ترفع مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، شعار “مكافحة الإرهاب”، في حين أن حكومة الوفاق الوطني، أكثر من حارب وتضرر من عمليات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، سواء في معركة سرت الكبرى في 2016، أو في مدينة صبراتة، كما تلقت طرابلس أعنف هجمات “الذئاب المنفردة” في 2018.

وهذه القناعة خلص إليها الكونغرس الأمريكي، في مايو/ أيار 2019، حيث قال في بيان إن “الدور الحقيقي الفعال.. في مكافحة الإرهاب قامت به القوات المتمركزة في مصراتة. أما حفتر، فليس مكافحا للإرهاب، بل هدفه الرئيسي الاستيلاء على السلطة”.

وسبق للمندوب البريطاني في الأمم المتحدة مارك ليال غارنت، في فبراير/ شباط 2015، أن أقرّ أن كتائب مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) أكثر من حارب الإرهاب في ليبيا.

وقال السفير غارنت: “كتائب مصراتة، الوحيدة التي تقاتل تنظيم الدولة الآن في ليبيا، وأنّ قوات حفتر فشلت في مجابهة التنظيمات المتشدّدة في مدينة بنغازي (شرق) على مدار السنة”.

وفي هذا الصدد، يكشف العقيد عبد الباسط تيكة، في جهاز مكافحة الإرهاب، أن قوات الوفاق اعتقلت العشرات من عناصر تنظيم “الدولة”، غالبيتهم قياديون في سرت.

ففي مايو 2016، وبعد أقل من شهرين من دخول حكومة الوفاق (المعترف بها دوليا)، إلى طرابلس، ومباشرتها أعمالها رسميا، أطلقت عملية “البنيان المرصوص”، التي خاضت أشرس المعارك ضد التنظيم، الذي سيطر في 2015، على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، وسيطر على عدة بلدات شرقا وغربا، على امتداد 250 كلم من ساحل خليج سرت.

وحاول تنظيم الدولة حينها السيطرة على الموانئ النفطية شرقا، قبل أن يولي وجهه نحو الغرب الليبي، ويباغت كتائب مصراتة في هجوم استباقي، وسقطت عدة بلدات في يده سريعا مطلع مايو 2016، إلى أن وصل إلى منطقة السدادة التي لا تبعد عن مصراتة سوى نحو 90 كلم.

وبسرعة استكملت حكومة الوفاق، استعداداتها، وأوقفت عملية “البنيان المرصوص” (يتشكل قوامها من كتائب مصراتة)، زحف فلول تنظيم “الدولة”، وبدعم جوي أمريكي فاعل، ومشاركة وحدات خاصة من القوات البريطانية، فضلا عن دعم إيطالي “للوفاق” بمستشفى ميداني في مصراتة يضم 100 طبيب ويحميه 200 مقاتل من القوات الخاصة.

انهار بعدها تنظيم الدولة سريعا، ونكصت عناصره راجعة إلى خطوطها الدفاعية القوية في مدينة سرت، بعد أن خسرت بلدات أبو قرين، والوشكة، والهيشة، وزمزم، وأبو نجيم وبويرات الحسون، على طول 150 كلم.

وتمكن 8 آلاف مقاتل من البنيان المرصوص من محاصرة بضعة آلاف من عناصر التنظيم داخل أسوار المدينة (ما بين ألفين إلى 5 آلاف)، لكن القضاء على التنظيم في معقله الرئيسي لم يكن سهلا.

أشهر طويلة من القتال، من بلدة إلى بلدة، ومن حي إلى حي، خسرت خلالها قوات حكومة الوفاق أكثر من 600 قتيل و3 آلاف جريح، بحسب قوات البنيان المرصوص.

واستخدم تنظيم “الدولة” حينها السيارات الانتحارية، التي لا توقفها سوى قذائف المدفعية، وصواريخ “آر بي جي” المحمولة، كما لجأ إلى تفخيخ الأحياء والبيوت والسيارات، واتخذ المدنيين دروعا بشرية، ولعب قناصة التنظيم دورا رئيسيا في عرقلة تقدم قوات الوفاق، لكنه بعد نحو 8 أشهر من القتال، انهار آخر معقل له في حي “الجيزة البحرية” بسرت، بعدما خسر التنظيم أكثر من 1500 عنصر.

مطاردة بقايا “الدولة”

بعد القضاء على القوة الرئيسية لتنظيم “الدولة” في سرت، شكلت حكومة الوفاق في نهاية 2016، جهازا لمكافحة الإرهاب، لمطاردة بقايا التنظيم.

ويقول العقيد تيكة، إنه بعد هزيمة التنظيم في 2016، تم اختيار مجموعة من قوات البنيان المرصوص، وقسمت إلى قوة عسكرية مشكلة من عناصر تلقوا دورات تدريبية، وقوة احتياطية.

وتولت هذه القوة الجديدة مطاردة عناصر التنظيم، بالتنسيق مع القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، وأيضا مع القوات البريطانية والإيطالية، التي كانت شريكة لها في قتال داعش في سرت.

وبالتعاون مع حكومة الوفاق، قصفت قاذفات أمريكية ثقيلة معسكرين لتنظيم “الدولة”، جنوب غرب مدينة بني وليد، وقضت على 80 عنصرا، في 18 يناير 2017.

وتلاها عدة غارات أمريكية، بالتنسيق مع حكومة الوفاق، آخرها مقتل 8 عناصر من التنظيم، بالقرب من مدينة مرزق (950 كلم جنوب طرابلس)، في 20 سبتمبر/ أيلول 2019.

