بعد مرور قرابة عقد على مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، مازال بعض أنصاره يأملون في عودة نجله “سيف الإسلام” لقيادة البلاد، ولو تحت نظام جديد يختلف عن النظام الجماهيري الذي أسسه والده.

ودعا ما يسمى بـ”حراك رشحناك” و”اتحاد القبائل الليبية”، في 3 أغسطس/آب الجاري، أنصار القذافي، للخروج في مسيرات مساء 20 من ذات الشهر للمطالبة بانتخابات رئاسية وتشريعية، ودعم سيف الإسلام القذافي.

وسبق لأنصار القذافي أن خرجوا للشوارع لتفويض سيف الإسلام، بالموازاة مع دعوة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر أنصاره لتفويضه حاكما للبلاد، في أبريل/نيسان 2020، وهو ما سبب إحراجا الأخير، الذي وصف ذات مرة نجل القذافي بـ”المسكين”.

وقال حفتر، في تصريح صحفي، مطلع 2018، “العديد من السذج لا يزالون يؤمنون للأسف بسيف الإسلام. يحاول البعض مساومته، لكنه مجرد رجل مسكين يحاولون استغلاله مقابل المال”.

** 9 أعوام لا تكفي

رغم أن ثورة 17 فبراير، التي قضت على نظام القذافي، مازال رجالها يهيمنون على معظم مفاصل الدولة، سواء في غرب البلاد أو شرقها، إلا أن أنصار النظام السابق يرفضون الانصهار تحت أي عنوان.

ويتحالف غالبية أنصار القذافي مع مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، بينما ينضوي بعضهم تحت لواء الحكومة الشرعية، ويفضل الباقي الحياد على أمل أن تتغير موازين القوى ذات يوم.

فجيش القبائل بمنطقة ورشفانة (جنوب طرابلس) الذي كان يقوده عمر تنتوش (اعتقلته القوات الحكومية مؤخرا)، واللواء 12 بمنطقة براك الشاطئ (700 كلم جنوب طرابلس) بقيادة محمد بن نايل (توفي مؤخرا)، والكتائب الأمنية للقذافي التي ذاب أفرادها ضمن اللواء التاسع ترهونة، وكتائب الزنتان جناح إدريس مادي، وكتائب أخرى.. كلهم انضموا إلى حفتر، وقاتلوا إلى جانبه، للانتقام من الثوار الذين ساند أغلبهم الحكومة الشرعية.

بينما انحاز اللواء علي كنه، ونحو ألفين من مغاوير الطوارق إلى الحكومة الشرعية، بعدما قاتلوا خلال الثورة إلى جانب نظام القذافي.

أما الفئة الثالثة فهي الأكثر ولاء ووفاء لنظام القذافي، والتي رفضت الانضواء تحت لواء أي من الطرفين إلا في إطار شكلي و”إداري”، وتتمثل في قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها القذافي، والمنتشرة في مدينتي سرت (450 كلم شرق طرابلس) وسبها (750 كلم جنوب طرابلس)، وقبيلة ورفلة، إحدى أكبر قبائل الغرب الليبي، ومركزها مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس).

وعلى العموم، أنصار القذافي ينتشرون بالمنطقتين الغربية والجنوبية وبدرجة محدودة جدا بالمنطقة الشرقية (إقليم برقة الداعم لحفتر)، وغالبية القبائل التي تدعمه بدوية، وتنتشر في الجبل الغربي وعلى امتداد الصحراء من سرت شمالا إلى غاية مدينة غات في أقصى الجنوب الغربي.

فسيف الإسلام القذافي، لا تنقصه الشعبية، بالنظر إلى أن عدة قبائل بدوية مازالت تدعمه مثل ورشفانة والقذاذفة وورفلة والمقارحة والصيعان والطوارق، وفي حال تمكن من الترشح لأي انتخابات رئاسية مقبلة فسيكون رقما صعبا في ظل تشتت رموز ثورة 17 فبراير.

** أذرع مالية وإعلامية وسياسية

تحاول بقايا نظام القذافي، إعادة التقاط أنفاسها وتنظيم صفوفها مجددا، خاصة وأنها مازالت تمتلك القوة المالية، حيث تقدر بعض الأوساط الإعلامية والبحثية ثروة معمر القذافي بنحو 85 مليار دولار، موزعة على استثمارات عائلية وحسابات سرية وسبائك ذهبية.

لكن الواجهة المالية لنظام القذافي السابق، يعتبر أحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، والمقيم حاليا في مصر، والذي تتحدث مصادر إعلامية عن امتلاكه هو الآخر ثروة كبيرة.

