الفوضى الليبية تتجسد في أعمال تشكيلية
الفوضى الليبية تتجسد في أعمال تشكيلية

في عام 1973، رسم الفنان الأسباني بابلو بيكاسو لوحة جدارية استوحاها من هجوم بالطائرات وقصف بالقنابل تعرضت له قرية لاغيرنيكا شمال أسبانيا من قبل القوات التابعة لفرانكو بدعم من النازيين، وقد تمّ حينئذ إلقاء خمسين طنا من القنابل، الأمر الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى، فما فعله بيكاسو أنه في لوحته تلك جسّد بشاعة الحرب. والتقرير التالي يبرز مدى اهتمام التشكيليين الليبيين بتجسيد الحرب والقصف العشوائي والنزوح والتهجير في لوحاتهم، لتكون شواهد على نبذهم للدمار، ورسائل مفادها أنه بالفن والثقافة نواجه الإرهاب.

يعمل عدد غير قليل من التشكيليين الليبيين على تجسيد بشاعة الحرب والقصف العشوائي والتهجير والتنكيل، وهي الحالة التي باتت تعيشها ليبيا منذ ثورة 17 فبراير، من خلال لوحاتهم التي يبثون فيها آلامهم كي تكون شاهدا على الخراب، ونبذهم له.

ولوحة “مهاجرون” للفنانة نجلاء الشفتري تقدم في رمزية مآسي الحرب كما رأتها الفنانة الليبية التي تقول “تعبر اللوحة عن الأسماك التي تهجر بحرها هربا من تغيّرات المناخ، كما الإنسان الليبي تماما الذي يحلم بالهجرة هربا من قسوة الواقع”.

وأضافت “الفن سلاحي ضد البشاعة، أعبر عن نفسي داخل اللوحة بشكل فطري دون تخطيط، وسيلاحظ ذلك كل من يقرأ لوحاتي من خلال عدة تفاصيل، رغم أني في العادة أحاول تحميل لوحاتي أفكارا حيادية تتكلم عن الإنسان دون تحديد لجنسه”.

ويقول التشكيلي عادل فورتيه عن لوحته “ليبيا إلى السلام”: للفن قدرة على التماهي مع الأحداث الآنية والمباشرة أحيانا، لكن بصورة مختلفة، بمعنى أن الأحداث والتفاعل المستمر لكل ما يحدث من شأنه أن يخلق حالات في ذات الفنان التشكيلي، هذه الأحداث يصبح نقلها مقرونا بحالة التخلق التي تحدث داخل الذات الفنية، فتخرج بصورة مغايرة، غير ما هي مطروحة أحيانا، وليس من المفترض أن ينقل الفنان الحدث كما يراهُ الآخرون.

ويضيف “هناك رؤية تحدث وهناك فعل إبداعي خلاّق يواكب تلك الحالة فيضفي عليها نمطا آخر من الفعل الفني”.

في وسط مدينة بنغازي يقيم النحات علي الواكواك معرضه الدائم الذي لم يستطع الوصول إليه مؤخرا بسبب المعارك الدائرة في محور البلاد. في عام 2011 ومع بدايات الحرب الليبية استطاع الواكواك تطويع الذخيرة والقنابل والصواريخ المستعملة بتحويلها إلى منحوتات وأعمال فنية جسدت سيرة الجندي المجهول.

واعتبر الواكواك أن تحويل الذخيرة إلى أشكال فنية، وقد استخدم فيها حوالي عشرة آلاف قطعة، أفضل ردّ على بشاعة الحرب، وما صاحب ذلك من مآس إنسانية كنزوح الأهالي من المناطق المشتعلة بالقتال، ولعل منحوتة “النازحين” تجسد هذا، ويقول الواكواك “من خلال التجديد في أعمالي أواكب ما يحدث حولي من دمار، فأتت لوحاتي تعبيرا عن الحرب والسلام والموت والحياة في مدينة تفتقر إلى أبسط سبل العيش”.

من بنادق الأطفال البلاستيكية أنجز التشكيلي محمد بن لامين نصبا فنيا زجاجيا على شاكلة كلمة “لا” ولكنها بالحروف اللاتينية، وهو عبارة عن تجميع بنادق اللعب لتلاميذ الصفين الثالث والرابع في مدينة مصراتة والتي فاق عددها الـ11000 قطعة.

وحول إيمان الفنان محمد بن لامين بقدرة الفن على تغيير الواقع أجاب “لا شك أن الفن هو أداة تغيير مهمة ومن شأنه أن يساهم بشكل جوهري وأساسي في نشر ثقافة السلام والتعايش المدني، ونحن في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا في أشدّ الحاجة لاستدعاء الفن وكل الفعاليات الثقافية والروحية من أجل تكريس رسالة السلم الاجتماعي ونبذ العنف المسلح، وتأكيد المطالبة الدائمة والعملية لبسط الأمن وحماية المواطنين ومعالجة الأضرار النفسية والتربوية التي لحقت بمحيطنا الاجتماعي الليبي من جرّاء الحرب”.

وأضاف: اخترت كلمة “لا” باللغة الإنكليزية لشيوعها وعالميتها وإمكانية قراءتها من الجميع، وأيضا لموافقتها وتناسبها مع الرؤية الهندسية التنفيذية للمجسم.

وتعكس لوحة التشكيلية نجلاء شوكت الفيتوري “الشهيدة” مشهد الغياب اليومي، وعنها تقول “اللوحة اكتشاف لوجع الذات، تمتص وحشته، فكل فنان له تجاربه وطريقته في التعبير، وكل فنان له أكاديميته الخاصة لمرجعية تخيلية من لدن روحه، الفن يجعلنا نرى، يرفع الذائقة الفنية، التغريد داخل الخراب كفتح نور في أبعاد الروح ليضيء العمق الإنساني”.

وتضيف الفنانة نجلاء الفيتوري “دائما للفن إشارات خفية إلى ما سيأتي، إنه يسهم في خلق حالة من الحكمة”.

تعليقات