القضاء على آخر معقل لتنظيم “الدولة”

بعد القضاء على تنظيم الدولة في سرت في ديسمبر/كانون الأول 2016، ومطاردة ما تبقى من عناصره في وديان وشعاب جنوب سرت وجنوب شرق مدينة بني وليد، كان الاعتقاد أنه تم تشتيت عناصره وفقد السيطرة على المدن والبلدات الكبيرة، قبل أن يفاجأ الجميع بأن لديهم مركزا كبيرا للتدريب بضواحي مدينة صبراتة (70 كلم غرب طرابلس)، لا يقل عدد أفراده عن 200 عنصر.

ففي 19 فبراير/ شباط 2017، وجهت طائرة أمريكية ضربة صاروخية لمنزل في صبراتة أوقعت نحو 50 قتيلا من “الدولة”، وردّ التنظيم بهجوم انتقامي على مقر مديرية أمن صبراتة، التابعة لحكومة الوفاق، فقتل 12 رجل أمن، لكنه خسر 5 أفراد من عناصره.

كادت صبراتة، أن تتحول إلى معقل جديد للتنظيم، لولا تحرك حكومة الوفاق سريعا هذه المرة، وشكلت غرفة عمليات من كتائبها في المنطقة الغربية، وتمكنت من طرد عناصر التنظيم من المدينة، بعد معارك شرسة دامت أياما فقط، خسر فيها نحو 50 قتيلا والعشرات من الأسرى.

ولأن غالبية عناصر تنظيم “الدولة” في صبراتة، من الجنسية التونسية، حاول العشرات منهم بمساعدة خلايا نائمة، إقامة إمارة في مدينة بن قردان، جنوب شرقي تونس، لكن قوى الأمن والجيش التونسي تصدوا لهم وقضوا وأسروا معظمهم.

“الدولة” ينتقم من طرابلس

مرّ النصف الثاني من عام 2017 بردا وسلاما على الليبيين، بعد أن أصبحت هجمات تنظيم “الدولة” نادرة وتكاد لا تذكر، واكتفى فيها التنظيم بتلقى الضربات الجوية الأمريكية القاتلة، التي شلت بشكل كبير نشاطه، مما دفعه إلى تغيير تكتيكه القتالي “من السيطرة على المدن إلى عمليات الذئاب المنفردة”.

وفي هذا السياق، يوضح العقيد تيكة، أن قيادة التنظيم طلبت من عناصرها أن لا يتنقل أكثر من اثنين في آلية واحدة، وأن لا يتكون أي رتل من أكثر من آليتين، وأن يتسللوا فرادى إلى المدن بزي غير ملفت للانتباه.

انتشر عناصر التنظيم في الصحراء الإفريقية الكبرى، في مجموعات صغيرة، بعد أن أخفقوا في تحويل بني وليد وشعابها إلى قاعدة خلفية لهجماتهم، قبل أن يستقروا في جبال الهروج، وسط الصحراء الليبية، ومن هناك بدأوا شنّ هجماتهم شمالا وجنوبا.

وفي 2018، بدأ تنظيم الدولة في تركيز ضرباته على طرابلس، لكن بأسلوب “الذئاب المنفردة”، وبشكل أدق عبر عمليات الانغماسيين (هجمات مسلحة وانتحارية في نفس الوقت).

وفي هذا الإطار، قام عنصران من التنظيم، في 2 مايو 2018، باقتحام مقر مفوضية الانتخابات في طرابلس، وفجروا أحد طوابقه، وقتلوا 13 شخصا بين حراس وموظفين، قبل أن تتمكن قوات حكومة الوفاق من القضاء عليهما.

وفي 10 سبتمبر/ أيلول من ذات العام، اقتحم ثلاثة انغماسيين من تنظيم الدولة، مقر المؤسسة الوطنية للنفط (حكومية) وسط طرابلس، وقتلوا اثنين وأصابوا 10 من الموظفين، بعد تفجير أنفسهم.

وقبل انتهاء عام 2018 بأيام، قام 3 انغماسيين من التنظيم، بهجوم استعراضي على مقر وزارة خارجية حكومة الوفاق في طرابلس، تخللته اشتباكات مع قوات الأمن وتفجير أحدهم لنفسه، قبل أن يحرقوا المكان، مخلفين 3 قتلى و21 مصابا.

احتواء الذئاب المنفردة

لكن في 2019، تمكن جهاز مكافحة الإرهاب، بحسب تيكة، من متابعة وتوقيف الكثير من خلايا التنظيم (الذئاب المنفردة)، في طرابلس والعديد من مدن المنطقة (دون تحديد عددهم).

ففي ظرف أربع سنوات تمكنت حكومة الوفاق، من القضاء على سيطرة التنظيم على جميع مدن وبلدات المنطقة الغربية الخاضعة لسيطرتها، وحتى بعد أن غيّر التنظيم تكتيكه القتالي، تمكنت الوحدات الأمنية لحكومة الوفاق من التكيف سريعا وإعادة احتوائه والسيطرة عليه.

غير أن سيطرة حفتر على محافظات لإقليم فزان (جنوب)، وهجومه على طرابلس ومدن المنطقة الغربية، في أبريل/ نيسان 2019، منح تنظيم “الدولة” جرعة أوكسجين لإعادة تنظيم نفسه، واستهداف بلدات معزولة في الصحراء الليبية مثل “غدوة”، والفقهاء”، و”أم الأرانب”.

تعليقات