار الأمم المتحدة وكذلك بإرسال مرتزقة من شركة “فاغنر” إلى ليبيا لمحاربة قوات حكومة الوفاق الوطني، متوعدا بأن واشنطن “ستضغط على حلفائها الأوروبيين لفرض مزيد من العقوبات عليها (فاغنر)” مُعتبرا أن على روسيا “أن تفهم أنه لا يمكنها الإفلات من العقاب بسبب زعزعة الاستقرار في ليبيا” وهو تحذير من أعنف التحذيرات الأمريكية لموسكو بشأن الملف الليبي. لكن يبدو أن روسيا لا تأبه لهذا الوعيد.

تعليقات