صورة نشرت على صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية الرسمية على فيسبوك بتاريخ 16 يوليو/تموز 2020 تظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه بشيوخ قبائل ليبية خلال مؤتمر في القاهرة. الرئاسة المصرية

 

أخذت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخصوص الوضع في ليبيا منحى تصعيديا، خاصة مع الدعم الذي وفرته تركيا لقوات حكومة الوفاق الوطني، إذ استطاعت بفضله أن تحقق مكاسب عسكرية على حساب حليف القاهرة المشير حفتر. وتوعد السيسي في مناسبتين بالتدخل العسكري في البلد الجار. فهل مصر مستعدة فعلا للزج بجيشها في النزاع الليبي؟

إعلان

لا تنظر مصر بعين الرضى للتدخل التركي في ليبيا، لا سيما وأن حليفها حفتر في الشرق أبان عن محدودية قدرته في السيطرة على طرابلس كما ظل يردد مدة طويلة، بل تلقى هزائم جعلته يتراجع إلى الخلف، بفضل دعم أنقرة لقوات خصمه حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

وهذا الاستياء المصري من الوجود التركي في ليبيا، عبر عنه بوضوح الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبتين، كان آخرها الخميس أمام شيوخ ينتمون إلى قبائل ليبية، إذ أكد السيسي أن بلاده “لن تقف مكتوفة الأيدي” في مواجهة أي تحركات قد تشكل تهديدا للأمن في مصر وليبيا، في رسالة واضحة إلى أنقرة.

وتتقاسم سلطتان متنازعتان ليبيا: فمن جانب هناك حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس من جهة، فيما يوجد على الجبهة المقابلة المشير خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد وجزء من جنوبها والمدعوم من البرلمان الذي يوجد مقره في طبرق.

تواصل تصعيد اللهجة

لقد جاءت تصريحات الرئيس المصري استمرارا لتصعيد اللهجة تجاه تركيا، الذي بدأته القاهرة منذ 20 يونيو/حزيران، كرد منها على تقدم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني نحو الشرق، ملوحا بأن ذلك سيدفع بلاده إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا في حال واصلت هذه القوات توغلها.

وكان الرئيس المصري قد شدد في كلمة وقتها، عقب تفقده وحدات الجيش المصري في المنطقة العسكرية الغربية، على أنه “إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت أو الجفرة فهذا بالنسبة لنا خط أحمر”. وعلق السيسي على ذلك الخميس قائلا “إن الخطوط الحمراء التي أعلناها هي بالأساس دعوة للسلام وإنهاء الصراع في ليبيا”.

وتأتي تهديدات الرئيس المصري مجددا بعد يومين من إعلان مجلس النواب الليبي في طبرق، المؤيد للمشير خليفة حفتر في شرق البلاد، أنه أعطى الضوء الأخضر لمصر للتدخل عسكريا في بلاده “لحماية الأمن القومي” للبلدين، معتبرا أن ذلك يندرج في سياق تضافر جهود الطرفين لـ”دحر المحتل الغازي” التركي.

تهديد السيسي لا يبدو أنه يؤثر في الموقف التركي، إذ أكد أردوغان مواصلة دوره في ليبيا “إلى النهاية”، بمبرر أنه “لن يترك الليبيين يواجهون وحدهم العدوان العسكري”، كما لفت إلى أن “الخطوات التي تتخذها مصر بوقوفها مع حفتر غير قانونية”، واعتبر أن بلاده “تقف مع حكومة شرعية تكافح الانقلابيين” على حد تعبيره.

“ّتصريحات لا تتجاوز الوعيد”

يبقى السؤال في خضم هذه التصريحات النارية للسيسي. هل فعلا مصر اليوم على استعداد للتدخل في البلد الجار ليبيا؟ وهذا ما يستبعده المتخصص في الشأن الليبي رشيد خشانة، الذي يعتبر في حديث لفرانس24 أن “ّهذه التصريحات لا تتجاوز الوعيد”.

وبرأي خشانة “أن من يريد التدخل لا يجمع القبائل ويخطب فيها، وإنما يقوم بذلك مباشرة” في إشارة منه لخطاب السيسي الخميس أمام شيوخ قبائل ليبية، قال فيه موجها الكلمة لهم “لن نتدخل (في ليبيا) إلا بطلب منكم (الليبيين) وسوف نخرج منها بأمر منكم”.

ويرى خشانة أن “السيسي لا يمكنه أن يتدخل إلا بضوء أخضر من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي، حتى لو حاولت روسيا الداعمة لحفتر جره إلى مستنقع الحرب، لأنه لا يستطيع أن يخضع لضغط موسكو بهذا الخصوص على حساب علاقاته الوثيقة مع واشنطن”. علما أن الولايات المتحدة تكتفي حتى الآن بوضع يدها على الملف الليبي عبر بوابة أنقرة. وكانت الرئاسة التركية قد أعلنت أن أردوغان توافق مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب على العمل “بشكل أوثق” من أجل إيجاد حل للنزاع الدائر في ليبيا.

ودخلت أطراف عديدة على خط النزاع في ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي نفط في أفريقيا، فمن جهة تدعم روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة المشير حفتر، بينما تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة.

كما أن مصر، بحسب المتخصص في الشأن الليبي، “غير مستعدة لفتح جبهة إضافية للجبهة الإثيوبية بخصوص سد النهضة”، باعتباره ملفا معقدا “ويمكن أن يأخذ أبعادا أخرى” في حال استمرار الوضع على ما هو عليه.

مصالح مصر وتركيا تتقاطع في ليبيا

“المستفيد الأول من استمرار الأزمة الليبية هي تركيا” حسب رأي رشيد خشانة. لكن مصر أيضا لها مصالحها الاقتصادية في هذا البلد، “فهي تأخذ المحروقات الليبية بأسعار تفضيلية، ولها الكثير من العمال في البلد الجار، وستستفيد بشكل غير مباشر من إعادة الإعمار عند انتهاء الأزمة”، حسب قراءة المتخصص في الشأن الليبي.

ويعتبر خشانة أن “البلدين يتقاطعان في نقطة المصالح الاقتصادية على الأراضي الليبية، وتركيا هي من تستفيد بشكل أكبر في الوقت الحالي”، إلا أن البعد الإيديولوجي في هذا الصراع المصري التركي على الأراضي الليبية، يبقى حاضرا بقوة أيضا.

فبحسب رشيد خشانة، “النظام المصري ليس من مصلحته ظهور نظام إخواني في البلد الجار” بالنظر للحرب التي يشنها على أصحاب هذه الإيديولوجيا منذ وصول السيسي إلى الحكم، فيما يعتبر أن “تركيا تعرف كيف تجمع بين مصالحها الاقتصادية والإيديولوجيا، وتدافع عن مشروعها وتحاول توسيعه”.

تعليقات