وفي ظل اختفاء سيف الإسلام، وسجن شقيقه حنبعل في لبنان، وصمت بقية الإخوة وعلى رأسهم عائشة، أصبح قذاف الدم الواجهة الإعلامية والمالية والسياسية لأنصار القذافي، لامتلاكه حرية الحركة، وعدم متابعته في قضايا جنائية أو مالية دولية.

حيث أسس قذاف الدم، حزب جبهة النضال الوطني، في المهجر، ويتولى حاليا منصب المسؤول السياسي، ويجري عدة حوارات مع وسائل إعلام عربية ودولية، يبشر فيها بقرب عودة المهدي المنتظر لأنصار النظام السابق.. سيف الإسلام القذافي.

حيث صرح في أحد لقاءاته الإعلامية، في يونيو/حزيران الماضي، إنه “من واجب سيف الإسلام القذافي كأي مواطن ليبي أن لا يبقى متفرجا على الوضع حاليا.. لا أحد يستطيع أن ينكر أن له أرضية في ليبيا وإرثا لا سيما لدى الشباب”.

ويحاول أنصار القذافي تجميع صفوفهم، وتوحيد رؤاهم وعدم الذوبان في صف هذا الطرف أو ذاك عبر عدة وسائل إعلامية تابعة لهم على غرار قناة الجماهيرية الفضائية، ووكالة الجماهيرية للأنباء، ومواقع إلكترونية إخبارية، ناهيك عن صفحات التواصل الاجتماعي.

** روسيا الداعم الدولي الوحيد لسيف

لا يحظى أنصار القذافي بأي دعم دولي بارز باستثناء روسيا، التي تراهن عليه بديلا لحفتر، الذي مني بهزيمة مدوية في الغرب الليبي.

وفي هذا الصدد تحدث دينيس كوركودينوف، رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي الروسي، عن نية موسكو التنسيق مع سيف الإسلام، بهدف تهيئته للمرحلة المستقبلية ما بعد حفتر، الذي بدأ يخسر رضى الأطراف الدولية الداعمة له بسبب خسارته لعدد من المواقع الاستراتيجية.

لكن أكبر دليل تملكه الحكومة الليبية عن دعم موسكو لسيف الإسلام، إلقاؤها القبض على عميلين روسيين في 2019، أجريا 3 لقاءات مع نجل القذافي، المختفي عن الأنظار، وتم ضبط ملاحظات لديهما عن تلك اللقاءات.

وذكرت وكالة بلومبرغ الأمريكية، في أحد تقاريرها، أن روسيا تهدف إلى إبراز نجل القذافي على أنه فاعل صاعد في ليبيا عند إجراء الانتخابات.

ومن الملاحظات الملفتة التي دوّنها العميلان الروسيان، أن سيف الإسلام، زعم أن 80 بالمئة من عناصر مليشيات حفتر، من أنصاره، وأن الأخير سينضم إليه في حال سيطر على العاصمة طرابلس.

ورغم نفي روسيا دعمها لأي طرف في ليبيا، إلا أن عدة قرائن لا تعزز هذا الرأي.

فموسكو كانت من أكبر المعارضين لإسقاط نظام القذافي، خاصة وأنه كان زبونا مهما للسلاح الروسي، وعقدت معه صفقات بالمليارات، وإعادة تأهيل هذا النظام من جديد قد يمنحها امتيازات ونفوذ أكبر مما قد يتيحه لها حفتر أو الحكومة الشرعية.

لكن أمام القذافي الابن عقبات كبيرة في طريق ترشحه لرئاسة البلاد، أولها أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وثانيها أن لا الحكومة الشرعية ولا حفتر ولا الثوار الذين أطاحوا بنظام والده سيسمحون له بالترشح لأي انتخابات رئاسية، كما أن المجتمع الدولي، والدول الغربية خاصة، من المستبعد أن يقبلوا بإعادة تأهيل النظام الليبي السابق بعد أن ساهموا في الإطاحة به.

لذلك فترشح سيف الإسلام، للرئاسيات، بعد إطلاق سراحه في يونيو 2017، مجرد زوبعة في فنجان، لكن أنصاره أصبحوا يمثلون ثقلا عسكريا وقبليا، وقد يقلبون الطاولة على الجميع، في ظل انقسام ثوار الأمس إلى معسكرين متناحرين، وتردي الأوضع الاقتصادية والاجتماعية أسوأ مما كانت عليه في عهد النظام السابق.

تعليقات